الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
533 - (19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها
3406 -
(1359)(109) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو) قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَن عَائِشَةَ. قَالتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالت: كُتتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ. فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاقِي. فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ
ــ
533 -
(19) باب ما يحل للمطلقة ثلاثًا وما يقال عند الجماع وجواز وطء المرأة في قبلها من خلفها
3406 -
(1359)(09 1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن شابور (الناقد) البغدادي (واللفظ) الآتي العمرو قا لا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيون أو كوفي وبغدادي (قالت) عائشة: (جماءت امرأة رفاعة) بكسر الراء بن سموءل -بفتح المهملة والميم وسكون الواو بعدها همزة- القرظي نسبة إلى قريظة قبيلة من يهود خيبر، سماها مالك من حديث عبد الرحمن بن الزبير نفسه: تميمة بنت وهب بن أبي عبيد القرظية وهي مثناة واختلف هل هي بفتحها أو بالتصغير والثاني أرجح (إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففالت): يا رسول الله كنت) أولًا (عند رفاعة) القرظي (فطلقني فبت طلاير) أي قطع طلاقي وخلص ماله عليّ من الطلقات، قال الحافظ: هذا ظاهر في أنه قال لها أنت طالق البتة، ويحتمل أن يكون المراد أنه طلقها طلاقًا حصل به قطع عصمتها منه وهو أعم من أن يكون طلقها ثلاثًا مجموعة أو مفرقة، ويؤيد الثاني ما في البخاري من كتاب الأدب أنها قالت: طلقني آخر ثلاث تطليقات، فمعنى بت طلاقي أي قطعه بجعله ثلاثة وهو كما قال ملا علي: يحتمل الجمع والتفريق اهـ (فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير) -بفتح الزاي وكسر الباء بوزن الأمير- بلا خلاف، وهو الزبير بن باطا وقيل: باطيا، وكان عبد الرحمن صحابيأ والزبير قُتل يهوديًّا في غزوة بني قريظة يوم خيبر، وهذا الذي ذكرنا من أن عبد الرحمن بن الزبير بن باطا القرظي هو الذي تزوج امرأة رفاعة القرظي هو الذي ذكره أبو عمر بن عبد البر والمحققون كذا في الشرح ولما عزفه ابن قتيبة وأبو نعيم رفعا نسبه إلى مالك بن الأوس
وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثوْبِ. فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا. حَتَّى تَذُوقِي عُسَيلَتَهُ ويَذُوقَ عُسَيلَتَكِ".
قَالتْ: وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ. وَخَالِدٌ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ
ــ
فجعلاه من الأنصار والصواب الأول والله أعلم (وإن ما معه) من آلة الرجال (مثل هدبة الثوب) -بضم الهاء وسكون المهملة بعدها موحدة مفتوحة- هو طرف الثوب الذي لم يُنسج من سداه مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن، وأرادت أن ذكره رخو يشبه الهدبة في الاسترخاء وعدم الانتشار، وقال الداودي: يحتمل تشبيهها بالهدبة في انكساره وأنه لا يتحرك وأن شهوته لا تشتد، ويحتمل أنها كنت بذلك عن نحافته أو وصفته بذلك بالنسبة للأول، قال: ولهذا يستحب نكاح البكر لأنها تظن الرجال سواء بخلاف الثيب اهـ.
(فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كشف شفته العليا عن مقدم أسنانه بلا إظهار صوت، قال الحافظ: وتبسمه صلى الله عليه وسلم كان تعجبًا منها إما لتصريحها بما تستحيي النساء من التصريح به غالبًا وإما لضعف عقل النساء لكون الحامل لها على ذلك شدة بغضها في الزوج الثاني ومحبتها في الرجوع إلى الزوج الأول ويُستفاد منه جواز وقوع ذلك اهـ، قال القرطبي: وفيه دليل على أن مثل هذا إذا صدر من مدعيته لا يُنكر عليها ولا توبخ بسببه فإنه في معرض المطالبة بالحقوق ويدل على صحته أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينكره وإن كان خالد قد حركه للإنكار وحضه عليه اهـ من المفهم.
(فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدين) بهمزة الاستفهام الإنكاري؛ أي أتحبين أيتها المرأة (أن ترجعي إلى رفاعة) القرظي زوجك الأول، والله (لا) ترجعين إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن بن الزبير ولذة استمتاعه (ويذوق) عبد الرحمن (عسيلتك) أي لذة استمتاعك، والعسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين تصغير عسلة، وفي العسل لغتان التأنيث والتذكير، فانث العسيلة لذلك لأن المؤنث يرد إليه الهاء عند التصغير كقولهم شُميسة ويُدية في تصغير شمس ويد، وقيل: إنما أنثه لأنه أراد النطفة، وضعفه النووي لأن الإنزال لا يشترط في التحليل وإنما هي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته.
(قالت) عائشة (وأبو بكر) الصديق رضحي الله عنه جالس (عنده) صلى الله عليه وسلم (وخالد) واقف (بالباب) أي عند الباب حالة كونه (ينتظر أن يؤذن له) في الدخول،
فَنَادَى: يَا أَبَا بَكْرٍ! ألَا تَسْمَعُ هذِهِ مَا تَجْهَرُ به عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم!
ــ
أرادت به خالد بن سعيد بن العاص كما يأتي التصريح به في الرواية التالية كأنه من قدماء المسلمين ومن عمال سيد المرسلين (فنادى) خالد من عند الباب إلى أبي بكر فقال: (يا أبا بكر ألا تسمع هذه) المرأة، والموصول في قوله:(ما تجهر) وترفع (به) الصوت (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل من اسم الإشارة أي ألا تسمع ما تجهر هذه عند رسول الله، كره رضي الله عنه الجهر بما هو خليق بالإخفاء خصوصًا ممن المنتظر منهن الحياء لا سيما بحضرة سيد المرسلين، وهذا الحديث لو آخره المؤلف إلى باب الطلاق لكان أحسن كما فعله القرطبي في تلخيصه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 193] والبخاري [5261].
وقوله: (حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) قال القرطبي: مذهب الجمهور أن هذا كناية عن الجماع، وقال بعضهم: في تصغير عسيلة دليل على أن الوطأة الواحدة كافية في إباحتها لمطلقها، وشذ الحسن فقال: العسيلة هنا كناية عن المني فلا تحل له عنده إلا بإنزاله.
(قلت): ولا شك أن أول الإيلاج مبدأ اللذة وتمامه الإنزال والاسم يصدق على أقل ما ينطلق عليه فالأولى ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث نص في الرد على ما شذ فيه سعيد بن المسيب عن جماعة العلماء في قوله: إن عقد النكاح بمجرده يحلّها لمطلّقها، وقال بعض علمائنا: ما أظن سعيدًا بلغه هذا الحديث فاخذ بظاهر القرآن وشذ في ذلك ولم يقل أحد بقوله.
(قلت): قد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير وجماعة من السلف على مما حكاه القاضي عبد الوهاب في شرح رسالة ابن أبي زيد، ويُفهم من قوله حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك استواؤهما في إدراك لذة الجماع وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلّقها لأنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها. وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما من تغطية مرادها في الرجوع إلى زوجها الأول أو تعجبًا من تصريحها بشكواها بما عادة النساء الاستحياء منه.
وقوله: (وتجهر) أي ترفع صوتها وفي غير كتاب مسلم (تهجر) بتقديم الهاء على
3407 -
(00)(00) حدثني أبُو الطاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى (وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ)(قَال أَبُو الطاهِرِ: حَدَّثَنَا. وَقَال حَرْمَلَةُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ). أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ. حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخبَرَتْهُ؛ أَنَّ رِفَاعةَ الْقُرَظِيَّ
ــ
الجيم من الهجر وهو الفحش من القول، وقوله:(أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) تمسك به داود وابن علية والحكم وقالوا: لا تطلق المرأة بسبب عنة زوجها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُطلق عليه ولا ضرب له أجلًا، وجمهور العلماء من السلف وغيرهم على خلافهم وأنه يضرب له أجل فإن دخل بها وإلا فُرِّق بينهما، وقد حكى بعض أئمتنا الإجماع على ذلك وكأنه يريد إجماع السلف والله تعالى أعلم.
ولا حجة لداود ولا لمن قال بقوله في الحديث الذي تمسكوا به لأن الزوج لم يُصدِّقها على ذلك بدليل ما رواه البخاري في هذا الحديث أنها لما قالت إن ما معه ليس بأغنى عني من هذه وأخذت هدبة من ثوبها فقال: كذبت والله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة، وإنما يضرب الأجل إذا صدقها على عدم المسيس أو عُرضت عليه اليمين فنكل على ما يقوله بعضهم، واختلف الجمهور في الأجل فمعظمهم على أنه سنة لأنه إن كان مرضًا دارت عليه فصول السنة ولا بد أن يوافقه فصل منها غالبًا فيرتجى برؤه فيها فإذا انقضت السنة ولم يبرأ دل ذلك على أنه زمانة لازمة فيُفرِّق بينهما رفعًا للضرر عنها، وقال بعض السلف: عشرة أشهر والأمر قريب فإنه نظر في تحقيق مناط وكل ذلك فيمن يرتجى زوال ما به وأما المجبوب والخصي فيُطلق عليه من غير أجل اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3407 -
(00)(00)(حدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السرح الأموي البصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (واللفظ لحرملة قال أبو الطاهر حدثنا، وقال حرملة أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (أخبرته أن رفاعة) بن سموءل (القرظي) ويقال إنه
طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاقَهَا. فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ. فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنهَا كَانَتْ تَحْتَ رِفَاعَةَ. فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ. فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزّبِيرِ. وَإِنهُ. وَاللهِ، مَا مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الْهُدْبَةِ. وَأَخَذَتْ بِهُدْبَةٍ مِنْ جِلْبَابِهَا
ــ
رفاعة بن رفاعة وهو أحد العشرة الذين نزلت فيهم: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} الآية لما رواه الطبراني في معجمه وابن مردويه في تفسيره من حديث رفاعة بإسناد صحيح اهـ فتح الملهم (طلق امرأته) تميمة بنت وهب القرظية (فبت) أي قطع وخلص (طلاقها) أي عدد تطليقاتها التي يملك عليها وهي ثلاث تطليقات (فتزوجت بعده) أي بعد رفاعة (عبد الرحمن بن الزبير) القرظي (فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إنها كانت) أولًا (تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده) أي بعد رفاعة (عبد الرحمن بن الزبير) في الكلام أولًا التفات من التكلم إلى الغيبة في قولها: إنها كانت تحت رفاعة، وكان مقتضى الظاهر أن تقول إني كنت تحت رفاعة فطلقني آخر ثلاث تطليقات، ثم التفات ثانيًا من الغيبة إلى التكلم حيث قالت: فتزوجت بعده الخ (وإنه) أي وإن عبد الرحمن (والله ما معه) أي ليس مع عبد الرحمن من الآلة (إلا مثل) هذه (الهدبة وأخذت) أي والحال أنها أخذت وأمسكت بيدها (بهدبة من جلبابها) والجلباب واحد الجلابيب وهو كساء تستتر به المرأة إذا خرجت من بيتها، قال الحافظ: استدل به على أن المرأة لا حق لها في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يُغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها بذلك، ومن ثم قال إسماعيل بن إبراهيم بن علية وداود بن علي لا يُفسخ بالعنة ولا يُضرب للعنين أجل، وقال ابن المنذر: اختلفوا في المرأة تُطالب الرجل بالجماع فقال الأكثر: إن وطئها بعد أن دخل بها مرة واحدة لم يؤجل أجل العنين وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق، وقال أبو ثور إن ترك جماعها لعلة أجل له سنة وإن كان لغير علة فلا تأجيل، وقال عياض: اتفق كافة العلماء على أن للمرأة حقًّا في الجماع فيثبت الخيار لها إذا تزوجت المجبوب والممسوح جاهلة بهما، ويُضرب للعنين أجل سنة لاحتمال زوال ما به. وأما استدلال داود ومن يقول بقوله بقصة رفاعة فلا حجة فيها لأن في بعض طرقه أن الزوج الثاني كان أيضًا طلقها كما
قَال: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا. فَقَال: "لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ. لَا. حَتَّى يَذُوقَ عُسَيلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيلَتَهُ". وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. قَال: فَطَلَّقَ خَالِدْ يُنَادِي أَبَا بَكْرٍ: أَلا تَزْجُرُ هذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ .
3408 -
(00)(00) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ
ــ
وقع عند مسلم صريحًا من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله تعالى عنها في أواخر هذا الباب (قال) الراوي يعني عائشة أو عروة ففيه إرسال (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكًا) أي منتهيًا إلى الضحك، قال أهل اللغة: التبسم مبادي الضحك، والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك، وإن كان بلا صوت فهو التبسم، وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ، والمعنى فتبسم صلى الله عليه وسلم حالة كونه ضاحكًا أي زائدًا مبالغًا في تبسمه فإن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان تبسمًا ولا ضحك له (فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة) بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري، فقال لها:(لا) ترجعين إليه (حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته، وأبو بكر الصديق جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة) أي عند بابها حالة كونه (لم يؤذن له) في الدخول (قال) أي عائشة أو عروة ففيه إرسال كما مر آنفًا (فطفق خالد) بن سعيد (ينادي أبا بكر) فيقول له: (ألا تزجر) وتنهى يا أبا بكر (هذه) المرأة (عما تجهر) وترفع (به) صوتها (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكلام القبيح، قال ابن العربي: طلب المرأة حقها عند الحاكم ليس بمناف للمروءة ولا للحياء المحمود لأن المقصود من النكاح الوطء فإذا طلبته علم الجميع أنها تعنيه فإذا تعذر جاز طلبها له دينًا وحسن مروءة اهـ من الأبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:
3408 -
(00)(00) (حدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن
الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ. فَجَاءَت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: يَا رَسُول اللهِ! إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاثِ تَطْلِيقَاتٍ. بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ.
3409 -
(50)(50) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ، فَيُطَلِّقُهَا، فَتَتَزَوَّجُ رَجُلًا، فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا. أَتَحِلُّ لِزَوْجِهَا الأَوَّلِ؟ قَال:"لَا. حَتَّى يَذوقَ عُسَيلتَهَا"
ــ
الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس (أن رفاعة القرظي طلق امرأته) أميمة بنت وهب القرظية (فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير) القرظي (فجاءت) المرأة (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقها) فيه التفات، وكان مقتضى السياق طلقني (آخر ثلاث تطليقات) وساق معمر (بمثل حديث يونس) وروايته.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3409 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب (الهمداني) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام للزهري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة يتزوجها الرجل) أولًا (فيطلقها) ثلاث تطليقات إما مجموعة أو متفرقة (فتتزوج) تلك المرأة (رجلًا) آخر (فيطلقها) الرجل الثاني (قبل أن يدخل) ويطأ (بها أتحل) هذه المرأة (لزوجها الأول؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا) تحل للأول (حتى يذوق) الزوج الثاني الذي تزوجها بعد زوجها البائت طلاقها (عسيلتها) بنكاح جديد، والذوق إدراك طعم الشيء، وفي المصباح ذاق الرجل عسيلة المرأة وذاقت عسيلته إذا حصل لهما حلاوة الخلاء ولذة المباشرة بالإيلاج، وهذه استعارة لطيفة شُبهت لذة المجامعة بحلاوة العسل، أو سُمي الجماع عسلًا لأن العرب تسمي كل ما تستحليه عسلًا، وفي التصغير إشارة إلى تقليل القدر الذي يحصل به الحل وهو تغييب الحشفة ومن المستعار العسيلتان في الحديث
3410 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُريبٍ. حَدَّثَنَا أبُو مُعَاويةَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ.
3411 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِي بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا. فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أن يَدْخُلَ بِهَا. فَأَرَادَ زَوْجُهَا الأوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ
ــ
للعضوين لكونهما مظنتي الالتذاذ، والتأنيث فيه لتأنيث مكبره في الأكثر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3410 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي، ثقة، من (9)(ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي (جميعًا) أي كل من ابن فضيل وأبي معاوية (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة ابن فضيل وأبي معاوية لأبي أسامة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حدثها فقال:
3411 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم العمري المدني، ثقة، من (5)(عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، من كبار (3)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعروة بن الزبير (قالت) عائشة:(طلق رجل) من المسلمين (امرأته) أي زوجته (ثلاثًا) هذا الحديث إن كان مختصرأ من قصة رفاعة فقد ذكرت توجيه المراد بقوله: ثلاثًا أنها كانت مفرقة، وإن كان في قصة أخرى فهو ظاهر في كونها مجموعة، وقد ثبت في الأحاديث أن غير رفاعة وقع له مع امرأته ما وقع لرفاعة فليس التعدد في ذلك ببعيد اهـ فتح الملهم (فتزوجها رجل) آخر بعد طلاق الأول ثلاثًا (ثم طلقها) الرجل الثاني (قبل أن يدخل) ويطأ (بها فأراد زوجها الأول أن يتزوجها) ثانيًا (فسئل رسول الله صلى الله عليه
وَسَلَّمَ عَنْ ذلِكَ. فَقَال: "لَا. حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ مِنْ عُسَيلَتِهَا، مَا ذَاقَ الأَوَّلُ".
3412 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ). جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثلَهُ.
وَفِي حَدِيثِ يَحْيى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ.
3413 -
(1360)(110) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى) قَالا: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ،
ــ
وسلم عن ذلك) أي عن تزوج الزوج الأول لها قبل أن يذوق الثاني عسيلتها (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) يتزوجها الأول (حتى يذوق الأخر) أي الزوج الثاني (من عسيلتها ما ذاق) الزوج (الأول) منها.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
3412 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثناه محمد بن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد) بن فروخ القطان البصري (جميعًا) أي كل من عبد الله بن نمير ويحيى القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري (بهذا الإسناد) يعني عن القاسم عن عائشة (مثله) أي مثل ما روى علي بن مسهر عن عبيد الله، غرضه بيان متابعة ابن نمير ويحيى القطان لعلي بن مسهر (و) لكن (في حديث يحيى) القطان وروايته (عن عبيد الله) بن عمر لفظ (حدثنا القاسم عن عائشة) بصيغة السماع لا بالعنعنة كما في رواية علي بن مسهر.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
3413 -
(1360)(110)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ) الآتي (ليحيى) بن يحيى (قالا): أي قال كل من يحيى وإسحاق (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5)(عن سالم) بن أبي الجعد
عَنْ كُرَيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ، إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ، قَال: بِاسْمِ اللهِ. اللهم جَنِّبْنَا الشَّيطَانَ. وَجَنِّبِ الشيطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَينَهُمَا وَلَدٌ فِي ذلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ
ــ
رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3)(عن كريب) بن أبي مسلم الهاشمي مولاهم مولى ابن عباس أبي رشدين المدني، ثقة، من (3)(عن ابن عباص) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد طائفي وواحد مدني وواحد إما نيسابوري أو مروزي، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) ابن عباس:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم) أي أحد المسلمين (إذا أراد أن يأتي) ويجامع (أهله) أي امرأته أو جاريته أي جماعًا مباحًا كما هو ظاهر قاله القاري في المرقاة، وهذه الرواية مفسرة لغيرها من الروايات التي فيها (حين يأتي أهله) دالة على أن القول قبل الشروع، قال القاري: وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود موقوفا أنه إذا أنزل قال: "اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتني نصيبًا" ولعله يقولها في قلبه أو عند انفصاله لكراهة ذكر الله باللسان في حال الجماع بالإجماع اهـ فتح الملهم. وإذا ظرف مجرد عن معنى الشرط متعلق بقوله: (قال باسم الله) وجملة قال خبر أن والتقدير لو أن أحدهم قال باسم الله الخ وقت إتيان أهله، ولو إما للتمني وجملة أن في محل النصب مفعول للتمني المدلول عليه بلو والتقدير أتمنى قول أحدهم بسم الله وقت إرادة إتيان أهله، وجملة قوله:(فإنه إن يقدر) تعليل للتمني المحذوف، وإما شرطية وفعل الشرط محذوف وكذا جوابه، وجملة أن فاعل للشرط المحذوف والتقدير لو ثبت قول أحدهم باسم الله وقت إرادة إتيان أهله لكان خيرًا له أو لكان ذلك القول حسنا، وجملة قوله فإنه إن يقدر تعليل أيضًا لجواب الشرط المحذوف والمعنى أي أُجامع بسم الله (اللهم جنبنا الشيطان) أي بعدنا وسوسة الشيطان وعمله (وجنب) أي بعد (الشيطان ما رزقتنا) أي عما رزقتنا وأعطيتنا من الولد وهو مفعول ثان لجنب، أفاد الكرماني أنه رأى في نسخه من صحيح البخاري قرئت على الفربري قيل لأبي عبد الله يعني البخاري: من لا يُحسن العربية يقولها بالفارسية؟ قال: نعم اهـ فتح الملهم (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أن يقدر) المراد إن كان قدر لأن التقدير أزلي لكن عئر بصيغة المضارع بالنسبة للتعلق قاله الحافظ في الفتح (بينهما) أي بين المتجامعين (ولد في ذلك) الجماع (لم يضره) أي لم
شَيطَانٌ أَبدًا"
ــ
يضر ذلك الولد (شيطان أبدًا) قاله القاري، فيه إيماء إلى حسن خاتمة الولد ببركة ذكر الله تعالى في ابتداء وقوع نطفته في الرحم فالضر مختص بالكفر اهـ. قال القاضي عياض: قيل معنى لم يضره لن يتخبطه، وقيل معناه لن يطعن في خاصرته عند الولادة الطعنة التي يستهل بها صارخًا، ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة.
قال القرطبي: القول بقصره على التخبط والصرع ليس بشيء لأنه تحكم بغير دليل والقول بقصره على الطعن في الخاصرة فاسد لحديث "كل مولود يطعن الشيطان خاصرته إلا ابن مريم عليه السلام فإنه جاء يريد أن يطعنه فطعن في الحجاب" رواه ابن عدي في الكامل، فإنه يدل على أنه لا ينجو منه إلا عيسى بن مريم عليه السلام لقول أمها {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} وليس طعنه بمضر لأنه طعن كثيرًا من الأولياء ولم يضرهم ذلك، وإنما مقصود الحديث أن الولد المقول فيه ذلك لم يضره الشيطان في قلبه ودينه لصلاح أبويه وبركة اسم الله تعالى والتعوذ به واللجَاء إليه، ويقرب هذا من قول أم مريم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ} ولا يُفهم من الحديث نفي الوسوسة والصرع فقد يكون ذلك كله ولا يضره في عقله ودينه وعاقبة أمره فلا يكون للشيطان عليه سلطان لأنه يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ} وذلك ببركة نية الأبوين الصالحين وبركة اسم الله تعالى والتعوذ به والالتجاء إليه والله أعلم اهـ من المفهم.
وفي الحديث من الفوائد استحباب التسمية والدعاء والمحافظة على ذلك حتى في حالة الملاذ كالوقاع، وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان والتبرك باسمه والاستعاذة به من جميع الأسواء، وفيه الاستشعار بأنه المُحافظة لذلك العمل والمُعين عليه، وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينطرد عنه إلا إذا ذكر الله تعالى قاله الحافظ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 276]، والبخاري [411 و 3283]، وأبو داود [2161]، والترمذي [1092]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [266]، وابن ماجه [1919].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
3414 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا عَبدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنِ الثَّوْرِيِّ. كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ. بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيرَ أَنَّ شُعْبَةَ لَيسَ فِي حَدِيثِهِ ذِكْرُ "بِاسْمِ اللهِ". وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ "بِاسْمِ اللهِ". وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيرٍ: قَال مَنْصُورٌ: أُرَاهُ قَال: "بِاسْمِ اللهِ".
3415 -
(1361)(111) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَعَمْرٌو الناقِدُ. (وَاللَّفْظُ لأَبِي بَكْرٍ) قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا
ــ
3414 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى و) محمد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج البصري (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق جميعًا) أي كل من ابن نمير وعبد الرزاق رويا (عن) سفيان بن سعيد (الثوري كلاهما) أي كل من شعبة والثوري رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (بمعنى حديث جرير) بن عبد الحميد، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة شعبة والثوري لجرير بن عبد الحميد (غير أن شعبة ليس في حديثه ذكر) لفظة (باسم الله، وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري باسم الله، وفي رواية ابن نمير) عن الثوري، قال الثوري (قال) لنا (منصور أُراه) بضم الهمزة أي أظن سالم بن أبي الجعد (قال) لفظة (باسم الله) والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال:
3415 -
(1361)(111)(حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (واللفظ لأبي بكر قالوا: حدثنا سفيان) بن عيينة (عن) محمد (بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير القرشي التيمي المدني، ثقة، من (3) (سمع جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان كوفيان أو كوفي وبلخي أو كوفي وبغدادي (يقول كانت اليهود تقول: إذا
أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ. فَنَزَلَتْ:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
3416 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا
ــ
أتى رجل) أي وطئ (امرأته) أي زوجته أو أمته (من دبرها) أي من جهة دبرها وظهرها (في قُبُلِها) أي في فرجها، قال ابن الملك: كان يقف خلفها ويولج في قُبُلِها، فإن الوطء في الدبر محرم في جميع الأديان (كان الولد أحول) قال القاري: أي لتحول الواطئ عن حال الجماع المتعارف وهو الإقبال من القدام إلى القبل، وبهذا سُمي قُبلًا إلى حال خلاف ذلك من الدبر، فكأنه راعى الجانبين ورأى الجهتين فأنتج أن جاء الولد أحول اهـ، والأحول من إذا أراد أن ينظر إلى اليمين نظر إلى اليسار وبالعكس، ومن إذا أراد أن ينظر إلى القدام نظر إلى الخلف (فنزلت) آية (نساؤكم) أي أزواجكم يعني أقبالهن (حرث لكم) أي مزرعة لكم (فأتوا حرثكم) أي فازرعوا مزرعتكم (أنى شئتم) أي كيف شئتم أي على أي كيفية شئتموها من إقبال وإدبار واستلقاء واضطجاع.
والحرث إلقاء البذر في الأرض وهو غير الزرع لأنه إنباته، يرشدك إلى ذلك قوله تعالى:{أَفَرَأَيتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} وقال الجوهري: الحرث الزرع والحارث الزارع، قال القاري:{حَرْثٌ لَكُمْ} أي مواضع زراعة أولادكم يعني هن لكم بمنزلة الأرض المعدة للزراعة ومحله القُبل فإن الدبر موضع الفرث لا محل الحرث (أنى شئتم) قال قتادة: من أين شئتم، وقال مجاهد: كيف شئتم، وقال الضحاك: متى شئتم، ومجيء أنى بمعنى أين وكيف ومتى مما أثبته الجم الغفير وتلزمها على الأول من ظاهرة أو مقدرة وهي شرطية حذف جوابها لدلالة الجملة السابقة عليه، واختار بعض المحققين كونها هنا بمعنى من أين؛ أي من أيّ جهة فيكون المستفاد منه تعميم الجهات من القدام والخلف والفوق والتحت واليمين والشمال، لا تعميم مواضع الإتيان فلا دليل في الآية لمن جوز إتيان المرأة في دبرها كابن عمر رضي الله تعالى عنهما كذا في روح المعاني باختصار. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [4528]، وأبو داود [2163]، والترمذي [2982].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3416 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر المصري (أخبرنا
اللَّيثُ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا، فِي قُبُلِهَا، ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ. قَال: فَأُنْزِلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223].
3417 -
(00)(00) وحدّثناه قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوانَةَ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ
ــ
الليث) بن سعد الفهمي المصري (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي المدني، ثقة، من (5)(عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5)(عن محمد بن المنكدر) القرشي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان مصريان، غرضه بيان متابعة أبي حازم لسفيان بن عيينة (أن يهود) المدينة، بمنع الصرف للعلمية والتانيث المعنوي لأنه بمعنى القبيلة (كانت تقول: إذا أُتيت المرأة) بالبناء للمجهول أي وطئت المرأة (من دُبرها) أي من خلفها وورائها (في قُبلها) وهذا صريح في أن المراد الإتيان في الفرج لا في الدبر، وهذا كله يؤيد تأويل ابن عباس الذي رُدّ به على ابن عمر كما في سنن أبي داود وقد أكذب الله اليهود في زعمهم وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاؤوا، وإذا تعارض المجمل والمفسر قُدم المفسر وحديث جابر مفسر فهو أولى أن يُعمل به من حديث ابن عمر والله أعلم (ثم حملت) المرأة من ذلك الجماع ولدًا (كان ولدها أحول) العين (قال) جابر رضي الله عنه:(فأُنزلت) آية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
3417 -
(00)(00)(وحدثناه قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (11)(حدثني أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث، صدوق، من (9)(عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني العنزي البصري، ثقة، من (5) عن ابن المنكدر عن جابر
ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ. قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. قَال: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يُحَدِّثُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَحَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ. حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ (وَهُوَ ابْنُ الْمُخْتَارِ) عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صالِحٍ
ــ
رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري، ثقة، من (7) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة، من (7) عن ابن المنكدر عن جابر. وهذا السند من خماسياته (ح وحدثني عبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري، ثقة، من (10)(وهارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي، ثقة، من (10)(وأبو معن الرقاشي) زيد بن يزيد الثقفي البصري، ثقة، من (11) (قالوا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت النعمان بن راشد) الأموي مولاهم أبا إسحاق الجزري الرقي، روى عن الزهري في النكاح والفضائل، وميمون بن مهران وعبد الملك بن أبي محذورة، ويروي عنه (م عم) وجرير بن حازم وحماد بن زيد وابن جريج ووهيب بن خالد وغيرهم، قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير، وقال النسائي: صدوق فيه ضعف، وذكره ابن حبان في الثقات، واحتج به (م) وقال في التقريب: صدوق سيئ الحفظ، من السادسة (يُحدِّث عن الزهري) عن محمد بن المنكدر عن جابر. وهذا السند من سباعياته (ح وحدثني سليمان بن معبد) بن كوسجان بجيم بعد المهملة المروزي الرّحال أبو داود السنجي بكسر المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم نسبة إلى سنج قرية من قرى مرو، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا معلى بن أسد) العمي، أبو الهيثم البصري أخو بهز، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أيواب (حدثنا عبد العزيز وهو ابن المختار) الأنصاري مولاهم مولى حفصة بنت سيرين، ثقه، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن سهيل بن أبي صالح) السمان المدني،
كُل هؤُلاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ، عَنِ الزهْرِيِّ: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةَ. وَإِنْ شَاءَ غَيرَ مُجَبِّيَةٍ. غَيرَ أَنَّ ذلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ
ــ
صدوق، من (6) عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (كل هولاء) الستة المذكورين من أبي عوانة وأيوب وشعبة وسفيان والزهري وسهيل بن أبي صالح رووا (عن محمد بن المنكدر عن جابر بهذا الحديث) الذي رواه أبو حازم عن محمد بن المنكدر، غرضه بسوق هذه الأسانيد الستة بيان متابعة هؤلاء الستة المذكورين لأبي حازم سلمة بن دينار في رواية هذا الحديث عن محمد بن المنكدر (و) لكن (زاد) جرير بن حازم على غيره (في حديث النعمان) بن راشد (عن الزهري) قال الحافظ: وهذه الزيادة يشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب محمد بن المنكدر مع كثرتهم اهـ أي زاد (أن شاء) الرجل أتاها أي وطئها حالة كونها (مجبية) بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم باء موحدة مشددة مكسورة ثم ياء مثناة من تحت مفتوحة مخففة أي مكبوبة على وجهها مضجعة على بطنها، وقد يطلق مجبية على ما إذا وضعت يديها على ركبتيها وهي قائمة كهيئة الراكع حكاهما أبو عبيد اهـ من المفهم (وإن شاء) أتاها حالة كونها (غير مجبية) أي غير مكبوبة على وجهها بأن كانت مستلقية على ظهرها أو مضطجعة على جنبها (غير أن ذلك) الإتيان أي لكن يكون إتيانها في كل حال من الأحوال المذكورة (في صمام واحد) بكسر الصاد المهملة مع تخفيف الميم أي في ثقب واحد أي في منفذ واحد، والمراد به القُبل لأنه محل الحرث لا الدبر لأنه محل الفرث وأصل الصمام ما تُسد به القارورة، قال ابن الأثير:(قوله: إن شاء مجبية) أصل التجبية أن يقوم الإنسان قيام الراكع، قوله:(إن شاء غير مجبية) هذا يشمل الاستلقاء والاضطجاع على الجنب والتججية وهي كونها كالساجدة، قوله:(في صمام واحد) أي في منفذ وثقب واحد والمراد به القُبل اهـ نووي، لكن المذكور في اللغة أن الصمام ما يُجعل في فم نحو القارورة سدادًا ولذا قال ابن الأثير: الصمام ما تُسد به الفرجة فسُمي الفرج به ويجوز أن يكون المعنى في موضع صمام على حذف مضاف، ويروى بالسين أي فأتوا حرثكم أنى شئتم صمامًا واحدًا أي مأتى واحدًا وهو من صمام الإبرة وهو ثقبها وانتصب على الظرف أي في صمام واحد لكنه ظرف محدود أُجري مجرى المبهم اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال العلماء: قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي موضع الزرع من المرأة وهو قُبلها الذي يُزرع فيه المني لابتغاء الولد ففيه إباحة وطئها في قُبلها إن شاء من بين يديها وإن شاء من ورائها وإن شاء مكبوبة، وأما الدبر فليس هو بحرث ولا موضع زرع، ومعنى قوله تعالى:{أَنَّى شِئْتُمْ} كيف شئتم، واتفق العلماء على تحريم وطء المرأة في دبرها حائضًا كانت أو طاهرًا اهـ نووي.
قال القرطبي: حديث جابر هذا نص على أن هذه الآية نزلت بسبب قول اليهود المذكور فيه، وفي كتاب أبي داود عن ابن عباس أنها نزلت بسبب أن رجلًا من المهاجرين تزوج أنصارية فأراد أن يطأها شرحًا (يقال شرح فلان زوجته إذا وطئها مستلقية على قفاها) على عادتهم في وطء نسائهم فأبت إلا على جنب على عادتهن فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد (قلت): هذان سببان مختلفان لا بُعد في نزول الآية جوابًا للفريقين في وقت واحد وتكرر نزول الآية في وقتين مختلفين كما قد رُوي عن غير واحد من النقلة في الفاتحة أنها تكرر نزولها بمكة والمدينة وقد تمسك طائفة بعموم لفظ (أنى شئتم) ورأوا أنها متناولة لقُبل المرأة ودبرها وأجازوا وطء المرأة في دبرها وممن نُسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب ونافع وابن الماجشون من أصحابنا، وحُكي عن مالك في كتاب السر ونُسب الكتاب إلى مالك وحذاق أصحابه ومشايخهم ينكرونه، وقد حكى العتبي إباحة ذلك عن مالك وأظنه من ذلك الكتاب المنكر نُقل، وقد تواردت روايات أصحاب مالك عنه بإنكار ذلك القول وتكذيبه لمن نقل عنه ذلك، وقد حكينا نص ما نقل عن مالك من ذلك في جزء كتبناه في هذه المسألة سميناه إظهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار، وذكرنا فيه غاية أدلة الفريقين ومتمسكاتهم من الكتاب والسنة على طريقة التحقيق والتحرير والنقل والتحبير ومن وقف على ذلك قضى منه العجب العجاب، وعلم أنه لم يكتب مثله في هذا الباب، وجمهور السلف والعلماء وأئمة الفتوى على تحريم ذلك ثم نقول لا مستمسك للمبيحين في الآية لأوجه متعددة أقربها ثلاثة أمور أحدها أنها نزلت جوابًا لما ذكر فيُقتصر على نوع ما نزلت جوابًا له فإنهم سألوا عن جواز الوطء في الفرج من جهات متعددة فأُجيبوا بجوازه، و (أنى) على عمومها في جهات المسلك الواحد لا في المسالك، وثانيها أن قوله تعالى:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} تعيين للقُبل فإنه موضع الحرث فإن الحرث إنما يكون في موضع البذر، وكذلك قال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبره أن أناسًا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك فنفر من ذلك وبادر إلى تكذيب الناقل فقال: كذبوا علي كذبوا علي كذبوا على ثم قال: ألستم قوما عربًا ألم يقل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت، وثالثها: أنه لو سلم أن {أَنَّى} شاملة للمسالك بحكم عمومها فهي مخصصة بأحاديث صحيحة ومشهورة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيًا بمتون مختلفة كلها متواردة على تحريم وطء النساء في الأدبار ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد جمعها أبو الفرج ابن الجوزي بطرقها في جزء سماه (تحريم المحل المكروه) ومن أراد في هذه المسألة زيادة على ما ذكرناه فليطالع الجزء المذكور الذي ألفناه اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة، الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ست متابعات، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث: حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعتين والله سبحانه وتعالى أعلم.
***