الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
531 - (17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة
3377 -
(1349)(99) حدَّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيبَرَ. قَال: فَصَلَّينَا عِنْدَهَا صَلاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ. فَرَكِبَ نَبِّيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَكِبَ
ــ
531 -
(17) باب عتق الرجل أمته ثم تزوجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقًا وذكر الوليمة
3377 -
(1349)(99)(حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية) اسم مولاة لبني أسد (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلا زهير بن حرب فإنه نسائي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر) يعني غزا بلدة تسمى خيبر، وخيبر بلغة اليهود حصن، وقيل: هو اسم أول من سكن فيها، وهو رجل من بني إسرائيل يسمى خيبر فسُميت به وهي بلد عترته في جهة الشمال والشرق من المدينة النبوية على ستة مراحل منها، وكان لها نخيل كثير وكان في صدر الإسلام دارًا لبني قريظة والنضير كذا في عمدة القاري (قال) أنس:(فصلينا عندها) أي قربها خارجًا منها (صلاة الغداة) أي صلاة الصبح (بغلس) أي مع غلس بفتح الغين المعجمة واللام وهو ظلمة آخر الليل في أول وقتها، وتقدم الكلام على استحباب التغليس أو الإسفار بالفجر في كتاب الصلاة مبسوطًا وفي حديث الباب إشارة إلى تعين المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها قبل الدخول في الحرب والاشتغال بأمر العدو، قال النووي: فيه جواز تسمية الصبح بالغداة، وكرهه بعض أصحابنا، والصواب الأول (فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم أي مركوبه، وعن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة والنضير على حمار ويوم خيبر على حمار مخطوم برسن ليف وتحته إكاف من ليف رواه البيهقي والترمذي، وقال ابن كثير: والذي في الصحيح عند البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه، فالظاهر أنه كان يومئذٍ على فرس لا على حمار، ولعل هذا الحديث إن كان صحيحًا فهو محمول على أنه ركبه في بعض الأيام وهو
أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ. فَأَجْرَى نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيبَرَ. وَإن رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَانْحَسَرَ الإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
محاصرها (وركب أبو طلحة) زوج أم سليم، وكان أنس ربيبه مركوبه (وأنا رديف أبي طلحة) أي راكب خلفه على مركوبه، قال النووي: فيه جواز الإرداف إن أطاقته الدابة (فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم مركوبه أي أسرعه، وأجراه من الإجراء أي حمل مطيته على الجري وهو العدو والإسراع، وفي الكلام حذف تقديره أي وأجرينا يدل عليه قوله وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله يعني للزحام الحاصل عند الجري، قال النووي: فيه دليل لجواز الإجراء وأنه لا يسقط المروءة ولا يخل بمروءات أهل الفضل لا سيما عند الحاجة إلى القتال أو رياضة الدابة أو تدريب النفس ومعاناة أسباب الشجاعة (في زقاق خيبر) بضم الزاي وبقافين وهو السكة يذكر ويؤنث، والجمع أزقة وزقان -بضم الزاي وتشديد القاف وبالنون- (و) الحال (إن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم و) الحال أنه قد (انحسر) وانكشف (الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم بلا قصد منه لأجل شدة الزحام أو من قوة الجري لأن الفخذ عورة لما في حديث جرهد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف عن فخذه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"غط فخذك فإنها من العورة" قال القرطبي: قد ذكرنا في الفخذ هل هو عورة أم لا؟ وهذا الحديث مما يستدل به من قال: إنه ليس بعورة، وكذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي ذكرت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مضطجعًا في بيتها كاشفًا عن فخذيه فدخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وهو كذلك، وسيأتي الحديث في مناقب عثمان رضي الله عنه، وقد عارض هذه الأحاديث ما رواه الترمذي وصححه غيره من حديث جرهد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو كاشف فخذه فقال:"غط فخذك فإنه من العورة" رواه الترمذي [2795] قال البخاري: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط كي يخرج من اختلافهم (قلت): وقد يترجح الأخذ بحديث جرهد من وجه آخر وهو أن تلك الأحاديث قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة يتطرق إليها من الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد فإنه إعطاء حكم كلي وتقعيد للقاعدة فكان أولى بالأخذ بيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فَإنِّي لأرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِي اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَال: "اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيبَرُ. إنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ. فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَالهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. قَال: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ
ــ
أو البقاء على البراءة الأصلية إذ كان لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء ثم بعد ذلك حكم عليه أان الفخذ عورة، ويحتمل حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر بانكشافه لهمه بشأن فتح خيبر إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا يتوجه بشيء منها على حديث جرهد فكان أولى بالأخذ والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
(فإني لأرى) الفاء بمعنى الواو الحالية كما في بعض الروايات أي انحسر الإزار عن فخذه صلى الله عليه وسلم والحال إني لأرى (بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل) صلى الله عليه وسلم (القرية) أي قرية خيبر، وهذا مشعر بأن ذلك الزقاق كان خارج القرية (قال) صلى الله عليه وسلم (الله كبر) قال الحافظ: أما التكبير فلأنه ذكر مأثور عند كل أمر مهول وعند كل حادث سرور شكرًا لله تعالى وتبرئة له من كل ما نسب إليه أعداؤه ولا سيما اليهود قبحهم الله تعالى، وقال النووي: فيه دليل لاستحباب الذكر والتكبير عند الحرب وهو موافق لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) ولهذا قالها ثلاث مرات، ويؤخذ منه أن الثلاث كثير، وقال القرطبي: وتكبيره صلى الله عليه وسلم تعظيم لله وتحقير لهم وتشجيع عليهم (خربت خيبر) أي صارت خرابًا منهم، وهل ذلك على حقيقة الخبرية فيكون ذلك من باب الإخبار عن الغيب أو على جهة الدعاء عليهم أو على جهة التفاؤل لما رآهم خرجوا بمساحيهم وبمكاتلهم ومرورهم وذلك من آلات الحرث والهدم، ويجوز أن يكون أخذ من اسمها، وقيل: إن الله أعلمه بذلك كل محتمل والأول أولى لقوله: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) (والساحة) الناحية والجهة، قال الجوهري: ساحة الدار باحتها، وأصل الساحة الفضاء بين المنازل، ويطلق على الباحة والجهة والبناء كذا في عمدة القاري، و (ساء) أي صار سيئًا من السوء و (المنذرين) جمع منذر بصيغة اسم المفعول وهو من أُنذِرَ أبلغ الإنذار وهو التخويف بالإخبار عن المكروه والبشارة الإخبار بالمحبوب (قالها) صلى الله عليه وسلم أي قال هذه الكلمات من التكبير وما بعده (ثلاث مرات) أي كررها ثلاث كرات (قال) أنس: قالها ثلاثًا (و) الحال أنه (قد خرج القوم)
إِلَى أَعْمَالِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَاللهِ.
قَال عَبدُ الْعَزِيزِ: وَقَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُحَمَّدٌ، وَالخَمِيسُ.
قَال: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً
ــ
أي قوم اليهود (إلى) مواضع (أعمالهم) من المزارع والحوائط (فـ) لما رأوا المسلمين (قالوا): جاء (محمد والله) قال الكرماني: أي إلى مواضع أعمالهم (قلت): بل معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها، وكلمة إلى تأتي بمعنى اللام كذا في عمدة القاري، وحكى الواقدي أن أهل خيبر سمعوا بقصده صلى الله عليه وسلم لهم فكانوا يخرجون في كل يوم متسلحين مستعدين فلا يرون أحدًا حتى إذا كانت الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا فلم يتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك وخرجوا بالمساحي طالبين مزارعهم وبساتينهم فوجدوا المسلمين في ساحتهم فقالوا: محمد والخميس؛ أي جاء محمد، وارتفاعه على أنه فاعل لفعل محذوف، ويجوز أن يكون خبرًا لمبتدأ محذوف أي هذا محمد (قال عبد العزيز) بن صهيب أحد رواة هذا الحديث عن أنس قال: أنا سمعت لفظة (محمد والله)(وقال بعض أصحابنا: محمد والخميس) بزيادة لفظة الخميس أشار بهذا إلى أنه لم يسمع هذه اللفظة يعني لفظة الخميس عن أنس وإنما سمعه من بعض أصحابه عنه وهذه رواية عن المجهول إذ لم يعين هذا البعض من هو، والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قالوا: جاء محمد فقط، وقال بعض أصحابه: قالوا محمد والخميس ثم فسر عبد العزيز في بعض الروايات الخميس بقوله يعني الجيش، ويجوز أن يكون التفسير ممن دونه وعلى كل حال هو مدرج كذا في عمدة القاري (والخميس) بفتح الخاء الجيش سُمي بذلك لأنه يقسم خمسة أخماس القلب والميمنة والميسرة والمقدمة والساقة، وقال ابن سيده: لأنه يُخمس ما وجده من الغنائم وليس بشيء لأن هذا أمر مستجد من الشرع، وكان الخميس اسمًا للجيش معروفًا في الجاهلية قبل الشرع ثم ارتفاع الخميس على أنه معطوف على محمد، ويجوز أن تكون الواوفيه بمعنى مع فهو منصوب على معنى جاء محمد مع الجيش (والمكاتل) القُفف والزنابيل (والمرور) الحبال لأنها تمر أي تفتل، واحدها مر كانوا يصعدون بها النخل، وقيل هي المساحي اهـ من المفهم مع زيادة (قال) أنس بن مالك:(وأصبناها) أي أصبنا معاشر المسلمين خيبر وأخذنا من أهلها اليهود (عنوة) أي قهرًا لا صلحًا، والعنوة بفتح العين
وَجُمِعَ السَّبْيُ. فَجَاءَهُ دَحْيَةُ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطِنِي جَارِيةً مِنَ السَّبْيِ. فَقَال:"اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً" فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ
ــ
وسكون النون وفتح الواو؛ هو القهر والغلبة يقال: أخذته عنوة أي قهرًا، وقيل: أخذته عنوة أي عن غير طاعة، وقال ثعلب: أخذت الشيء عنوة أي قهرًا في عنف، وأخذته عنوة أي صلحًا في رفق، وقال القرطبي:(أصبناها عنوة) أي أصبنا أول حصونهم عنوة، وسيأتي بيان ما افتتح منها عنوة وما افتتح صلحًاا هـ، وقال ابن التين: ويجوز أن يكون عن تسليم من أهلها وطاعة بلا قتال ونقله عن القزاز في جامعه (قلت): فحينئذٍ يكون هذا اللفظ من الأضداد، وقال أبو عمر: الصحيح في أرض خيبر كلها أخذت عنوة، وقال المنذري: اختلفوا في فتح خيبر هل كان عنوة أو صلحًا أو جلاء أهلها عنها بغير قتال أو بعضها صلحًا وبعضها عنوة وبعضها جلاء أهلها عنها؟ قال: وهذا هو الصحيح وبهذا يندفع أيضًا التضاد بين الآثار اهـ فتح الملهم (وجمع السبي) أي ما سُبي منها من النساء والذراري (فجاءه) صلى الله عليه وسلم (دحية) -بفتح الدال وكسرها- ابن خليفة بن فروة الكلبي، وكان أجمل الناس وجهًا، وكان جبريل عليه السلام يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته (فقال) دحية:(يا رسول الله أعطني جارية) أي أمة (من) هذا (السبي) المجموع (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذهب) إلى مجمع السبي (فخذ) منه (جارية) قال الكرماني: فإن (قلت): كيف جاز للرسول صلى الله عليه وسلم إعطاؤها لدحية قبل القسمة (قلت): صفي المغنم (أي خياره) لرسول الله صلى الله عليه وسلم فله أن يعطيه لمن شاء (قلت): هذا غير مقنع لأنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك قبل أن يعيّن الصفيّ، وقال الحافظ: يحتمل أن يكون إذنه له في أخذ الجارية على سبيل التنفيل له إما من أصل الغنيمة أو من خُمس الخمس بعد أن ميّز أو قبله على أن تُحسب منه إذا مُيز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه بعد ذلك وتُحسب من سهمه اهـ (فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة (بنت حيي) -بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح الياء الأولى المخففة وتشديد الثانية- ابن أخطب بن سعيه -بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة وفتح الياء اخر الحروف- ابن ثعلبة وهي من نسل هارون بن عمران عليه السلام وكانت تحت ابن أبي الحقيق -بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى- قُتل يوم خيبر وسبب قتله ما أخرجه البيهقي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك من ترك من أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئًا من أموالهم فإن فعلوا
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَعْطَيتَ دِحْيَةَ، صَفِيةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، سَيِّدِ قُرَيظَةَ وَالنَّضيرِ؟ مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ. قَال:"ادْعُوهُ بِهَا" قَال: فَجَاءَ بِهَا. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَال: "خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيرَهَا"
ــ
فلا ذمة لهم ولا عهد، قال: فغيّبوا مسكًا فيه مال وحُلّ ليحيى بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر فسألهم عنه فقالوا: أذهبته النفقات، فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك، قال: فوجد بعد ذلك في خربة فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحقيق وأحدهما زوج صفية اهـ من فتح الملهم.
(فجاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله) أ (أعطيت) بتقدير همزة الاستفهام (دحية) بن خليفة مفعول أول لأنه الآخذ (صفية) مفعول ثان لأنها المأخوذة (بنت حيي) قال السندي: كأنه صلى الله عليه وسلم فهم من كلامه أن الناس ما يعجبهم اختصاص دحية بتلك الجارية فلعل ذلك يؤدي إلى التباغض والتعادي بينهم فأراد دفع ذلك بما فعل والله تعالى أعلم (سيد قريظة) بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء وبالظاء المعجمة (والنضير) -بفتح النون وكسر الضاد المعجمة- هما قبيلتان عظيمتان من يهود خيبر وقد دخلوا في العرب على نسبهم إلى هارون عليه السلام (ما تصلح إلا لك) أي ما تليق إلا بك، قال الأبي: هو من باب النصيحة للثلاثة لدحية لأنها لما كانت من بيت النبوة والرياسة فقد تانف عن دحية فلا تُحسن العشرة معه وإنما تصلح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس وراء وراء، ونظره صلى الله عليه وسلم لم يكن بمقتضى الشهوة، وأما وجه النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية فهو بين لا يخفى اهـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ادعوه) أي ادعوا دحية (بها) أي حالة كونه ملتبسًا بها (قال) أنس: (فجاء) دحية (بها) أي بصفية (فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال) لدحية: (خذ جارية من السبي غيرها) أي غير صفية، وقال الكرماني: إذا وهبها لدحية فكيف رجع عنها؟ (قلت): إما لأنه لم يتم عقد الهبة بعد وإما لأنه أبو المؤمنين وللوالد أن يرجع عن هبة الولد، وإما لأنه اشتراها منه (قلت): أجاب بثلاثة أجوبة: الأول: فيه نظر لأنه لم يجر عقد هبته حتى يقال له إنه رجع عنها وإنما كان إعطاؤها إياه بوجه من الوجوه التي ذكرناها قريبًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني: فيه نظر أيضًا لأنه لا يمشي ما ذكره في مذهب غيره، الثالث: ذكر أنه اشتراها منه أي من دحية ولم يجر بينهما عقد بيع أولًا فكيف اشتراها منه بعد ذلك (فإن قلت): وقع في رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية منه بسبعة أرؤس (قلت): إطلاق الشراء على ذلك على سبيل المجاز لأنه لما أخذها منه على الوجه الذي نذكره الآن وعوضه عنها بسبعة أرؤس على سبيل التكرم والفضل، أطلق الراوي الشراء عليه لوجود المبادلة فيه، وأما وجه الأخذ فهو إنه لما قيل له إنها لا تصلح له من حيث إنها من بيت النبوة فإنها من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام ومن بيت الرياسة فإنها من بيت سيد قريظة والنضير مع ما كانت عليه من الجمال الباعث على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل وإلى جمال الولد لا للشهوة النفسانية فإنه صلى الله عليه وسلم معصوم منها، وعن المازري يُحمل ما جرى مع دحية على وجهين أحدهما: أن يكون رد الجارية برضاه وأذن له في غيرها، الثاني: أنه إنما أذن له في جارية من حشو السبي لا في أخذ أفضلهن، ولما رأى أنه أخذ أنفسهن وأجودهن نسبًا وشرفًا وجمالًا استرجعها لئلا يتميز دحية بها على باقي الجيش مع أن فيهم من هو أفضل منه فقطع هذه المفاسد وعوضه عنها، وفي سير الواقدي أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه أخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان كنانة زوج صفية فكأنه صلى الله عليه وسلم طيب خاطره لما استرجع منه صفية بأن أعطاه أخت زوجها، وليس في قوله سبعة أرؤس ما ينافي قوله هنا خذ جارية إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة اهـ فتح الملهم.
قال القرطبي: قد ظن بعض المتكلمين على هذا الحديث أن هذه العطية هبة من النبي صلى الله عليه وسلم لدحية فأشكل عليه استرجاعه إياها فأخذ يعتذر عن هذا بأعذار وهذا كله ليس بصحيح ولا يحتاج إليه وقد أزال إشكال هذه الرواية الروايات الآتية بعد التي ذُكر فيها أن صفية إنما صارت لدحية في مقسمه وأن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراها منه بسبعة أرؤس وهذه الروايات المتفقة لا إشكال فيها بل هي رافعة لما يتوهم من إشكال غيرها ويبقى إشكال بين قوله خذ جارية من السبي وبين قوله: وإنها صارت إليه في مقسمه يزيله تقدير إنه إنما أراد خذ بطريق القسمة وفهم ذلك دحية بقرائن أو تصريح لم ينقله الراوي فلم يأخذ دحية شيئًا إلا بالقسمة ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حصل عنده أنها لا تصلح إلا له من حيث إنها بيت النبوة فإنها من ولد هارون ومن بيت
قَال: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا.
فَقَال لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَا أَصْدَقَهَا؟ قَال: نَفْسَهَا. أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا
ــ
الرئاسة فإنها بنت سيد قريظة والنضير مع ما كانت عليه من الجمال المراد لكمال اللذة الباعثة على كثرة النكاح المؤدية إلى كثرة النسل وإلى جمال الولد وهذا من فعله كما قد نبه عليه بقوله: "تخيروا لنطفكم" رواه ابن ماجه والبيهقي وأيضًا فمثل هذه تصلح أمًا للمؤمنين.
وحذار من أن يظن جاهل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي حمله على ذلك غلبة الشهوة النفسانية وإيثار اللذة الجسمانية فإن ذلك اعتقاد يجره جهل حال النبي صلى الله عليه وسلم وبأنه معصوم من مثل ذلك إذ قد أعانه الله تعالى على شيطانه فأسلم فلا يأمره إلا بخير وقد نزع الله من قلبه حظ الشيطان حيث شق قلبه فأخرجه منه وطهره وملأه حكمة وإيمانًا كما تقدم في الإسراء، وإنما الباعث له على اختيار ما اختاره من أزواجه ما ذكرت لك وما في معناه والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قال) أنس بن مالك:(وأعتقها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتزوجها) فصارت من أمهات المؤمنين (فقال له) أي لأنس (ثابت) بن أسلم البناني (يا أبا حمزة) كنية أنس (ما أصدقها) أي أي شيء جعل صداقًا لها وهذا سؤال عن مقدار صداقها (قال) أنس في جواب سؤال ثابت (نفسها) فهو مفعول لفعل مقدر دل عليه السؤال أي أصدقها نفسها يعني جعل نفسها صداقها، ولفظ ابن ماجه: ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، وقوله:(وأعتقها وتزوجها) استئناف مبين لكيفية إصداقها نفسها أي جعل نفس العتق صداقًا لها وهذا محمول على التشبيه فكأنه شبه نكاحه صلى الله عليه وسلم بعد الإحسان إليها بالإعتاق بالنكاح على الصداق العظيم فإن هذا العتق كان عندها أشرف وأفضل من المال الكثير والله أعلم، ورُوي عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أتى بصفية يوم خيبر، وأنه قتل أباها وأخاها وأن بلالًا مر بها بين المقتولين، وأنه صلى الله عليه وسلم خيّرها بين أن يعتقها فترجع إلى من بقي من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت: أختار الله ورسوله. أخرجه في الصفوة، وأخرج تمام في فوائده من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: هل لك في؟ قالت يا رسول الله لقد كنت أتمنى ذلك في الشرك، فكيف إذا أمكنني الله في الإسلام. وأخرج أبو حاتم من طريق ابن عمر رأى رسول الله صلى الله عليه
حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيمٍ. فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيلِ
ــ
وسلم بعين صفية خضرة فقال: ما هذه الخضرة؟ فقالت كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة فرأيت قمرًا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمني، وقال: تمنين ملك يثرب. قال الزرقاني: وأوّله بخصوصه وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الظاهر عند ظهور القمر الباهر، وإن جحدوه في الظاهر ظلمًا وعلوًا لأنهم مستيقنون نبوته والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ فتح الملهم.
قوله: (صفية بنت حيي) قال النووي: الصحيح أن صفية كان اسمها قبل السبي، وقيل كان اسمها زينب فسميت بعد السبي والاصطفاء صفية اهـ وفي المصباح: الصفي والصفية ما يصطفيه الرئيس لنفسه من المغنم قبل القسمة أي يختاره، والجمع صفايا، قال الشاعر:
لك المرباع منها والصفايا
…
وحُكمك والنشيطة والفضول
والمرباع ربع الغنيمة، والفضول بقايا تبقى من الغنيمة فلا تستقيم قسمته على الجيش لقلته وكثرة الجيش، والنشيطة ما يغنمه القوم في طريقهم التي يمرون بها وذلك غير ما يقصدونه بالغزو وكان رئيس القوم في الجاهلية إذا غزا بهم فغنم أخذ المرباع من الغنيمة قبل القسمة على أصحابه فصار هذا الربع خُمسًا في الإسلام على تلك الحال، وقد اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف منبه بن الحجاج يوم بدر وهو ذو الفقار، واصطفى صفية بنت حيي يوم خيبر اهـ مختصرًا، وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرًا فصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار إلى علي كما في القاموس اهـ من بعض الهوامش.
وقوله: (حتَّى إذا كان بالطريق) قبله محذوف تقديره وكانت في السبايا حتَّى أسلمت واستبرئت وصلح حالها، ثم سلمها لأم سليم لتجهزها له حتَّى إذا كان بالطريق أي في طريق رجوعه من خيبر إلى المدينة كما جاء في الرواية الأخرى مفسرًا هكذا (جهزتها) أي زيّنتْ صفية وجمّلتها على عادة العروس بما ليس بمنهي عنه من وشم ووصل وغير ذلك من المنهي عنه (له) صلى الله عليه وسلم (أم سليم) بضم السين وهي أم أنس رضي الله تعالى عنهما واسمها سهلة بنت ملحان الأنصارية (فأهدتها له) أي أهدت أم سليم صفية وزفتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من الليل) أي في بعض
فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا. فَقَال: "مَنْ كانَ عِنْدَهُ شَيءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ" قَال: وَبَسَطَ نِطَعًا. قَال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالأقِطِ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ. فَحَاسُوا حَيسًا
ــ
ساعات الليل (فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم أي صار النبي صلى الله عليه وسلم في صباح تلك الليلة (عروسًا) على وزن فعول، يستوي فيه المذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما، وكان بين سبائها وبين دخول النبي صلى الله عليه وسلم بها زمان أسلمت فيه واستبرئت وأصلح حالها فيه ثم دخل بها بعد ولذلك قال أنس في الرواية الأخرى: ثم دفعها لأمي تصنَّعها وتهيئها وتعتد في بيتها يعني في بيت أم أنس (فـ) لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال: من كان عنده شيء) من بقايا الأزواد (فليجيء به) أي بما عنده أي فليأتنا بما عنده، فيه إدلال الكبير لأصحابه وطلب طعامهم في نحو هذا ويستحب لأصحاب الزوج وجيرانه مساعدته في الوليمة بطعام من عندهم، قال القرطبي: فيه دليل على مشروعية الوليمة وأنها بعد الدخول، وعلى أن العروس إذا لم يكن له ما يولم به طلب ممن ينبسط معه من أصحابه ويختص به منهم بما لا يثقل عليهم مما يخف ويسهل إذا علم حال أصحابه وسخاوة أنفسهم بذلك وطيب قلوبهم اهـ من المفهم (قال) أنس:(وبسط) النبي صلى الله عليه وسلم (نطعًا) أي سُفرة من جلد مدبوغ أي أمر ببسطها، والنطع فيه أربع لغات مشهورات فتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها، أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء، وجمعه نطوع وأنطاع وهي بساط متخذ من أديم أي من جلد مدبوغ (قال) أنس:(فجعل) أي شرع (الرجل) منا (يجيء بالأقط) ممن كان عنده أقط والأقط لبن مجفف قبل نزع زبده يابس متحجر يطبخ به كما مر في زكاة الفطر (وجعل الرجل) الآخر (يجيء) أي يأتي (بالتمر وجعل الرجل) الآخر أيضًا (يجيء بالسمن) وهو الزبد المصفى بالنار من بقايا اللبن (فحاسوا حيسًا) والحيس هو الأقط والتمر والسمن يخلط ويعجن، ومعناه جعلوا هذا المجموع حيسًا أي طعامًا مخلوطًا فأكلوه وقد يجعل مع هذه الثلاثة غيرها كالسويق، وفي بعض الهوامش والحيس تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتَّى يبقى كالثريد، وربما جعل معه سويق، وهو مصدر في الأصل ويقال: حاس الرجل حيسًا من باب باع إذا اتخذ اهـ مصباح، قال الشاعر:
فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
3378 -
(00)(00) وحدَّثني أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِي. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَاهُ قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادٌ (يَعْنِي ابْنَ زَيدٍ) عَنْ ثَابِتٍ وَشْعَيبِ بْنِ حَبْحَابٍ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
ــ
وإذا تكون كريهة أُدعى لها
…
وإذا يحاس الحيس يُدعى جندب
(فكانت) تلك الأشياء الثلاثة المخلوطة (وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية، وفيه أن الوليمة تحصل بأي طعام كان ولا تتوقف على شاة، والسنة تقوم بغير لحم، قال العيني: وفيه دلالة على مطلوبية الوليمة للعرس وإنها بعد الدخول، وقال الثوري: ويجوز قبله وبعده، والمشهور عندنا أنها سنة، وقيل واجبة وعندنا إجابة الدعوة سنة سواء كانت وليمة عرس أو غيرها وبه قال أحمد ومالك في رواية، وقال الشافعي: إجابة الدعوة في وليمة العرس واجبة، وغيرها مستحبة وبه قال مالك في رواية اهـ فتح الملهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 186]، والبخاري [947]، والنسائي [1/ 371].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
3378 -
(00)(00)(وحدثني أبو الربيع الزهراني) سليمان بن داود البصري (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد) بن درهم الأزدي البصري (عن ثابت) بن أسلم البصري (وعبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس) بن مالك البصري رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم بصريون، غرضه بيان متابعة حماد بن زيد لإسماعيل بن علية (ح) وحدثناه قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا حماد يعني ابن زيد عن ثابت) بن أسلم البناني (وشعبب بن حبحاب) الأزدي مولاهم أبي صالح البصري، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من رباعياته رجاله كلهم بصريون إلَّا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (ح وحدثنا قتيبة) بن سعيد (حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (عن قتادة) بن دعامة (وعبد العزيز عن أنس) وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة قتادة لثابت وعبد العزيز (ح وحدثنا محمد بن
عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَن أَنَسِ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَن شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَن أَنسٍ. ح وَحدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن آدَمَ وَعُمَرُ بن سَعْدٍ وَعَبدُ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيدٍ. عَنْ شُعَيبِ بنِ الْحَبحَابِ، عَن أَنَسٍ. كُلُّهُم عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتقَهَا صَدَاقَهَا. وَفِي حَدِيثِ
ــ
عبيد) بن حساب (الغبري) البصري، ثقة، من (15)(حَدَّثَنَا أبو عوانة عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره (عن أنس) وهذا السند أيضًا من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي عثمان لمن روى عن أنس (ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر (عن شعيب بن الحبحاب) بمهملتين مفتوحتين بينهما باء ساكنة البصري (عن أنس) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة هشام لحماد بن زيد (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9)(وعمر بن سعد) بن عبيد أبو داود الحفري بفتح الفاء والمهملة نسبة إلى حفرة موضع بالكوفة الكوفي، روى عن سفيان الثوري في النِّكَاح والوصايا والأطعمة، وذكر عيسى في الفضائل، ومسعر وصالح بن حسان ومالك بن مغول، ويروي عنه (م عم) ومحمد بن رافع وإسحاق بن منصور وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال ابن المديني: ما رأيت بالكوفة أعلم منه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من التاسعة، مات سنة (203)(وعبد الرزاق) بن همام الصنعاني (جميعًا) أي كل من يحيى وعمر وعبد الرزاق رووا (عن سفيان) بن سعيد الثوري (عن يونس بن عبيد) بن دينار العبدي مولاهم أبي عبيد البصري، ثقة، من (5)(عن شعيب بن الحبحاب) البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (كلهم) أي كل من حماد بن زيد وأبي عوانة وهشام الدستوائي ويونس بن عبيد رووا (عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيدهم المذكورة سابقًا، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لإسماعيل ابن علية في رواية هذا الحديث بأسانيدهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنَّه) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم (أعتق صفية وجعل عتقها صداقها و). لكن (في حديث
مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ: تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ وَأَصْدَقَهَا عِتْقَهَا.
3379 -
(1300)(100) وحدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، في الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا:"لَهُ أَجْرَانِ"
ــ
معاذ عن أبيه) هشام الدستوائي أنَّه صلى الله عليه وسلم (تزوج صفية وأصدقها عتقها).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهما فقال:
3379 -
(1350)(100)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن المزني الطحان أبو الهيثم الواسطي، ثقة، من (8)(عن مطرف) بن طريف الحارثي أبي بكر الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (عن عامر) بن شراحيل الحميري الشعبي الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابا (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري عبد الله بن في الأشعري الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد واسطي وواحد نيسابوري (قال) أبو موسى (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الَّذي يُعتق جاريته) أي أمته (ثم يتزوجها له أجران) أجر الإعتاق وأجر التزوج، وهذا الحديث سبق بيانه وشرحه واضحًا في كتاب الإيمان حيث ذكره مسلم، وإنما أعاده هنا تنبيهًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في صفية لهذه الفضيلة الظاهرة، قال القرطبي: والحديث دليل على صحته وفضيلته خلافًا لمن كره ذلك من أهل العراق وشبهه بركوب بدنته وهو قياس في مقابلة النص المذكور فهو فاسد الوضع والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وفي رواية عند أبي داود الطيالسي إذا أعتق الرجل أمته ثم أمهرها مهرًا جديدًا كان له أجران، واستدل به على أن عتق الأمة لا يكون نفس الصداق ولا دلالة فيه بل هو شرط لما يترتب عليه الأجران المذكوران وليس قيدًا في الجواز اهـ فتح الملهم. وهذا الحديث قطعة من الحديث الَّذي رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ولفظه "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها، وعبد يؤدي حق الله وحق مواليه، ومؤمن أهل الكتاب" وهذا لفظ النسائي وهو مذكور في الصحيحين
3380 -
(1351)(101) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفانُ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيبَرَ. وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَأَتَينَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ. وَقَدْ أَخْرَجُوا
ــ
وسنن الترمذي وابن ماجة أيضًا ببعض تفاوت في الألفاظ وهذا أخصرها اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 415]، والترمذي [2384]، والنسائي، وابن ماجة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس الأول ثانيًا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
3380 -
(1351)(101)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان الصفّار البصري، ثقة، من (15)(حَدَّثَنَا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) (حَدَّثَنَا ثابت) بن أسلم (عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم بصريون إلَّا ابن أبي شيبة (قال) أنس:(كنت ردت أبي طلحة) الأنصاري زيد بن سهل أي راكبًا خلفه على فرسه (يوم) غزوة (خيبر) وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وأجرى مركوبه في زقاق خيبر (و) الحال إن (قدمي) لي (تمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال) أنس: (فأتيناهم) أي فأتينا أهل خيبر وفاجأناهم (حين بزغت) وطلعت (الشمس) أي ظهر حاجبها الأعلى، وقوله: بزغت بفتح الباء والزاي من باب نصر معناه عند ابتداء طلوعها اهـ نووي، ووقع في رواية عند البخاري (فلما أصبح خرجت يهود خيبر) ويُجمع بينهما بأنهم وصلوا أول البلد عند الصبح فنزلوا فصلوا فتوجهوا وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم فرسه حينئذ في زقاق خيبر كما في الرواية الأخرى فوصل في آخر الزقاق إلى أول الحصون حين بزغت الشمس، وفي رواية البخاري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلًا أي قرب منها، وذكر ابن إسحاق أنَّه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفائهم، قال: فبلغني أن غطفان تجهزوا وقصدوا خيبر فسمعوا حسًّا خلفهم فظنوا أن المسلمين خلفوهم في ذراريهم فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر اهـ فتح الملهم (و) إنهم (قد أخرجوا مواشيهم) وأنعامهم إلى المرعى (وخرجوا) من
مَوَاشِيَهُمَ وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَمُرُورِهِمْ. فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ. قَال: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَرِبَتْ خَيبَرُ! إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ" قَال: وَهَزَمَهُمُ اللهُ عز وجل. وَوَقَعَتْ في سَهْمِ دحْيَةَ جَاريَةٌ جَمِيلَةٌ
ــ
حصونهم (بفووسهم) أي ملتبسين بها، جمع فأس وهو الَّذي يُشق به الحطب (ومكاتلهم) جمع مكتل وهو بكسر الميم الزنبيل الكبير الَّذي يحؤل فيه التراب وغيره كالسماد (ومرورهم) جمع مر بفتح الميم وهو مجرفة الحديد، ويسمى مسحاة ويجمع على المساحي، وفي فتح الملهم: جمع مر وهو معروف نحو المجرفة وأكبر منها، يقال لها المساحي هذا هو الصحيح في معناه، وحكى القاضي عياض في معناه قولين أحدهما: هذا، والثاني: المراد بالمرور هنا الحبال التي كانوا يصعدون بها إلى النخيل، قال واحدها مر بفتح الميم وكسرها لأنه يمر حين يفتل، وفي مغازي البخاري (فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم) وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذه القصة (حتَّى إذا كانت السحر وذهب ذو الزرع إلى زرعه وذو الضرع إلى ضرعه أغار عليهم) (فقالوا) أي قال أهل خيبر لما رأوا المسلمين: جاء (محمد والخميس) أي الجيش الكبير (قال) أنس: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفاؤلًا بخرابهم وإخبارًا عما كُشف له من الغيب (خربت خيبر) أي صارت خرابًا خاليًا عن السكان (إنا إذا نزلنا بساحة) أي بفناء (قوم) كفار (فساء) أي قبح (صباح المنذرين) أي المخوّفين بعذاب الله على كفرهم وامتنعوا من قبول الإنذار (قال) أنس: (وهزمهم الله عز وجل أي أوقع بهم الهزيمة والغلبة وقتل المسلمون رجالهم وسبوا ذراريهم ونساءهم (ووقعت في سهم دحية) بن خليفة الكلبي أي فيما أخذه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الغنيمة لم تُقسم الآن (جارية جميلة) أي ذات جمال وحسن صورة يعني بالجارية صفية كما سيأتي التصريح بها، والجارية هنا بالمعنى المصطلح عليه فإنها وإن كانت من حرائر قومها صارت يومئذٍ مملوكة بأيدي المسلمين.
وقد سبق في شرح رواية عبد العزيز بن صهيب بأن أخذ دحية كان بإذنه صلى الله عليه وسلم قبل القسم فالأولى في طريق الجمع بين الروايات أن يقال إن المراد بسهمه هنا نصيبه الَّذي اختاره لنفسه وذلك أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية
فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا. (قَال: وَأَحْسِبُهُ قَال) وَتَعْتَدُّ في بَيتِهَا
ــ
فأذن له أن يأخذ جارية من السبي فأخذ صفية فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم. فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء، وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ولعله عوّضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك، وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم (صارت صفية لدحية فجعلوا يمدحونها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى بها دحية ما رضي) اهـ فتح الملهم (فاشتراها) أي فاشترى تلك الجارية (رسول الله صلى الله عليه وسلم من دحية (بسبعة أرؤس) أي بسبعة أنفس من الجواري أي أعطى دحية بدل تلك الجارية سبعة أنفس وأخذها منه نظرًا لتلك المصلحة العامة التي ذكرناها آنفًا (ثم دفعها) أي سلم تلك الجارية (إلى أم سليم) أم أنس سهلة بنت ملحان (تصنعها) بتشديد النون من التصنيع أي لتزيّنها وتجملها (له) صلى الله عليه وسلم (وتهيئها) أي تجهزها وتزفِّفُها له، وهو عطف تفسير على ما قبله، وعبّر عن هذا في الرواية السابقة بالتجهيز (قال) ثابت:(وأحسبه) أي وأظن أنسًا (قال وتعتد) تلك الجارية (في بيتها) أي في بيت أم سليم، وهو عطف نسق أيضًا، زاده ثابت بظن من عنده زيادة ذلك في قول أنس رضي الله عنه وأراد بالاعتداد الاستبراء لأنها مسبية، وضمير بيتها لأم سليم، والعطف بالواو لا يقتضي الترتيب وإلا فتصنيع الجارية يكون بعد استبرائها ولم يذكر في الطريق المتقدم أنَّه استبرأها، وفي رواية أخرى حتَّى إذا بلغنا سد الروحاء حلّت فبنى بها، قال الحافظ: المراد بقوله: حلّت أي طَهُرت من حيضها، وقد روى البيهقي بإسناد لين أنَّه صلى الله عليه وسلم استبرأ صفية بحيضة، وأما ما رواه مسلم من طريق ثابت عن أنس أنَّه صلى الله عليه وسلم ترك صفية عند أم سليم حتَّى انقضت عدَّتها فقد شك حماد راويه عن ثابت في رفعه، وفي ظاهره نظر لأنه صلى الله عليه وسلم دخل بها منصرفه من خيبر بعد قتل زوجها بيسير فلم يمض
وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. قَال: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأقِطَ وَالسَّمْنَ. فُحِصَتِ الأَرْضُ أفَاحِيصَ. وَجِيءَ بِالأَنْطَاعِ. فَوُضِعَتْ فِيهَا. وَجِيءَ بِالأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبعَ النَّاسُ. قَال: وَقَال النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلدٍ
ــ
زمن يسع انقضاء العدة ولا نقلوا أنها كانت حاملًا حتَّى تضع ولا غير ذات حمل حتَّى تحيض حيضة قاله في سبايا أوطاس أخرجه أبو داود وغيره وليس على شرط الصحيح فإطلاق العدة عليه في حديث الباب مجاز عن الاستبراء والله أعلم اهـ فتح الملهم.
(وهي) أي تلك الجارية (صفية بنت حيي قال) أنس: (وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمتها) أي وليمة صفية (التمر والأقط والسمن) أي الحيس المخلوط من هذه الثلاثة ثم بيّن كيفية خلطها فقال: (فُحِصَت الأرض) أي حفرت الأرض (أفاحيص) أي حفرًا بعدد الأنطاع، وقوله: فحصت هو بضم الفاء وكسر الحاء المهملة المخففة على صيغة المبني للمجهول أي كشف التراب وأُزيل من أعلاها وحفرت شيئًا يسيرًا ليُجعل الأنطاع في المحفور ويصب فيها السمن فيثبت ولا يخرج من جوانبها، وأصل الفحص الكشف وفُحص عن الأمر وفحص الطائر لبيضه، والأفاحيص جمع أفحوص اهـ نووي، وقال القرطبي: وفحصت الأرض أي كشفت عما يمنع القعود عليها من حجارة وعثب وغير ذلك وسويت حتَّى خلص إلى التراب ومنه مفحص القطاة وهو الموضع الَّذي تتخذه لتلد فيه (وجيء بالأنطاع فوضعت فيها) أي في تلك الأفاحيص، وتقدم أن الأنطاع جمع نطع، والأفحوص على وزن أسلوب؛ الموضع الحاصل من الفحص كالمفحص، وأصله من فحص القطاة وهو حفرها في الأرض موضعًا تبيض فيه، واسم ذلك الموضع مفحص وأفحوص، وذكر المجد أن نقرة الذقن تسمى فحصة، والقطاة واحد القطا طائر يؤكل مثل الحمام، ومن أمثالهم لو ترك القطا ليلًا لنام (وجيء بالأقط والسمن) وخُلطا بالتمر في الأنطاع فأكلوا (فشبع الناس) من الحيس (قال) أنس:(وقال الناس) الدِّين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم لبعض: والله (لا ندري) ولا نعلم (أتزوّجها) أي هل اتخذها زوجة (أم اتخذها أم ولد) أي أمة تلد له، قال الأبي: وهذا يدل على أن الوليمة ليست عندهم خاصة بالنِّكَاح بل تفعل في التسري، ولو كانت خاصة بالنِّكَاح لاكتفوا في معرفة أنها زوجة بفعل الوليمة عليها، قال عياض: واحتج به
قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا. فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا. فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَدَفعْنَا. قَال: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ. وَنَدَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَدَرَتْ. فَقَامَ
ــ
بعضهم على أنها بغير صداق كالموهوبة، ولو نكحها على أن عقها صداقها كما يقوله المخالف وظنه أنس لم يخف عليهم أنها زوجته حتَّى يقولوا ذلك، قال القرطبي: وهذا أيضًا يدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم لم ييين لهم أمرها ولا أشهدهم على نكاحها فيكون حجة لمالك وجماعة من الصحابة والتابعين على صحة انعقاد النِّكَاح بغير شهود إذا أُعلن، وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد: لا يصح إلَّا لشاهدين إلَّا أن أبا حنيفة لا يشترط العدالة اهـ، فهم يحملون القصة على خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم ولكن روى الطبراني بإسناد جيد عن حسن بن حرب أنَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه:"ما تقولون في هذه الجارية؟ " قالوا: نقول إنك أولى الناس بها وأحقهم. قال: "فإني أعتقتُها واستنكحها وجعلت عتقها مهرها" وحينئذٍ قولهم لا ندري أتزوَّجها إلخ لعله صدر من البعض وهم الذين لم يقفوا على جلية الحال والله أعلم اهـ ثم (قالوا: إن حجبها) عن الناس (فهي امرأته) أي زوجته (وإن لم يحجبها فهي أم ولد) له أي سرية، وفي رواية فهي ما ملكت يمينه لأن ضرب الحجاب إنما هو على سائر الحرائر لا على الإماء (فلما أراد) صلى الله عليه وسلم (أن يركب) ويُركبها (حجبها) أي سترها عن الناس (فقعدت على عجز البعير) أي على عجز بعيره صلى الله عليه وسلم أي أردفها خلفه، وعجز كل شيء بضم الجيم وزان رجل مؤخره (فـ) لما رأوا ذلك منها (عرفوا أنَّه قد تزوجها) أي عرف العام والخاص أنها زوجته (فلما دنوا) وقربوا (من المدينة دفع) أي أسرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمطيته (ودفعنا) أي أسرعنا معه صلى الله عليه وسلم بمطايانا لندخل المدينة (قال) أنس:(فعثرت) أي كبت وتعست (الناقة العضباء) التي كانت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صفية، والعضباء الناقة المشقوقة الأذن، ولقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن عضباء كذا في القاموس (وندر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سقط عن ناقته (وندرت) هي أي سقطت أيضًا صفية، وأصل الندور الخروج والانفراد، ومنه كلمة نادرة أي فردة عن النظائر (فقام) رسول الله
فَسَتَرَهَا. وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ. فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ.
قَال: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ! أَوَقَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَال: إِي وَاللهِ، لَقَدْ وَقَعَ.
قَال أَنَسٌ: وَشَهِدْتُ وَلِيمَةَ زَينَبَ. فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا. وَكَانَ يَبْعَثُني فَأَدْعُو النَّاسَ. فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَتَبِعْتُهُ. فَتَخَلَّفَ رَجُلَانِ
ــ
صلى الله عليه وسلم من مسقطه بسرعة (فسترها) أي فستر صفية عن الناس (و) الحال أنَّه (قد أشرفت) واطلعت (النساء) اللاتي كن مع المسلمين من أزواجه صلى الله عليه وسلم وممن يتعصب لهن على سقوطها (فقلن أبعبد الله اليهودية) عن رحمته أي لا سلمها الله من سقوطها بل أهلكها به، وفي بعض الرواية زيادة (قال: فدخلنا المدينة فخرج جواري) أي صغار (نسائه صلى الله عليه وسلم يترائينها ويشمتن بصرعتها) أي كأنهن سررن بذلك وفرحن، وهذا فعل يتضمنه طباع الضرائر ومن يتعصب لهن اهـ مفهم، قال الأبي: وسقوطه صلى الله عليه وسلم هو كسائر الأمراض البشرية التي هو فيها كغيره فلا وجه لقول ثابت أندر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أن يكون تحزنًا لتألم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كما ذكره بقوله: (قال) ثابت: (قلت) لأنس: (يا أبا حمزة) كنية أنس (أوقع) بهمزة الاستفهام التقريري أي هل وقع وسقط (رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأرض وتألم (قال) أنس: (إي) نعم (والله لقد وقع) وسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس مما يقدح في منزلته بل يرفعها. وهذه الرواية مما انفرد به الإمام مسلم ولكن شاركه أحمد [3/ 195].
(قال أنس) رضي الله عنه بالسند السابق كأنه يريد بهذا التعليق الاستشهاد بوليمته صلى الله عليه وسلم على زينب على وليمته على صفية رضي الله تعالى عنهما (وشهدت) أي حضرت أيضًا (وليمة) رسول الله صلى الله عليه وسلم على (زينب) كما شهدت وليمته على صفية (فأشبع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس) في وليمته على زينب (خبزًا ولحمًا) وقوله: (وكان) صلى الله عليه وسلم (يبعثني) أي يرسلني إلى الناس لدعوتهم إلى طعام الوليمة (فأدعو الناس) إلى طعامها تأكيد لشهوده تلك الوليمة (فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من إطعامهم (قام) من مجلسه ليقوم الناس فخرج (وتبعته) في الخروج ولحقته (فتخلف) أي تأخر في البيت (رجلان) ولم يخرجا لم أر من ذكر اسمهما
اسْتأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ. لَمْ يَخْرُجَا. فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ. فيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: "سَلَامٌ عَلَيكُمْ. كَيفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيتِ؟ " فَيَقُولُونَ: بِخَيرٍ. يَا رَسُولَ اللهِ! كَيفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: "بِخَيرٍ" فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرَّجُلَينِ قَدِ اسْتَأْنَسَ
ــ
وجملة قوله: (استأنس بهما الحديث) صفة سببية لرجلان لأنها وقعت بعد النكرة؛ أي أنس كل واحد منهما بحديث صاحبه واستلذه وخاضا في الكلام بحيث صار الكلام مستأنسًا بهما، يقال: استأنس به أي أنس به فالسين والتاء زائدتان للمبالغة لا للطلب؛ ومعناه ألفه وسكن قلبه به واطمأن ولم ينفر منه، وقوله:(لم يخرجا) صفة ثانية لهما ولكنها حقيقية أو حال من ضمير بهما (فجعل) أي شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمر) أي يدور (على) حجر (نسائه فيسلم على كل واحدة منهن) فيقول لها: (سلام عليكم) بصيغة الجمع نظرًا للملائكة الذين معها، قال النووي رحمه الله تعالى: في هذه القطعة فوائد منها أنَّه يستحب للإنسان إذا أتى منزله أن يسلم على امرأته وأهله، وهذا مما يتكبر عنه كثير من الجاهلين المترفعين، ومنها أنَّه إذا سلم على واحد قال: سلام عليكم أو السلام عليكم بصيغة الجمع ليتناوله وملكيه، ومنها سؤال الرجل أهله عن حالهم فربما كانت في نفس المرأة حاجة فتستحي أن تبتدئ بها فإذا سألها انبسطت لذكر حاجتها، ومنها أنَّه يستحب أن يقال للرجل عقب دخوله كيف حالك ونحو هذا اهـ كيف أنتم) أي كيف حالكم وصحتكم هل هو طيب أم لا؟ لأن كيف يسأل بها عن الحال (يا أهل البيت) أي يا أهل بيتي وهو كناية عن زوجته سواء كان معها غيرها أم لا (فيقولون) أي فيقول أهل بيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله نحن (بخير) أي ملتبسون بخير (يا رسول الله كيف وجدت) أنت (أهلك) الجديد أي على أي حال وجدتها هل هي طيبة أم لا؟ (فيقول) صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم وجدتهم (بخير) أي ملتبسين بخير وحال طيب (فلما فرغ) رسول الله صلى الله عليه وسلم من دورانه على حجر أزواجه وانتهى (رجع) إلى حجرة زينب (ورجعت) أنا (معه فلما بلغ الباب) أي باب حجرة زينب ووصل إليه (إذا هو) صلى الله عليه وسلم راء (بالرجلين) اللذين تقدم ذكرهما لأن النكرة إذا أُعيدت معرفة تكون عين الأولى، وإذا فجائية رابطة لجواب لما أي فلما وصل الباب فأجاه رؤية الرجلين، والحال أنَّه (قد استأنس) أي أنس
بِهِمَا الْحَدِيثُ. فَلَمَّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا. فَوَاللهِ! مَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أُمْ أُنْزِلَ عَلَيهِ الْوَحْيُ بِأَنَّهُمَا قَدْ خَرَجَا. فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ. فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ في أُسْكُفَّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَينِي وَبَينَهُ. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى هذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب: 53] الآية.
3381 -
(1352)(102) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ
ــ
(بهما الحديث) وأخَّرهما الحديث عن الخروج فرجع (فلما رأياه) صلى الله عليه وسلم أي فلما رأى الرجلان النبي صلى الله عليه وسلم (قد رجع) عن دخول البيت عرفًا كراهيته جلوسهما في البيت و (قاما فخرجا) قال أنس: (فوالله) الَّذي لا إله غيره (ما أدري) ولا أعلم الآن (أنا أخبرته) بخروجهما (أم أنزل عليه الوحي) والإعلام من الله تعالى (بأنهما قد خرجا فرجع) إلى البيت (ورجعت معه فلما وضع) صلى الله عليه وسلم (رجله) أي قدمه (في أسكفة الباب) أي على أسكفة الباب أي على عتبته السفلى، والأسكفة بضم همزة القطع وسكون السين وضم الكاف وتشديد الفاء العتبة التي يوطأ عليها، وأصلها العتبة العليا وقد تستعمل في السفلى كما هنا (أرخى) أي سدل (الحجاب) أي الستر (بيني وبينه) ودخل على أهله فرجعت (وأنزل الله تعالى) في ذلك الوقت (هذه الآية) التي في سورة الأحزاب يعني قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب: 53] الآية، كذا اتفق عليه الرواة، وخالفهم عمرو بن علي الفلاس عن معتمر فقال: فأُنزلت {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أخرجه الإسماعيلي وأشار إلى شذوذه فقال: جاء بآية غير الآية الَّذي ذكرها الجماعة اهـ فتح الملهم. وشارك الصؤلف في رواية هذا التعليق أحمد [3/ 195]، والنسائي [6/ 79].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
3381 -
(1352)(102)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا شبابة) بن سوار المدائني أبو عمرو الفزاري مولاهم، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا سليمان) بن المغيرة القيسي أبو سعيد البصري، ثقة، من (7)(عن ثابت) بن أسلم البناني (عن أنس) بن مالك
ح وَحدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيانَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ. حَدَّثَنَا أَنَسٌ. قَال: صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدَحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ. وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَينَا في السَّبْيِ مِثلَهَا. قَال: فَبَعَثَ إِلَى دَحْيَةَ فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي فَقَال: "أَصْلِحِيهَا" قَال: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيبَرَ. حَتَّى إِذَا
ــ
رضي الله عنه (ح وحدثني به) أي بالحديث الآتي (عبد الله بن هاشم بن حيان) بتحتانية العبدي أبو عبد الرحمن النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في تسعة أبواب (واللفظ) الآتي (له) أي لعبد الله بن هاشم لا لأبي بكر (حَدَّثَنَا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (13) بابا (حَدَّثَنَا سليمان بن المغيرة عن ثابت حَدَّثَنَا أنس) وهذان السندان من خماسياته، وفائدة هذا التحويل بيان اختلاف صيغتي شبابة وبهز في رواية ثابت عن أنس لأن شبابة قال عن أنس، وبهز قال: حدثنا أنس (قال) أنس: (صارت صفية) بنت حيي (لدحية) بن خليفة (في مقسمه) أي في نصيبه الَّذي أخذه بسبب أخذه إياها من أصل الغنيمة بإذنه صلى الله عليه وسلم له في أخذه من أصل الغنيمة حين سأله أخذ جارية من الغنيمة فأذن له لأن القسمة لم تحصل بعد، وقوله:(في مقسمه) هو مفعل من قسم الثلاثي من باب ضرب فقياس مصدره الفتح وظرفه الكسر كما بسطنا الكلام عليه في شرحنا مناهل الرجال على لامية الأفعال لابن مالك وهو هنا مصدر بمعنى النصيب (وجعلوا) أي جعل الناس (يمدحونها) بحسبها ونسبها وجمالها (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) أنس: (و) كانوا (يقولون) في مدحها (ما رأينا في السبي) أي في النساء المسبيات (مثلها) أي شبهها (قال) أنس: (فبعث) أي أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى دحية) بأن ائت بها فأتى بها فاستردها منه (فأعطاه) أي فأعطى دحية (بها) أي بدلها أي بدل صفية (ما أراد) دحية من السبي (ثم) بعد استردادها منه (دفعها) أي دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية (إلى أمي) أم سليم زوجة أبي طلحة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سليم: (أصلحيها) بعد انقضاء استبرائها أي أصلحي صفية وزينيها وجمّليها لتزفّيها لي (قال) أنس: (ثم) بعد دفعها إلى أم سليم (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر) راجعًا إلى المدينة واستمر في سيره (حتى إذا
جَعَلَهَا في ظَهْرِهِ نَزَلَ. ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيهَا الْقُبَّةَ. فَلَمَّا أَصبَحَ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأتِنَا بِهِ لا قَال: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّويقِ. حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذلِكَ سَوَادًا حَيسًا. فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذلِكَ الْحَيسِ. ويشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ. قَال: فَقَال أَنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَليمَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيهَا. قَال: فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى إِذَا رَأَينَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيهَا
ــ
جعلها) أي جعل خيبر (في ظهره) أي وراء ظهره حتَّى لا يراها (نزل) منزلًا في الطريق (ثم) بعد نزوله (ضرب) أي بنى ورفع (عليها) أي على صفية (القبة) أي الخيمة (فلما أصبح) عروسًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أي نادى فيهم قائلًا: (من كان عنده فضل زاد) أي زاد فاضل عن حاجته (فليأتنا به) أي بذلك الفاضل (قال) أنس: (فجعل) أي شرع (الرجل) منهم (يجيء) أي يأتي (بفضل التمر و) آخر بـ (فضل السويق) وهو دقيق الشعير المقلي فأتى كل واحد منهم بما عنده (حتَّى جعلوا من ذلك) المجموع (سوادًا) أي كومًا شاخصًا مرتفعًا عن الأرض فخلطوه وجعلوه (حيسًا) أي طعامًا مخلوطًا اهـ نووي، قال عياض: والسواد بفتح السين وتخفيف الواو كل شخص ظاهر، وسواد الشيء شخصه يعني أنهم جعلوا من ذلك المجموع شيئًا ظاهرًا في ذاته، ومنه سواد العراق للعامر من أرضه اهـ ومنه في حديث الإسراء "رأى آدم عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة" أي أشخاصًا اهـ فتح (فجعلوا) أي فجعل الأصحاب وشرعوا أو فكانوا (يأكلون من ذلك الحبس) أي من ذلك الطعام المخلوط (ويشربون) عليه (من حياض) أي من ماء مجتمع في مستنقع هناك (إلى جنبهم) كائنة تلك الحياض (من ماء السماء) أي من ماء المطر أي كائن ماؤها من ماء المطر لا من ماء الآبار أو العيون مثلًا (قال) ثابت:(فقال أنس) بن مالك رضي الله عنه (فكانت تلك) الأطعمة المجموعة (وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها) أي على صفية رضي الله تعالى عنها (قال) أنس: (فانطلقنا) أي ذهبنا وارتحلنا من منزلنا ذاك (حتَّى إذا رأينا) وأبصرنا (جُدُر) بضمتين جمع جدار أي حتَّى إذا أبصرنا جدران (المدينة) المنورة (هششنا) أي نشطنا وفرحنا وانبعثت نفوسنا (إليها) أي إلى المدينة أي اهتززنا فرحًا وسرورًا وهذه فرحة القادم السالم الغانم إذا وصل إلى وطنه وأهله اهـ من المفهم، من هش الرجل هشاشة من باب تعب إذا ارتاح
فَرَفعْنَا مَطِيِّنَا. وَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَطِيَّتَهُ. قَال: وَصَفِيَّةُ خَلْفَهُ قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَصُرعَ وَصُرِعَتْ. قَال: فَلَيسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيهِ وَلَا إِلَيهَا. حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَتَرَهَا. قَال: فَأَتَينَاهُ فَقَال: "لَمْ نُضَرَّ" قَال: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. فَخَرَجَ جَوَارِى نِسَائِهِ يَتَراءَينَهَا وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا
ــ
وانبسطت نفسه ونشط وفرح وتبسم وانجدب بمحبوبه (فرفعنا) أي أجرينا وركضنا (مطينا) أي مركوبنا وأسرعنا به ورفعنا السير إلى غايته، يقال: رفع بعيره في سيره إذا أسرع به ورفعته إذا أسرعت به يتعدى ولا يتعدى اهـ مصباح (ورفع) أي أجرى وأسرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته) أي مركوبه وناقته شوقًا إلى المدينة (قال) أنس (وصفية) بنت حيي زوجته راكبة (خلفه قد أردفها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قد أركبها على ناقته رديفة خلفه (قال) أنس: (فعثرت) أي زلقت وصدمت بشيء في الطريق من نحو حجر (مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ناقته (فصُرع) بالبناء للمجهول أي أُسقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها (وصُرعت) بالبناء للمفعول أيضًا أي وأسقطت صفية أيضًا عنها (قال) أنس: (فليس أحد من الناس) الحاضرين عندهما (بنظر إليه) صلى الله عليه وسلم في حالة سقوطه (ولا إليها) أي إلى صفية في حال سقوطها إجلالًا واحترامًا له أو فزعًا وتأسفًا من تألمهما بالسقوط، وسقوطه ذلك لا يقدح في منزلته بل يرفعها لأنه من العوارض البشرية التي لا تستحيل عليه أي فلم يكن أحد ينظر إليهما (حتَّى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسقطه (فسترها) أي فستر صفية عن الناس (قال) أنس:(فأتيناه) صلى الله عليه وسلم عقب قيامه وستره إياها فسألنا عما أصابهما من الضرر في حالة السقوط (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم نضر) بالبناء للمجهول أي لم يصبنا ضرر في سقوطنا إزالة لما غشيهم من التخوف عليه وتسكينًا لنفرتهم وتطييبًا لقلوبهم اهـ مفهم (قال) أنس: (فدخلنا المدينة) المنورة (فخرج) إلينا (جواري نسائه) صلى الله عليه وسلم أي صغيرات الأسنان من أزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي لا ثبات لهن ولا شفقة عندهن، حالة كونهن (يتراءينها) أي يتراءين صفية أي ينظرن ويتشوفن إليها (ويشمثن) بفتح الياء والميم أي يفرحن ويظهرن السرور (بصرعتها) أي بوقعتها وسقطتها كأنهن سُررن بذلك، وهذا فعل يتضمنه طباع الضرائر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومن يتعصب لهن من خدمها وأقاربها اهـ مفهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث، الأول: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أنس الثاني ذكره للاستشهاد للأول، والرابع: حديث أنس الأخير ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم.
***