الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخالط الذي لا يكاد يخالف مستعمله دون تسمية أجر إذا فرغ راضاه بشيء يعطيه ابن رُشْد؛ لأن الناس استجازوه كما يعطي الحجام وفي الحمام وفي المنع منه حرج في الدين، وغلو فيه وكره النخعي أن يستعمل الصانع إلا بشيء معلوم وقاله ابن حبيب.
[باب فيما يجب تعجيله من الأجر في الإجارة]
وفيها: إن واجرته علي إن خاطه اليوم فله درهم، وإن خاطه غداً فنصف درهم، وإن خاطه خياطة رومية فبدرهم وإن خاطه خياطة عربية فنصف درهم لم يجز، وهو من وجه بيعتين في بيعة إن خاطه فله أجر مثله مطلقاً كالقيمة في البيع الفاسد.
قال غيره في الأولي: إلا أن يزيد علي درهم أو ينقص عن نصف درهم وقدروه ما حاصله تقدير الخياطة بحال ما فعلت من تعجيل وتأخير.
قُلتُ: وينبغي إن خاطه لأبعدمن طول الأجلين أن تكون فيه القيمة ولو كانت أقل من نصف درهم وسمع ابن القاسم: من واجر غلماناً للخياطة شهراً بأجر سمي فطرح علي غلام منهم بعض
ثياب يحكيها في يوم تمامه في يوم لايحسبه من الشهر إن كان ذلك شيئاً يسيراً يوماً وشبهه، ويعرف
أنه إن اجتهد فيه فرغ منه من يومه فلا بأس به وإن كثر كرهته.
ابن رُشْد: إن فرغ منها في بعضه فله بقية يومه، إن لم يفرغ منه كان عليه؛ لأنه في الكثير كعشرة أيام غرر إن خاطها في خمسة استوجب أجرة في خمسة وعشرين يوماً، وإن خاطها في خمسة عشر استوجبه في خمسة وثلاثين يوماً فصار أجره مجهولاً فإن نزل وخاطها في أقل من عشرة لم يلزمه عمل بقيتها؛ لأنه يقول أجهدت نفسي بما لا يلزمني وإن خاطها في أكثر منها لم يلزم المستأجر أن يحسب
له الزائد علي العشرة؛ لأنه يقول فرطت، ولو اجتهدت الاجتهاد الذي يلزمك لفرغت منها في اقل
عشرة.
وفيها: وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل الفراغ وامتنع رب العمل.
قُلتُ: وينبغي إن خاطه لأبعد من أطول الأجلين أن يكون فيه القيم، ولو كانت أقل من
نصف درهم حملوا علي المتعارف بين الناس فيه، فإن لم يكن لهم سنة لم يقض لهم إلا بعد
الفراغ.
وله في كراء الدار والراحلة وبيع السلع ونحوه بقدر ما مضي ابن القُصَّار كل ما مضي يوم
استحق أجره.
زاد اللخمي: وقال مالك في العتبيَّة: كل شيء اشترط عمله بيده فطلب تقديم أجره فليس
له ذلك حتي يبدأ في عمله فيقدم له أجره.
قُلتُ: ظاهره أن معني قول مالك أنه يجب له تقديم أجره ببدايته في العمل، وليس
الأمر كذلك؛ لأن لفظ السماع من استأجر صانعاً علي عمل عرف أنه يعمله بيده أو شرطه عليه فسأله تقديم أجره، وهو يقول لا أعمله إلي شهر لا يصلح تقديم أجره له حتي يبدأ في عمله فإن بدأه قدمه إليه إن شاء، فإن مات قبل تمامه كان له بحساب ماعمل ولم يكن له في مال العامل تمام العمل.
ابن رُشْد: الإجارة علي عمل معين كنسج الغزل إن كان مضموناً في الذمة لم يجز إلا بتعجيل الأجر والشروع، وإن تأخرا كان الدين بالدين فلا يجوز إلا بتعجيل الطرفين أو أحدهما.
قُلتُ: قال في المقدمات: الإجارة الثانية حكمها حكم السلم في تقديم الأجر وضرب الأجل ووصف العمل، وقال القاضي: يجب تعجيل الأجرة أو الشروع في الاستيفاء؛ يريد: إن كان العمل يسير ليخرج عن الدين بالدين.
قال في السماع: وإن كان متعيناً في عينه جاز تعجيل الأجر وتأخيره علي أن يشرع في العمل، فإن لم يشرع فيه إلا إلي أجل لم يجز النقد إلا عند الشروع، فإن صرح بأن العمل مضمون كقوله أستأجرك علي كذا في ذمتك إن شئت عملته بيدك أو بغيرك أو بتعيينه كأستأجرك علي عمل كذا بنفسك أعطي كل منهما حكمه وإن لم يقع تصريح، وظاهر اللفظ أنه مضمون كقوله: أعطيك كذا علي خياطة هذا الثوب حمل علي المضمون اتفاقاً، إلا أن يعرف أنه يعمله بيده، أو كان مقصوداً عمله لرفقه وإحكامه وأن ظاهره التعيين كأستأجرك علي خياطة هذا الثوب، أو علي أن تخيطه ولا يقول أنت ففي حمله علي المضمون أوالمعين قولان لظاهرهذا السماع مع ابن حبيب عن أَصْبَغ ومالك، وإلا في علي ربهم لم يدرك من سماع عيسي من الأيمان بالطلاق.
قُلتُ: وله في مسائل الرواحل والدواب، زيادة وتفسخ الإجارة في المعين يموت الأجير لا في المضمون، ويكون العمل في ماله أو ما بقي منه، وفي فسخها في الوجهين بهلاك المتاع المتاجر، عليه قولان المشهور علي ما يأتي في رسم المحرم في هذا السماع وسماع يحي ابن رُشْد، وقوله:(إن بدأ في عمله قدم أجره أن شاء) يدل علي أنه لا يجب عليه إلا بشرط أو عرف، فإن لم يكن أحدهما لم يجب إلا بتمام العمل بخلاف الأكرية
وهو نصها في كتاب الجعل، وقوله في:(لا أعمله إلي شهر) لا يصلح تقديم أجره حتي يبدأ يدل علي جواز الإجارة إن لم يقدم الأجر، وهو نحو قولها في الرواحل يجوز كراء الراحلة بعينها علي أن يركبها إلي شهر إن لمينقد.
وقال ابن حبيب: من استأجر أجيراً علي أن يشرعفي عمل إلي أيام لم يجز إلا إلي الأيام القليلة كالجمعة فيحتمل أن معناه: مع النقد فتتفق الأقوال.
ابن فتوح: إن قام من واجر عبده بطلب أجره بعد تمام عمله فأجرته تجري مجري الحقوق في الفسحة ضرب الأجل إذا وجب ذلك، وأجر العبد الذي يواجر نفسه أو الحر إذا طلب ذلك بعد الخدمة.
قال ابن حبيب: لا ينبغي أن يحملا كالحقوق عند وجوبها، ويجب تعجيل أجرها لا تؤجل لقوله صلى الله عليه وسلم:((أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه)) إلا أن يؤجر الأجير من أستأجره بأجرة سنة، ثم طلبها بعد ذلك فيحمل محمل الحقوق في الفسحة وضرب الأجل.
ابن الحاجب: ولايعجل الأجر إلا بشرط أو عادة إلا أن يكون عرضاً معيناً، أو علي إجارة مضمونة.
قًلتُ: ظاهره وجوب تعجيله في الإجارة المضمونة مطلقاً، ولو قدمته وهو خلاف ظاهر المذهب حسبما تقدم في كلام ابن رُشْد، وقاله الشَّيخ أيضاً، والعرض المعين أجراً كشرائه يجب تعجيله في أول الرواحل، منها من اكتري دابة أو استأجر أجيراً بمعين من عرض أو صوان أو طعام فتشاحا في نقده ولم يشترطا شيئا، فإن كانت سنة البلدً في الكراء النقد جاز وقضي بقبضه، وإلا لم يجز الكراء ولو عجلت هذه الأشياء كبيعها علي أن لا يقبض إلا إلي شهر.
الصقلي: قول ابن حبيب: وفيما يفسد الكراء بتأخيره والجواز حتي ينصا على
التأخير ولو كان العرف التأخير، وكذا نقله اللخمي.
الصقلي: وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن عقد الكراء لا يوجب نقد ثمنه بخلاف شراء السلع؛ لأنها تقبض بنفس دفع عوضها والمنافع لا يمكن ذلك فيها، ورجح اللخمي قول ابن حبيب.
قال: لأنه لو باع سلعته بثمن إلي أجل حملا علي تعجيل قبضها.
قال: وكون الكراء بما لا يصلح تأخيره والرطب واللحم والمقتات محمول علي النقد؛ لأنه لا يقصد تأخيره.
قُلتُ: الأولي أن يقول بقصد تعجيله، وقبل ابن شاس إجراء الطرطوشي قولي ابن القاسم، وابن حبيب في اعتبار العرف الفاسد ولغوه، قال: وهو قول ابن الماجِشُون، وغيره من المدعيين وتبعه ابن الحاجب، ويرد باقتضائه قصر قول ابن القاسم بالفساد علي كون العرف التأخير، وظاهر قوله أو نصه فيها: أنه إن لم يكن العرف بالتعجيل، ولا شرطاه فالعقد فاسد كان العرف التأخير، وظاهر قوله أم لا بل هما بناء علي تغليب اقتضاء تعذر تعجيل قبض المنفعة تأخير عوضها، أو تغليب اقتضاء العقد التعجيل كالبيع ولو كان مؤجلاً ثمنه حسبما تقدم من كلام الصقلي واللخمي.
قال ابن الحاجب: ومنافع المعين كالمعين ولذلك جاز سكني بسكني دارسته وأولهما متفق أو مختلف ابن هارون يعني: أنه لا يجب نقد الأجر في منافع المعين بل يجوز بدء من غير أنه لا يجوز أخذ منافعه عن دين بخلاف المعين، ولكونها كالمعين جاز سكني دار سنة بسكني دار ولو اختلفت السنة.
وقال ابن عبد السلام: يعني: أن حكم منافع المعين في كونها عوضًا في الإجارة حكم المعين، وقوله: وأولهما متفق أو مختلف؛ أي: سواء كان أول سكني الدارين متفقاً من يوم العقد أو بعده بشهر أو مختلفاً لكون إحداهما من يوم العقد، والأخري بعد ذلك بشهر.
قُلتُ: تفسير قوله: (أو مختلف) بقوله: (يجوز علي أن سكني إحدهما من يوم العقد والأخري بعده بشهر مع كونها عنده كالمعين) غير صحيح؛ لأنه يصير ككراء دار
بعرض معين علي أن يقبضه بعد شهر وهذا غير جائز حسبما تقدم هنا، وفي البيوع والأقرب تفسير ابن هارون وواضح من المذهب أن منافع المعين كالمعين في بيعها بدين لا في تأخير قبضها علي العقد؛ لأنه لا يجوز تأخير قبض المعين عن عقد بيعه شهراً بشرط، ويجوز ذلك في منافع المعين من دار أو أرض بخلاف الحيوان حسبما يأتي إن شاء الله تعالي؛ لأن المعين من غير المنافع لا يجوز تأخيره لوجهين للغرر في بنائه غير متغير، واحتمال الضمان بالجعل بالزيادة في ثمنه لضمانه بائعه مدة التأخير حسبما قاله أشهب في السلم الأول منها، ومنافع المعين لا يتصور فيها الضمان بالجعل؛ لأنها علي ملك بائعها تقتضي والغرر فيها لمثل ذلك التأخير منتف لأمن الرباع، وفي أكرية الدور منها لا بأس بكراء دار أو أرض بأرض وكراء تزرعها العام بأرضك يزرعها قابلاً إن كانت أرضك مأمونة، وسمع القرينان لا بأس أن يقول الرجل العامل لمثله أعني خمسة أيام، وأعينك خمسة أيام في حصاد زرعه ودرسه وعمله ابن رُشْد؛
لأنه من الرفق ومنعه ضرر بالناس؛ لأن الكثير منهم لا يقدر علي الا ستئجار، وإن قدر ربما استغرقته الإجارة فكان ذلك ضرورة تبيح ذلك، إنما يجوز ذلك فيما قل وقرب من الأيام، وإن اختلفت الأعمال في رسم البيع من سماع أَصْبَغ لأشهب لا بأس أن يأخذ الرجل عبد الآخر النجار يعمل له اليوم علي أن يعطيه عبده الخياط يخيط له غداً، وإن قال له: احرث لي في الصيف وأحرث لك في الشتاء فلا ضير فيه، والمرأة كقوله للمرأة انسج لي اليوم وأنسج لك غدا لا بأس به، وكذا انسج لي اليوم وأغزل لك غداً إذا وصفت الغزل.
قًلتً: وعلي هذا الأصل تجري مسألة دولة النساء الواقعة في عصرنا في اجتماعهن في الغزل حتي يستوفين، فإن قربت مدة استيفائهن الغزل لجميعهن كالعشرة الأيام ونحوها وعينت المبتدأه لها، ومن تليها إلي آخرهن وصفة الغزل جاز، وإلا فسدت وفيها لو كان الأجير عيناً بعينه، فإن لم يكن كراء البلد بالنقد لم يجز، إلا أن يعجلها كقول مالك: فيمن ابتاع سلعة بدنانير ببلد آخر فإن شرط ضمانها إن تلفت جاز، وإلا فلا، وكذا الكراء إن لم ينقد في مثله لم يجز إلا بشرط ضمانها، ولا يجوز شرطه في عرض
أو طعام وأجازه غيره في الدنانير، وإن تلفت ضمنها ابن القاسم، ولو قال المكتري: أعجل الدنانير والعروض فلا بد من فسخه لفساد العقد.
الصقلي وعبد الحق عن بعض القرويين: إنما يجب شرط ضمان الدنانير في الشراء بها إذا اشترط قبل البيع بها؛ لأنه يصير كنقد في غائب وكذا وقع لمحمد وهو تفسير.
قُلتُ: فيفرق بين قرب غيبتها وبعدها قال غيره: ولابد من الخروج إليها كالغائب، ولذا لم يشترط ضرب الأجل؛ لأنها لو كانت متعلقة بالذمة فقط علي أن تقبض ببلد آخر لم يجز لعدم ضرب الأجل.
وفي الموازيَّة: إن لم يشترط خلفها صح البيع، ووقفت السلعة كمن اشتري سلعة حاضرة بغائبة، ويخرج فإن وجد الدنانير تم البيع، وإلا بطل إلا أن يرضي المشتري بدفع غيرها.
قُلتُ: مثله في رسم الجواب من سماع عيسي من السلم والآجال، وفي رسم القبلة من سماع ابن القاسم: قال ابن رُشْد: الآخر قول الغير بناء علي أن العين لاتتعين، وقول ابن القاسم علي أنها تتعين وقوله استحسان؛ لأن قياس تعينها أن لا يجوز شرط ضمانها كالعروض.
عياض: قوله: (أو لا لم يجز إلا لمن لم يعجلها)؛ يريد: باشتراط في العقد، وكذا قوله بعد هذا.
وفيها: لابن القاسم: لا يعجبني تأخير الدنانير المعينة اليوم واليومين إلا بشرط ضمانها أو وضعها رهناً بيد غير المشتري، ولم يكرهه غيره إذا لو استحقت لقضي بمثلها.
الصقلي: لو إن تلفت في اشتراط تأخيرها اليوم واليومين دون عذر ولا ضمان علي قول ابن القاسم: ففي مضي العقد كالعرض، وفساده قولا شُيُوخنا، والأول أبين وفيها لا تجوز الإجارة علي سلخ شاة بشيء من لحمها.
ابن شاس: لو استأجر السلاخ بالجلد والطحان بالنخالة لم يجز.
قُلتُ: الجلد جار علي ما تقدم في بيعه والنخالة تجري علي حكم الدقيق، وفيها تجوز الإجارة علي طحن إردب حنطة بدرهم، وقفيز من دقيقه لقول مالك ماجاز بيعه
جاز الإجارة فيه.
محمد: لا يجوز اطحن لي هذا الإردب بقفيز من دقيقه، وكذا الزيت في الزيتون بخلاف بيع ذلك؛ لأن فيه إن هلك رجع المبتاع بثمنه وفي الجعل تقدم له فيه عمل، ثم يهلك فلا يرجع بشيء؛ لأنه غير مضمون فيذهب عمله باطلا ولو ضمنه ربه فسد.
الصقلي: لأنه معين فشرط ضمانه يفسده.
وأجازه ابن حبيب، قال: ولم يجزه ابن القاسم؛ لأن الدقيق إن ذهب ذهب عمله محمد باطلًا ونحن نري إن ذهب بعد طحنه قبل أخذ الأجير القفيز فله أجر طحنه.
الصقلي: كما لو استأجره بمد دقيق معين علي عمل يعمله، وهلك الدقيق قبل قبضه أو استحق ولو بعد قبضه.
التونسي: إن كان الأجير غير صانع بطل قول محمد؛ لأنه باع عمله بدقيق معين فإذا تلف قبل كيله رجع بقدره من الإجارة كما لو أجره بثوب فاستحق، وإن كان صانعاً وضاع الدقيق ببيته بعد طحنه فعلي القول قولها لا أجر له ويرد الدرهم، وعلي قول محمد: المصنوع قابض للصنعة ينظر في قيمة الدقيق هل هي مساوية للدرهم أو أقل أو أكثر، فيكون كأخذ سلعة من سلعتين استحقت بعد فوات عوضها إن كانت قيم الدقيق درهمين علي قول ابن القاسم فيها، يرد الدرهم ويأخذ قيمة جميع طحنه، وقيل يرجع بثلثي قيمة طحنه ويمضي الدرهم بثلثها.
قُلتُ: عزا أبو عمران الأول لفضل، وذكر الثاني قبله كأنه المذهب عنده.
اللخمي: إن ضاع قبل طحنه ببينة وكان الدرهم مساويًا للثمن أو أكثر انفسخت الإجارة في مناب الثمن لا فيما ينوب الدرهم علي المستأجر أن يأتي بقدره يطحنه له، وإن لم تقم بضياعه بينة، فرأي ابن القاسم في هذا الأصل مرة أنه غيبه فيغرم جميعه ويطحنه ويأخذ الثمن منه، ومرة لم يبلغ به أنه غيبه حقيقة فيحلف لقد ضاع، ولا يغرمه ولا يطحن إلا بما قابل الدرهم، وإن طحنه وادعي ضياعه غرمه مطحونًا ولم يصدق، وأخذ الثمن منه، وإن قامت بضياعه بينة فقال ابن القاسم: لا ضمان عليه ولا أجر له
فعلى هذا يأتي ربه بطعام ويطحن الأجير مناب الدرهم كما لو لم يطحنه، وقيل: له الأجر فيأخذ الدرهم، وأجر المثل فيما ينوب الثمرة.
ابن حبيب: بطحنه بنصفه دقيقاً لا يجوز؛ لأنه حصل بغرر والأول إجارة بشيء معلوم.
الصقلي: رأي أن نصف ما يخرج من الدقيق مجهول لاختلاف الريع.
قُلتُ: هو خلاف قولها خفف مالك بيع الحنطة علي أن علي البائع طحنها، إذا لا يكاد الدقيق يختلف لو اختلف خروجه ماجاز.
سمع ابن القاسم: لا خير في شراء ثوب من حائك نسج جله، ونقد ثمنه علي أنه يتم نسجه؛ لأن الثوب يختلف لو اختلف وجه نسجه.
سَحنون: هذه جيدة فقس عليها غيرها.
ابن رُشْد: لم يجز؛ لأنه بيع وإجارة في المبيع إنما تجوز في قول ابن القاسم وروايته فيما يعرف وجه خروجه كالقمح علي أن البائع يطحنه، والثوب علي أن عليه خياطته استحساناً لا قياساً، وفيها: لا يعرف وجه خروجه مما يمكن إعادته ليأتي علي الصفة كالفضة علي أن عليه صوغها، وشبه ذلك ما ليس كذلك كالزيتون عل أن عليه عصره لا يجوز بحال، وسَحنون لا يجيز ذلك بحال مطلقًا، وفيها: لا يجوز علي دبغ جلود بنصفها، أو نسج ثوب بنصفه.
محمد ابن أَصْبَغ: إن نزل فله أجر عمله، والجلد والثوب لربهما.
الصقلي: إن فات الجلد بيد الصانع بعد الدبغ فله نصفها بقيمتها يوم خرجت من الدبغ، ولربها النصف الآخر وعليه أجر مثله في دبغها، ولو دفع له نصفها قبل الدبغ علي دبغها مجتمعة لما فاتها بالدبغ فله نصفها بالقيمة يوم قبضها، وأجر عمله في نصفها ونحوه للقابسي.
اللخمي: إن قال له ادبغ نصف هذه المائة بنصفها، وشرط نقده جاز إن اعتدلت في القسم والعدد أو تقاربت، وإلا فلا لجهل عدد والمستأجر عليه منها فإن لربه فسخ حتي قاسمه، ودبغ جميعها فله النصف الذي أخذه أجرة بقيمته يوم قبضه، وأجر المثل
في النصف الآخر، ولو قال: ادبغ ديغها بنصفها لم يجز قولاً واحداً إلا؛ لأن أجرتهنصفها بعد الدبغ، فإن دبغها فله أجر مثله في كلها، فإن ضاعت قبل ذلك ببينة فهي من بائعها، وإن لم يعلم ضياعها إلا من قوله ضمنها علي حكم الضياع، وإن شرع في العمل مكن حتي يتم، وكذلك النسج في الغزل بنصفه إن أخذ في النسج مكن من التمادي؛ لأن في نزعها مضرة، فإن بقيت في بيده بعد الدفع علي انه شريك فيها ففاتت بحوالة سوق ضمن نصف قيمتها يوم الفراغ، ويختلف إن قال: لك نصفها من اليوم علي دبغ جميعها فشرع في الدباغ هل هو فوت فيضمن نصف قيمتها أو ليس بفوت؛ لأنه غير ممكن من ذلك النصف لما حجر عليه أن يدبغه ولا يبين والأول أبين.
قُلتُ: قوله: (إن شرع في العمل مكن) خلاف قول أهل المذهب في المساقاة الفاسدة أن ما يرد منها لإجارة المثل يفسخ ولو بعد العمل بخلاف ما يرد منها لمساقاةالمثل فتأمله، وفيها: لا يجوز تعليم العبد صنعة سنة بنصفه إذ لا يقدر علي قبض ماله فيه قبل سنة، وقد يموت العبد فيها فيذهب عمله باطلاً.
الشَّيخ: إن نزل وكان علي قبض نصفه بعد السنة فإن فات وعثر عليه عند تمامها قبل فوته بيد معلمه فله قيمة تعليمه والعبد لربه، وإن فات بيد المعلم بعد السنة فالعبد بينهما وعلي معلمه نصف قيمته يوم تمام السنة معلمًا، وعلي ربه قيمة تعليمه.
قال: ولو كان علي قبض نصفه الآن لم يجز، فإن فات بيد معلمه ببلد بعد تمام السنة فله نصف قيمة تعليمه، وعليه نصف قيمته يوم قبضه، ويكون بينهما ابن الحاجب، ولو أرضعت بجزء من الرضيع الرقيق بعد الطعام لم يجز.
قُلتُ: هذه مثل مسألتنا في تعليم العبد بنصفه، ولا أعرفها بفرضها في الرضاع لأهل المذهب بل للغزالي في الوجيز، وفيها إن دفعت غلامك إلي خياط أو قصار ليعلمه ذلك العمل بعمله سنة جاز، وقال: غيره بأجر معلوم أجوز.
الصقلي عن يحيي: والسنة من يوم أخذه.
بعض شُيُوخ عبد الحق: ما حاصله إن مات العبد في نصف السنة، فإن كان قيمة تعليمه في النصف الأول مثلي قيمة تعليمه في النصف الثاني، وقيمة عمله في النصف
الأول نصف قيمة عمله في النصف الثاني رجع علي ربه بثلث قيمة تعليمه.
قُلتُ: الأظهر منع إجارته بعمله؛ لأنه يختلف عمله بحسب سرعة تعلمه وبعده فيها إن قال احصدزرعي هذا، ولك نصفه أو جد نخلي هذه، ولك نصفها جاز، ولا ترك له وهي إجارة.
عبد الحق: إذا حصده جبراً علي درسه وقسمه حباً ولا يجوز قسمه قتا؛ لأنه حظر ويدخله التفاضل.
قال يحيي عن ابن القاسم: إن حصده أو بعضه، ثم احترق هو منها وعليه أن يستعمله في مثله، أو في مثل مابقي عليه.
قال سَحنون: عليه نصف قيمة الزرع لا حصاد مثل نصفه يحيي بن عمر؛ لأن الزرع يختلف.
عياض: ظاهر قوله هنا: فهو حين حصده وجب له نصفه أنه إنما يجب له نصفه بحصاده، والذي يأتي علي أصولهم أنه يجب له بالعقد؛ لأنهم جعلوا ماهلك قبل حصاده وبعده من الأجير، وفيها: إن قال له إذا حصدت أو لقطت فلك نصفه جاز وله التزامه متي شاء؛ لأنه جعل، وقال غيره: لا يجوز.
الصقلي: هما في الموازيَّة روايتان
قُلتُ: هما بناء علي الاكتفاء في علم قدر الجعل بالنسبة للجاعل بمجرد معرفة نسبته لما يجعل له، وللمجعول له بعلمه له حين فعله أو اشترط علم قدره في العقد كالبيع، وفيها: إن قال مع ذلك اليوم فلا خير فيه إذ لا يجوز بيع ما يحصد اليوم ولا يجوز في الجعل أجل، إلا أن يشترط تركه متي شاء.
وسمع عيسي ابن القاسم: لا خير في قوله: جد نخلي اليوم ولك نصف ماتجد ومتي شئت فاخرج؛ لأنه وقع علي يوم بعينه فلا يحل إلا بشيء ثابت كقوله: تقاض ما لي علي فلان إلي شهر ولك نصفه فلا خير فيه، وإن لم يضرب أجلًا فهو جعل فجاز؛ لأنه ليس لربه منعه العمل وللعامل الترك متي شاء.
ابن رُشْد: إنما لم يجز مؤجلا؛ لأنها إجارة بمجهول ففسدت فلا يصلحها شرط
الخيار، ولو قال: إن جددت في هذا اليوم من نحلي هذه شيئاً فلك نصفه جاز الفرق أن هذا جعل والأول إجارة.
فإن قيل: إن هذه الإجارة إذا اشترط فيها الخيار علي هذا الوجه عادت جعلاً؛ لأنه في الوجهين معاً لا يلزمه العمل، وإن عمل فله نصف ما عمل قيل: إن استويا في هذا افترقا في وجه آخر هو أن الإجارة لا تنفسخ بتلف المستأجر عليه إلا علي اختلاف، والجعل تنفسخ بتلف المجعول فيه اتفاقًا فوجب أن لا تعود الإجارة بسرط الخيار فيها جعلاً، فإذا بقيت وكانت فاسدة لم يصلحها الخيار، وكان الشُيُوخ من أدركناه ومن لم ندركه يجعلون قول ابن القاسم فيها خلاف قوله في المدَوَّنة: في بع لي هذا الثوب اليوم ولك درهم أنه مايراه شرطًا أن يترك متي شاء وليس بصحيح؛ لأن استئجار الرجل يومًا بدرهم علي أن يبيع فيه ثوبا جائز؛ لأن الأجر فيه معلوم فإذا جازت الإجارة فيه جاز شرط الخيار فيها بأن يترك متي شاء، وله من الدراهم بحسب ما مضي من اليوم، إن لم ينقده، ونص علي هذا في أول كتاب الجعل والإجارة، ومسألة التقاضي لا يجوز فيها مع تسمية الأجل إجارة ولا جعل، ول قال: إن قبضت لي في هذا الشهر شيئًا من ديني علي فلان فلك نصفه لم يجز؛ لأنه قد يتقاضاه ويشقي عليه فيه فيمضي الأجل قبل أن يقبض فيذهب باطلًا فيجوز أن يستأجر الرجل الرجل علي حصد زرعه بنصفه، وأن يشترط أن يترك متي شاء ويكون له نصف ما حصد ولا يجوز أن يستأجره علي حصد يوم بنصف ما يحصد فيه، وإن اشترط أن يترك متي شاء، ويكون له نصف ما حصده، وكذلك لا يجوز أن يجاعله علي حصاد يوم بنصف ما يحصد فيه إلا بشرط أن له أن يترك متي شاء وله نصف ما حصد.
والمواجرة والمجاعلة علي بيع الثوب بدرهم خلاف ذلك لا يجوز أن يواجرهعلي بيع الثوب بدرهم، إلا أن يضرب لذلك أجلًا، والجعالة بعكسه لا تجوز بدرهم علي بيعه إن لم يضرب لذلك إجلًا فحمل ابن القاسم قوله: بع لي هذا الثوب، ولك درهم علي الجعل فأجازه إن لم يضرب أجلًا، ولم يجزه إن ضربه إلا بشرطه متي شاء ترك؛
يريد: وله من الدرهم بحساب مامضي،؛ لأنه إذا شرطه أفصحا بأنها إجارة صحيحة بخيار وقد أجازه وإن لم يشترط أن يترك متي شاء، وقال سَحنون فيها: هو جل قوله الذي يعتمد عليه ووجهه أنه حمل قوله: بع لي هذا الثوب اليوم ولك درهم علي الإجارة، وقيل: في تأويل ذلك غير ما قول ذكرته في غير هذا الكتاب.
قُلتُ: في المقدمات اختلف في تأويل قول سَحنون هذا فاختصره الشَّيخ: علي أنه أجاز توقيت الجعل يومًا أو يومين دون شرط.
وقال ابن القطان: يريد سَحنون أنه قال: مثل قوله في الثوب في مثل مسألة الثوب وهو أن يجيز الجعل، ويضرب له يومًا أو يومين ويشترط أنه متي شاء أن يرد، وقال سَحنون: له مثل هذا القول وهو جل الذي يعتمد عليه؛ يريد: قول الكتاب ومايشبهه ولفظ جل يقتضي الخلاف، والخلاف موجود في سماع عيسي فذكر سماع عيسي المتقدم وتأويل ابن لبابة أنه أراد أن ابن القاسم، إنما اختلف قوله علي أنها إجارة مرة رآها إجارة جائزة ومرة رآها إجارة فاسدة وكله مدخول.
أما قول الشَّيخ فخطأ صراح؛ لأن الجعل المسمي فيه الأجل إن لم يشترط فيه الترك متي شاء لم يجز اتفاقًا فكيف يقال هو جل قوله.
وقول ابن القحطان: بعيد عن ظاهر لفظ المدَوَّنة، إلا أن معناه: صحيح تصح به المسألة وتأويل ابن لبابة بعيد عن ظاهر اللفظ غير صحيح؛ لأنها إن كانت إجارة فهي جائزة لا وجه لفسادها؛ وإنما معني المسألة عندي أن قول ابن القاسم اختلف في قوله: بع لي هذا الثوب اليوم ولك نصف درهم فقال في الثوب: أنه جعل ولا يجوز إلا بشرط أن يترك متي شاء وله قول آخر: أنه جائز وهي إجارة لازمة لا جعل إن باع في بعض اليوم فله من الأجر بحسابه فقال سَحنون: هذا المعتمد عليه من قوله وهذا لابن القاسم يقوم من قوله في الكتاب.
قال: فيمن يبيع من الرجل نصف الثوب علي أن يبيع النصف الآخر: أنه جائز ضرب له أجلا؛ لأن بضرب الأجل يكون إجارة، فاختار سَحنون هذا القول؛ لأنه إذا قال: بع لي هذا الثوب اليوم ولك درهم احتمل أن يريد: معني الجعل فيكون فاسدًا
واحتمل أن يريد معني الإجارة فكان جائزًا وإذا احتمل اللفظ الصحة والفساد فهو علي مذهبه في مسائل كثيرة علي الصحة حتي يتبين الفساد من ذلك من اكتري راعيًا علي غنم بأعيانها أن الإجاره عنده جائزة، وإن لم يشترط الخلف خلاف مذهب ابن القاسم في هذه المسألة مثل قوله في مسألة بع
لي نصف الثوب، ومثل قول من قال: بع لي هذا الثوب ولك درهم أنه جائز فحمله علي الجعل فأجازه مع احتمال إرادة الإجارة فتكون فاسدة لعدم ضرب الأجل، فلما كان هذا القول جاريًا علي مذهب سَحنون استحسنه وفيها: إن قال انفض زيتوني هذا أو حركه فما نفضت أو سقط منه فلك نصفه لم يجز؛ لأنها إجارة مجهولة.
الصقلي: عن ابن حبيب: إن قال: انفضه ولك نصفه جاز، وحمل ابن القاسم النفض علي التحريك وليس كذلك، وفيها: إن قال: اعصر زيتوني أو جلجلاني ولك نصف ما عصرت لم يجز؛ إذ لا يدري كيف يخرج ولا كم يخرج وكمن باع زرعًا يبس علي أن عليه حصده ودرسه وذروه؛ لأنه اشتري حبًا جزافًا لم يعاين جملته.
الصقلي عن ابن حبيب: إن قال: احصده أو اعصره أو اطحنه ولك نصفه جاز حتي يقول فما خرج فلك نصفه فلا يجوز، ومحمل الأولي علي ملك نصفه الآن وسمع القرينان إن قال: من حل بيع زرعه لرجل احصده لي ادرسه علي النصف فلا بأس به.
الصقلي: هذا نحو قول ابن حبيب.
ابن رُشْد: هذا خلاف قولها في الجعل والإجارة، وسماع يحيي بن القاسم وعلي سماع أشهب، ثاني قول أَصْبَغ في رسم البيع والصرف من سماعه في البيوع، وتقدم الكلام عليه وقال ابن لبابة: إنما الخلاف إذا قال: احصده وادرسه ولك نصفه، وإن زادوا ذره لم يجز اتفاقًا، كما لو قال: احصده ولك نصفه جاز اتفاقًا، وليس ذلك بصحيح زيادة الذرو، ونقصه سواء وجواز ذلك أظهر؛ لأن نصف الزرع يجب له بالعقد علي عمل النصف الآخر سواء كان عمله حصده فقط أو حصده ودرسه وذروه؛ كما لو استأجره علي ذلك بعين، وكذا إذا استأجره عليه بنصف الزرع، فإن قيل: إذا شرط الدرس والذرو كانت الإجارة بما خرج منه، وذلك غررن وقيل: لا يلزم هذا
ولو لزم لما جاز، وإن لم يشترط إلا حصاده إذ قد علم أنه لا يأخذ أجره إلا حبًا إذ لا تصح قسمة الزرع محصودًا حتي يدرس ويذري ويصفي، ولو روعي هذا ما جاز بيع نصف الزرع بالعين، أو قد علم أنه لا يأخذه إلا حبًا مصفي لكنه جاز؛ لأنه بنفس الشراء يحصلان فيه شريكين كما لو زرعاه.
وفيها: إن دفعت دابتك أو دارك أو سفينتك لمن يكري ذلك ولك نصف كرائه لم يجز، فإن نزل فالكراء لك ولك كراء مثله، ولو دفعت ذلك ليعمل عليه علي أن ما أصاب بينكما لم يجز، فإن نزل فالكسب له وعليه كراء مثل مابلغ كأنه اكتراه كراء فاسدًا، والأول آجر نفسه إجارة فاسدة.
اللخمي: إن قال اعمل لي عليها ففيها: لابن القاسم من روايه الدباغ: كسبها للعامل وعليه كراؤها، وفي الجلاب لربها لقوله اعمل لي، وللعامل أجر مثله، وإن قال أكرها فعمل عليها فالكسب له ولربها كراء المثل، وإن قال: اعمل عليها فأكراها فقال ابن القاسم: ما أكريت به للأجير ولربها إجارة المثل، وقال في كتاب الشفعة: ما أكريت به لربها؛ لأن ضمان منافعها منه بخلاف البيع الفاسد، وفيها أثر الأولي كما لو قلت: بع سلعتي ولك نصف مابعتها به أو نصف مازاد علي مائة لم يجز، والثمن لك وله أجر مثله.
الصقلي عن بعض القرويين: إن وقف وسام فلم يأته أحد فالأشبه له أجر مثله إلا أن يتأول أنه جعل فاسد والأشبه الأول.
اللخمي إن قال: أكر دابتي ولك نصف ماتكريها به فمضي بها، ثم ردها وتعثر عليه كراؤها لم يكن له شيء؛ لأنه فاسد والحكم أن يردها لا يتم ذلك الفاسد.
الصقلي: وفي الواضحة: إن قال في الدور والأرحاء والحوانيت قم لي بها ولك نصف غلتها لم يجز، والخراج إن نزل ذلك لربها وله أجر مثله والدواب والسفن كسبها للعامل، وعليه أجر ذلك وهو قول مالك.
الصقلي: وساوي بين الدواب والسفن إن قال: اكرها ولك نصف الكراء أن كراءها لربها، وعليه أجر المثل للرجل، وهو أصوب، ولو أعطاه الدابة أو السفينة
ليعمل عليها وما أصاب بينهما لم يجز، فإن عمل فالكسب للعامل وعليه كراء المثل فهو كراء فاسد، والأول إجارة فاسدة.
اللخمي: قوله في السفينة اكرها واعمل عليها سواء إن كان فيها قومه ربها؛ لأنه إنما يتولى العقد فغلتها لربها وله أجر مثله، ولو كان يسافر فيها بمتاعه فالربح له ولربها الإجارة والحمام والفرن إن لم يكن بهما دواب ولا آلة الطحن كان ما يواجر به للعامل وعليه أجر المثل، وإن كان بدراهم ويشتري الحطب من عند صاحبها أو من غلتهما فما أصابه لربهما وللعامل أجر المثل وإنما هو قيم فيهما وكذا الفندق ومساكنه ما أكري به لربه والقيم إجارته.
الصقلي: ولو عمل فلم يجد شيئاً فعليه الكراء؛ لأنه في ذمته ولابن حبيب إن عرف أنه عاقه عائق فلا شيء عليه إن لم يكرها بشيء مضمون عليه.
قُلتُ: وهذا نحو اختلافهم في القرض على الأداء من شيء بعينه يتعذر هو مذكور في القرض.
اللخمي: إن قال اكرها ولك نصف كرائها فأكراها لمسافر على أن يسوق به، ويقوم بها نظر فإن كان كراؤها على أن لا أجد معها ديناراً وعلى أن معها سائقاً ديناراً وربعا فالكراء بينهم أخماس، ثم ينظر فإن كان أجر مثله في تولي العقد ثمن دينار تبع رب الدابة بأربعة أخماس ثمن دينار، فإن كان يتولى حفظها بعد انقضاء الكراء فله عليه أجرة أخرى، وما تقدم من الكسب هو مثل الماء والكلأ والحطب إن قال اعمل عليها ولك نصف ما تكسب عليها فثمنه للعامل وللآخر أجر دابته؛ لأن هذه الأشياء ملك للعامل بنفس أخذه لها.
قُلتُ: هذا يوهم قصر هذا الحكم على كسبه عليها ما يملكه العامل من هذه المباحات، وليس كذلك؛ بل الحكم عام فيه وفيما لا يملكه من كسبه عليها بنقل الأشياء المملوكة من طعام أو غيره فتأمله ابن الحاجب، واعمل على دابتي وما حصل لك نصف ثمنه وأجرته لا يجوز، بخلاف نصف الحطب أو الماء فإن نزل فاسداً فثالثها أن من قال: ولك النصف عليه أجر المثل.
قُلتُ: ظاهر قوله: (فاسداً) أنه مال من غير ضمير نزل ويجب عوده لأقرب مذكور وهو العقد بقوله: أعمل عليها ولك نصف الحطب أو نصف الماء، وهذا وإن كان جائزاً باعتبار ذاته فقد يعرض له ما يفسده كقوله ذلك بزيادة، ولا يأخذ نصفك في ذلك إلا بعد بيعه مجتمعاً أو بعد حمله كذلك أو لموضع كذا وقرر ابن هارون الأقوال بأن الأول كون الكسب لرب الدابة وعليه أجر العامل، والثاني عكسه وعلى العامل كراء الدابة، والثالث إن كان القائل ولك نصف الحاصل هو رب الدابة فالكسب للعامل وعليه كراء المثل من الدابة، وإن كان العامل قال: لرب الدابة أعطني دابتك أعمل عليها ولك نصف الحاصل فالكسب لربها وللعامل أجر مثله.
قُلتُ: هذا الخلاف لم أره لغير المؤلف، وهذا بناء منه على أن محل الأقوال إنما هو الصورة الأولى الفاسدة باعتبار ذاتها، وقررها ابن عبد السلام: بأن الأول هو كون الكسب للعامل وعليه كراء الدابة لربها سواء كان هو القائل ولك أو رب الدابة والثاني عكسه، والثالث إن كان ذلك من المسألة الأول، وهي الفاسدة بذاتها فالكسب للعامل وعليه كراء الدابة وإن كان في غيرها من وجوه الفساد فالكسب لرب الدابة وعليه للعامل أجر مثله، ومحل الأقوال مجموع الصورتين الأولى بذاتها؛ لأنها فاسدة والثانية باعتبار عروض ما يفسدها قال: وهذا أقرب إلى كلام المؤلف من الذي حمله عليه من تعرض لتفسيره فقصر الأقوال على الصورة الأولى، وجعل التفصيل باعتبار القائل وعليه يكون قوله فاسداً محض زيادة.
قُلتُ: الأظهر كون محل الأقوال الصورتين لظهور عود الضمير في نزل للأقرب فيهما مع ما أشار إليه الشَّيخ من فائدة قوله: فاسداً، ويتصور فساده بما قررناه أولا والأظهر تفسير القول الأول بما فسره به ابن هارون؛ ولأنه المذكور في لفظ المؤلف حيث قال: واعمل على دابتي وما حصل لك ثمنه.
فإن قلت: إذا كانت أقوال ابن الحاجب غير ثابتة حسبما صرح به شراحه وهو الحق فما مقتضى المذهب.
قُلتُ: ومقتضاه في الأولى أن الكسب لربها؛ لأنه إنما جعل عوض عمله ما هو
عوض من كسبها فلم يجعل له في كسبها حظاً، وفي الثانية الكسب بينهما نصفين ويرجع العامل على ربها بنصف إجارة مثله يغرم له نصف كراء الدابة في ذلك العمل، والصورة الجائزة في لفظ ابن الحاجب ذكرها الصقلي واللخمي عن محمد قالا: وكذلك على نقلات معروفات، أو قال: لي نقله ولك نقله.
الصقلي عنه: لا يجوز على أن ما كسب عليها اليوم لك وما كسب غداً فله وللخمي عنه ما نصه كمن قال: ما انتقل عليها اليوم لي وغدا لك جاز، وإن قال: تعمل عليها اليوم وتبيعه لي وما تعمل غداً لك إن شئت بعته لنفسك جائز إنما يفسد إن قال: تعمله على ملكك والثمن لي؛ لأنه مجهول وإن أصيب قبل البيع كان من العامل، فإن نزل فالكسب للعامل وعليه كراء الدابة، وإن قال: ربها اعمل عليها اليوم لي وغدا لك فعمل عليها اليوم ثم تلفت فللعامل على ربها أجر مثله وليس له أن يكلفه أن يأتي بدابة أخرى؛ لأنه إنما باعه منافع دابة معينة والمعين لا يخلف، واختلف إن قال: اعمل لك اليوم وغدا لي فعمل اليوم ثم تلفت هل لربها كراؤها أو يأتيه بدابة أخرى يعمل عليها؛ لأن المعمول عليه لا يتعين والأول أبين؛ لأن خلف ذلك يتعذر كثوب اللابس يستأجر على خياطته فيضيع ببينة ليس عليه خلفه.
قُلتُ: القول الأول هو قول ابن القاسم في العتبيَّة، ولما ذكره الصقلي قال: قال الشَّيخ: أعرف فيها: أن على رب الدابة أن يأتيه بدابة أخرى يعمل عليها وهو أصلهم.
محمد: لو قال: اعمل عليها لنفسك شهراً واعمل لي شهراً لم يجز إلا في مثل خمسة أيام وشبهها لقول مالك وابن القاسم: لا يصلح أن يواجر الرجل العبد وينقد أجره على أن يأخذه إلى عشرة أيام.
ابن القاسم: وجائز إلى خمسة أيام.
محمد: ولا يدخله الدين بالدين؛ لإجازة مالك سكنى دار سنة بسكنى دار له السنة المقبلة ولم يجزه في الحيوان، وفيها: لا بأس باجتماع بيع وإجارة اللخمي هذا المشهور، وحكى القاضي قولاً بمنعه ووجهه أن كثيراً من الإجارات لا تنفك من الغرر وفي سماع سَحنون: له البيع والإجارة جائزة في غير البيع ولا يجوز فيه.
ابن رُشْد: هذا مشهور من قوله: وهو جائز على قول مالك، وابن القاسم فيما يعرف وجه خروجه كالثوب على أن البائع خياطته، وفيما لا يعرف وجه خروجه إذا أمكنت إعادته كالصفر على أن يعمله البائع قدحاً وغيره لا يجوز اتفاقاً، وعلى المعروف قولها: من باع سلعة بثمن على أن يتجر له به المبتاع سنة جاز كمن واجره على التجر بمائة دينار سنة، أو يرعى له غنماً بعينها سنة جاز إن شرط خلف ما هلك منها أو تلف وإلا لم يجز، فإن شرط خلف المائة فتلفت، وأبى البائع خلفها فلا شيء على المشتري.
عياض: ضرب على ذكر الاشتراط في كتاب ابن وضاح عند ابن عتاب حيث وقع ولم يقرأه سَحنون، وقال: لا بأس في الغنم والدنانير دون شرطه والحكم يوجبه وقاله: ابن الماجِشُون وأَصْبَغ والصقلي وهو أصوب؛ لأن المستأجر عليه لا يتعين والحكم يوجب خلفه، وكذا في المدَوَّنة والموازيَّة وقال بعض أصحابنا: وإنما يتم هذا البيع إن أحضر المشتري الثمن لينتقل من ذمته لأمانته، وحكي عن القابسي فإن لم يحضره فسدت الإجارة فقط لتهمته على أن يؤخره ويزيده كقول ابن القاسم فيه: قوله: لمن له عليه دين اعمل به قراضاً وخففه أشهب.
قُلتُ: وكقول سلمها الأول من له على رجل مال فقال: أسلمه لي لم يجز حتى يقبضه، ويبرأ من التهمة ثم يدفعه له.
الصقلي: إن عمل ولم يحضره فالربح منتصف والخسارة للأجير ويرجع البائع بقدر قيمة الإجارة منها مع الثمن في قيمة سلعته، ولو كانت قائمة لضرر الشركة وعلى قول أشهب ويحيى ابن عمر يرجع في عينها وإن كانت قائمة وإن فاتت ففي قيمتها.
وقال عبد الحق: يرجع في قيمة السلعة أو في عينها إن كانت قائمة على الخلاف فيمن باع نصف ثوب على أن يبيع له النصف الثاني في شهر، فباع في بعض الشهر المسألتان سواء، والأجود أن لا يرجع في عينها لزيادة ضرر الشركة؛ لأنها تعيين بين ثلاثة بعد أن كانت بين رجلين.
قال هو والصقلي: ولابد أن يسمي له في أي نوع يتجر له الصقلي، ولا يلزمه
التجر بالربح وشرطه يفسدها بخلاف شرط رعي أولاد الغنم؛ لأنها معروفة ولو شرط التجر بالربح وعمل فالربح والخسارة للبائع وللعامل أجر مثله، وترد السلعة إن كانت قائمة، وإن فاتت مضت بالقيمة ولو تمت السنة والإجارة صحيحة والثمن في عروض لم يلزمه بيعها بخلاف المقارض؛ لأن أجله النض والإجارة مؤجلة، ولو مات بعد تجره بها نصف السنة رجع البائع بمناب النصف الباقي منها في قيمة السلعة أو عينها على القولين مع اعتبار تماثل أيام السنة أو اختلافها في قيمتها.
قال: ولو استحقت السلعة بعد تجره نصف سنة تبع البائع بأجر مثله في تجره والثمن والربح والخسارة للبائع، وعليه ولو اطلع على عيب بها بعد فوتها وتجره نصف سنة والمعيب الربع تبع البائع بربع الثمن وربع قيمة تجره في نصف السنة، ويتجر له في النصف الثاني بثلاثة أرباع الثمن، ولو اطلع عليه قبل تجره وفاتت والعيب الربع تبعه بربع الثمن وتجر له بباقيه، قال: أكثر هذه الوجوه وحفظتها عن القرويين.
الصقلي: قوله في اطلاعه على العيب بعد تجره نصف السنة إلى آخره فيه تناقض وقياس قولهم يرجع بربع قيمه تجره في النصف الماضي أن يسقط عنه ربع السنة الباقي لعمل نفسه يوماً وللبائع ثلاثة أيام أو يرجع في النصف الماضي بقيمة تجره بربع الثمن؛ لأنه لو اطلع على العيب قبل العمل لم يعمل إلا بثلاثة أرباع الثمن والأول هو الجاري على أصولهم، وكذا لو اطلع على العيب قبل العمل لم يعمل إلا بثلاثة أرباع الثمن والأول هو الجاري على أصولهم، وكذا لو اطلع على العيب قل العمل وفاتت السلعة لرجع بربع الثمن وسقط عمله في ربع السنة لا عمله في ربع الثمن، إذ قد يكون عمله في ثلاثة أرباع الثمن وعمله في جميعه مؤنتهما واحدة، ولأن عمله هو بعض ثمن السلعة فيجب أن يرجع فيه كما لو اكترى داراً بعبد سنة فأعتق العبد، ثم اطلع على عيب نقص له ربعه لكان له ربع السكنى وللمكتري ما بقي.
قال بعض فقهائنا: لو كان قيمة تجره ضعف الثمن فمات قبل العمل لرد الثمن ويأخذ سلعته إن كانت قائمة؛ لأن جل ما اشترى وهو التجر ذهب ولو تحمله قليلاً ثم مات لرد قيمة ذلك مع الثمن كمن اشترى ثوبين بعيد فوجد بأرفعهما عيباً، وفات
الأدنى لرد قيمة الأدنى مع الأرفع وأخذ عبده، ولما ذكر اللخمي شرط خلف الدنانير قال: إن ضاعت والبائع لا يقدر على الخلف لزمت المحاسبة كثوب اللابس يضيع في الخياطة والصبغ، وإن شرط عدم الخلف والمحاسبة جاز إن كان ممن يتعذر عليه الخلف وإن كان ممن لا يتعذر عليه الإجارة النصف فأكثر لم يجز، وإن كانت يسيرة جاز على قول ابن القاسم فيمن باع نصف ثوب على أن يبيع له الآخر وإن لم يشهد المشتري على حضور الثمن، فإن جلس في دكان للتجر فيه الصنف الذي استؤجر عليه كان كالإشهاد، وإن جهل كون تجره لرب المال؛ لأن تلك كانت تجارته كان ذلك أشكل وهو يقبل قوله أيضاً، وقد قال ابن القاسم في العتبيَّة: من أمر مدينه أن يشتري له بدينه سلعة فقال: اشتريتها وضاعت قبل قوله: يريد؛ لأنه مؤتمن على الشراء وهو في هذا أبين لطول الأمد وجلوسه للتجر إلا أن يقول أخرجته، وضاع قبل أن أتجر فلا يقبل قوله.
قُلتُ: يرد قياسه على قول ابن القاسم: بأن المعارض لقبول قوله: حق آدمي وفي مسألة التجر حق الله في التأخير بزيادة، وحق الله آكد قال: وإذا أتى بربح فللبائع أخذه بخلاف دين تقرر في ذمته على أن لا يتجر به، ثم تجر به؛ لأن التجر هنا شرط في أصل البيع قبل تقرر الدين في ذمته فلا تهمة؛ لأن لهما عقدة على ما جاء به من ربح.
قُلتُ: قوله: (لا تهمة) يرد التهمة الموجبة لشرط إحضاره فعم التهمة في المواجرة على التجر بدين في ذمته أقوى، وزاد على شرط تعيين صنف ما يتجر فيه شرط دوامه في الشتاء والصيف، وأن يكون ممن يريد متصل التجر فإن شرط ما يحتكر لأسواقه لم يجز؛ إذ لا يدري هل يتغير سوقه مرة في السنة أو أكثر أو تخرج السنة دون تغير سوق ولو شرط تجره في تلك السنة مرتين لم يجز؛ لأنه نقد بعض السلعة في منافع رجل بعينه يقبضها لأجل بخلاف كون عمله متصلاً والربح إن كان قدره في مدة الإجارة متقارباً جاز شرط التجر به وإلا لم يجز وكذا شرطه عدم الخسارة، وإن ظهر على عيب بالسلعة وقد فاتت رجع بقيمة العيب إن كانت العشر رجع بعشر الثمن وعشر قيمة منافعه على ماضي الشهور ويسقط عنه في المستقبل التجر في عشر الثمن، وله التجر لنفسه في قدره، وإن لم يقدر أن يتجر منها ناحية فله التجر في كل المائة وبغرم البائع قيمة عشر المنافع في
المستقبل كما لا ينقسم، وإن فاتت بعيب فإن تماسك رجع بقيمة العيب كما لو هلكت، وإن ردها رد مناب العيب من الثمن إن نقصها لعشر من أصل الثمن، وهو التسع بعد طرح العيب رجع المشتري بتسعين ديناراً، وقيمة تسع أعشار المنافع عن الماضي وسقط العمل في المستقبل؛ لأنه أول المنافع فإن كانت قيمة الإجارة مائة فالباقي عند المشتري قيمة ربع العيب وهو الذي يغرم للبائع وإن مات قبل عمله فإن كانت قيمة الإجارة مائة فأكثر والسلعة قائمة رجع شريكاً فيها بقدر الإجارة فإن رضي المشتري بعيب الشركة وإلا رد وإن كانت قيمتها الثلث فأقل رجع بذلك قيمة عند ابن القاسم وشريكا عند أشهب، وقاله ابن القاسم أيضاً، ويخير الورثة لعيب الشركة.
قُلتُ: كذا هو في غير نسخة وفيه نظر؛ لأن ظاهره لزوم البيع في السلعة، وإن كانت الإجارة أكثر من النصف، ومقتضى المذهب إن كانت أكثر من النصف لزوم الفسخ، وعلى قول ابن حبيب يكون مخيراً حسبما تقدم في العيوب.
قال: فإن مات بعد عمله نصف السنة، فقد قبض البائع جل الثمن المائة ونصف العمل ورجوعه في الباقي شريكاً أو قيمة على ما تقدم ويختلف قيمة المشهور؛ لأنها أكريت بالنقد الذي ينوب الأول أرخص وما ينوب الآخر أغلى؛ لأنه كسلعة أسلم فيها وعليه الجواب إن مرض قبل السنة أو بعد عمله بعضها إن قال البائع خذ مالي إن مضى بعد السنة فله ذلك إن كان لا يرجى برؤه إلا بعد طول، وما يضر مثله فإن برئ بعد رجوع المال عن قرب والبائع موسر أتى بمائة أخرى، وإن لم يقدر على خلفها فسخت الإجارة.
اللخمي: إن بلغت السلعة المواجر على بيعها ما يباع به مثلها فالقول قول من دعي لترك النداء عليها، وفيها الإجارة على بيع سلع كثيرة على أنه بالخيار شهراً جائز، ولا ينقد الصقلي ولا تطوعاً.
سَحنون: إنما يجوز خيار يومين أو ثلاثة.
حمديس: إن كان شهراً فسدت؛ ومعناها: بعها على حساب الشهر بكذا.
القابسي: معناها: أنه بالخيار ما لم يعمل.
قُلتُ: وأخذ منها الكراء على قبول الزيادة والجعل والبيع في عقد واحد.
قال اللخمي: اختلف فيه وهو راجع إلى بيع سلعتين إحداهما على بت والأخرى على خيار.
وفي المقدمات: لا يجتمع الجعل والإجارة؛ لأن الإجارة لا تعقد إلا معلوماً في معلوم، والجعل يجوز فيه المجهول فهما مختلفاً الأحكام متى جمعا فسدا.
وعن سَحنون: إجازة المغارسة مع البيع وهو من هذا المعنى، وفي جواز بيع نصف ثوب أو دابة على أن يبيع مشتريه باقيه لبائعه، ثالثها: إن ضرب لبيعه أجلاً، ورابعها: إن ضربه وإلا جاز لعياض عن ابن لبابة مع الموطأ، والصقلي عن محمد مع إحدى روايتيها والمشهورة منهما، واللخمي عن رواية مختصر ما ليس في المختصر مع قول ابن زرقون نحوه روى أشهب فيما ذكر فضل، ولعياض عن محمد لو كان فيما ينقسم مما يعرف بعينه، ويأخذ نصيبه متى شاء جاز إن ضرب الأجل، وهو قول بعض الرواة عن مالك.
فيها: قال ابن لبابة: كان على وجه الجعل أو الإجارة.
قُلتُ: كذا نقل عنه عياض، ونقله الصقلي عنه لا يقيد مما يعرف يعينه، وتعقبه بأنه يدخل في المكيل، والموزون وكل ما لا يعرف بعينه.
وفي الموطأ: ما نصه من ابتاع سلعة فقال له رجل: أشركني بنصفها وأنا أبيعها لك جميعاً أنه لا يجوز، وقبل عياض قول ابن لبابة في قول مالك في الموطأ: بيع نصف سلعة على أن يبيع له النصف الآخر حلال أحسبه؛ يريد: ضرب أجلاً أم لا في بلد أو غيره، وله من الأجل إن لم يضرب قدر ما ابتاع إليه، وسمع القرينان في كتاب الشركة من أشرك في لؤلؤ اشتراه قوماً على أن لا يقاسمهم إياه؛ بل على أن يبيعه لهم فعليه أن يبيعه لهم، ولو بار اللؤلؤ وذهب الوقت الذي كان يراد بيعه إليه لم أر ذلك عليه، ودفع لهم الذي لهم بمقاسمته إياهم.
ابن رُشْد: ظاهره جواز ذلك، وإن لم يضرب لبيعه أجلا وذلك فاسد؛ لأنه جعل وبيع وذلك غير جائز، ووجه هذه الرواية أنه رأى أن ما يباع إليه اللؤلؤ معروف بالعادة كالأجل المضروب، وهو بين من قوله: لو باع اللؤلؤ وذهب الوقت الذي كان يرجى
بيعه إليه؛ يريد: ويستوجب البائع كل الثمن، ولو باعه فى نصف الأجل لرجع المبتاعون بمناب ذلك من الثمن.
قلت: مقتضى كلام ابن رشد: عدم وجود القول الأول، وقال ابن الحاجب: لو باعه نصف سلعة على أن يبيع له نصفها، أو بأن يبيع له نصفها، فثلثها: إن عين أجلا جاز، ورابعها: عكسه فلم يعز ابن هارون القول الرابع واستبعده.
وكذلك ابن عبد السلام وزاد: ويقرب منه ما فى مختصر ما ليس فى المختصر.
قلت: الأظهر أنه هو؛ ولذا لم يذكره ابن الحاجب، واشتهر عن مالك وغيره إطلاق لفظ المكروه على المحرم قاله فى جامع العتيبة وغيره، وقبولها نقله الأقوال بالفساد فى بيعه نصف سلعة بأن يبيع له نصفها غير صواب؛ لأنه دون أجل مجرد جعل وبالأجل إجارة وكلاهما جائز، وظاهر كلام ابن الحاجب أن لا فرق بين كون بيعه بالبلد أو بغيره، والجواز فى المدونة مقيد بكونه فى البلد، وتقدم لابن لبابة غير البلد كالبلد، وفيها: تجوز الإجارة على بيع قليل السلعة وكثيرها إن ضرب للبيع أجلا وإلا لم يجز إن باع لتمام الأجل فله كل الأجر، وإن باع فى ثلثه فله حصته من الأجر ولا يجوز نقده؛ لأنه إن باع فى نصفه رد نصف ما قبض فيدخله بيع وسلف، وإن لم ينقده فللأجير قبض حصته ما مضى من يوم.
الصقلى عن الموازية: من واجر من يبيع له متاعا شهرا فباعه قبل الشهر فليأته بمتاع آخر يبيعه لتهام الشهر.
محمد: هذا إن لم يكن متاعا بعينه، وكذا القمح وغيره، ويجوز فيه النقد والمعين لا يجوز فيه النقد، فإن باع فى نصف الأجل فله بحسابه.
ابن الحاجب: وعلى الصحة فى التعيين: ضرب الأجل وتعيينه ثم ذكر ما تقدم عن الموازية، وقال: ظاهر الخلاف ما قاله ابن الحاجب، ولعله على القول الثانى من الأقوال الأربعه فتأمله.
قلت: قوله: (خلافا لنقل ابن الحاجب) يقتضى أنه على نقل ابن الحاجب تجب المحاسبة إن باعه فى أثناء الشهر، ولو كان متاعا بغير عينه ولا يخفى فساد هذا على منصف وإنما جاء هذا من تفسيره التعيين بضرب الأجل، والصواب تفسيره بتعيين المستأجر على بيعه.
فإن قلت: موجب حمله على الأصل قول المؤلف قبله إن عين أجلا.
قلت: لا يوجب حمله عليه قصره عليه بل الواجب حمله عليه وعلى ما قلناه السلامة من مخالفة المذهب.
وسمع عيسى ابن القاسم: لا خير فى مؤاجرته أن يبيع له ما جاءه شهرا على أن لم يجئه بشاء فله أجره إلا أن يقول إن لم يجئه شاء فله أن يؤاجره فى مثل ذلك.
ابن رشد: إن لم يقع شرط ولا تسمية لما جاءه جازت الإجارة؛ لأن الحكم يوجب استعماله فى مثل ما استأجره فيه اتفاقا، فإن لم يستأجره لشاء ومعين ولو قال: ما يأتى من بلد كذا أو من عند فلان لم يجز على غير شرط على أصله فى الاستئجار على رعاية غنم بأعينها لا يجوز إلا بشرط الخلف، وسنحون: يجوز ذلك، ويرى الحكم عليه الخلف، ولو شرط أن لا يبيع له إلا ما جاءه فلم يجئه أو قل فله من الأجر بحساب ما جاءه، ولو شرط أن لا يبيع له إلا ما جاءه فلم يجئه أو قل فله من الأجر بحساب ما جاءه، فإن نقد لم يجز اتفاقا، وإن لم ينقد جاز على قول ابن القاسم فى الذى يكترى من الجمال على أن يسوق له برا من بلد كذا، فإن وجده بالطريق رجع وله الأجر بحسابه أنه جائز، ولم يجز على قول سحنون أنه لا يجوز. وفيها: إن باعه نصف طعامه على أن يبيع له النصف الآخر بالبلد، وضرب له أجلا لم يجز الباجى عنها إن كان مكيلا أو موزونا لم يجز سحنون؛ لأنه يغيب عليه، وقد يبيع فى نصف الأجل فيرد ما غاب عليه فيدخله سلف، وإجارة اللخمى أجازه ابن القاسم فى الموازية فى كل مكيل وموزون، وينقد الجميع لما كان مناب الإجازة يسيرا لم يتهما فيه على بيع وسلف، وفى التنبيهات، وكانت رواية سحنون عن ابن القاسم: أنه لا بأس به فى الطعام وغيره.
قال فضل: أصلحت فى المدونة ولما خلط ابن الحاجب مسائل كتاب الجعل والإجارة بمسائل كراء الدور والأرضين والرواحل كابن شاس التابع للغزالي رأيت