الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
520 - (6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها
3194 -
(1276)(26) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَنْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَردِيَّ) عَنْ عَمرِو بْنِ يَحيَى الْمَازِنيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ،
ــ
520 -
(6) باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها
[والمدينة] علم بالغلبة على البلدة المعروفة التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم ودُفن بها قال الله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَغنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} فإذا أطلقت تبادر إلى الفهم أنها المراد وإذا أريد غيرها بلفظ المدينة فلا بد من قيد الإضافة مثلًا فهي كالنجم على الثريا وابن عمر وابن عباس على عبد الله فيهما وكان اسمها قبل ذلك يثرب قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالتْ طَائِفَةٌ مِنْهُم يَاأَهْلَ يَثْرِبَ} ويثرب اسم لموضع منها سميت كلها به، وقيل: سميت بيثرب بن قانية من ولد إرم بن سام بن نوح عليه السلام لأنه أول من نزلها حكاه أبو عبيد البكري، وقيل غير ذلك ثم سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة وكان سكانها العماليق ثم نزلها طائفة من بني إسرائيل قيل: أرسلهم موسى عليه السلام كما أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة بسند ضعيف ثم نزلها الأوس والخزرج حين تفرق أهل سبَإ بسبب سيل العرم، ولم تزل المدينة عزيزة في الجاهلية وأعزها الله سبحانه وتعالى بمهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، قال العيني: احتج بهذا الحديث وبالأحاديث التي بعده محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وقالوا: المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها، ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم خلافًا لابن أبي ذئب فإنه قال: يجب الجزاء وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي وقال في القديم: من اصطاد في المدينة صيدًا أُخذ سلبه، ويروي فيه أثرًا عن سعد، وقال في الجديد بخلافه اهـ من فتح الملهم.
3194 -
(1276)(26)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبيد (الدراوردي) المدني الجهني مولاهم نسبة إلى دراورد قرية بخراسان لأن جده كان منها (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن (المازني) المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني، ثقة، من (3)
عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الله بْنِ زَيدِ بْنِ عَاصِمٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "إنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكةَ وَدَعَا لأَهْلِها. وَإنِّي حَرَّفتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. وَإنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِها وَمُدِّها
ــ
روى عنه في (6) أبواب (عن عمه عبد الله بن زيد بن عاصم) الأنصاري المازني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه وهو أخو أبي عباد بن تميم لأمه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم) الخليل عليه السلام (حرّم مكة) المكرمة أي بلّغ حكم تحريمها أي حكم تعظيم الله إياها أي بلّغ إلى الناس بتعظيم الله إياها من بين بقاع الأرض بتحريم اصطياد صيدها وقطع شجرها وحرمة القتال فيها فلا يعارض ما تقدم من قوله: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس" ويحتمل أن يكون وكل إليه تحريمها فصحت بذلك نسبة التحريم مرة إلى الله تعالى ومرة إلى إبراهيم عليه السلام اهـ من الأبي. وعلى ذلك يُحمل قول نبينا صلى الله عليه وسلم: "وإني أحرم ما بين لابتي المدينة" وقد دل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس" اهـ من المفهم (ودعا) إبراهيم عليه السلام (لأهلها) أي لأهل مكة بقوله: {وَاززُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} (وإني حرمت المدينة) أي بلغت تحريم الله تعالى وتعظيمه إياها، قال المازري: وهذا حجة لمالك في تحريم صيدها وقطع شجرها، وأنكر تحريمها الحنفية على أصلهم في رد خبر الواحد فيما تعم به البلوى ولحديث:"ما فعل النغير يا أبا عمير" والجواب عن الأول بأن الحديث قد اشتهر واتفق على صحته وقد يكون بيانه بيانًا شافيًا ولكن اكتفى الناس بنقل بعض الأخبار عن بعض، والجواب عن الثاني بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل التحريم أو يكون النغير إنما صيد من الحل لا من حرم المدينة، والمشهور عندنا أنه لا جزاء فيما صيد في حرم المدينة لعدم النص وثبوت التحريم لا يُوجب الجزاء والأصل براءة الذمة والله أعلم اهـ من الأبي (كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها) أي في صالح المدينة (ومدها) في ذي صاعها وذي مدها أي فيما يكال بالصاع والمد أي دعوت البركة في المكيل بهما فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال لأن الدعاء إنما هو بالبركة في الطعام المكيل بهما لا في المكيال اهـ من المفهم، قال الأبي: الأظهر في البركة في المكيل بهما ليُستعمل في الاقتيات في الحال فلا يتناول غير الطعام ولا الطعام
بِمِثْلي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لأَهْلِ مَكَّةَ".
3195 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (يَعْنِي ابْنَ الْمُختَارِ). ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ
ــ
المقتنى وكذلك يتناول الإدام المأكول في الحال والموزون لأن الحديث خرج مخرج الغالب في المعيار وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الكيل كيل أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة"(بمثلي) أي بضعفي (ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) قال القرطبي: يفسره حديث أنس: "اللهم اجعل بالمدينة ضعف ما بمكة من البركة" اهـ. قال الأبي: ومعنى ضعف ما بمكة أن المراد ما أشبع بغير مكة رجلًا أشبع بمكة رجلين وبالمدينة ثلاثًا، وحكى الشيخ ابن عرفة عن أبيه وكان من المجاورين أنه قال: كان يقوتني بالمدينة نصف ما يقوتني بمكة وهذا هو الأظهر من الحديث أعني أن البركة إنما هي في الاقتيات، وذكر ابن العربي أنها باعتبار الثواب اهـ أبي، قال القرطبي: ووجه البركة تكثير ذلك وتضعيفه في الوجود أو في الشبع وقد جعل الله تعالى كل ذلك بالمدينة فانجلب الناس إليها من كل أرض وبلد وصارت مستقر ملوك وجُلبت إليها الأرزاق وكثرت فيها مع قلة أكل أهلها وترك نهمهم وإنما هي وجبة واحدة يأكلون فيها العلقة -العلقة ما يتبلغ به من الطعام- من الطعام والكف من التمر ويكتفي به ثم لا يلزم أن يكون فيها ذلك دائمًا ولا في كل شخص بل تتحقق إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ذلك في أزمان أو غالب أشخاص والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 40]، والبخاري [2129].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه فقال:
3195 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار) الأنصاري مولاهم مولى حفصة بنت سيرين أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من
ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهيبٌ. كُلُهُم عَنْ عَمرِو بْنِ يَحيَى (هُوَ الْمَازِنِيُّ) بِهذَا الإِسْنَادِ. أَمَّا حَدِيثُ وُهيبِ فَكَرِوَايَةِ الدَّرَاوَردِيِّ "بِمِثْلَي مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ". وَأَمَّا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، فَفِي رِوَايَتِهِمَا:"مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ".
3196 -
(1277)(27) وحدّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا بَكْرٌ (يَعْنِي ابْنَ مُضَرَ) عَنِ ابْنِ الْهادِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو بْنِ عُثْمَانَ
ــ
(8)
روى عنه في (13) بابًا (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا) عبد الله بن الحارث بن عبد الملك (المخزومي) أبو محمد المكي، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7)(كلهم) أي كل من هؤلاء الثلاثة أعني عبد العزيز بن المختار وسليمان بن بلال ووهيب بن خالد رووا (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة (هو المازني بهذا الإسناد) يعني عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعبد العزيز الدراوردي (أما حديث وهيب) بن خالد أي روايته (فكرواية الدراوردي) في قوله:(بمثلي ما دعا به إبراهيم) بصيغة التثنية (وأما سليمان بن بلال وعبد العزيز بن المختار ففي روايتهما مثل ما دعا به إبراهيم) بصيغة الإفراد وإسقاط حرف الجر، قال الكرماني: مثل منصوب بنزع الخافض أي بمثل ما دعا به وليست لفظة به زائدة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله لحديث عبد الله بن زيد بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهما فقال:
3196 -
(1277)(27)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن أبي بكر بن محمد) بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله بن عمرو بن عثمان) القرشي الأموي المصري الملقب بالمطرف -بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء- لُقب به لحسنه وجماله الفائق، روى عن راقع بن خديج في الحج،
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيها"(يُرِيدُ الْمَدِينَةَ)
ــ
وعبد الرحمن بن أبي عمرة في الأحكام، وأبيه وابن عباس، ويروي عنه (م د ت س) وأبو بكر بن محمد بن حزم وابنه محمد والزهري، وثقه النسائي، وقال في التقريب: ثقة شريف نبيل، من الثالثة، مات بمصر سنة (96) ست وتسعين (عن رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور المدني، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد بلخي و (قال) رافع بن خديج:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم) عليه السلام (حرم مكة) أي بلّغ وأظهر حرمتها وعظمتها إلى الناس (وإني أحرم) أي أُبلغ وأظهر حرمة إما بين لابتيها) أي ما بين لابتي المدينة وحرّتيها وطرفيها الشرقي والغربي، قال الراوي:(يريد) النبي صلى الله عليه وسلم بضمير لابتيها (المدينة) المنورة بنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللابتان تثنية اللابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والمدينة المنورة بين حرتين وغربية تكتنفانها، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود كأنها أحرقت بالنار ومعنى ذلك اللابتان وما بينهما؛ والمراد تحريم المدينة ولابتيها، وفي المرقاة: قوله: (إني أحرم ما بين لابتيها) أي أعظم ما بين جانبيها أو أحرم تخريب ما بينهما وتضييع ما فيهما من زينة البلد وليس المراد مثل تحريم مكة بالإجماع اهـ قال الحافظ: وقد تكرر ذكر اللابة في الحديث، ووقع في حديث عند أحمد:"أنا أحرم المدينة ما بين حرتيها" فادعى بعض الحنفية أن الحديث مضطرب لأنه وقع في رواية ما بين جبليها، وفي رواية ما بين لابتيها، وفي رواية ما بين مأزميها، وتعقب بأن الجمع بينها واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث الصحيحة فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن رواية ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر، وأما رواية مأزميها فهي في بعض طرق حديث أبي سعيد، والمأزم بكسر الزاي المضيق بين الجبلين، وقد يطلق على الجبل نفسه كذا قال الحافظ في الفتح، وقال النووي: للمدينة لابتان شرقية وغربية اهـ فهذا يخالف ما جوزه الحافظ من كونهما جنوبًا وشمالًا والله أعلم اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف.
3197 -
(00)(00) وحدّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعنَبٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ، عن عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ؛ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ النَّاسَ. فَذَكَرَ مَكَّةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها. وَلَم يَذكُرِ الْمَدِينَةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها. فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. فَقَال: مَا لِي أَسْمَعُكَ ذَكَرتَ مَكَّةَ وَأَهْلَها وَحُرمَتَها، وَلَم تَذْكُرِ المَدِينَةَ وأَهْلَها وَحُرمَتَها وَقَد حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا بَينَ لابَتَيها. وَذلِكَ عِنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خَوْلانيٍّ
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال:
3197 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (عن عتبة بن مسلم) المدني وهو عتبة بن أبي عتبة التيمي مولاهم، روى عن نافع بن جبير في الحج، وحمزة بن عبد الله بن عمر في الطب، وعُبَيد بن حنين وأبي سلمة، ويروي عنه (خ م د ق) وسليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة (عن نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (أن مروان بن الحكم) بن أبي العاص الأموي أمير المدينة (خطب الناس) يومًا (فذكر) في خطبته (مكة) أي فضلها (وأهلها وحرمتها) أي عظمتها (ولم يذكر) مروان (المدينة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج) الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع بن جبير لعبد الله بن عمرو بن عثمان في رواية هذا الحديث عن رافع بن خديج (فقال) رافع لمروان:(ما لي) أي أي شيء ثبت في (أسمعك) يا مروان (ذكرت مكة وأهلها وحرمتها) في خطبتك (ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها) أي ما بين لابتي المدينة وحرتيها (وذلك) أي تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة محفوظ (عندنا) بالكتابة (في أديم خولاني) وهذا من كلام رافع بن خديج أي في جلد مدبوغ منسوب إلى خولان وهي كما في معجم البلدان كورة من كور اليمن أي قرية من قرى اليمن، وأيضًا قرية كانت بقرب دمشق خربت بها قبر أبي مسلم الخولاني وإليها ينسب أيضًا أبو إدريس الخولاني وهما تابعيان جليلان
إنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ. قَال: فَسَكَتَ مَروَانُ ثُمَّ قَال: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذلِكَ.
3198 -
(1278)(28) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمرٌو النَّاقِدُ. كِلاهُمَا عَنْ أَبِي أحمَدَ. قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله الأَسْدِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَال: قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ إبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ. وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمدِينَةَ مَا بَينَ لابتَيها. لَا يُقْطَعُ عِضَاهُها
ــ
معاصران كما ذكرناهما في أوائل الكتاب وفي القاموس أن خولان اسم قبيلة باليمين، ولعل أديم تلك النواحي في ذلك الزمان كان من أنعم الجلود التي يكتبون فيها اهـ من بعض الهوامش، ثم قال رافع بن خديج لمروان بن الحكم (إن شئت) يا مروان أن تقرأه (أقرأتكه) أي جئتك به لتقرأه (قال) نافع بن جبير (فسكت مروان) فما رد على رافع جوابًا (ثم قال) مروان لرافع:(قد سمعت بعض ذلك) الذي ذكرته.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال:
3198 -
(1278)(28)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (كلاهما عن أبي أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (قال أبو بكر: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي) بصيغة السماع (حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي (قال) جابر: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) ومعناه اللابتان وما بينهما، والمراد تحريم المدينة ولابتيها قاله النووي كما، واللابتان تثنية لابة، واللابة: الأرض ذات الحجارة وهي الحرة وجمعها في القلة لابات، وفي الكثرة لاب ولوب كقارة وقور وساحة وسوح وباحة وبوح قاله ابن الأنباري، واللابتان: الحرتان الشرقية والغربية، وللمدينة لابتان في القبلة والجرف وترجع إليهما الشرقية والغربية، قال الهروي: يقال ما بين لابتيها أجهل من فلان أي ما بين طرفيها يعني المدينة اهـ من المفهم (لا يقطع عضاهها) والعضاة بوزن كتاب كل شجر عظيم ذي شوك هو من أشجار البوادي كالعوسج والسمرة والسدر وأم غيلان واحدها عضاهة وعضهة كعنبة كما في
وَلَا يُصَادُ صَيدُها".
3199 -
(1279)(29) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ. حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ. أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُها. أَوْ يُقْتَلَ صَيدُها"
ــ
المصباح (ولا يصاد صيدها) وهاتان الجملتان خبريتان معناهما النهي كأنه قال: لا تقطعوا عضاهها ولا تصيدوا صيدها، قال القاري: حمل أصحابنا هذا النهي على التنزيه اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي أخرجه في المناسك اهـ من التحفة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما فقال:
3199 -
(1279)(29)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (حدثنا عثمان بن حكيم) بن عباد بن حنيف مصغرًا الأنصاري الأوسي أبو سهل الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (حدثني عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهريّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف الزهريّ المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان (قال) سعد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحرم ما بين لابتي المدينة) أي ما بين حرتيها، وجملة قوله:(أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها) في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من ما الموصولة أي أحرم قطع عضاهها أو قتل صيدها، وكلمة أو بمعنى الواو العاطفة، وظاهر هذا الحديث مشعر بأن للمدينة حرمًا وهو مذهب الشافعي ومالك، وذهب أبو حنيفة إلى نفيه لأنه روى عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: كان قال محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة وحوش يمسكونها. ولأن جمهور الصحابة على جواز الاصطياد في المدينة فتحريمها يكون عبارة عن تعظيم قدرها يؤيد هذا المعنى قوله: "أو يقتل صيدها" بكلمة أو لأن التحريم لو كان على ظاهره لحرم القطع والقتل كلاهما كما في حرم مكة لا أحدهما، ولهذا لم ينقل عن
وَقَال: "الْمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. لَا يَدَعُها أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْها إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيها مَنْ هُوَ خَيرٌ مِنْهُ. وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِها وَجَهْدِها إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
ــ
أحد إيجاب الجزاء بقطع شجرها اهـ ابن الملك (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المدينة خير لهم) أي للمرتحلين عنها إلى غيرها من بلاد الريف كالشام (لو كانوا يعلمون) بما فيها من الفضائل كالصلاة في مسجدها وثواب الإقامة فيها وغير ذلك، قال الأبي رحمه الله تعالى: لو هذه إن كانت امتناعية ويعلمون قاصرًا فجوابها محذوف أي لو كان من أهل العلم لعلموا خيريتها لهم ولم يفارقوها، كان كانت متعدية فالتقدير لو كانوا يعلمون ذلك لما فارقوها، كان كانت للتمني أي غائية لم تفتقر إلى جواب، وعلى التقديرين هو تجميل لمن فعل ذلك لتفويته عن نفسه أجرًا عظيمًا، ولذلك قال إلا أبدل الله فيها خيرًا منهم كما قال تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيرَكُف} الآية أي يخلق خلقًا سواكم على خلف صفتكم من الرغبة في الإيمان وفي الاكتفاء به اهـ منه (لا يدعها) أي لا يدع المدينة ولا يتركها (أحد) منكم ولا يفارقها (رغبة) وإعراضًا (عنها) وهذا القيد احتراز عمن تركها ضرورة كخوف على نفسه أو ماله اهـ من المبارق، وقال القرطبي:(رغبة عنها) أي كراهة لها من رغبت عن الشيء إذا كرهته، وقال المازري: قيل ذلك خاص بزمان حياته صلى الله عليه وسلم وقيل دائمًا ويدل عليه قوله في حديث: "يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" وهذا فيمن يخرج عنها ممن كان مستوطنًا بها لا مقيمًا اهـ.
(إلا أبدل الله فيها من هو خير منه) يعني أنه لا يضر المدينة عدمه بل ينفعها ويذهب شره إلى غيرها اهـ مبارق (ولا يثبت) أي ولا يستوطن بها (أحد) ولا يقيم فيها بالصبر (على لأوائها) أي شدتها وجوعها (وجهدها) بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها أي وعلى مشقتها كشدة حرارتها وبرودتها ووبائها، وأما الجهد بضم الجيم الطاقة وحُكي فتحها (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة) أي إلا كنت شفيعًا وشهيدًا معًا فأو بمعنى الواو أو للتقسيم أي شفيعًا لقوم من العصاة وشهيدًا لآخرين بجهدهم وهم المطيعون وليست للشك، قال القاضي عياض: إن هذا الحديث رواه جابر وسعد وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهم عن
3200 -
(00)(00) وحدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا مَروَانُ بْنُ مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الأنْصَارِيُّ. أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة، بل الأظهر أنه قاله صلى الله عليه وسلم هكذا اهـ نواوي، قال المازري: اللأواء الجوع وشدة الكسب فيها والمشقات، وضمير جهدها يحتمل أن يعود على اللأواء لأنها مؤنثة، ويحتمل أن يعود على المدينة والأول أقرب اهـ قال الأبي: والحديث خرج مخرج الحث على سكناها فمن لزم سكناها ولم يلحقه لأواء دخل في ذلك لأن التعليل بالغالب والمظنة لا يضر فيه التخلف في بعض الصور كتعليل القصر بمشقة السفر فإن الملك يقصر ولو لم تلحقه مشقة لوجود السفر اهـ.
قوله: (إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا) قال القرطبي: زعم قوم أن أو هنا للشك من بعض الرواة وليس بصحيح فإنه قد رواه جماعة من الصحابة ومن الرواة كذلك على لفظ واحد ولو كان شكًّا لاستحال أن يتفق الكل عليه، وإنما أو هنا للتقسيم والتنويع كما قال الشاعر:
فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما
…
صدور رماح أُشرعت أو سلاسل
ويكون المعنى إن الصابر على شدة المدينة صنفان من يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم من العصاة ومن يشهد له بما قال فيها من الشدة ليوفى أجره، وشفاعته كان كانت عامة للعصاة من أمته إلا أن العصاة من أهل المدينة لهم زيادة خصوص منها وذلك والله تعالى أعلم بأن يشفع لهم قبل أن يعذبوا بخلاف غيرهم أو يشفع في ترفيع درجاتهم أو في السبق إلى الجنة أو فيما شاء الله من ذلك.
وانفرد المؤلف رحمه الله تعالى بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات إلا أنه شاركه أحمد [1/ 169].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال:
3200 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا مروان بن معاوية) بن الحارث بن أسماء الفزاري الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابًا (حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري) الأوسي الكوفي (أخبرني عامر بن سعد بن
أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال. ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ. وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ:"وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ الله فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ"
ــ
أبي وقاص عن أبيه) سعد بن أبي وقاص. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة مروان بن معاوية لعبد الله بن نمير (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ذكر) مروان بن معاوية (مثل حديث) عبد الله (بن نمير وزاد) مروان (ق الحديث) على ابن نمير (ولا يريد) أي لا يقصد (أحد) من الظلمة (أهل المدينة بسوء) أي بضر وفتنة، قال الأبي: والمراد بالإرادة هنا العزم حتى لا يعارض حديث "إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها" ويكون حجة للقاضي أن العزم مؤاخذ به، وتقدم الكلام على ذلك في كتاب الإيمان اهـ (إلا أذابه الله) تعالى أي أهلكه (ق النار) الأخروية (ذوب الرصاص) أي ذوبًا كذوب الرصاص في النار الدنيوية (أو ذوب الملح) أي ذوبًا كذوب الملح (ق الماء) الدنيوي وأو لتنويع المشبه به لا للشك، وقال ابن الملك: قوله في النار متعلق بالمصدر أي ذوب الرصاص في النار فتكون العقوبة في الدنيا اهـ من بعض الهوامش، قال عياض: هذه الزيادة يعني قوله: (ق النار) تدفع إشكال الأحاديث وتوضح أن هذا حكمه في الآخرة، ويحتمل أن يكون المراد من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بسوء اضمحل أمره كما يضمحل الرصاص في النار فيكون في اللفظ تقديم وتأخير ويؤيده قوله:"أو ذوب الملح في الماء" ويحتمل أن يكون المراد لمن أرادها في الدنيا بسوء أنه لا يمهل بل يذهب سلطانه عن قرب كما وقع لمسلم بن عقبة وغيره فإنه عُوجِلَ عن قرب وكذلك الذي أرسله، قال: ويحتمل أن يكون المراد من كادها اغتيالًا وطلبًا لغرتها في غفلة فلا يتم له أمر بخلاف من أتى ذلك جهارًا كما استباحها مسلم بن عقبة وغيره، وروى النسائي من حديث السائب بن خلاد رفعه "من أخاف أهل المدينة ظالمًا لهم أخافه الله وكانت عليه لعنة الله" الحديث ولابن حبان نحوه من حديث جابر اهـ فتح الملهم.
قال القرطبي: ظاهر هذه الزيادة أن الله تعالى يعاقبه بذلك في النار، ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن إهلاكه في الدنيا أو عن توهين أمره وطمس كلمته كما قد فعل ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها فيمن تقدم كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله منصرفه عنها وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغزائه أهل المدينة إلى غير ذلك.
3201 -
(1280)(30) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. جَمِيعًا عَنِ الْعَقَدِيِّ. قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمرٍو. حدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ. عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ. فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ. فَسَلَبَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ. جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلامِهِمْ، أَوْ عَلَيهِم، مَا أَخَذَ مِنْ غُلامِهِمْ
ــ
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال:
3201 -
(1280)(30)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن) أبي عامر القيسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (قال عبد) بن حميد:(أخبرنا عبد الملك بن عمرو) بصيغة السماع وبتصريح اسمه (حدثنا عبد الله بن جعفر) بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة القرشي الزهري المخزومي أبو محمد المدني، قال أحمد: ثقة، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس به بأس، وقال ابن معين: ليس به بأس صدوق وليس بثبت، وقال الترمذي: مدني ثقة، وقال في التقريب: ليس به بأس، من (8) روى عنه في (5) أبواب (عن إسماعيل بن محمد) بن سعد بن أبي وقاص الزهريّ أبي محمد المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) عمه (عامر بن سعد) بن أبي وقاص (أن سعدًا) ابنَ أبي وقاص رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد إما مروزي أو كسي (ركب) أي سافر راكبًا (إلى قصره بالعقيق) وهو اسم موضع قريب من المدينة بينه وبينها عشرة أميال، وبه مات سعد وحُمل إلى المدينة فصُلي عليه ودُفن بها اهـ مفهم (فوجد) سعد في طريقه (عبدًا يقطع شجرًا) أي أغصانه لعلف المواشي، وكلمة أو في قوله:(أو يخبطه) أي يسقط ورق الشجر للتنويع لا للشك أي يقطع أغصانه تارة ويسقط ورقه أخرى، أو بمعنى الواو، والخبط جاء هنا عديلًا للقطع فيراد به معناه الأصلي وهو إسقاط الورق وهو من باب ضرب (فسلبه) أي فسلب سعد عيدًا أي أخذ ما عليه من الثياب ما عدا ساتر العورة زجرًا له عن العودة لمثله والسلب بفتحتين الشيء المسلوب أي المأخوذ وبإسكان اللام المصدر (فلما رجع سعد) إلى المدينة (جاءه) أي جاء سعدًا (أهل العبد) وأسياده (فكلموه) أي كلموا سعدًا وسألوه (أن يرد على غلامهم) نفسه (أو عليهم) وأو هنا للإباحة (ما أخذ من غلامهم) مفعول الرد
فَقَال: مَعَاذَ الله، أَنْ أَرُدَّ شَيئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيهِم
ــ
(فقال) سعد (معاذ الله) أي عياذًا بالله وهو مصدر ناب عن فعله فحذف عامله وجوبًا أي أعوذ بالله من (أن أرد) عليكم (شيئًا نفلنيه رسول الله على الله عليه وسلم) أي أباح في رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه زيادة على ما أعطانيه في حياته من نصيبي من الغنيمة (وأبي) سعد أي امتنع (أن يرد عليهم) ما أخذه من العبد، وقوله:(شيئًا نفلنيه) بتشديد الفاء أي جعلنيه أو أعطانيه نفلًا أي غنيمة بإذنه لكل من رأى في المدينة صائدًا أو قاطع شجر أن يأخذ سلبه اهـ فتح الملهم، قال القاري: وفي رواية فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه، وفي أخرى إنه كان يخرج فيجد الحاطب معه شجر رطب فيسأله فيكلمه فيه فيقول: لا أدع غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني من أكثر الناس مالًا، وأصل النفل بفتحتين زيادة يعطيها الإمام لمن رأى فيه نفعًا للمسلمين زيادة على سهمه، قال القرطبي: وإنما فعل سعد هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حق من صاد في حرم المدينة كما رواه أبو داود من حديث سعد أيضًا وذكر نحو حديث مسلم في الشجر ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أحدًا بصيد في حرم المدينة فليسلبه" رواه أبو داود [2037] وكأن سعدًا قاس قطع شجرها على صيدها بجامع كونهما محرمين بحرمة الموضع، وهذا كله مبالغة في الردع والزجر لا أنها حدود ثابتة في كل أحد وفي كل وقت، وامتناعه من رد السلب لأنه رأى أن ذلك أدخل في باب الإنكار والتشديد، ولتنتشر القضية في الناس فيكفوا عن الصيد وقطع الشجر اهـ من المفهم. وانفرد الإمام مسلم رحمه الله تعالى برواية هذا الحديث عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [1/ 168].
قال النواوي رحمه الله تعالى: هذا الحديث صريح في الدلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجماهير في تحريم صيد المدينة وشجرها كما سبق، وخالف فيه أبو حنيفة كما قدمناه عنه، وقد ذكر هنا مسلم في صحيحه تحريمها مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وجابر بن عيد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وعبد الله بن زيد ورافع بن خديج وسهل بن حنيف، وذكر غيره من رواية غيرهم أيضًا فلا يلتفت إلى من خالف هذه الأحاديث
3202 -
(1281)(31) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ. قَال ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو،
ــ
الصحيحة المستفيضة، وفي هذا الحديث دلالة لقول الشافعي القديم أن من صاد في حرم المدينة أو قطع شجرها أخذ سلبه وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، قال القاضي: ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم، وخالفه أئمة الأمصار (قلت): ولا تضر مخالفتهم إذا كانت السنة معه وهذا القول القديم هو المختار لثبوت الحديث فيه وعمل الصحابة على وفقه ولم يثبت له رافع، قال أصحابنا: فإذا قلنا بالقديم ففي كيفية الضمان وجهان: أحدهما: يضمن الصيد والشجر والكلأ كضمان حرم مكة وأصحهما وبه قطع جمهور المفرعين على هذا القديم أنه يسلب الصائد وقاطع الشجر والكلأ وعلى هذا ففي المراد بالسلب وجهان: أحدهما: أنه ثيابه فقط وأصحهما وبه قطع الجمهور أنه كسلب القتيل من الكفار فيدخل فيه فرسه وسلاحه ونفقته وغير ذلك مما يدخل في سلب القتيل، وفي مصرف السلب ثلاثة أوجه أصحهما أنه للسالب وهو الموافق لحديث سعد، والثاني: أنه لمساكين المدينة، والثالث: لبيت المال وإذا سُلب أُخذ جميع ما عليه إلا ساتر العورة، وقيل: يؤخذ ساتر العورة أيضًا، قال أصحابنا: ويُسلب بمجرد الاصطياد سواء أتلف الصيد أم لا والله أعلم اهـ نواوي. قال الأبي: ومذهب مالك والجمهور والشافعي في الجديد أنه لا ضمان في صيد المدينة وقطع شجرها وإنما هو حرام دون ضمان، وقال بعض العلماء: فيه الجزاء كحرم مكة، وللشافعي في القديم ما تقدم، وقد تقدم الكلام على حرم المدينة وحديث السلب قريبًا في أوائل هذا الباب فليراجع اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:
3202 -
(1281)(31)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (و) علي (بن حجر) بن إياس السعدي المروزي (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) (قال ابن أيوب: حدثنا إسماعيل بن جعفر) بصيغة السماع (أخبرني عمرو بن أبي عمرو) ميسرة
مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبَي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ لِي غُلامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي" فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ. فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كلَّمَا نَزَلَ
ــ
(مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) أبو عثمان المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد إما بغدادي أو بلخي أو مروزي (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل زوج أم سليم أم أنس رضي الله عنهم، كما قال الشاعر:
أنا أبو طلحة واسمي زيد
…
وفي جرابي كل يوم صيد
أي قال له وقت خروجه إلى غزوة خيبر كما سيأتي في زيادة البخاري (التمس لي) أي اطلب (غلامًا من غلمانكم) يعني الأنصار فإن أبا طلحة كان أنصاريًا خزرجيًا، وقوله:(يخدمني) صفة ثانية لغلامًا أي يخدمني في سفري هذا فاختار أبو طلحة لخدمته صلى الله عليه وسلم ربيبه أنس بن مالك، قال أنس:(فخرج بي أبو طلحة) إلى خيبر حالة كونه (يردفني) أي يركبني (وراءه) أي خلفه على راحلته فجاءني به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمني إليه (فكنت أخدم) من باب نصر (رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره (كلما نزل) من راحلته وفي الحضر أيضًا، وقوله:(يخدمني) زاد في البخاري حتى أخرج إلى خيبر، قال الحافظ: وقد استشكل من حيث إن ظاهره أن ابتداء خدمة أنس للنبي صلى الله عليه وسلم من أول ما قدم المدينة لأنه صح عنه أنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وفي رواية عشر سنين، وخيبر كانت سنة سبع فيلزم أن يكون إنما خدمه أربع سنين قاله الداودي وغيره، وأُجيب بأن معنى قوله لأبي طلحة: التمس في غلامًا من غلمانكم تعيين من يخرج معه في تلك السفرة فعيّن له أبو طلحة أنسًا فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة فإنها كانت متقدمة فيجمع بين الحديثين بذلك، وفي الحديث جواز استخدام اليتيم بغير أجرة لأن ذلك لم يقع ذكره في هذا الحديث، وحمل الصبيان في الغزو كذا قاله بعض الشراح وتبعوه وفيه نظر لأن أنسًا حينئذٍ كان قد زاد على خمسة عشر لأن خيبر كانت سنة سبع
وَقَال فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَال:"هذَا جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبُّهُ" فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَال: "اللَّهُمَّ! إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ جَبَلَيهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَهُم فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ"
ــ
من الهجرة وكان عمره عند الهجرة ثمان سنين ولا يلزم من عدم ذكر الأجرة عدم وقوعها والله أعلم اهـ.
(وقال) أنس (في الحديث) أي بعد قصة ذكرها (ثم) بعد مسافرته صلى الله عليه وسلم إلى خيبر (أقبل) أي رجع من سفره إلى المدينة ودنا منها (حتى إذا بدا) وظهر (له) صلى الله عليه وسلم (أُحُد) بضمتين أي جبل أحد وتراءى له وهو جبل بقرب المدينة من جهة الشام وكانت به الوقعة (قال) صلى الله عليه وسلم: (هذا) الجبل (جبل يحبنا) قيل حقيقة بأن خلق الله فيه حياة ومحبة حقيقية، وقيل مجاز عن أهله وهم الأنصار أي يحبنا أهله، وقيل: مجاز عن موافقة هوائه ومائه لهم، واختار النواوي معنى الحقيقة (ونحبه) حقيقة لكونه في أرض طيبة (فلما أشرف) صلى الله عليه وسلم واطلع (على المدينة قال: اللهم إني أحرم) وأعظم (ما بين جبليها) أي ما بين جبلي المدينة، وسيأتي في حديث علي أنه صلى الله عليه وسلم حرّم ما بين عير إلى ثور وهما جبلان على طرفي المدينة جنوبها وشمالها، قوله:(مثل) منصوب بنزع الخافض أي بمثل (ما حرّم به إبراهيم مكة) من حرمة صيدها وقطع شجرها، ثم قال:(اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم) قوله: (يحبنا ونحبه) قال الحافظ: قال القرطبي: ذهب بعض الناس إلى أن هذا الحديث محمول على حقيقته وأن الجبل خلق فيه حياة ومحبة حقيقية وقال: هو من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يصدر عن محقق إذ ليس في اللفظ ما يدل على ما ذكروا، والأصل بقاء الأمور على مستمر عاداتها حتى يدل قاطع على انحرافها لنبي أو ولي على ما تقرر في علم الكلام.
والذي يصح أن يحمل عليه الحديث أن يقال إن ذلك من باب المجاز المستعمل فإما من باب الحذف فكأنه قال: يحبنا أهله وهم الأنصار لأنهم جيرانه كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] وهذا المعنى موجود في كلام العرب وفي أشعارهم كثيرًا كقوله:
أمرُّ على الديار ديار ليلى
…
أُقَبِّلُ ذا الجدار وذا الجدارَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وما تلك الديار شغفن قلبي
…
ولكن حب من سكن الديارا
وإما من باب الاستعارة أي لو كان ممن يعقل لأحبنا أو على جهة مطابقة اللفظِ اللفظَ المسمى بالمشاكلة ولأنه استشهد به من أحبه النبي صلى الله عليه وسلم كحمزة وغيره من الشهداء الذين استشهدوا به يوم أحد رضي الله عنهم اهـ من المفهم، وقال السهيلي: كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن والاسم الحسن ولا اسم أحسن من اسم مشتق من الأحدية، قال: ومع كونه مشتقًا من الأحدية فحركات حروفه الرفع وذلك يُشعر بارتفاع دين الأحد وعلوه فتعلق الحب من النبي صلى الله عليه وسلم به لفظًا ومعنى فخص من بين الجبال بذلك اهـ من فتح الملهم. قوله: (اللهم إني أحرم ما بين جبليها) وفي لفظ آخر مأزميها -بكسر الزاي وفتح الميم الثانية- بمعنى جبليها على ما قاله ابن شعبان، قال ابن دريد: المأزم المتضايق، ومنه مأزمي منى وهذا يقرب من تفسير ابن شعبان لأن المتضايق منقطع الجبال بعضها من بعض، وهما المعبر عنهما باللابتين، ومقدار حرم المدينة ما قاله أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم جعل اثني عشر ميلًا حول المدينة. قوله:(اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم) قال ابن المنير: يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذٍ حتى لا يدخل المد الحادث بعده، ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد، قال: والظاهر الثاني كذا قال، وكلام مالك يجنح إلى الأول وهو المعتمد، وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك وإلى هذا الزمان وقد وُجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث قدّرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات، قال ابن بطال عن المهلب: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة في صاعهم ومدهم خصهم من البركة ما اضطر أهل الآفاق إلى قصدهم في ذلك المعيار المدعو له بالبركة ليجعلوه طريقة متبعة في معاشهم وأداء ما فرض الله عليهم كذا في الفتح، وقال العيني: البركة النماء والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، وقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات فتكون بمعنى الثبات والبقاء بها لبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي مثله من غيره في غير المدينة، أو يرجع البركة في التصرف بها في التجارة وأرباحها أو إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها، أو
3203 -
(00)(00) وحدّثناه سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ (وَهُوَ ابْنُ عَبدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ) عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لابَتَيهَا".
3204 -
(1282)(32) وحدّثناه حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
ــ
تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه بما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه فزاد مدهم وصار هاشميًا مثل مد النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو مرة ونصفًا، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم وقبولها، هذا كله كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 159]، والبخاري [5425].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
3203 -
(00)(00)(وحدثناه سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني المكي (وقتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال: حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله (القاري) نسبة إلى قارة اسم قبيلة، المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (7) أبواب (عن عمرو ابن أبي عمرو) ميسرة المدني (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق يعقوب بن عبد الرحمن (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر، غرضه بيان متابعة يعقوب بن عبد الرحمن لإسماعيل بن جعفر (غير أنه) أي لكن أن يعقوب (قال) في روايته:(إني أحرم ما بين لابتيها) بدل قول إسماعيل جبليها.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأنس رضي الله تعالى عنهما فقال:
3204 -
(1282)(32)(وحدثناه حامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي البكراوي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب، وليس في مسلم من اسمه حامد إلا هذا الثقة (حدثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم أبو بشر
حَدَّثَنَا عَاصِمٌ. قَال: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَال: نَعَم. مَا بَينَ كَذَا إِلَى كَذَا. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا. قَال: ثُمَّ قَال لِي: هذِهِ شَدِيدَةٌ: "مَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا فَعَلَيهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ
ــ
البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا (قال) عاصم:(قلت لأنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون (أحرّم) بتشديد الراء المفتوحة من التحريم بمعنى التعظيم؛ أي هل جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ ) حرمًا لا يصاد صيدها ولا يقطع شجرها (قال) أنس:(نعم) حرم (ما بين كذا إلى كذا) أي من عير إلى ثور كما سيأتي في حديث علي رضي الله عنه مفسرًا، وفي القسطلاني: كذا وكذا بفتح الكاف والذال المعجمة كناية عن اسمي مكانين (فمن أحدث) وأظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) أي منكرًا لا يعرفه الشرع أو بدعة وهي ما خالف الكتاب والسنة كذا في المرقاة، وزاد شعبة فيه عن عاصم عند أبي عوانة (أو آوى محدثًا) قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة صحيحة إلا أن عاصمًا لم يسمعها من أنس اهـ إرشاد (قال) عاصم (ثم قال لي) أنس (هذه) العقوبة الواردة فيمن أحدث حدثًا في المدينة عقوبة (شديدة) أي عظيمة لكونها لعنة من كل لاعن وهذا إعظام من أنس ما ورد فيه من الوعيد، قال الأبي: فاعل قال الثانية أنس فعلى رواية إسقاط أو آوى محدثًا فالشدة تكون في الوعيد المذكور على الذنب، ويأتي بيان وجه الشدة في ذلك، وعلى رواية إثباتها فيحتمل الشدة أنها راجعة إلى ترتب العقوبة عليها وحدها، ويحتمل أنها على الكلمتين معًا ثم قال: وجه الشدة فيه إما أن تكون لعنة الله وما بعدها كناية عن عقوبة خاصة ليس كعقوبة فاعل ذلك في غير المدينة أو يكون كناية عن نفوذ الوعيد فيه بخلاف المذنب بذلك في غيرها فإنه في المشيئة اهـ.
(من أحدث فيها حدثًا) والحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعروف في الشرع كما في النهاية أي من أظهره فيها (فعليه لعنة الله والملائكة والناس) قال عياض: لعنة الله سبحانه طرده الملعون عن رحمته تعالى، ولعنة الملائكة والناس دعاؤهم عليه بالإبعاد من رحمة الله تعالى، وقد تكون لعنة الملائكة عليهم السلام ترك الدعاء له والاستغفار وإبعاده عن جملة المؤمنين في الاستغفار لهم، لكن المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه لا كلعن الكافر المبعد عن رحمة الله كل الإبعاد اهـ من الإرشاد،
أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صرْفًا وَلَا عَدْلًا".قَال: فَقَال ابْنُ أَنَسٍ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا
ــ
قال القرطبي: وهؤلاء هم اللاعنون في قوله تعالى: {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159].
وقوله: (أجمعين) توكيد للملائكة والناس اهـ.
قال القرطبي: يعني من أحدث ما يخالف الشرع من بدعة أو معصية أو ظلم كما قال: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" رواه أحمد والبخاري ومسلم اهـ مفهم، قال الحافظ: فيه جواز لعن أهل المعاصي والفساد لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المعين، وقال عياض: واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر، وقال ابن بطال: ودل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة وإن كان قد علم أن من آوى أهل المعاصي أنه يشاركهم في الإثم فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم ولكن خصت المدينة بالذكر لشرفها لكونها مهبط الوحي وموطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها، وقال غيره: السر في تخصيص المدينة بالذكر أنها كانت إذ ذاك موطن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صارت موضع الخلفاء الراشدين (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا) أي فريضة (ولا عدلًا) أي نافلة، والمعنى لا يقبل الله منه يوم القيامة كل خير عمله في الدنيا، قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضا وإن قبل قبول إجزاء، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري اهـ (قال) عاصم:(فقال) موسى (بن أنس) تذكيرًا لأبيه ما نسي قل يا والدي من أحدث فيها حدثًا (أو آوى محدثًا) مع هذه الزيادة، وذكر النووي عن القاضي أن قوله:(فقال ابن أنس) تذكير من ابن أنس أباه هذه الزيادة فلا وجه لحذف ابن من أول أنس كما وقع في بعض النسخ لأن سياق هذا الحديث من أوله إلى آخره من كلام أنس فلا يتجه استدراك أنس بنفسه اهـ، ومعنى هذه الزيادة (أو آوى محدثًا) أي ضمه إليه ومنعه ممن له عليه حق ونصره، ويقال آوى بالقصر ثلاثيًّا وبالمد رباعيًّا من الإيواء متعديًا ولازمًا، والقصر في اللازم أكثر وأفصح كقوله تعالى:{أَرَأَيتَ إِذْ أَوَينَا إِلَى الصَّخْرَةِ} والمد في المتعدي أكثر وأفصح كقوله تعالى: {وَآوَينَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} وقيل الصرف التوبة والعدل الفدية قاله
3205 -
(00)(00) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا، أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَالَ:«نَعَمْ، هِيَ حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
ــ
الأصمعي، وقيل الصرف الفريضة والعدل التطوع، وعكس ذلك الحسن، وقيل الصرف الحيلة والكسب والعدل المثل كما قال تعالى:{أو عدل ذلك صياما} [المائدة/ 95]، ويقال في العدل بمعنى المثل عَدل بالفتح وعِدل بالكسر كسَلم وسِلم اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري كما في التحفة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس هذا رضي الله عنه فقال:
3255 -
(00)(00)(حدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابًا (أخبرنا عاصم) بن سليمان (الأحول) البصري (قال) عاصم:(سألت أنساً) ابنَ مالك.
وهذا السند من رباعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن هارون لعبد الواحد بن زياد
(أحرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال) لي أنس: (نعم) حرّمها (هي) أي المدينة (حرام) أي محرمة معظمة (لا يختلى) أي لا يقطع (خلاها) أي حشيشها (فمن فعل ذلك) أي اختلاء حشيشها (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) فيه ترتيب الوعيد الشديد على المختلي ولم أجده في غير هذه الطريق فإن صح فهو مخالف لما قدمناه في أوائل هذا الباب من مذهب الحنفية أنهم يحملون النهي عن الاختلاء ونحوه على الكراهة مع إثبات الإباحة، ويختلج في قلبي أن الرواية وقع فيها اختصار وحذف بعض الرواة ذكر الأحداث وإيواء المحدث وكان الوعيد مرتبًا على ذلك المحذوف كما هو المصرح في سائر الروايات عن أنس، وأيضًا فليس في هذه الرواية التصريح برفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على المتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب اهـ فتح الملهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:
3206 -
(1283)(33) حدَّثنا قُتَيبَةُ بن سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن أنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"اللهم! بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيالِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ. وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ".
3207 -
(1284)(34) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبِ وإِبرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ يُونُسَ يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، . عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَي
ــ
3206 -
(1283)(33)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته اثنان منهم مدنيان وواحد بصري وواحد بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) في الدعاء لأهل المدينة (اللهم بارك لهم في مكيالهم) بكسر الميم اسمه لآلة الكيل كالمفتاح آلة للفتح، ويستحب أن يتخذ ذلك المكيال رجاء لبركة دعائه صلى الله عليه وسلم والاستنان بأهل البلد الذين دعا لهم قاله العيني في عمدة القاري، وسبق بيان البركة فيه وفي صاعهم ومدهم قريبًا، وقوله:(وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم) تفسير لما أجمله أولًا مع إعادة العامل. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي اهـ تحفة الأشراف.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثامنًا بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:
3207 -
(1284)(34)(وحدثني زهير بن حرب وإبراهيم بن محمد) بن عرعرة بمهملات (السامي) بمهملة نسبة إلى سامة بن لؤي بن غالب أبو إسحاق البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبي) جرير بن حازم بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) (قال) جرير:(سمعت يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (يحدث عن الزهري عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون أو ثلاثة بصريون وواحد نسائي وواحد مدني وواحد أيلي (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء لأهل المدينة: (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي)
مَا بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ".
3208 -
(1285)(35) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويَةَ. قَال أَبُو كُرَيبٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيميِّ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
أي مثلي (ما) جعلته (بمكة من البركة) بسبب دعوة إبراهيم عليه السلام أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا" ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة من المدينة، واستدل به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الحجة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق، وأما من ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" وأعادها ثلاثًا، فقد تعقب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب، وقال ابن حزم: لا حجة لهم في حديث الباب لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة، ورده عياض بأن البركة أعم من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا لأنها بمعنى النماء والزيادة، فأما في الأمور الدينية فلما يتعلق بها من حق الله تعالى من الزكاة والكفارات ولا سيما في وقوع البركة في الصاع والمد، وقال النووي: الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند من سكنها، قال القرطبي: إذا وُجدت البركة فيها حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص والله أعلم اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري اهـ تحفة الأشراف.
ثم استشهد المؤلف تاسعًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما فقال:
3208 -
(1285)(35)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وأبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي (جميعًا عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير الكوفي (قال أبو كريب: حدثنا أبو معاوية) بصيغة السماع (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب أبي أسماء الكوفي، ثقة، من (5)(عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب
قَال: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَال: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيئًا نَقْرَأُهُ إِلَّا كِتَابَ الله وَهذِهِ الصَّحِيفَةَ (قَال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيفِهِ) فَقَدْ كَذَبَ. فِيها أَسْنَانُ الإِبِلِ
ــ
(قال) يزيد بن شريك: (خطبنا) أي وعظنا (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا علي بن أبي طالب فإنه مدني وزهير بن حرب فإنه نسائي (فقال) علي بن أبي طالب في خطبته:(من زعم) وقال والزعم القول بلا دليل (أن عندنا) أهل البيت (شيئًا نقرأه) أي من الوحي كما يظهر من بعض الروايات (إلا كتاب الله) عز وجل (وهذه الصحيفة) أي الورقة المكتوبة (قال) الراوي يعني يزيد بن شريك وعنده أي عند علي (وصحيفة) أي ورقة مكتوبة (معلقة) أي موضوعة (في قراب سيفه) والقراب بكسر القاف هو الغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده أي مع غمده والغلاف الغشاء، والصوان يُدخل فيه الشيء كغلاف الكتاب والسيف يُجمع على غلف بضم فسكون وعلى غلف بضمتين والغمد بكسر أوله وسكون ثانيه أجفان السيف يُجمع على غُمود وأغماد (فقد كذب) أي قال كذبًا لا أصل له، وهذا خبر المبتدإ المتضمن معنى الشرط ولا يخفى ما في نسبة زاعم ذلك إلى الكذب من إنصافه وتقاه اهـ أبي. وسبب قول علي رضي الله عنه ذلك يظهر بما رويناه في مسند أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليًّا كان يأمر بالأمر فقال له: قد فعلناه فيقول: صدق الله ورسوله، فقال له الأشتر: هذا الذي تقول شيء عهده إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما عهد إليّ شيئًا خاصًّا دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور الخ اهـ من الإرشاد، قال النواوي: هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليًّا رضي الله عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة، وأنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم، وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها، ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا اهـ. وفيه دليل على جواز كتابة العلم وأن عليًّا ممن يكتب العلم ويجيز كتابته اهـ أبي.
(فيها) أي في تلك الصحيفة (أسنان الإبل) أي بيان سن الإبل التي تعطى في الدية
وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ. وَفِيهَا قَال النَّبِيُّ صَلَّى الله تَعَالى عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَينَ عَيرٍ إِلَى ثَوْرٍ. فَمَنْ أَحْدَثَ فِيها حَدَثًا. أَوْ آوَى
ــ
وتجزئ كبنت مخاض وبنت لبون وجذعة وخلفة (وأشياء) أي وفيها بيان أشياء (من) الأروش التي تجب في بعض (الجراحات) كأرش الموضحة والهاشمة والمأمومة مثلًا، وقد تنوعت الروايات في ذكر ما في الصحيفة، ففي بعضها العقل وفكاك الأسير، وفي بعضها فرائض الصدقة وغير ذلك من الأحكام، قال الحافظ: والجمع بين هذه الروايات أن الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه والله تعالى أعلم.
(وفيها) أي وفي تلك الصحيفة أيضًا (قال النبي صلى الله عليه وسلم: المدينة حرم ما بين عير) بفتح العين المهملة وسكون التحتانية، وفي رواية ما بين عائر على وزن فاعل (إلى ثور) وهما جبلان على طرفي المدينة المنورة كما مر في حديث أنس عير في جنوبها، وثور خلف أُحد من جهة شمالها كما في القاموس مع تاج العروس، فحديث الجبلين مع حديث اللابتين بيان لحدود حرم المدينة من جهاتها الأربع، فإن اللابتين كما شرقية وغربية، وهذان الجبلان جنوبي وشمالي، وأنكر ابن الأثير في النهاية وجود جبل يسمى بثور بالمدينة، وإنما هو بمكة وفيه الغار المذكور في التنزيل في قوله تعالى:{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} والظن أنه مسبوق في هذا الإنكار وأنكره أبو عبيد أيضًا فقال: أما أهل المدينة فلا يعرفون جبلًا عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة، وقال المحب الطبري في الأحكام بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أُحد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة اهـ فتح الملهم، وعُلم مما ذكرنا أن عيرًا وثورًا اسما جبلين من جبال المدينة أولهما عظيم شامخ يقع بجنوب المدينة على مسافة ساعتين منها تقريبًا وثانيهما أحمر صغير يقع شمال أُحد ويحدان حرم المدينة جنوبًا وشمالًا (فمن أحدث) وأظهر (فيها) أي في المدينة (حدثًا) بفتحتين أي أمرًا مخالفًا للشرع مما لم يرد في الكتاب والسنة (أو آوى) بالقصر ثلاثيًّا لازمًا كقوله تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} وبالمد فيكون رباعيًّا
مُحْدِثًا. فَعَلَيهِ لعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ
ــ
متعديًا كما هنا نظير قوله: {وَآوَينَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} أي ضم إلى نفسه (محدثًا) أي فاعل الحدث والبدعة ونصره، والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) مر ما فيه من الكلام (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا) بفتح أوله وسكون ثانيه أي فرضًا أي لا يقبل قبول رضًا عنه، لا قبول إجزاء (ولا عدلًا) بفتح أوله وسكون ثانيه أيضًا أي نفلًا، واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري وعن الحسن بالعكس، وعن الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية، وعن يونس مثله لكن قال الصرف الاكتساب، وعن أبي عبيدة مثله لكن قال العدل الحيلة، وقيل المثل، وقيل الصرف الدية والعدل الزيادة، وقيل بالعكس، وحكى صاحب المحكم الصرف الوزن والعدل الكيل، وقيل الصرف القيمة والعدل والاستقامة، وقيل الصرف الدية والعدل البديل، وقيل الصرف الشفاعة والعدل الفدية لأنها تعادل الدية وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل الصرف الرشوة والعدل الكفيل قاله أبان بن تغلب وأنشد:
لا نقبل الصرف وهاتوا عدلا
فحصلنا على أكثر من عشرة أقوال، قال الأبي: وقد قدمنا في الكلام على حديث جبريل عليه السلام أن الإحباط إنما هو عبارة عن بطلان العمل في نفسه وأن القبول أخص من الصحة لأن الصحة عبارة عن سقوط القضاء والقبول عبارة عن حصول ثبوت الثواب على الفعل وأنه لا يلزم من نفي القبول نفي الصحة وهذا كالصلاة في الدار المغصوبة أو في الثوب المغصوب فإنها صحيحة أي مجزئة غير مقبولة أي لا ثواب عليها في القول الصحيح فلا يلزم من نفي القبول نفي الصحة حتى يكون ذلك إحباطًا والله أعلم اهـ (وذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم الذي عفدوه للكفار (واحدة) أي متحدة، والذمة ما يذم الرجل على إضاعته ونقضه من عهد للمعاهد وأمان للمستأمن أي عهدهم وأمانهم كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف مراتب الناس، ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها أو وضاعته وكأن الذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة نفسه كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كما في المرقاة (يسعى بها أدناهم) أي يتولاها
يَسْعَى بِها أَدنَاهُم. وَمَنِ ادَّعَى إلى غَيرِ أَبِيهِ، أَو انْتَمَى إلى غَيرِ مَوَالِيهِ. فَعَلَيهِ لعنةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
ــ
ويلي أمرها أدنى المسلمين درجة فإذا أمن أحد المسلمين كافرًا لم يحل لأحد نقضه وإن كان المؤمن وضيعًا اهـ من المرقاة قال الحافظ: فدخل في أدناهم المرأة والعبد والصبي والمجنون، فأما المرأة فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئًا ذكره عبد الملك يعني ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال: إن أمر الأمان إلى الإمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة، قال ابن المنذر: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم يسعى بذمتهم أدناهم دلالة على إغفال هذا القائل اهـ، وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال: هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن رده رد، وأما العبد فأجاز الجمهور أمانه قاتل أم لم يقاتل، وقال أبو حنيفة: إن قاتل جاز أمانه وإلا فلا، وقال سحنون: إن أذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا، وأما الصبي فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز. (قلت): وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذلك المميز الذي يعقل، والخلاف عن المالكية والحنابلة، وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي: إن غزا الذمي مع المسلمين فأمَّن أحدًا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه، وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال: لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير اهـ فتح الملهم.
(ومن ادعى) أي انتسب (إلى غير أبيه) المعروف (أو انتمى) وانتسب (إلى غير مواليه) أي أسياده بأن قال معتق لغير معتقه: أنت مولاي اهـ مرقاة، والادعاء والانتماء في الحديث كلاهما بمعنى الانتساب ففي الكلام تفنن، قال النووي: وهذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى ولاء غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق، قال الأبي: ومن الانتماء إلى غير الأب انتماء ولد الزنا إلى من يعرف أنه خُلق من مائه الفاسد (فإن قلت): فقول الغلام في حديث جريج أبي فلان الراعي يدل على أنه أب حقيقي. قيل ذلك شرع من قبلنا أو أنه أب لغة والمقصود في ذلك الحديث إنما هو بيان من ماء من هو اهـ (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلًا. وانتهى حديث أبي بكر) بن أبي شيبة (و) حديث (زهير) بن حرب (عند
صَرفًا وَلَا عدلًا".
وَانْتهى حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَزُهيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: "يَسْعَى بِها أدنَاهُم" وَلَم يَذْكُرَا مَا بَعدهُ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِهِمَا: مُعلَّقَة فِي قِرَابِ سَيفِهِ.
3209 -
(00)(00) وحدّثني عَلِي بْنُ حُجْرٍ السعدِيُّ. أَخْبَرَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيع. جَمِيعًا عَنِ الأعمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، نَحوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيب عَنْ أَبِي مُعَاوَيةَ إِلَى آخِرِهِ. وَزَادَا:
ــ
قوله): أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (يسعى بها أدناهم) منزلة (ولم يذكرا) أي ولم يذكر أبو بكر وزهير (ما بعده) أي ما بعد قوله يسعى لها أدناهم من قوله: "ومن ادعى إلى غير أبيه" .. الخ (وليس في حدبثهما) أيضًا قوله: (معلقة في قراب سيفه) وهذا بيان لموضع المخالفة بين مشايخه رحمهم الله تعالى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 126]، والبخاري [1870]، وأبو داود [2034]، والترمذي [2128].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث علي رضي الله عنه فقال:
3209 -
(00)(00)(وحدثني علي بن حجر) بن إياس (السعدي) أبو الحسن المروزي (أخبرنا علي بن مسهر) القرشي أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (حدثنا وكيع) بن الجراح الأموي المكي، ثقة، من (9)(جميعًا) أي كل من علي بن مسهر ووكيع رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أبي طالب (نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية) عن الأعمش (إلى آخره) أي إلى آخر حديث أبي معاوية، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة علي بن مسهر ووكيع لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، هذا الذي ذكرناه هو الصواب، وفي أكثر النسخ نحو حديث أبي كريب عن أبي معاوية وهو تحريف من النساخ فلا معنى له لأن المتابع هو أبو معاوية لأنه هو الذي روى عن الأعمش والله أعلم.
(و) لكن (زادا) بألف التثنية على الصواب أي زاد علي بن مسهر ووكيع على أبي معاوية قوله: (فمن أخفر) الخ أي فمن أخفر (مسلمًا) أي خذله وأهانه أي نقض عهده
"فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالْمَلائكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرفٌ وَلَا عَدلٌ" وَلَيسَ فِي حَدِيثِهمَا "مَنِ ادَعَى إِلَى غَيرِ أَبِيهِ" وَلَيسَ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ، ذِكْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
3210 -
(00)(00) وحدّثني عُبَيدُ الله بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ وَمُحَمدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدمِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمَنِ بْنُ مَهْدِي. حَدَثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأعمَشِ. بِهذَا الإِسْنَادِ، نحوَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ وَوَكِيعٍ. إلا قَوْلَهُ:"مَنْ تَوَلَّى غَيرَ مَوَالِيهِ" وَذِكْرَ اللعنَةِ لَهُ
ــ
وأمانه للكافر بأن قتل ذلك الكافر أو أخذ ماله اهـ مرقاة، قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل إخفارًا إذا غدرته ونقضت عهده وخفرته خفارة إذا أجرته وأمنته اهـ مفهم (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل. وليس في حديثهما) أي في حديث علي بن مسهر ووكيع قوله: (من ادعى إلى غير أبيه. وليس في رواية وكيع) فقط (ذكر) لفظ (يوم القيامة) وهذا بيان قال المخالفة بين مشايخه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث علي رضي الله عنه فقال:
3210 -
(00)(00)(وحدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة، من (10)(ومحمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) أبو عبد الله الثقفي البصري، ثقة، من (10) (قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن الأعمش) غرضه بيان متابعة سفيان لأبي مسهر ووكيع في الرواية عن الأعمش (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن أبيه عن علي بن أبي طالب، وقوله:(نحو حديث ابن مسهر ووكيع) بنصب نحو على أنه مفعول ثان لحدثنا سفيان (إلا قوله) أي قول النبي صلى الله عليه وسلم (من تولى غير مواليه) لم يسبق ذكر هذا اللفظ، وإنما الذي سبق أو انتمى إلى غير مواليه، والمعنى واحد، والمراد ولاء العتاقة (و) إلا (ذكر اللعنة له) أي لمن تولى غير مواليه ولم يذكرهما سفيان، وهذا بيان قال مخالفته لهما، وقوله: ذكر بالنصب معطوف على المستثنى كما أشرنا إليه في الحل.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى عاشرًا لحديث عبد الله بن زيد بحديث أبي
3211 -
(1286)(36) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا حُسَينُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عن سُلَيمَانَ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"المَدِينَةُ حَرَمٌ. فَمَنْ أَحدَثَ فِيها حَدَثا أَوْ آوَى مُحدِثا فَعَلَيهِ لعنَةُ الله وَالمَلائكَةِ وَالناسِ أَجمَعِينَ. لَا يُقبَلُ مِتهُ يَومَ القِيَامَةِ عَدلٌ وَلَا صَرفٌ".
3212 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ النضْرِ بْنِ أَبِي النضرِ. حَدثَنِي أَبُو النضْرِ. حَدَّثَنِي عُبَيدُ الله الأَشجَعِي، عن سُفْيَانَ، عَنِ الأَعمَشِ، بِهذَا
ــ
هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
3211 -
(1286)(36)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) الكوفي، ثقة، من (9)(عن زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي، ثقة، من (7) (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون واثنان مدنيان (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم) أي حرام اصطياد صيدها وقطع أشجارها (فمن أحدث) وأظهر وفعل (فيها حدثًا) أي أمرًا مخالفًا للشرع (أو آوى محدثًا) أي أجر وعصم صاحب حدث وبدعة ورضي بعمله (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل) أي نفل (ولا صرف) أي فرض. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
3212 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر) اسمه كنيته وقيل اسمه محمد وقيل أحمد (بن النضر بن أبي النضر) الليثي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (حدثني) جدي (أبو النضر) هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي مولاهم البغدادي مشهور بكنيته، ولقبه قيصر كما في ترجمته في المقدمة، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثني عبيد الله) بن عُبيد الرحمن ويقال ابن عبد الرحمن مكبرًا (الأشجعي) أبو عبد الرحمن الكوفي ثم البغدادي، ثقة مأمون أثبت الناس كتابًا في الثوري، من كبار (9) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة (مثله) أي مثل ما روى زائدة عن
الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَلَم يَقُلْ:"يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وَزَادَ: "وَذِمةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَة. يَسْعَى بِها أَدنَاهُم. فَمَنْ أَخْفَرَ مُسلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ الله وَالْمَلائكَةِ وَالناسِ أَجْمَعِينَ. لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عدل وَلَا صرف".
3213 -
(1287)(37) حدثنا يَحيَى بْنُ يَحيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالك، عَنِ ابْنِ شِهاب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. عَنْ أبِي هُرَيرَةَ؛ أَنهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيتُ الظبَاءَ ترتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعرتُها. قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَما بَينَ لابَتَيها حَرَامٌ"
ــ
الأعمش. وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم بغداديون واثنان مدنيان واثنان كوفيان، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لزائدة بن قدامة في الرواية عن الأعمش (و) لكن (لم يقل) سفيان لفظة (يوم القيامة وزاد) سفيان على زائدة (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) تقدم البسط في معنى هذا كله فلا عود ولا إعادة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى حادي عشرها لحديث عبد الله بن زيد بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
3213 -
(1287)(37)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهريّ المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من (2) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى (أنه كان يقول: لو رأيت الظباء) جمع ظبي وظبية مثل سهم وسهام وكلبة وكلاب فهو جمع يعم الذكور والإناث، بخلاف الظبي وزان فلوس فإنه يختص بالذكور، وبخلاف الظبيات فإنه يختص بالإناث أفاده الفيومي، والظبي الغزال يطلق على الذكر والأنثى، ومن طبيعته أنه لا يمرض إلا مرض الموت اهـ منجد (ترتع) وترعى، وقيل: تسعى وتنبسط (بالمدينة ما ذعرتها) أي ما أفزعتها، وقيل ما نفرتها لقوله في الحديث السابق "ولا ينفر صيدها" وهو كناية عن عدم اصطياده لها، وذلك لأنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين لابتيها) أي ما بين حرتي المدينة (حرام) أي حرم لا يصطاد صيده ولا يقطع شجره ولا يختلى. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1873]، والترمذي [3917].
3214 -
(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: حَرَّمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا بَينَ لابَتَي الْمَدِينَةِ. قَال أَبُو هُرَيرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَينَ لابَتَيهَا مَا ذَعرْتُهَا. وَجَعَلَ اثْنَي عَشَرَ مِيلًا، حَوْلَ الْمَدِينَةِ، حِمًى
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3214 -
(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قال إسحاق: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني، ثقة، من (9)(حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لمالك في الرواية عن الزهري (قال) أبو هريرة:(حرّم) بتشديد الراء أي جعل (رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة) حرمًا لا يصطاد صيده ولا يعضد شجره، ثم (قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء) ورأيتها ترعى (ما بين لابتيها) أي فيما بين طرفيها (ما ذعرتها) أي ما أزعجتها ولا نفرتها كناية عن عدم اصطياده لها (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اثني عشر ميلًا) مما (حول المدينة حمى) أي كلأ ممنوعًا لرعي نعم الزكاة والميل بكسر الميم يجمع على أميال وأميل وميول؛ عود يجعل به الكحل في العين، ومسافة من الأرض قدرها أربعة آلاف ذراع، والميل الهاشمي ألف باع اهـ من المنجد، وروى أبو داود من حديث عدي بن زيد قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا لا يخبط شجره ولا يعضد إلا ما يساق به الجمل، والبريد مسافة نصف يوم وهو أربعة فراسخ اهـ وقوله: حمى ثاني مفعولي جعل منصوب منون بفتحة مقدرة لأنه اسم مقصور نظير فتى، والحمى محظور لا يقرب ولا يجترأ عليه حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ونعم الجزية والمقصود منع الكلإِ من العامة كما في شرح السنة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [1873]، والترمذي [3917].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن زيد ثاني عشرها بحديث
3215 -
(1288)(38) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (فِيمَا قُرئَ عَلَيهِ) عَنْ سُهيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا. وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَليلُكَ وَنَبِيُّكَ. وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ
ــ
آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
3215 -
(1288)(38)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أنه) أي أن أبا هريرة (قال: كان الناس) أي أهل المدينة (إذا رأوا أول الثمر) أي إذا قطفوا وجذوا أول ثمر يبدو ويبتكر في أول السنة (جاؤوا به) أي بذلك الثمر ويسمى بالباكورة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء: كانوا يفعلون ذلك رغبة في دعائه صلى الله عليه وسلم في الثمر وللمدينة والصاع والمد وإعلامًا له صلى الله عليه وسلم بابتداء صلاحها لما يتعلق بها من الزكاة وغيرها وتوجيه الخارصين، وقال الأبي: وقيل: إنما كانوا يؤثرونه به على أنفسهم حبًّا له ويرونه أولى الناس بما يسبق إليهم من خير ربهم اهـ فتح الملهم (فإذا أخذه) أي أخذ الثمر منهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا) يعني أكثر خيرنا في المدينة من القيام بأوامر الله تعالى اهـ مبارق، وقال في المرقاة: قوله: (وبارك لنا في مدينتنا) أي في ذاتها من جهة سعتها وسعة أهلها وقد استجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم بأن وسع نفس المسجد وما حوله من المدينة وكثر الخلق فيها حتى عد من الفرس المعد للقتال المهيَّإ بها في زمن عمر أربعون ألف فرس، والحاصل أن المراد بالبركة هنا ما يشمل الدنيوية والأخروية والحسية اهـ (وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك) قيل: إنما لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه خليل كما دل عليه قوله في مناقب أبي بكر "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلًا" رعاية للأدب في تركه المساواة بينه وبين آبائه وأجداده الكرام، وقال الطيبي: عدم التصريح بذلك مع رعايته
وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ. وَإِنِّي أدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ. بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ". قَال: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذلِكَ الثَّمَرَ
ــ
الأدب أفخم، قال الزمخشري في قوله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إلى قوله: {دَرَجَاتٍ} الظاهر أنه أراد نفسه، وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله ما لا يخفى، وقد سئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال: زهير والنابغة، ثم قال: ولو شئت لذكرت الثالث أراد نفسه، ولو صرح به لم يفخم أمره اهـ (وإنه) أي وإن إبراهيم (دعاك لمكة) أن تبارك فيها، قال الأبي: دعاء إبراهيم عليه السلام هو قوله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ} الآية يعني ما رزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم لعلهم يشكرونه على أن رزقوا أنواع الثمار حاضرة في واد ليس فيه نجم ولا شجر ولا ماء، وقد أجاب الله سبحانه دعوته فجعله حرمًا آمنًا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، وقد أجاب الله سبحانه دعاء محمد صلى الله عليه وسلم وضاعف خير المدينة على خير مكة في زمن الخلفاء بأن جلب إليها من مشارق الأرض ومغاربها كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى كثرة، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقصى الأرض وشاسع البلاد اهـ (وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك) إبراهيم (لمكة و) بـ (مثله) أي وأدعوك بمثل ذلك المثل (معه) أي مع ذلك المثل ومثله بالجر معطوف على المثل؛ والمعنى أدعوك بضعف ما دعاك إبراهيم عليه السلام لمكة في أمر الرزق والدنيا فإن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال في دعائه:{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوي إِلَيهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (قال) أبو هريرة: (ثم يدعو) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصغر وليد له) أي أصغر أولاد له يعني من أهل البيت (فيعطيه ذلك الثمر) قال القاضي عياض: فيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الرفق بالصغير والكبير وتخصيصه الصغار بالدفع إليهم إذ هم أولى لشدة حرصهم على ذلك، وقيل: يحتمل أنه طلبه الأجر بدفعها لمن لا ذنب عليه، وتخصيصه أصغر وليد يحضره إذ ليس فيه ما يقسم على الولدان، وأما من كبر فإنه يتخلق بأخلاق الرجال في الصبر ويلوح في أنه تفاؤل بنماء الثمار وزيادتها بدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء في الاستسقاء (قلت): وقيل: إنما خصهم بذلك للمناسبة الواقعة بين الولدان وبين الباكورة لقربهما من الإبداع اهـ.
وعبارة القرطبي: وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الثمر أصغر وليد يراه
3216 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَدَنيُّ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ فَيَقُولُ:"اللَّهُمَّ! بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَفِي ثِمَارِنَا وَفِي مَدِّنَا وَفِي صَاعِنا. بَرَكَة مَعَ بَرَكَةٍ". ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْولْدَانِ
ــ
لأنه أقل صبرًا ممن هو أكبر منه وأكثر جزعًا وأشد فرحًا وهذا من حسن سياسته صلى الله عليه وسلم ومعاملته للكبار والصغار، وقيل إن ذلك من باب التفاؤل بنمو الصغير وزيادته كنمو الثمرة وزيادتها اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [3454]، والنسائي في اليوم والليلة [302]، وابن ماجه [3329].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
3216 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم (المدني) صدوق، من (8) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا (عن سهيل بن أبي صالح) المدني (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، غرضه بيان متابعة عبد العزيز لمالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى) بالبناء للمجهول أي يأتيه الناس من أهل الثمار (بأول الثمر) الذي يبتكر في السنة (فيقول) في دعائه:(اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي ثمارنا وفي مدنا وفي صاعنا) وقوله: (بركة مع بركة) مفعول مطلق لبارك أي بارك لنا في هذه المذكورات بركة مصحوبة ببركة أخرى يعني بركة تكون ضعفي ما في مكة من البركة الحاصلة بدعوة إبراهيم عليه السلام (ثم يعطيه) أي يعطي ذلك الثمر (أصغر من يحضره) أي من كان في حضرته ومجلسه (من الولدان) أي من الصبيان والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا، الأول: حديث عبد الله بن زيد ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث جابر ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث سعد بن أبي وقاص ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديث سعد بن أبي وقاص الثاني ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أنس بن مالك الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أنس الثالث ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث أنس الرابع ذكره للاستشهاد، والعاشر: حديث علي بن أبي طالب ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عشر: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، فجملة ما في هذا الباب ثلاثة عشر حديثًا كلها للاستشهاد إلا حديث عبد الله بن زيد، وجملة ما فيه من المتابعات عشرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***