المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌515 - (1) باب فرض الحج في العمر مرة واشتراط وجود المحرم في جواز سفر المرأة لحج أو غيره

- ‌516 - (2) باب ما يقول المحرم إذا سافر للحج وإذا قفل منه والتعريس بذي الحليفة والصلاة بها إذا صدر من حج أو عمرة

- ‌517 - (3) باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف به عريان وفضل يوم عرفة وثواب الحج والعمرة

- ‌518 - (4) باب نزول الحاج بمكة وتوريث دورها وجواز إقامة المهاجر بمكة ثلاثة أيام بعد فراغه من الحج أو العمرة

- ‌519 - (5) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها والنهي عن حمل السلاح فيها وجواز دخولها بلا إحرام

- ‌520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها

- ‌521 - (7) "باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها وأن الطاعون والدجال لا يدخلانها وأنها تنفي شرارها

- ‌522 - (8) باب عقوبة من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار وبيان حين يتركها أهلها

- ‌523 - (9) باب فضل ما بين القبر والمنبر وفضل جبل أحد وفضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

- ‌524 - (10) باب فضل المساجد الثلاثة وبيان المسجد الذي أُسس على التقوى وفضل مسجد قباء

- ‌ كتاب النكاح

- ‌525 - (11) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل ودفع ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌526 - (12) باب الترخيص في نكاح المتعة في أول الإسلام ثم نسخه وتحريمه التي يوم القيامة

- ‌527 - (13) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها وما جاء في نكاح المُحْرِم وخِطْبته

- ‌528 - (14) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النِّكَاح

- ‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

- ‌530 - (16) باب النظر إلى المخطوبة واشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع وأقل قليل والأمر بالوليمة

- ‌531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة

- ‌532 - (18) باب زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب فيه، والهدية للعروس في حال خلوته، والأمر بإجابة دعوة النِّكَاح، وقوله شر الطعام طعام الوليمة

- ‌533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها

الفصل: ‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

‌529 - (15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

3353 -

(1340)(90) حدّثني عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيسَرَةَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَن يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. حدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ. حدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأمَرَ. وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأذَنَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيفَ إِذْنُهَا؟ قَال: "أَنْ

ــ

529 -

(15) باب استئمار الثيب واستئذان البكر، والصغيرة البكر يزوجها أبوها واستحباب النكاح في شوال

3353 -

(1340)(90)(حدثني عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري) الجشمي مولاهم أبو شعيب البصري، ثقة، من (10)(حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8)(حدثنا هشام) بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي أبو بكر البصري، ثقة، من (7)(عن يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5)(حدثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني (حدثنا أبو هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم بصريون واثنان مدنيان وواحد يمامي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُنكح الأيم) أي الثيب (حتى تُستأمر) أي تستشار، والأيم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة؛ المرأة التي لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة، بكرًا كانت أو ثيبًا لكن المراد منها هنا الثيب بدليل وقوعها في مقابلة البكر اهـ ابن الملك، وقيد ملا علي كلًّا من الأيم والبكر بالبالغة والمسألة مبسوطة في الفقه على خلاف فيها، وقوله:(حتى تستأمر) أي تستشار ففيه إشارة إلى أن الكلام شرط في إذن الأيم قاله ابن الملك.

وفي العون قوله: (لا تنكح) بالبناء للمجهول نفيًا للمبالغة أو نهيًا (الأيم) أي الثيب وهي التي فارقت زوجها بموت أو طلاق (حتى تستأمر) أي يطلب الأمر منها بتزويجها، وأصل الاستئمار طلب الأمر فالمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها ويؤخذ من قوله: تستأمر أنه لا يعقد عليها إلا بعد أن تامر بذلك وليس فيه دلالة على عدم اشتراط الولي في حقها بل فيه إشعار باشتراطه قاله الحافظ، (ولا تنكح البكر حتى تستاذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذنها (أن

ص: 281

تَسْكُتَ"

ــ

تسكت) لاستحيائها من نطق لفظ النكاح، قال الحافظ: عبّر في الثيب بالاستئمار وفي البكر بالاستئذان فيؤخذ منه فرق بينهما من جهة أن الاستئمار يدل على تأكد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج إلى صريح إذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقًا، والبكر بخلاف ذلك والإذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حق البكر لأنها قد تستحيي أن تفصح اهـ، قال الخطابي في المعالم: ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أُنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل إنكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم تستأذن ومعنى استئذانها إنما هو عندهم على استطابة النفس دون الوجوب كما جاء في الحديث الأمر باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط في صحة العقد اهـ من العون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5136]، ، وأبو داود [2092]، والترمذي [1107]، والنسائي [6/ 85].

(تتمة): قال القرطبي: اتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا، ومنه قوله تعالى:(وَأَنكِحُوأ الْأَيَمَى مِنكُمْ)[النور / 32]، تقول العرب: تأيمت المرأة إذا أقامت لا تتزوج، ويقال أيم بينة الأيمة وقد آمت هي وإمت أنا، قال الشاعر:

لقد إمت حتى لامني كل صاحب

رجاء بسلمى أن تئيم كما إمت

قال أبو عبيد: يقال رجل أيم وامرأة أيم وأكثر ما يكون في النساء وهي كالمستعار في الرجال (قلت): والأيم في هذا الحديث هي الثيب بدليل الرواية المفسرة التي جعل فيها الثيب مكان الأيم، وبدليل أنها قوبل بها البكر وفصل بينهما فأُعطيت كل واحدة منهما حكمهما وهذا واضح جدًّا وعليه فلا مبالاة فيما يقوله الكوفيون وزفر والشعبي في هذا الحديث من أن المراد بالأيم التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا مستدلين به على أن الولي ليس بشرط في النكاح بل للمرأة أن تنكح نفسها بغير ولي بكرًا كانت أو ثيبًا إذا بلغت وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم:"أحق" على "العقد" أي أحق من وليها بالعقد عليها وهذا لا يصح لما ذكرناه ولأن مقصود الحديث بيان حكم الثيب والأبكار بالنسبة

ص: 282

3354 -

(00)(00) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ. ح وَحَدَّثنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى. أَخْبَرَنَا عِيسَى (يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ) عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ. ح وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،

ــ

إلى سماع الإذن فالثيب تُعرب عن نفسها أي تنطق بنفسها عن مرادها ولا يكتفى منها بالسكوت، والبكر يكتفى منها بالسكوت فقوله:(أحق بنفسها) أي تنطق بنفسها ولا ينطق الولي عنها، ثم نقول: بل هذا الحديث حجة للجمهور في اشتراط الولي بدليل صحة ما وقعت فيه المفاضلة، وبيان ذلك أن أفعل من كذا لا بد فيها من اشتراك في شيء مما وقع فيه التفاضل فإنك إن قلت فلان أعلم من فلان اقتضى ذلك اشتراكهما في أصل العلم وانفراد أحدهما بمزية فيه، وكذلك قوله: أحق لا بد فيه أن يشاركها الولي في حقيةٍ ما، فإذًا له مدخل، ثم وجدنا في الشريعة مواضع كثيرة تدل على أن ذلك المدخل هو شرط في صحة النكاح فمنها قوله تعالى:(وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) ومنها قوله تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَينَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ومنها حديث أبي هريرة مرفوعًا "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" رواه الدارقطني وصححه اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

3354 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (حدثنا الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم أبو الصلت الكندي البصري، ثقة، من (6)(ح وحدثني إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الرازي، ثقة، من (10)(أخبرنا عيسى يعني ابن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقة، من (8)(عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو الشامي عالمها، ثقة، من (7)(ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا حسين بن محمد) بن بهرام التميمي المروذي -بفتح الميم وتشديد الراء المضمومة وبذال معجمة- نسبة إلى مرو روذ مدينة من خراسان ثم البغدادي (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي البصري، ثقة، من (7) (ح وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) أبو عثمان البغدادي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري (قالا): أي قال عمرو ومحمد: (حدثنا عبد الرزاق) بن همام

ص: 283

عَنْ مَعْمَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ. حَدَّثَنَا مُعَاويةُ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. بِمِثْلِ مَعْنَى حَدِيثِ هِشَامٍ وإِسْنَادِهِ.

وَاتَّفَقَ لَفْظُ حَدِيثِ هِشَامٍ وَشَيبَانَ وَمُعَاويَةَ بْنِ سَلَّامٍ. فِي هذَا الْحَدِيثِ.

3355 -

(1341)(91) حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. قَال: سَمِعْتُ

ــ

الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) نسبة إلى قبيلة، أبو محمد السمرقندي، ثقة، من (11)(أخبرنا يحيى بن حسان) بن حيان- بتحتانية- البكري أبو بكر البصري، ثقة، من (9)(حدثنا معاوية) بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الدمشقي، ثقة، من (7)(كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة المذكورين أعني الحجاج والأوزاعي وشيبان ومعمرًا ومعاوية بن سلام رووا (عن يحيى بن أبي كثير بمثل معنى حديث هشام) الدستوائي (و) بـ (إسناده) أي وبإسناد هشام الدستوائي يعني عن أبي سلمة عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الخمسة المذكورين لهشام الدستوائي في الرواية عن يحيى بن أبي كثير (واتفق لفظ حديث هشام) الذي هو المتابع بالفتح (و) لفظ حديث (شيبان ومعاوية بن سلام) المتابعين له بالكسر (في هذا الحديث) السابق بخلاف الحجاج والأوزاعي ومعمر فإنهم رووا معنى حديث هشام لا لفظه فهذه الجملة كالاستثناء من قوله: بمثل معنى حديث هشام.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

3355 -

(1341)(91)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة فقيه، من (8)(عن ابن جريج (ح) وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) ابن راهويه (ومحمد بن رافع) القشيري (جميعًا) أي كل من إسحاق ومحمد رويا (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9) (واللقظ) الآتي (لابن رافع) قال ابن رافع:(حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال) ابن جريج الأموي المكي (سمعت)

ص: 284

ابْنَ أَبِي مُلَيكَةَ يَقُولُ: قَال ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَارِيَةِ يُنْكِحُهَا أَهْلُهَا. أَتُسْتَأْمَرُ أَمْ لَا؟ فَقَال لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ. تُسْتَأمَرُ" فَقَالتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّهَا تَسْتَحْيِي. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ إِذْنُهَا إِذَا هِيَ سَكَتَتْ"

ــ

عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي المكي، ثقة، من (3) (يقول: قال ذكوان مولى عائشة) أبو عمرو المدني، ثقة، من (3) (سمعت عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (تقول): وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان مكيان واثنان إما كوفيان أو مروزي ونيسابوري (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية) أي عن البكر (ينكحها) بضم الياء من أنكح الرباعي أي يزوّجها (أهلها) أي أولياؤها وأقاربها أي يريد وليها أن ينكحها (أتستأمر) أي أتستأذن في إنكاحها (أم لا) تستأمر؟ (فقال لها) أي لعائشة (رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم تستأمر) أي تستأذن (فقالت عائشة فقلت له) صلى الله عليه وسلم (فإنها) أي فإن الجارية (تستحيي) أي تخاف من أن تفصح وتنطق الإذن في النكاح (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذلك) الاستحياء والسكوت عن إفصاح الإذن هو (إذنها) في تزويجها (إذا هي سكتت) بعد الاستئذان.

قوله: (عن الجارية) وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق الليث مختصرًا، وفيه أنها قالت: يا رسول الله إن البكر تستحيي، قال الحافظ: ودلت رواية البخاري على أن المراد بالجارية في رواية مسلم البكر دون الثيب اهـ فتح الملهم، والجارية هي من النساء من لم يبلغ الحلم سميت بذلك لجريها في بيت أهلها على مقتضى ميلها، وتطلق على فتية النساء، والجارية تطلق أيضًا على السفينة لجريها في البحر قال تعالى:(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) والجارية أيضًا الأمة لجريها مستسخرة في أشغال مواليها ويقال لها ابنة اقعدي وقومي، والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا حتى سموا كل أمة جارية وإن كانت مسنة تسمية بما كانت عليه والجمع في الكل الجواري، وتسمى الشمس أيضًا بالجارية لكونها تجري لمستقر لها، وعلى العين الجارية من الماء، فلفظها من قبيل المشترك اللفظي اهـ من بعض الهوامش، والمراد بها هنا البكر، وقوله:(نعم تستأمر) أي

ص: 285

3356 -

(1342)(92) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لَهُ) قَال: قُلُتُ لِمَالِكٍ: حَدَّثَكَ عَبدُ اللهِ بْنُ الفَضلِ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَليِّهَا

ــ

تستأذن والمؤامرة المشاورة، وقد مر الفرق بين الاستئذان والاستئمار، قوله:(إذا هي سكتت) في الدر المختار: فإن استأذنها فسكتت عن رده مختارة أو ضحكت غير مستهزئة أو تبسمت أو بكت بلا صوت فهو إذن أو بصوت لم يكن إذنًا ولا ردًّا حتى لو رضيت بعده انعقد، وقال ابن الهمام في الفتح بعد حكاية الروايات: والمعول اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضحك فإن تعارضت أو أشكل احتيط اهـ. قال الحافظ: واستدل بحديث الباب على أن البكر إذا أعلنت بالمنع لم يجز النكاح، وإن أعلنت الرضا فيجوز بطريق الأولى، وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يجوز أيضًا وقوفًا عند ظاهر قوله وإذنها أن تسكت اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي اهـ تحفة الأشراف.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

3356 -

(1342)(92)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني ثم المكي، ثقة، من (10) (وقتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (قالا: حدثنا مالك) بن أنس (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (واللفظ) الآتي (له) أي ليحيى (قال) يحيى: (قلت لمالك: حدثك) بتقدير همزة الاستفهام أي أحدثك (عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني، ثقة، من (4)(عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد طائفي وواحد إما مكي أو بلخي أو نيسابوري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأيم) أي الثيب (أحق بنفسها) أي بأمر نفسها (من وليها) يحتمل أنها أحق من وليها في كل شيء من العقد وغيره كما قال أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضا حتى لا تزوّج إلا أن تأذن بالنطق بخلاف البكر، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا

ص: 286

وَالْبِكْرُ تُسْتَأذَنُ فِي نَفْسِهَا. وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا؟ " قَال: نَعَمْ

ــ

بولي" مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي تعيَّن الاحتمال الثاني فإنه إذا تقرر هذا فمعنى أحق وهو يقتضي المشاركة أن لها في نفسها في النكاح حقًّا ولوليها حقًّا وحقها آكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها بكفؤ وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا وامتنع الولي أُجبر الولي على تزويجها، ولو أصر زوجها القاضي فدل على تأكيد حقها ورجحانه كذا قال النووي:(والبكر تستأذن) أي يطلب منها الإذن (في نفسها) أي في نكاحها (وإذنها صُماتها) بضم الصاد أي سكوتها يقال: صمت صمتًا من باب قتل وصموتًا وصماتًا، وفي الكلام قلب، والأصل وصماتها كإذنها الصريح لأنه لا يُخبر عن شيء إلا بما يصح أن يكون وصفًا له حقيقة أو مجازًا، فيصح أن يقال الفرس يطير، ولا يصح أن يقال الحجر يطير لأنه لا يوصف بذلك حقيقة ولا مجازًا، وصماتها كإذنها صحيح، ولا يصح أن يكون إذنها مبتدأ لأن الإذن لا يصح أن يوصف بالسكوت لأنه يكون نفيًا له فيبقى المعنى إذنها مثل سكوتها وقبل الشرع كأن سكوتها غير كاف فكذلك إذنها فينعكس المعنى قاله الفيومي؛ يعني أنها لا تحتاج إلى إذن صريح منها بل يكتفي بسكوتها لكثرة حيائها. قال النووي: ظاهره العموم في كل بكر وفي كل ولي وأن سكوتها يكفي مطلقًا وهذا هو الصحيح، وقال بعض أصحابنا: إن كان الولي أبًا أو جدًّا فاستئذانه مستحب، ويكفي فيه سكوتها، وإن كان غيرهما فلا بد من نطقها لأنها تستحيي من الأب والجد أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث ولوجود الحياء، وأما الثيب فلا بد من النطق بلا خلاف سواء كان الولي أبًا أو غيره لأنه زال كمال حيائها بممارسة الرجال وسواء زالت بكارتها بنكاح صحيح أو فاسد أو بوطء شبهة أو بزنا، ولو زالت بكارتها بوثبة أو بإصبع أو بطول المكث أو وطئت في دبرها فلها حكم الثيب على الأصح، وقيل حكم البكر والله أعلم اهـ منه.

وقوله: (قال) مالك ليحيى بن يحيى (نعم) حدثني عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير جواب الاستفهام المقدر في قوله: أحدثك عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير. وسْارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود [2098]، والترمذي [1108]، والنسائي [6/ 84].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

ص: 287

3357 -

(00)(00) وحدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ زِيادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ. سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيرٍ يُخْبِرُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيَّهَا. وَالْبِكْرُ تُسْتأمَرُ. وَإِذْنُهَا سُكُوتُهَا"

ــ

3357 -

(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا سفيان) بن عيينة الهلالي الكوفي (عن زياد بن سعد) بن عبد الرحمن الخراساني أبي عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6)(عن عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة الهاشمي المدني، ثقة، من (4) أنه (سمع نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي المدني، ثقة، من (2)(يُخبر عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد طائفي وواحد مكي وواحد كوفي وواحد بلخي، غرضه بيان متابعة زياد بن سعد لمالك بن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق) وأولى (بنفسها) أي بأمر نفسها من العقد والمهر والنفقة (من وليها، والبكر تستأمر) أي تستاذن (وإذنها سكوتها) أي وسكوتها مثل إذنها، قال القرطبي: هكذا وقع في حديث ابن عباس (والبكر تستأمر) وفي حديث أبي هريرة (الأيم تستأمر، والبكر تستأذن) وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس لأن تستأمر معناه يُستدعى أمرها وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يسمى أمرًا وهذا ممكن من الثيب لأنها لا يلحقها من الخجل والخوف والانقباض ما يلحق بالبكر فلا يكتفى منها إلا بنطق يدل على مرادها صريحًا وأما تستأذن فإنه يقتضي أن يظهر منها ما يدل على رضاها وإذنها بأي وجه كان من سكوت أو غيره ولا تكلف النطق، وهذا منه صلى الله عليه وسلم مراعاة لتمام صيانتها ولإبقاء حالة الاستحياء والانقباض عليها بأن ينظر لها في ذلك المحل ما هو أصون لها وأليق بها فإنها لو تكلمت تصريحًا لظن أن ذلك رغبة منها في الرجال، وهذا غير لائق بالبكر بل هو منقص لها ومزهد فيها بخلاف الثيب، وقد استحب بعض علمائنا أن تُعرف البكر أن سكوتها محمول منها على الإذن وليكون ذلك زيادة في تعريفها وتنبيهًا لها على ما يخاف أن تجهله، وقد كان بعض من لقيناه من الفقهاء يقول لها بعد عرض الزواج والمهر عليها: إن كنت راضية فاصمتي، وإن كنت كارهة فتكلمي وهو تنبيه حسن اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:

ص: 288

3358 -

(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَقَال:"الثَّيّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيّهَا. وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِها. وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" وَرُبَّمَا قَال: "وَصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا".

3359 -

(1343)(93) حدَّثنا أَبُو كُرَيبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَّدّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. قَال: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةً، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشةَ

ــ

3358 -

(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (بهذا الإسناد) المذكور قبل هذا يعني عن زياد بن سعد الخ، غرضه بيان متابعة ابن عمر لقتيبة بن سعيد (وقال) ابن أبي عمر في روايته (الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في) نكاح (نفسها وإذنها صماتها، وربما قال) ابن أبي عمر (وصمتها إقرارها) أي سكوتها مثل إقرارها ونطقها في الاكتفاء به، قوله:(يستاذنها أبوها) قال البيهقي: زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة، قال الشافعي: زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن، قال البيهقي: والمحفوظ في حديث ابن عباس البكر تستأمر، ورواه صالح بن كيسان بلفظ واليتيمة تستأمر وكذلك رواه أبو بردة عن أبي موسى ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن المراد بالبكر اليتيمة (قلت): وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ بلفظ الأب، ولو قال قائل: بل المراد باليتيمة البكر لم يدفع، وتستأمر -بضم أوله- يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ويبقى النظر في أن الاستئمار هل هوشرط في صحة العقد أو هو مستحب على معنى استطابة النفس كما قال الشافعي كل من الأمرين محتمل كذا في فتح الباري.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3359 -

(1343)(93)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من ص (9) (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال) أبو بكر بن أبي شيبة:(وجدت) أي رأيت (في كتابي) وثبتي حديثًا رويته (عن أبي أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله

ص: 289

قَالتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتِّ سِنِينَ. وَبَنَى بِي وَأَنَا بِتْتُ تِسْعِ سِنِينَ

ــ

تعالى عنها، قال النووي: معناه أنه وجده في كتابه ولم يذكر أنه سمعه، ومثل هذا تجوز روايته على الصحيح وقول الجمهور ومع هذا فلم يقتصر مسلم عليه بل ذكره متابعة لغيره اهـ. قال الأبي: لم يذكره في الأتباع بل صدَّر به اهـ. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة: (تزوجني) أي نكحني (رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد عليّ بعد موت خديجة ونكاح سودة وهو بمكة (لست سنين) تعني من عمرها أي إنها في وقت نكاحها صغيرة بنت ست سنوات (وبنى بي) أي دخل عليّ بعد الهجرة بسبعة أشهر (وأنا بنت تسع سنين) من عمري أي زففت إليه وحملت إلى بيته، يقال بنى عليها وبنى بها والأول أفصح، وأصله أن الرجل كان إذا تزوج بنى للعرس خباء جديدًا أو عمره بما يحتاج إليه، ثم كثر حتى كُني به عن الدخول أفاده الفيومي، وأخرج الإسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد أنك سألتني متى توفيت خديجة؟ وأنها توفيت قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك، ونكح النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بعد وفاة خديجة وعائشة بنت ست سنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بها بعد ما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين، قال الحافظ بعد الكلام الكثير وإذا ثبت أنه بنى بها في شوال من السنة الأولى من الهجرة قوّى من قال إنه دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر، وقد وهاه النووي في تهذيبه، وليس بواه إذا عددناه من ربيع الأول وجزمه بأن دخوله يها كان في السنة الثانية يخالف ما ثبت أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين، وقال الدمياطي في السيرة له: ماتت خديجة في رمضان، وعقد على سودة في شوال، ثم على عائشة، ودخل بسودة قبل عائشة، هـ.

قال النووي: هذا الحديث صريح في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها لأنه لا إذن لها والجد كالأب عندنا اهـ، قال المهلب: أجمعوا على أنه يجوز للأب تزويج ابنه الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها إلا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ، وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقًا أن الأب لا يزوّج بنته البكر الصغيرة حتى تبغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه، قال صاحب التلويح: وهذا لم يقل به أحد غيره ولا يلتفت إليه

ص: 290

قَالتْ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَوُعِكتُ شَهْرًا

ــ

لشذوذه ومخالفته دليل الكتاب والسنة ومقابله تجويز الحسن والنخعي للأب إجبار بنته كبيرة أو صغيرة بكرًا كانت أو ثيبًا، قال ابن الهمام: ويجوز تزويج الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولي لقوله تعالى: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فأثبت العدة للصغيرة وهي فرع تصور نكاحها شرعًا فبطل به منع ابن شبرمة وأبو بكر الأصم معه وتزويج أبي بكر عائشة وهي بنت ست نص قريب من المتواتر، وتزوُّج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم وُلدت مع علم الصحابة نص في فهم الصحابة عدم الخصوصية في نكاح عائشة رضي الله تعالى عنها، قال النووي: أجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث، وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي والحجازيين، وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت، وأما غير الأب والجد من سائر الأولياء فلا يجوز لهم أن يزوّجوها عند الشافعي ومالك والثوري وغيرهم، وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون: يجوز لجميع الأولياء، ولها الخيار إذا بلغت إلا أبا يوسف فقال: لا خيار لها. كذا في المرقاة اهـ من فتح الملهم.

قوله: (وأنا بنت تسع سنين) واختلف العلماء في الوقت الذي تدخل فيه المرأة على زوجها إذا اختلف الزوج وأهل المرأة، فقالت طائفة منهم أحمد وأبو عبيد: يدخل وهي بنت تسع اتباعًا لحديث عائشة، وعن أبي حنيفة نأخذ بالتسع غير أنا نقول إن بلغت التسع ولم تقدر على الجماع كان لأهلها منعها، وإن لم تبلغ التسع وقويت على الرجال لم يكن لهم منعها من زوجها، وكان مالك يقول: لا نفقة لصغيرة حتى تدرك وتطيق الرجال، وقال الشافعي: إذا قاربت البلوغ وكانت جسيمة تحتمل الجماع فلزوجها أن يدخل بها وإلا منعها أهلها حتى تحتمله أي الجماع كذا في عمدة القاري.

(قالت) عائشة (فقدمنا) مع أقاربي من مكة (المدينة فوعكت) بالبناء للمجهول أي حُمّيت عن الوعك وهو الحمى أي أخذني ألم الحمى وحرارتها (شهرًا) أي مرضت بالحمى وكان ذلك في أول قدومهم المدينة في الوقت الذي وعك فيه أبو بكر رضي الله عنه وقبل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بأن يصححها وينقل حماها إلى الجحفة، ولما دعا فعل الله تعالى ذلك اهـ من المفهم، وفي الكلام حذف على روأية مسلم تقديره فتساقط شعري بسبب الحمى فلما شفيت تربى شعري ونبت فكثر، وهو

ص: 291

فَوَفَى شَعْرِي جُمَيمَةً. فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبِي. فَصَرخَتْ بِي فَأَتَيتُهَا. وَمَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي. فَأَخَذَتْ بِيَدِي. فَأَوْقَفَتْنِي عَلَى الْبَابِ. فَقُلْتُ: هَهْ هَهْ. حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي

ــ

معنى قولها: (فوفى شعري) أي كثر حتى صار (جميمة) تصغير جمة بضم الجيم، والجمة في شعر الرأس ما نزل إلى المنكبين، وإذا نزل إلى شحمة الأذنين يسمى وفرة أي صار إلى هذا الحد بعد أن كان قد ذهب بالمرض، وفي رواية البخاري بعد قوله: فوعكت فتمزق شعري بالزاي أي تقطع، وفي رواية فتمرق بالراء أي انتتف (فأتتني أم رومان) هي كنية أم عائشة واسمها زينب بنت عامر بن عويمر الكنانية، وهي زوج أبي بكر الصديق وأم ولديه عبد الرحمن وعائشة أسلمت وهاجرت، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله الذهبي، وقال أبو عمر: أن رومان يقال بفتح الراء وضمها بنت عامر ولم يذكر لها اسمًا ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم قبرها واستغفر لها وقال:"اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك"(وأنا) أي والحال أني (على أرجوحة) أي جالسة عليها (ومعي) أي والحال أن معي على الأرجوحة (صواحبي) من البنات اللائي يلعبن معي على الأرجوحة، والأرجوحة بضم الهمزة والجيم بينهما راء ساكنة هي خشبة يلعب عليها الصبيان والجواري الصغار يكون وسطها على مكان مرتفع ويجلسون على طرفيها ويحركونها فيرتفع جانب منها وينزل جانب اخر قاله النووي، وقيل: الأرجوحة حبل يعلق فيركبه الصبيان يلعبون عليه اهـ مفهم (فصرخت بي) أي صاحت بي صياحًا مزعجًا ونادتني (فأتيتها) أي فجئتها من عند صواحبي (و) الحال أني (ما أدري) ولا أعلم (ما تريد) وتقصد (بي) وتطلبني لأجله (فأخذت) أي أمسكت (بيدي) ومشت بي إلى البيت (فأوقفتني على الباب فقلت هه هه) هي حكاية عن صوت المنبهر المنزعج الذي ضاق نفسه وذلك أنها كانت تترجح ثم إنها صيح بها صياحًا مزعجهًا فأتت مسرعة فضاق نفسها لذلك، ولذلك قالت:(حتى ذهب نفسي) بفتح الفاء وقد أخطأ من سكنها أي حتى زال عني ذلك النفس العالي الحاصل من الإعياء اهـ من المفهم.

وفي فتح الملهم قوله: - (هه هه) بفتح الفاء الأول وإسكان الثانية فهي هاء السكت وهذه كلمة يقولها المبهور أي منقطع النفس أي قلت هه هه لأجل الترجع على

ص: 292

فَأَدْخَلَتْنِي بَيتًا. فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ. فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيرِ وَالْبَرَكَةِ. وَعَلَى خَيرِ طَائِرٍ

ــ

الأرجوحة حتى يتراجع إلى حال سكونه، وفي رواية البخاري أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج أي لأتنفس تنفسًا عاليًا، وقوله:(حتى ذهب نفسي) بفتح الفاء أي ذهب عني غلبة النفس من الإعياء (فأدخلتني) أي أمي أم رومان (بيتًا) لنا (فإذا) فيه (نسوة) بضم النون وكسرها (من الأنصار) حاضرات في البيت، وإذا فجائية أي فاجأني رؤية نسوة من الأنصار سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية فيما أخرجه المستغفري، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب إليهن تمرًا ولبنًا (فقلن) لي تلك النسوة دخلت (على الخير والبركة و) وقفت (على خير طائر) وأفضل حظ ونصيب، وطائر الإنسان نصيبه، والجار والمجرور في الموضعين متعلق بمحذوف كما قدرناه، وفي الحديث استحباب الدعاء للمتزوج والمزوجة وهذا نحو ما رُوي من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار شهد إملاكه فقال:"على الألفة والخير والطائر الميمون" وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عوف: "بارك الله لك" ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بارك الله لكم وعليكم". (قلت): وهذه أدعية والدعاء كله حسن غير أن الدعاء بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولذلك كره بعضهم قول العرب بالرفاء والبنين، وقولهن: على خير طائر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وعلى الطائر الميمون" على جهة التفاؤل والكلام الطيب، وليس هذا من قبيل الطيرة المنهي عنها التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:"لا طيرة" وخيرها الفأل، وقد ذكرنا أصل هذه الكلمة وحكمها في كتاب الإيمان اهـ مفهم، وفي فتح الملهم قوله:(على الخير والبركة) هذا الدعاء يشمل المرأة وزوجها، وفي بعض طرق حديث عائشة إن أمها لما أجلستها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله، بارك الله لك فيهم. وقوله:(على خير طائر) كناية عن الفأل، وطائر الإنسان عمله الذي قلده، وقال ابن الأثير: وطائر الإنسان ما حصل له في علم الله عز وجل مما قُدر له، وقيل الطائر الحظ، ويطلق على الحظ من الخير أو الشر، والمراد هنا أيمن حظ وأفضله، وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عيد الرحمن بن عوف:"بارك الله لك" قال عياض: وفي حديث معاذ أنه صلى الله عليه وسلم شهد إملاك أنصاوي فقال له: "على الألفة والخير والطائر الميمون والسعة في

ص: 293

فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيهِنَّ. فَغَسَلْنَ رَأسِي وَأَصْلَحْنَنِي. فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى. فَأسْلَمْنَنِي إِلَيهِ

ــ

الرزق بارك الله لكم" اهـ (فأسلمتني) أمي أم رومان (إليهن) أي إلى تلك النسوة (فغسلن) أي تلك النسوة (رأسي) أي شعر رأسي (وأصلحنني) أي أصلحن لي شعري ولباسي وهيئتي، قال القاضي: فيه جواز تزيين المرأة لزوجها واجتماع النساء لذلك، لما فيه من شهرة النكاح وهو مما يجب إشهاره وحضور النساء لذلك، وقد يحتاج إليهن في نوازل الأحكام اهـ أبي. قال النووي: فيه استحباب تنظيف العروس وتزيينها لزوجها، واستحباب اجتماع النساء لذلك ولأنه يتضمن إعلان النكاح ولأنهن يؤانسنها ويؤدبنها ويعلمنها آدابها حال الزفاف وحال لقائها الزوج اهـ (فلم يرعني) بضم الراء وسكون العين من الروع، والروع الفزع، ويستعمل في كل أمر طارئ من خير أو شر فيرتاع لفجاءته أي لم يفزعني شيء (إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي إلا حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخوله عليّ وكَنَّتْ بذلك عن المفاجاة بالدخول على غير عالم بذلك فإنه يفزع غالبًا، والواو في قوله: ورسول الله صلى الله عليه وسلم مزيدة في مسلم من النساخ، وفي البخاري إسقاطها وهو الصواب، وقوله: (ضحى) بضم الضاد والقصر أي وقت الضحى وهو ظرف لفعل الروع؛ وهو أول النهار من ارتفاع الشمس إلى قبيل الاستواء، قال السندي: والمعنى أي فما راعني شيء وما خطر ببالي خطرة في حال من الأحوال إلا في حال حضوره صلى الله عليه وسلم وقت الضحى أي كنت غافلة إلى هذه الحال والله أعلم، والحاصل أن فاعل يرعني ضمير فيه عائد إلى اسم الفاعل من الروع، ولما كان ذلك مما دل عليه الفعل صح عود الضمير إليه، وإسناد الفعل إلى اسم الفاعل منه شائع، ومنه قوله تعالى: (قَال قَائِلٌ مِنْهُمْ) وحديث "لا يزني الزاني" ونحوه، وقولها:(إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى) مستثنى من أعم الأحوال كما يفهم من التقرير الذي ذكرناه، قال النواوي: وفيه جواز الزفاف والدخول بالعروس نهارًا وهو جائز ليلًا ونهارًا واحتج به البخاري في الدخول نهارًا وترجم عليه: باب الابتناء ثهارًا وبغير مركب ولا نيران، وقوله:(فأسلمنني) أي فأسلمتني تلك النسوة الأنصاريات (إليه) أي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني، معطوف على قوله وأصلحنني، وجملة الروع معترضة أي فأسلمنني إليه فأخذني نهارًا بغير مركب ولا نيران، قال بعضهم: ما اشتهر بمركب ولا نيران يعني بالنيران الولائم كما قال في الآخر أو يُرى دخان وكثرة

ص: 294

3360 -

(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا عَبْدَةُ (هُوَ ابْنُ سُلَيمَانَ) عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ. وَبَنَى بِي وَأنَا بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ.

3361 -

(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوْجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ

ــ

سُرُج اهـ الأبي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3896]، وأبو داود [4933]، وابن عاجه [1876].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها رضي الله تعالى عنها فقال:

3360 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة (ح) وحدثنا) محمد (بن نمير واللفظ له حدثنا عبدة هو ابن سليمان) الكلابي الكوفي (عن هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة أبي معاوية وعبدة بن سليمان لأبي أسامة (قالت) عائشة:(تزوجني) أي نكحني (النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين وبنى بي) أي دخل بي (وأنا بنت تسع سنين).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3361 -

(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الزهري لهشام (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين) قال النووي: كذا في رواية، وفي أكثر الروايات بنت ست، فالجمع بينهما أنه كان لها عند الزواج ست وكسر فرواية سبع كملت الكسر ورواية ست أسقطت الكسر، وقال القرطبي: يمكن أن يكون ذلك منها على سبيل التقدير لا التحقيق فيمكن أن يقال إنه تزوجها في مبدأ السنة السابعة ويكون قولها لست

ص: 295

وَزُفَّتْ إِلَيهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ. وَلُعَبُهَا مَعَهَا. وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.

3362 -

(00)(00) وحدَّثئا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ (قَال يَحْيَى وإسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال

ــ

أي لست انقضت، وقولها بنت سبع أي لسبع ابتدأت، وقال العيني: لست سنين هو الصواب، وقيل: الصواب سبع سنين وهو ضعيف اهـ (قلت): وما ذكره النواوي في الجمع بين الروايتين هو أصح الأقوال في الجمع وأوضحها (وزُفت إليه) بالبناء للمجهول من الزفاف أي أرسلت إلى بيته (وهي بنت تسع سنين ولُعبها) أي والحال أن لعبها المسماة بلعب البنات (معها) أي مصحوبة بها، والغرض بهذه الجملة التنبيه على صغر سنها (ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة) سنة، وقد ماتت هي رضي الله تعالى عنها بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة. وانفرد بهذه الرواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

وقوله: (ولعبها معها) بضم اللام وفتح العين جمع لعبة بضم فسكون وهي ما يلعب به، قال التوربشتي: اللعب جمع لعبة كركب وركبة أرادت ما كانت تلعب به، وكل ملعوب به فهو لعبة، وإذا فتح اللام فهو المرة الواحدة من اللعب، . وإذا كسرت فهي الهيئة، والحالة التي كان عليها اللاعب، وقال النووي: المراد بها هذه اللعب المسماة بالبنات التي تلعب بها الجواري الصغار، والغرض من ذكرها التنبيه على صغر سنها كما مر آنفًا، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وفيه جواز اتخاذ اللعب، وإباحة لعب الجواري بهن، وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم رآهن يلعبن بها فأقرهن على ذلك لتطييب قلوبهن، وليتدربن علي تربية أولادهن وإصلاح شأنهن وبيوتهن، ويحتمل أن يكون مخصوصإً من أحاديث النهي عن اتخاذ الصور لما ذكر من المصلحة، ويحتمل أن تكون قضية عائشة رضي الله تعالى عنها هذه في أول الهجرة قبل تحريم الصور اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها. فقال.

3362 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قال يحيى وإسحاق أخبرنا، وقال

ص: 296

الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ) عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبرَاهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ. وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ. وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ.

3363 -

(1344)(94) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ. عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ. وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ. فَأَيُّ نِسَاءِ

ــ

الآخران: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، خال إبراهيم بن يزيد بن قيس، ثقة مخضرم (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأسود لعروة بن الزبير (قالت) عائشة:(تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست) سنين (وبنى بها وهي بنت تسع) سنين (ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة) سنة.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لعائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

3363 -

(1344)(94)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا: حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة إمام، من (7)(عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي المكي، ثقة، من (6)(عن عبد الله بن عروة) بن الزبير الأسدي أبي بكر المدني، ثقة، من (3) (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون وواحد مكي (قالت) عائشة:(تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال) مرادها بهذا الكلام رد ما كانت عليه الجاهلية وما يخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع اهـ نووي. وقولها: (فأي نساء

ص: 297

رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟

قَال: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى) أي أكثر حظوة وأرفع منزلة (عنده) صلى الله عليه وسلم (مني) تشير به إلى حظوتها برسول الله صلى الله عليه وسلم وهي رفعة منزلتها عنده صلى الله عليه وسلم، يقال حظي فلان عند الناص يحظى من باب رضي وتعب، حظة وزان عدة، وحظوة -بضم الحاء وكسرها- إذا أحبوه ورفعوا منزلته (قال) عروة:(وكانت عائشة تستحب) أي تحب (أن تُدخل) بضم التاء من أدخل الرباعي (نساءها) أي نساء أقربائها اللائي نكحن على أزواجهن (في شوال) للاتباع لا لاعتقاد سعود فيه.

قال القرطبي: قولها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال) الحديث إنما قالت عائشة هذا الكلام لترد به قول من كان يكره عقد النكاح في شوال ويتشاءم به من جهة أن شوالًا من الشول وهو الرفع، ومنه شالت الناقة بذنبها، وقد جعلوه كناية عن الهلاك إذ قالوا: شالت نعامتهم أي هلكوا، فشوال معناه كثير الشول فإنه للمبالغة فكانهم يتوهمون أن كل من تزوج في شوال منهن شال الشنآن بينها وبين الزوج، أو شالت نفرته فلم تحصل لها حظوة عنده، ولذلك قالت عائشة رادة الوهم (فأي نسائه كان أحظى عنده مني) أي لم يضرني ذلك ولا نقص من حظوتي، ثم إنها تبركت بشهر شوال فكانت تحب أن تدخل نساؤها على أزواجهن في شوال الذي حصل لها فيه من الخير برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحظوة عنده ولمخالفة ما يقول الجهال من ذلك ومن هذا النوع كراهة الجهال عندنا اليوم عقد النكاح في شهر المحرم، بل ينبغي أن يتيمن بالعقد والدخول فيه تمسكًا بما عظم الله ورسوله من حرمته وردعًا للجهال عن جهالاتهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [1093]، ، والنسائي [61/ 103]، وابن ماجه [1990].

وفي فتح الملهم: قولها: (كان أحظى عنده مني) أي أقرب إليه وأسعد به أو أكثر نصيبًا مني، وفي شرح النقاية لأبي المكارم: كره بعض الروافض النكاح بين العيدين، وقال السيوطي في حاشيته على مسلم: روى ابن سعد في طبقاته عن أبي حاتم قال: إنما كره الناس أن يتزوجوا في شوال لطاعون وقع فيه في الزمن الأول اهـ.

قوله: (وكانت عائشة تستحب) الح قال النووي: فيه استحباب التزوج والتزويج

ص: 298

3364 -

(00)(00) وحدَّثناه ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبي. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِعْلَ عَائِشَةَ

ــ

والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث، وقال الشوكاني: والحديث إنما يدل على استحباب ذلك في شوال إذا تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد ذلك لخصوصة له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك اتفاقًا منه صلى الله عليه وسلم على طريق الاتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الاستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل، وقد تزوج صلى الله عليه وسلم نساءه في أوقات مختلفة على حسب الاتفاق ولم يتحر وقتًا مخصوصًا، ولو كان مجرد الوقوع يفيد الاستحباب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم اهـ والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

3364 -

(00)(00)(وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا سفيان) الثوري (بهذا الإسناد) يعني عن إسماعيل عن عبد الله عن عروة عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى وكيع عن سفيان (و) لكن الم يذكر) عبد الله بن نمير (فعل عائشة) يعني إدخال نساء أقربائها على أزواجهن في شوال.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث، الأول: حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث عائشة ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكره فيه ثلاث متابعات والخامس: حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 299