المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب عاقد القراض أخذا] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٨

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في عاقد القراض دافعًا]

- ‌[باب عاقد القراض أخذًا]

- ‌[كتاب المساقاة]

- ‌[باب العاقد]

- ‌[باب في شرط حظ العامل]

- ‌[باب في العمل في المساقاة]

- ‌[كتاب المزارعة]

- ‌[كتاب المغارسة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب في أركان الإجارة]

- ‌[باب الأجر]

- ‌[باب فيما يجب تعجيله من الأجر في الإجارة]

- ‌[باب منفعة الإجارة]

- ‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

- ‌[باب (.....) يوجب فسخ الإجارة]

- ‌[كتاب ضمان الصناع]

- ‌[باب الصانع المنتصب للصنعة]

- ‌[كتاب الجعل]

- ‌[باب في شرط الجاعل]

- ‌[باب في شرط الجعل]

- ‌[باب في العمل في الجعل]

- ‌[كتاب إحياء الموات]

- ‌[باب موات الأرض]

- ‌[باب في معروض الإحياء]

- ‌[باب التحجير]

- ‌[باب الإقطاع]

- ‌[باب الحمى]

- ‌[كتاب الحُبُس]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في المحبس عليه]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في الحوز المطلق]

- ‌[باب في وقت الحوز]

- ‌[باب في الحوز الفعلي الحسي]

- ‌[باب في الحوز الحكمي]

- ‌[باب في صيغة الحبس]

- ‌[باب المستحق من الحبس لمن عليه حبس]

- ‌[باب العطية]

- ‌[باب العمري]

- ‌[باب في صيغة العمري]

- ‌[باب في الرقبى]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب في صيغة الهبة]

- ‌[باب الموهوب]

- ‌[باب الواهب]

- ‌[باب الحوز الحكمي في الهبة والصدقة]

الفصل: ‌[باب عاقد القراض أخذا]

وإن عمل به بأكثر من قراض مثله رد لقراض مثله وضمن المال إن تلف.

قال يحيى بن إبراهيم: قوله: ضمن المال ضعيف.

وفيها: للمأذون دفع القراض وأخذه وللمكاتب.

اللخمي: منع أشهب أخذه المأذون والمكاتب وإعطاؤهما إياه، وصوب الأخذ لا الإعطاء، ويخرج عامل القراض والأجير على التجر.

[باب عاقد القراض أخذًا]

وعاقده آخذًا من له بيع عمله مطلقًا فيخرج المأذون له في بيع صنعته.

وفيها: من أقعد عبده ذا صنعة لم يكن إذنًا في تجر ولا مداينة.

وفيها: أكره للمسلم دفع قراض من ذمي، ولا أحب مقارضة من يستحل الحرام، أو من لا يعرف الحلال من الحرام وإن كان مسلمًا.

قُلتُ: يريد بالمستحل فاعل الحرام عالمًا أنه حرام.

ص: 6

اللخمي: من كان يجهل وتجر فيما يعرض له الربا كالصرف وبيع الطعام فينبغي أن يتصدق بالفضل دون جبر، وإن علم عمله بذلك جبر، وإن كان تجره في البز ونحوه نقدًا ساغ له، وإن خشي كونه فيما لا يجوز بيعه وأخذ عرضا عنه استحببت صدقته برأس المال وربحه، وإن علم أن تجره كان فيه ربًا أجبر على الصدقة بجميع ماله.

قُلتُ: ظاهره أنه يحكم عليه بذلك، والصواب أن ذلك فيما زاد على رأس ماله وأنه يؤمر بذلك ويعلم أنه واجب عليه ولا يقضى عليه به كقولها فيمن قال: داري صدقة على المساكين في كتاب الهبات والعقوبة عندنا بالأدب لا بالمال إلا أن يكون قليلا ولا ينهض قياسه على بيع المسلم الخمر؛ لأنه مباشر ورب المال ليس كذلك إلا أن يكون بامره، وقوله: إن علم أن تجره كان فيه ربًا أجبر، كذا وقع في بعض النسخ الصحيحة بإثبات ربا وفي بعضها بإسقاطه وهو الصواب باعتبار المعنى والسلامة من التكرار.

التونسي: لا يجوز لمسلم إعطاء نصراني قراضًا، وقاله اللخمي وغيره، وفي ثاني سلمها: لا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانيًا إلا للخدمة، فأما لبيع أو شراء أو تقاض أو ليبضع معه فلا يجوز، ونحوه في شركتها، وفي ثاني سلمها: لا أحب لمسلم أن يدفع مالا قراضًا لذمي فظاهره الكراهة ويجب حمله على الحرمة.

الشيخ: عن محمد: لا خير في دفعه له بشرط ألا يشتري إلا سلعة كذا وهي موجودة كل زمان؛ لأن من استحل الربا استحل أن يخالف شرطك، فإن قارضه فسخ ورد للمسلم رأس ماله، ولما ذكر ابن حارث قول محمد قال: وقال ابن ميسر: لا بأس بأكل ما تجر فيه النصراني؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ساقى يهود خيبر وكانوا ينفقون من أموالهم.

قُلتُ: لا يوجب هذا مخالفته قول محمد كما زعمه؛ لأن مال القراض على ملك المسلم.

التونسي: إن لم يتحقق أنه اشترى به خمرًا أو خنزيرًا تصدق بالربح احتياطًا، ولو

ص: 7

تحقق أنه اشترى به خمرًا أو خنزيرًا، لا نبغى أن يتصدق بكل المال، انظر هل يضمنه؛ لأنه دخل على أحكام المسلمين، وأن لا يتجر إلا فيما يجوز لهم ملكه فهو متعد على إحدى الروايتين في منعه امرأته النصرانية من شرب الخمر وإتيان الكنيسة في غير الفرض؛ لأنها دخلت على هذا القول على حكمه.

وفيها: لا يمنعها من ذلك؛ لأنه من دينهم فيكون أباح له التجر فيما يجوز له التجر فيه في دينهم.

وفي نوازل سحنون قيل له: إن دفع نصراني الآخر قراضًا فاشترى العامل بالمال خمرًا فأسلم رب المال والخمر قائمة بيد العامل وفيها ربح أو لا فقال العامل: خذ خمرك، وقال رب المال: إنما آخذ ما قارضتك به وهو مال لا خمر، أو قال: ادفع لي الخمر أكسرها إذ لا يحل لي ملكها فقال الآخر: لا أدفع لك؛ لأنه يذهب ربحي، أو قال: انتظر بها الأسواق، قال: هي مصيبة نزلت برب المال فيعطى النصراني قدر فضله فيها منها ويهراق ما صار للمسلم.

ابن رشد: قول سحنون في نوازله الثانية من كتاب المديان والتفليس في مركب الروم يرسى بساحل المسلمين ومعهم الخمر للبيع وغير ذلك لا يجبرهم السلطان على بيعها للعشر ويوكل من يتحفظ بها حتى إذا بيعت أخذ من ثمنها العشر معارض لقوله في هذه المسألة.

قُلتُ: قرر المعارضة في كتاب المديان بقوله: إذا قال هذا في مال القراض مع حجة صاحبه بأن يقول: إنما قارضته بمال لا بخمر فانتظر حتى ينض المال بأخذ رأس مالي وحظي من الربح، فأحرى أن يقوله في مال الحربي القادم للتجر بأمان فإنما يصح قول سحنون في هذه المسألة على قول ابن وهب في سماع أصبغ في التجارة بأرض الحرب، وما لأشهب في الموازية من أن الحربي إذا قدم لتجارة لا يؤخذ منه ما صولحوا عليه من عشر أو غيره حتى يبيعوه كأهل الذمة.

وفيها: أيقارض عبده؟ قال مالك: جائز.

قُلتُ: أيقارض أجيره للخدمة؟ قال: هو كالعبد، ونقلها أبو سعيد بلفظ لا بأس

ص: 8

أن يقارض عبده أو أجيره للخدمة إن كان مثل العبد، قال سحنون: ليس الأجير كالعبد وهو في الأجير فسخ دين في دين.

عياض: قوله: جائز أن يقارض عبده وأجيره، وقول غيره: ليس الأجير مثل العبد ثبت في الأصول، ولابن المرابط عن ابن وضاح: ولم يكن في كتاب ابن عتاب وكتب عليه.

قال سحنون: ليس هو مثل العبد يكره أن يقارض أجيره.

فضل: يريد لأن الخدمة غير التجارة فهو فسخ دين في دين.

ابن أبي زمنين: لأنه إذا اشتغل الأجير بالقراض خفف عنه من عمل التجارة، فالتخفيف زيادة اشترطها على رب المال.

قال غيرهما: معنى قول ابن القاسم أن الأجير باق على خدمته لم ينحرف عنها ويتجر في خلافها، وقال يحيى بن عمر: إن كان أجيرًا في التجر جازت له مقارضته وإن كان للخدمة لم يجز كاستئجاره أن يدفع له القراض، وقال غيره: معنى قول ابن القاسم في أجير ملك جميع خدمته فصار كعبده، ويكون ما استأجره فيه يشبه عمل القراض وهو نحو قول يحيى.

قُلتُ: ففي مقارضته أجيره مطلقًا ومنعه، ثالثها: يكره، ورابعها بشرط بقائه على عمله وتجره في غير وقته، وخامسها: إن كان أجيرًا تجر وإلا لم يجز لابن القاسم في فهم سحنون عنه، ونقل عياض عن الغير فيها مع أبي سعيد عن سحنون وابن عتاب عنه وعياض عن بعضهم وعن يحيى بن عمر، والصواب إن كان على أن يفسخا عقد الإجارة ففاسد؛ لأن العامل ترك أجرًا معلومًا إن كان مناب باقي عمله بينًا أو مجهولًا إن افتقر لتقويم إلى عوض مجهول وهو حظه من ربح إن كان مع كون ربه فسخ عملًا في مخالفه، وإن كان مع بقاء الإجارة جاز كأخذه قراضًا ثانيًا من آخر، وتقدير غير هذين العوضين يفهم فساده من دليل فساد الأول.

وفيها: أكره أخذ المسلم قراضًا من ذمي للمذلة وليس بحرام، وتعدد العامل مع اتحاد العمل وجزء الربح لكل عامل الروايات بجوازه واضحة.

ص: 9

اللخمي: إعطاء مالين لرجلين في عقدين جائز ولو كان على الثلث لأحدهما والسدس للآخر لا بشرطه خلطهما، ولو خلطاه ولكل واحد منهما حظه، وإن كان بشرط رب المال والعمل بينهما بالسواء ففيها لا يجوز؛ لأن العاملين لو اشتركا على هذا لم يجز؛ لأن أحدهما يأخذ بعض ربح الآخر بغير شيء.

قُلتُ: لرب المال دفعه على النصف وأقل وأكثر فلم لا يجوز هذا بين العاملين وكأن رب المال جعل لأحدهما السدس وللآخر السدس وزاد أحدهما السدس؟ قال: ليس كذلك، ولكن كأن رب المال قال للعامل الذي عمل بالثلث: أعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمله اللخمي: القياس جوازه ومعارضته سحنون صحيحة؛ لأن لرب المال مكارمة أحدهما ومكايسة الآخر.

قُلتُ: لا يلزم من جواز ذلك في انف رادهما جوازه مع شرط اجتماعهما لاحتمال أن ذا الجزء الأقل إنما رضيه لشرط عمل الآخر معه؛ لأنه اتجر معه.

عياض: قال فضل: ظاهرها أنه لو كان عملهما على قدر أجزائهما من الربح جاز، ونحوه لحمديس، وفي سماع لأصبغ: لا خير فيه، فإن عملا مضى.

قُلتُ: ظاهره أن قوله: إن عملا مضى؛ من المسموع، ولفظ السماع: لا خير فيه، قال أصبغ: إن وقع فسخ ما لم يقع العمل، فإن فات كان على شرطهما في الإجزاء وللعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجر مثله.

ابن رشد: كراهية ابن القاسم ذلك ضعيفة على أصله، في المدونة إذ لم يراع فيها اختلاف العاملين في التبصر بالتجر لقوله فيها؛ لأنه كأنه قال لأحدهما: اعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمله فالآتي على تعليلها جواز ما في السماع؛ لأن الشركة بين العاملين على هذا جائز لو دفع إليهما المال على النصف من غير شرط فاشتركا على العمل فيه على الثلث والثلثين والعمل بينهما كذلك لجاز، وإنما تصح الكراهة في ذلك على مراعاة اختلاف العاملين في البصر، وعليه يأتي اعتراض سحنون على ابن القاسم فيها وهو اعتراض بين؛ لأنه لو قارض كلا منهما بمائة على ذلك الجزء بانفراده فاشتركا في العمل بإذن رب المال دون شرط لوجب أن لا يكون لكل واحد منهما من الربح إلا

ص: 10

ما شرط لرب المال نصف إلخ المائتين ولمن قورض في المائة على الثلثين الثلث ولمن قورض في الأخرى على الثلث السدس، ووجه الكراهة على هذا أن العامل الأبصر لم يرض أن يكون له من الربح بقدر عمله إلا بما شرط عليه رب المال كأنه قال للمقصر: اعمل مع هذا على أن يكون لك من الربح ما له، وهذا القول أظهر؛ لأنه لو دفع إليهما المال قراضًا على غير شرط عملهما معا ثم اختلفا في قسم الربح لوجب قسمه على قدر ما كان يقارض به كلا منهما بحسب تبصره في التجر وقصوره.

قُلتُ: حمله قول ابن القاسم على الكراهة كعياض، فأما إن قارضهما معًا على أن حظيهما من الربح بينهما بالسواء سواء والعمل كذلك أو على أن يكون لأحدهما من الربح الثلث وللآخر السدس والعمل عليهما بقدر ذلك جاز على أصل قول ابن القاسم فيها، وكرهه في هذه الرواية إن فات بربح أو وضيعة مضى على شرطهما، وإن قارضهما على أن لأحدهما الثلث وللآخر السدس والعمل بينهما نصفين جاز على ما يدل عليه مذهب سحنون في اعتراضه على قول ابن القاسم، وهو أظهر، ولم يجز على قول ابن القاسم، قال فضل: القياس على مذهبهما ردهما لقراض المثل؛ لأنها زيادة داخلة في القراض، وقياس مذهبه ألا يرد لإجارة المثل؛ لأنه قال فيها: كأنه قال لأحدهما: اعمل مع هذا على أن لك ربح بعض عمل هذا بما اشترط رب المال من المنفعة لأحدهما، فكأنه شرطها لنفسه قرضه في جر النفع إليه، يبين ذلك قوله بعد هذا، وفي المدونة: إذا شرط على العامل أن يجعل معه من يبصره التجر، وقوله: إن كان كذلك يريد إن كان الشرط، وقوله: وللعامل فضل زيادة العمل الذي اشترط عليه بأجر مثله خلاف قوله فيها؛ لأنه لم يراع الشرط ولا أفسد به القراض إذ جعل الربح بينهما على شرطهما وأرجع من عمل بأكثر من جزئه من الربح بأجر مثله في الزائد وقصر الكلام فيه بين العاملين كالمتزارعين على الثلث والثلثين يستويان في العمل ويسلمان من كراء الأرض بما يخرج منها على مذهب ابن حبيب أنهما لا يحولان عن شرطهما.

وذكر التونسي سماع أصبغ عن الموازية وقال: ينبغي أن يكون هذا القراض فاسدًا؛ لأن ظاهر السؤال أن رب المال عاملهما على الفساد فيجب أن يكونا أجيرين

ص: 11

على قول ابن القاسم، وسلم له النصف في جوابه ولم يقسم الربح بين العاملين على قدر عملهم نصفين وجعل ما شرط لهما رب المال من أجزاء الربح، كأنه مال أخرجاه يقسم الربح وأرجع صاحب السدس بأجر مثله على صاحب الثلث وكان يجب أن يقسم الربح بينهما نصفين؛ لأنهما ليس لهما رأس مال إلا عملهما.

قُلتُ: ففي منع قراض عاملين بجزأين مختلفين على عملهما بالسواء قولها وقول اللخمي مع ابن رشد، وأخذه من اعتراض سحنون قول ابن القاسم، وعلى الأول إن نزل ففي كونهما على قراض المثل أو الإجارة ثالثها: يقسمانه على شرطهما ويتبع الأقل حظا الآخر بفضل عمله لابن رشد عن فضل واختياره مع التونسي وقول أصبغ، ونقل ابن عبد السلام: يتبع الأقل حظصا بفضل عمله رب المال لا أعرفه، والقياس يبعده؛ لأنه إن صح بينه وبين ربه فلا اتباع وإلا فقراض المثل أو أجرته، وسمع عيسى ابن القاسم: إن قسم العاملان ما أخذاه معًا فتلف ما بيد أحدهما وأدى الآخر لزمه ما تلف من صاحبه.

ابن رشد: هو قول ابن الماجشون في الوصيين يضمن كل منهما ما بيده لرضاه برفع يد صاحبه وما بيده بتسليمه له، وكذلك المودعان والمستبضعان، ووجهه أنه حمل الأمر على أن رب المال أراد كونه بيد أحدهما برضى الآخر لامتناع كون جميعه عند كل منهما، فإن قسماه ضمناه، وإن سلماه إلى أحدهما لم يضمناه، وفي نوازل سحنون: لا يضمنانه في قراض أو وديعة، وكذا البضاعة إذ لا فرق بينها وبينهما، وقاله أشه 9 ب وابن عبد الحكم في الوصيين، ووجهه أنه لما رضي كونه عند كل منهما برضى الآخر فقد رضي كون نصفه كذلك، وقول ابن القاسم أظهر؛ لأنهما إذا قسماه بتشاحهما اتهما على أنهما أنما فعلاه؛ لأنفسهما لا نظرًا لربه.

قُلتُ: نص ما في نوازل سحنون: لا يجوز للعاملين ولا للمودعين قسم المال، فإن فعلا لم يضمنا.

ابن رشد: فإن تشاحا فطلب كل منهما كون المال بيده أو بيد صاحبه ففي سماع

ص: 12

أصبغ ابن القاسم: إن اختلفا عند من يكون منهما اتبع في ذلك قول ربه إذا حضر الاشتراء أحضراه، فإن اختلفا فيه أو في البيع فلا بد أن يجتمعا ويتسالما وإلا رد المال لربه لا نظر للسلطان فيه، وهذا ما لم يقبض المال، فإن قبض فهو لمن دفعه ربه عمقارضتهما إن دفعه إليهما فجميعًا، وإن كان لأحدهما فلأحدهما لا مقال للآخر معه.

ابن رشد: دفعه لهما معًا مثل وضعه لهما معًا وليسا في منزل أحدهما ويقول: هذا وديعة عندكما أو قراض بأيديكما أو بضاعة عندكما ويذهب عنهما فيختلفان، وليس في قوله: إن دفع إليهما جميعًا فجميعًا؛ بيان، فيحتمل أن يريد أن لا مزية لأحدهما فيجعله الإمام عند من يراه منهما، ويحتمل أن يريد وهو الأظهر أن الإمام يقسمه بينهما على رواية علي في الوصيين يتشاحان، وليس قول ابن القاسم هذا على هذا التأويل ولا رواية علي بمخالفة لما اتفقت عليه الروايات من منع قسمهما المال، فالحاصل منعه اتفاقًا، فإن قسماه ففي ضمانهما اختلاف، وإن تشاحوا عند من يكون منهما وربه غائب أو ميت ولم يدفعه لأحدهما ولا قبضه واحد منهما بعد أو قبضه دون إذن صاحبه أو دفعه إليهما معًا ولم يبن به واحد منهما أو بان به دون صاحبه أو دفعه إليهما معا فقيل: يقسم بينهما وهي رواية علي وظاهر سماع أصبغ على الأظهر من التأويل، وقيل: يرفع للأعدل منهما وهي رواية الوديعة من المدونة في الوصيين، ويحتمل إلا يكون اختلافًا بأن الإمام يقسمه بينهما على رواية علي إن كان ذلك عنده نظرًا ويجعله عند أعدلهما على ما في المدونة إن كان هو وجه النظر، وذهب من أدركناه من الشيوخ إلى أن لهما أن يقسماه ابتداءً على رواية علي، وذلك لا يصح؛ لأن الإمام يفعل من ذلك ما يراه نظرًا ولا تهمة عليه فيه، وهما في اقتسامهما يتهمان وإن حضر ربه اتبع قوله فيمن يكون عنده منهما، وإن دفعه لأحدهما فهو أحق، وكذا إن كان قبضه أحدهما دون صاحبه فهو أحق، ويشبه في المدونة المودعين والمستبضعين والوصيين في جعل المال عند أعدلهما، وهو صحيح على ما بيناه أن المودعين إن اختلفا فيمن يكون المال عنده منهما وصاحبه غائب ولم يدفعه إلى أحدهما أنهما كالوصيين في جعله عند أحدهما أو يقسم بينهما على رواية علي، وقال

ص: 13

سحنون: ليس المودعان كالوصيين؛ لأن المال لا ينزع من المودع ويجعل عند الأعدل كما ينزع من الوصي ويجعل عند الأعدل، ولا يصح قوله؛ لأن المال إذا صار عند أحد المودعين بغير إذن رب المال، ولا إذن شريكه فدعا شريكه إلى أن يكون عنده المال وصاحبه غائب وجب نظر الإمام في ذلك، فإن كان شريكه أعدل منه وضع عنده كالوصيين.

وفيها: مع غيرها نفقة العامل في سفره ذاهبًا وراجعًا ولو قرب في مال القراض غير اليسير.

الباجي: وروى محمد في الأربعين دينارًا النفقة ولو قرب السفر، ابن زرقون: في الموازية أيضًا نفي التحديد، ولمالك في مختصر ما ليس في المختصر: السبعون يسير لا ينفق منها.

اللخمي: وعن مالك: ينفق منها إن كانت خمسين.

ابن رشد: في وجوبها في اليسير إن قرب السفر سماع عيسى ابن القاسم، وظاهر الواضحة ولم يحد في السماع ولا في الواضحة قدر اليسير ولا قريب السفر، وقليل المال يختلف بعضه أقل من بعض، وكذا قريب السفر إنما فيه الاجتهاد كما في الرواية، وروى أشهب لمن شخص بخمسين دينارًا النفقة، وما أقل ما تحمل هذه من النفقة إلى أن شخص إلى مكان قريب.

قُلتُ: ففي نفي تحديد أقل ما ينفق منه روايتان، وعلى الثانية في كونه أربعين أو خمسين أو ما زاد على السبعين ثلاث روايات: محمد واللخمي وابن شعبان.

وفيها: للعامل القريب بالفسطاط يقيم به نفقة، قال: لم أسمعه من مالك، وأرى إن احتبس العمل به أن ينفق، ونفقته طعامه وما يصلحه بالمعروف بقدر المال، وسمع القرينان: أيشرب الدواء ويدخل الحمام من مال القراض؟

قال: ما كانت هذه الأشياء يوم كان القراض إن قلم ظفره أو أخذ من شعره كان من القراض، أما الحجامة والحمام فخفيف.

ابن رشد: قوله: ما كانت هذه الأشياء يوم كان القراض؛ يريد: ما كان يؤخذ

ص: 14

عليها في الزمن الأول أعواض، والواجب الرجوع في كل ذلك للعرف في كل زمان وبلد ما العادة إلا يؤخذ عليه عوض لم يعط عليه من القراض، وما العادة أخذ العوض عليه وقدره يسير يتكرر جاز أن يعطى منه لدخول رب المال عليه لتكرره بخلاف الدواء.

وفيها أيستأجر أجيرًا بيخدمه في سفره من مال القراض؟

قال: نعم، إن كان ينبغي له أن يستأجر والمال يحمل ذلك.

أبو عمر: قال الشافعي: لا ينفق في حضر ولبا سفر إلا بإذن رب المال، ولأصحاب ثلاثة أقوال: هذا وقول مالك، والثالث: ينفق في السفر بقدر ما بين نفقة الحضر والسفر.

أبو عمر: والقياس الأول؛ لأنه لا يجوز القراض على جزء مجهول وإطلاق النفقة له يصير الحصة مجهولة، وربما اغترقت النفقة كثير المال ولم يكن ربح.

ابن عبد السلام: لا يبعد القول الثالث على أصول المذهب، وقد قيل في الوصي يخرج المحجور في سفر الحج دون ضرورة إن زيادة نفقة السفر على الحضر على الوصي.

قُلتُ: لا يخفى ضعف هذا التخريج؛ لأن السفر بالمحجور المذكور عداء، وسفر العامل جائز، ومماثلة المحجور الذي سفر وصية به جائز، وجملة نفقة هذا على المحجور، ولا حاجة لهذا التخريج لقول اللخمي: قال القاضي: من سافر لأجل المال له النفقة والكسوة التي لولا الخروج بالمال لم يحتج إليها في الحضر، ومحمل هذا فيمن كانت مئونته في المقام من غلات أو متاجر يرجو حوالة سوقها، وأما المدير أو ذو صحة عطلها للسفر فله جميع النفقة والكسوة كقول مالك.

قُلتُ: ففي وجوب نفقته في سفره وإقامته بغير وطنه لتجر القراض ثالثها: القدر الزائد على نفقة إقامته، ورابعها: هذا إن كان في تجر احتكار، والأول إن كان في تجر إدارة للمشهور وأبي عمر والقاضي وتأويلب اللخمي.

قوله: ونقل الصقلي عن القاضي رد قول الشافعي: لا تفقة له بالإجماع على ثبوتها قبله، ولا أعرفه في كتب الإجماع، إنما قال ابن القطان في إجماعه: أجمعوا على أن له نفقته

ص: 15

بالمعروف إذا سافر إلا الشافعي في أحد قوليه.

وفيها لابن القاسم: إنما يأكل من المال إذا شخص من بلده لا حين يشتري ويتجهز، ابن القطان: عن نوادر الإجماع: أجمعوا أنه لا يأكل من مال القراض إن لم يسافر به إلا الليث.

قال: له أن يتغذى منه إذا اشتغل به عن الانقلاب إلى أهله، ومثله قوله أبي عمر: أجمع الجمهور أنه لا ينفق في الحضر وهو يتعب في الشراء والبيع.

قُلتُ: وفي المدونة: قول الليث معزوله، وذكره ابن فتوح كأنه المذهب غير معزو لليث فقال: من تجهز في الحضر فليس له أن يأكل من مال القراض إلا أن يتغذى بالأفلس أو نحوها، وأسقط قوله: إذا اشتغل به عن الانقلاب إلى أهله، وفي النوادر إثر ذكر محمد قول الليث ما نصه: وأباه مالك.

التونسي: لا فرق بين اشتغاله في سفره وإقامته بالمال، ولعل الفرق بينهما إن أمره كذا جرى فيما مضى.

اللخمي: محمل قول مالك بسقوطها ف 6 ي الإقامة على أن عمل القراض لم يعطله عما كانت تقوم نفقته منه، ولو كانت له صنعة أو تجارة منها نفقته فعطلت لأجل عمل القراض كانت له نفقته كسفره، ومن عقد نكاحًا وهو بغير بلده ثم أخذ قراضًا فإن علم أن نيته البناء في غير البلد أو يبني ثم يخرج بها فأقام لأجل المال فله النفقة كالمسافر، وإن كانت نيته البناء بعد أن يخرج لأمر ثم يقيم إذا أتى لم تكن له نفقة، ومن تزوج بعد أخذه القراض وتزويجه لأجل مقامه للقراض لولاه لم يقم ولم يتزوج لم تسقط نفقته وإن كان ذلك؛ لأنه نوى المقام، وإن أخذ المال منه سقطت نفقته.

قُلتُ: الأظهر أن مطلق ابتنائه يرفع حكم سفره إن نازعه رب المال، وهو ظاهر لفظ التونسي إن تزوج في بلد لم تسقط نفقته حتى يدخل فحينئذ تصير بلده، وفي لفظ المدونة احتمال.

وفيها: أرأيت من ظعن للمدينة بقراض ليتجر به فيتزوج وأوطن بها بها أتكون نفقته على نفسه حين أوطنها؟ قال: نعم.

ص: 16

قُلتُ: فظاهر قوله: أوطن بها، بعد قوله: تزوج بها؛ أن مطلق تزويجه ليس استيطانًا.

وفيها: لا نفقة له في رجوعه من غير بلده إليه محتجًا بها على سقوطها في خروجه من بلد له بها أهل إلى أخرى كذلك.

التونسي: للبرقي: عن أشهب: له النفقة في ذهابه ورجوعه دون مقامه في أهله.

اللخمي: محمله أن له عادة في خروجه لأهله، ثم خرج الآن قبل ذلك الوقت للمال فقط، وقول اللخمي: إن خرج لغير سبب المال كانت له في الرجوع دون الخروج خلاف متقدم نصها.

وفيها: من تجهز لسفر بقراض لرجل واكترى وتزود ثم أخذ قراضًا مكن آخر فله أن يفض النفقة على المالين كما لو أخذه قبل تجهزه أو كان المال له، وخرج اللخمي أخذه بعد تجهزه لقراض رجل على أحد قوليه إن خرج لحاجة أن النفقة تفض.

قال: وعلى قوله: لا شيء على الثاني إن خرج إلى أهله أو إلأى حج أو غزو ولا يكون على القراض الثاني شيء، ولعياض فيها كلام لا زيادة فيه، وروي اللخمي: إن حمل المالان باجتماعهما النفقة ولا يحملانها بانفرادهما فله النفقة، والقياس سقوطها لحجة كل منهما بأنه إنما دفع ما لا تجب فيه نفقة وليس أخذه غيره معه بالذي يوجب عليه ما لم يكن واجبًا عليه وبقوله: لو علمت ذلك لم أعطه لك أو كأن أو أوافقك بجزء أقل من الأول، وكذا لو كان الأقل أحدهما لم أر فيه شيئًا أخذهما مجتمعين أو متفرقين.

قُلتُ: لا أعرف هذه الرواية لغيره ولم أجدها في النوادر وهي خلاف أصل المذهب فيمن جنى على رجلين ما لا تبلغ جنايته على كل منهما ثلث الدية وفي مجموعهما ما يبلغه أن ذلك في ماله لا على العاقلة، قال: وكون النفقة على قدر المالين هو قولها، ويتخرج كونها بالشراء على كونها بالسوية على الأولاد المختلفي اليسر، وأرى أن يكون كلفة الطريق من كراء الركوب ونفقته وكسوته بالسواء، وكذا نفقته بعد وصوله حين اشتغاله بالمالين، فإن انقضى شغله بأقلهما دون الآخر كان الزائد عليه وحده إلا أن يكون سفره ورجوعه في رفقة ولا يقدر على الرجوع عند انفضاء أقلهما فلا يزاد على

ص: 17

الآخر، ورد ابن عبد السلام تخريجه على نفقة الأولاد بأن موجبها البنوة واليسر شرط والبنوة لا تختلف.

قُلتُ: يتخرج من كون الشفعة على الرؤوس ولا سبب إلا المال.

وفيها: قيل لمالك: عندنا تجار يأخذون المال قراضًا يشترون به متاعًا يشهدون به الموسم ولولا ذلك ما خرجوا ألهم نفقة؟

قال: لا نفقة لحاج ولا لغاز في مال القراض في ذهاب ولا رجوع.

اللخمي: لم يصدقهم أن خروجهم للمال، ورأى أن الغالب كون السفر للحج وغيره من باب الظن، ولو قام دليل صحة ذلك كالفقيلا العاجز عن السفر أو غير ذلك من الأدلة لكانت النفقة على قدر نفقته وقدر مال القراض.

الباجي: جمهور أصحابنا: لا نفقة في سفر الحج والعزو، وقال محمد: له النفقة ذاهبًا وراجعًا.

قُلتُ: فاختيار اللخمي ثالث.

الصقلي: فيها لمالك: إن خرج لحاجة لنفسه فأعطاه رجل قراضًا فله أن يفض النفقة على مبلغ قيمة نفقته ومبلغ القراض.

قال محمد: هذا استحسان ونحن نقف عنه، وأخبرنا ابن عبد الحكم أن لا نفقة له وهو أحب إلينا.

اللخمي: من أخذ قراضًا وكان خارجًا لحاجته فمعروف المذهب: لا شيء له كمن خرج إلى أهله، وقال أيضًا: ينظر قدر نفقته في سفره، كأنه رأس مال وتفض النفقة على قدره من قدر القراض ويلزم مثله فيمن خرج لحج أو غزو.

قُلتُ: جعل معروف المذهب خلاف نصها، ومثله سمع ابن القاسم.

ابن رشد: ومعناها أنه خرج لحاجة نفسه لا لتجر بماله، ومثله فيها: فض النفقة على نفقة مثله ومال القراض، وفي الموازية: يجعل قضاء حاجته رأس مال تفض النفقة عليه وعلى القراض، ولسحنون مثل قول ابن عبد الحكم.

قال التونسي: لعل ابن القاسم أراد أنه خرج لإصلاح ضيعته، ولو خرج الزيادة أو

ص: 18

لغير إصلاح ماله لم يكن على مال القراض شيء.

وفيها: له أن يكتسي منه في بعيد السفر إن حمل المال ذلك لا في قريبه إلا أن يقيم بموضع يحتاج فيه إلى الكسوة.

الصقلي: عن محمد: ليس في كثرة المال حد، والأربعون عندي كثير.

الباجي: روى محمد: له في الأربعين قراضًا أو بضاعةً النفقة والكسوة في بعيد السفر وسمع عيسى ابن القاسم: إن كثر المال وقرب السفر كدمياط فله الطعام لا الكسوة إلا أن يريد المقام للشراء الشهرين والثلاثة، وفي الموازية: إن سلب فله أن يكتسي من مال القراض، وفي كون البضاعة كالقراض في النفقة والكسوة وسقوطهما فيها ثالثها: الكراهة لسماع ابن القاسم مع رواية محمد وابن رشد عن سماع القرينين ورواية أشهب، وصوب هو واللخمي والصقلي الثاني قائلا: إن كان خروجه لها فله أجرة ونفقة، وإن خرج لتجر نفسه فبعث معه بضاعة أو مالا لشراء سلعة فعرفنا أن لا شيء له فيجب الحمل عليه.

اللخمي: العادة اليوم لا نفقة ولا كسوة منها، إما أن يعمل مكارمةً فلا نفقة له أو بإجارة معلومة لا شيء له غيرها.

وفيها: إن قال: أنفقت في سفري من مالي مائة درهم لأرجع بها في مال القراض؛ صدق ولو خسر ورجع بها في المال إن أشبه نفقة مثله، ولو ادعى ذلك بعد المقاسمة لم يصدق، وفي سماع ابن القاسم: يحلف ويقبل قوله.

الصقلي: الأول أشبه كمدعي الغلط بعد الدفع.

ابن رشد: لأن دفع ماله إليه كالإقرار ألا حظ له فيه.

وفيها: له أن يرد ما بقي بعد النفقة لصاحبه.

قُلتُ: الصواب عليه لا له، وسمع ابن القاسم: ما يفضل عند المقارض إذا قدم من سفره كالجبة لا يؤخذ منه.

ابن رشد: كقول سحنون في نوازله: لا تؤخذ منه الثياب التي اشترى لسفره إلا أن يكون لها قدر وبال، وقال: ومثله لمالك في الموطأ، وهو استحسان لا قياس ليسارة

ص: 19

ذلك مع العرف الجاري على قوله في القذف منها في كسوة السنة للمرأة، ثم يموت أحد الزوجين قبل السنة استحسن ألا تتبع المرأة بشيء من ذلك لباقي السنة بخلاف النفقة.

قُلتُ: وقول جهادها مات فضل معه بعد أن رجع إلى بلده من طعام أخذه من الغنيمة بغير إذن الإمام يأكل القليل ويتصدق بالكثير ليس بخلاف قولها في نفقة العامل؛ لأن طالبها معين وفي الجهاد مبهم، وفي الموطأ: إن بقي بيد العامل من المتاع الذي يعمل فيه خلق القربة والثوب وشبه ذلك.

قال مالك: كل شيء من ذلك تافه لا خطب له للعامل، لم أسمع أحدًا أفتى برد ذلك إنما يرد ما له ثمن كالدابة والجمل والشاذكونة وشبهه.

أبو عمر: عن سحنون إنما يترك له مثل الحبل والقربة.

الباجي: عن محمد: وكالغرارة والإداوة.

الباجي: ومثل هذه المطلقة والحامل المطلقة تضع وعليها بقية كسوة.

الباجي: روى محمد: شرط إسقاطها بما تجب فيه لا يجوز.

ابن القاسم: إن وقع فهو أجير، وسمع ابن القاسم: من خرج بماله وقراض فقال لربه: أنفق من مالي لا من مالك لا يعجبني كقوله ذلك عند دفعه، وليعمل والنفقة عليهما، وفيه تفسير عيسى، وهو إن كان قبل تجهزه وشرائه فلا خير فيه، وإن كان بعد ذلك فلا بأس به.

ابن رشد: تفسيره صحيح، فإن قاله عند دفعه المال أو عند خروجه والمال بحاله كره له ولم يفسخ إلا أن يكون كالشرط، وإن قاله بعد شرائه وتجهزه جاز ولزم على القول بلزوم العدة.

قُلتُ: ظاهر قول عيسى: لا خير فيه فسخه وإسقاطها حيث يجوز كعطية من العامل وتقدم حكمها، وفساده بفوت شرط صحته أو قيام مانعها تقدم من ذلك جملة.

وفيها: إن أخذه على أن لربه درهمًا من الربح وما بقي بينهما فسد وللعامل أجر مثله، ابن حبيب: ما خف من الزيادة يكره بدءًا، فإن نزل مضى على شرطهما.

الصقلي: ظاهره سواء شرطها أحدهما لنفسه فقط أو للمال وهو غير معتدل عند

ص: 20

مالك؛ لأنه لا يجيز زيادة أحدهما شرط درهم على جزء، فهو خلاف قول مالك، وفي المقدمات: يجب فسخ فاسده ويرد المال لربه، واختلف إن فات بالعمل فيما يجب للعامل، ثم قال: بفسخ فاسده قبل العمل وبعده لقراض مثله أو أجرته بخلاف المساقاة ما يرد منها لمساقاة المثل لا يفسخ، قاله ابن حبيب، ومثله في الموازية، وفسخ ما يرد لإجارة مثله بعد العمل يرد السلع لرب المال وللعامل أجر شرائها وفسخ ما يرد لقراض مثله لا يكون برد العروض لرب المال، وحكى عبد الحق عن بعض شيوخ ضقلية أنه لا يفسخ بعد العمل كالمساقاة؛ يريد: أنه إذا عثر عليه وهو في سلع أنها لا ترد، ولا يجبر على بيعها إلا على ما يرجو من أسواقها التي ابتاعها عليها لا أنه يتمادى على العمل بعد نض المال، فليس قوله على هذا بخلاف لما في الواضحة والموازية، والمساقاة التي ترد إلى مساقاة المثل إن عثر عليها بعد العمل لا تفسخ إلا بانقضاء مدتها ولو كانت أعوامًا، وإنما فارقت القراض؛ لأن لها أجلًا زمانيًا والقراض لا أجل له زماني بعد نضوضه فهو مستويان في وقف فسخهما على انتهاء أمدهما.

قُلتُ: نحوه للباجي، وزاد فيه: ما يرد إلى مثله إن ابتاع بيسير المال الذي لا خطر له فهو كمن لم يشتر شيئًا، وإن اشترى باليسير وبقي الكثير فهو على قراض مثله فيما عمل ويترك الباقي.

وفيها: إن أخذ قراضًا على أن يسلفه رب المال سلفًا كان أجيرًا، وكل الربح لرب المال؛ لأن السلف زيادة للعامل، وما لم يشترط فيه زيادة لأحدهما من فاسده ففيه إن نزل قراض مثله كالقراض على ضمانٍ أو لأجلٍ فلا ضمان فيه، وفيه قراض مثله، وإن شرط على العامل إخراج مال مثل مال القراض فعمل به مع مال القراض، وله ثلاثة أرباع الربح لم يجز؛ لأنه نفع اشترطه رب المال.

ابن رشد: في رد كل فاسده لقراض مثله، أو أجر مثله ثالثها: ما لم يكن أكثر من الجزء المسمى إن كان ذو اشترط ربه، وما لم يكن أقل منه إن كان العامل ورابعها: في كل منفعة اشترطها أحدهما داخلة في المال غير خالصة لمشترطها وأجر مثله في كل منفعة اشترطها أحدهما خارجة عن المال خاصة لمشترطها لأشهب مع ابن الماجشون

ص: 21

وروايته وعبد العزيز بن أبي سلمة، وللآتي على رواية محمد في القراض بالضمان أن له الأقل منهما، وابن حبيب مع أصبغ، وابن عبد الحكم، وابن نافع ومطرف وابن القاسم وروايته، وكان يمضي لنا عند الشيخ أبي جعفر ابن رزق أن الآتي على قول ابن القاسم فيها رده لإجارة مثله إلا في سلع قراض العرض والضمان وإلى أجل والمبهم أو على شرك، وحلفهما لعدم شبه قول أحدهما في اختلافهما ودفعه على أن لا يشتري إلا بالدين فاشترى بالنقد أو على أن لا يشتري إلا سلعة كذا وهي غير موجودة فاشترى غيرها فهذا خامس، والصحيح حملها على التفصيل الذي حكاه ابن حبيب عن ابن القاسم وروايته واختاره، وهذا التفصيل استحسان على غير قياس، ومقتضى النظر رده لقراض مثله أو إجارته دون تفصيل، وما قاله ابن زرقون لا حظ له في قياس ولا استحسان.

قُلتُ: قوله: تفصيل ابن القاسم استحسان غير قياس؛ قاله القاضي قبله، وحكاه الصقلي.

عياض: مذهبها رده لأجر مثله إلا في تسع فأسقط مسألة اختلافهما وزاد مسألتي القراض بدين يقتضيه والقراض على أن يشتري عبد فلان، وعد مسألة المبهم وعلى شرك مسألتين.

قال: ومسألة اختلافهما ليست من فاسده، وذكر الأربعة الأقوال غير قول ابن رزق، وقال: والخامس قول ابن نافع في كونه إلى أجل أنهما يمضيان على قراضهما ويسقط شرط الأجل وهو جار على بيع وشرط واستبعد، والسادس له في شرح ابن مزين لمشترط الزيادة طرحها ويمضيان في قراضهما، فإن أبى بطلت ورد لإجارة مثله.

ابن شاس: في رد فائت فاسده لقراض المثل أو إجارة المثل، ثالث الروايات منه ما يرد للأول ومنه ما يرد للثاني، وتبعه ابن الحاجب في عزو الثاني لمالك وهما تابعان.

الباجي والصقلي في عزوه لرواية القاضي: وإنما عزاه الأكثر لابن حبيب وابن رشد لعبد العزيز حسب ما تقدم.

ابن رشد: ما رد لإجارة المثل المشهور تعلقها بذمة رب المال، وقال ابن حبيب: بربح المال إن لم يكن لا أجرة له بعيد وعلى الأول في كونه أحق بالربح من الغرماء أو لا

ص: 22

قولان لها عند بعضهم متأولًا قولها على أنه دفع المال، وخرج من يده، وللموازية مع ظاهرها على قولي أشهب وابن القاسم في عدم افتقار الرهن إلى التصريح به وافتقاره إليه، وقراض المثل إنما يتعلق بالربح، هذا معروف المذهب، وللقاضي عن ابن القصار: يحتمل على قول مالك أن يكون له ما يساوي قراض مثله وإن كان في المال وضيعة، قال القاضي: فالفرق بينهما على هذا أن إجارة المثل متعلقة بالإطلاق وقراض المثل متعلق بالشرط الذي شرطاه، وتفسيره أن يقال في الإجارة: لو استأجر رب المال من عمل له هذا العمل كم تكون أجرته فيكون ذلك للعامل، ويكون في القراض: إن كان العامل رضي بجزء كذا على هذا الشرط الفاسد كم ينبغي أن يكون له فما قيل هو قراض المثل؟ فقراض المثل على تأويل أبي الحسن راجع إلى إجارة المثل إنما يختلف ذلك على تأويله في صفة التقويم وهو بعيد.

قُلتُ: الفرق بينهما على قول غير ابن القصار واضح؛ لأن الإجارة العوض فيها محقق للعامل ويفرض له بقدر عمله لأجل معلوم وهو ما آل الأمر إليه، والقراض العوض فيه يحتمل الثبوت لتعلقه بالربح المحتمل الثبوت والنفي فلذلك يكون العوض في القراض أكثر منه في الإجارة وكذا على رأي ابن القصار؛ لأن ظاهر قوله أن العوض عنده إنما هو في المال لا في ذمة ربه والنافي لحصوله على رأيه أقل منه على رأي الجمهور؛ لأنه لا يبطل عقد بالوضيعة فضلًا عن عدم الربح ويبطل بتلف كل المال، وعند الجمهور يبطل ولو بعدم الربح، ففضل حظ العامل في قراض المثل على حظه في إجارة المثل على رأي الجمهور أعظم منه على رأي ابن القصار بحسب عادة أهل العمل في التجر فتأمله، وقول ابن رشد: قراض المثل على تأويل ابن القصار راجع إلى إجارة المثل إلخ غير صحيح؛ لأن مقتضى ما فرق به القاضي على رأي ابن القصار أن الواجب في الإجارة قيمة العمل الحاصل من العامل لا بقيد اعتبار ما قارن من الأمر الموجب للفساد، وفي قراض المثل قيمة عمله بقيد اعتبار ما قارن العقد من الأمر المذكور وقدر العوض فيهما يختلف بحسب كون الأمر المذكور للعامل أو عليه، وقال ابن شاس: قال القاضي من أصحابنا: من يجعل قراض المثل مع الربح وعدمه ويفرق

ص: 23

بينهما بأن يجعل حظ العامل بقدر ما يساوي عمله مما رضيه عوضًا لو صح العقد فيكون له بقيمة ذلك.

قُلتُ: اللفظ الذي حكاه ابن رشد عن القاضي في تفسير كلام ابن القصار أبين من اللفظ الذي حكاه ابن شاس، فواجب تفسيره به لبيانه واتحاد قائله، ومن في مما رضيه في لفظ ابن شاس الأقرب أنها سببية، وقوله: رضيه عوضًا؛ أي: شرطًا، وقوله: بقيمة ذلك، أي: بقيمة عمله راضيًا بما شرط، وعبر عنه ابن الحاجب بقوله: قيل كلاهما في الذمة فيقدر تقويم جزء الربح لو صح العقد، وهذا أيضًا يجب تفسيره بذلك لاتحاد المنقول عنه وتقريره مصرحا أي بما أضمر فيه، أي فالواجب للعامل كائن بقدر تقويم عمل جزء الربح معتبر فيه ما دخلا عليه لو صح ذلك فيه، وإضافته العمل لجزء الربح إضافة السبب للمسبب.

وقال ابن عبد السلام: معناه أن الفرق بينهما من حيث الكثرة والقلة؛ لأن الشروط في القراض توجب فساده وصعوبة العمل على العامل ولا سيما إن كانت على العامل، فإذا أوجبنا إجارة المثل قدرنا عوض العمل مجردًا عن تلك الشروط، إذ لو عثر على القراض قبل تمامه لفسخت الإجارة على ظاهر المذهب لأجل تلك الشروط فلا يكون لها عوض، وفي قراض المثل يعتبر عمل العامل بقيد تلك الشروط إذ لو عثر عليه بعد شغله وقبل تمامه لحكمنا فيه بالتمادي فينتج ذلك كثرة العوض وقلته، وهذا نحو ما قررناه إلا أنه بناه على وجوب فسخ الإجارة إذا اطلع عليها قبل التمام وعدم فسخ القراض إذا اطلع عليه قبل التمام، وفيه نظر؛ لأن الفرض أنه إنما طلع عليهما بعد التمام، وتقدم جواز خلطه بما بيده وله أو لغيره ومنع شركته به، وينبغي تقييد خلطه بما لم يخالطه حرام أو شبهة والمال الذي تحفظ في كسبه، وسمع عيسى رواية ابن القاسم: إن زعم عامل بمالين أنه ربح خمسين دينارا لا يدري لأيهما هي فلا شيء له، ولكل من صاحب المالين خمسة وعشرون.

ابن رشد: هذا خلاف سماع عيسى في رسم يوصي من كتاب الدعوى والوديعة يقر بها لرجلين لا يدري لمن هي منهما أنهما يحلفان ويقتسمانها بعد أيمانهما بخلاف إقراره

ص: 24

بدين كذالك يحلفان ويغرم لكل منهما دينه، وعلى قوله في الدعوى يكون للعامل خمسة وعشرون ويحلف الرجلان ويقسمان الخمسة والعشرين الباقية إن ادعى كل منهما أن الربح من ماله وبغير يمين إن قال كل منهما: لا أدري؛ ولم يدع على صاحبه أنه يدري، ولو ادعى كل منهما على صاحبه أنه يعلم أنها ليست من ماله حلف كل منهما أنه لا يعلم أنها من مال صاحبه واقتسماها إلا أن يسلمها أحدهما لصاحبه، ولو قال أحدهما: هي من مالي، وقال الآخر: لا أدري، ولم أحلف على صاحبه أنه يد\رى ولو ادعى منهما على صاحبه قيل لمن قال: لا أدري؛ احلف أنك ما تدري، فإن حلف حلف الآخر أنها من ماله وأخذها، وإن نكل من قال: لا أدري؛ أخذها الآخر دون يمين، فإن نكلا معا اقتسماها، وسمع عيسى ابن القاسم في كتاب المديان أنه ليس عليه أكثر من المائة التي أقر بها يقتسمها الرجلان بعد أيمانهما أو نكولهما، فإن نكل أحدهما اختص بها الحالف ففي غرمه ما أقر به لكل منهما في الوديعة والدين أو لمجموعهما ويقتسمانه بعد أيمانهما، ثالثها: الفرق بين الذمة والأمانة للآتي على قوله في القراض؛ لأنه إذا أوجب عليه ذلك فيما ليس في ذمته فأحرى فيما في ذمته وللآتي على سماع عيسى في كتاب المديان على وجه أخروي ولسماع عيسى ابن القاسم في كتاب الدعوى، وفي نوازل سحنون: من أخذ قراضًا على النصف من رجل ومن آخر قراضًا على الثلث فاشترى سلعتين بثمنين مختلفين بكل مال على حاله فلم يدر أيتهما الرفيعة الثمن وفي إحداهما ربح وفي الأخرى وضيعة، فقال كل منهما: المشترى بمالي الرفيعة؛ لا ضمان عليه كمودع مائة لرجل وخمسين لآخر فنسي رب المائة، وادعاها كل منهما فإنهما يحلفان عليها ويقتسمانها وتبقى الخمسون بيده ليس لها مدع، ومن قال: يضمن المودع لكل منهما مائة إن ادعى أن وديعته مائة؛ فمسألة القراض كذلك.

ابن رشد: قوله: فلم يدر أيهما الرفيعة الثمن؛ يريد أنه التبس عليه الأمر فلم يدر السلعة الرفيعة التي فيها الربح من أي مال هي، إذ لو التبس عليه الأمر فلم يدر أيتهما الرفيعة التي فيها الربح من الوضيعة التي لا ربح فيها وعلم من أي مال اشترى كل سلعة لما صح تداعي صاحبي المال الرفيعة ولوجب كونها من المال الذي قال العامل

ص: 25

إنها منه دون اختلاف، وقوله: كمودع - إلى قوله: ليس لها مدع - يقتضي أن لا ضمان على العامل بنسيانه، وتبقى السلعة الأخرى بيده إلى أن يكذب أحدهما نفسه في دعواه السلعة الأولى ويقول: هي التي اشترى من مالي؛ فتكون من ماله وتخلص الأخرى لمال صاحبه، وقيل: لا يقبل قول واحد منهما فيما بعد إنكارهما، وقيل: تكون لهما بإقرار المقارض أنها لأحدهما، وإن كانا متماديين على إنكارهما وقول سحنون: لا شيء على المقارض بنسيانه جارٍ على سماع عيسى فيمن أقر بوديعة لأحد رجلين لا يدري لمن هي منهما لا شيء عليه وهي بينهما بعد أيمانهما، وكقول ابن كنانة فيمن أخذ من رجلين ثوبين على أنه بالخيار في كل ثوب منهما فيردهما ويجهل ثوب هذا من ثوب الآخر ويدعيان جميعا أحدهما وينكران الآخران ما ادعياه بينهما بعد أيمانهما ويبقى الآخر بيد المشتري حتى يأتي له طالب ويأتي على ما تقدم في سماع عيسى في المقارض بمالي رجلين يربح خمسين لا يدري من أي المالين هي أنها لصاحبي المالين، ولا شيء له أن يضمن لكل منهما الثمن الذي اشترى به السلعة من ماله، وفي رسم سماع أبي زيد ابن القاسم أنهما مخيران بين أن يضمناه السلعتين ويأخذا أموالهما وبين أن يأخذا السلعتين فتباع لهما فيأخذ كل واحد منهما رأس ماله والعامل ربحه إن كان فيهما ربح، وقال عن ابن كنانة كقول ابن القاسم خلاف ما تقدم عنه في مسألة اختلاط الثوبين في الخيار، وقال عن ابن القاسم: إلا أن تكون قيمة السلعة الأدنى أكثر من الثمن الذي اشترى به السلعة الأعلى كذا فلا خيار لهما في تضمينه وتكون السلعتان على القراض على قدر أموالهما، وقال محمد: إن اتفقت قيمتهما فلا حجة لصاحب الأكثر على صاحب الأقل ولا على العامل، وإن اختلفت غرم العامل فضل قيمة الرفيعة على الدنية لا دعاء كل منهما الرفيعة وهو يرجو ذلك والعامل لا يدفعها وإنما يعتبر قيمتها اليوم، وهو نحو سماع أبي زيد، وزاد التونسي عن ابن القاسم: إن كان مال أحدهما عشرة ومال الآخر عشرين فلا ضمان على العامل ويباعان فيأخذ كل واحد رأس ماله ويقسمان الفضل على قدر رؤوس أموالهما وللعامل من كل ربح جزؤه، وذكر ما تقدم لمحمد وقال: وقوله: يقسمان الربح على رؤوس أموالهما؛ ليس هذا حكم التداعي؛ لأنه لما دفع أحدهما عشرة والآخر عشرين

ص: 26

وأمكن أن تكون التي بأربعين مشتراة بالعشرة أو بالعشرين وجب إذا بيعت بأربعين أن يقول ذو العشرة: هي لي ربحنا فيها ثلاثين نصفها لي وللعامل نصفها، ويقول ذو العشرين مثل ذلك فيدعي من ربحها عشرة فيقال له: قد سلمت خمسة لذي العشرة فيأخذها وتقسم بينهما العشرة الباقية لا دعاء كل منهما أنها له فيجب لذي العشرة عشرة، وعلى مذهب مالك يجب أن تقسم الخمسة عشر على خمسة أجزاء لذي العشرة ثلاثة؛ لأنه يدعي خمسة عشر ولذي العشرين اثنان؛ لأنه يدعي عشرة.

قُلتُ: فيما قاله نظر؛ لأن قسم التداعي إنما هو فيما يدعيه كل منهما دون ثبوت موجب شركتهما في المدعى فيه، فإن ثبت وجب قسمه بينهما على مقتضى الشركة، قاله اللخمي في مسألة اختلاط دينار بمائة في كتاب تضمين الصناع إذا ثبت هذا فقول ابن القاسم هو الصواب؛ لأنه قسم فيما ثبت فيه موجب الشركة وتقرير ثبوته أن الغالب عدم حضور رب المال لابتياع العامل بعين ما دفعه له، ولو حضره فدعواه أن الشراء كان بعين ماله باطلة؛ لأن العين بعد الغيبة لا تعرف بعينها، وكون شرائه كان بنفس دفعه له بعيد، والرواية يجب حملها على الغالب فكل منهما لا يدعي تحقيق كون الشراء بعين ماله فصار ذلك كاختلاك ماليهما وذلك يوجب شركتهما في المالين بقدر ما لكل منهما، وقبل الصقلي إجراءه على قول ابن القاسم قال: وعلى قول مالك في اختلاط دينار بمائة أن الضائع منهما بينهما على قدر أموالهما يجب كون الربح هنا على قدر أموالهما لاحتمال كونه في مال كل منهما بدلا عن الآخر كما قال في تلف الدينار لاحتمال كونه من مال كل واحد منهما بدلا عن الآخر، فإن قيل: قد ثبت أنه إن تلف الدينار قبل طلب تعين ما لكل منهما فهو محل التداعي وكل ما تلف بعد طلب التمييز وتعذره فهو محل وجوب الشركة، وكلما كان كذلك اتضح قول التونسي وبطل تعقبه.

بيان الملازمة أن ظاهر الأسمعة والروايات أن الربح المتنازع فيه حصل قبل طرو الالتباس على العامل مع قاعدة معروف المذهب أن الربح يعد حاصلا يوم الشراء، وهو مثل التالف المتنازع فيه فوجب كونه كالتلف قبل التمييز وهو محل التداعي والملزوم حق فاللازم مثله، أجيب برد الملازمة بأن الموجب لتقرر التداعي في التلف

ص: 27

ليس مجرد تعديه على طلب التمييز لذاته بل لكونه لنفي الشركة، ودليلها ومسألة القراض ليست كذلك ضرورة ثبوت الشركة بين المتداعيين وقيام دليلها وهو قسم أصل الربح بينهما والقسم ملزوم للشركة قطعًا فالتعقب وارد وهو مصح لما في الرواية.

الصقلي: عن بعض القرويين على قول ابن القاسم: إن تعمد البيع لأجل بيع الدين وضمن الخسارة، وفي الموازية: إن أسلم في طعام أو غيره غرم رأس المال، فإذا حل أجل السلم بيع والربح للقراض والخسارة على العامل، وتقدم جواز خلط العامل مال القراض بماله أو مال غيره ومنع شركته وينبغي منع خلطه بما فيه حرام أو شبهته بمال ذي تحفظ في كسبه.

اللخمي: له خلطه بماله إن قدر على التجر بهما، وإن عجز عن التجر بالزائد عليه منع من خلطه، فإن تجر في الثاني وعطل الأول فلا شيء عليه على المشهور، وعلى القول الآخر يغرم قدر ما حرمه من الربح، وإن تجر في الأول واشتغل بالثاني عن بيع الأول حتى نزل سوقه أو فسد ففي ضمانه نقصه أو كله إن فسد القولان، وأخذه قراضًا بعد قراض جائز إن قدر على التجر بهما وإلا منع من التجر بالثاني، فإن فعل ففي ضمانه لترك الأول أو نزول سوقه أو فساده ما تقدم، وإن اشتغل بالأول ضمن ذلك في الثاني إن لم يعلم ذلك الثاني أن بيده قراضًا لغيره أو أعلمه ولم يعلمه عجزه عن القيام بالمالين.

وفيها: لا يبيع بالنسيئة إلا بإذن ربه، فإن فعل دونه ضمن، قال ابن القاسم: إن نهيته عن شراء سلعة في عقد القراض الصحيح أو بعده وقبل أن يعمل فاشتراها فهو متعد ويضمن، ولك تركها على القراض أو تضمينه المال ولو باعها فالربح بينكما على شرطكما، والوضيعة عليه فقط، وكذلك إن تسلف من المال ما ابتاع به لنفسه.

الصقلي: عن الشيخ المقارض إنما أذن له في حركة المال لتنميته إن تعدى فيه ضمن نقصه ولم يختص بنماه كالوكيل والمبضع معه، وقول ابن عبد السلام: ذهب بعضهم إلى أن العامل يختص بكل الربح في مسائل الضمان بسبب مخالفته؛ لأنها توجب انتقال مال القراض إلى ذمته، وذلك موجب لكونه مالكًا للربح؛ لا أعرفه، وما أبعده لكونه ذريعة

ص: 28

لأكل مال الغير وتهييجًا على التعدي إنما قاله اللخمي بتفصيل مناسب، قال: إن تعدى في الوقت الذي أذن في حركة المال فيه فالربح للقراض، وإن كان في وقت لم يؤذن في حركته فالربح للعامل ويضمن الخسارة والتلف مطلقا، فإن أخذه ليعمل به في البلد في صنف معين فتجر في غيره مع تيسره فالربح للقراض، والقياس أن له الأقل من المسمى أو قراض المثل وإن تجر لنفسه في عين لا يمكنه التجر في الصنف المعين اختص بالربح، وكذا إن تجر في الصنف المأذون فيه ثم اشترى غيره وربح فيه وكان أخذه على نضة واحدة فالربح الثاني له إلا أن يحبسه عن ربه فيكون كالغاصب يتجر بمال الغصب، وإن أخذه للتجر به في بلد آخر ويبتداء الشراء من موضعه فالربح للقراض، وإن كان الشراء به في البلد الخارج إليه فاشترى قبل خروجه ما باعه هناك فالربح له، وإن تجر بعد وصوله وتيسر التجر له فيما سمى له فالربح للقراض على ما سيما، ولو عدم الصنف المأذون فيه في ذلك البلد أو تغير سوقه لما لا فائدة فيه وما يعلم أن رب المال لا يشتريه بذلك السعر لاختص العامل بربحه، ولو كتب لرب المال بغلاء ذلك الصنف فكتب له بأن لا يشتريه فاشتراه لنفسه فالربح له والوضيعة عليه، وإن اشتراه لربه فالربح للقراض والخسارة على رب العمل؛ لأنه لم يكن له عزله بعد سفره ووصوله، ابن حارث: اتفقوا أن ربح الغاصب فيما غصبه من مال أو سرقة له وخسارته عليه الصقلي عن بعض القرويين على قول ابن القاسم إن تعدى بيع الأجل بيع الدين وضمن خسارته.

وفي الموازية: لو أسلم في طعام أو غيره غرم رأس المال، فإذا حل أجل السلم بيع وألزم القراض والخسارة على العامل ولو جحد عامل القراض بعض الربح وتجر به فربح ففي كون ربحه له أو للقراض، ثالثها: إن كان عند مفاصلتهما، فإن كان في أثناء عمله فللقراض لابن الماجشون ومحمد وابن ميسر وهو الصواب، وتعديه في الفاسد كالصحيح في ضمانه به.

اللخمي: إن قارضه على أن يشتري عبد فلان ففاسد، فإن اشترى غيره لنفسه لامتناع سيد العبد من بيعه فالربح له، وإن تجر لنفسه قبل طلبه وعلم أنه كان يبيعه منه

ص: 29

أو بعد إمكان شرائه فالربح للقراض.

وفيها: أن أخذ على أن لا يبيع إلا بالنسيئة فباع بالنقد لم يجز القراض.

قال غيرة: أن باع بالنقد تعدى كما لو أخذه على أن لا يشترى إلا صنف كذا غير موجود لم يجز، فإن اشترى غير ما أمر به تعدى أن ربح فله قراض مثله، وإن خسر وضمن ولا اجر له في الوضيعة ولا أعطية أن ربح إجارته إذ قد تغترف الربح وتزيد فيصل بتعديه لم يزيد.

التونسي: لم يذكر ابن القاسم ماذا يكون عليه أن نزل، واصلة أن من أمر ببيع سلعة بدين فباعها نقداً وفاتت ضمن قيمتها نقداً، فإن باعها بمثل قيمتها فأكثر فلا شيء عليه، واصلة أن التحجير في القراض يرده لإجارة المثل فلما أمره ألا ببيع إلا بالنسيئة، فإن باع بالنسيئة فلا ضمان عليه وله أجره في بيعه وشرائه ويفسخ القراض ويقتضي رب المال ثمن ما باع، فإن باع ينقد تعدى وفسخ أن كانت قائمة وإن فاتت وكان باعها بقيمتها لم يضمن شيئاً ولا اجر له في بيعها؛ لأنه يقول: إنما أغرمتك قيمتها يوم تعديت عليها فلا شيء على من إجارة البيع وعلى إجارة الشراء.

قال: هذا أن كان باعها بقيمتها فقط، وإن كان باعها بأكثر؛ لانبغى أن يكون للعامل في بيعها الأقل من اجر مثله عليه أو فضل ثمنها على قيمتها.

التونسي: ظاهر قول غيره أنه لو لم يتعد لرده إلي اجر مثله، وتأول بعض أصحابنا أن له الأقل من قراض المثل أو اجر المثل، وينبغي على هذا أن يكون الأقل من المسمى أو اجر المثل على قول من علق أجرة المثل بها شرطت ولم يعلقها بالذمة.

قُلتُ: الأظهر الأول؛ لأن الفساد يمنع اعتبار المسمى ولا حجة لاعتبار قيد كون الأجرة متعلقة بالربح دون الذمة؛ لأن قصر العوض على الأقل منها يمنع ثبوتها.

اللخمي: إن باع أخذه على أن لا يبيع إلا بالنسيئة ما اشتراه نقدا فعلى الحكم فيه بقراض مثله يمضي بيعه ولو لم يفت، ولا ضمان عليه إن ضاع؛ لأن برده إلي قراض مثله يباع بالنقد ويبطل الشرط، فإن ربح فله فيه قراض مثله وإلا فلا شيء له.

قال: وعلى الحكم فيه بإجازة المثل يكون ببيعه متعدياً فلرب المال إجارة بيعه،

ص: 30

وأخذ الثمن ويغرم له اجر مثله على الشراء والبيع وتضمينه وغرم اجر الشراء فقط، ولا وجه لقول غيره فيها؛ لأنه لو حكم في شرائه قبل بيعه بقراض مثله لم يكن في بيعه متعدياً، وإن حكم فيه بالإجازة وجب اجر مثله في شرائه وتخيير رب المال حسبما تقدم ولا يوجب تعديه فيما أصله الإجارة رد لقرض المثل، وإما أن أخذه لشراء شيء غير موجود فاشترى غيره لنفسه لفقد ذلك الصنف فالربح له، وإن اشتراه للقراض فلربه إجارة شرائه فيكون فيه قراض مثله أو تضمينه فتكون السلع للعامل.

وفيها: أن لم يشغل المال العامل حني نهاه ربه عن العمل فتعدى فتجر فيه ضمنه والربح له.

الصقلي: عن ابن حبيب: لو اقر أنه اشترى للقراض فالربح للقراض، ولا يرفع ذلك عنه حكم الضمان.

قُلتُ: انظر لو قال له ذلك بعد نضه من سلع هل يكون كذلك أو يستصحب فيه حكم القراض؟ ولتقرر حكمه بالفعل كالراهن يهلك بيد مرتهنه بعد قضائه ما كان فيه رهناً ورؤيته بعد ذلك ثم يدعي تلفه، فإن حكم ضمانه باق.

وفيها: أن خسر فيما تعدى فيه وبيده ما لا وفاء به، فإن كان ما معه عيناً فرب القراض أحق بها من غرمائه، وإن كان سلعاً فله أن يشركه فيها، وإن تركها له فهو برأس ماله إسوة الغرماء فقبلها الصقلي، وقال ابن العطار: هذا أن كانت هذه السلع هي التي تعدى فيها، وإن كانت غيرها مثل أن يبيع التي تعدى فيها بما أمر أن يشتري فرب المال أحق بها ويضرب له بما تعدى فيه، ونحوه للتونسي قال: ولو باع سلع القراض بدين بيع الدين وضمن الخسارة، وفي الموازية: لو اسلم في طعام غرم رأس ماله، فإذا حل بيع وقسما ربحه أن كان.

وفيها: أن ربح في مائة مائه فأكل منهما مائة وتجر في الباقية فربح مالاً فما أكل في ذمته وما ربح أولا وثانياً على ما شرطاه، ولو تلف ولم يبق غير ما أكل ضمنها لربه ولا ربح إلا بعد كمال رأس المال.

الصقلي: عن بعض الفقهاء: لو فلس من أخذ مائة قراضاً بعد أكله خمسين منها،

ص: 31

ثم تجر فيما بقي فصار مائة فرب المال أحق بها ويحاصص غرماء العامل في غيرها بخمسة وعشرين؛ لأن جبر المال بالربح أولى من كونه للعامل كما لو كان نقص الخمسين بتلف كقول ابن القاسم في عامل بثمانين ضاع نصفها فدفع باقيها لعامل غيره فصارت مائة رب المال أحق بثمانين من العامل الثاني وهو اقوي من الغرماء؛ لأنه هو نمى المال، وقال غيره: إنما يأخذ من المائة نصفها رأس ماله وخمسة وعشرون حصة ربحه ويحاصص في الخمسة والعشرين بقيمة الربح بالخمسين التي له عليه، وذلك بخلاف ضياع الخمسين؛ لأن رب المال لا مرجع له في الضياع وله على الذي أكلها الرجوع بها، وكذا العامل الثاني بالأربعين له الرجوع على العامل الأول لذا كان رب المال أولى منه.

الصقلي: الأول أصوب.

قُلتُ: الأول هو التونسي ولم يذكر غير قوله، وأورد على نفسه سؤال الفرق بين ما أكل وما تلف حسبما تقدم، وأجاب بقوله: قد لا يوجد عند المقارض شيء ولا يرجى له شيء ولا يخفي ضعف هذا الجواب على منصف.

الصقلي: وإما من أخذ مائة فتجر بها فصارت مائتين فأكل مائة وتاجر بالباقية فصارت مائتين فعلى قول ابن القاسم قرب المال أحق بمائة رأس ماله ويأخذ من المائة الثانية خمسين حظه من الربح ويضرب بخمسين حظه من الربح في المائة التي أكل العامل في غرمائه، وعلى التأويل الثاني يكون ما أكله نصفه من رأس المال ونصفه من الربح، فالباقي من رأس المال خمسون يأخذها ويأخذ نصف ما بقي وهو خمسة وسبعون حظه من الربح ويضرب في الخمسة والسبعون الباقية ببقية رأس المال الذي أكل العامل وبنصف الخمسين الباقية فيما أكل؛ لأنها حصته من الربح المأكول فيضرب في هذه الخمسة والسبعين المستحقة قبل العامل، ولما ذكر اللخمي القول الثاني معبراً عنه بقوله: وقال بعض أهل العلم فيما إذا أكل العامل خمسين وتجر في خمسين فصارت مائة وخمسين لرب المال ورأس المال خمسون وحظ العامل منها خمسون يضرب فيها غرماؤه ويضرب رب المال فيها بالخمسين التي في ذمة العامل مثل قول غير ابن القاسم: إذا

ص: 32

أكل العامل بعض رأس مال ودفع باقية لأخر رأس المال على الثاني ما قبض فقط ويتبع رب المال الأول بما أكل وليس مثله، إذ لا خلاف أنه لو غصب من المال خمسون وتجر في خمسين فصارت مائة أن لرب المال أخذها، ولا ربح للعامل إذ لا ربح إلا بعد كمال رأس المال فلا يكون لغرمائه حق فيما لو لم يكن عليه دين لم يكن فيه ربح وليس كذلك إذا دفع المال لغيره لا يحسب على الثاني رأس المال إلا ما قبض؛ لأن الثاني لو غصب ذلك المال مع علمه أنه بيد الأول قراض وتجر فيه لنفسه كان له ربحه دون ربه وعامله؛ لأن العامل أخذه على التجر لربه فوجب جريه على حكم القراض، قال ابن القاسم: ولا ربح للخمسين التي أكل، وقيل في مثل هذا لها ربح تقدم ذكره في كتاب الغصب فعليه أن ربح في الخمسين الباقية كان عليه الخمسين التي أكل مثل هذه.

قُلتُ: ما لم تكن السلعة التي ربح فيها بالخمسين غير موجود منها زائد على ذلك، قال: ولو لم يربح في الخمسين الباقية لم يكن عليه في التي أكل شيء ولو لم يكن أكل الخمسين بل تجر فيها فعلى قول ابن القاسم ربحها للقراض قل أو أكثر وعلى القول الآخر عليه الأكثر مما ربح في التي عمل فيها لرب المال أو ما ربح فيها؛ لأنه أن كان ربحها أكثر فهو لرب المال؛ لأنه ربح مال أخذه بتنميته لربه، وإن كان اقل فلربه أخذه بمثل ربح التي عمل للقراض؛ لأنه احرمه ذلك.

قُلتُ: هذا واضح على القول بضمان الغاصب ما فوت على المغصوب منه من ربح لا على قصر ضمانه ما ربحه بالفعل.

وفيها: إن اشترى على القراض وهو مائة عبداً قيمته مائتان فجنى عليه رب المال ما نقصه مائة وخمسين وباعه العامل بخمسين اشترى بها ما ربح فيه أو وضع لم يكن ذلك قبضاً لرأس ماله وربحه حني يحاسبه ويفاصل، فإن لم يفعل فهو دين عليه مضاف لهذا المال.

اللخمي: أن كان عليه غرماً حمل رأس المال على ما هو موجود وعلى ما في ذمته يكون للعامل ما ينوبه من ربح الحاضر، ويضرب مع الغرماء بما ينوبه من ربح ما في الذمة في الباقي من الحاضر وغيره.

ص: 33

وتعديه بزيادة كقولها: أن أنفق في سفره من ماله رجع به في مال القراض أن تلف فلا شيء له كقول مالك: أن اكترى لحمل سلع القراض من ماله دواب فاغترف الكراه السلع وزاد لا شيء على رب المال من الزيادة.

قُلتُ: فإن قصر ثياب القراض أو صبغها من ماله أيرجع في ثمنها؟

قال: قال مالك: أن زاد في ثمن سعر القراض فلربه دفع ما زاده فيها فتكون كلها للقراض أو تركه شريكاً فيها بما زاد، فكذلك في الصبغ أن دفع له ما صبغ به كانت كلها للقراض وإلا كان شريكاً بالصبغ، والفرق بينه وبين الكراء أن الصبغ له عين قائمة وليس للكراء عين قائمة ولذا لم يكن له في بيع المرابحة ربح وللصبغ فيها الربح.

قُلتُ: يعارض هذا بقولها: المكتري أحق بالسلع المنقولة من الغرماء ولو في الموت فهو كعين قائمة، ويجاب بأن الأحقية ليست نفس الشركة ولا ملزومة لها ولذا كان أحق بالحمل من غرماء رب مال القراض ولا يكون شريكاً به كالرهن.

وفيها: وقال غيره: أن دفع إليه قيمة الصبغ لم يكن على القراض؛ لأنه كقراض ثان بعد شغل الأول على خلطة به بخلاف زيادة العامل على رأس المال في ثمن السلعة عند الشراء على السلف؛ لأنه كقراض ثان قبل شغل الأول، وله أن يعطيه ذلك وإن يضمنه قيمة الثياب، فإن أبى ذلك كان العامل شريكاً في الثياب بقيمة الصبغ من قيمتها، ابن حارث: اتفقوا أن لرب المال إعطاء ما يجب له في الصبغ أو تركه شريكاً، وفي كون الواجب في صبغه ما دفع فيه أو قيمته قولا ابن القاسم وغيره وعليها ما يكون به شريكاً.

اللخمي: أن اشتراها ليعمل فيها ذلك شريكاً به فهو شريكا بما أنفق ويفض الربح والوضيعة على مثل ذلك، وإن اشتراها بنية كونه للقراض ليدفعه رب المال من عنده جاز ولرب المال دفعه على حكم القراض الأول أو تركه فيكون العامل شريكاً.

قُلتُ: وقال التونسي.

قال اللخمي: وإن كانت نيته إلا يبيعه دون قصارة فبار عليه فقصره كان متعدياً ولرب المال عند ابن القاسم أن يدفع للعامل الأقل من قيمة عمله أو ثمنه فيصير رب

ص: 34

المال شريكاً بذلك غير مضاف للقراض الأول؛ لأنه بعد انتقاله ويلي رب المال من البيع والاقتضاء بقدر ما يشارك به، فإذا نض أخذ ذلك وكف عن العامل ويتمادى العامل وحده برأس المال الأول، وإن أبى رب المال دفع ذلك فله تضمين الصانع قيه القراض يوم عمله، وقال غيره: يخير في دفع ذلك للعامل فيكون شريكاً به وفي تضمين العامل فيكون شريكاً في المال بقدر ذلك وهو أقيس؛ لأنه يقول: لا اشتري تلك الصنعة ولا أبيع إنما لك شيء تكون به شريكاً.

قُلتُ: قوله: ويلي رب المال إلي قوله: وكف عن العمل؛ يقتضي أن يختص بأن يبيع من السلع بقدر ما شارك به وما بقى للقراض وهو خلاف المذهب والقواعد؛ لأن الشركة إذا ثبتت وجب قسم المشترك فيه نفسه أو ثمنه، وإما اختصاص احد الشريكين بما باعه بمقتضى الشركة لا سلف شريكه إياه حظه من ذلك فكاد كونه خلاف الإجماع بل الواجب أن يكون بيع هذه السلع وقبض ثمنها مؤنته بين رب المال والعامل على قدر شركتهما، وكذا قسم ما قبض من أثمانها، وما عزاه لابن القاسم من قصر حكم رب المال على غرم الصنعة أو التضمين خلاف نصها: أن له إبقاء العامل شريكاً بالزيادة لوم يذكر أيضا تضمينه بحال إلا في قول الغير، والضمير في قوله: يقول؛ عائد على رب المال.

والقراض المطلق في اقتضائه جواز سفر العامل به في غير خوف ومنعه، ثالثها: إن كان شأن العامل السفر ولم يشترط إقامته، وإن كان شأنه الا قامه فلا إلا أن يشترطه للخمي عن رواية ابن القاسم وابن حبيب واختياره، وعلى الأول في جواز شرط عدم سفره روايتا ابن القاسم ومحمد.

أبو جعفر: له منعه من بعيد السفر جداً.

اللخمي: من عادته السفر لا التجر مقيماً فاشترى ما يجلس لتجره كان متعدياً، وكذا أن كان برازا صاحب دكان فاشترى غير صنعته وما يدار ولا يخزن ولا يدخر فهو متعد.

وفيها: للعامل أن يتجر بالمال في الحضر والسفر إلا أن يقول له رب المال حين

ص: 35

دفعه بالفسطاط: لا تخرج؛ فلا يخرج، وإن لم يشترطه فليس له نهيه عن السفر إذا اشغل المال، ولو هلك رب المال بعد تجهزه به فله النفوذ به إلي حيث تجهز.

التونسي: في الموازية: أن قام غرماء رب المال بعد خروج العامل به وأمكن بيع السلع بيعت واخذ ذلك الغرماء، وإن كانت عيناً أخذها الغرماء، وإما غرماء العامل فلا شيء لهم.

التونسي: الاشبة ألا شيء لغرماء رب المال؛ لأنه لو كان حياً لم يكن له أخذه في غير البلد، وكذلك لو نض في غير البلد ينبغي إلا يأخذه؛ لأن على العامل ضرراً في رجوعه بغير المال وتقدم حكم زراعته ومسافاته به.

وفيها: قُلتُ: إن أخذت مائة قراضاً ابتعت بها سلعة ولم تنقدها حني ابتعت أخرى بمائة على القراض.

قال: سألته عن العامل يجلس بالحانوت يشتري بأكثر من مال القراض ويضمن ذلك ويجعل ربحه للقراض، فقال: لا خير فيه؛ فمسألتك تشبهه، وليس من سنة القراض فيما سمعت منه أن يشتري على القراض بدين يضمنه العامل والربح للقراض لا يجوز هذا.

الصقلي: عن محمد: وربح الثانية وخسارتها للعامل وعليه؛ لأن شراءه بالدين على القراض أو يسلفه عليه ولو بإذن ربه لا يجوز.

اللخمي: إن كان غير مدين واشترى بالقراض ثم استدان واشترى متاعاً أخر على ذلك القراض لم يجز بإذن رب المال وربحه له وعليه خسارته إلا أن يقول رب المال: أن ضاع القراض غرمت الثمن؛ فالربح له والعامل أجير.

الصقلي: عن محمد: عن ابن القاسم لو اشترى سلعة بمال القراض وهى في بيته وتسلف ما نقد فيه من ربه أو غيره، ثم باعها واشترى بمال القراض أخرى فالسلعتان على القراض، قال في العتبية: ويجبر بما ربح ما خسر في الأخرى.

زاد اللخمي: لو اشترى الثانية قبل بيع الأولى لم تكن الثانية على القراض ولو باع الأولى ولم يقض ثمنها في السلف حني اشترى الثانية كانت على القراض؛ لأن بيده

ص: 36

مائتين إحداهما للقراض.

قال: وإن كان مديراً واشترى بما ليس معه على النقد ليدفع من القراض جاز لضرورته إليه يشتري أول النهار ويقضي أخره أو للغد مما يبيعه أو يقتضيه، وسمع أبو زيد ابن القاسم: لا خير في شراء العامل المتاع بنظرة أيام؛ لأنه يضمن الدين أن تلف، وإن ربح فيه أعطاه نصف الربح.

ابن رُشْد: أن نزل فالربح والوضيعة للعامل وعليه، وهو قوله في الموازية، وهو ظاهر المدونة، ولو إذن له رب المال في ذلك إلا أن يأذن له في أن يشتري على القراض على أن ضاع مال القراض ضمن ذلك في ذمته فيجوز، وتكون السلعة للقراض خلاف ما تقدم للخمي من كون العامل في ذلك أجيرا وهو الصواب؛ لأنها زيادة على القراض الأول بعد انتقاله.

ابن رُشْد: وهذا في المدين، وإما المدين فله الشراء على القراض بالعين حسبما مضى في سماع ابن القاسم.

قُلتُ: لأن عروض المدير كالعين في الزكاة ويجب أن يقيد ذلك يكون ثمن ما يشتريه بالدين يفي به مال القراض وإلا لم يجز، ومقتضى قولها مع غيرها جواز كون العامل مديراً، وقولها بجواز زراعته حيث الأمر جواز بيعه بالعرض بخلاف الوكيل، ولا اذكره نصا إلا قول ابن شاس: له أن يبيع بالعرض كما يبتاعها.

قُلتُ: وهذا ما لم يشترط رب المال على العامل كون عمله لنضة واحدة فقط حسبما قاله اللخمي في أواخر ترجمة الاختلاف في القراض ما نصه: إن اشتراط نضة واحدة لزم ذلك رب المال.

وفيها: إن اشترى بكل مال القراض عبداً فرده بعيب ورضيه رب المال فليس له ذلك لضرر العامل يجبر خسارته بربح ما يعمل إلا أن يقول له ربه: إن أبيت فاترك القراض وأنا اقبله؛ فذلك له، أبو عمران: هذا أن كان ثمنه كل المال عيناً، ولو كان بعضه في سلع أو كان ثمنه عرضاً فليس ذلك لرب المال، إذ ليس له أخذ المال حينئذ لحق العامل في السلع.

ص: 37

وفيها: أن رضي العامل بالعيب نظراً جاز وإن كان حابى لم تجز محاباته ولا في البيع إلا في ربحه في تلك السلعة، ولا يبيع احد عامليه من الآخر بمحاباة ولو كان في المال فضل، وإن فعل لم يجز.

سحنون: هذه جيدة إذ لم يذكر فيها إجازة حظ العامل؛ لأنه أن وضع فيما يستقبل جبر رأس المال بذلك الذي حاباه به، وفي رواية ابن وضاح زيادة هذه اصح من التي فوقها، وترد ما في كتاب الشركة، وكلما وجدته خلاف هذا فرده إليه.

قُلتُ: ولأن إمضاء محاباته في نصيبه إعطاؤه من الربح قبل المفاصلة.

وفيها: لا يعطي من مال القراض أحدا ولا يكافئه منه، وإما أن يأتي بطعام لقوم ويأتون بمثله فأرجو أنه واسع أن لم يتعمد أن يتفضل عليهم، فإن تعمد دون إذن ربه تحلل منه، فإن أبى كافأه بمثله أن كان شيئاً له مكافأة.

قُلتُ: مثله في الموطأ، وقرره الباجي بقوله: إن اجتمع مع رفقائه فجاءوا بطعام فذلك واسع، فإن كان بعضه أكثر من بعض ما لم يتعمد الفضل عليهم وذلك جائز بين الرفقاء، وإن كان منهم من يأكل في بعض الأوقات أكثر من صاحبه ومن يصوم دون رفقائه.

قُلتُ: وكذا غير المسافرين، قاله بعض من لقيت وهو واضح، وسمع بأن القاسم: لا بأس على العامل في إعطائه السائل الكسرة، وكذا الثمرات والماء.

ابن رُشْد: لأنه من اليسير الذي لا يتشاح في مثله واصله قوله تعالى: ****************** إلي قوله تعالى: ************************************* فإذا لم يكن على الوكيل حرج في الأكل من مال موكله الذي اؤتمن عليه دون علم موكله بنص القرآن ما جرت به العادة من اليسير الذي لا يتشاح في مثله جاز ذلك للمقارض؛ ولذا قال الليث: له أن يتغذى بالا فلس حسبما مر، فإذا جاز له ذلك وهو لا نفقة له في المال فأحرى أن يجوز له التصدق به وكذا الوصي يعطي السائل من مال يتيمه يرجو بركة ذلك ليتيمه، وليس قول مالك هذا بخلاف لقوله في الموطأ: لا يهب منه شيئاً ولا يعطي منه سائلاً ولا غيره؛ لأن معناه فيما كثر

ص: 38

وزاد على ما لا يتشاح فيه.

قُلتُ: كذا قال الباجي.

وفيها: لمالك: لا يعجبني أن يشتري العامل من رب المال سلعة؛ لأنها إن صحت من هذين أخاف أن لا تصح من غيرهما ممن يقارض، ابن القاسم: ووجد ما كرهه مالك وإن صح ذلك بينهما خوف أن يرد إليه رأس ماله ويصير إنما قارضه بهذا العرض.

عياض: في أصل الأسدية: أن صح فلا باس به، ومثله في كتاب عبد الرحيم، واختلف قول مالك فيه في الموازية.

اللخمي: عن ابن القاسم في الموازية: وجدت في كتاب عبد الرحيم عن مالك: لا بأس به إن صح بينهما، وارى أن كان المشترى يسيراً أن يمضي، وإن اشترى بجميع المال فسخ لقيام تهمتهما على القراض بالعروض إلا أن يقوم دليل على براءتهما، وسمع ابن القاسم: لا ينبغي أن يصطرف رب المال مع العامل قبل عمله، ولا بأس أن يشتري منه الثوبين أو يوليه إذا صح.

ابن رُشْد: يدخله في الصرف تأخيره لمال أمره إلي أنه أعطاه ذهباً على أن يعطيه ورقاً يتهمان عليه، فإن وقع في يسير المال صدقاً في إنهما لم يعملا على ذلك، وإن وقع في جله فسخ القراض إلا أن يفوت بالعمل فيرد لإجارة المثل على أصل ابن القاسم وروايته في هذا النوع من الفاسد، وسواء صارفه قبل الغيبة على رأس المال أو بعدها وقبل الغيبة أشد، وقوله: لا بأس أن يشتري منه الثوبين؛ معناه أن العامل اشتراها لنفسه لا للقراض، وفي الموازية بيان هذا، وإن كان ذلك للقراض فهذا الذي قال فيه في المدونة فذكر ما تقدم، وقال: هذا الخلاف عندي إنما هو إذا وقع في المال قبل أن يصرفه غاب عليه أم لا، ولو كان مما نض له مما باعه من السلع التي اشترى للقراض فيصدقان قولاً واحداً، والذي أرى أن يصدقا أن اشترى بيسير مال القراض ولا يصدقا أن اشترى بجله، وهذا الذي أراه قول ثالث.

قُلتُ: حمله ما وقع في السماع من قوله: لا بأس أن يشتري منه الثوبين على أنه

ص: 39

للعامل لا للتجر، وفي الموازيَّة: بيان هذا، يدل على أنه في الموازيَّة أوضح منه في العتبيَّة، وليس كذلك بل لفظه فيهما واحد إلا أنه زاد في الموازيَّة مانصه: إن اشترى العامل منه سلعة لا للتجارة فذلك جائز ويتولاها منه أحسن، ولم يذكرا لمنعه علة ولا وجه لمنعه إلا تهمتهما على قراض وبيع لاحتمال دفع العامل الثمن من مال القراض فيكون باقيه قراضًا منضمًا لأخذه السلعة ويعطى ثمنها بعد ذلك، وقوله: هذا الذي أراه قول ثالث نص في أنه عد نفسه مجتهدًا في المذهب أو مطلقًا، وفي جواز شراء العامل كل سلع القراض أو باقيها بعد مفاصلتهما بقمن لأجل وفسخه ولو فات برد القيمة ثالثها: إن كانت حاضرة لم يفسخ البيع إن فات، وإن كانت غائبة فسخ وإن فات، لابن رُشْد عن رواية ابن وَهْب مع ابن حبيب عن أصحاب مالك غير ابن القاسم في شراء الباقي بعد المفاصلة: ولا فرق بينه وبين شرائها كلها، ومحمد عن ابن القاسم قائلاً: معناه اشتراها بأكثر من رأس المال أو باقيها بأكثر من منابه منه، ولو اشتراها بجل رأس المال أو بقيمتها بمثل ما بقي من رأس المال فأقل جاز اتفاقًا، وهو بين في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم، وفي القطعان من سماعه عيسى: ولم يغز الثالث، وهو في النوادر لمحمد قال: وكذا لو اشترى بعض سلع القراض بأكثر من قيمتها لأجل دخله الأقوال الثلاثة، كمن اشترى بمائة قراض سلعًا عرض للبيع أحدها أعطى فيها ثمانية وثمنها عشرة لم يجزأ أخذها العامل بعشرة لأجل؛ لأنه يؤخره خوف الخسارة، وجه القول بإجازته كأنه التزم السلع برأس ماله فتفاصلا ثم باعها منه، ووجه القول بالمنع أنه لو طلبه برأس ماله لم ينض له منه إلا ثمانون فأخره بها على أن يأخذ منه على أن يعطيه مائة، ووجه الثالث هو أنه إن حضرت ارتفعت التهمة؛ لأنه باع ما رأى بعد أن رضيه والتزمه، وإن غاب احتمل أن ليس عنده سلع والمال خسر فيه وهو ثمانون فأخره على أن يعطيه مائة فشراؤه من رب المال سلعة من غير سلع القراض قبل العمل لا يجوز بالنقد ويجوز لأجل ومن سلع القراض لا يجوز ويجوز نقدًا وشراؤه رب المال من العامل سلعة من القراض أو من غيره جائز نقدًا وإلى أجل.

قُلتُ: زاد في الموطأ: إذا كان صحيحًا على غير شرط.

ص: 40

الباجي: ما لم يتوصل بذلك لأخذ شيء من الربح قبل المفاصلة اشتراه نقدًا أو إلى أجل، قاله ابن القاسم.

قال: فإن اشتراها ليأخذها من القراض فلا خير فيه، وقول اللخمي: إن لم تحضر السلع لم يجز شراؤها العامل قولاً واحدًا ويفسخ إن كانت قائمةً، وفي فوتها تمضي بالقيمة؛ لأن أكثر ما يعمل ذلك عند خسارة العامل في المال خلاف نقل ابن رُشْد القول الأول.

الباجي: شراء العامل من رب المال بعض سلع القراض إن كان مع استدامة القراض جاز نقدًا لا لأجل، وأجازه الليث ويحيى بن سعيد إلى أجل، وإن كان عند المفاصلة جاز نقدًا.

قال مالك في العتبيَّة: لا خير فيه، ونحابه ناحية الربا، وروى عيسى عن ابن القاسم: إن كان بمثل رأس المال فأقل جاز ولا يجوز بأكثر منه، وقال ابن حبيب: قال أصحاب مالك: لا باس به، وغمزه ابن القاسم.

ابن زرقون: فذلك ثلاثة أقوال: المنع والجواز، والفرق بأن يكون بمثل رأس المال فأقل أو يكون بأكثر.

قُلتُ: هذا خلاف ما تقدم لابن رُشْد أنه إن اشتراها بمثل رأس المال فأقل جاز اتفاقًا، وصحت طريقة ابن زرقون تصير الأقوال أربعة: ثلاثة لابن رُشْد وثالث نقل ابن زرقون رابعها، وتعقب ابن عبد السلام قول ابن الحاجب: ولا يشتري من رب المال ولا بأكثر من المال، فإن ظاهر لفظه أنه منع تحريم، وظاهر المدَوَّنة ونص الموازيَّة الكراهة.

قال: والمنع محمول على أنه اشتراه للقراض لالنفسه.

قُلتُ: ظاهره أن شراءه منه لنفسه جائز مطلقًا وأنه المذهب، وتقدم نقل ابن رُشْد عن المذهب أنه يجوز قبل الإشغال في الثوب والثوبين، وقول الباجي: شراء العامل من رب المال سلعة لنفسه جائز، قاله ابن القاسم، ليس بخلاف لنقل ابن رُشْد؛ لأنه إنما نقله في الثوب لا مطلقًا، وعلل ابن القاسم وغيره قولها بالكراهة في شراء العامل

ص: 41

للقراض من ربه بماله للقراض بالعروض.

قال ابن عبد السلام: لا يطرد في كراهته الصرف منه لماله لقراض بذهب أو ورق.

قُلتُ: عدم اطراد العلة إنما يقدح إذا ثبت في تماثيل الصورة التي وقع فيها التعليل، ومسألة الصرف غير مماثلة لصورة الشراء منه؛ ولذا علل ابن رُشْد كراهة الصرف منه بماله لتأخير الصرف، وعلل الباجي الكراهة فيهما بقوله: ربما أثر ذلك نقصًا في المال يحتاج للعامل لجبره بعمله، وفيه نظر لاقتضائه منع ذلك ولو كان بما نض له من السلع التي اشترى للقراض، وقد قدم لابن رُشْد في ذلك الجواز قولاً واحدًا، وهو مقتضى تعليل ابن القاسم المتقدم.

وفيها: إن اشترى العامل أب رب المال أو ابنه، وهو لا يعلم عتقوا على رب المال.

ابن رُشْد: يريد يوم الشراء، وقولها: فإن كان فيه ربح دفع للعامل من مال القراض قدر حظه من الربح؛ يريد: إن كان في المال ربح يوم الشراء مثل أن يكون رأس المال مائة ربح فيها مائة فاشترى بالمائتين فحظ العامل الربع فيغرم رب المال للعامل قيمة ربع العبد يوم الحكم إن كان مليًا وعتق عليه، وإن كان معدمًا بقي حق العامل رقًا له.

قُلتُ: قوله: قيمة ربع العبد؛ صوابه: ربع قيمة العبد.

فيها: إن أوصى سيد الابن للأب بنصف ابنه فقبله عتق عليه جميعه إن كان حرًا موسرًا وكان عليه نصف قيمته.

وفيها: إن كان العامل قد علم وله مال عتقًا عليه وأخذ منه ثمنهم لرب المال والولاء لرب المال؛ لأنه علم حين اشتراهم أنهم يعتقون على رب المال فهو ضامن إذا ابتاعهم بمعرفة، وإن كان عديمًا بيعوا فيعطى رب المال رأس ماله وربحه وأعتق حظ العامل فقط، هذا أحسن ما سمعت فيها من الخلاف.

ابن رُشْد: قوله: أخذ منه ثمنهم؛ يريد: الذي اشتراهم به وإن كانت قيمتهم أكثر منه؛ لأنه لا يجوز لرب المال ربح فيمن يعتق عليه، وعلله اللخمي بأن قال: لو أخذ ربحه من القيمة لكان ذلك رضىً منه بالشراء فيعتق عليه.

ص: 42

ابن رُشْد: بخلاف شراء العامل من يعتق عليه عالمًا وقيمته أكثر مما ابتاعه به يغرم هنا رأس ماله وحصته من الربح؛ لأنه فيمن لا يعتق عليه، ولو كان في المال ربح قبل الشراء لغرم لرب المال حظه منه، وقوله: إن لم يكن له مال بيعوا فيعطى رب المال رأس ماله وربحه؛ يريد: أن الربح كان فيه يوم الشراء مثل أن يكون رأس المال مائة وربح فيها مائة أخرى، ثم ابتاعهما بالمائتين وهو عالم ومال له فإنه يباع منهما بمائة وخمسين رأس ماله وحظه من الربح ويعتق ما بقي كان أقل من ربع العبد أو أكثر؛ لأنه إن سوى العبد أكثر من مائتين لم يصح أن يباع لرب المال منه بأكثر من مائة وخمسين؛ لأنه القدر الذي يعدى عليه العامل ولا يأخذ رب المال شيئًا مما زادت قيمته بعد الشراء؛ لأنه لا يصح له فيه ملك فلا يصح له فيه ربح، وإن سوى العبد أقل من مائتين فمن حق رب المال أن يباع له منه بمائة وخمسين وإن اغترق ذلك جميع العبد؛ لأنه تعدى على ذلك القدر، ولو لم يسو إلا أقل من مائة وخمسين لوجب بيع كله واتبع العامل بما نقص من مائة وخمسين، وقوله فيها: بعضه في المدَوَّنة وبعضه خارج عنها، فإن اشتراهم عالمًا ففي عتقهم عليه إن كان مليا وإلا بيعوا وعتقهم على رب المال، ثالثها: لا يجوز شراؤه، ورابعها: لا يعتق بحال، وخامسها: يضمن الثمن فيكون له المشترى، وسادسها: يخير رب المال في أخذه فيعتق عليه وللعامل فضله إن كان، وفي تضمين العامل لتعديه لها وللآتي على ما في بعض روايات رهونها ولللآتي على ما في ثاني عتقها في شراء الأب من يعتق على ابنه الصغير، وقول ابن القاسم في أصل سماعه ورواية ابن أبي أويس، ولم يعز السادس.

قال: وإن اشتراهم وهو لا يعلم ففي عتقهم على رب المال وعدم عتقهم مطلقًا قولان لها ولابن القاسم في سماعه.

اللخمي: إن اشتراه عالمًا قال ابن القاسم: يعتق عليه وحمله على أنه رضي بعتقه من ماله عن رب المال، وقال سَحنون: لا يعتق عليه، وقال أشهب: إن كان فيه ربح أعتق منه قدر ذلك الربح وبيع ما بقي وهو أحسن لا يعتق عليه؛ لأنه وكيل غيره ويعتق الفضل؛ لأن العامل مقر أنه لم يشتره لنفسه فيعتق ذلك القدر من باب: لا ضرر ولا

ص: 43

ضرار، ونقل ابن عبد السلام قول اللخمي إلى قوله: لم يشتره لنفسه، وهذا احتجاج صحيح إلا أنه ينتج قول سَحنون.

قُلتُ: يرد بدلالة باقي كلامه: فيعتق من باب لا ضرر ولا ضرار، وتقريره أنه بعلمه قصد عتق جميعه عنه فبطل إعمال قصده في حظ رب المال لمانعية تعدية على ملك الغير بالشراء الممنوع منه وأعمل فيما يملك لسلامته عن هذه المانعية.

قال ابن عبد السلام: وقتضى النظر على قول أشهب إن كان فيه ربح أن يقوم على العامل.

قُلتُ: يجاب بأن إعمال عتقه في حظه إنما حصل بالتبعية لا بقصده عتقه ذلك الجزء فصار كأحد شركاء في عبد أعتق أحدهما حظه منه، ثم الثاني ثبت كون الأول عديمًا فإنه لا يقوم على الثاني على المشهور، وأجاب هو بأن قال: يحتمل أن يقال: إنما التزم إعتاق قدر حظه عن رب المال لا عن نفسه.

قُلتُ: هذا يقتضي أن المذهب عنده فيمن أعتق حظه من عبد عن غيره أنه لا يقوم عليه ولا أعرفه نصا، وفي الموارث يشهد أن أباه أعتق هذا العبد فلا تتم شهادته في عتق حظه عليه، ثالثها: ويقوم عليه لابن رُشْد عن أبي سلمة مع المغيرة وابن القاسم والآتي على قول أَصْبَغ فيمن اشترى عبدًا ثم شهد أن بائعه كان أعتقه لتهمته على أنه أراد عتق حظه دون تقويم، وتمامه إن شاء الله تعالى في العتق.

اللخمي: وعلى القول بعتقه على العامل في عتقه عليه إن كان معسرًا ويتبعه رب المال في ذمته قولا ابن القاسم وغيره، والأول أحسن، ولا يمكن رب المال من رق والده أو ولده لدينه، وهو في والده أبين؛ لأنه من العقوق.

قُلتُ: الثاني هو نصها.

الصقلي: عن محمد: لو ادعى رب المال أن العامل اشتراه عالمًا وأنكر العامل فالقول قوله، وإن اشترى من يعتق علي وهو عالم موسر وفيه ربح عتق عليه وغرم لرب المال رأس ماله والأكثر من حظ ربحه يوم الشراء أو يوم الحكم؛ لأنه بشرائه عالما أنه يعتق عليه رضي أن يغرم لرب المال ما يجب له من الثمن ورأس ماله وحظه

ص: 44

من الربح.

قُلتُ: ونحوه للخمي، وزاد: وإن كان عالمًا أنه ولده جاهلا بالحكم يظن أنه يجوز له ملكه عتق بالقيمة وهلاكه قبل النظر فيه من رب المال إلا قدر مناب العامل من الربح.

ابن رُشْد: ولو لم يكن فيه ربح عتق عليه وغرم لرب المال الأكثر من قيمته يوم الحكم ومن ثمنه؛ لأنه اشتراه عالمًا أنه يعتق عليه رضي غرم ما شتراه به، وقال المغيرة: لا يعتق منه شيء ويدفع ثمنه لرب المال.

قُلتُ: الأول قولها.

اللخمي: أن لا شيء عليه إن لم يكن فضل أحسن؛ لأنه وكيل في المال لغيره، وفعله محتمل لقصد العتق وعدمه فأرى أن يحلف ما أراد عتقه وكان رقيقًا.

ابن رُشْد: وإن كان عالمًا معسًرا وفيه ربح ففيها يباع منه بقدر رأس المال لربه، يريد يوم الحكم ويعتق ما بقي إن كان ما اشتراه بمائتين ورأس المال منهما مائة وقيمته يوم الحكم مائة وخمسون فيباع منه لرب المال برأس ماله وحظه من الربح يوم الحكم، وذلك مائة وخمسة وعشرون ويعتق باقيه ويتبعه بخمسة وعشرين.

قُلتُ: قال اللخمي: يباع منه لذلك على أن باقيه حر.

ابن رُشْد: وإن أراد رب المال أن ياخذ من العبد قدر رأس ماله وحظه من الربح يوم الحكم على ما يسوى جملة فله ذلك؛ لأنه أوفر لحظ العامل الذي يعتق منه؛ لأن البيع منه لذلك وكسر لثمنه لضرر الشركة، ولو أراد أن يأخذ منه بذلك من العبد ما كان يباع له منه لو بيع لم يكن له ذلك على ما في سماع أَصْبَغ ابن القاسم من كتاب الوصايا، وإن أراد ابتاعه برأس ماله وحظه من الربح دينًا ويعتق عليه فله ذلك على قياس قوله.

اللخمي: من حق رب المال أن يباع منه بقدر رأس ماله وحظه من الربح على أن الباقي عتيق.

ص: 45

عبد الحق: عن بعض القرويين: إن اشترى أبا نفسه وهو يعلم أو لا يعلم وفيه فضل ولا مال له اشتراه بمائة وهو يسوى مائة وخمسين ينبغي أن يباع منه لرب المال بمائة رأس ماله، ويكون نصف ما بقي مملوكًا لرب المال والنصف الآخر هو على العامل فيصير كشقص عبد بين رجلين أعتق أحدهما حظه ولا مال له سواه.

التونسي: إن كان رأس المال مائة وفي العبد ربح يسوى يوم اشتراه مائة وعشرين إن بيع منه بمائة وعشرة لم يجد من يشتري ذلك منه وإن بعناه كله وجدنا من يشتريه بمائة وعشرين فقد يقال: يباع كله ويجعل المقارض ما نابه في رقبته أو يعين به، وانظر على هذا لو اشتراه بمائة وقيمته مائه وخمسون فإن بيعت خمسة أسداسه ساوت أقل من مائة وخمسة وعشرين هل يباع منه أكثر ن خمسة أسداسه حتى يتم ثمن المبيع منه مائة وخمسة وعشرون ويعتق منه مابقي وإن كان نصف السدس او أقل كما يباع كله إذا لم يوجد من يشتري بعضه بمائة وعشرة؟ أو هل يباع منه بمائة رأس المال على أن الباقي يعتق نصفه ويباع لرب المال نصفه؟

قُلتُ: هذا أظهر؛ لأن الربح إنما يعتبر بعد نضوض رأس المال لا قيمة قبله، وهو مقتضى ما نقله عبد الحق عن بعض القرويين حسبما تقدم.

ابن رُشْد: وإن اشتراه عالمًا معسرًا ولا ربح فيه لم يعتق ولا يتبع بقيمته دينًا إلا أن يرضى ذلك رب المال ويباع ليدفع ثمنه لرب المال إلا أن يكون ثمنه الذي اشتراه به أكثر فلرب المال اتباعه بالزائد؛ لأن رضى بذلك حين اشتراه عالمًا.

قُلتُ: وعلى ما تقدم للخمي إن كان جاهلاً حكم عتقه عليه لم يتبعه بالزائد؛ لأن نفس شرائه ليس بتعد إنما هو كمن اشترى سلعة للقراض ثم أفاتها بعطية ناسيًا يغرم قيمتها لا ثمنها، وتقدم في كلام ابن رُشْد التصريح بأن العلم في هذه المسائل العلم بأنه يعتق عليه، وفي كلام اللخمي أن علمه بأنه ولده مع جهله بحكم وجوب عتقه يوجب عتقه بالقيمة، وقال ابن عبد السلام: العلم المشروط في هذا الفضل علمه بالأبوة أو البنوة أو الأخوة لا علمه بوجوب عتقه، فإن العلم بالحكم أو الجهل به لا أثر له هنا، إنما يعتبر العلم والجهل في أسباب الأحكام.

ص: 46

قُلتُ: هذا هو أصل المذهب، وتقدم منه علم الأمة بعتقها تحت العبد وتمكينها نفسها مع جهلها بثبوت الخيار لها، ويأتي منه في الرجم إن شاء الله في قولها: لمرغوس بدرهمين.

ابن رُشْد: وإن اشتراه غير عالم به وهو موسر وفيه ربح عتق حظه وقوم عليه باقيه يوم الحكم كعتق أحد الشريكين حظه وهو معنى قولها: يعتق عليه ويرد لرب المال رأس ماله وربحه، ولا خلاف في هذا بين ابن القاسم والمغيرة، إنما اختلفا إن علم؛ فابن القاسم يعتبر علمه فيغرمه الأكثر، والمغيرة يلغيه ولا يغرمه إلا رأس المال، وفي حظ ربه من الربح يوم الحكم وإن لم يكن فيه ربح بيع ودفع لرب المال ماله، وكذا إن كان معسرًا لا فرق في هذا الوجه بين الموسر والمعسر.

قُلتُ: ذكر اللخمي فيما إذا كان غير عالم ولا فضل فيه، وهو موسر عن أشهب: أنه يعتق عليه.

ابن رُشْد: وإن كان غير عالم وهو معسر وفيه فضل بيع منه بقدر رأس المال وربح ربه يوم الحكم وعتق الباقي، وإن أراد رب المال أن يأخذ منه قدر ذلك على ما يساوي جملة فله ذلك؛ لأنه أوفر للعتق، وليس له أخذ ما كان يباع حسبما تقدم، ولو وطئ العامل أمة من مال القراض ولم تحمل فالصقلي عن محمد: يغرم قيمتها، وإن كان عديمًا بيعت فيها، ابن شاس: لرب المال تضمينه قيمتها يوم الوطء أو ثمنها، وذكره ابن عبد السلام عن بعضهم، وقال: إلزامه الثمن بعيد؛ لأن العداء لم يكن عليه إذا سلم رب المال أنه اشتراها للقراض أو قامت به بينة.

قُلتُ: ظاهره إن لم يسلم ولم تقم بينة أن له إلزامه الثمن، والصواب أنه إنما يلزمه الثمن إذا نكل العامل عن حلفه أن شراءها كان للقراض أما إن حلف فلا، وما نقله ابن شاس هو مقتضى ما يأتي لمحمد إذا حملت.

قال: وظاهر قول هذا القائل أنه لا يمكن ربها من ردها للقراض وهو بعيد.

قُلتُ: في تبعيده نظر لقولها في وطء أحد الشريكين أمة بينهما إلا أن الذي وطء الأمة من المتفاوضين بعد ابتياعه إياها إن لم يسلمها له الشريك بالثمن، وقال: أردها

ص: 47

للشركة؛ فليس له ذلك، وقال غيره: له ذلك، وهو في المقارض أحرى لا ختصاصه بحوز مال القراض، وهذه الأحروية تمنع تخريج قول الغير في العامل في القراض.

وفيها: إن حملت من وطئه وله مال ضمن قيمتها فيجبر به رأس المال.

الصقلي: عن محمد: عليه الأكثر من قيمتها يوم وطئها أو يوم حملت أو الثمن؛ لأنه إن كان الثمن أكثر فقد رضي به وعليه وطئ، وإن كانت قيمتها أكثر فليس له أن يذهب ربح المال من ثمنها، وسمع ابن القاسم: إن أحبل العامل أمة من مال القراض غرم قيمتها من ماله يجبر بها مال القراض، ابن القاسم: إن لم يكن له مال اتبع بها دينا ولم تبع، سَحنون: هذا غير معتدل، وأرى أن تباع إلا أن يكون فيها فضل فيباع منها بقدر رأس المال وربح ربه والباقي بحال أم الولد.

ابن رُشْد: مثل هذا السماع في الموطأ، وزاد: إن لم يكن له مال بيعت فيجبر المال بثمنها وهو الحكم إذا اشتراها للقراض ثم أحبلها وقيمتها في يسره يوم حملت فلم يفرق مالك بين شرائه إياها ليطأها وبين أن يطأها بعد شرائه إياها للقراض، وفرق ابن القاسم فقال في الأولى: لا تباع في عدمه وكانت له أم ولد ولا يتبع بقيمة الولد على ما قاله عيسى في رسم جاع من سماعه؛ لأنه لم يقل يتبع بقيمة الولد إلا في شرائها للقراض وتباع على ما اختاره سَحنون في قيمتها يوم حملت، فإن لم يف ثمنها بها اتبع بما نقص عنها وإذا أخذت منه قيمتها أو بيعت في عسره يتخرج اتباعه معها بقيمة الولد على قولين تقدما في نوازل سَحنون من كتاب الاستبراء.

قُلتُ: ذكره في وطء أحد الشريكين أمة الشركة وهو قوله: إذا وجبت القيمة يوم الحمل فقد وجب الحمل ووجوب القيمة عليه معًا، فإن حكم للقيمة بالتقدم لم يكن عليه في الولد شيء وهو المنصوص، وإن حكم للإيلاد بالتقدم عليها وجب غرمه نصف قيمة الولد، ثم قال في مسألة القراض: هذا إن لم يكن فيها فضل، فإن كان فقيل: يباع منها في عدمه بقدر رأس المال وربح دينار في رسم جاع: حكمة حكم الأمة تحمل من أحد الشريكين وهو عديم، على هذا حمل المسألة بعض أهل النظر باتباع ظاهر

ص: 48

الروايات، والذي أقول فيها إن الخلاف في بيعها إذا حملت وهو عديم إنما هو إن لم يعلم هل اشتراها للقراض أو لنفسه بما استسلفه من القراض إلا بقوله: فحمله مالك على أنه للقراض ولم يصدقه؛ ولذا قال: يباع إن لم يكن له مال، وحمله ابن القاسم على أنه لنفسه سلفًا من مال القراض بل لم يصدقه أنه اشتراها للقراض إن زعم ذلك على ما في سماعه.

أبو زيد: ولذا قال: لا تباع؛ لأنه يتهم على إرادته بيع أم ولده، وأما إن علم أنه اشتراها لنفسه بمال تسلفه من القراض لم تبع واتبع بالثمن الذي اشتراها به قولاً واحدًا كما لم يختلف، وإن اشتراها للقراض ببينة تقوم على ذلك يوم وطئها فحملت ولا مال له في أنها تباع فيما لزمه من قيمتها.

قُلتُ: في قوله: إن علم أنه اشتراها لنفسه لم تبع اتفاقا نظر؛ لأن مال القراض إنما أخذه للتنمية فشراؤه به لنفسه لغو كما لو اشترى به لنفسه شيئًا نهى عن شرائه، فإنه لا يختص بربحه ولا يسقط تعلق حق رب المال عليه فيه وإيلاده إياها كعتق مديان لا كإيلاده؛ لأن إيلاده مأذون له فيه بخلاف إعتاقه؛ ولذا قال الباجي: لو اشترى المودع بالوديعة جارية أحبلها لم تبع في عسره؛ لأنه لم يأخذ المال للتنمية فيكون في ذلك مبطلاً قصد ربها والبضاعة والقراض دفعا للتنمية، فالحاصل إن كان مليًا ففي غرمه قيمتها يوم الوطء أو الأكثر منها يوم الوطء أو يوم الحمل أو الثمن، ثالثها: الأكثر من قيمتها يوم الوطء أو الثمن، ورابعها: الأكثر من قيمتها يوم الوطء أو يوم الحمل، وخامسها: قيمتها يوم وفي رأس المال، وسادسها: الوقف للباجي عن الموازيَّة ومحمد وابن حبيب، ونقل ابن الحاجب: ولا أعرفه لغيره وأبي عمر عن ابن وَهْب عن مالك، ثم وقفه وإن كان عديمًا ففي بيعها لجبر رأس المال أو له ولحظ ربه من الربح مطلقًا أو إن اشتراها للقراض، وإن اشتراها لوطء اتبع بالثمن، ثالثها: إن علم ببينة شراؤها للقراض بيعت لغرم قيمتها يوم الوطء، وإن علم بها شراؤها لنفسه اتبع بالثمن اتفاقًا فيهما وإلا جاء القولان لحمل بعض أهل النظر الرواية على الأولين، وحملها ابن رُشْد، ورابعها: للباجي عن ابن القاسم: إن اشتراها لنفسه غرم ثمنها، وقال مرة: قيمتها، وخامسها: له

ص: 49

عن ابن حبيب: إن أحبل أمةً من القراض فلزمه اتباعه بقيمتها يوم الوطء دون قيمة ولدها ونقصها الوطء أو يبيعها فيما يجب له في قيمتها يوم وطئها إن نقص ثمنها عنه تبعه بباقيه، وسادسها: عن عيسى: له التمسك بحظه منها وفي اتباعه بقيمة الولد قولان له مع ابن القاسم واختيار أشهب من ضمن قيمة أمة بالوطء من شريك أو مقارض لا شيء عليه من قيمة ولدها بناءً على اعتبار يوم التقويم أو يوم الوطء، وسابعها: إن أعتق للصقلي: عن ابن حبيب: يباع منها بقدر الثمن وحظ رب المال من الربح إن كان، ويبقى حظ العامل منها لعله يبتاع باقيها فتصير له أم ولد وإن لم تكن بيعت كلها في الثمن إن لم تف به اتبع بباقيه ولا غرم عليه للولد؛ لأنه ضمنها بوطئه، وضعفها الصقلي بثلاثة اوجه: تسويته بين شرائها لنفسه أو القراض، وجعلها أم ولد بالوطء الأول إنما تصير له أم ولد بإيلاد آخر، وقوله: ليس عليه في الولد شيء خلاف.

ابن الحاجب: إن أحبل من اشتراها للوطء لا للقراض وهو معسر فقال ابن القاسم: يتبع بالثمن وعنه بالقيمة، وقال مالك: تباع كأمة القراض، وقال الباجي: لو قامت بينة لم تبع وفاقًا.

قال ابن عبد السلام: مانسبه للباجي غير صحيح، إنما هو مقتضب من كلام ابن رُشْد حسبما قدمناه، ذكره ابن شاس عن ابن رُشْد لا عن الباجي لكن ابن شاس إذا ذكر الباجي في غالب الأحوال يقول: قال القاضي أو الوليد، وإذا ذكر ابن رُشْد يقول: قال الشَّيخ أبو الوليد، وكذا ذكرهما في هذا الفصل فلم يفرق المؤلف بينهما وظنهما شخصا واحدا وأن ذلك الشخص هو الباجي.

قال ابن هارون: ووقع له مثل هذا في مواضع.

قال ابن عبد السلام: على أن ابن شاس لو عكس ما وصف به الشخصين كان أولى؛ لأن ابن رُشْد ولي قضاء الجماعة بقرطبة كمكره ولم يزل يسعى في عزله حتى عزل، والباجي إنما ولي قضاء أربولة ولا قدر لها بالنسبة إلى قرطبة.

قُلتُ: إنما يلزم ابن شاس ما ذكره من الأولوية أن لو جمعهما وقت واحد او متقارب أما إذا تقدم أحدهما على الآخر وسبقت شهرة احدهما بوصف القاضي فلا

ص: 50

يتأتى تحلية الثاني بذلك الوصف دفعا للاشتراك، والباجي لتقدمه وشهرته مظنة لتحليته بوصف القاضي فلدفع الاشتراك حلى ابن رُشْد بالشَّيخ لا تفاقهما في الاسم وافتراقهما في الزمن واضح، ذكر غير واحد أن الباجي ولد ببطليوس يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وأربع مائة، وتوفي بألمرية ليلة الخميس التاسع عشر لرجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة، رأيت لبعض من هو في طبقة شُيُوخنا التونسيين الموثوق به في بعض تواليفه قال: كان يشهد مجلسه أربعون ألف فقيه شهدوا جنازته دون العامة، ولد ابن رُشْد بقرطبة في شوال سنة خمسين وأربعمائة، وتوفي بها يوم الأحد الحادي عشر من ذي القعدة سنة عشرين وخمسمائة.

وفيها: إن أعتق العامل عبدا اشتراه بمال القراض قيمته مثله أو أقل أو أكثر وهو موسر أو معسر قال: لا أحفظه عن مالك إلا حمل جارية القراض منه، وأما العتق فأرى إن كان موسرًا غرم لرب المال رأس ماله وحظه من الربح إن كان، وإن لم يكن له مال بيع بقدر ذلك وعتق حظه.

اللخمي: يمضي عتقه في يسره بالقيمة إن اشتراه للقراض، وإن اشتراه لنفسه فالأكثر منها يوم العتق ومن ثمنه، وقال غيره: لرب المال إمضاء عتقه أو رده وإن كان موشرًا، إلا أن يكون في العبد فضل فينفذ عتقه للشرك الذي له فيه، وهذا كمن وكل على بيع فباعه من نفسه وأعتق هل يمضي عتقه أو برد.

ابن رُشْد: إن كان موسرًا غرم لرب المال رأس ماله إن اشتراه للعتق وقيمته يوم العتق إن اشتراه للقراض إلا قدر حظه من الربح إن كان، وعلى قول غير ابن القاسم فيها وهو مذهب المغيرة: إن كان فيه فضل عتق عليه حظه وقوم عليه حظ رب المال، وإن لم يكن فيه فضل لم يعتق منه شيء، وهذا إن اشتراه بكل مال القراض، وإن اشتراه من عرض مال القراض عتق عليه عند ابن القاسم وجبر القراض من ماله بقيمته يوم العتق إن اشتراه للقراض أو بالثمن إن اشتراه للعتق خلافًا للمغيرة وغير ابن القاسم المتقدم، وإن كان معسرًا لم يعتق منه شيء إلا أن يكون فيه فضل فيباع منه لرب المال بقدر رأس ماله وربحه ويعتق الباقي على العامل.

ص: 51

وفيها: إن أعتقه رب المال جاز عتقه وضمن ربح العامل إن كان فيه ربح.

الصقلي عن الشَّيخ: إن كان عديما اتبع بذلك، قال يحيى: لا يعجبني هذا؛ يريد: بل يباع بقدر ربح العامل ويعتق ما بقي.

عياض: قول غيره في آخر الباب (كل من جاز له أن يبيع شيئًا أطلقت يده عليه

إلخ المسألة) صحيح لابن باز عند ابن عتاب، وقال ابن وضاح: أمر سَحنون بطرحه وسقط من كتاب ابن المرابط.

قُلتُ: لفظ قول الغير في نسختي: كل من جاز له أن يبيع أطلقت له فيه يده فباعه من نفسه وأعتقه فالأمر بالخيار؛ إن أجاز فعله نفذ عتقه، وإن رد فعله لم يجز عتقه إلا المقارض فإنه إن كان في المال فضل نفذ عتقه للشرك الذي له فيه وإلا الأب في ابنه الصغير إن فات العبد بعتق لزمته القيمة إن كان له مال، وإن اشتراه لنفسه ثم أعتقه نفذ عتقه ولزمه الثمن.

قُلتُ: ومقتضى هذه الزيادة خلاف ما ذكرناه للخمي من قوله: وهذا كمن وكل على بيع؛ فتأمله.

الصقلي: عن ابن القاسم في العتبيَّة والموازيَّة: إن كان العامل عبدًا من القراض فودى وعتق فلرب المال رد عتقه وما قبض منه غلة لابن ميسر إلا أن يكون إنما وداه عنه أجنبي ليعتق فينفذ إن لم يحاب.

ابن القاسم: وإن أجاز رب المال عتقه فلا شيء للعامل من ولائه إلا أن يكون فيه فضل فيكون له قدر حظه منه.

وفيها: لو تعدى فدفعه العامل قراضًا لغيره بأكثر من جزءه ضمنه، وإن ربح الثاني فرب المال أحق بحظه من الثاني ويتبع الأول بتمامه، ولو دفعه بعد خسارة نصفه لغيره بقدر حظه جاهلاً خسارته ففي كون ربه أحق برأس ماله وحظ ربحه فيتبع الثاني الأول بباقي حظه في ربح ما عمل به، وكونه أحق بذلك فيتبع ربه الأول بتمام ما يجب له من رأس المال وحظه من ربحه بعد جبر خسارته.

قولا ابن القاسم وأشهب قائلاً: لو كان نقص نصفه بتعدي الأول تبعه بتمام

ص: 52

مجموع نصفه المتعدى عليه، ورأس مال الثاني ونصف ربحه، وحكى اللخمي قول أشهب في دفعه بأكثر من حظه دون خسارة ولا تعد، وعبر عنه بالغير، وكذا هو في المدَوَّنة وتسميته أشهب هو لفظ البراذعي والصقلي.

اللخمي: ولو دفعه لغيره بأقل من جزءه فالفضل لربه لا له؛ لأنه لم يعمل، وعلله الصقلي مع التونسي بأن القراض جعل لا يصح إلا بالعمل.

ابن عبد السلام: لا يبعد جريان الخلاف فيه؛ لأن العامل الأول كان ضامنًا للمال لو تلف بيد الثاني فينبغي أن يوفى له بشرطه في الربح لضمانه، وإنما يخالف القراض الوديعة إذا تعدى فيها من غير هذا الوجه.

قُلتُ: ما تقدم للتونسي من كونه جعلاً يرد استحقاقه جزءا من الربح مع عدم عمله، ولذا قال اللخمي: لا يبضع العامل؛ لأن عمل القراض معلق بعمله بخلاف المساقات، فإن أبضع ضمن الخسارة وإن ربح والبضاعة بأجر كانت في ذمة العامل إن كانت أكثر من حظه من الربح غرم الوائد، وإن كانت أقل منه كان فضله لرب المال لا له، وإن كانت البضاعة مكارمة دون أجر فللعامل الأقل من جزء الربح أو إجارته مثل الذي عمل؛ لأنه لم يتطوع بعمله إلا لعامل القراض لا لربه، وتقدم في فضل تعدي العامل حكم جناية رب المال على مال القراض وحكم محاصته غرماء العامل، وتقدم حكم انحلال عقده وبما يلزم، ابن الحاجب: ولكل منهما فسخه قبل العمل ويلزم بعده حتى ينض وبعد الظعن، ومثل الزاد والسفرة لا يمنع، ابن عبد السلام: ظاهره أن عدم المنع من الجانبين وأن شراء العامل الزاد والسفرة للسفر بالمال لا يمنع حله إن أراد رب المال أو العامل، وإنما ذكر محمد أن ذلك لربه ولم يذكره للعامل ودعوى التسوية بينهما مردودة بالفرق؛ لأن طلب ربه الحل لا يضر بالعامل إذا رضي ربه بأخذ السفرة والزاد وطلبه العامل دون ربه يضر به لذهاب بعض رأس ماله في الزاد والسفرة.

قُلتُ: لفظ محمد: لو اشترى مثل الزاد والسفرة، فإن رضي رب المال بأخذ ذلك بما اشتراه فذلك له إذا ثبت هذا، فإن زعم أن كلام ابن الحاجب يدل على أن للعامل حله بإلزامه ربه أخذ الزاد والسفرة بثمنهما من رأس ماله فليس كذلك، وما ذكره من

ص: 53

ضرر رب المال إنما يلزم محمل كلام ابن الحاجب على ذلك، ومعنى كلام ابن الحاجب أن للعامل حله بدفعه لربه ثمنهما، وإن كان هذا لربه كان للعامل أحرى، بيان الأحروية أن ثبوت ذلك لربه يدخل على العامل الضرر الناشئ عن تصيير تكلفه شراء الزاد، والسفرة مجانًا وثبوته للعامل بغرمه ثمنه لا يدخل على رب المال ضررًا بحال، وسمع ابن القاسم: من أخذ قراضًا فتجهز منه بطعام وكسوة، ثم هلك ربه فللوصي أخذ ذلك المال ويأخذ معه الطعام والكسوة التي اشترى من مال الميت، سَحنون: ليس له ذلك؛ لأن ربه لو كان حيًا لم يكن له أخذ ذلك منه إلا أن يكون لم يحرك من المال إلا في كسوة نفسه وطعامه فهو كما ذكر ابن رُشْد معنى ما تكلم عليه مالك هو ما استثناه سَحنون، وذلك بين من قوله: ويأخذ معه الطعام والكسوة التي اشترى من مال الميت، يريد ولا تترك له؛ لأنه اشتراها لنفسه ولو قل قدرها إذ لم يعمل بعد بالمال، فقول سَحنون صحيح في أنه لا فرق في ذلك بين الوضي وبين ربه لو كان حيا، وتأويله على مالك أنه فرق بين الوجهين غير صحيح، وينبغي إذا أخذت منه الكسوة التي اشترى لنفسه والطعام وأخرج من القراض أن يعطى أجر مثله في ابتياعه الكسوة والطعام.

قُلتُ: لو ثبت له في ذلك حق لما كان لرب القراض أو وصيه حله عليه والحكم بنفوذ حله عليه ملزوم للغو مؤنة شرائه ذلك، ولابن رُشْد في أول نوازل أَصْبَغ القراض لا يلزم بالعقد يشبه في بعض حالاته الجعل ويفارقه في أكثرها له حكم يخصه شبه المساقات إلا أنه لا يلزم بالعقد.

وفيها: لمالك ليس لرب المال جبر العامل على بيع سلع قراضه لأخذ رأس ماله، وينظر الإمام فيها إن رأى وجه بيعها عجله وإلا أخره إلى إبان سوقها كالحبوب تشترى في الحصاد ترفع لإبان نفاقها والضأن تشترى قبل أيام النحر ترفع ليومه.

اللخمي: وكذا العامل إن أراد تعجيل بيعها وأبى ربها فإن عجله أحدهما قبل أسواقه رد بيعه، فإن فات بها مشتريها مضت بما بيعت به إن كان قيمتها يوم بيعها، والقياس أن يكون للمتعدى عليه مقال على البائع فيغرمه الجوء الذي كان يرجو أن

ص: 54

يربحه فيها، وسمع عيسى ابن القاسم: إن ابتاع العامل سلعًا وسافر بها إلى اطرابلس فقام عليه بها غرماء رب المال بيع فأعطى العامل حظه وما بقي لغرماء رب المال، ولو قام على العامل غرماؤه وطلبوا بيعه ليأخذوا حظه من الربح لم يبع لهم حتى يحضر رب المال.

ابن رُشْد: معنى بيعه لغرماء رب المال إن كان لبيعه وجه لا ضرر فيه على العامل، ولو كان عليه ضرر لربح يرجوه في أسواقه لم يبع عليه حتى يأتي سوقه، وكذا في تفسير ابن مزين رواية محمد، وهو معنى ما في المدَوَّنة: وعدم بيعه لغرماء العامل حتى يحضر ربه لا إشكال فيه؛ لأنه لا ربح له في المال حتى يرجع لرب المال رأس ماله، وتقدم في رسم البيوع من سماع أَصْبَغ من كتاب المديان زيادة ل أَصْبَغ مشكلة.

قُلتُ: لفظ الزيادة بعد ذكر ما ذكر ما تقدم قال أَصْبَغ مثله؛ لأنه ليس للعامل في المال بعينه شيء، ولا يجبر العامل على البيع ولا يمنع منه، فإن باع ونض قضى لهم بحق صاحب المال في دينهم.

ابن رُشْد: لا وجه لقوله إلا أن يكون معناه أنه لا يجبر على البيع ولا يمنع منه إن شاءه إذا قام عليه غرماء رب المال ولا وجه لبيعه في ذلك الوقت.

قُلتُ: ذكر التونسي المسألة عن الموازيَّة وقال: الأشبه أيضًا ألا يكون لغرماء رب المال ذلك؛ لأنه لو كان حاضرًا لم يكن له أخذ المال في غير البلد، وينبغي لو نض في غير البلد ألا يأخذه؛ لأن على العامل ضررًا في رجوعه بغير المال.

قُلتُ: في قوله: ينبغي نظر؛ لأن نضوض المال يجب لكل منهما حل القراض، ولو خرج به ولم يشتر به شيئًا حتى قام غرماء رب المال لم يكن لهم شيء؛ لأنهم إنما يتسببون به وهو غير قادر على أخذه فكذا غرماؤه، كما لو عقد أكرية لم يكن لهم نقض عقوده، وسمع ابن القاسم: أخذ رب المال نصف سلع القراض لحاجة نزلت به على أن ربح نصفها الباقي للعامل لا خير فيه، ابن القاسم: إذ لعله لا يسوى إلا رأس ماله أو لا يربح أو يربح درهمًا فهو مخاطرة.

ابن رُشْد: عن ابن حبيب: إلا ان يكون باعه ذلك النصف بنصف رأس ماله

ص: 55

الباقي فيكون ضمانه من العامل فلا بأس به، وسمع إن باع العامل بدين أو أسلف في طعام ثم كره التقاضي فأسلم ذلك فرضي رب المال لا بأس به كما لو أسلمه وراثه أنكرها سَحنون.

ابن رُشْد: هذا كقوله في رسم الشجرة، وإنكار سَحنون صحيح؛ لأن الوارث لا يلزمه تقاضي دين القراض إنما هو حق له إن طلبه فمن حقه أن يسلمه فيكون بإسلامه واهبًا لرب المال ماعمله مورثه فلا مغمز فيه وتقاضي العامل واجب عليه يلزمه الاستئجار عليه من ماله إن أبى أن يليه بنفسه، فكما لا يجوز له أن يستأجر على ذلك بجظه من الربج فلا يجوز أن يسلمه لربه؛ لأنه استئجار له بحظه من الربح، والأظهر أنه لا يجوز، ووجه إجازته جعل إسلامه له هبة منه متقدم عليه لا إجارة، إذ لا يلزم ربه بذلك تقاضي الدين ونض المال؛ لأن المال ماله يفعل فيه ما شاء من بيع وهبة وغير ذلك.

قُلتُ: فيكون بإسلامه واهبًا لرب المال ما عمله مورثه مشكل بأنه لو كان هبة لافتقر للقبول؛ بل هو بإسلامه ممتنع من إرثه ويقوم منه أن إرث المال غير الملزوم لإرث لا يدخل ملك وراثه كدخول الهبة في ملك المحجور يفتقر للقبول إلا في هبة من يعتق عليه.

وفيها: إن مات العامل، فإن كان وارثه أمينًا أتم عمله وله حظه، وإن لم يكن أمينًا أتى بأمين ثقة بدله وإلا أسلم المال لربه ولا شيء للوارث، وصرح اللخمي وغيره بدليل قولها، وهو قدرة الوارث على العمل وإلا أتى بقادر عليه أمين بدله.

قال: ولم يلزم الوارث أن يستأجر من مال العامل من يتم عمله؛ لأن عمل القراض متعلق بعين العامل لا في ذمته، وإن كان فيه ربح حين إسلامه لقول مالك وابن القاسم لا شيء للوارث فيه كالمساقي يعجز فيسلم الحائط لربه لا شيء له، وقال في أجير على حفر بئر حفر بعضها وترك باقيها اختيارًا فاستأجر رب المال من أتمها له عليه للأول قدر ما انتفع بعمله فعليه يكون لورئة العامل في المساقات والقراض كذلك، وهو فيهما أبين؛ لأن الكل جعالة، ومن حيل بينه وبين التمام أعذر في أن لا

ص: 56

يبطل عمله، وذكر ابن عبد السلام هذا مقررًا به التناقض بين قولها في القراض والمساقات وبين قاعدة المذهب في الجعل كأنه من عند نفسه، ثم قال: ولما قوى هذا الإشكال عند بعضهم خرج منه خلافا في المسألة، ويرد ما ذكره من التناقض، وتخريج اللخمي أن الأجير في الجعل ألزم منه في المساقات والقراض للزومية تمام العمل في الجعل الأجر قطعًا وعدم ملزوميته له في الأخرين ضرورة خيبة العامل في المساقات والقراض إن لم تكن ثمرة ولا ربح فالعامل في الجعل إنما دخل على البت بالعوض فوجب الوفاء له بما عليه دخل والعامل في الأخيرين لم يدخل على البت بحصوله ضرورة احتمال السقوط، ولا يلزم من الحكم بالعوض لمن دخل على البت بحصوله الحكم به لمن دخل على احتمال حصوله، وما ذكره اللخمي من الأحروية يرد بأن التارك في المساقات والقراض إنما هو الوارث لا الميت، وترك الوارث العمل اختياري كالأجير في الجعل، وذكر ابن رُشْد تخريج اللخمي وقال: إنه غير صحيح، قال: والفرق بينهما أن القراض يلزم العامل بالعمل، فإذا عمل كان من حق ربه أن يقول له: إما أن تتم القراض أو تذهب ولا شيء لك فيما عملت، والمجعول له لا يلزمه بشروعه تمام العمل فمن حقه تركه تمام العمل ويكون على حقه فيما عمل إن انتفع بذلك الجاعل، ولو مات المجعول له فلوارثه ما كان له من التمادي أو الترك حسبما كان لمورثه.

اللخمي: أجاز في القراض مع أن العمل فيه معلق بعين الأول أن يعمل غيره مكانه وارثه أو غيره بخلاف الأجير يموت قبل تمام عمله؛ لأن للأجير من الأجر بقدر ما عمل والقراض جعل لا يستحق فيه الأجر إلا بتمام العمل فلو لم يكن وارثه من إتمام العامل بطل ما مضى من عمل مورثه، قال ابن رُشْد في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم من كتاب المسافات: ورثة العامل إذا مات محمولون على الأمانة حتى يثبت أنهم غير أمناء بخلاف القراض هم محمولون على عدم الأمانة حتى يثبت أنهم أمناء، هذا ظاهر قولها في القراض والمسافات، والفرق أن القراض يغاب عليه والحائط في المسافات لا يغاب عليه.

اللخمي: إن كان الوارث في القراض مولى عليه نظر وصيه، فإن لم يكن في المال

ص: 57

فضل أو كانت الإجارة عليه أكثر من الربح أو مثله أسلم المال لربه، وإن كان فيه فضل استأجر عليه.

قال: ولابن القاسم في العتبيَّة في رجلين أخذا معًا قراضًا صفقة واحدة فمات أحدهما واشترى الآخر بكل المال فلرب المال إبقاؤه على قراضه أو تضمينه؛ لأنه ليس له أن يشتري إلا بإذن رب المال حين مات شريكه في العمل، وإن كان اشترى قبل موته ببعض المال فورثة الميت شركاء فيما اشترى قبل موته يقومون فيه معه، وما اشترى بعد موت صاحبه فرب المال فيه بالخيار حسبما تقدم، ولم يزد فيها ابن رُشْد شيئًا غير ما تقدم أن ورثة العامل محمولون على عدم الأمانة وغير ذلك مما قدمناه من كلام اللخمي.

وفيها: لمالك: إن علم العامل بموت رب المال والمال بيده عين فلا يعمل به.

الصقلي: يريد: وهو في بلد رب المال لم يخرج به لتجر، وفيها: وإن لم يعلم بموته حتى ابتاع به سلعًا مضى ذلك على القراض.

الصقلي: يريد وكذلك إن ظعن به فليمض على قراضه وإن لم يشغل المال، وقول ابن الحاجب: ولو مات رب المال وهو عين فالأولى أن لا يحركه، فإن حركه فعلى قراضه خلاف ظاهر قولها فلا يعمل به، ونقلها ابن شاس على الصواب مثل ظاهر قولها، وفي القراض منها والوديعة: من مات وقبله قراض وودائع لم توجد ولم يوص بشيء فذلك في ماله ويحاص بذلك غرماؤه.

اللخمي: على القول في المودع أنه إذا لم توجد الوديعة بعد موته أنها لا تكون في ذمته فالقراض أبين في هذا الوجه من الوديعة؛ لأن الوديعة إذا لم توجد حمل على أنه تسلفها؛ لأن الغالب بخلاف القراض؛ لأنه مأذون له في التجر فمحمله على أنه كان يتجر فيه لرب المال حتى يثبت عداؤه، ولا يحسن أن يمضي رجل بقراض فيموت بالعراق ولا يدري ما حدث عليه فيه فيباع عقاره بالمغرب مع أنه الغالب أن الغريب يفرق أمواله لمن يوصلها خوف أخذها أصحاب المواريث والموضع الذي هو به لا يقدر على الإشهاد به عليهم خوف الظهور عليهم ولا يقبله حينئذ ببينة خوف أن يطلب

ص: 58

بأكثر منه، وأمره حين موته متردد بين أن يكون هلك أو أعطاه لمن يوصله فلم يفعل أو هلك من قبضه، فإذا كان كذلك لم يغرم بالشك، فإن خلف مالاً ولم يكن معه مال لنفسه حمل على أنه للقراض قليلاً كان أو كثيرًا، إلا أن تكون كثرة لا تشبه أن تكون للقراض فيكون للقراض ما يشبه أن يكون لربه والزائد عنه ميراث، وإن كان للعامل مال وعلم قدره ووجد المالان مختلطين وكان ربح فض على قدر المالين على قدر ما يقول من سافر معه أنه يربح في كل صنف كان معه، وإن جهل معرفة البيع فض على قدر المالين، وكذا الخسارة إن لم يكن في المال الموجود وفاء بالتجارتين، فإن علم أنه خسر في أحدهما حملت الخسارة عليه، وإن لم يعلم فضت على قدر المالين، وإن لم يعلم حقيقة المال الذي لصاحبه وعلم قدره ونحوه كان شريكًا في الربح والخسارة بما لا شك أنه كان له، وإن لم يعلم قدره وفي سلع القراض ربح بدئ بمال القراض وبما يرى أنه ربح فيه والباقي ميراث على العامل.

وفيها: إن أقر بوديعة أو قراض بعينه في مرضه وعليه دين ببينة في صحته أو بإقراره في مرضه هذا قبل إقراره بذلك أو بعد فلرب الوديعة أو القراض أخذ ذلك بعينه دون غرمائه، وإن لم يعينها وجب الحصاص بهما مع غرمائه، وسمع ابن القاسم: من هلك وقبله قراض أو ودائع وقراض وعليه ديون ولم يوجد عنده شيء من ذلك يعرف ولم يوص فإنهم يتحاصون فيما ترك إلا أن يوصي في مال بعينه فيجوز لمن أوصى به من قراض أو وديعة لمن لا يتهم عليه.

ابن القاسم: ولا يصدق في الفلس؛ لأنه لو أقر عند الموت بدين لأجنبي جاز إقراره، ولو أقر به في الفلس لم يجز إقراره.

ابن رُشْد: قوله: يتحاصون فيما ترك إلا أن يوصي في مال فيجوز لمن أوصى له به من قراض أو وديعة لمن لا يتهم عليه صحيح لا اختلاف في شئ منه أعلمه، وقوله: لا يصدق في التفليس فيما أقر به من قراض أو وديعة فيه اختلاف أحد قولي مالك في رسم العرية من سماع عيسى أن ذلك جائز، يريد: مع يمين المقر لهم، وقال ابن القاسم هنا وفي آخر الوصايا الثاني منها، وفي رسم البيع والصرف من سماع أَصْبَغ وفي رسم

ص: 59

الأقضية من سماع أشهب أنه لا يجوز، وقال ابن القاسم فى سماع أبي زيد: إنه يجوز إن كان على الأصل بينة، ولا يجوز إن لم يكن على الأًصل ببينة، وقيل: رواية أبي زيد مفسرة لأحد القولين.

الصقلي: عن ابن حبيب: ما عينه في الفلس فربه أحق به، وإن لم يعين شيئا فلا يحاص بذلك ربه الغرماء كما لا يصدق في الدين، وكذا فسره أصبغ وفيه خلاف وهذا أحسن، وكذا في العتبية والموازية، وقولها شرط ضمان العامل يفسده دليل أنه لأمانته.

الباجي: اتفاقاً. وفي كون نفيها بشرط ضمانه يفسده أو بنقله لكونه سلفا على العامل المشهور، ونقل المتيطي عن فضل عن مطرف: إن شرطه فتلف ضمنه، فلو ربح فيه فله ربحه، وفي صحة الطوع به بعد عقدة قبل إشغاله قولا أبي المطرف وتلميذه ابن عتاب منكر عليه قوله، ورجحه ابن سهل محتجا بسماع ابن القاسم جواز سلف أحد الشريكين في الحرث حظ صاحبه من الزريعة.

قلت: ولظاهر قولها: كل ما بيع على خيار وسلم عقده من شرط النقد جاز التطوع بالنقد في ذلك، فإن ادعى سرقته أو ضياعة صدق.

اللخمي: إن قال سقط منى أو لقينى لصوص انتزعوه منى أو غرق أو ما أشبه ذلك فالقول فوله، لأنه أمين، مأمونا كان أو غير مأمون، لأن رب المال رضيه أمينا، واختلف في يمينه، وأرى أن يحلف إن كان غير مأمون، وإن كان ثقة لم يحلف إلا أن يقوم دليل تهمة، وإن قام دليل كذبة أغرم وإن كان عدلا، وفي أحكام ابن سهل: من قرئ عليه عقد بمال قراض، فقال له القاضي: أعندنا هذا المال؟

قال: عندي.

قال: فقال له: فأعطه إياه.

قال: بعضه بموضع كذا وهو غنم، وهذا الذي عندك فقال: ثم أشياء، قيل: ما هى؟

قال: مات كثير من الغنم، فأفتى ابن عتاب: عليه حميل يوجهه حتى يثبت موتها،

ص: 60

وإن لم يقم حميلا قليلا زمه الغلام حتى يثبت ذلك، فدعا رب المال إلى اعتقال فرس المطلوب خوف تغييبه ويدعى العدم، فأفتى ابن عتاب باعتقاله واعتقال كل ما في منزله مما هو للرجل، وأفتى ابن عبدالصمد: لا ضمان عليه ولا يلازمه غلام، لأن القراض أمانة في ذمة، ابن سهل: الصواب لزوم هذا المال ذمته لقوله أولا: جميع المال عندي، وهذا إقرار به، فلا تقبل دعواه أنه ذهب بموت أو غيره.

اللخمي: إن ادعى خسارة لأجل نزول الأسواق سئل أهل تلك الصنعة هل أي بما يشبه أنه خسره في مثل تلك المدة في ذلك المال، وكذا إن سافر سئل أهل الثقة ممن سافر معه عن السفر الذى كانت عليه البياعات في مثل ما مضي به، فإن أتى بما يشبه وإلا لم يصدق ورد لما يشبه، وإن اختلفا في ثمن ما قدم به سئل عن أثمانه بذلك الموضع الذي أشتري به، فإن عدمت البينة وأشكل الأمر قبل قول العامل دون يمين إن كان ثقة إلا أن يقوم دليل تهمة، وإن شهدت بينة مستورة لم تبلغ العدالة بخلاف قوله: حلف.

الباحي: إن ادعى خسارة عرف وجهها صدق، وإن ادعى من ذلك ما لا يعرف فروى ابن أيمن أنه ضامن.

قلت: إنما نقل اللخمي غرمه إذا قام دليل على كذبه في دعواه التلف وهو أخص من نقل الباجي هذا أنه إن ادعى ما لا يعرف ضمن، وقول ابن عبدالسلام دعوى الخسارة لا يحلف فيها المتهم ولا غيره إلا أن تشهد بينه من أهل الستر لم يبلغوا العدالة على خلاف قوله خلاف مفهوم قول اللخمي، إن أشكل الأمر قبل قول العامل دون يمين إن كان ثقة ومفهوم قول الباجي: أنه إن ادعى خسارة عرف وجهها صدق، وفي الوديعة منها من بيده لرجل قراض أو وديعة، فقال: رددت ذلك إليك، صدق إلا أن يكون قبض ذلك بينه فلا يبدأ إلا بينة، ومثله في غيرها وفي كلام غير واحد من الشيوخ تقييد المبينة، لأنها للتوثق، وفسرها اللخمي حسبما تقدم في الوديعة.

قال: ولابن القاسم في الموازية: من اكتري ما يغاب عليه فادعى رده فالقول قوله ولو أخذه بينة.

قال محمد: وهو الصواب، وعليه يكون القول قوله في القراض ولو أخد ببينة

ص: 61

وهو أحرى، لأنه أخده على الأمانة.

قلت: ما ذكره عن ابن القاسم عزاه له ابن رشد من رواية أصبغ.

قال: وتأول أصبغ عليه أنه فرق بين القراض والوديعة وبين المفرض المستأجر في دعوى الرد إذا قبضه بينة، وفي النوادر لابن القاسم ما ظاهره مثل ما تأول عليه أصبغ، والصحيح أن لا فرق بين ذلك.

قلت: وهذا النقل المخرج ذكره ابن شاس وابن الحاجب نصا، قال ابن عبدالسلام: ولا يبعد صحته على أصول المذهب.

قلت: عدم بعده عن أصول المذهب لا يناسب تعليل ثبوته نصا عليه، بل تعليل ثبوته مخرجا، وافتقار اللخمي وابن رشد لتخريجه وعدم ذكره نصاً يدل على عدمه، ومعلوم نسبة حفظهما إلى حفظهما.

وفيها: إن قال العامل: رددت إليك رأس المال وما بيدي ربح، وقال ربه: لم تدفع لي شيئا صدق ربه ما دام في المال ربح وعلى العامل البينة.

الصقلي: عن ابن القاسم: معناه إن قال: ما بيدى ربح بيني وبينك، لأنه أقر ببقاء حق رب المال بيده، ولو قال: رددت إليك المال وحظك من الربح ما بيدي هو حطي منه لقبل قوله إن كان قبضه بغير بينة كما لو لم يكن ربح فادعى أنه رده لربه لقبل قوله مع يمينه.

اللخمي: ينبغى قبول قول العامل، وكذا إن قال: هذا ربحي، كما لو قال: رددت إلأيك بعض رأس المال، لا فرق بين قوله: رددت بعض رأس المال أو جميعه دون الربح أو لم أربح شيئاً أو ربحت وسلمت إليك رأس المال أو حظك منه، وروي محمد في المساقي يقول بعد جذ الثمرة لرب الحائط: دفعت إليك حظي، القول قوله فكذا القراض.

قلت: ففي قبوله دعوى العامل رد المال دون إبقاء الربح بيده، ثالثها: إن ادعى رد حظ رب المال منه للخمي ولها وللقابسي، ومن أنكر قراضا ثم أقر به مدعيا تلفه أو رده ففي قبوله قول بيمين ثالثها في التلف لا لرد السماع ابن القاسم في رسم طلق ابن حبيب

ص: 62

ورواية عيسى بلاغا وسماعه ابن القاسم.

ابن رشد: من هذا الأصل من أنكر دعوى فقامت بها بينة فجاء بما يخرجه منها بينة ببراءته أو دعوى لو جاء بها قبل إنكاره قبلت منه وشبه ذلك ففي قبول ذلك منه ثالثها: في اللعان إذا ادعى رؤية بعد إنكاره القذف وأراد اللعان وشبهه من الحدود، ورابعها: في الحدود والأصول إلا في الحقوق لابن نافع في رواية حسين بن عاصم وغير ابن القاسم في لعانها فأحري في غير الحدود ومحمد وابن كنانة.

قلت: وعزاه في القراض لابن القاسم في المدونة.

ابن حارث: من قال لمن أدعى عليه قراضا: ليس لك عندى مال فقامت عليه البينة فقال: ضاع مني، قبل قوله اتفاقا، ولو قال: لم تعطني شيئا، فلما قامت عليه البينة قال: ضاع مني، فذكر نحو ما تقدم.

وفي الموطأ: إن سأل رب المال عامله عن المال فقال: هو عندي وافر، فلما أخذه به قال: هلك منه كذا، وإنما قلت ذلك لتقره عندي لأخذه بإقراره إلا أن يأتي بأمر يعرف به قوله، وكذا لو قال: ربحت فيه كذا، ثم قال: ما ربحت فيه شيئا ما قلت ذلك إلا لتقره بيدي، أخذ بإقراره إلا أن يأتي بأمر يعرف به صدقه، وإن اختلف عامل القراض وربه في قدر الربح قبل العمل ففيها رد المال إلا أن يرضى بقول ربه.

التونسي: دون حلف، لأن له ارتجاعه، وبعد العمل فيها القول قول العامل إن أشبه.

اللخمي: إن كان المال بيده أو أسلمه لربه موقوفا حتى يسلم رأس المال، ثم يقسمان ربحه، ولو أسلمه له ليستوفي رأس المال وحظه من الربح فالقول قول ربه، وفيها: إن لم يشبه قول العامل رد القراض المثل.

الصقلي: عن ابن حبيب: القول قول ربه إن أشبه وإلا رد لقراض المثل، وقاله أشهب.

قال: وقال الليث: إن لم يكن لهما بينة رد لقراض المسلمين وهو النصف، زاد ابن حارث: قال عبدالملك: قول مالك أحب إلي، ولو أخذ بقول الليث ما أخطأ.

ص: 63

قلت: يحتمل كون قول الليث وفاقا، لأن قوله: قراض المسلمين النصف، يقتضي كونه عرفا تقرر، فدعوى كل منهما خلافه غير مشبهة، وما ذكره عن ابن حبيب من أن القول قول ربه إن أشبه ولم يشبه قول العامل به فسر الباجي المذهب غير معزو لابن حبيب، وإن دفع المال على الثلثين ولم يدع أحدهما أنه بين الثلثين لمن هما له، ففي الموزاية: من أشبه منهما أن له الثلثين فهما له، فإن أشبهها معا كانا للعامل.

التونسي: إن ادعى كل منهما على صاحبه أنه فهم عنه أن له الثلثين فكتصريح الدعاوي القول قول العامل إن أِبه، وإن قال كل منهما: لم أفهم عن صاحبي شيئا وظننت أني المعني بالثلثين فكل منهما سلم الثلث لصاحبه، وبقى ثلث يقسم بينهما نصفين كشئ يشكان فيه لا مزية لأحدهما فيه، وعلى تأويل محمد لما تكافت دعواهما جعله لحائزه وهو العامل، كقول أِهب في مال بين رجلين أدعى أحدهما نصفه والآخر ثلثيه أنه يقسم بينهما نصفين، لأن أيديهما معًا على المال وكان السدس الذي ادعاه مدعي الثلثين لا يد له عليه ويد مدعي النصف يده عليه.

قلت: مسألة القراض لا تشبه مسألة أِهب لاختصاص العامل بالحوز حسًا، بخلاف المبتداعيين في مسألة أشهب.

الباجي: إن قالا: الربح على الثلث والثلثين ولم يسميا في العقد لمن الثلث، ثم أراد كل منهما عند المقاسمة أن له الثلثين فإن أشبه أن يكون للعامل أو لكل منهما، فقال محمد: للعامل الثلث، وقال بعض متأخري المغاربة: القول قول العامل مع يمينه إن ادعى أنه نوى ذلك، وإن أِبه قول رب المال وحده فعلى القول الأول له الثلثان دون يمين، وعلى القول الثاني القول قوله بيمين إن ادعى النية، وإن لم يشبه قول واحد منهما قعلى القول الأول يردان لقراض المثلي دون يمين، وعلى الثاني يردان إليه بعد أيمانهما، والنية عندي غير مؤثرة فى هذه المسألة، والأظهر عندى أن يردا في كل وجوهها لقراض المثل، وعلى القول الثاني يردان إليه كالقراض المبهم، ولا معنى لاستحلاف أحدهما، لأن الثاني لا ينكر ما يدعيه ولا يستحق بما يدعيه من النية شيئا، ولو صدقه صاحبه فيما يدعيه من ذلك لم ينفعه.

ص: 64

قلت: ظاهر نقل الباجي عن محمد: القول قول العامل إن أِبه قوله أو قولهما دون يمين، وقبله ابن مرزوق.

وفي النوادر ما نصه من كتاب محمد: قال ابن القاسم: إن أخذ قراضا على الثلث والثلثين ولم يسميا من له الثلثان، ثم اختلفا فالعامل مصدق ويحلف إن ادعاه.

محمد: وإن قال العامل: لي ربح عشرة دنانير وثلث ما بقى، وقال ربه: بل ثلثا كل الربح لي، فالعامل مصدق، لأنه ادعى أمرا جائزا.

وفيها: إن ادعى أحدهما ما لا يجوز كدعوى أن له من الربح مائة درهم ونصف ما بقى صدقة مدعى الحال منهما إن أتي بما يشبه، وسمع ابن القاسم: إن حاسب العامل رب المال، وقال: هضمت لك وحملت على نفسى، ثم يدعى بعد ذلك، ولو قال بعد دفعه لرب المال رأس ماله وربحه: أنفقت من مالي ونسيت حين دفعت إليك حلف وقبل قوله.

ابن رشد: لا اختلاف أنه لا يصدق فيما ادعى أنه نسيه عند المحاسبة لقوله: هضمت وحملت، لاحتمال أن يكون هذا الذي ادعى أنه نسيه هو الذي تهضم فيه إلا بدليل صحة دعواه، والمسألة الثانية في المدونة خلافها أنه لا يقبل قوله بعد ما قاسمه صاحبه ودفع إليه، وهو الأظهر، لأن دفع ماله إليه كإقرار أنه لا حق له، والقول الثاني وجهه أن الغلط والنسيان لا يعصم منه أحد فوجب أن يصدق بعد كما يصدق قبل، وهذا الخلاف فيمن باع مساومة ثم ادعى الغلط، وفي نوازل سحنون: إن قال العامل في مائتين أتى بهما إحداهما رأس المال والأخري ربح وقال رب المال: رأس المال المائتان، فالقول قول العامل بيمينه إلا أن يقيم ربه بينة.

ابن رشد: ل أصبغ مثله عن ابن القاسم وأشهب، وهو ظاهر قولها: إن قال رب المال: رأس ماله ألفان، وقال العامل: ألف، القول قول العامل إذ لم يفرق فيها بين أن

ص: 65

يكون في المال ربح أم لا لو افترق ذلك لبينه، وفي نوازله: إن أتى عاملان بمائتين قال أحدهما: إحدهما ربح، كذبه ربه والآخر حلف ربه معه إن كان عدلا وإلا أخذ مائة وخمسة وسبعين، ويبقى لمدعى الربح خمسة وعشرون بعد يمينه، لأنه حظه بمقتضي دعواه.

التونسي: ل أصبغ عنه أشهب: إن أتى عاملان بمائتين فقال أحدهما: إحداهما ربح، وقال الآخر وربه: بل نصفها لمدعي الأكثر في الربح دعواه، وللآخر ما قال أصبغ: يصير لذي الأكثر خمسة وعشرون وللآخر نصفها.

محمد: هذا غلط، وأخبرني أصبغ بخلافه، والصواب أن للآخر ثمانية وثلثا، لأن مدعى الأكثر يقول: ليس لرب المال إلا مائة وربحه خمسون، وما بقى له نصفه خمسة وعشرون يصدق بيمينه لحوزه نصف المال لو ادعاه لنفسه جاز له ذلك، ثم يقال للثاني: الباقي بينك وبين رب المال أثلاثاً، لأن المال كان بينكم أرباعاً لربه سهمان، ولكل منكما سهم، فما ذهب من الربح بقيته بينك وبين رب المال له ثلثاه ولك ثلثه.

قلت: قال محمد: ولا تقبل شهادة أحد العاملين على صاحبه.

التونسي: يريد على هذا القول الذي قسم الباقي أثلاثا، لأنتفاعه بشهادته إن جازت فيأخذ اثني عشر ونصفاً، وإذا بطلت شهادته أخذ ثمانية وثلثا، وعلى قول أشهب أنه يأخذ اثني عش ونصفا فشهادته جائزة، إذ لا نفع له.

وفي العتبية خلاف الأول جعل كل الضرر بالعامل الثاني، قال: إن جاء عاملان بثلاثمائة، قال أحدهما: رأس مالنا مائة، وقال الآخر: مائتان وصدقة رب المال أخذ من كل منهما خمسين وبقى بيد كل منهما مائة فيأخذ المائة التي بيد الذي أقر أن رأس المال مائتان ومن الآخر خمسين، لأنه يقول للمقر: رأس المال مائتان لا يكون ربح حتى أستوفي رأس المال، ويقول له العامل الآخر: بيدي مائة ربح لي نصفها ولك نصفهما، فجعل الخسارة كلها على المقر، وفي قول أشهب: الخسارة كلها على رب المال، ومحمد جعل ما أخده مدعى الأكثر كجائحة على الباقيين بقدر جزء كل منهما، ـ وهو الأشبه.

ص: 66

قلت: ما نقله عن العتبية هو في نوازل سحنون، وفيه زيادة: وليس للمقر أن رأس المال مائتان فيما في يد ربه من الخمسين التي صارت فضلا حجة أن يقول أن يقول: بلغنك رأس المال وبيدك فضل فلا تختص به عني، لأنه يقال له: أنت مقر أن لرب المال نصف الربح وأنت لا تدخل عليه فيه إنما دخولك على صاحبك وهو جحدك، كالزوج يقر بأخ مع إخوة رورثوا معه معروفين فإنه لا يدخل عليه في شئ.

سحنون: وقيل في العامل إنه يرجع عليه في النصف الذي بيده فيقاسمه على ثلاثة أسهم للعامل سهم وسهمان لرب المال، وإن كان المقر عدلا لم يحلف معه رب المال، لأنه جاز لنفسه، لأني لو أجزت شهادته لأخذ رب المال المائة منهما وبقى بيده كل واحد خمسون.

ابن رشد: قوله: لا تجوز شهادته، صحيح، ووجه القول الثاني: يقسمه أثلاثاً أنه كمال ادعى مدع جميعه وآخر نصفه على مشهور مذهب مالك في هذا التداعي، ويتخرج على هذا التوجيه في المسألة قول ثالث وهو قسمه أرباعا، لأن العامل سلم لرب المال نصف الخمسين، ونازعه في النصف الآخر فيقسم بينهما نصفين، وهو مشهور قول ابن القاسم في هذا النوع وقول سحنون، وقيل: هو قول محمد، وعن أشهب: خلافه أن لكل من العاملين ما يدعيه من الربح يأخذ المقر خمسة وعشرين، لأنه هو الذي يجب له من الربح المائتين وهو قول رابع في المسألة له حظ من النظر، لأن المقر أن رأس المال مائتان أحق بحظه من المائة الربح إذ لم يقر به لأحد، والخمسون التي تجب منها لرب المال استحق العامل الثاني عليه نصفها بيمينه أن رأس المال مائة.

التونسي: إن أتيا بمائتين قال أحدهما ربح، وقال الآخر: بل هي لي، فقال أِهب: القول قوله، لأن يده عليها، وقال ابن القاسم: للقائل أن له المائة ربح أربعة وسدس ولرب المال مائة وثمانية وثلث.

التونسي: أراد أشهب أن أيديهما لما كانت على المال صار كأن مدعي المائة لنفسه يده عليها كقوله فى مال بيد رجلين ادعى أحدهما نصفه والآخر ثلثه.

ص: 67

قال أشهب القول قول مدعي النصف؛ لأن يده عليه.

قلت: في كتاب محمد متصلاً بقول ابن القاسم، لأنهما مقران بالمائة لرب المال فيأخذها تبقي مائة يدعيها أحدهما، والآخر يقول: ليس له فيها إلا ربعها ونصفها لرب المال فدعواه لرب المال ساقطة، فسلم لمدعيها ثلاثة أرباعها وربعها الباقي تداعياه فيقسم بينهما يصير لها منها اثنا عشر ونصف يقول له رب المال: ما حصل من ربح حظي فيه مثل حظك فيقسم بينهما أثلاثاً للعامل ثلثها ولرب المال ثلثاها.

ووجه التونسي قول ابن القاسم بهذا بلفظ فيه بعض إجمال وأتي به كأنه من عند نفسه، وقال آخره: وبقي في المسأله ما فيه ايهام استوعبت جوابة فى شرح ما أشكل من كتاب محمد.

وفى النوادر عن الموازية: ان كانوا ثلاثة معهم ثلاثمائة قال أحدهم رأس المال خمسون، وقال الآخر: مائة، وقال الثالث: مائتان؛ فلمدعي كثرة الربح ثلث نصفه اثنان وأربعون إلا ثلثا وللثانى خمس الباقى على ما ادعى انة الربح لانة زال سهم للأول من ستة فيأخذ اثنين وثلاثين إلا ثلثا لقوله: الربح مائتان لرب المال مائه ولكل واحد منا ثلاثة وثلاثون ثلث أخذ الأول زائداً علي حقه ثمانية وثلثا هي عليهما أخماس ثلاثة أخماسها علي رب المال، وعلي كل منا خمس الباقي له من ثلاثة وثلاثين، وثلت أحد وثلاثون وثلثان، ثم ما بقي من الربح ثلاثة أرباعه لرب المال وربعه للثالث، لأنه يقول الربح مائة علي ستة أسهم ذهب اثنان بسهمين ظلماً والباقي له ربعه، ولرب المال ثلاثة أرباعه والباقي سبعة وعشرون، وللأول أحد وأربعون وثلثان، وللثاني أحد وثلاثون وثلثان، وللثالث سبعة إلا ثلثا، فذلك ثمانون ديناراً.

وفي كتاب ابن سحنون: إن أتي العاملان بثلاثة آلاف قال: رأس المال ألف؛ قال احدهما: ورب المال والألفان ربح، وقال الأخر: الربح ألف وخمسمائة لفلان شريك بها في المال، فإن كان حاضراً والمقر عدل حلف معه واستحقها، وقال المغيرة وابن دينار: وإن لم يكن عدلاً فبيد كل منهما ألف وخمسمائة، منها خمسة رأس المال وألف ربح.

ص: 68

يقسمه المنكر بينه وبين رب المال نصفين والمقر بيده من الخمسمائة التي أقر بها مائتان وخمسون فيأخذها المقر له والباقي بينه وبين رب المال.

وفيها: إن قال العامل هو قراض، وقال ربه، أبضعتكه لعمل لي به، صدق بيمينه وعليه للعامل أجر مثله إلا أن يزيد على نصف الربح فيسقط الزائد، فإن نكل صدق العامل بيمينه إن كان يستعمل مثله في القراض، كذا وجدته في المدونة وفي التهذيب، ونقل الصقلي: قال سحنون: إلا أن يزيد على نصف الربح.

التونسي: الأشبه إن كانت البضاعة بأجر قبل قول العامل بيمينه إن كان الأجر أقل من الجزء الذي ادعاه العامل كاختلافهما في جزء الربح، وإن كان أجر مثله مثل ما ادعى العامل من الجزء أو أكثر فلا أيمان.

قلت: ما قال التونسي أنه الأشبه ساقه اللخمي كأنه المذهب، ولم يذكر ما في المدونة بحال، ومثل هذا لا ينبغي لمؤتمن على نقل المذهب فعله، وما ذكراه يرد بأن دعوى العامل إنما قبلت على رب المال في جزء الربح، لأن رب المال مقر بأن المال بيد العامل على وجه القراض الملزوم لحوز العامل الربح، فترجح قوله لحوزه وأجر البضاعة ليس في حوز العامل إنما هو في ذمة رب المال، وهو غير مقر له بالقراض والأصل عدمه، فإن قيل: إقراره له بالبضاعة يصيره كالصانع، فيجب على أصل المذهب إن كان المال بيد العامل أن يقبل قوله في قدر الأجر.

قلت: إنما كان القول قول الصانع لضمانه فصار المصنوع بيده كرهن، ولذا لا يقبل قوله إن أسلمه، والمبضع معه غير ضامن فهو كأجير.

التونسي: وإن كانت البضاعة لا أجر لها أشبه قوله عملته باطلاً، وقال العامل: بأجر، فالقول قول العامل، وعلى قول غير ابن القاسم: يتحالفان ويكون له أجر المثل ما لم يكن أكثر مما أقر به العامل، يحلف رب المال لإسقاط كل الأجر والعامل لإيجابه ما ادعى فيرجع بعد حلفهما بقيمة عمله إلا أن يكون أكثر مما ادعاه العامل.

قلت: يريد والعامل ممن يستعمل مثله في القراض، وكذا صرح اللخمي بمفهوم هذا الوصف فقال: إن كان مثل المبضع معه لا يستعمل نفسه في القراض أو كان مثل

ص: 69

البضاعة لا تدفع قراضاً ليسارتها، ثم قال: واختلف إن أشبه أن يستعمل في القراض والإجارة أقل من نصف الربح فقال ابن القاسم: القول قول رب المال بيمينه، وقال محمد: يحلفان وللعامل أجر مثله.

قُلتُ: هذا منه تناقض في النقل، لأنه حكى أولاً ما نصه: إن قال ربه: بضاعة بأجر كذا والأجرة أقل من نصف الربح حلف العامل وأخذ النصف إن أشبه أن يقارض به، فإذا كان القول قول العامل ورب المال مقر بأجر فأحرى إن لم يقر بأجر.

ونقل ابن رُ شد لفظ المدونة كما ذكرته أولاً لا كلفظ التهذيب قال: ومعنى ذلك بعد حلف العامل؛ لأن كل واحد منهما مدع رب المالي يدعي أن العامل عمله باطلاً والعامل يدعي أنه عمل على نصف الربح، فإن حلفا أو نكلا كان له الأقل من أجر مثله أو نصف الربح، وإن نكل أحدهما فالقول قول الحالف، على هذا ينبغي حمل الرواية لا على مافي لفظها مما يدل على أنه إن نكل رب المال كان القول قول العامل على حكم المدعي والمدعى عليه، وعليه حمل التونسي وغيره المسألة، وتعقب قوله: إن كان ممن يستعمل في القراض، وقال: ينبغي إن نكل رب المال أن يكون القول قول العامل، وإن كان قوله إن كان ممن يستعمل في القراض ليس من تمام قوله: إن كان عن اليمين كان القول قول العامل، بل المعنى تم بقوله: كان القول قول العامل، وقوله: إن كان العامل يستعمل مثله في القراض إنما هو راجع لحلف العامل ليستحق الأقل من الأجر أو جزء الربح، أنه بكون يستعمل في القراض يكون كل واحد ادعى على صاحبه ما يشبه فوجبت له عليه اليمين على ما قدمناه إن حلفا أو نكلا كان للعامل الأقل 'ن نكل العامل فقط فلا شيء له، وإن نكل رب المال فقط فللعامل نصف الربح، وإن كان العامل لا يستعمل مثله في القراض فلا يمكن من اليمين لإتيانه بما لا يشبه والقول قول رب المال إن حلف استحق ما ادعاه ولا أجر عليه للعامل، وإن نكل كان القول قول العامل، و'ن كان مثله لا يستعمل في القراض؛ أن رب المال مكنه من دعواه ولو كان

ص: 70

المدفوع إليه المال يعلم أنه يعمل للناس بالقراض لكان القول قوله على قول ابن القاسم أنه أخذه على مايدعيه من القراض إن أشبه ما أدعاه من الجزء قراض مثله قياسا على ما في كتاب الجعل والإجارة إذا قال رب الثوب المصانع: عملته باطلاً، وقال الصانع، بل بأجر كذا، وع لى قوله فيها يكون القول قول العامل إن كان الجزء الذي ادعاه قراض مثله فأل، وإن كان أكثر حلفاً معاً وكان له قراض مثله، فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة وهي كون المدفوع إليه المال لا يشبه استعمال مثله في القراض وكونه يشبه ذلك وكونه يعلم أنه يعمل للناس بالقراض، وكذا الثلاثة في الصانع وهي كونه لا يشبه أن يعمل بأجر وكونه يشبه ذلك وكونه من الصناع الذين يعملون للناس بأجر، لا فرق بين المسألتين في الوجه الأول، القول قول رب الثوب أنه عمله باطلاً، وفي الثاني يحلفان معاً وله أجر مثله، وفي الثالث قول ابن القاسم والغير.

قُلتُ: قول الغير نحو ما عزاه اللخمي لمحمد.

اللخمي: عن ابن حبيب، إن قال رب المال: قراض؛ وقال العامل: بضاعة بأجر، فالقول قول بيمينه؛ لأنه يقول: عملت على الإجارة والآخر على الجعالة.

وفيها: 'ن قال ربه: وديعة؛ والعامل: قراض؛ صدق ربه، والعامل مدع لطرح الضمان ع ن نفسه.

محمد: هذا إن تلف المال.

ابن شاس: وتلف بعد تجره فيه.

اللخمي: كمن قال: أودعتك هذه السلعة، وقال الآخر: أذنت لي في بيعها، وقول ابن عبد السلام: أشار بعض الشيوخ إلى وجود نص خلاف في ضمانه إن ضاع قبل التحريك، وهو بعيد في الفقه لا أعرفه وغير منصور لا بعيد، لانحصار الدعوتين في أمرين كل منهما ينفي ضمانه، وعادة العلماء والمحدثين في نقل العرائب والشواذ تعيين قائلها، قال: ولا يبعد تخريج الخلاف في تلفه بعد العمل به، فقد اختلف إذا كان العامل غائباً وتنازعا على هذا الوجه فروى ابن القاسم، وقال: القول قول الدافع، وقال أشهب: وروى ابن عبد الحكم، أن القول قول قابض المال، إذ لا يؤخذ أحد بأكثر

ص: 71

مما أقر به.

قُلتُ:: قوله: اختلف إن كان المال غائباً وتنازعا على هذا الوجه إلخ، يقتضي أن هذا الخلاف في قول ربه وديعة، وقال القابض: قراض، وليس الأمر كذلك، إنما ذكر ابن رُشد هذا الخلاف في قول ربه: قرض، وقال الآخر، وديعه، ولا يلزم من قبول قول العامل أنه وديعة قبول قوله أنه قراض، محمد: عن ابن القاسم: إن كان المال في سلعة وبيعت بفضل قيل للعامل: اتق الله إن علمت أنه قراض فادفع إليه ربحه، ولا يحكم عليه بذلك وعلى رب المال بأخذه، ابن القاسم: وإن قال المال وديعة والمال في سلعة، وقال ربه: قراض العامل، لأن ربه مدع في الربح، ويقال له: اتق الله إن جاء في السلعة نقص لا تضمنه إن علمت أنه قراض 'ن أبى فالحق حقه؛ لأنه حكم نفذ بإقرار العامل إن رجع لقول رب المال بعد البيع لم يقبل قوله.

ابن رشد: إن قال ربه: قرض، وقال القابض: وديعة؛ فإن كان المال حاضراً أخذ رب المال ماله، وإن كان غالباً فذكر ما تقدم لابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم، قال: وإن تلف قبل أن يحركهأو بعد أن حركه وصرفه في موضعه ببينة على القول أن المودع أن تجر في الوديعة لا يصدق في صرفها لموضعها إلا بينة على ذلك أو بغير بينة على القول أنه يصدق في ذلك ففي كون القول قول رب المال أو القابض ثالثهما: إن تلف بعد حركته لابن القاسم مع روايته وربيعة مع من تبعه وأشهب، وأما على أن المودع إن حرك الوديعة لا يبرأ من ضمانها إلا بردها لربها فهو ضامن لها دون يمين على الدفع، ومن تأمل قول ابن رُشد هذا وتصور ما تقدم من قول ابن عبد السلام فيما إذا قال رب المال، وديعة، وقال القابض: قراض؛ أشار بعض الشيوخ إلى وجود نص خلاف في ضمانة إذا ضاع قبل التحريك، وقوله: اختلف إ ذا كان المال غالباً .. الخ، علم أنه وهم نشأ عن اعتقاده أن ماذكر ابن رُشد في قول رب المال أنه قرض، وقال القابض: إنه وديعة؛ أنه ذكر في قول رب المال أنه وديعة، وقول القابض أنه قراض فتأمله.

ابن رُشد: وإن قال ربه: قرض؛ وقال القابض: قراض؛ فإن كان تلف كله أو

ص: 72

بعضه قبل أن يحركه فلفي كون القول قول رب المال أو القابض ثالثها: إن كان بعد أن حكه لابن القاسم مع روايته ورواية ابن عبد الحكم مع ربيعة وأشهب، فوافق ابن القاسم على قبول قول ربه إ ن تلف بعد أن حركه؛ ألأن القابض يدعى فيما حركه نفي الضمان، وقياس أصله أن يكون القول قوله، وإن كان قد حركه، لأنه لم يحرك إلا ما اذن له رب المال في تحريكه، فإن كان في المال ربح فقيل: يوقف من رجع منهما لقول صاحبه أخذه، وإن رجع الثاني إلى قول الأول بعد أن كان يعد أن رجع الأول إلى قول الثاني لم يوجب رجوعه على الذي رجع أولاً يميناً، وقيل: يأخذه رب المال، وهو الآتي على قول ابن القاسم في كتاب الرهون، وعلى ما لأشهب في كتاب إرخاء المستور، وإن كان مقيماً على إنكاره، وقيل: ليس له أخذه، وإن رجع لقول من أقر له به.

قُلتُ: للصقلي: إن طال بعد وقفه يصدق به، وقول ابن الحاجب: إن قال العامل: قراضي أو وديعة؛ وقال ربه: قرض؛ فالقول قول رب المال خلافاً لأشهب يقتضي أن قول أشهب مطلق، والذي تقدم لابن رشد الفرق بين كون ضياع قبل تحريكه أو بعد، وكذا ذكره الصقلي عنه، وذكر في رواية ابن عبد الحكيم عن ربيعة ومالك من كتاب محمد قال: وأراها رواية ابن وَهب، وذكر مثل ابن حبيب.

قال: ورجع مالك لمثل قول ابن القاسم، وقاله أصبغ، وأخذ الأخوان، وابن وهب وأشهب يقول مالك الأول، وبه أقول، وسمع عيسى ابن القاسم: من ادعى مائة دينار وديعة بيد رجلن فقال: إنما دفعتها إلى قراضاً} وربحت فيها مائة لك منها خمسون فيأبى أخذها استؤتي بها لعله أن يأخذه، فإن أبى تصدق بها، فإن مات فطلبها وارثه أخذها إن شاء المقر ذلك.

ابن رشد: في أخذه الخمسين ولو بقي على إنكاره أو شرط رجوعه لقول العامل، ثالثها: به ويرضى العامل لأحد قولي سَحنون في نوازله في الاستحقاق، ولقوله مرة مع الآتي على ما لابن القاسم في كتاب الرهن منها ولأشهب في إرخاء الستور منها، وظاهر هذا السماع فيه، وفي وارث مع نص لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح، وإنما يكون له على القول بأخذها إن أكذب نفسه ورجع لتصديق صاحبه مالم يسبقه

ص: 73

صاحبه بالرجوع لقوله، فتحصيل هذا القول أن من سبق بالرجوع لقول صاحبه استحق الخمسين دون يمين.

قُلتُ: مقتضى قول ابن رشد أن وارث رب المال بمنزلته فيما يجب في الخمسين.

وقال الصقلي: إنما لم يقض على العالم يدفعها له، لأن الميت مات على أن لاحق له فيها فلا تورث عنه ولا يقضي منها دينه وصار كواهب شيء في صحته أخرجه من يده.

قُلتُ: هذا نص في التفرقة بين الوارث ومؤرثه خلاف قول ابن رشد، والصواب قول ابن رشد لما ذكر عن سماع عيسى، وهو قوله فيمن تزوجت ولها ولده، ثم ولدت من هذا الزوج ولذا فمات ولدها الأول فطلب زوجها إرث ولده منه فقالت: لم يكن ولدي إنما هو ولد كان لسدها ترضعه، فأقام زوجها بينه أنه ولدها فثبت إرث ولد زوجها منه، ثم رجعت فقالت: هو ولدي؛ فإنه لا يقبل قولها ولا وارث لها منه بعد إنكارها، ابن الحاجب في قول العامل: قراض أو وديعه، وقال ربه، قراض فالقول قول رب المال خلافا لأشهب فلو قال: بل عصيتنيه؛ لم يصدق، وقيل: إلا أن يشبه.

قُلتُ: قُلتُ: لا أعرف نص هذا الفرع في هذا الباب، ويقرب منه قولها في الجعل والإجارة إن قال الصانع، استعملتي هذا المتاع، وقال ربه: سرقته مني؛ فالقول قول الصانع، فإن كان ممن لا يشار إليه بذلك عوقب رب الثوب وإلا لم يعاقب وقولها في كتاب الوديعة من ادعى عليه سرقة مال أو غصبه فقال وديعة صدق ولا يضمنه.

قال: ابن عبد السلام: القول الثاني بعيد لاعتماده على مجرد الأشبه، ولا يحتج له يقول مالك في التي تأتي متعلقة تدمى وتدعي على رجل أنه اغتصبها/ فإن تعلقها به في تلك الحال أمر زائد على مجرد دعواها.

قُلتُ: ظاهر لفظه هذا تسليم وجود هذا القول إلا أنه بعيد ورده الاحتجاج له بقوله: تعلقها به أمر زائد على مجد دعواها فيه نظر؛ أن وصفه الشبه أيضاً في قول رب المال إنما يكون بأمر زائد على مجرد دعواه، وقد يؤخذ هذا القول مما وقع في ثاني مسألة من سماع يحيى ابن القاسم من كتاب الغصب وهو قوله، من عرف بالغصب لأموال

ص: 74

الناس لا ينتفع بحيازة مال غيره في وجه، ـ فلا يصدق من أجلها على ما يدعيه من شراء أو عطية وإن طال بيده أعوامّا إذا أقر بأصل الملك لمدعيه أو قامت له بين بينة.

فال ابن رُشد. وهذا صحيح لا خلاف فيه، لأن الحيازة لا توجب الملك، إنما هي دليل عليه توجب تصديق غير الغاصب فيما ادعاه من تصيره إليه، لأن الظاهر أنه لا يجوز أخذ مال أحد وهو حاضر لا يطلبه، ولا يدعيه إلا وقد صار إلى حائزه إذا حاز العشرة أعوام ونحوها.

قُلتُ: ووجه أخذه أن يد العامل دليل صدقه كالحيازة، فإذا وجب إبقاء دلالتها لكون الحائز معروفا بالغصب فكذا يد العامل إن كان معروفا بذلك، ولكن ابن الحاجب أجمل موجب الشبه، وذكر القول نصّا ولا اعرفه إلا قول اللخمي أثر مسألة الوديعة ما نصه، إلا أن يكون مثله لا يودع ويشبه الغصب فيقبل قول المدعي ويغرمه المال.

ص: 75