المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٨

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في عاقد القراض دافعًا]

- ‌[باب عاقد القراض أخذًا]

- ‌[كتاب المساقاة]

- ‌[باب العاقد]

- ‌[باب في شرط حظ العامل]

- ‌[باب في العمل في المساقاة]

- ‌[كتاب المزارعة]

- ‌[كتاب المغارسة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب في أركان الإجارة]

- ‌[باب الأجر]

- ‌[باب فيما يجب تعجيله من الأجر في الإجارة]

- ‌[باب منفعة الإجارة]

- ‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

- ‌[باب (.....) يوجب فسخ الإجارة]

- ‌[كتاب ضمان الصناع]

- ‌[باب الصانع المنتصب للصنعة]

- ‌[كتاب الجعل]

- ‌[باب في شرط الجاعل]

- ‌[باب في شرط الجعل]

- ‌[باب في العمل في الجعل]

- ‌[كتاب إحياء الموات]

- ‌[باب موات الأرض]

- ‌[باب في معروض الإحياء]

- ‌[باب التحجير]

- ‌[باب الإقطاع]

- ‌[باب الحمى]

- ‌[كتاب الحُبُس]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في المحبس عليه]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في الحوز المطلق]

- ‌[باب في وقت الحوز]

- ‌[باب في الحوز الفعلي الحسي]

- ‌[باب في الحوز الحكمي]

- ‌[باب في صيغة الحبس]

- ‌[باب المستحق من الحبس لمن عليه حبس]

- ‌[باب العطية]

- ‌[باب العمري]

- ‌[باب في صيغة العمري]

- ‌[باب في الرقبى]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب في صيغة الهبة]

- ‌[باب الموهوب]

- ‌[باب الواهب]

- ‌[باب الحوز الحكمي في الهبة والصدقة]

الفصل: ‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

مشاعا وهي ركن؛ لأنها المشتراة.

[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

وشرطها إمكان استيفائها دون إذهاب عين يقدر على تسليمها معلومة غير واجب تركها ولا فعلها.

ص: 191

وتبع ابن شاس وابن الحاجب الغزالى فقالا: هى متقومة غير متضمنة باستيفاء عين مقدورا على تسليمها غير حرام، ولا واجبة معلومة ففسروا متقومة بها لها قيمة وهو قول الغزالى عنينا بالمتقوم أن استئجار تفاحة للشم والطعام لتزين الحانوت لا يصح، فإنه لا قيمة له، وتبع ابن الحاجب ابن شاس فى قوله: فى إجارة الأشجار لتجفيف الثياب قولان وقبله شارحاه، ولا أعرف القول بالمنع ومقتضى المذهب الجواز كإجارة مصب مرحاض، وحائط لحمل خشب، وفى الخيار منها لا تجوز إجارة ما لا يعرف بعينه من طعام، أو إدام، أو نحوه.

الجلاب: لا يجوز إجارة الدنانير والدراهم، والأجرة عن مستأجرهما ساقطة.

ابن شاس: منع ابن القاسم استئجار الدنانير والدراهم لتزيين الحوانيت، وأجاز جميع ذلك الشيخ أبو بكر وغيره إن كان المالك حاضرا معه.

قلت: كذا عزاه فى المعونة للأبهرى، وفى عيون المسائل لابن القصار إن كان فى الدنانير والدراهم عرض ينتفع به دون إتلاف عينها جازت إجارتها مثل أن يعير بها مكاييل أو موازين أو أن يتجمل بها صيرفى.

قلت: وتعقب هذا بأنه غرور وخديعة يرد بأنه كذلك فى لبس الثياب يعرض فيه إرادة الغرور بالثياب الرفيعة، ومعنى ذلك حيث لا غرور كالبلاد المعروف فيها ذلك والمجاورة لأهل الحرب التى يدخلها بعضهم كالأندلس حيث يكون ذلك إرهابا للعدو وعليه يحمل قول اللخمى فى عاريتها لذلك وفى الجعل منها تجوز إجارة الآنية والقدور والصحاف، وفى وثائق ابن العطار: لا يجوز كراء ما لا يعرف بعينه مثل قدور الفخار وصحاف الحنتم وشبه ذلك.

قال ابن الفخار: أما قدر الفخار فالدخان يغيرها حتى لا تعرف بعينها إلا أن يتبين

ص: 192

بنقش فيها وأما صحاف الحنتم فتعرف بأعيانها فلا معنى لقوله فيها: يمنع كراؤها.

قلت: مقتضى كلامهما عدم ذكرهما ما ذكرناه عنها، وهو قصور، وارتضى ابن فتوح قول ابن الفخار، وعارض بعض الفاسيين قولها فى الجعل بقولها أول أكرية الدور والطعام، وما يكال ويوزن ويعد مما لا يعرف بعينه يجوز الكراء به، ولا يجوز أن يكرى، ومن أنصف وقرأ يسيرا من أصول الفقه تيقن أن لا مناقضة بين قولها القدور والصحاف تعرف بعينها، وبين مقتضى قولها فى الدور بعض ما يعد لا يعرف بعينه؛ لأنه يصدق بالدنانير والدراهم الجائزة عددا، وفى جواز إجارة المصحف ومنعه نقلا اللخمى عن ابن القاسم فيها، ومحمد مع ابن حبيب.

الصقلى: عنه بعد نقله عنه لفظ لا يجوز، وكره إجارته من لقيت من أصحاب مالك، واختلف فيه قول ابن القاسم ففى كون الكراهة، ثالثا: نظر ابن شاس الشرط الثانى أن لا يتضمن استيفاء عين فلا يصح استئجار الأشجار لثمرها والشاة لنتاجها ولبنها وصوفها؛ لأنه بيع عين قبل الوجود وتبعه ابن الحاجب، ولا أذكر هذا الفرع لأهل المذهب فى الإجارات لوضوح حكمه من البياعات؛ وإنما ذكره الغزالى وتبعه ولو رسموا المنفعة بما قلناه ما احتاجوا لذكره، واستثنى ابن شاس مسألة إدخال الشجرة فى الدار، وفى اكترائها فى أكرية الدور منها من اكترى دارا أو أرضا بها أو دالية أو بالأرض سندس نخل لا ثمر فيها أو بها ثمر لم يزه فالثمرة للمكرى إلا أن يشترطها المكترى، فإن كانت مثل الثلث فأقل جاز ويلغى الثلث عن مالك ولم يبلغه فى سؤالى إيال تقوم الأرض أو الدار دون الثمرة إن قيل: عشرة، قيل: ما قيمة الثمرة فما عرف مما تطعم كل عام بعد طرح قيمة المؤنة، والعمل إن قيل: خمسة فأقل جاز كالمساقاة.

قلت: للخمى فى هذا التقويم بحث تقدم فى المساقاة.

الصقلى: عن محمد عن أصبغ هذا إن علم طيب الثمرة قبل معنى مدة الكراء وإلا لم يجز، وذكر ابن فتوح غير معزو كأنه المذهب.

التونسى: ينبغى إن أكرى سنين أن ينتظر لثمرة كل سنة إن كان تبعا لتلك السنة جاز، ولو كانت فى بعضها غير تبع، وإن أضيفت إلى جملتها كانت تبعا لا شبه أن لا

ص: 193

يجوز كما لو اكترى دورا فى صفقة فى بعضها ثمرة أكثر من ثلثها، ولا شاء فى بقية الدور أو فيها أقل من الثلث إن جمع الجميع كان أقل من الثلث لم يجز، وفيها: لو اكترى أرضا بها زرع أو بقل لم يطب فاشترطه جاز إن كان تافها ولا أبلغ بهذا الثلث ولو كانت الثمرة فى الدار الثلث فشرط المكترى نصفها لم يجز، إنما جاز إذ هى تبع بالسنة فإن شرط نصفها صار بيع قبل زهوه، وكذا حلية السيف والخاتم ومال العبد.

الصقلى: وأجازه كله أشهب محمد عن ابن القاسم إن كانت الثمرة بالدار أكثر من الثلث فاشترط منها الثلث فأقل لم يجز.

الصقلى: ويجوز على قول أشهب، وقال يحيى بن عمر: لو شرط ثمرة النخلة وهى دون الثلث فانهدمت الدار فى نصف السنة والثمرة طابت نسبت قيمة الثمرة على المتعارف كل عام لمجموع قيمتها وقيمة ما سكن فقط، فإن كان ثلث ذلك فالثمرة للمكترى وإلا فلرب الدار وفسد فيها البيع إن جدها المكترى رطبا رد قيمتها وإن جدها ثمر فمكيلها ولو انهدمت والثمرة لم تطلب ردت لرب الدار ولو كانت تبعا لما سكن محمد إن كانت قدر ثلث الصفقة أو لا، وانهدمت الدتر نصف السنة ردت الثمرة بحصتها من الثمن طابت الآن أو لا، وعلى المكترى نصف ما وقع على الدار من الكراء دون ثمرة.

الصقلى: هذا كقول يحيى، وللعتبى عن أبى زيد عن ابن القاسم إن كانت قدر الثلث الصفقة يوم العقد والهدم فى نصف المدة، فإن طابت الثمرة فهى للمكترى وعليه ثلثا الكراء، وإن لم تطلب فهى لرب الدار وله ثلث الكراء؛ يريد: إن استوت قيمة الشهور، وقال بعض فقهائنا القرويين: يجب كونها للمكترى وإن لم تطلب؛ لأنها فى العقد ثلث ولا تهمة لطريان الهدم، وقاله فى الواضحة ابن القاسم: لو استقاله المكترى فأقاله، وقد نقد أولا ولم تطب الثمرة، فإن كانت تبعا لباقى المدة جاز كابتداء كراء من المكترى للمكرى، وإن طابت الثمرة جاز، ولو نقدا ثم رجع ابن القاسم، فقال: إن نقد كان بيعا وسلفا.

الصقلى: ولو أبقى المكترى الثمرة لنفسه، وقد طابت فإن كانت تبعا لما مضى جاز

ص: 194

على القولين، وإن لم يكن تبعاً لم يجز على رواية يحيى واحتمل الجواز على رواية أبى زيد فى الهدم؛ إذ هي تبع في العقد ويحتمل الفرق بأن الهدم طار والإقالة برضاهما فيتهمان على بيع الثمر قبل بدو صلاحه كما اتهما في النقد على بيع وسلف، وإن لم تطب الثمرة لم يجز بقاؤها للمكتري، ولو كانت تبعًا لما مضى ولابن حبيب مثل رواية أبي زيد.

قلت: ما ذكره عن ابن القاسم -إلى قوله-: كان بيعًا وسلفًا هو سماعه عيسى ابن رشد: تحصيلها إن كانت الإقالة والثمرة طابت فتركها لرب الدار جائز بكل حال، وإن أبقاها لنفسه جاز إن كان تبعًا للأشهر التي سكن ككونها السدس من كراء السنة، وإن لم تطب لم يجز إبقاؤها لنفسه بحال، وتركها لرب الدار جائز إن كان تبعًا لما بقي، وإن لم تكن تبعًا له ولك يزد في رواية أبي زيد شيئا، وفيها: لا بأس بإجارة الظئر بكذا، ومع شرطها عليهم طعامها وكسوتها.

اللخمي: يجوز بالطعام كالعين، وليس من بيع الطعام بالطعام ويجب حضور الصبي ليرى وإن غاب لم يجز إلا بذكر سنه ويجزئه رضاعه أحسن ولا يجوز على قول سحنون إلا بتجربته لقوله: إن مات أحد الصبيين المستأجر على رضاعهما انفسخت الإجارة لاختلاف الرضاع.

قال: لأنها إن أجرت نفسها ليرضع آخر بدل الميت لم يدر هل رضاعه مثل الميت أم لا.

ابن فتوح: قال مالك: يجوز بشرط نفقتها وكسوتها دون صفة؛ لأن ذلك معلوم، وقول ابن الحاجب: استئجار المرضع، وإن كان اللبن عيناً للضرورة تبع فيه قول ابن شاس يصح استئجارها للإرضاع مع الحضانة فيندرج اللبن تحتها، وإن كان عيناً للضرورة بل يجوز استئجارها للبنها فقط للضرورة، وكلاهما تبع.

الغزالى: قال ما نصه: استئجارها للإرضاع مع الحضانة جائز، وفيه دون حضانة خلاف الأولى الجواز للحاجة، وقول ابن الحاجب: وإن كان اللبن عينا للضرورة يرد بأنه ليس لمجرد اللبن، وإن جرد عن الحضانة؛ لأن الإرضاع ملزوم لمؤنته وهى تناول الصبى وضعه فى حجرها وإلقامه الثدى وتسويته لذلك، وذلك عمل زائد على نفس

ص: 195

اللبن، وفيها: ليس لزوجها وطؤها إن أجرت نفسها بإذنه وله فسخ إجارتها بغير إذنه.

الصقلى: قال ابن حبيب عن أصبغ: لا يمنع من وطئها إلا أن يشرط عليه أو يتبين إضراره ذلك بالصبى وقول ابن القاسم أحب إلى؛ لأن الزوج لا يكون موليا بيمينه على تركه وطأها مدة الرضاع، وإن اختلف فيه ابن فتوح عن ابن الماجشون لا يمنع الزوج من وطئها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال:«لقد هممت أن أنهى عن الغلية» ، ولم ينه عنها.

ثن قال عن ابن حبيب: بقول ابن القاسم أقول لا بقول أصبغ؛ لأنى سمعت ابن الماجشون يقول: العرب تقول لو لم يبق من عمر المغيل إلا يوم واحد لأدركه ضرر ذلك، وأخذ الشيوخ من قولها: أن من اختلعت من زوجها على رضاعتها ولده أن ليس لما أن تتزوج حتى تتم الرضاعة.

قال أبو إبراهيم: انظر لو تزوج رجل من بان أنها استأجرت نفسها ظئرا ترضع فى بيت الصبى، هل هو عيب يوجب له فسخ نكاحه؟

قلت: الأظهر أنه عيب تقدمت مسألة الخلع فى فصله وفيها ترضع حيث اشترطوا، فإن لم يشترطوا موضعا فشأنه عند الأبوين إلا من لا يرضع مثلها عند الناس، ومن الناس من هو دنى الشأن فإن طلبه عنده لم يكن ذلك له؛ لأنه لا خطب له.

قلت: أتحفظه عن مالك.

قال: لا.

عبد الحق عن بعض شيوخه: إن شرطتا إرضاعه فى بيت الصبى فمات زوجها رجعت لبيته للعدة؛ إذ لا مبيت لمها بغيره، قيل: قد لزمتها شرط المقام قبل العدة.

قال: طرأ ما هو أقوى منه وهى العدة لحفظ النسب.

قيل: قد قال: إن سبق الاعتكاف الطلاق لم يخرج منه.

قال: مقام المعتكف بالمسجد، وهو موضع أمن عليها.

ص: 196

قلت: ولأنه حق لله فهو آكد من حق الآدمى، وفيها: ويحملون فى مؤنة غسل خرق الصبى جسمه ودهنه، ودق ريحانه وطيبه على عرف الناس.

اللخمى: ما يحتاج إليه الولد من ريحان أو زيت أو غسل غير داخل فى الأجرة إلا أن تكون العادة أنها فى مالها.

الشيخ عن ابن عبد الحكم: على الظئر غسل خرق الصبى وما يحتاج إليه والقيام بها تقوم به الأم ويرضيه وتدق ريحانه، وفيها: إن حملت المرضع فخافوا على الصبى ألهم فسخ الإجارة.

قال: نعم ولا أحفظه عن مالك، ونقل اللخمى: فسخها بمجرد الحمل لا بقيد الخوف على الولد.

قال: لأن رضاع الحامل يضر الولد، وفيها: فسخها بموضع الرضيع، وليس لها ولا لأبويه الإتيان بصبى ترضعه.

اللخمى: فى كتاب ابن سحنون: ولا ينفسخ وعلى الأب الإتيان بمثله.

قلت: يأتى بيان هذا الأصل، ولا تنفسخ بسفر الأبوين، وليس لها أخذه إلا بدفع كل الأجرة، وإن اجرت شريفة نفسها لزمها، وإن لم يلزمها إرضاع ولدها.

اللخمى: أرى إن كان لها من تدركه معرتها من أب أو ولد أو ولد ولد أن تفسخ الإجارة.

قلت: إلا أن تنزل بها حاجة، وفيها: إن مرضت بحيث لا تقدر على رضاعه فسخت الإجارة، فإن صحت فى بقية منها جبرت على رضاعه بقيتها، ولها من الأجر بقدر ما أرضعت ولا عليها إرضاع ما مرضت.

قال غيره: إلا أن يكونا تفاسخا.

اللخمى: إن لم يرج برؤها عن قرب فسخ، فإن فسخ لذلك، ثم برأ عن قرب ففى كونه حكما مضى، ورده ليتبين الخطأ خلاف منه أخذ دية العين لنزول ما ثم يذهب، وخطأ الخارص وإن لم تفسخ لقرب زوال المرض ولم يوجد من يرضعه إلا بقية كل المدة أجبرت على رضاعه القدر المضطر إليه.

ص: 197

الصقلي عن ابن عبد الحكم: لو تكفلت الظئر بوجه رجل فقام عليها المتكفل عليه له لغيبة الغريم لم تحبس له؛ لأن حمالتها تطوع بعد عقد الرضاع، وليس لها أن تتطوع بها يفسخه ونقله اللخمى غير معزو كأنه المذهب.

قال: ولو كانت كفالتها قبل عقد إجارتها سجنت له، ونظر فى مدة سجنها كمرض.

وفيها: إن واجرها على صبيين حولين فمات أحدهما بعد حول سقط عنه منابه من الأجرة باعتبار رخص الكراء وغلائه، واختلاف الأزمنة من شتاء وصيف وكبر الصبى وصغره، ولها إرضاع غيره بأجر مع الباقى.

الصقلى: عن سحنون تفسخ الإجارة، إذا لا يحاط بذلك، وتقدم أخذ اللخمى منه لزوم.

اللخمى: منه أخذ تجربة رضاع الصبى، وفيها: إن واجرها على إرضاع صبى لم يكن لها إرضاع غيره معه.

قلت: لما تفريع يذكر فى رعاية الغنم، وفيها: إن واجر ظئرين فماتت إحداهما فللباقية أن لا ترضع وحدها كأجيرين على رعاية مات أحدهما.

اللخمى: من حق الباقية أن يأتى الأب بمن يرضع معها، وإن لم يجدها فللباقية فسخ الإجارة إلا أن تقول أرضعه النوبة التى كنت أرضعه مع الأخرى.

قلت: ولا يجب إن رضى الأب ذلك وأبت؛ لأنه يرضع أكثر، وإن واجر واحدة ثم أخرى تطوعا فماتت؛ لزم الأولى كل الرضاع، وإن ماتت الأولى فعليه أن يأتى بمن يرضع مع الثانية.

عبد الحق: هذا إن علمت الثانية حين العقد أن معها غيرها، وإلا فلا كلام لها، وقاله حمديس.

وفيها: إن مات الأب فى أثناء المدة فمناب ماضيها عليه، وإن مات عديما ومناب باقيها على الولد فإن لم يكن له مال ولا تطوع به أحد فلها فسخ الإجارة، ولو قالت: أرضعه لاتبعه فلا اتباع لها كنفقة على يتيم كذلك، ولو كان الأب قدم مناب باقيها ففي

ص: 198

كونه لوارثه أو للولد ثالثها مناب الزائد على عامين للولد لابن القاسم مع روايته فيها مستدلاً بأنه لو مات الصبي والأب حي كان ما دفعه الأب للمرضع له دون أب، ولأشهب واللخمي قالا: لأنه هبة له وعلى كونه للإرث ففي أخذه لينا أو أجرة،

نقلا اللخمي مصوباً بالثاني: كموت الصبي والأب حي، وفيها: وما بقي مما لم ترضعه الظئرين ورثة الميت، ونقله اللخمي: بلفظ ما بفي من الرضاع ميراث.

قال: فيحتمل أن الوصي يأخذه له بالثمن، أو كقول سحنون: يخلف الصبي فيكون من حق الظئر أن الإجازة منعقدة، والوصي يأخذ ذلك من حظه بالثمن أو يبيعونه بما شاءوا، وعلى إرث الأجرة فعقدها منفسخ وعلى أن الخلف في موت الصبي من حق الأب، فللوصي إلزامها العقد.

عبد الخالق: إن قدم الأب أجر تعليم ولده فمات لم يكن ما قدمه ميراثاً بخلاف أجر الظئر؛ لأنه على الأب واجب بخلاف أجر التعليم، إلا أن يعلم أن الأب بتله للولد خوف الموت في صحته، وأعرف نحو هذا لمحمد.

اللخمي: عن أشهب إن مات الأب، وقد قدم أجر التعليم فهو للولد لا يورث، وإن مات الصبي رجع للأب إن كان حياً ولوارثه إن كان ميتاً كمن أخدم عبده رجلا حياته.

قال محمد: وأبى ذلك ابن القاسم في الظئر والمعلم، وقد قال: ذلك كالنفقة يقدمها الأب والروايتان في الموازية، وفيها: لا بأس أن يؤجر الرجل أمه أو أخته أو ذات محرم منه على رضاع ولده ولا ينافيه نقل بعضهم منع استخدام الولد والده؛ لأن الإرضاع خفيف.

واستئجار أجير معين على شروعه لما قرب كاليومين جائز اتفاقاً ولما بعد كالشهر.

قال ابن رشد: أول مسألة من سماع ابن القاسم دليل هذا السماع جوازه، وهو نحو قولها في الرواحل يجوز كراء الراحلة بعينها على أن تركب إلى شهر إن لم ينقد، ولابن حبيب: من استأجر أجيراً على أن يشرع إلى أيام لم يجز إلا إلى أيام قلائل كالجمعة، وما لا يطول فيحتمل أن يريد مع النقد فتتفق الأقوال.

ص: 199

قلت: ظاهره أن لا خلاف في ذلك، إلا ما ذكره عن ابن حبيب.

وفيها: من اكترى دابة على أن يركبها بعد شهر.

قال مالك: لا بأس به إن لم ينقد، وقال غيره: لا يجوز وتقدم هذا، وحكم النقد في مسألة الدولة، وقول ابن الحاجب: يصح إجارة الرقبة، وهي مستأجرة أو مستثني منفعتها مدة تبقى فيها غالباً.

ابن عبد السلام: قوله: الرقبة تشمل الحيوان وغيره واضح، وحكم غير الحيوان في محله، وتبع ابن شاس الغزالي في شرط المنفعة بالقدرة على تسليمها فيمتنع استئجار الأخرس للتعليم والأعمى للحفظ ونحوه.

والعجز الشرعي كالحسي لا يجوز على إزالة عضو محترم أو حائض على كنس مسجد.

قلت: تقدم نحو هذا في أحكام المساجد في الصلاة، وتبع ابن شاس الغزالي في قوله العجز الشرعي كالحسي في الإبطال لو استأجر على قلع سن صحيحة أو قطع يد صحيحة لم يجز، ولو كانت متآكلة والسن متوجعة جازت وإتباعه الغزالي في مسألة اليد وإضافته ذلك للمذهب خير أن يقال فيه لا يحل؛ لأن كل مؤلف في مذهب هو مؤتمن على نقل أقوال أهل ذلك المذهب، فإن لم يجد المسألة لهم ووجدها في غير المذهب وزعم أن مقتضى مذهبنا هو مذهب المخالف ذكر ذلك، كما فعل ابن بشير وغيره في مسألة فاقد مطلق القدرة على الحركة في الصلاة، وعقله ثابت؛ ولذا والله أعلم لم يتبعه ابن الحاجب والمسألة منصوصة عندنا في سماع عبد الملك في كتاب الديات قال: أخبرني من أثق به عن ابن وهب وأشهب من ذهب بعض كفه فخاف على باقي يده لا بأس أن يقطع يده من المفصل إن لم يخف عليه الموت.

ابن رشد: إن كان خوف الموت من بقاء يده كذلك أشد من خوف موته بقطعة فله القطع وفيها لا يعجبني الإجازة على تعليم الفقه والفرائض لكراهة مالك بيع كتبها.

اللخمي: وعليه تكره على كتابته، وروي محمد منع بيعها في الدين، وقال في غير

ص: 200

الموازية: الوارث فيها كغيره إن كان أهلاً لها، وقاله سحنون، وعليه لا يجوز على تعليمه أو كتابته، وقيل: ذلك جائز، وتباع في الدين وغيره لمحمد بن عبد الحكم بيعت كتب ابن وهب بثلاثمائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم ينكروه، وكان أبي وصيه فعلى هذا تجوز الإجارة على تعليمه وكتابته وهو أحسن، ولا أرى أن يختلف اليوم فيه؛ لنقص حفظ الناس وفهمهم عن من تقدم.

قال مالك: لم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب، وما كنت أكتب في هذه الألواح. وقلت لابن شهاب: أكنت تكتب العلم.

قال: لا.

قلت: أكنت تطلب أن يعاد عليك الحديث.

قال: لا، فلو فعل الناس هذا ضاع العلم وتلف رسمه والناس اليوم مع كتبهم في قصور والقول في الفروع بالاجتهاد، والقياس واجب، ومعرفة أقوال المتقدمين والترجيح بينها معين في مواضع الاجتهاد يجوز للمفتي أن يكون له أجر من بيت المال.

قلت: في الأجر على الشهادة لاف، وكذلك في الرواية، ومن شغله ذلك عن جل تكسبه فأخذه الأجرة من غير بيت المال لتعذرها عندي خفيف، وهو محمل ما سمعته من غير واحد عن بعض شيوخ شيوخنا، وهو الشيخ الفقيه أبو علي بن علوان أنه كان يأخذ الأجر الخفيف في بعض فتاويه.

وفيها: لا يعجبني على تعليم النوح والشعر أو كتبه.

اللخمي والصقلي عن ابن حبيب: لا باس بها على تعليم الشعر والرسائل وأيام العرب، ويكره شعر الخمر والخنا والهجاء، وعلى قوله:(يجوز على كتبه وبيع كتبه) قلت: كراهة شعر الخمر وما بعده على الحرمة، وانظر هذا مع ترويه كثير من الأشياخ كتاب مقامات الحريري مع فحش بعض ألفاظها ولقد أخبرني بعض ثقات أصحابي أنه رواها على إمام الجامع الأعظم ببلدنا، وهو الشيخ الإمام الخطيب أبو محمد بن البراء قال: فلما انتهيت إلى الموضع الذي يتلو قوله عفا الله عنا وعنه فانظر على أيهما امتنعت من التصريح باللفظ وكنيت عنه فقال لي: لا تكن وانطق بكذا فإني كذا رويته على جدي

ص: 201

أبي أبي الفقيه الشهير أبي القاسم ابن البراء، وكان هذا بدويرة جامع الزيتونة، وعكس هذا أخبرني بعض أشياخي أن بعض الفضلاء نسخ بيده بعض كتب الأدب فوجد فيه مواضع غير مكتتبة فبحث عنها فوجدت أنها ألفاظ فاحشة، وفيها: أكان مالك يعرف الدفاف في الأعراس ويجيز الإجازة فيه.

قال: كرهها والمعازف.

عياض: ظاهره أنه راجع للإجارة وهو أشبه؛ لأنه عين عمل الصالحين والإجارة في هذا مكروهة، وعلى الإجارة اختصرها أكثرهم وإن كان ضرب الدف جائز مما جاء في العرس، فليست الإجارة مثله إذ ليس كل مباح تجوز الإجارة عليه، والإجارة على الأذان والصلاة والقسم تقدمت في مواضعها، وفيها: من قتل رجلاً ظلماً بأجر فلا أجر له وحكم القصاص والأدب في الجراح، وفيها: لا يصلح أن يبني مسجداً ليكريه ممن يصلي فيه ولا بيته وإجارتهما لذلك غير جائزة، وأجازة غيره في البيت.

عياض: لأنه يسبب من مكارم الأخلاق.

اللخمي: من بني مسجداً ليكريه؛ جاز.

قلت: اقتصاره على هذا دون ذكر قولها أنه لا يجوز غير صواب وإن وافق مفهوم نقل الصقلي عن سحنون إنما لم يجز كراء المسجد؛ لأنه حبس لا يباع ولا يكرى والبيت ليس مثله كراؤه جائز.

اللخمي: إن أكرى بيته أو داره ممن يصلي فيهما في أوقات الصلوات فقط كره؛ لأنه ليس من مكارم الأخلاق، فإن نزل مضى وإن أخلا البيت وسلمه جاز.

قلت: هذا خلاف قوله: (من بني مسجداً ليكريه جاز) إلا أن يريد: ليكريه لغير الصلاة وهو بعيد، ولما ذكر عياض معنى كلام اللخمي قال: فعلى هذا يحتمل كون قول الغير وفاقاً بأن تكلم على وجه وتكلم ابن القاسم على آخر أو تكلم على الفعل ابتداء والغير عليه بعد الوقوع، وسقط قوله في رواية يحيي فيها اكتراء الدار؛ لأن يتخذها مسجداً عشر سنين جائز، ولم أسمعه من مالك ونقضها لمن بناها مسجداً عياض أشار حمديس إلى أن قوله في الدور خلاف قوله: في البيت ولا فرق بينهما.

ص: 202

اللخمي: من اكترى أرضاً يتخذها مسجداً أجلاً مسمى جاز، وله بعد الأجل نقض ما لا يصح بناؤه للسكني أو لا يوافق بناء الدور، وما يصح بناؤه للسكني إن لم يجعله حبساً فلرب الأرض أخذه بقيمته منقوضاً واختلف إن كان حبساً، وأن ذلك له أحسن.

قات: قوله: (وله نقض ما لا يصح للسكنى) اتبع فيه التونسي.

قال: لأن رب الأرض لا يقدر أن ينتفع به؛ لأنه على صورة مسجد.

زاد الصقلي عن بعض القرويين: إلا أن يلتزم إبقاءه مسجداً فيأخذه بقيمته منقوضاً، ويلزمه إبقاؤه مسجداً، ولما ذكر الصقلي قولها كان النقض لمن بناه.

قال: وقال سحنون في غير المدونة: فيجعله في غيره.

قال ابن أبي زيد: وقول ابن القاسم أبين، وليس مثل الأرض مستحق، وقد بنيت مسجداً؛ يريد: هذا يجعله في غيره؛ لأنه أخرجه من يده لله تعالى على التأبيد، والآخر إنما جعله في مدة فيرجع إليه بعد تمامها.

الصقلي: كمن دفع فرسه لمن يغزو به غزوة، ثم يرجع إليه.

قلت: فما ذكره الصقلي من قول سحنون، وابن القاسم يفسر قول اللخمي: اختلف إن كان حبساً وفيها لا يعجبني لمن في قرية لأهل الذمة كراء داره أو بيعها ممن يتخذها كنيسة أو بيت نار ولا دابته لركوبها في أعيادهم ولا بيع شاة لذبحها في أعيادهم، فإن نزل بيع الدار أو كراؤها ففي لزوم صدقته بكل الثمن والكراء، أو بجزء الثمن المسمى الخارج من تسميته فضل قيمتها مبيعه لما فرض على قيمتها مبيعه لما يجوز من القيمة الأولى، وكذا في الكراء، ثالثها: هذا في البيع والأول في الكراء للصقلي قائلاً عن شيوخه.

قلت: لم يذكر عبد الحق غير الثالث وجعل كراء الارض؛ لأن تبني كنيسة كبيع الدار لا لكرائها، وفيها: لا يحل إجارة الرجل نفسه في بناء كنيسة لقول مالك: لا يواجر نفسه في محرم ابن القاسم، وأرى إن واجر نفسه أو شيئاً مما يملكه في شيء من الخمر أن لا أجر له، ويفعل بالأجر إن قبض ولم يقبض ما يفعل في ثمن الخمر.

ص: 203

قلت: سنذكره في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى.

عبد الخالق: إن أجر على رعاية خنازير أو عمل خمر وشبهه فسخ متى عثر عليه، فإن فات وقبض الأجر تصدق به عليه، وإن واجر نفسه فيما يمتهنه النصراني فيه تحت يده من خدمة ونحوها فكذلك، ولا يتصدق عليه بالثمن، وإن واجر نفسه فيما لا يكون فيه تحت يده وامتهانه كحراسة وقراض كره، فإن نزل مضى وسمع القرينان جوابه عن المسلمة ترضع ولد النصرانية بأنه إن أعطته ثديها فلا باس به، فإن ذهبت عندهم في بيوتهم فلا يعجبني.

ابن رشد: وهذا كما قال أنه مكروه، فإن وقع فسخ فإن فات مضى ولم تحرم الأجرة، وإجارة المسلم نفسه من الكافر أربعة أقسام جائزة، وهو أن يعمل له في محله كالصانع في حانوته، ولم يستبد به بعمل الكافر ومكروهة، وهو أن يستبد بجميع عمله من غير كونه تحت يده ككونه مقارضاً أو مساقياً له ومحظورة، وهو أن يكون في عمل تحت يده كالخدمة في بيته والإرضاع له فيه تفسخ فإن فاتت مضت وكانت له الأجرة، وحرام كحمل الخمر ورعي الخنازير إن فات يتصدق بالأجر.

قلت: والإجارة على بناء دورهم إن كانت لمجرد سكناهم دون بيع الخمر فيها، فهي كالمساقاة وإلا فهي كبناء الكنيسة.

اللخمي: إن واجره على حمل زق زيت معين بعشرة فظهر أنه خمر تصدق بفضل قيمة حمله خمراً على المسمى، وإن كان على عين معين فأحضر زقاً فحمله، ثم ظهر أنه خمر فله أجر مثله فيه على أنه زيت، وما زاد اللخمي: تصدق به والعقد الأول باق ولو آجره على معين على أنه خمر، ثم ظهر أنه زيت فله أجر مثله والعقد الأول منفسخ، وفيها: أيجوز للعزب إجارة امرأة ولو أمة تخدمه.

قال: كره مالك أن يعادل الرجل المرأة في محل ليس بينهما محرم، فإجارته للخدمة وللأهل له وهو يخلو بها أشد كراهة.

اللخمي: إجارة الرجل المرأة إن كان عازباً لم يجز، وإن كان مأموناً، وإن كان له أهل، وهو مأمون جاز وإلا لم يجز، وإن كانت متجالة لا أرب فيها لرجل جاز، وكذا

ص: 204

الشابة مع شيخ فان ولا تعادل امرأة رجلاً في محمل وإن كان مأموناً لقوله صلى الله عليه وسلم: "باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء" وسواء كان معها زوجها أم لا وسمع عيسى ابن القاسم في النكاح: لا بأس أن يقوم الرجل بحوائج المرأة الغريبة الكبيرة تلجأ إليه ويناولها الحاجة وليدخل معه غيره أحب إلي؛ إذ لو تركها الناس لضاعت.

ابن رشد: وهذا إذا غض بصره عن ما لا يحل نظره إليه، وروى ابن القاسم فيها: لا بأس بإجارة العبد الصانع على أن يأتيه بالغلة ما لم يشترط عليه في العقد خراجاً معلوماً/ ولو وصفته عليه بعد إياه ولم تضمنه إياه جاز.

اللخمي: روى الشيخ في مختصره لا ضير في استئجاره على أن يجيبه بالغلة، وهو أصل مالك في كل من اشترى شيئاً على أن يعمله بائعه والمشتري يصير إلى أمر مجهول كالزرع على أن بائعه حصده ودرسه، وقد قالوا من اشترى سلعة على أن يبيعها بائعها أنه فاسد.

ويجوز على تعليم القرآن في حديث البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله".

وفيها: لا بأس بالإجارة على تعليم القرآن كل سنة أو كل شهر بكذا أو على الحذاق للقرآن أو على أن يعلمه كله أو سدسه بكذا ونحوه سمع القرينان ابن رشد: إجارة ذلك هو المذهب، وأجمع عليه أهل المدينة وهم الحجة على من سواهم، واحتج ابن رشد بحديث جواز الجعل على الرقية بالقرآن حسبما هو مذكور في الجعل والإجارة عليه جائزة مشاهرة، ومقاطعة على جميعه أو على جزء منه معلوم نظراً أو ظاهراً ووجيبة لمدة معلومة من الشهور، أو الأعوام فالمشاهرة غير لازمة لأحدهما والوجيبة والمقاطعة لازمة لهما، وأجاز ابن حبيب أن يسمي المقاطعة أجلاً ورواه وهو

ص: 205

خلاف المشهور في توقيت ما أجله فراغه، وقال: يقضي بالحذقة في النظر والظاهر بقدر حال الأب ويسره وقوة حفظ الولد تجويده؛ لأنه مكارمة جرى الناس عليها إلا أن يشترط الأب تركها، فإن أخرج الأب ابنه قرب الحذقة لزمته، وإن بقى له ما له بال كالسدس ونحوه سقطت، وليس عليه حساب ما مضى منها، وإن شرط المعلم عليه الحذقة لم يجز دون تسميتها، وإن أخرج الأب ابنه قبل بلوغها لزمه بحساب ما مضى ولو قل.

قال ابن حبيب: ولا يقضي بالأخطار في الأعياد، وإن كان فعله مستحباً في أعياد المسلمين، ويكره في أعياد النصارى كالنيروز والمهرجان، ولا يجوز لمن فعله ولا يحل لمن قبله؛ لأنه من تعظيم الشرك.

قلت: فلا يحل على قوله قبول هدايا النصارى من أعيادهم للمسلمين، وكذا اليهود وكثير من جهلة المسلمين من يقبل منهم ذلك في عيد الفطيرة عندهم وغيره.

ابن رشد: وجه تفرقة ابن حبيب بين الأخطار والحدقات، وإن كان القياس أن لا فرق بينهما إذا جرى بهما العرف هو أن الحدقة إنما بلغها الصبي بتعليم المعلم، واجتهاده وبلوغه عنده العيد لا عمل له فيه، وفي نوازل سحنون سئل عن المعلم لا يشترط شيئاً فيجري له في الشهر الدرهم والدرهمان أيقضي له بالحذقة.

قال: يحملون على حال البلد وسنتهم إلا أن يشترط شيئاً فله شرطه، وأما بالحذقة فليس فيها شيء معروف إلا على قدر الرجل برجاله.

ابن رشد: إيجابه بالحذقة بالعرف، وإن لم يشترط هو على أحد قولي مالك في القضاء بهدية العرس، وإن لم يشترط إن كانت جارية بالبلد ولم يحكم بها في قوله: يقضي بها بحكم المهر كالمشترطة ولا بحكم الهبة إنما حكم لها بحكم الصلة المقصود بها عين الموصول، فأبطلها بموت أحدهما، وكذا يجب في بالحذقة لا يقضي بها لوارثه إن مات على الأب ولا على ورثة الأب إن مات للمعلم، وعليه يأتي قول ابن حبيب؛ لأنه لا فرق بين بالحذقة المشترطة والواجبة بالعرف في موت الصبي، أو إخراجه قبل بلوغه بالحذقة.

ص: 206

قلت: للصقلي عن محمد: أجاز مالك التعليم مشاهرة ومقاطعة، وكل شهر وكل سنة، فكذا ولكل واحد منهما الترك متى شاء، وظاهره عدم اللزوم في المقاطعة خلاف ما تقدم لابن رشد.

قلت: فاللفظ الذي ذكرته وجدته في غير نسخة وفي لفظ بعض النسخ احتمال، ونصها في النوادر وفي الموازية: أجاز مالك التعليم مشاهرة ومقاطعة وكل شهر وكل سنة بكذا ما لم يقل مثله في سنة أو في سنتين، فإن سميا فلا ترك لأحدهما، وإن قال: كل سنة وكل شهر فلكل منهما الترك.

قلت: مفهوم لفظ الأول يؤيد لفظ الصقلي، ومفهوم لفظ الأخير يؤيد نقل ابن رشد وهو الصواب.

اللخمي: الجائزة على وجهين مشاهرة ومساناة إن لم يذكر قدراً يعمله في تلك المدة، وعلى حدقه شيء معلوم ربع أو نصف أو جميعه كذلك، فإن جمع بين الأجل والقدر الذي يعمله فيه فإن فعل ولا يدري هل يتعلم ذلك القدر في المدة فسدت الإجارة، واختلف إن كان الغالب أنه يتعلمه فيها فأجيز ومنع فإن انقضى الأجل ولم يتعلم فيه ذلك القدر فله أجر مثله ما لم يزد على المسمى، وقال ابن الجلاب: قيل: لا يجوز على التعليم إلا مدة معلومة مشاهرة وغيرها؛ يريد: اختلاف أفهام الصبيان فالمشاهدة أخف غرراً.

الصقلي عن ابن حبيب: إن شارطه المعلم على أن يحذقه، وله كذا فليس لأبيه إخراجه حتى يتم.

قال: ولا يضره في حذقة النظر خطأ الصبي في السورة إلا حرف وليس كمن لا يخطئ، وإن لم يستمر القراءة فلا حذقة له، ورأيت أن أكمل هذا الفصل بالضروري من كلام الشيخ أبي الحسن القابسي في كتابه المشتمل على بيان أحكام المعلمين والمتعلمين على وجه الإيجاز قال: قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" فيشمل الوالد

ص: 207

لتعليمه ولده إياه ولو بأجرة تعليمه العلم، ولقد أجاب ابن سحنون أبا ولد كان يطلب العلم عليه عن قوله له: إني أتولى العمل بنفسي ولا أشغله عما هو فيه، أجرك في ذلك أعظم من الحج والرباط والجهاد القابسي إن ترك الأب تعليم ولده القرآن لشح قبح فعله ولقلة عذر، فإن كان للولد مال فلا يدعه دون تعليم وليه، أو قاضي بلده أو جماعته إن لم يكن قاض، وإن لم يكن له مال توجه حكم الندب على وليه وأمه الأقرب فالأقرب وتعليم من أسلم ما يصلي به فرض كفاية يتعين على من انفرد به دون عوض، وتعليم الأنثى ما تصلي به كالذكر ويتعين على الولي والزائد على ذلك للأنثى حسن، وكذا العلم لا الرسائل والشعر وترك تعليمها الخط أصون ويكون المعلم معهم مهيباً لا في عنف لا يكون عبوساً مغضباً ولا منبسطاً مرفقاً بالصبيان دون لين.

قلت: ويكتفى في إباحة انتصابه بستر الحال للمتزوج ويسأل عن غيره، فإن لم يسمع منع إلا العفاف أبيح له، ويمنع من يتحدث عنه بسوء مطلقاً وبهذا جرى العمل وهو الحق.

قال: وعليه أن يزجر المتخاذل في حفظه أو صفة كتبه بالوعيد والتقريع لا بالشتم كقول بعض المعلمين للصبي يا قرد، فإن لم يفد القول انتقل للضرب والضرب بالسوط من واحد إلى ثلاثة ضرب إيلام فقط دون تأثير في العضو فإن لم يفد زاد إلى عشر.

قلت: ضرب معلم صبياً بالسوط في رجله لتكرر قلة حفظه فحدث برجله من ضربه قرحة صارت فاصولاً أشك في موته به.

قال: ومن ناهز الحلم وغلظ خلقه ولم ترعه العشر فلا باس بالزيادة عليها.

قلت: الصواب اعتبار حال الصبيان شاهدت غير واحد من معلمينا الصلحاء يضرب الصبي نحو العشرين وأزيد، وكان معلمنا يضرب من عظم جرمه بالعصى في

ص: 208

سطح أسفل رجليه العشرين وأكثر، ومنعه الزجر بقول يا قرد الصواب فعل بعضهم ذلك، وقد أجازوه للقاضي لمن يستحقه مع قدرته على ضربه، وكذا كان بعض شيوخنا يزجر به في مجلس إقرائه من يستحق الزجر لتعذر الضرب ونقلوه عن بعض شيوخهم وسمعنا منهم في ذلك عن شيوخهم مقالات ممن نقل لنا عنه شائعًا الشيخ الفقيه العدل الخطيب أبو محمد البرجيني، والشيخ النحوي المشهور بالزلدوي، وكان يصدر كثيرًا من شيخنا أبي عبد الله بن الحباب وقليلا من شيخنا أبي عبد الله بن عبد السلام - رحمهما الله - وفائدة ذلك واضحة لمن أنصف؛ لأنها تكسب تثبت الطالب فيما يريد أن يقوله من بحث أو نقل، وقد والله سمعت شيخنا ابن عبد السلام زجر بعض أهل مجلسنا في مدرسة الشماعين في قول قاله ما يقول هذا مسلم، وكان هذا المقول له حينئذ متصفًا بعدالة الشهود المنتصبين للشهادة، وخطة القضاء بالبلاد المعتبرة ولم يترك لذلك مجلسه إلى أن توفي رحمهما الله تعالى، والأعمال في ذلك بالنيات.

قال: ومن اتصف من الصبيان بأذى أو لعب أو هروب من المكتب استشار وليه في قدر ما يرى من الزيادة في ضربه قدر ما يطيق.

قُلتُ: أما في الإذاية فلا يستشيره؛ لأنه حق عليه ويتعذر طلبه عند غير المعلم لتعسر إثبات موجبه، واستحب سحنون أن لا يولي أحدًا من الصبيان ضرب غيره منهم سحنون ولا يضرب وجهًا ولا رأسًا، ومن حسن النظر التفريق بين الذكور والإناث.

قال سحنون: أكره خلطهم؛ لأنه فساد.

قُلتُ: أما من بلغ حد التفرقة في المضجع فواجب تفريقه منهم.

قال: ويحترز من يخاف فساده على الصبيان ممن قارب الحلم إذا كان ذا جرأة.

قُلتُ: الصواب في هذا منع تعليمه معهم.

قال: ولا تقبل شهادة بعضهم إلا من عرف بالصدق فيقبل قوله وينهاهم عن الربا في تبايعهم طعامًا بطعام وبفسخه، وما فات فهو في مال مفوته أو ذمته.

سحنون: وشراء الفلقة والدرة وكراء موضع التعليم على المعلم فإن استؤجر على صبيان معلومين سنة معلومة فعلى أوليائهم كراء الموضع، وأما تعليمهم في المسجد

ص: 209

فروى ابن القاسم: إن بلغ الصبي مبلغ الأدب فلا بأس أن يؤتى به المسجد، وإن كان صغيرًا لا يقر فيه ويعبث فلا أحب ذلك، وروى سحنون: لا يجوز تعليمهم فيه؛ لأنهم لا يتحفظون من النجاسة، وهذا هو الصحيح، ى وأجاب سحنون عن معلم أراد أن ينتقل من موضع لآخر: بأنه إن لم يضر ببعض الصبيان لبعده من داره فله ذلك، وإلا فإن كان عقد إجارته مع من يتضرر بذلك على اللزوم فليس له ذلك إلا بإذن وليه وإلا جاز دون إذنه، وذكر القابسي هنا: حكم جنايته على الصبي، وهو مذكور في الجراح ومتعلق تعليمه بالذات قراءة القرآن حفظًا أو نظرًا.

ابن سحنون: ينبغي أن يعلمهم إعراب القرآن، ويلزمه ذلك والشكل والهجاء والخط الحسن وحسن القراءة بالترتيل، وأحكام الوضوء والصلاة وفرائضها وسننها وصلاة الجنائز ودعائها وصلاة الاستسقاء والخسوف.

قُلتُ: حمل قوله: عندي إعراب القرآن هو بتعليمه معربًا احترازًا من اللحن والإعراب النحوي متعذر وحسن القراءة إن أراد به التجويد فهو غير لازم في عرفنا إلا على من شهر بتعليمه، وأما أحكام الوضوء وما بعده فواضح عدم لزومه وكثير من المعلمين لا يقومون بذلك.

قال: ويجب عدله بينهم في التعليم لا يفضل فيه بعضهم على بعض، ولو تفاضلوا في الجعل إلا أن يبين ذلك لوليه في عقده أو يكون تفضيله في وقت غير وقت تعليمه، ولا يعلمهم قراءته بالألحان لنهي مالك عنها ابن سحنون عنه ولا يعلمهم أباجاد ونهى عن ذلك؛ لأني سمعت حفص بن غياث يحدث أن أباجاد أسماء الشياطين ألقوها على ألسنة العرب في الجاهلية فكتبوها.

قال محمد: وسمعت بعض أهل العلم يقول هي أسماء ولد سابور ملك فارس أمر من في طاعته من العرب بكتبها فكتبوها.

قال محمد: فكتبها حرام وأخبرني سحنون عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قوم ينظرون في النجوم ويكتبون أباجاد لا خلاق لهم.

ص: 210

قُلتُ: لعل الأستاذ الشاطبي لم يصح هذا عنده، أو لم يبلغه أو رأى النهي إنما هو باعتبار استعمالها على أصل ما وضعت له لا مع تغيرها بالنقل لمعنى صحيح، وعلى هذا يسوغ استعمالها عددًا كسراج الدين في التحصيل، واختصار الأربعين وغيره.

عقدها: يجوز مؤجلًا لمدة معلومة فيلزم، ومشاهرة فلا يلزم أحدهما.

ابن حبيب: قال مالك: يجوز أن يشارط المعلم على الحذقة ظاهرًا أو نظرًا ولو سميا أجلًا أصبغ إن تم الأجل ولم يحذقه فله أجر مثله.

القابسي: ففرق أصبغ بين ضرب الأجل للمعلم والخياط إذا كان الفعل يمكن الفراغ منه فيه.

قُلتُ: قد سوى اللخمي وابن رشد بينهما.

قال القابسي: والحذقة كل ظاهرا حفظ كل القرآن ونظرا قراءته في المصحف.

وقدر عوضها ما شرطاه، فإن لم يشترط فهي على حال الأب في كسبه وحفظ الصبي وقراءته مع اعتبار حسن خطه، فإن نقص تعلم الصبي في أحدهما فلمعلمه من الحذقة بقدر ما تعلم، فإن لم يستمر الصبي في الحفظ أو في القراءة في المصحف فلا شيء لمعلمه ويؤنب المعلم علي تفريطه إن كان يحسن التعليم وعلى تغريره إن لم يحسنه، فإن اعتذر بدله الصبي اختبر، فإن بان صدقه فله من الأجر بقدر حرزه وتأديبه إلا أن يكون عرف أباه ببلهه.

قُلتُ: أو يكون الأب عرف ذلك.

قال: ومحل الحذقة من السور ما غررت فيه عرفًا مثل لم يكن وعم وتبارك والفتح والصافات.

قُلتُ: فلم يذكر الفاتحة وهي حذقة في عرفنا.

قال: وكذا عطية العيد تثبت بالعرف، وقول سحنون: لا يلزم الحذقة إلا في ختم القرآن وغيرها تفضل معناه: إن لم تكن عادة بغيرها، وكذا قول ابن حبيب لا يجب الإخطار ولا يجوز إعطاء في عيد العجم حدث أسد بن موسى عن الحسن بن دينار عن الحسن البصري: أنه كان يكره إعطاء المعلم في النيروز والمهرجان إنما كان المسلمون

ص: 211

يعرفون حق المعلم في العيدين ورمضان، وقدوم غائب القابسي إنما المعروف العيدان، وأما غيرهما وعاشوراء ففعل الخاصة، وأجاب القابسي عمن علمه معلم بعض القرآن ثم أكمله له غيره بأن: لكل منهما من الحذقة بقدر ما علم أنصافًا أو أثلاثًا، ونحوه وربما استحقها الأول فقط إن بلغ من تعليمه مقاربة الختم بحيث بلغ ما يستغنى به عن المعلم وربما استحقها الثاني فقط إن قل لبثه عند الأول ولم ينل من تعليمه ما له بال، وقال ابن حبيب: إن شورط المعلم على أجر معلوم في كل شهر أو شهرين، وعلى قدر معلوم في الحدقة فلوليه إخراجه، وعليه من الحذقة بقدر ما قرأ منها، ولو لم يقرأ منها إلا الثلث أو الربع فعليه بحسابه لاشتراطه ما سمى مع إخراجه، ولو شارطه على أن يحدقه بكذا أو كذا لم يكن لوليه أن يخرجه حتى يتم حذقته.

القابسي: فرق هذا التفريق ولم يذكر حجة عليه، وقال: ما حاصله أنهما سواء لاشتراكهما في التزام الولي الحدقة، واختصاص أحد الصورتين بزيادة قدر في كل شهر لا يوجب حل ما لزم بالتزام الحذقية، وأن لوليه إخراجه وعليه بقدر ما بلغ منها.

قُلتُ: يمكن تقرير وجه تفرقته أنه إذا شارطه على الحدقة فقط كان أمدها العرفي كمدة معينة عاقدة عليها غير مقرونة بما يدل على انحلال عقدها، فإذا ضما عليها شرطقدر في كل شهر كان دليلًا على عدم لزوم عقدها، وصرفه لحكم عقد المشاهرة.

قال: وإنما حصلت له بقدر ما بلغ إذا أخرجه في المشارطة على الحدقة لا في رأيته من تجويز الإجارة التي لم يشترط لها غاية فما حصل منها كان عليه من الأجر بقدره.

وأما حكم بطالة الصبيان فقال سحنون: تسريحهم يوم الجمعة سنة المعلمين.

ابن عبد الحكم: لمن استؤجر شهرًا بطالة يوم الجمعة وتركهم من عشي يوم الخميس؛ لأنه أمر معروف وبطالته لهم كل يومه بعيد؛ لأن عرضهم أجزائهم فيه من عشي يوم الأربعاء وبطالتهم في الأهياد هي على العرف هي في الفطر ثلاثة أيام، وكذا في الأضحى ولا بأس بالخمسة.

سحنون: من عمل الناس بطالة الصبيان في الختمة اليوم وبعضه، ولا يجوز أكثر من ذلك إلا بإذن أولياء الصبيان، فقيل له: ربما أهدى الصبي للمعلم ليزيده في البطالة.

ص: 212

قال: هذا لا يجوز.

القابسي: ومن هنا سقطت شهادة أكثر المعلمين؛ لأنهم غير مؤدين ما يجب عليهم إلا من عصمه الله، وبعثهم لمن تزوج أو ولد له ولد ليعطوا شيئًا ليأتون به مؤدبهم لا يجوز، وكذا ما يأتون به من بيوت آبائهم إلا بإذنهم.

قُلتُ: بعثهم لدار بعض الأولاد لختمة أو لنفاس أو ختان أمر معروف في بلدنا، والغالب أنه لا يكون مسير الولد لذلك إلا بعلم من وليه؛ لأنهم لا يمشون لذلك بمعهود ثيابهم بل بثياب التجمل والتزين في الأعياد.

قال: واتخاذه بعضهم يملي على بعض حسن، ولا يجوز بعثهم في حوائجه، ولا ينبغي أن يتشاغل عن تعليمهم بشيء، وإن نزلت به ضرورة استناب مثله فيما قرب.

قال سحنون: ولمن استؤجر على تعليم صبيان تعليمه غيرهم إن لم يضر بهم ولم يشترط عليه عدم الزيادة عليهم.

وشركة المعلمين جائزة إن كانوا بمكان واحد وإن كان بعضهم أجود تعليما من بعض؛ لأن فيه رفقاء يمرض بعضهم فيقوم الصحيح مقامه، وإن كان بعضهم عربي القراءة والآخر ليس كذلك؛ لكنه لا يلحن فلا بأس بذلك، قاله مالك وابن القاسم، وعن مالك: لا يصح حتى يستويا في العلم، فإن كان أحدهما أعلم لم يصلح إلا أن يكون لأهلهما فضل من الكسب بقدر عمله على صاحبه القابسي إن لم يكن لأحدهما من الزيادة إلا أنه يعرب قراءته والآخر لا يعربها ولا يلحن أو أحدهما رفيع الخط والآخر ليس كذلك إلا أنه يكتب ويتهجا فهذا قريب مغتفر في الشركة في الصنائع والتجارات، ولو كان أحدهما يقوم بالشكل والهجاء وعلم العربية والشعر والنحو والحساب، وما لو انفرد معلم القراءة بجميعه لجاز شرط تعليمه إياه مع تعليم القرآن؛ لأنه يعين عل ضبطه وحسن معرفته هذا إن شارك من لا يحسن إلا قراءة القرآن والكتب كانت الإجارة بينهما متفاضلة على هذه الرواية على قدر علم كل منهما، ولو استؤجر أحدهما لتعليم النحو والشعر وشبهه والآخر على تعليم القرآن والحساب ما صحت شركتهما، وقيل: لأنس كيف كان المؤدبون على عهد أبي بكر وعمر وعثمان

ص: 213

وعلي رضي الله عنهم قال: كان للمؤدب إجانة يجيء كل صبي يوم نوبته بماء طاهر يصبه فيها، يمحون به ألواحهم، ثم يصبون ذلك الماء في حفرة من الأرض فينشف.

قُلتُ: قال الجوهري: الإجان واحدة الأجاجين، ولا يقال: إنجانة، وقال في باب آخر: المركن بالكسر الإجانة التي تغسل فيها الثياب ابن سيدة.

يقال: إجانة وإنجانة وينبغي أن يصب ذلك الماء بالمواضع البعيدة عن النجاسة، وكان معلمنا يأمر بصبه في حفرة بين القبور وينبغي أن يحفظ منه؛ لأن غالب الصبيان لا يتحفظون في أيديهم من نجاسة أبوالهم.

قال محمد بن سحنون: حدثنا موسى عن جرير عن منصور قال: كان إبراهيم النخعي يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد.

وتجوز الإجارة على عمل في جزء من معين شائع إن لم يشترط عدم قسمة فيها تجوز إجارة شريك في طعام شريكه على عمله لبيعه ببلد آخر إن ضرب له أجلًا، وعلى أنه متى شاء قسمه فإن شرط عدمه لم يجز، فإن نزل ففيه كراء المثل، وكذا في طحنه.

الصقلي: يريد ضرب الأجل بعد الوصول للبلد ولا ينقده إجارة البيع، وفيها: وكذا في رعاية غنم بينهما إن شرط خلف ما هلك من حظه.

قال غيره: واعتدلت في القسم.

الصقلي: قال بعض أصحابنا: محلها عند ابن القاسم على الاعتدال فيه، وأن الإجارة على نصف عددها، فإن قسما وصار له أكثر من نصف عددها لم يلزم الأجير ما زاد على نصفها، وإن صار له أقل منه فله إتمامه.

قُلتُ: وتقدم في مساقاة نخل بينهما بحث فيها فتذكره، وفيها: لا تجوز عتلى حمل طعام إلى بلد كذا بنصفه إلا أن ينقده نصفه مكانه؛ لأنه بيع معين تعلى تأخير قبضه لأجل.

الصقلي: إن وقع بينهما جاز على قول أشهب وابن حبيب.

اللخمي: إن لم يشترط قسمه ولا بقاءه جاز وحمله وطحنه إذ لا غرض في بقائه.

الصقلي: قال ابن أخي هشام: إن حمله إلى البلد فللحمال نصفه، ويغرم مثله إلى

ص: 214

المحل الذي حمله منه وله كراؤه في النصف الآخر ما بلغ، وعابه بعض شيوخنا وقال: يلزمه إن هلك الطعام ضمان نصفه؛ لأنه على قوله بالقبض لزم ذمته وهو بعيد؛ لأن علة الفساد منع الحامل من قبض حظه إلى أن يصل إلى البلد المحمول إليها فكيف يضمن هلاكه قبل البلد وقبله.

الصقلي: ويرد بمنع ملزومية قول ابن أخي هشام ضمانه قبل وصوله الذي جعل بطلانه يوجب بطلان قول ابن أخي هشام، وسند المنع ما هو بين به الراد عليه بطلان تضمينه، ولا يلزم من عدم ضمانه وصول بطلان قول ابن أخي هشام؛ لأنه بوصوله للبلد زال حجر منعه قبضه لتوقيته بعدم وصوله فكونه تحت يده بمحل وصوله هو قبض له وهو حينئذ بحالة مخالفة لحالته يوم بيعه وهي صيرورته منقولًا، فصدق أنه مبيع بيعًا فاسدًا فات بالنقل فتأمله.

وعلم المنفعة بصنفها وقدرها شرط حصوله بالنص واضح كخياطة رومية أو عربية فيها إن واجرته على إن خاطه اليوم فبدرهم وإن خاطه غدا فنصف درهم، وإن خاطه خياطة رومية فبدرهم وإن خاطه خياطة عربية فنصف درهم لم يجز، وهو من وجه بيعتين في بيعة إن خاطه له أجر مثله ما بلغ.

قال غيره: في الأولى إلا أن يزيد على الدرهم أو ينقص عن نصفه فلا يزاد ولا ينقص.

الصقلي: عن الشيخ: قال بعض الأندلسيين في قول غير ابن القاسم: يعني إن خاطه اليوم قيل: ما قيمة خياطته على تعجيلها اليوم فلا يزاد على درهم ولا ينقص من نصفه، وإن خاطه غدًا قيل: ما قيمتها إلى غد على ما ذكرنا ولابن أبي زمنين عن بعض الأندلسيين تفسير غير هذا وهو أصوب.

قُلتُ: لم أقف على تفسير ابن أبي زمنين وقول ابن القاسم مثل نص قولها في الرواحل: إن اكتريت من رجل على أنه إن أدخلك مكة في عشرة أيام فله عشرة دنانير، وإن أدخلك في أكثر فله خمسة فسخ، فإن نزل فله كراء مثله في سرعته وإبطائه، وقال بعض الفاسيين في تأويل قول الغير: ثلاثة أقوال: الأول أن له أجر مثله ما لم يزد على

ص: 215

الدرهم، أو ينقص عن نصف درهم خاطه في اليوم الأول أو الثاني القول الثاني ما لم يزد على الدرهم في اليوم الأول أو ينقص عنه أو يزيد على نصف درهم في اليوم الثاني أو ينقص عنه القول الثالث ما لم يزد على الدرهم في اليوم الثاني، ويأخذ أقل منه مطلقًا أو ينقص عن نصف درهم في اليوم الأول، ويأخذ ما زاد عليه مطلقًا، وذكر ابن رشد قولها في الرواحل: على أنه متفق على منعه للشك في سعة الأجل للوصول فيه.

قال: فإن فات بالسير فعلى قول غيره في كتاب الجعل له أجر مثله ما لم ينقص عن الأقل، وما لم يزد على الأكثر، وللشيوخ في تأويل قوله: أوجه الول هذا سواء بلغ الأجل أو لا الثاني إن بلغ فيه المثل ما لم ينقص عن الأقل، وإلا فله الأقل من اكتراء الكراءين أو المثل ولو فضله الأقل الثالث إن بلغ فيه فأكثر الكراءين وإلا فأقلهما، وعزا الثاني لابن أبي زمنين.

ويطب في أجل المنفعة كونه يسعها:

قال ابن رشد: في أول مسألة من سماع ابن القاسم الإجارة عشيء بعينه كخياطة ثوب أو نسخ غزل أو طحن قمح وشبهه مما الفراغ منه معلوم لا يجوز تأجيله بوقت يشك في سعته له اتفاقًا، وإن كان لا إشكال في سعته إياه ففي جوازه قولان لظاهر هذا السماع من سماع عيسى ابن القاسم، ودليل قولها فيمن استأجر ثورًا على أن يطحن له كل يوم إردبين فوجده لا يطحن إلا إردبا له رده؛ لأنه جعل في الإردب الذي طحن ما ينوبه ولم يفسخ الإجارة، وقول ابن حبيب بإجازة مشارطة المعلم على إحذاق الولد في أجل مسمى، ونقله عن أصبغ والمشهور مع سماعه بعد هذا في رسم سلف ورسم المحرم وسمع القرينين.

قُلتُ: ذكر اللخمي القولين غير معزوين وقال: أرى أن يمضى؛ لأن الغرض أن يشرع في تلك المدة فإن خاطه بعد الأجل حط من المسمى بقدر ما بين قيمتي عمله في الوقت المشترط ووقت عمله، ولابن حبيب عن ابن الماجشون: إنما له أجر المثل، وسمع ابن القاسم من قال: لمن استخاطه ثوبًا بدرهم بعد عقده عجله اليوم وأزيدك نصف درهم أرجو خفته، ولا بأس به ولم يره كالرسول يزاد لسرعة السير، ولا أحب

ص: 216

إن يتكاراه على تبليغ كتاب لبلد بدينار، ويقول له إن بلغته يوم كذا فلك زيادة نصف دينار، وأكرهه سحنون: لا بأس به بعد وجوب الكراء.

ابن رشد: أجازه في تعجيل الثوب؛ لأنه ممكن ولا ينبغي له مطله؛ لأنه إضرار به لغير سبب، وله أن يتسع في عمله، ويؤخره لعمله غيره أو لبعض حوائجه على عرف تراخي الصناع فزيادته على تفرغه لعمله جائز، وكرهه في تعجيل توصيل الكتاب معناه: إن لم يكن على يقين من إدراك إأيصاله ذلك اليوم إن أسرع، ولو كان على يقين جاز كالثوب، ولو شك في تعجيل الثوب في ذلك اليوم كان كالرسول يبين ذلك قوله في التفسير ليحيى إن كثرت الثياب كره ذلك فيها، ولا فرق بين الثياب الكثيرة والثوب إلا الشك في الثياب الكثيرة هل يفرغ منها في ذلك الوقت، ومعنى إجازة سحنون ذلك في الرسول أنه على يقين من وصوله ذلك اليوم فالأقوال كلها متفقة.

الصقلي: عن ابن ميسر مسألة الرسول والثوب سواء، وقال ابن عبد الحكم: خفف ذلك فيهما وكره، وإجازته أحب إلي وبه أخذ سحنون.

قُلتُك ظاهره أنه حمله على الخلاف.

وعلم صفة العمل بوصفه المنضبط أو عرف، كذلك إن تماثل وإن اختلف لزم بيان قدرتهما كخياطة وحرز شهرًا أو خدمة حضر وسفر فيها يستعمل أجيرًا لخدمة على عرف الناس من خدمة الليل والنهار كمناولة الثوب والماء لا فيما يمنعه النوم إلا أن يعرض له الحاجة المرة بعد المرة، ولا بأس أن يستعمله فيها في بعض الليل على وجه ما يعرف الناس، ولم أسمعه إنما سمعته في العبد يستعمل في النهار استطحنه بالليل.

قال: لا بأس به في العبد الخفيف العمل لا في الثقيل العمل الزرنوق يطلع وينزل والأخير في اشتراطه على أجير الخدمة ما يريده من سفر أو حرث لتباعد هذه الأعمال، ولا بأس بما تقارب ككنس البيت والعجن وشبهه.

اللخمي: إن استأجره على خدمة شهر إن شاء في الحضر، وإن شاء في السفر لم يجز، وإن شرطهما معا جاز إن لم ينقده شيئًا؛ لأن الشهر الثاني لا يجوز نقد أجره لمخالفته الأول وما ينقده واجب فضه ولو استأجره شهرًا في السفر بعد عقده شهرًا في الحضر

ص: 217

دون نقد جاز، بخلاف منع غير ابن القاسم كراء راحلة يركبها بعد شهر للتحجير، ولا يدرى في هل يسلم أم لا ولا حجر فيما تقدم كراؤه واستخدام الأجير فيما خف ليلًا، إنما هو فيمن انقطع إليه ومبيته عنده لا فيمن ينصرف عنه ليلًا، وفي سماع أصبغ عن أشهب: إن اشترط على أجير الخدمة سفر شهر أو شهرين في السنة فلا بأس بذلك.

ابن رشد: إنما جاز؛ لأن الشرط إنما هو شهران ولا يضر كون المستأجر بالخيار في شهر؛ لأنه حق له تركه بعد العقد على شيء معلوم، ودليله قوله تعالى على أن تأجرني ثمان حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك واشترالطه الشهرين دون تسميتهما يجوز على قول ابن القاسم: يجوز شرط السفر في أول السنة، وبعد مضى بعضها لا على قول ابن الماجشون: لا يجوز شرطه إلا في أول السنة أو قربه لا بعد مضي شهر منها.

قُلتُ: فاستئجار أجير معين على عملين متباعدين صفقة واحدة امداد لهما ما لا يجوز شرط النقد مع تأخير الشروع لمثل أمده بشرط نقد شيء من الأجر لا يجوز حسبما تقدم.

اللخمي: ودون شرطه إن لم يعين زمن كل من العملين لم يجز اتفاقًا فيهما، فإن عينه ففي جوازه قولان لمحمد، وابن حبيب عن ابن الماجشون.

الشيخ عن ابن القاسم في الموازية: لا ينبغي أن يشترط عليه في عملين متباعدين أنه بالخيار؛ لأنه خطر.

محمد: ولا يشترط عليه في الخدمة سفر أيام يسميها في وسط السنة، ولا على عملين متباعدين كقوله: يحرس لي كرمي ويبني لي هذا البيت.

محمد: يجوز إن شرط في شهر بعينه في السنة عملًا آخر سماه.

قد قال مالك: يجوز أن يكري داره على إن احتاج إليها في شهر من السنة سماه سكنها، وكذا السفينة ابن حبيب من واجر رجلًا شهرين يعمل فيهما عملين سماهما أو واجره على الثاني بعد مواجرته على الأول فإن تقارب العملان جاز في الصورتين، وإن تباعدا لم يجز فيهما؛ لأنه كمن واجره على عمل لا يسرع فيه إلى شهر، وقاله ابن الماجشون.

ص: 218

قُلتُ: ظاهر منعه في المتباعدين ولو لم ينقد، وقول محمد قبله: الصقلي: وفيه نظر؛ لأن ظاهر قوله: أولا لا يشترط سفر أيام يسميها يقتضي منعه في المختلفين، ولو عين وقتيهما خلاف قوله بعده يجوز في شهر بعينه إلا أن يجعل قوله: يسميها؛ أي: عددها لا أعيان أزمنتها، وقال ابن رشد: في رسم البيع والصرف لو استأجره شهرين يعمل في أولهما عملًا سماه وفي الآخر عملًا آخر بعيد\ًا من الأول، ففي جوازه قولا ابن القاسم وابن الماجشون، وهما قائمان من قولها من اكترى راحلة يركبها بعد شهر، وروى محمد: إن اشترط مكتري أرض بها غلمان إن احتاج إلى عملهم في أرض له أخرى استعملهم فلا ضير فيه، وشرط النقد فيما يتأخر الشروع فيه لتمام عمل مماثل له والعاقد واحد جائز لنقل الشيخ عن ابن حبيب: إن واجره تمام سنة كأن واجره على أقلها ونقد أجرته جاز في مثل العمل الأول، ولا يجوز لغيره، وسمع عيسى ابن القاسم لمن استأجر أجيرًا لعمل من الأعمال أن يرسله يعمل للناس، ويأتيه بما عمل أو يكريه في مثله ابن رشد؛ لأنه استأجره في عمل غير معين فمن حقه أن يواجره ممن شاء، ولا يلزم الأجير أن يواجر نفسه له ويأتيه بالأجرة، ولو رضي بذلك جاز ونقله بخلاف عمله.

قال الصقلي: وظاهره عن الموازية: أن نقله إلى ما هو من نوع الأول فله ذلك لما شاء منه، فإن قال الأجير فيما يحوله إليه لا أحسنه كالحصاد والحرث والقصل،

فللمستأجر فسخ إجارته إلا فيما قل ولا خطب له فلا فسخ له وفيها لا يجوز فسخ إجارة على خياطة في قصارة أو غيرها؛ لأنه دين بدين إلا فيما هو يوم ونحوه؛ لأنه لا يكون فسخ دين في دين.

قُلتُ: ظاهره ولا لما يقاربه.

الشيخ عن محمند عن ابن القاسم: لا يجوز نقله إلى عمل لا يقارب الأول إلا في مثل اليوم مما لا يكون دينًا بدين، وروى محمد: وقال ابن القاسم: إن واجره يوما لنقل تراب فله نقله لخياطه لقربه.

ابن حبيب: برضاهما.

اللخمي: في جواز نقل خديم الحضر للسفر برضاه، ثالثها: فيما قل لابن حبيب

ص: 219

والآتي على قول سحنون وابن القاسم، وفي سماع أصبغ عن أشهب: إن ماتت دواب استؤجر على علوفتها فرضي الأجير التحول إلى عمل غيره فلا بأس.

ابن رشد: معناه: فيما يشبه العلوفة: قاله الشيخ، وهو صحيح على قولها من اكترى دابة لموضع ليس له ركوبها لغيره، ولو كان مثله في السهولة والوعورة إلا برضى الكراء خلاف قول مالك في أول رسم من سماع ابن القاسم، وخلاف ما لابن حبيب من اكترى أجيرًا لعمل سماه نقله لما يشبهه إلا أن يشترط الأخير عدم نقله عن المسمى وما لا يشبه العلوفة غلا يجوز وإن رضيا؛ لأنه فسخ دين في دين سواء انتقد أو لا في هذه المسألة؛ لأن الحلف فيها واجب والكراء قائم.

قُلتُ: ظاهر نقله عن ابن حبيب أنه لا يجوز نقله إلى ما يباعد الأول ولو رضي الأجير، خلاف نقل اللخمي عنه مع المتيطي: وما أحال عليه من سماع ابن القاسم هو سماعه من استؤجر على أن يأني برقيق فلم يجدهم أو وجدهم ببعض الطريق فلمن استأجره مؤاجرته في مثله.

ابن رشد: قوله: مؤاجرته في مثله خلاف قولها ليس لمن اكترى دابة لموضع ركوبها لغيره إلا برضى الكراء، فعليه لا يؤاجره إلا برضاه.

قُلتُ: ففي نقله لمماثله بقيد رضاه أو دونه، ثالثها: إن تعذر الأول بفقده محله للتخريج على قوله في الدابة، ولابن حبيب وسماع ابن القاسم مع سماع أصبغ أشهب.

المتيطي: إن جاء الأجير يمن يعمل مكانه، فقال ابن القاسم: لا يجوز.

سحنون: ولو رضي المستأجر، وأجازه ابن حبيب إن رضي فيها مكررًا.

قال مالك: لا بأس بإجارة العبد عشر سنين وخمس عشرة، وهو في الدور أبين وسمع القرينان إجارة الأجير خمسة عشر عامًا كثير لا يصلح، ولا بأس أن يستأجره سنة ونقده إجارته.

ابن رشد: قوله: لا بأس به سنة وينقده دليل أنه إنما كرهه في الخمسة عشر مع النقد، وظاهر قولها إجازة النقد في الخمسة عشر عامًا خلاف قول غيره فيها.

اللخمي: أمد الإجارة مختلف باختلاف أمن المستأحر أوسعها الأرضون يجوز

ص: 220

لأربعين سنة دون نقد، ويجوز في المأمونة السرب به ومثلها الدور جديدة لأمنها والقديمة دونه بقدر أمن سلامته غالبًا، واختلف في العبيد في الموازية جوازه لعشرين سنة بالنقد، وفيها خمسة عشر ومنعه غير ابن القاسم في العشر.

قُلتُك عزاه المتيطي لأشهب.

اللخمي: وأرى اعتبار السن يجوز في ابن عشرين وما قاربها عشرون على استثقال فيه والصغير والكهل لا يجوز فيهما إلا ما قارب، ويمنع ما لا يقارب في الصغير لتغيره عند البلوغ في نشاط أو قوة أو غير ذلك في الكبير لعدم أمن تغيره، وخمس سنين ونحوها في ذلك حسن.

والحيوان مختلف أوسع أنواعه أجلًا البغال لطول أعمارها والحمير دونها والإبل دونها ويفترق الأجل في الثياب الحرير والكتان والصوف والجديد والقديم، وأجل ربعا لحبس في كتابه.

وفي تعيين ما تستوفى به المنفعة تفصيل:

ابن رشد في رسم العتق من سماع عيسى: هو على أربعة أوجه أولها في معين لا غاية له إلا بتأجيله كرعاية غنم بأعيانها أو تجر في مال بعينه في شرط جواز الإجارة عليه بشرط خلفه أو لا والحكم خلفه قولان لابن القاسم مع روايته فيها، وفي غيرها ولسحنون مع ابن حبيب وسماع أصبغ أشهب: إلا في أربع مسائل يفسخ فيها بموت المستأجر له الصبي المستأجر على إرضاعه، والصبي المستأجر على تعليمه والدابة المستأجر على رياضتها والرمكة المستأجر على أكوام عليها معدودة تعق قبل تمامها.

المتيطي: إن مات الصبي المستأجر على إرضاعه، ففي كتاب ابن سحنون على الأب خلفه.

ابن رشد: الثاني الاستئجار على عمل في معين لا غاية له إلا بتسمية الموضع كحمل شيء بعينه يجوز إلا بشرط الخلف اتفاقًا والثالث كذلك، إلا أنه لا غاية له إلا بضرب الأجل كالإجارة على بيع هذا الثوب أو العبد في هذا الشهر في البلد أو بلد آخر بثمن سماه أو بما رآه في هذا السماع إن شرط أنه إن تلف العبد أو الثوب انفسخت

ص: 221

الإجارة لم يجز، وإن شرط خلفه جاز وسكت عن حكم السكت عن الأمرين وظاهر المدونة: الجواز ووجوب الخلف والجاري على قوله في رعاية غنم بأعيانها أن الإجارة لا تجوز إلا بشرط الخلف، فإن باع قبل تمام الأجل انفسخت الإجارة في باقي الأجل، وله من الأجر بقدر ما مضى منه.

قال فيها: والآتي على قول سحنون في هذه المسألة أن الإجارة لا تنفسخ في باقي الأجل، ويستعمله بقيته فيما يشبه، وإن شرط فسخ الإجارة في باقيه إن باع قبل تمامه لم يجز عنده، ولو لم ينتقد على قوله فيمن اكترى دابة في حاجة إلى بلد، وشرط إن وجدها في الطريق رجع وكان عليه بقدر ما مضى من الكراء، ولو واجره على بيع الدابة أو الثوب بذلك البلد أو ببلد آخر على أنه له أجره ولو لم يبع جاز، ولو لم يسم للتسويق والبيع أجلًا؛ لأن قدر ذلك معروف، قاله أشهب في أول سماع أصبغ، ومضى هذا في أول رسم من سماع ابن القاسم، ونحوه في سماع ابن خالد الرابع الاستئجار على عمل في معين له غاية معلومة كخياطة ثوب بعينه، أو طحن قمح بعينه ونحوه لا يجب شرط خلفه اتفاقًا، فإن تلف قبل العمل أو قبل تمامه فالمشهور فسخ الإجارة فيها، أو فيما بقي منه، وهو قول مالك في رسم المحرم من سماع ابن القاسم، وفي سماع يحيى ابن القاسم في مسألة الزرع أم الإجارة لا تفسخ، ويستعمله في مثله، وهو شذوذ والنقد في هذه الإجارة جائز؛ لأن التلف نادر.

والإجارة على رعاية غنم: قال اللخمي: أقسام:

إن قال: علي رعاية غنم ولم يسم عددًا جاز، وحمل على منافعه ويأتيه المستأجر بما يقدر الأجير على رعيه من الغنم بشرط علم المستأجر بما يقدر على رعيه قبل استئجاره، وليس للراعي رعي غيرها معها فإن فعل فأجر ذلك لمن واجره أولا.

قُلتُ: نحوه قول عبد الحق عن بعض شيوخه: إن ضم الراعي لنفسه تحت يده فليس عليه تسمية عدد الغنم، ورأيت لابن حبيب ونحوه.

اللخمي: وإن واجره على رعاية مائة معينة أو غير معينة فله رعي غيرها معها إن لم يضشر بالأولى، وإن شرط عليه الأول أن لا يرعى معها غيرها لزمه الوفاء بشرطه، فإن

ص: 222

رعى غيرها ففي كون أجر الثانية للشارط، أو للراعي إن لم يضر بالأول قول ابن القاسم وغيره وفيه نظر؛ لأن الأجير يحط للأول من الأجر لراحته بعدم رعي ما زاد على عدده، ولزيادة الشارط احتياطًا لغنمه فلا يبطل حق أحدهما، وأرى تخيير الشارط في فسخ ما زاد لمكان الشرط وأخذ قيمة تلك الزيادة، وأخذ ما باعها به إن قيل أجر مثله على الأولى وحدها عشرة، وعلى أن يرعى معها الثانية ثمانية، والمسمى اثنا عشر فسخ عن نفسه خمس المسمى؛ لأنه أكثر، وإن كان المسمى أقل من عشرة أخذه بدينارين؛ لأنه أكثر من خمس المسمى، فإن أحب أخذ ما باعها به قيل ما أجر مثله في الثانية إن قيل: أربعة دنانير كان أجر الثانية نصفين؛ لأن للأول فيها ما قيمته ديناران فإن أجر على الثانية بأكثر من أربعة أخذ نصفه، فإن نقصت الأةلى برعي الثانية معها، وأحب أخذ نصف ما أجر به على الثانية لم يأخذ مع ذلك نقصها؛ لأنه بأخذه ما أجر به نفسه أجاز فعله فسقط حكم تعديه، وإن أحب فسخ مناب الشرط عنه، أو أخذ قيمة تلك الزيادة فله ذلك مع قيمة النقص هذا ظاهر المذهب وليس بقياس؛ لأنه إذا أخذ معها قيمة النقص صار كأنه أخذها سليمة، وهو لم يكن يقدر أن يأخذها بعد الأجل سليمة إلا بأن لا يرعى فلا يصح أن يأخذها سليمة من العيب بغير أجر.

قُلتُ: تعقبه صحيح وهو يمنع كونه ظاهر المذهب؛ لأن كونه ظاهر المذهب إنما هو بمقتضي قواعده لا بنصوص تعين ما زعم أنه ظاهر المذهب، والصواب أن ينظر فإن كان ما نزل بها من النقص هو المعتاد في رعي ما رعى معها فليس له أخذه مع اختياره أحد الأمرين، وهما فسخه عن نفسه مناب الشرط، وأخذ قيمة الزيادة، وإن كان نقصها أكثر من النقص المعتاد فله أخذه بالزائد على المعتاد مع اختياره أحد الأمرين المذكورين.

اللخمي: وإن كان النقص كثيرًا ضمن قيمتها يوم أخذ الثانية، ويصح هنا أن يسترجع الأجرة ويأخذ قيمتها، وإن كان النقص يسيرًا لم يضمن قيمتها، ولو ترك الأولى فلم يرعها، ورعى الثانية فلربها فسخ الإجارة عن نفسه أو أخذ قيمتها أو ما أجر به نفسه، فإن أخذ ما أجر به نفسه، وقد نقصت الأولى لم يضمنه؛ لأنه بأخذه ما أجر به

ص: 223

نفسه مجيز لفله، وإن قال أستأجرك على رعي هذه الغنم، فقيل: جائز وقوله هذه كالصفة، ويخلف غيرها إن أصيبت ولا يتعين، وقيل: يتعين والإجارة فاسدة؛ لأن فيه تحجيرًا على ربها لا يقدر على بيعها، وقيل: جائزة ويتعين؛ لأن ربها يشترط ذلك خوف تكلفه الخلف، وقيل: إن قرب أمد الإجارة جاز، وإن بعد لم يجز، وكذا قوله تحمل هذه الأحمال لبلد كذا في كتاب الرواحل منها لا يتعين، وعلى قوله في الغنم: يتعين وتجري فيها الأقوال الثلاثة، وأرى الجواز فيما قرب وفيما بعد إن كان الشرط من رب الغنم، وفيها: إن كان العرف رعاية ولد الغنم معها لزمت وإلا فلا، وفي الرواحل منها إن ولدت المرأة حمل ولدها معها، ففي كونها كالغنم مقيدة بالعرف أو مطلقة ويفرق بأن ولد المرأة كان محمولًا معها أو لا فرق، وهو تناقض أقوال المتأخرين.

شيوخ الفاسيين: في الأظهر التفريق بما ذكر مع زيادة اعتبار منع التفرقة في الآدمية.

المتيطي عن بعض الموثقين: مقتضى المدونة: لزوم رعي أولادها كولد المرأة المخدومة.

قُلتُ: عزاه ابن عات لابن مغيث.

الصقلي: إن لم يكن عرف برعي ولد الغنم ولا شرط، فقال ابن اللباد: على ربها أن يأتي براع معه للأولاد للتفرقة.

قُلتُ: معناه: أن التفرقة تعذيب لها فهو من النهي عن تعذيب الحيوان.

المتيطي: إن شرط رعي أولادها معها، فقيل: جائز للعرف، وعقده ابن العطار بقوله، وعليه رعاية ولدها وخدمتها على المعروف عند الناس حتى تبلغ شيئًا باستقلالها عند الناس، وقيل: لا يجوز شرطه؛ لأنها مجهولة وليس ما وقع به الحكم عند النزول كالشرط، وقيل: يرفع الخلاف شرط رعي يخال عددها كعدة الأمهات مع تسمية المدة من وقت ولادتها إلى وقت فطامها.

ابن عات: عن المشاور وغيره إن كان بقرية نعم ليس لكل واحد من مالكها ما يرعاه له راع فأخذ بعضهم من يرعى نعمهم إلا رجلين كرهو إدخالهما معهم فلهم

ص: 224

ذلك، وكذا إن كره ذلك الراعي لم يجبر لهما، وكذا أهل الأفران والأرحى والحمامات لا يجبرون على الاستئجار، وإن لم يكن بالموضع غيرهم، وكذا الصناع كلهم ولغيرهم نحوه إلا ما كان من المباحات للناس كالفرن والرحى والحمام إن لم يكن بالموضع غيره جبر على الطبخ بما يطبخه به مثله لا يزاد عليه؛ لأنه ضرر على جاره والقياس الأول، وهذا استحسان والقضاء بطليطلة جبر الفران على طبخ خبز جاره بأجر مثله، وفيها: لا ضمان على الراعي، ولا فيما سرق إلا ببنية أنه فرط أو تعدى، ولو خاف موت الشاة فأتى بها مذبوحة صدق ولم يضمن، وقال غيره: يضمن ما ذبح ويصدق فيما هلك أو سرق، ولو قال: ذبحتها ثم سرقت صدق، وقال غيره: بالذبح ضمن، وفي النوادر: عزو قول الغير ل أصبغ وابن كنانة.

المتيطي: يصدق في ذبح المريضصة، واختلف في الصحيحة.

الصقلي عن سحنون: إن هربت شاة من الذود فطلبها قليلًا، ثم رجع للذود، وقال: خفت ضياعه لم يضمنها وليس هذا بتفريط.

قُلتُ: ما لم يكن الذود بمحل أمن مع بعد الراعي عنه.

قال عن ابن حبيب: ولا يضمن إن نام فضاعت ولو نام نهارًا في أيام النوم، إلا أن يأتي من ذلك ما يستنكر أو بموضع خوف فيضمن.

اللخمي: إن خرج عن المعتاد في نومه ضمن، وإن نام بالشتاء أو في الشصيف أول النهار أو آخره ضمن، وفي القائلة: لم يضمن إلا أن يطول، ولما ذكر اللخمي قولي ابن القاسم والغير في الذبح قال: ولابن حبيب: من أتى بثور مذبوح استعاره للحرث، وقال: خفت موته ضمن إلا أن يأتي بسبب لذلك أو لطخ ظاهر.

قال: بخلاف الراعي؛ لأنه مؤتمن مفوض إليه فيما استرعي، وإن ذبح الشاة الراعي شاة مريضة صدق قولًا واحدًا، وأرى في اتلصحيحة أن يصدق إذ لا فائدة له إلا أن يكون وقع بينه وبين رب الغنم شنآن، ولو كانت عادتهم فيما سقط وذبح أن الراعي يأخذ سواقطه، ففي كونه تعديًا إشكال.

قُلتُ: ومقتضى قولي ابن القاسم وغيره: لا ضمان عليه فيما أتى به منها ميتًا، فإن

ص: 225

كان مع عدم إمكان ذكاته فواضح، وإن ثبت تفريطه في ذكاته ضمن، وهل يجب عليه أن يجمل معه سكينًا لذكاة ما يخشى موته اعتبر في ذلك عرف موضعه فإن لم يكن عرف فالأظهر سقوطه.

قال بعضهم: إلا أن يكثر فيها الموت.

وفيها: إن شرط رعيه بموضع فرعى في غيره ضمن يوم التعدي، وله أجره إلى يومه، وروى ابن وهب: لا ضمان على العبد الراعي كالحر.

ابن فتوح: من استدعى صبيًا فخالفه في أمره فعطبت الغنم لم يضمن شيئًا إلا أن يستهلكا استهلاكًا فيضمن.

قُلتُ: الأظهر أنه لا شيء عليه فيما استهلكه منها لوضعها ربها تحت يده كالوديعة حسبما ذكره اللخمي آخر كتاب الوديعة وغيره.

وسمع القرينان في البضائع والوكالات: إن بعث مع عبد لا يزال يبعث معه بعيرين فأتى فقال: تهشم في صحراء الطريق فخفت موته فنحرته، وأكلت منه ضمنه كحر نعير بعير رجل، وقال: خفت موته

قيل: إن العبد مؤتمن على تبليغه.

قال: ليس على مثل هذا أو ثمن ولو تركه حتى مات لم يضمنه، وغرم ما ضمنه على سيده.

ابن رشد: لأنه ليس له نحره، ولو خاف موته فهو متعد ولعله لو لم ينحره لم يمت، وهو كمن ذبح بعير رجل، وقال: وجدته يموت وسواء كانت للعبد بينة بأنه خشي عليه الموت، وأنه لذلك نحره، أو لم تكن وضمانه إن لم تكن له بينة ولا أحد يعلم ذلك أبين، ومعنى: قوله: غرم ذلك على سيده أنها جناية في رقبته لا أن غرم قيمة البعير على سيده، وإنما جعله في رقبة العبد؛ لأنه لم يصدقه أنه خشي موته، ولو صدقه في ذلك لأشبه كونه أيضًا في رقبته على قول أشهب، ورواية ابن وهب في الراعي: يخشى موت الغنم فيذبحها أنه ضامن إن لم يؤذن له في ذلك، وما في هذا السماع شبه ما لابن القاسم وأشهب في سماع سحنون من العارية في العبد: يقول للرجل أرسلني إليك سيدي في

ص: 226

كذا فيعطاه فيتلف عنده أو يزعه أنه دفعه لسيده، وينكر سيده أن ذلك في رقبته، واحتج ابن القاسم في سماع سحنون في الجنايات بقول مالك: لهذا أنه في رقبته وأشبه المسائل بهذه المسألة استهلاك العبد ما أودع في غير منفعة في كونها في ذمته أو في رقبته.

قولا ابن القاسم وابن الماجشون: فقول مالك في هذه كقول ابن الماجشون وابن فتوح إن وكل الراعي من ليس مثله على الغنم ضمن، وإن كان مثله ففي ضمانه قولا أبي صالح وابن لبابة.

قُلتُ: للمتيطي عن ابن حبيب كأبي صالح.

وفيها: إن أنزى الراعي على الغنم بغير إذن أهلها ضمن.

أشهب: لا يضمن.

قُلتُ: إن تقرر عرف بالإذن أو المنع فلا اختلاف، وإلا فالقولان، وينبغي إن كان الفحل لغير رب الأنثى أن يضمنه اتفاقًا.

وفي الرواحل منها: كل ما صنعه الراعي مما لا يجوز فعله فعاب الغنم ضمنه، وما يجوز فعله فلا ضمان عليه.

اللخمي: يريد: بما لا يجوز له أن يفعله أن يرمي الشاة نفسها، ويختلف إن رمى قدامها أو جانبها لترجع بموضع فوقعت عليها؛ لأنه خطأ فيما أذن فيه ولو تقربت للضربة فوقعت عليها لم يضمن، ولابن حبيب: إن رمى كرمي الراعي فأصابها خطأ ولم تكن؛ يريد: الشاة حادث إليها ضمن، وقد أجاز الله ضرب النساء للنشوز ولو شجها ضمن، ولو كان خطأ.

اللخمي: ليس مثله فعل الزوج لحق نفسه وهي مجبورة على ذلك، والراعي وكيل لرب الغنم، ففعل ما يراه حسن نظر لربها كفعل ربها.

زاد الشيخ عن ابن حبيب: ولا يضمن ما حدث عن رميه مثل أن تنزو الشاة لرميه أو تحيد فتقع في مهواة فتنكسر، أو تغرق في نهر أو تنطح صخرة هذا إن رمى كرمي الرعاة، ولو رماها عبثًا ضمن مطلقًا كأجنبي، ويدل على ضمانه ما أصابت رميته أنه لو رمى صيدًا فأصاب شاة ضمنها.

ص: 227

الصقلي: قوله خلاف قول مالك والفرقبين رمية الغنم والصيد أن الراعي لا يستقيم رعيه إلا بذلك لو ذهب لرد كل شاة تعذر فكان ذلك من عادتهم فصار بالعرف كمأذون فيه، ورميه الصيد ليس من مصالحها ويضعف تفرقته بين ما أصابت رميته وما تولد عنها استواؤها في رمي المحرم الصيد.

قال: فإن قيل: الراعي مأذون له والمحرم منهي عنه.

قُلتُ: هذا لا يشبه كما لو رمى ظبيًا يظنه سبعًا فوقع بمهواة فعليه جزاؤه؛ فإن قيل: الخطأ في الصيد كالعمد، قيل: وكذا في أموال الناس أبو إبراهيم لفظها في الأم كل شيء صنعه الراعي أخذه من الوجه الذي لا يجوز له فعله كذا.

لإبراهيم: ابن قاسم: قال لنا أحمد: هو غلط إنما هو أن يقول من غير الوجه الذي يجوز له أن يفعله أو من الوجه الذي لا يجوز له أن يفعله هو من كتاب أبي عمر الإشبيلي فعلى الرواية بإثباته لا يقتضي قوله: أنه ضامن إن ادعى أنه فعل ما يجوز له، ولا يصدق في ذلك، وفي نوازل سحنون في الجنايات فيمن ضرب بطن امرأته أو شجها وقال: فعلته أدبًا، وقالت: تعديًا، اختلف فيها قول سحنون وفيها في الراعي: يذبح الشاة ويدعي أنها تموت، القولان كذا في مدونة الشيخ أبي محمد فينكره.

قُلتُ: ما ذكره من قول أحمد في إثبات لا غلط كذا هو في حاشية المدونة عندي، وليس هو بحيث يقتصر فيه بالغلط لاحتمال كونها تأكيدًا أو زائدة كقوله تعالى ما منعك ألا تسجد، وقوله وفيها في الراعي يذبح الشاة ويدعي أنها تموت.

القولان يقتضي أن القولين في تصديقه أنها تموت فيدل أن لو قامت له بذلك بينة أنه لا يضمن، وقد تقدم لابن رشد ضمانه، وقال في طرة مدونة الشيخ أبي محمد: قال ابن زرب: الراعي على التعدي حتى يثبت غيره وهو معنى ما في المدونة، وفي كتاب ابن وضاح للراعي رعيها، ولا ضمان عليه، وكذا راكب الدابة يضربها فتعطب لا ضمان عليه، وظاهره خلاف قول ابن زرب.

قُلتُ: قبول قول ابن زرب الراعي على التعدي إلى آخره، يرد بقولها في كتاب الجعل والإجارة، ولا ضمان على الرعاة إلا فيما تعد\وا فيه أو فرطوا إن كان الراعي

ص: 228

خاصًا برجل أو عامًا للناس.

قُلتُ: والمستثنى منه أكثر من المستثني، وفيها شرط ضمانه أو عدم تصديقه في التلف أو فيما لا يأتي تسميته لغو وتفسد الإجارة.

ابن القاسم: وله أجر مثله بغير ضمان ولو فضل المسمى غيره لا شيء له من فضله، ومحال أن يفضله، وكذا نقله الصقلي.

وفي غير نسخة للخمي قال ابن القاسم: له الأكثر إن عمل من المسمى أو أجر المثل، وقيل: له أجر المثل قل أو كثر ويجري فيها القول بجواز الشرط، ويضمن إن لم يأت بالقيمة لقدرته على ذلك كقول المستأجر انكسرت الجفنة، ولم يات بفلفتها بخلاف قوله ذهبت وهي حية أو ضاعت الجفنة، وفيها لمالك: لا يعجبني أن يستسقي مار براع من لبن ما يرعى.

اللخمي: يريد: إن كان الغالب إباحته كره لاحتمال منع ربها ذلك ولم يحرم لغلبة الإباحة، وإن كانوا يمنعونه أو أكثرهم لم يجز، وإن كانوا يبيحونه ولا يمنعونه لم يكره، وفيها: لا يضمن أجير الخدمة ما كسر من آنية أو أفسد من طحن أو أهراق من ماء أو لبن أو ما وطاء عليه فكسره أو أحرقه إلا أن يتعدى.

قال غيره: ما وطاء عليه أو عثر عليه ضمنه، وسمع عيسى في كتاب الرواحل: منع ابن وهب من اكترى دابة لحمل خشبه فانقلبت من يده فسقطت من ظهر الدابة فكسرت رجلها فهو ضامن لها.

ابن رشد: لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء، ولو ضرب الدابة ضربًا يجوز له فعطبت لم يضمن، ولو أخطأ في ضربه ضمن.

قُلتُ: فالواجب إن وضع الخشبة على الدابة وضع مثلها لم يضمن، فتأمله وفيها إجارة الأطباء على العلاج إنما هو على البرء إن براء فله حقه، وإلا فلا شيء له إلا ان يشترط شرطًا حلالًا فينفذ كشرطه أن يكحله شهرًا بكذا فيجوز إن لم ينفذه، وهذه إجارة أن براء قبل الأجل أخذ بحسابه، إلا أن يواجره وهو صحيح العينين بكحله شهرا بكذا فيجوز فيه النقد، ويلزم تمام الشهر.

ص: 229

اللخمي: لا يشترط النقد لإمكان البرء في بعض الأجل، ولا بأس أن يشترط من النقد ما الغالب أن لا يبرأ فيه، وفي منعه على الجعالة قولا الجلاب لا بأس بالمجاعلة على البرء، وقيل: لا يجوز إلا إلى مدة معلومة مشاهرة أو غيرها.

اللخمي: المعروف في المسألة الجواز وفي أصلها المنع من ثلاثة أوجه كونه مما يطول أو يشغل، وكونه فيما لا يملكه الجاعل كأرضهح ولأنه قد يترك في نصف البرء فينتفع العليل بلا غرم، وعلى الجواز إن ترك قبل تمام البرء فبراء بمجاعلة آخر فمختلف هل يكون للأول بقدر ما انتفع بعمله كعامل المساقاة يعجز قبل تمام العمل.

قال مالك: لا شيء له فأحرى مع الترك اختيارًا.

قُلتُ: تمامها في الجعل.

قال: ولا يجوز شرط نقد عوضه، ويختلف في الطوع به.

قال أشهب: لا خير فيه لما كان العامل بالخيار فيصير كابتداء أخذ منافع عن دين.

قيل: لا يكون كذلك إلا بعدده بعد تركه.

قُلتُ: ما نقله عن أشهب هو المعروف من المذهب حسبما تقدم في الخيار منع الطوع بالنقد في أربع مسائل منها الكراء على خيار، وما نقله عن غيره هو أصل أشهب لإجارته أخذ منافع عن دين.

قال: ويجوز كون الدواء من عند الطبيب.

قال مالك في شرح ابن مزين: مؤاجرة الطبيب على إن براء فله كذا، وإلا فله أجر دوابه هذا من شرطين في بيع، إنما يجوز مجاعلته على إن براء فله، وإن لم يبرأ فلا شيء له، وأجاز جعله والدواء من عند الطبيب، وكذا الجعل على الآبق إن وجد العبد اتفق عليه، وكان له الجعل دون النفقة إذ قد تكثر النفقة أو يأبق العبد قرب المدينة فلا يكون له شيء.

قُلتُ: في سماع عيسى: قال ابن وهب وابن القاسم: مشارطة الطبيب العليل على إن براء فله كذا وإلا فله ثمن الدواء من بيعتين في بيعة، وأجاز مالك مشارطته على شيء معلوم إن صح أخذه، وإلا لم يكن له شيء.

ص: 230

ابن القاسم: لا خير فيه.

ابن رشد: كونه من بيعتين في بيعة يدخله الغرر، لا يدري الطبيب هل يحصل له الأجر المسمى أو ثمن أدويته، فإن نزل فسخ متى عثر عليه وله ثمن ما عالج به من أدويته، وقيمة عمله في علاجه، ولم يتعرض لقول ابن القاسم لا خير فيه كأنه ساقط.

فيها: لا بأس بإجارة الفحل للإنزاء فرسًا أو تيس أو حمارًا أو بعيرًا على نزو أكوام معروفة، أو شهر بكذا وإن شرطه حتى تعق الأنثى لم يجز.

اللخمي: قول ابن حبيب: إن سمى زمنًا لم يجز تسمية النزوات فاسد، ولا يجوز إلا تسميتها لاختلاف الإجارة بقلتها وكثرتها.

قُلتُ: إن كانت حركة الفحل لذلك مأمونة، فقول ابن حبيب صواب كأحد القولين في منع خياطة ثوبين في وقت يمكن أن يسع خياطتهما، وإن لم تكن مأمونة منع اتفاقًا كما مر في التوقيت في خياطتهما.

قال: وروى ابن حبيب: يكره بيع عسيب الفحل، وثبت النهي عن بيعه، وقد يحمل على الندب، وليس من مكارم الأخلاق أخذ عوض عنه، فإن فعل لم تفسخ الإجارة، وإن أخذها لم ترد، ولسحنون: إن استأجره لنزوين فعقت بعد نزو لم يلزمه الثاني وانفسخ فيه العقد كالصبي في الرضاع.

قُلتُ: تقدم فيه الخلاف من نقل المتيطي: عياض: وتعق الرمكة بكسر العين تحمل، وسمع ابن القاسم: جواز نزو البغل على البغلة، وفي كراهة الإجارة عليه، ثالثها: الوقف لأول قولي ابن القاسم وعيسى، وثانيهما: وصوب ابن رشد الثاني.

والإجارة على البناء إن كانت على العمل فقط والآلة على ربه وجب معرفتهما صفته بشرط أو عرف، والأجل في مطلقه بالزمان كخدمة حرث غير مقيد بمحل معين وفي مقيده بشكل معين كبيت أو دار بتمامه.

المتيطي: وما انهدم من هذه الدار قبل تمامها فللأجير بحسب ما عمل، ولا يلزمه إعادة بنائه وتفسخ الإجارة فيما بقي إن تعذر على صاحب العمل ما بنى فيه مثل ذلك، وإن أمكن مثله أتمه فيه وغن رضي رب العمل أن يبني له أسفل مثل ما بنى فوقه لزمه؛

ص: 231

لأنه أهون والدلو والفأس والقفاف على رب الدار إلا أن يكون عرف فيقضى به.

قُلتُ: وقاله اللخمي، وفرضه في بناء حائط لا دار.

قُلتُ: ومعناه: أن انهدامه لا بسبب سوء صنعته، فإن ثبت كونه به فلا أجر له وغرم قيمة ما أتلف من آلة كقولها في الصانع يفسد نسج الغزل ونحوه لابن فتوح وعياض واللخمي، وإن كان مقاطعة فقال: إن بنيته كاملًا فلك الأجر، وإلا فلا شيء لك جاز كالمقاطعة على الخياطة لا تستحق شيئًا إلا بتمام بنائه، وإن انهدم لزم بناؤه من أوله.

قُلتُ: مقتضى هذا أنه جعالة، وصرح به ابن فتوح فقال: معنى ذلك: أنه على معنى الجعل، وهو مشكل كما قرره.

اللخمي: في جعل الطبيب؛ لأنه فيما يملكه الجاعل، وفيها من استأجر رجلًا على بناء وصفه له فلما بنى نصفه انهدم فله من الأجر بقدر ما عمل، وليس عليه بناؤه ثانية كان الأجر والطين من عندك أو من عنده.

قال غيره: لا يكون هذا إلا في عمل رجل بعينه لا يكون مضمونًا.

عياضك كذا عندنا سحنون، وعليه فيه مضمونًا تمام العمل كذا في روايتنا من كتاب ابن عتاب وابن المرابط، وسقط اسم سحنون لابن المرابط والدباغ والأبياني، وبهذا اللفظ نقلها ابن لبابة، وعلى معناه اختصرها الشيخ، وفي بعض الأمهات، وقال غيره: لا يكون هذا في عمل رجل بعينه لا يكون إلا مضمونًا، وعليه فيه تمام العمل، وجاء الكلام في المضمون كله لابن القاسم، وفي كتاب ابن عتاب: أمر سحنون بطرح قول الغير.

ابن وضاح: قرأناه عليه مرة فأمر بطرحهن وقال: لا أعرفه، وفي كتاب ابن سهل: ثبت قول غيره لابن باز، ولابن المرابط كان موقوفًا في كتاب ابن وضاح، وفيه قال ابن وضاح: قال سحنون: مسألة الغير أصح مسائلها، وهو أصل جيد، وذهب بعض المتأخرين إلى أن قول الغير وفاق، إلا على اختصار الشيخ فهو خلاف عياض، إنما قول الغير على مقتضى أول المسألة في أن ما يبنى به العامل فأجازه مالك وابن القاسم،

ص: 232

وقال غيره: إن كان على وجه القبالة يعني الضمان لا على عمل رجل بعينه فلا بأس به إن قدم نقده فحملها أنها كالسلم تجب فيه شروطه، ولم يذكر فيها ضرب الأجل؛ لأنه رأى المعجل منها تبعًا لما بقي، وأمد فراغها وما يدخل فيها من جص وأجر معلوم وعادة وابن القاسم لم يراع هذا، ورآه إجارة وبيعًا كانت بعمل رجل بعينه، أو بغير عينه وشبهه بيع السلعة للحاجة إلى ذلك؛ لأن أمد فراغها، وما يدخلها معلوم وهو يسرع في العمل، وقال ابن أبي زمنين: هذه مسألة لا يحملها القياس، وهي استحسان.

وقال سحنون: لا تحملها الأصول، ومنعها عبد الملك في الثانية، وكذلك معنى قول الغير عندي أو أن أصل هذه المسألة لا تجوز هذه الإجارة في عمل رجل بعينه إن لم يكن مضمونًا، وإنما تجوز الإجارة في المضمون، وهذا بين على روايات الأمهات، ويكون خلافًا وعلى ما عندنا، واختصار الشيخ لا يكون خلافًا وعلى الخلاف حملها سحنون، وقال: اردد مسألة الحائط لمسألة الغير هي أصح مسائلنا، وفي الأسدية زيادة حسنة، وهي إن تشاحا فعليه بناء ما بقي من العمل فيما يشبه، وله أجره كله إلا أن يكون سقوطه من سوء البناء فعليه أن يعيده ثانية.

قُلتُ: فإن لم يكن من سوء البناء فعليه أن يبني له ما بقي من ذلك العمل فيما يشبه وله أجره إذا تشاحا.

قال: نعم.

قُلتُ: سمع أصبغ ابن القاسم لا بأس أن يواجر البناء على البناء مقاطعة هو من عمل الناس، فإن طال ذلك ضرب له أجل أيام.

ابن رشد: كونه مقاطعة صحيح، ولا يصح فيما قل ويفرغ منه في بعض اليوم لا مقاطعة، وما كثر يجوز مقاطعة إذا وصف العمل أو عجل النقد، وشرع في العمل ويجوز فيه بالأيام فمعنى قوله: إن طال ذلك ضرب له أجل أيام أبي إن طال جازت مؤاجرته فيه بالأيام لا أنه يجوز أن يؤاجره فيه إلى تمامه مع تأجيله بالأيام لمنعه ذلك بعد هذا وتقدم ما فيه.

قُلتُ: مقتضى السماع وتفسير ابن رشد أن معنى المقاطعة: تأجيل البناء بفراغ بناء

ص: 233

المبنى الموصوف ومقابلة تأجيله بالأيام، وهو مقتضى ما تقدم للمتيطي ما انهدم من الدار قبل تمامها فللأجير بحساب ما عمل خلاف ما تقدم للخمي من تفسير المقاطعة من أنه لا يستحق فيها شيئاً من الأجر، إلا بتمام البناء وأنه إن انهدم شيء لزمه بناؤه إلا أن يحمل كلام اللخمي على المقاطعة المقيدة بما ذكر من قوله أن يبنيه كاملاً فلك الأجر وإلا فلا شيء لك لا على مطلق المقاطعة، وأيا ما كان فقوله مشكل إن حمل على مطلق المقاطعة كان خلاف السماع المذكور، وإن حمل على المقاطعة المقيدة بما ذكر فهي فاسدة؛ لأنها آئلة إلى الجعالة فيما يملكه الجاعل حسبما ذكره هو في مجاعلة الطبيب، وهذا كله ومادة البناء من رب العرصة، وإن كان على أنه على العامل فحكمه ما تقرر في فصل السلم في المصنوع وباستحضار حكمه، وحكم أجير العمل يتضح لك الحق في مسألة قول الغير، وسمع عيسى ابن القاسم أخذ عرصة على أن يبنيها ليسكنها مما ينفق فيها جائز إن سماه، وما لكل سنة منه وإلا فلا خير فيه ابن رُشْد؛ لأنه إن لم يسمها كان كراء مجهولاً، وجاز دون وصف البناء؛ لأنه وكيل عليه أن يبني بما يليق بالعرصة صح كوكالته على شراء جارية دون صفة ولو وصف البناء مدة السكنى جاز، ولو لم يسم ما يبني به ولا ما لكل سنة مدة بل لا يجوز مع ذلك تسميته ما يبني به؛ لأنه يصير من بيعتين في بيعة وفيها لا بأس بالإجارة على حفر بئر عمقها كذا إن خبر أرضها، وإلا فلا خير فيه كقول مالك في الإجارة على حفرها لبلوغ الماء إن عرفا أرضها فلا بأس وإلا لواجبة.

الصقلي: ليحيى عن ابن القاسم إن عرفا الأرض بلين أو شدة أو جهلاها معا جاز وإن جهلها أحدهما لم يجز الجعل فيه.

الشَّيخ في الموازيَّة عن ابن القاسم: إن كانت الأرض للمستأجر لم يجز له فيها جعل على بناء أو حفر، وتجوز له الإجارة والمقاطعة، فإن عامله على أنه إن نض الماء وتم البناء فالبئر بينهما ببنائها ومائها، فإن عرفا قرب الماء وبعده وشدة الأرض وسميا للماء قدراً معلوماً جاز، وإلا فلا خير فيه، وقد أجازه مالك إن أشكل الأمر على الأذرع.

ابن حبيب: الإجارة على الحفر أن يقول أو أجرك على حفر هذه البئر مع طيها أو

ص: 234

دونه، أو على عمل عشرة أيام وما يحتاج إليه من حبل وقفاف وأجره على رب البئر وكذا البناء، ولو مات الأجير أو منعته صخرة من التمادي فله بقدر ما عمل.

اللخمي: حفر الآبار على ثلاثة أوجه جعل، وإجارة ومقاطعة هذان يلزمان بالعقد إن علما بعد الماء، وصفة الأرض جازت مطلقاً دون شرط، إن قال أستأجرك على حفر بئر بهذه الأرض، ولم يزد جاز إلا أن تختلف عادتهم في سعتها فتذكر.

قُلتُ: ويعين محل الحفر منها، وإن علما صفة الأرض دون بعد الماء لم يجز إلا مذراعة.

قُلتُ: أو بالزمان قال: وفي العكس جائز إن سموا للشديدة أجرة وللرخوة أجرة فما حفر من كل صنف فله حسابه.

قُلتُ: في جواز هذا نظر؛ لأنه كصبرتين مختلفتي الصفة والسوم في كل قفيز منهما، ولا ضرورة لذلك لقدرتهما على الإجارة مذراعة.

المتيطي: إن أغفل في العقد ذكر معرفة صفة الأرض، فقال: الأجير ظننتها رخوة وألفاها صلبة أو قريبة الماء وألفاها بعيدته، فإن اتفقا على تعيين المكان لزمه ما لم تختلف الآبار حوله، فإن اختلفت ولم يكن الأجير ممن يعرف تلك الجهة أو ادعى الجهل فسخ، ولنرجع إلى مقصدنا الأول في محاذات كلام ابن الحاجب فلا يجوز كراء الأرض لحرث بطعام أو ما تنبته لغير طول فيها لا يجوز كراؤها بشيء مما تنبته، ولو كان من غير الطعام من قطن أو كتاب أقضب أو قرط أو تبن أو علف ولا بزعفران؛ لأنه مما تنبته ولا بطيب يشبهه ولا بعض ولا بطعام ولو لم تنبته لا يجوز بلبن أو سمن أو عسل أو تمر أو صبر أو ملح أو بشيء من الأنبذة أو فلفل أو زريعة كتان أو ريت الفجل أو طير الماء الذي للذبح أو شاة لحم.

ابن رُشْد: هذا قول جمهور أصحابه.

الصقلي: عن ابن حبيب: هو قول مالك وابن القاسم وأشهب وابن وَهْب وأَصْبَغ وابن عبد الحَكم والآخرون.

ابن رَشْد: وقيل: تجوز بكل شيء معلوم إلا بالجزء مما يخرج منها، وهو ظاهر قول

ص: 235

مالك في "الموطأ" في كتاب المساقاة قال فيه: لا ينبغي أن يساقي الأرض البيضاء؛ لأنه لا يحل لصاحبها كراؤها بالعين وشبهها من الأثمان المعلومة إلا أن ذلك غير معلوم من مذهبه.

قُلتُ: تبع في هذا أبا عمر؛ لأنه قال إثر قول مالك: ظاهره أنه يجيز كراءها بكل شيء معلوم وإن كان طعاماً.

قُلتُ: وفي قولهما نظر؛ لأن الطعام لا يشبه الدنانير والدراهم.

أبو عمر: قال ابن نافع: تجوز بالطعام والإدام وغيره إلا الحنطة وأخواتها يعني البر والشعير والسلت ونقله ابن رُشْد عنه.

الصقلي: بزيادة على أن يزرع فيها بخلاف ما اكتريت به.

أبو عمر: قال ابن كنانة: تجوز بكل ما لو أعيد إليها لم ينبت من طعام أو غيره.

ابن رُشْد: واختاره عيسى ابن دينار.

المتيطي: وحكاه سَحنون عن الغير.

ابن مزين: وقاله يحيى بن يحيى، ورواه عن مالك ابن مزين وبه أقول.

الباجي: قال ابن حبيب: كره مالك كراؤها بالطعام؛ لأنه طعام بطعام لأجل، وقال ابن الماجِشُون: إنما كرهه؛ لأنه من المحاقلة إلا في أرض لا تنبت ذلك الشيء كالقطن والزعفران في أرض لا تنبتهما.

الباحي: ولا تكرى بشيء من الحشيش، وقال محمد: لا بأس أن تكرى بالخضر.

الشَّيخ: يريد من الكلأ؛ لأنه ليس بطعام ولا مما يزرع وعلى منع كرائها بالكتان.

قال محمد: يجوز بثيابه.

الباجي: لأنه استحال عن أصله.

اللخمي: يجوز بما تنبته الأرض ولا ينبته الناس كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والكبريت والحشيش والحلفاء.

قُلتُ: قوله: (يجوز بالحشيش) خلاف نقل الباجي، إلا أن يريد الحشيش الذي هو طعام.

ص: 236

وفيها: لا بأس بكرائها بالعود والصندل والحطب والخشب والجذوع.

الصقلي: قال ابن سَحنون لأبيه: لم أجازها بهذه وهي مما تنبتها الأرض.

قال: لطول مكثها.

قال غيره: ويجوز كراؤها شهرين بشيء لا يمكن إلا في سنة من غير الطعام، وشدد سَحنون في كرائها بالجزء مما يخرج منها وخرج فاعله.

الشَّيخ: يريد إن كان عالماً أنه لا يجوز، وهو مذهبه أو قول من قلده.

قال ابن سَحنون: ولا يؤكل طعامه ولا يشترى منه الطعام الذي أخذ في كرائها، وإن نزل فإنما له كراؤها بالعين.

الشَّيخ: ذكر غير واحد عن عيسى بن مسكين وغيره من قضاة أصحابنا بإفريقيَّة أنهم حكموا بأن يعطاه قيمة ما يقع له من ذلك بجزء ثلث أو ربع دراهم.

قالوا: لأنها لا يعرف لها بالمغرب قيمة كراء بالعين ولم يعتبروا كراءها يوم العقد؛ لأنه لا كراء على المكتري في العقد إن لم يصب فيها شيئاً، ولا بأس بكرائها بالماء قلت ولا يتخرج منعها به على أنه طعام؛ لأنه قول ابن نافع وهو يجيزها بالطعام غير الحنطة وجنسها، ولما ذكر المتيطي قضاء ابن مسكين قال: قال بعض الموثقين أرض الأندلس عندي بخلاف ذلك الكراء فيها معروف فيجب أن يقضى فيها بكراء المثل.

قُلتُ: وكذا الأمر عندنا في أراضي تونس، وفي قولهم ينظر إلى ما يقع له من ذلك الجزء ثلث أو ربع دراهم نظر؛ لأن ظاهره البناء على ما دخلا عليه من الجزء هو عقد فاسد فيجب لغو ما دخلا عليه فيه، وينظر إلى قيمتها بالجزء أن لو جاز فيها، ثم ينظر إلى قيمة ذلك الجزء ففي قصر جواز كرائها على غير مطلق طعام، وما يستنبت فيها لا عن طول أو على غير الجزء مما يخرج منها أو على غير القمح والشعير والسلت، رابعها: هذا بقيد أن يزرع فيها غير ما أكريت به، وخامسها: على ما لو أعيد فيها لم ينبت ولو كان طعاماً، وسادسها: يجوز بالجزء مما يخرج منها المشهور مع أكثر الرواة، وابن رُشْد مع أبي عمر عن ظاهر الموطأ، وله عن ابن نافع، ولابن رُشْد مع الأكثر عنه، ولابن كنانة مع عيسى، والمغيرة ويحيى بن يحيى، وعياض عن الداودي مع الأصيلي ويحيى بن يحيى،

ص: 237

وجعل ابن الحاجب وابن شاس القصب كالجذوع، وقبوله ابن هارون لا أعرفه بل قولها لا يجوز كراؤها، وقول اللخمي يجوز كراؤها بالمصطكى مضى في أنه غير طعام وفضل حكم المنفعة تقدم منه مسائل.

واستئجار الأرض للحرث:

فيها: لا بأس لكراء أرض المطر عشر سنين إن لم ينقد، فإن شرط النقد فسد الكراء.

قال غيره: لا تكرى أرض المطر التي تروي مرة وتعطش أخرى إلا قرب توقع الغيث إن لم ينقد.

الباجي: المأمونة يجوز عقد كرائها قبل إبان الحرث لعشر سنين وأكثر ما لم تكثر جداً، وغير المأمونة كأرض المطر ذكر فيها قول ابن القاسم معزواً لأكثر الرواة.

ابن رُشْد: لا يفرق ابن القاسم بين الأرضين في جواز العقد لعام أو لأعوام كثيرة، ولو كانت غير مأمونة، وهي في جواز النقد قسمان فالمأمونة كأرض النيل، والمطر المأمون والسقي بالأنهار، والعيون الثابتة والآبار المعينة النقد فيها للأعوام الكثيرة جائز، وغير المأمونة لا يجوز النقد فيها إلا نقداً بعد ريها، وإمكان حرثها كانت من أرض النيل أو المطر أو العيون والآبار، وهي في وجوبه قسمان أرض النيل يجب فيها إذا رويت؛ لأنها لا تفتقر لسقي بربها يكون للمكتري قابضاً إن اكترى وأرض السقي والمطر لا يجب فيها حتى يتم الزرع، ويستغنى عن الماء، وكذا ما يزرع بطوناً لا يلزمه في البطن حتى يستغني عن الماء ووافقه ابن الماجِشُون في أرض النيل وفي أرض المطر والسقي غير المأمون، وخالفه في أرض السقي المأمون جعلها ابن القاسم كأرض المطر والسقي غير المأمون، وجعلها ابن الماجِشُون كأرض النيل والأرض على قول ابن الماجِشُون أربع أرض النيل المأمونة يجوز كراؤها للأعوام الكثيرة، ولو بالنقد قرب إبان شربها أو بعد، قاله في المدَوَّنة، وأرض السقي بالآبار والأنهار يجوز كراؤها لعشرة أعوام لا أكثر والنقد فيها على مذهبه جائز قاله الفضل، وأرض السقي بالعيون لا يجوز كراؤها لثلاثة أعوام أو أربعة ولا ينتقد إلا سنة بسنة؛ يريد: ينقد للسنة الثانية قيل تمام

ص: 238

الأولى بيسير، وإن لم تروا الأرض هذا قوله في الواضحة، وأرض المطر لا يجوز كراؤها إلا لعام واحد قرب إبان ربها، ولا يجوز النقد فيها حتى تروى رياً مبلغاً لزرعها أو لأكثره مع رجاء وقوع غيره، قاله في المدَوَّنة.

قُلتُ: فتفسير الغير فيها بابن الماجِشُون، وفسره المتيطي بأشهب، ولابن فتوح قيل: في الأرض المأمونة كأرض النيل لا تجوز قبالتها إلا لعام واحد، ولا يجوز النقد فيها إلا لعام واحد، وقال سَحنون: هذا تضييق بل يجوز كراؤها سنة، والنقد فيها وفيها الأرض الغرقة إن كانت لا يشك في انكشاف الماء عنها جاز نقد كرائها.

اللخمي: إن كان انكشافه مأموناً كالنيل جاز شرط النقد إن كان فيما حصل غنى عن سواه وكذا إن كان لا يكفيها والغالب أن مكيل المطر بعده بكفي، ومعنى قول ابن القاسم يلزم النقد في أرض النيل إن رويت إذا انكشف الماء عنها وأمكن قبض المنافع، والقياس أن لا يلزم النقد فيها بربها؛ لأن المكتري اشترى شيئين الماء ومنافع الأرض فلا يلزمه النقد بقبض أحدهما، وقد يجعل القول بلزوم النقد بها؛ لأن المكتري على قول مالك ليس للصانع تقديم أجره حتى يبدأ في العمل.

قُلتُ: ما ذكره من موجب القياس سبقه به التونسي بما يتقى جواباً عنه.

قال: إن قيل منافع الأرض إنما يقبضها المكتري شيئاً فشيئاً فأشبهت الدار للسكنى إذا لم يشترط نقد كرائها فلا يجب من نقده إلا بقدر ما سكن.

قُلتُ: السكنى إنما يأخذها المكتري شيئاً بعد شيء فصارت كسلع يدفع من ثمنها بقدر ما دفع منها، والماء هنا مكرى مع الأرض، وقد سلمها المكري للمكتري والمكتري هو الذي يقبضه لزرعه شيئاَ بعد شيء، فإن قيل: لم يفعل هذا ابن القاسم في البئر مع الأرض المكراة بها قيل؛ لأن البئر تشبه السكنى التي تأتي شيئاً بعد شيء ما لم يصل ماؤها للأرض، وفيها: لا أحب كراء أرض قل ماء بئرها يخاف أن لا يكفي زرعها.

ابن القاسم: كرهه لمخاطرة إذ لو علم ربها كفايته لم يكرها إلا بضعف كرائها، والتي ماؤها مأمون إن قل ماؤها فللمكتري إصلاحها بكرائها، ولو كره مكريها وليس

ص: 239

له ذلك في التي ماؤها غير مأمون ولا تهمة في تعجيل كراء المأمونة، وفي غير المأمونة يتهمان لما انتفع به من تعجيل نقده في تخفيف الكراء عنه، فإن تم له الماء نال بتعجيله ما طلب وكان ما نقده بيعاً، وإن لم يتم له الماء رد ما نقد فصار تارة بيعاً وتارة سلفاً.

عياض: مفهومه فساد العقد وهو ما في الموازيَّة وظاهر قوله أن صاحب الكراء الصحيح على الماء الكثير أن هذا عنده ليس صحيح، وظاهر قوله صار تارة بيعاً وتارة سلفاً؛ لأنه إنما كره النقد لا العقد وعليه حملها بعضهم والأولى أولى والكلام الآخر إنما أتى به زيادة لتقليل الفساد، وأنه في النقدين يدخله علة أخرى كما علل بعلة ثالثة وهي التمكن من الإصلاح ومنعه منه حسبما ذكره.

قُلتُ: إنما يتصور دخول علة أخرى في مسألة النقد.

الصقلي في الموازيَّة: كراء أرض لا يكفي ماء بئرها فاسد وإن لم ينقد؛ لأنه مخاطرة إذ لا يدري يتم الزرع أم لا، وظاهر المدَوَّنة إنما كره النقد والأشبه أنه لا يجوز، والفرق بينها وبين أرض المطر أنه لا يقدر على رفع غرر المطر، وغرر البئر يقدران على رفعه بإصلاحها أو بكراء ما يكفيه ماؤها، وفرق الباجي بأنه في ذات البئر إنما دخل على القدر الذي رأى، وإن لم يكف زرعه لم يرجع بشيْ، وفي ذات المطر إن لم يأته ما يكفي زرعه سقط عنه الكراء.

أبو عمران: إنما منع مالك كراءها بشرط النقد لا مطلقاً، وقال القابسي: منعه مطلقاً، ولو لم يشترط النقد وفيها من أكرى أرضه الغرقة بكذا إن انكشف ماؤها، وإلا فلا كراء بينهما، وهي يُخاف أن لا ينكشف عنها جاز إن لم ينقد، ولا يجوز النقد إلا أن يوقن بانكشافه، وقال غيره: إن خيف أن لا ينكشف لم يجز وإن لم ينقد، وفي الموازيَّة لابن القاسم: كقوله فيها: ولم يحك محمد قول الغير بحال، وقال ابن شاس: إن علم عدم انكشافه لم يجز العقد، وإن كان الغالب انكشافه صح العقد، وإن استوى الاحتمالان فكذلك عند ابن القاسم، وقال غيره: إن خيف عدم انكشافه لم يجز العقد.

قُلتُ: مفهوم أول كلامه إن رجي انكشافه نادراً جاز كراؤها، ومفهوم ثانيه وثالثه منع كرائها، وعليه بنى ابن الحاجب كلامه في نقله على المذهب فقال: لا يجوز استئجار

ص: 240

أرض المزارعة وماؤها غائر، وانكشافه نادر، وظاهر المدَوَّنة ولموازيَّة: جوازه، وإنما منعه فيها غير ابن القاسم.

وشرط منفعة في الأرض كشرط نقد بعض كرائها:

فيها: من اكترى أرضاً على أن يكريها ثلاث مرات، ويزرعها في الكراب الرابع جاز، وكذا على أن يزيلها بشيء معروف.

الصقلي وغيره: يريد: إن كانت مأمونة؛ لأن زيادة الكراب والتزبيل منفعة تبقى في الأرض إن لم يتم زرعه، فإن نزل في غير المأمونة، ولم يتم زرعه نظر كم زيد كراؤها؛ لزيادة ما اشترط على معتاد حرثها، وهو عندنا حرثه على كرائها دون ما اشترطت زيادته على المعتاد فيرجع بالزائد؛ لأنه كنقد اشترط فيها ولو تم زرعه فيها كان عليه كراء مثلها بشرط تلك الزيادة؛ لأنه كراء فاسد، وقاله التونسي.

قال ابن فتوح: انظر كيف تجوز مسألة الزبل، وقد قال: من باع صبغاً على أن يصبغ المبتاع البائع فيه ثوباً أو ثوبين لم يجز بيعه؛ لجهل المبتاع قدر ما يبقى له بعد صبغه الثوب من الصبغ، وكذا الزبل لا يدري ما بقي منه بعد قلع زرعه من الأرض.

قُلتُ: يفرق بأن الغرر في مسألة الصبغ هو في كل المشترى، وفي مسألة الزبل إنما هو في بعض عوض الأرض، وإنما نظير مسألة الصبغ كراء الأرض بتزبيلها فقط، وعزا غيره هذه المناقضة لفضل، وقال: طرح سَحنون اسمه على إحدى هاتين المسألتين وناقض بها قول مالك في منع بيع الزبل في البيوع الفاسدة.

الصقلي: ولو قيل: لو حرثها حرثه فلم يتم زرعه أن ذلك يزيد في كرائها في المقبلة لوجب أن يرجع عليه به إذا لم يتم زرعه، ونحوه لبعض القرويين.

قُلتُ: ونحوه للتونسي.

ابن شاس: يحتاج فيما استؤجر لسكنى دار أو حانوت أو حمام لمعرفة ما تختلف من منفعته، وتعلق الغرض به.

قُلتُ: فيها: من اكترى مائة ذراع من أرض معينة جاز إن تساوت، وإلا لم يجز حتى يعين موضعها.

ص: 241

قال غيره: لا يجوز حتى يعين ولو تساوت.

الصقلي: إنما منعه في المختلفة؛ لأنه لم يذكر قدر الأرض ولو ذكر قدرها لجاز وكان شريكاً بالعشر.

إن قال: هي ألف ذراع، قال ابن أبي زَمَنَيْن: وإنما منعه غيره؛ لأن من قول أصحاب مالك أن بيع ثوب من ثوبين متحدي الصفة، والقيمة يضرب عليهما بالقرعة أيهما خرج أخذه المشتري لا يجوز.

والكراء كالبيع رأيت هذا لبعض العلماء وهو صحيح.

الصقلي: ويلزم عليه منع كراء جزء شائع من الأرض لتأديته لاكتراء ما يخرجه السهم، وكذا الجزء جائز اتفاقاً، ولا ينظر إلى مآل القسمة لعدم لزومها لجواز بقائهما على الشركة فهي كطرو الاستحقاق فوجب لغو مآلها، وإنما العلة عند الغير أن الأرض لا تكاد تتساوى.

اللخمي وابن رًشْد وابن شاس: والمعتبر في أجر منفعة الربع ما لم تتغير فيه غالباً فيجوز فيه العقد والنقد، وما لا يؤمن تغيره لطول مدته أو ضعف بنائه جاز فيه العقد لا النقد، وما غلب الظن بعدم بقائه لمدة لم يجز العقد عليه، له كراؤها عدة سنين غير معين لكل سنة قدراً من الكراء جائز كالأشهر في السنة.

قُلتُ: فيها: إن أكريت أرضاً ثلاث سنين بثلاثين ديناراً لكل سنة عشرة قال لا بل تحسب على قدر نفاقها كل سنة ليس ما ينقد فيه كالذي يتأخر نقده.

التونسي في الموازيَّة: ينقده إذا وجب النقد ثلث الكراء بخلاف اعتبار السنين إذا عطشت الأرض في بعضها؛ لأنه في النقد خفيف ليسارة الغرر فيه، وكذلك أجيز عقد الكراء إذا اختلف الأمر مع أن ما يتعجله غير معلوم ليسارته وبعد التخاطر؛ لأن حمله الثمن معلوم، وإنما المجهول ما ينوب هذه السنة.

قُلتُ: حاصله أنه جعل الحكم بتماثل السنين في نقد مناب كل سنة من الثمن منافياً للحكم بعدم تماثلها فيه إن وقع عطش في بعضها، وأجاب بيسارة الغرر وقلته حسبما قرره وفيه نظر؛ لأن الغرر إنما هو معتبر في إيجابه الفاسد وفيه يعفى عن يسيره لا في

ص: 242

اختلاف مناب آحاد المبيع من ثمنه، والجواب عن السؤال أن تقول باختلاف مناب آحاد المبيع من ثمنه حال حصوله كله لمشتريه لا يوجب فائدة؛ لأن جيده ورديئه قد حصل له بكل الثمن فكونه موزعاً على آحاده بالسوية أو التفاوة طردي غير مفيد شيئاً، واختلاف مناب آحادها منه حال حصول بعضها له، وتعذر بعضها مفيد لمشتريها قطعاً إذا تقرر هذا فاعتبار نسبة الثمن إلى آحاد المثمون عند النقد إنما هو باعتبار حصول كل آحاد المثمون لمبتاعه؛ لأن الأصل السلامة واعتباره بهذه الحال موجب كونه على التساوي لما قررناه واعتبار نسبته إليها في عطش بعض السنين إنما هو باعتبار حصول بعضها دون كلها موجب اعتبار نسبته إليها بحسب حالها واختلافها لما قررناه، ووجوب علم صفة المكتري يمنع كونه في الربع والأرض مضموناً؛ لأن من صفاته المعتبرة موضعه فوجب كونه معيناً وتعين للمتكاريين بالكل سنة من الكراء كالمتبايعين في السلع المعروف لغوه خلاف ما تقدم في الرد بالعيب عن المتيطي.

ومدة الكراء إن عينت لزمت العاقدين: فيها: إن أكرى سنة بعينها أو شهراً بعينه لم يكن لأحدهما فسخه.

عياض: إن نص على تعيين الشهر أو السنة، أو جاء بما يقوم مقام التعيين لزمهما اتفاقاً وصوره خمس هذه السنة أو هذا الشهر أو إلى سنة كذا أو سمى عدداً غير الواحد، كقوله سنتين أو ذكر أجلاً كأكريك إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا أو نقده كراء شهر أو سنة أو أكثر كل ذلك لازم إن لم يقارنه ما يفسده أو يحله.

قُلتُ: وقاله اللخمي وابن رُشْد.

عياض: واختلف في ثلاث صور إن قال أكتري منك سنة بدرهم أو شهراً بدرهم قال أكثرهم: ظاهرها لزومه كالمعين وهو بين من قولها إن استأجر داراً سنة أو سنتين جاز وله أن يسكن لو سكن متى شاء فلو كان لربه الخيار لم يتركه ليسكن متى شاء، ومن قولها إن استأجرت داراً سنة بعد عشرة أيام من الشهر حسب هذه الأيام، ثم أحد عشر شهراً ثم تكمل مع الأيام التي ضمت من الشهر ثلاثين يوماً، وفي كتاب المدبر إن قال لعبده: أخذ مني سنة وأنت حر أو هذه السنة لسنة سماها فمرض حتى مضت

ص: 243

السنة؛ فهو حر.

قُلتُ: إنما تدل هذه على وجوب ابتداء مدة الكراء من يوم عقد ومثله لابن رُشْد فجعلا تعيين المدة لزوماً للزوم بعقد كرائها، وجعل ابن رُشْد الألفاظ الدالة على التعيين أربعة فقط التسمية كشهر كذا، والإشارة كهذا الشهر.

قال: فإن قال: هذا الشهر وهما في أول الهلال لزم بعدده كان تسعاً وعشرين أو ثلاثين، وإن كان في بعض الشهر لزمهما ثلاثون يوما من يوم العقد.

قُلتُ: زاده اللخمي، وقال ابن عبد الحكم في نذر صوم شهر يجزئه تسعة وعشرون يوماً، وتقدم قول ابن الماجِشُون في الصوم، وأرى إن تشاحا أن تزاد على تسعة وعشرين يوماً ليلة إن ابتدأ السكنى ليلاً ونهاراً إن ابتدأها نهاراً، ولو ابتدأ بعد مضي يومين من الشهر وكان ناقصاً أن لا يكون له غير ما مضي فقط؛ لأنه كمن ابتدأ من أوله.

ابن رُشْد: وكذا في هذه السنة وهما في أول الشهر لزمهما اثني عشر شهراً متصلة بالأهلة، ولو كانا في أول شهر غير المحرم، ولا يقع الكراء على باقي السنة إن قال أكري هذه السنة كل شهر بكذا، وقد مضى بعضها إلا ببيان لسماع عيسى ابن القاسم فيمن قال: لله على صوم هذه السنة، وقد مضى بعضها عليه صوم اثني عشر شهراً ومثله في سماع كتاب الأيمان بالطلاق، ثم ذكر الخلاف في تلفيق بعض اليوم والغاية، وقد تقدم في فصل العدة استيفاؤه، وعليه الخلاف في الكراء، وجعل اللفظ الثالث التنكير دون إضافة للمنكر.

قال: كقولك أكريك الدار شهراً أو سنة فيتعينان من يوم العقد كهذا الشهر أو هذه السنة سواء، كما تقدم مما يعد بالأيام والأهلة إلا في وجه واحد فرق في الموازيَّة فيه بينهما.

قال: إن قال أكريك شهراً بكذا فسكن شهراً، ودخل في الثاني وخرج قبل تمامه عليه بحساب ما أكري، ولو كان بعينه كان في الثاني كراء المثل، وقيل: إن كان أقل لم ينقص، وإن كان كراء المثل أكثر حلف وأخذه على اختلاف في اليمين؛ لأنها يمين تهمة

ص: 244

والرابع: قوله: أكري لوقت كذا وكذا.

قال: ويسميان الكراء دون تعيين مدته كقوله الشهر بكذا أو كل شهر بكذا أو في كل شهر بكذا أو في لفظ السنة، كذلك فالكراء غير لازم للمكتري الخروج متى شاء، ولو في أثناء الشهر ويؤدي من الكراء بقدر ما سكن، وللمكري إخراجه كذلك إلا أن يشترطا لزومه، وتعجيل الكراء كشرط التزامه.

قال ابن حبيب: وهو قول ابن القاسم، وألزمهما ابن الماجِشُون الكراء في الشهر الأول إذا قال: الشهر بكذا أو في كل شهر بكذا وكذا على قول السنة الأولى في قوله السنة بكذا، أو في كل سنة بكذا، وروى ابن أبي أويس في البيوت التي تكرى شهراً بشهر إن خرج في شهر لزمه كراؤه، وإنما يكون عليه بحساب ما سكن إن تكارى كل يوم بدرهم، ففي كون كراء الدور مشاهرة مخلاً مطلقاً فيما لم يسكن لزومه في أول شهر فقط، ثالثها لزوم الشهر بسكنى بعضه أولا كان أو غيره لابن القاسم، وابن الماجِشُون ورواية ابن أبي أويس، والثلاثة جارية في كرائها مساقاة.

قُلتُ: ما عزاه لابن الماجِشُون عزاه اللخمي لرواية الأخوين وصوبه بأنهما أوجبا بينهما عقداً لا خيار فيه، فوجب حمله على أقل المسمى، وما عزاه لابن القاسم هو سماعه عيسى وفرضه في كراء الدور والإبل والغلمان فذكر ابن رُشْد الثلاثة الأقوال، وعبر عن الثالث بقوله يلزمه الشهر الأول وكراء ما بعده من كل شهر بسكنى بعضه وهو محتمل للزم الشهر الأول وإن لم يسكن منه شيئاً، وفي السماع المذكور قال ابن القاسم: وأنا أرى في قوله أكريك السنة بكذا، وكذا كقول مالك في كل ابن رُشْد هذا صحيح ومعناه: أن السنة لا تتعين عنده بقوله ذلك كما لا تتعين عند مالك بقوله أكريك في السنة بكذا وكذا أو أكريك في كل سنة بكذا وكذا، وإنما لم يتعين في أكريك السنة بكذا وكذا؛ لأن أل لم تدخل لتخصيص السنة من غيرها في لزوم كرائها؛ بل لتخصيصها من غيرها في قدر مالها من الكراء، هذا هو المعنى الذي لا يصح فيه خلاف بوجه.

وحكى ابن سهل أنه رأى في حاشية كتاب بعض شُيُوخه إن قال: أكريك السنة بكذا بنصب السنة لزمت سنة، وإن قالها بالرفع كان كقوله كل سنة بكذا على رواية ابن

ص: 245

القاسم واستحسنه ولا وجه عندي لاستحسانه؛ لأنه بالنصب يحتمل أن يريد أكريك هذه السنة بكذا، وأن يريد أكريك ما سكنت بحساب السنة بكذا، وإذا احتملهما وأحدهما لا يلزم به الكراء وجب أن يحمل على الوجه الذي لا يلزم به الكراء؛ لأن الأصل براءة الذمة من لزوم الكراء فلا يلزم إلا بيقين، وأما إن قال: أكريك السنة بكذا بالرفع فليست بمسألة يتكلم عليها إذ لا إشكال في عدم لزوم السنة بذلك ولم يتكلم ابن القاسم إلا على مسألة النصب، ولما لزم الكراء في أكريك سنة بكذا ولم يلزم في أكريك السنة بكذا للمعنى الذي قلناه.

قال: من أراد أن يغرب الكراء إذا عرف تنكر وإذا نكر تعرف وفيه نظر؛ لأنه لو قال: أكري السنة كل شهر بكذا لزم كراء السنة لتعريفها، وإنما لزم كراء السنة في أكريك سنة بكذا وإن كانت منكرة؛ لأن الكراء لا يجوز عقده على سنة غير معينة فيحمل أمرهما على أنهما سنة كاملة من يوم العقد.

قُلتُ: تقرير رده على المعرب أن قوله أكريك السنة كل شهر بكذا لازم، واللفظ معرف فبطل كونه إذا تعرف تنكر؛ لأنه هنا تعرف وتعين ويرد بمنع لزومه من هذا اللفظ؛ لنص ابن القاسم: بعدم لزومه في لفظ السنة معرفاً، ونص سماعه: بعدم لزومه في كل شهر، والمجموع مما لا يلزم به الكراء لا يلزم به، وقوله: وإنما لزم الكراء في أكريك سنة إلى آخره تقريره أن لزوم السنة فيه ليس من ناحية تنكيره؛ بل للمعنى الذي زعمه فتنكيره لغو، ويرد من وجهين الأول لا يلزم من عدم كون التنكير علة في التعيين عدم مساواته له في الثبوت والنفي، وهذا هو مدعي المعرب لا العلية الثاني ما زعمه موجباً لتعيينه وهو منع عقد الكراء على سنة غير معينة توجب تعيينه، وفي لفظ كراء أو فساد عقده فتأمله.

وفي آخر كتاب المدبر فيها: من أكرى داره أو دابته أو غلامه سنة حسبت من يوم قوله كقوله هذه السنة بعينها ومثله قولها من اكترى داراً سنة بعد مضي عشرة أيام من الشهر حسب أحد عشرا بالأهلة وشهرا على تمام هذه الأيام في تلاشي يوماً كالعدد.

وقبل هذه قال ابن القاسم: من اكترى داراً سنة ولم يسم متى يسكن جاز وسكن

ص: 246

أو يسكن غيره متى شاء ما لم يأت من ذلك ضرر على الدار.

الصقلي: يريد: ضرراً في السكنى، ثم ذكر أخذ تعيينها من مسألة كتاب المدبر، ولم يتعرض لكونها خلافاً لظاهر قولها هنا وسكن أو يسكن غيره متى شاء.

وقال اللخمي: إن أكريك شهراً أو سنة جاز ولزمهما وحملا في ابتداء السكنى على الفور، هذا قول مالك وابن القاسم.

وإن تراخى عن السكنى إثر العقد مدة يسيرة سكن جملة المدة المسماة، ولم يحط منها قدر ما مضى بعد العقد إلى وقت العقد، وهو في هذا الوجه بخلاف من عين المدة.

قُلتُ: مفهوم قوله: مدة يسيرة أنها إن كانت غير يسيرة حط قدرها وفيه نظر؛ لأنها إن كانت كالمعينة كما هو ظاهر كلام ابن رُشْد استوى الكثير واليسير في الحط وإلا استوتا في عدمه، ثم قال: وقد يلزم المكري الصبر إلى مدة وإن لم يسمياها في العقد للعادة كالمطمر فيه طعاماً كل شهر أو كل سنة بكذا ليس له إخراجه ولا يجبره الآخر على الإخراج إلا أن يتعين سوس الطعام إلى ما العادة أنه يباع في مثله، فإن لم يبع وللآخر إخراجه وهذه عادة المطامير عندنا في الكراء، وإن أراد المكتري الإخراج قبل غلائه لم يكن للآخر للآخر منعه؛ لأن البقاء من حق المكتري ويعفى عن ما في ذلك من غرر في المدة؛ لأنه مما تدعو الضرورة إليه وينظر للعادة في خزن الزيت فيحملان عليها والعادة في خزن الطعام في الصيف أنه يشترى عليه فليس له إخراجه قبل ذلك.

قُلتُ: حاصله قوله: أنه جعل خزن الطعام مؤجلاً بغلائه في حق المكتري على المكري دون العكس والتساوي وواضح كونه أجلاً مجهولاً، وقوله: يعفى عن غرر المدة للضرورة فاسد؛ لأن هذه الضرورة مما شهد الشرع بإلغائها حسبما تقرر في بيع الغرر وأحاديث النهي عنه، وفيها: إن اكتريت بيتاً شهراً بعشرة دراهم على إن سكنت يوماً منه لزمك الشهر جاز ما لم يشترط عليك إن خرجت فليس لك أن تكري البيت فهذه الإجارة لا خير فيها، ونقلها اللخمي بزيادة: لا خير فيه والكراء لازم.

قال: يريد: والشرط باطل وإن كان على أنه إن خرج رجع من البيت لربه ولا يحط من الكراء شيء فهو فاسد، وعليه قيمة ما سكن وفسخ متى ما أدرك، ونقله عنه أبو

ص: 247

إبراهيم وقبله وفيه نظر؛ لأن ظاهر قوله لا خير فيه أنه فاسد وهو مقتضى أصل المذهب في الشرط المنافي لمقتضى العقد.

وقال الصقلي: قال بعض فقهاء القرويين: ظاهر العقد أنه جائز وأنه بالخيار ما لم يسكن إن سكن لزم كراء الشهر، فإن أراد هذا وليس له أن يكري من غيره فهو كمن باع على أن لا يبيع ولا يهب، فإن أسقطوا الشرط تم الكراء على أحد القولين، وإن شرط أنه إن خرج عاد المسكن لربه وعليه جملة الكراء فهو فاسد واجب فسخه.

قُلتُ: هذا كلام التونسي وهو جار على الأصول، وفيها: من اكترى داراً سنة فلم يشترط النقد غرم بحساب ما سكن إلا أن يكون كراء الناس على النقد فيقضى به وكذلك في الدواب.

وما تقضى به منفعة المكتري إن تبين بنص أو عرف صح عقده، وإن اختلف ولا مبين فسد فيها لا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه ويعمل فيه وهو حداد أو قصار أو طحان إن لم يكن فيه ضرر على البناء ولا حجة للمكري؛ لأنه أكرى له وقد سمى له المكتري ما يعمل.

قُلتُ: فإن أكرى حانوته لرجل فإذا هو جزار أو قصار فنظرنا فإذا هو لا يضر بالبناء إلا أنه يقذر الحانوت.

قال: له منعه إن كان يقذر جدرانه؛ لأنه ضرر.

قال غيره: إن كانت الأعمال بعضها أضر من بعض وأكثر كراء لم يجز إلا على شيء معروف، وإن لم يختلف فلا بأس به.

قُلتُ: ظاهر قوله؛ لأنه أكرى له وقد سمى المكتري ما يعمل أن الكراء وقع على تسمية العمل ولفظ التهذيب، والصقلي نص: في أنه لم يسمه لفظهما لا بأس بكراء حانوت لا يسمي ما يعمل فيه، وله أن يعمل فيه حداداً أو قصاراً أو طحاناً إن لم يضر بالبناء، وفي الرواحل منها: من اكترى دابة ولم يسم ما يحمل عليها لم يجز إلا من قوم عرف حملهم فذلك لازم على ما عرفوا من الحمل.

قال غريه: لو سمى حمل طعام أو بز أو عطر جاز وحملها قدر حمل مثلها.

ص: 248

قال أبو إبراهيم وغيره من شُيُوخنا: خالف كل منهما قوله في الكتابين، ولم يجب أبو إبراهيم، وأجاب غيره عن ابن القاسم: بأن الحيوان أسرع تأثراً للتغير من البناء وأجاب بأن السؤال على الغير إنما يلزم إن لو ثبت اتحاده في الكتابين قال: وإثباته متعسر.

قُلتُ: وهذا التزام لتنافي في القولين من حيث ذاتيهما ويجاب بأن قول الغير بالمنع في الحانوت قيده بتفاوت الأعمال، وفي الدابة أشار إلى تقييده بالتقارب بقوله: سمى حمل طعام أو بز أو عطر وأصل المذهب أن متعين ما تنقضي به منفعة المكتري بنص أو عرف جاز عقده كذلك وإلا فسد.

اللخمي: إن لم يسم ما يعمل في الأرض ولا عادة أو كانت مختلفة بما يختلف كراؤه فهو فاسد عند غير ابن القاسم، وإن كانت العادة فيما يعمل فيها مختلفة كان فاسداً مثل كراء الدابة، ولا يسمى الصنف الذي يحمل عليها أجازه ابن القاسم، ويحمل عليها ما لا يضر بها ومنعه غيره حتى يسمى ذلك الصنف.

وما يعمل في الأرض تختلف مضرته: فيها: الشعير أضر من القمح.

المتيطي: وقولها يزرعها ما شاء إذن من ربها لا كلام له بعد، وإن قال: يزرعها وسكت عن ما يزرعه.

قال محمد: جاز ولا يزرع إلا ما يشبه أن يزرع في مثلها.

قُلتُ: قال ابن فتوح: اختار بعض الموثقين أن يسمى ما يزرع من الحبوب في كل عام من أعوام الوجيبة وبعضهم يسقط ذلك، والأحسن ذكره لإزالة الإشكال بالاختلاف في ذلك.

قال ابن القاسم: لا بأس بكراء الأرض، وإن لم يسم ما يزرع فيها، وله أن يزرع فيها ما شاء من الحبوب إلا ما كان مضراً بالأرض أكثر من ضرر غيره فيمنع من الضرر، وغيره لا يجيز الكراء حتى يسمي ما يزرع فيها.

قُلتُ: لا أعرف نقله هذا عن ابن القاسم في الأرض وإنما وقع له نحو هذا في الحانوت حسبما تقدم، وفي الدواب: وتأمل نقله ففيه تناف نقل أو لا يجوز كراؤها، وإن

ص: 249

لم يسم ما يزرع ثم قال: لا يزرع ما شاء إلا ما ضرره أكثر من غيره والمختلفة بعضها أضر من بعض فيلزم ألا يزرع إلا أقلها ضرر، وهذا مناف لقوله يزرع ما شاء، ومقتضى المذهب عندي أن ينظر فإن كان اختلاف حرثات ما يزرع فيها من الأنواع كاختلاف تلك الأنواع لم يجز على أنه يزرع ما شاء؛ لأنه حينئذ من بيعتين في بيعة وإن لم يكن كاختلافهما فيما بل كاختلاف أفراد نوع واحد جاز كشراء ثوب من أثواب يختاره.

وفيها: إن اكتراها لحرث شعير فأراد حرثها قمحاً فإن كان أضر بالأرض منع وله زرع ما ضرره كالشعير فأدنى.

الباجي: إن زرع ما هو أضر من الشعير فلربها كراء الشعير وقيمة زيادة الضرر، وقال الشافعي: كراء المثل، وعزا المتيطي الأول للقاضي.

وقال الصقلي: قال بعض القرويين: انظر لو رضي رب الأرض بذلك هل يجوز إذا كان الأمران مختلفين أو لا يجوز كمن اكترى إلى طريق فأراد أن ينتقل إلى ما يخالفها.

قُلتُ: مقتضى قبول الباجي، وللمتيطي ما قاله القاضي فيمن حرث أضر إن زيادة الأضر على غيره كزيادة الكل على بعضه، ومقتضاه أن اختلاف آحاد حرثات الأنواع المختلفة لغو وأنها متماثلة فيؤيد جواز كراء الأرض على أن يزرع ما شاء، ومقتضى نظر التونسي احتمال ذلك فيكون في كرائها لذلك نظر فتأمله.

ابن شاس: ولو شرط عليه أن لا يزرع فيها إلا صنفا عينه لم يجز.

قال في الموازيَّة: فإن نزل فعليه قيمة الكراء، ولو قال: إن شئت فازرعها وإن شئت فأغريتها جاز.

قُلتُ: كذا نصه ونصها في النوادر عن الموازيَّة: من أكرى أرضاً على أن لا يزرع فيها إلا قرطاً لم يجز، فإن نزل فعليه قيمة الكراء، وقال محمد وذلك عندي جائز.

قُلتُ: عدم ذكر ابن شاس قول محمد مخل بفائدة علمه، وقول محمد هو مقتضى قولها من أكرى بيتاً من رجل، وشرط عليه أن لا يسكن معه أحد فله أن يسكن معه زوجة يتزوجها أو رقيقاً يبتاعها إن لم يضر ذلك برب البيت كغرفة ضعيفة الخشب.

قال اللخمي في ترجمة ما يصح من الكراء من كتاب الرواحل: على قول غير ابن

ص: 250

القاسم: لا يجوز كراء الدور إلا بعد معرفة ما يسكنها من العيال؛ لأنه سوى فيها بينها وبين الطرق في السهولة والشدة، وأرى إن كانت الحانوت في سوق قصره على صنعة أهل السوق حتى يذكر غيرها، وإن لم يكن في سوق معروفة بصناعة وأمكن كراؤها لما يغير حيطانه ويفسده لم يجز حتى يبين لما يكتريه، والديار أحق محمل الناس على الوسط من العيال إن ظهر أن المكتري كثير العيال والغاشية فللمكري متكلم، وقال في أكرية الدور: يستحب تسمية المكتري عياله وما يعمل بالدار، فإن لم يسم جاز ويسكن بما أحب من عيال ما لم يتفاحش ويرى أنه يلوث الدار فيمنع عن ما يضر إن قدر على رفعه وإلا أكراها، ولا يفسخ الكراء وذكر قولها فيمن شرط أن لا يسكن معه أحد، وقال: اختلف في شرط ما لا يفسد هل يوفي به والقياس في هذه التوفية؛ لأنه لخوف دخول ضرر فأشبه شرط أن لا يرعى مع غنمه غيرها، وقد ألزمه ابن القاسم الوفاء به، فإن لم يف المكتري وأسكن معه غيره قوم كراؤها على أن لا يسكن معه أحد، وعلى من أسكن معه غيره فيكون له المسمى، وفضل ما بين الكراءين.

وفيها: لمن اكترى داراً إدخاله فيها ما شاء من الدواب والأمتعة ونصب الأرحية والحدادين والقصارين ما لم يضر بها أو تكون داراً لا ينصب ذلك في مثلها لحسنها، فإن كان ضرراً منع منه وغيره جائز.

قُلتُ: هذا قول مالك، قال: هذا رأيي.

اللخمي: هذا ضرر عند أهل الرباع إلا بالبادية فلا تمنع الماشية، والدابة الواحدة للركوب إن علم أن المكتري ممن يركبها، والعادة أنها تكون في داره لم يمنع وإلا منع، ويمنع من أن يعمل فيها ظروفاً للخل أو اللبن أو الدباغ أو تبيع بها الزيت وشبهه.

وفيها: إن ربط المكتري بباب الدار دابة فرمحت فكسرته أو قتلت ولد رب الدار فذلك جبار، كقول مالك فيمن نزل عن دابته وأوقفها بالطريق لشرائه حاجة أو أوقفها بباب المسجد أو بباب الأمير.

قال أبو حفص: إن كان يعلم أنها تضرب برجلها فهو ضامن كمتخذ الكلب العقور حيث لا يجوز له فيضمن، وإن لم يتقدم إليه إنما يحتاج للتقدم إذا كان في داره فأما

ص: 251

في الطرق فهو ضامن.

وفيها: إن اتخذ مكري الدار فيها تنوراً يجوز له فاحترقت منه الدار وبيوت جيرانه لم يضمن.

اللخمي: يريد: وأوقد على الوجه المعتاد، وإن جهل هل زاد على الوجه المعتاد ففي ضمانه قولان بناء على اعتبار براءة الذمة، واعتبار الغالب بأن ذلك لا يكون إلا عن زيادة على المعتاد أو إهمال في التحفظ قياساً على الصانع والمرتهن يحترق بيته، وقد اختلف فيهما.

قُلتُ: يرد قياسه بأن الأصل في الصانع الضمان، وفي مكتري الدار عدمه.

وفيها: إن شرط عليه المكري أن لا يوقد بها ناراً فأوقدها فيه لخبزه فاحترقت الدار ضمن.

اللخمي: إن كان وقيده على ما يجوز له لو أذن له رب الدار لم يضمن غير داره، ولم يكن لمن يليه في ذلك مقال؛ لأن التعدي عليه هو من حقه وإن كان على وجه لجاره منعه ضمن.

وقال الصقلي عن بعض القرويين: يضمن دور جيرانه؛ لأنه متعد لمخالفته وما شرط عليه، وإن كان مما يجوز له لولا ما شرط عليه كمن حفر بداره بئراً للسارق فإنه يضمن ما سقط فيه من سارق وغيره، وإن كان حفره للسارق بداره جائز.

ابن شاس: ولا يشترط في كراء الأرض للبناء تعريف قدره أو وصفه أو ارتفاعه بخلاف كراء جدار لبناء عليه.

قُلتُ: ظاهره لا يشترط في كراء الأرض للبناء معرفة ما يبنى به والصواب تعيينه؛ لأن منه ما لا قيمة له بعد تهدمه فيفتقر في إخراجه من الأرض إلى أجرة، وقد يكون الباني حينئذ عديماً أو غائباً.

وفيها: كراء الدواب على وجهين دابة بعينها أو مضمونة، وفي المعونة المركوب المعين لابد أن يعرف بتعيين بإشارة إليه كهذه الدابة أو الناقة.

قُلتُ: يريد: ليحط بها المكتري معرفة كالمشتري.

ص: 252

قال: والمضمونة يذكر جنسها ونوعها والذكورية والأنوثة، وتبعه ابن شاس وابن الحاجب واقتصرا عليه، وكذا المتيطي إلا أنه قال: قبل نقله يصف ذلك بأبلغ صفاته فيدخل فيه وجوب ذكر سن الدابة، وفي المعونة لا يحتاج لتعيين الراكب لتقارب الناس عادة ولا لوصفه وتبعه ابن شاس وابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام، وظاهر عدم لزوم ذكر كونه رجلاً أو امرأة والأظهر لزوم تعيين أحدهما؛ لأن ركوب النساء أشق وهو ظاهر قولها من اكترى على حمل رجلين أو امرأتين لم يرهما جاز لتساوي الأجسام إلا الخاص، فإن أتاه برجلين فادحين أو امرأتين فادحتين لم يلزمه ابن شاس ويصف المحل بالسعة أو الضيق.

قُلتُ: السعة والضيق مختلفان في مسماهما فلابد من تعين ذلك بالقدر.

قال: ويعرف تفاصيل المعاليق، فإن أطلق في شيء من ذلك وهو معلوم بالعادة صح العقد، ولو اختلف اختلافاً متفاوتاً لم يصح إلا بالتفصيل.

وفيها: إن أكرى محملاً لمكة ولم يذكر وطأه أو زاملة لم يذكر ما يحمل عليها من أرطال جاز وحملا على فعل الناس فيهما؛ لأن الزوامل عرفت عندهم وعليه أن يحمل له المعاليق، وكلما عرفه الناس في الكراء لازم للمكري، ومقتضى المذهب في عدم وجوب تعيين الراكب جواز كراء مكتري دابة لركوبه من غيرها.

اللخمي: لمكتري منافع بيعها كالرقاب إلا ما يتعذر كونه كالأول أو يشك فيه ويخالف ذلك في الدواب والثياب والديار، ففي جوازه في الدواب وكراهته ورايتان.

وفيها: من اكترى دابة ليركبها فحمل مثله في الخفة والأمانة لم يضمن، وإن كان أثقل أو غير أمين ضمن فإن ادعى غير المأمون تلفها لم يضمنها إلا بسبب أو يتبين كذبه، وضمنها الأول بتعديه وأكره أن يكري من غيره، وأما في موته فلوارثه حمل مثله وأكثر قول مالك أن له ذلك في الحياة.

اللخمي: إن أكريت لحمل في سفر على مصاحبتها ربها فلا قوله له، وإن لم يكن على أن يصحبها أو كان لركوب فإن وافق أن الثاني كالأول فلا قول له وإن خالف نظر الحاكم، فلو سافر دون علمه فلا قول له فيه ماض وغيره على حكم التعدي إن سلمت

ص: 253

أخذه بفضل كراء الثاني على الأول، وإن حدث عيب لركوب الثاني ضمنه فإن ضاعت ضمنها الأول لتعديه في كرائها من غير مأمون فإن كان عديماً والثاني جاهل كونها في يد الأول بعقد كراء لم يضمن لريها شيئاً؛ لأنه معه كمستحق وإن كان عالماً ضمن، ولو عيبت بغير سبب للثاني ففي ضمانها الأول خلاف بناء على اعتبار تعديه بخروجها من يده واعتبار كونه لا بسبب منه.

قُلتُ: الأول ظاهر قولها إن أكرى من هو أثقل منه لو من غير مأمون ضمن، فإن أراد بالأثقل الفادح قيد به وإلا ناقض ما تقدم من لزوم أي راكب كان إلا الفادح.

اللخمي: ولو كان الثاني كالأول في الأمانة وأضر في ركوبه فيختلف إن ضاعت أو علم ضياعها هل يكون كمن لم يتعد؛ لأن التعدي ليس من هذا الوجه فصدق الثاني ولا شيء على الأول أو يضمن لتعديه في تسليمها وركوب الثاني، وأرى أن لا ضمان عليه إلا بما يحدث بسبب ما تعدى به وكراء الدار من غيره خفيف.

قُلتُ: إن كانت الدور معروضة للغصب المسمى بالنزول كما كان بتونس قبل اليوم لا أعاده الله لم يكن للمكتري المحترم أن يكريهما ممن دونه في الاحترام؛ لأن ربها ينقص من كرائها لتسلم باحترام مكتريها، وفيها: لمكتري الدابة المحمولة أو السفينة والدار كراؤها من مثله في مثل ما اكتراها له، وكذلك الفسطاط له كراؤه من مثله في حاله وأمانته وصنعه فيه، ومن استأجر ثوباً يلبسه يوماً إلى الليل لم يعطه غيره يلبسه لاختلاف اللبس والأمانة، فإن دفعه لغيره ضمنه إن تلف، ولو بدا له عن السفر بالدابة أو مات أكريت من مثله، وكذا في الحياة والممات.

اللخمي: المنع في الثياب أحسن لاختلاف اللبس واليسير فيه يؤثر والأمر في الخباء والفسطاط أخف.

ابن شاس: وكيفية السير وتفصيله وقدر المنازل ومحل النزول في معمور أو صحراء معتبر بالعرف واستئجارها لحمل بتعيين المحمول إن حضر، ووصفه إن غاب وقدر الكيل والوزن أو العدد فيما لا تتفاوت آحاده بكبر أو صغر، وحيث كون الكراء في الذمة لا يفتقر لوصف الدابة، إلا إن اختلف الغرض في المحمول باختلاف الدابة

ص: 254

كزجاج ونحوه.

قُلتُ: ويجب تعيين انتهاء غاية الركوب إلى موضع كالحمل إليه.

وفيها: من اكترى على حمولة لبلد فليس له صرفها لغيره وإن ساواه في المسافة والصعوبة والسهولة إلا بإذن المكري ولم يجزه غيره وإن رضيا؛ لأنه فسخ دين في دين إلا بعد صحة الإقالة.

اللخمي: اختلف فيمن اكترى دابة لبلد فأحب الذهاب بها لغيره مما لا يضر بها هل يجوز، وإن كره ربها ثم ذكر قولي ابن القاسم وغيره، قال: ويصح الجبر إن تساويا في البعد والسهولة والأمن، والمكتري يمضي بها وحده ويردها أو كان ربها يمضي معها إلا لحاجة في البلد الأول، وإن اختلف الطريقان أو كان ليترك الدابة بمحل الوصول أو لتعاد وخروج ربها معه لأهل له بذلك البلد أو لتجزئه لم يجبر، وإن اكتراها لركوبها بالحضر ففي جاوز نقلها لحمل عليها أو لسفر، ثالثها: فيما قل كاليومين لأشهب وابن القاسم وسَحنون، وإن اكتراها لطحن الحنطة جاز أن يطحن غير الحنطة مما لا يضر بها، وإن شرط أن لا يطحن إلا الحنطة جاز، لأنه لا يتعذر وجوده ويختلف في طحنه غيرها على شرط ما لا يفيد، وإن شرط أنه لا يطحن إلا هذه الحنطة ففي جوازه قولان.

قُلتُ: هما على القول بلزوم الوفاء لما لا يفيد فيلزم التحجير ولغوه فينتفي، قال: وكذا في كرائها لحمل صنف فأراد غيره.

قُلتُ: وتقدم نحوه في حرث الأرض.

ابن شاس: والسقي يعرف فيه قدر الدلاء والعدد وموضع البئر وبعد الرشاء إلا أن يكون كل ذلك معروفاً عادة، والحرث يعرف فيه القدر بالمدة أو تعيين الأرض وصلابتها ورخوها، وقاله ابن الحاجب وابن شاس والغزالي قبلهما.

ابن شاس: على مكري الدابة تسليم ما العادة تسليمه معها من إكاف وبردعة وحزام وسرج في الفرس وغير ذلك من معتاد؛ لأن العرف كالشرط.

قُلتُ: هذا كالنص في أنه لم يكن بذلك عرف لم يلزمه.

قال: وكذا الحكم في إعانة الراكب في النزول والركوب في المهمات المتكررة، وكذا

ص: 255

رفع الحمل والمحمل.

قُلتُ: وهو ظاهر قول التونسي في قولها: إن اكتريت إبلاً فهرب الجمال وتركها في يدك فأنفقت عليها فلك الرجوع عليه بذلك، وكذا إن أكريت من يرحلها رجعت بكرائه، فقال التونسي: يريد: أن العادة أن المكري يرحلها.

ابن عبد السلام: أشار يعضهم إلى أن البردعة والأحبل وإعانة الجمال في الركوب والنزول ورفع الأحمال وحطها لا يلزم الجمال إلا بعرف، وأشار إلى أن فيها خلاف هذا وهو قولها لا بأس أن تكتري إبلاً من رجل على أن عليك رحلتها فظاهره لولا الشرط كان على رب البعير وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن الشرط قد يكون لرفع النزاع لا لنفي ما علق عليه؛ لأنتفائه والأول هو غالب الشروط عند الموثقين.

قُلت: لو لم يكن فيه غير هذا اللفظ أمكن رده بما قال، أما مع قولها الأول في مسألة هروب الجمال المتقدمة فلا يصح رده بكون الشرط قد يكون لرفع النزاع والأولى بمقتضى أن يلزم المكري البردعة والسرج ونحوهما، لا مؤنة الحط والحمل لسماع عيسى ابن القاسم: من اكترى منازل فيها علو لا سلم له فقال ربها: اجعل لي سلماً فتوانى ولم ينتفع به المكتري حتى مضت السنة طرح عنه مناب العلو من الكراء.

ابن رُشْد: لأنه باع منه منافع الدار فعليه أن يسلمها له وإسلامه للعلو هو بجعل السلم له والكراء في هذا بخلاف الشراء.

قُلتُ: فالسلم في العلو كالبردعة والسرج ونحوهما، وفيها: إن انتقضت زاملة الحاج أو نفدت فأراد تمامها وأبى الحمال حملاً على عرف الناس.

قال غيره: فإن لم تكن لهم سنة فلهم حمل الوزن المشترط.

الصقلي عن سَحنون: من اكترى دابة على حمل فيه خمسمائة رطل فأصابه في بعض الطريق مطر وزنه فامتنع الجمال من حمل الزيادة، وقال ربه: هو المتاع بعينه لم يكن على الجمال حمل الزيادة.

قُلتُ: مقتضى قولها بلزوم حمل ولد المرأة معها حمل زيادة البلل، وظاهر قول

ص: 256

سَحنون سواء كان عرف أم لا ومقتضى قولها في زاملة الحاج اعتبار العرف.

ابن عات عن بعض شُيُوخ الفتوى: من أكري على حمل متاع لموضع بطريقة نهر لإيجاز الأعلى المركب، وقد عرف ذلك كالنيل جواز المتاع على ربه وجواز الجواب على ربها، وإن كان يخاض من المخائض فاعترضه حملان لم يعلموا به فجعل المتاع على رب الدابة وهي جائحة نزلت به، وكذا إن كان النهر شتوياً يحمل بالأمطار إلا أن يعلموا وقت الكراء جريه، وعليه دخلوا فيكون كالنهر الدائر من الاستغناء.

قُلتُ: انظر هذا الأصل مع زيادة وزن حمل الدابة بالمطر، وفيها: إن اكتريت دابة بعينها فليس لربها أن يحمل تحتك متعاً ولا أن يردف رديفاً وكأنك ملكت ظهرها، وكذا السفينة وإن حمل عليها في متاعك متاعاً بكراء أو غيره فلك كراؤه إلا أن تكون اكتريت منه على حمل أرطال مسماة فالزيادة له.

أشهب: إن أكراه لحمله وحده أو مع متاعه فكراء الزيادة لربها، وقد كان للمكتري منعه منها.

التونسي: إن أكراها لحمل طعام لم يسم قدره ملك حمل مثلها منه، فإن زاد ربها فكراء الزيادة للمكتري؛ لأنه قد يخفف عنها لرغبته في سرعة سيرها وإن أكراها لوزن معلوم فلربها زيادة ما لا يضر بحمل المكتري، وكذا في الركوب اتفاقاً فيهما ولو اكترى حملها لحمل قدر معلوم فذكر قولي ابن القاسم وأشهب قال: وفيه لعمري إشكال؛ لأن بقية منفعة الدابة اشترط المكتري تركها لحسن سيرها بقدر حمله وعليه اكتراؤها بالمسمي واشترط المكري تركها تخفيفاً عن دابته وعليه رضى بكرائها بالمسمى في كرائها فلو قيل: برجوع المكتري بقدر ما يرى أنه زاده لذلك من المسمى لأمكن.

قُلتُ: وظاهر كلامه أن قول أشهب خلاف.

وقال الصقلي: قال غير واحد من أصحابنا: قول أشهب وفاق وتقدم فيمن استأجر أجيراً على رعاية غنم على أن لا يرعى معها غيرها وهو قادر على أن يرعاها مع غيرها فرعى معها غيرها فأجرها لرب الأولى.

قال غيره: وإن لم يدخل بالثانية على الأول تقصياً فأجر الثانية للراعي.

ص: 257

قال الصقلي: قول ابن القاسم أحسن فحمل على الخلاف والمكتري ورب الغنم سواء.

اللخمي: إن اكترى حملة الدابة لم يسم ما يحمل عليها جاز.

قُلتُ: يريد: في القدر لا الصنف.

قال: فإن كان حمل مثلها أربعة قناطير فحمل عليها ثلاثة، وحمل ربها قنطاراً من عنده ولم يعلم مكتريها أو علم ولم يقدر على منعه خير المكتري في فسخ ما ينوب ذلك، أو أخذ كراء المثل فيه، وإن قدر على منعه وتركه كانت إقالة في ذلك القدر، وكذا إن كان القنطار بكذا ولم يكر على أن يحمله على عين هذه الدابة، وإن كان على أن يحمله عليها فحمله ولم يعلم المكتري أو علم ولم يقدر على منعه خير المكتري في ذلك القنطار فيما ذكره في أخذ ما أكراه به، وإن قدر على منعه وتركه فليس له إلا ما أكراه له وإن حمل عليها المكتري أربعة قناطير وزاد الكري نصف قنطار، فإن لم ينقص من سيرها بالأربعة شيئاً ولم يخش أن تقف بحملهما فلا مقال للمكتري، وإن أضر بالمكتري ببطء سيرها أو خشي أن تقف بحملها كان لكل منهما مقال مقال المكتري ما كان عليه متاعه من الغرب لو وقفت في قفر فهو كعيب حدث بالمكتري، ومقال المكتري تعب دابته يقسم كراء الزيادة بينهما على قدر شركتهما إن حمل بغير رضاه خير في حط ما ينويه من المسمى وأخذ قيمة ذلك العيب أو ما أكراه به، فإن كانت قيمة كرائها لحمل أربعة قناطير فقط عشرة وقيمته على زيادة نصف قنطار تسعة حط عشر المسمى إلا أن تكون القيمة أكثر من المسمى فيحاسبه بدينار وإن أحب أخذ منابه من الكراء الثاني قيل: بكم يكري للنصف على دابة عليها أربعة قناطير فإن قيل: ديناران؛ لأن الدابة يخشى عليها فلا يكون إلا بأكثر من غيره كان ما أكرى به بينهما نصفين؛ لأن قيمته ديناران للأول فيه ما قيمته دينار وإن أكرى حملتها ليحمل عليها ثلاثة قناطير وحمل مثلها أربعة فحمل عليها ثلاثة وحمل ربها قنطاراً فالقنطار بينهما، وتقدم ذكر هذا في مسألة رعي الغنم قول ابن شاس: إذا استأجر ثوباً للبس نزعه في أوقات نزعه كعادة كالليل والقائلة صواب كقولها من استأجر أجيراً للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة

ص: 258

الليل والنهار.

قُلتُ: فإن اختلف العرف في اللبس لزم بيان وقت نزعه أو دوام لبسه.

ابن شاس: استئجار الخياط لا يوجب عليه الخيط، إلا أن يكون العرف خلافه.

قُلتُ: كقولها في آلة البناء، وعرفنا في الأجير والصانع أن لا خيط عليه، وفي الصانع الخيط عليه.

ابن شاس: والأجرة على الاسترضاع لا توجب الحضانة ولا العكس.

قُلتُ: لعدم استلزام الدلالة على أحدهما الدلالة على الأجر كالخياطة والطرز.

وطرو عيب المكتري وتلفه من ربه دائما؛ لأن منفعته في ضمانه بخلاف شرا المعين بعد عقده أو إمكان قبضه، وفيها: تهدم ما لا يضر مكترى الدار منها كعدمه كتهدم الشرافات وما أنفق فيها المكترى لغو، وما يضره له الخروج لا إصلاحه من كرائها إلا بإذن ربه ولا يلزمه إصلاحها فإن أصلحها قبل خروج المكترى فكعيب ذهب وبعده لا يلزم رجوعه.

اللخمي: وقال غير ابن القاسم: يجبر ربها على إصلاحها، وأرى أن يجبر إن كان الإصلاح يسيراً أو كثيراً ويعلم أن ربها لا يدع إصلاحها في تلك المدة أو يعلم أنه لا يستغنى في تلك المدة وإلا لم يجبر، وهدم شرافات الدار لا يفسخ الكراء ولا يحط له شيء من الكراء إلا أن يكون ربد في الكراء لأجله، وإن ذهب زوال الحجر من داخلها جمالها حط من كرائها ما لم يصلحها ولم يكن له أن يخرج.

قُلتُ: قوله: (حط من كرائها) جعله التونسي محَل نظر.

اللخمي: وإن انهدم حائط من داخلها لا منفعة فيه ولا جمال لم يحط شيء، وإن كان على غير ذلك حط، وإن كان من خارجها وانكشفت لأجله.

فإن قلت: نفقته أجبر على إصلاحه وإلا فلا، وللمكترى الخروج إلا أن يتطوع المكري ولا ضرر على المكتري في مدة الإصلاح فلا يخرج، ومحمد أَصْبَغ إن خرج ثم أصلح فإن طال البناء لم يجبر على الرجوع والأيام اليسيرة وفوقها قليلاً لا كبير ضرر عليه لزمه الباقي؛ ويرد: إن لم يجبر بينهما فيهما قول بعد خروجه، وإن كان خروجه على

ص: 259

وجه الفسخ لم يلزمه رجوع، وإن كان ليرجع إن أصلح جبر عليه، وإن انهدم بيت من داخلها لم ينكشف من خارجها وهو أقل المكتري حط ما ينوبه، وإن كان الجل فله الخروج.

ابن حبيب: إن طاع المكتري بالإصلاح من ماله جبر ربها على ذلك، لأنه في منعه مضار، فإن انقضت الوجيبة أخذه بقيمته منقوضاً إلا أن يكون بإذنه فيأخذه بقيمته قائماً.

قُلتُ: وللصقلي قال الشَّيخ: يريد في قوله: (لا في قول ابن القاسم وسمع عيسي ابن القاسم: من اكترى دارًا سنة فتهدمت بعد شهرين فبنائها بما عليه من كرائها وربما غائب فقدم وطلب كرائها فله مناب ما سكنها) صحيحة من الكراء، وله كراء العرصة فيما بعد الهدم، وليس للمكتري إلا نقص بنائه إلا أن يعطيه قيمته، فإن كان لا منفعة فيه كالجص والتزويق والتراب فلا شيء.

ابن رُشْد: الآتي على أصولهم إن انهدم ما يذهب أكثر منافعها أو منفعة البيت الذي هو وجهها أو حائط يكشفها، وشبه ذلك خير مكتريها بين سكناها بكل الكراء أو يخرج وليس له سكناها بحطه مناب ما انهدم، ولو رضي به ربها تخرج ذلك على جمع الرجلين سلعتيهما في البيع، فإن بناها ربها قبل خروج المكتري لم يكن له أن يخرج، وإن بناها بعد خروجه لم يلزمه رجوعه لها إلا برضاه، وإن سكت وسكنها مهدومة لزمه كل الكراء هذا الآتي على قول ابن القاسم وروايته فيها، فقوله في هذا السماع: لرب الدار كراء العرصة فيما بعد الهدم خلاف قوله فيها.

الصقلي عن محمد: إن خرج المكتري لهدم ما منعه السكانى لم يصلح رجوعه ولو رضيا بتركه الدابة بالطريق لمرضها ووجوب المحاسبة لا يصلح رجوعه لها إن صحت.

الصقلي: يريد؛ لأن بقية الكراء دين ولو لم يكن نقد للكراء جاز بتراضيهما وعلم ما يخص باقي الكراء، وقال بعض القرويين: إن انهدم ما يبيح خروجه فله المقام بكل الكراء لا بما ينوب ما بقي ولو رضيا؛ لأنه مجهول.

الصقلي: هذا خلاف قول سَحنون وابن حبيب أنه له ذلك ووفاق لأصل ابن

ص: 260

القاسم في استحقاق بعض أعيان السلع.

ابن الحاجب: إن كان بالدار وشبهها ما يضر كالهطل لم يجبر المالك وخير المكتري وقيل: يجبر، وقيل: إن كانت لا تصلح للسكنى إلا بإزالته أجبر.

قُلتُ: الثالث لا أعرفه ولم يحكه ابن شاس، ولابن رُشْد ما ينفيه قال في المقدمات: هدم الدار إن قل فإن لم يضر ولم ينقص من الكراء كالشرافات فكعدمه، فإن نقص من الكراء لزمه السكنى وحط قدره من قيمة الكراء إن لم يصلحه رب الدار ولا يلزمه إصلاحه، فإن سكن ساكتاً فلا حط له، وإن أضر بالساكن ولم يبطل من منافع الدار شيئاً كالهطل وشبهه هذا فيه قولان:

قال ابن القاسم: لرب الدار الإصلاح ولا يلزمه، فإن لم يصلح فللمكتري السكنى بكل الكراء أو الخروج، فإن سكن ساكتاً لزمه كل الكراء.

وقال غيره: يلزم رب الدار الإصلاح، فإن سكت لزمه كل الكراء وإن كثر لم يلزمه إصلاح بإجماع فإن عاب السكنى ونقص من الكراء ولم يبطل من المنفعة شيئًا ككون الدار مبلطة مجصصة فيذهب بتبليطها وتجصيصها خير المكترى في سكناه بكل الكراء وخروجه ما لم يصلح الدار بها، فإن سكن ساكتًا لزمه كل الكراء على قول ابن القاسم فيها خلاف سماعة عيسى وقيل: حكم هذا الوجه كالبيت ينعدم من دار ذات بيوت وهو بعيد فإن أبطل اليسير من منافع الدار كالبيت ينهدم من دار ذات بيوت لزمه السكنى وحط عنه مناب المنهدم ومناب المنهدم من الكراء، وإن أبطل أكثر منافعها ومنفعة البيت الذي هو وجهها وهو بعيد، وإن أبطل اليسير من صانع الدار كالبيت الذي هو وجهها أو يكشفها بانهدام حائطها وما أشبه ذلك خير المكتري في سكناه بجميع الكراء وخروجه، فإن أراد سكنى ما بقي بمنابة من الكراء لم يكن له ذلك إلا برضي رب الدار، فإن رضيا جرى على جمع الرجلين سلعتين في البيع، وإن بني المكتري الدار قبل خروجه لزمه الكراء ولا خروج له، وإن بناها بعد خروجه لم يلزمه الرجوع، وإن سكنها مهدومة ساكتا فعلى قولي ابن القاسم فيها وفي سماع عيسي.

قُلتُ: فقول ابن رُشْد لا يلزمه إصلاح بإجماع رد لثالث أقوال ابن الحاجب.

ص: 261

وفي أخذ الثالث من ظاهر نقل اللخمي المتقدم نظر، ونقل ابن رُشْد أحق وأجرى على الأصول.

المتيطي: إن انهدمت الدار أو جلها فله الخروج فإن بناها ربها في بقية المدة لم يلزمه الرجوع.

قيل: لأن هذا البناء المحدث غير ما انعقد عليه الكراء فكان ذلك كعطب دابة معينه في بعض سفره فلا يلزمه غيرها إن أتاه به، ول أَصْبَغ: إن عاد بناء الدار لأيام قلائل لزمه الرجوع فلم يراع البناء وجعله تبعا للقاعة.

قُلتُ: إن قيل: قول أَصْبَغ جار على قولها: من حلف لا دخل هذه الدار فانهدمت حتى صارت طريقًا فمر بها الحالف لم يحنث، فإن بنيت حنث بدخولها.

قُلتُ: ليس كذلك؛ لأن الحنث يقع بالبعض ومضى الكلام عليها في موضعها.

المتيطي عن بعض الموثقين: يراعى على قول أَصْبَغ حفه مؤنه النقلة والعودة، فإن شقت لكثرة عياله وأثقاله لم يلزمه العود.

قال: وإن بني المكتري من ماله مما ينتفع به بغير إذن رب الدار فعليه عند خروجه قلعه إلا أن يأخذه ربها بغير شيء إن لم يكن له قيمه كالجص والنقش، وإن كانت له قيمه فبقيمته مقلوعًا، وإن بنا بإذنه ففي كونه قيمته كذلك أو قائمًا.

قولا ابن القاسم والأخويين مع روايتهما، وفيها: لا بأس بكراء الحمامات، وفي العتبيِّة: والله ما دخول الحمام بصواب.

قُلتُ: لأن المكتري متعد في فعله ما ينفي صواب دخوله ومكرية برسء منه، ولابن عات في مختصر الثمانية: قال عبد الملك: يمنع السلطان النساء الحمامات أشد منع ويؤيدهن على ذلك، ويؤدب رب الحمام وحتى لا تدخل امرأة إنما الحمام للرجال بشرط السترة، وقاله أَصْبَغ.

قُلتُ: وأخبرنا شيخنا ابن عبد السلام: أن من له النظر الشرعي كان أمر الحمامين باتخاذ أزر النساء كما هو اليوم للرجال فصار النساء يتضاربن بالأزر على وجع اللعب فعادت المصلحة زيادة في المفسدة، ولا يشك منصف اليوم في حرمته للفساد ولا في أن

ص: 262

عدم قطعه لمن له عليه قدره ترك تغيير منكر مجمع عليه، وفيها: من اكترى حمامين أو حانوتين فانهدم الوجه منها رد الجميع، وإن انهدم ما ليس وجههما لزمه الباقي بحصته.

الصقلي: في ترجمة ما ينهدم قال ابن حبيب: قليل تهدم الحمام ككثيرة في منعه التحميم لا ينفسخ به الكراء إن قال لربه: أبنيه وأمكنه في مثل الأيام والشهر والوجيبة سنة، وكذا تهدم بيت الرفا أو حرق سدها أو كسر بعض أداتها وهما أوسع من الدار التي يسكنها المرء بعياله، ولو فسخ الكراء فيهما بسء من ذلك ما تم فيه كراء فمتى دعى ربها للإصلاح لزم المكتري الوجيبة ما لم يطل حتى يذهب أكثر الوجيبة فيفسخ في هذا، ولا يفسخ لقلة الماء أو كثرته ومتى زال مانع ذلك في بقية الوجيبة لزم كراء بقية المدة كقول مالك في الأجير يمرض ثم يفيق، والقول فيما تعطل في الحمام والرحا قول المكتري مع يمينه، لأنه كالمرتهن.

قُلتُ: ظاهر نقله أن الحمام كالرحا في اعتلالها.

وقال المتيطي: الرحا في ذلك أشد من الحمام والدار؛ لأنها كثيرة الاعتلال.

ابن فتوح: إن تعطلت الرحا لهدم بيتها أو تعذر بعض آلتها لم يجبر ربها على إصلاح ذلك، وانفسخت القبالة وليس للمتقبل التمسك بها كما له ذلك في الماء إن نقص؛ لأن البناء الذي نزلت عليه القبالة ذهب فإن بني رب الرحا في بقية المدة لم يلزم المتقبل الرجوع بخلاف الماء متى رجع من نقصه أو نقص عن زيادته لزم المتقبل الرجوع للرحا؛ لأن الماء لم يكن بعينه وليس لمتقبل الرحا بناء السد بقبالة عام واحد كمكتري أرض ذات بئر تهدم بعد زراعته.

ابن عات: في المجالس إن تخربت الرحا يسيل تحمل جميعها فأراد المتقبل بنائها من ماله لتتم قبالته، وأبى ربها إلا الفسخ فله ذلك، وحكم له بفتيا أهل الشورى بطليطلة، وقال المشاور: للمتقبل ذلك ويغرم كل القبالة وله قيمة بنائه مقلوعًا حين خروجه.

قُلتُ: الأول جار على قول الأكثر إن بني الدار بها بعد تهدمها وخروج المكتري لم يلزمه الرجوع، وقول المشاور جار على قول أَصْبَغ برجوعه، وهو الجاري على قول عبد الحق لو تهدمت الدار وبقيت قاعه، فقال المكتري: أؤدي جميع الكراء وأقيم بها

ص: 263

ليس لربها منعه.

ابن فتوح: قال ابن حبيب: ما أحدث أهل الأندلس فى كراء الأرحاء أن يقول للمكرى إنها إكريك البيت وقناة الرحا لا ساقية ولا مطاحن ولا آلة لها هو احتيال لما لايجوز شرطه اعتروا به أن لا يكون على المكرى شئ من تعطيل الرحا باعتلال ما يعتل من ذلك، وقد عرفنا أن الرحا كانت يوم عقد الكراء طاحنة بجميع اَلتها فإن وقع كذا فسخ وكان فيما مضى كراء المثل على حال ما أخذها طاحنة تامة الآلة، وإنما يجوز على هذا الوجه لو كانت يومئذ عطلَا من جميع ذلك.

زاد المتيطى عن فضل: أن أبا زيد علد الرحمن ابن إبراهيم صاحب الثمانية كان يكرى أكريته بقرطبة على الوجه الذى ذكر ابن حبيب: أنه لا يجوز.

وما (....) بسبب دلسه المكرى ضمنه

فيها: من اكترى دابة أو ثوراً للطحن فربطه فى المطحنة فكسرها أو أفسدها آلتها لم يضمن ذلك مكريها إلا أن يغر وهو يعلم ذلك منها كقول مالك من أكرى دابته وهو عالم أنها عثور من رجل ولم يعلمه ذلك فعثرت فانكسر ما عليها فهو ضامن، ولو أكراها ممكن يحمل عليها دهنًا من مصر إلى فلسطين فحمله على دابة عثور قعثرت فانكسر الدهن بالعريش، وقال غيره: بمصر.

الصقلى: إلا أن يعرف كيله.

عياض: أو وزنه أبو حفص إنما ضمنه بالعريش؛ لأ قيمته به أكثر منها بمصر ولو كانت به أقل كان تضمينه بمصر.

الصقلى: عن ابن حبيب: إن ضمنه بالعريش فعليه من الكراء بحسابه إليه.

قلت: وأخذ بعضهم من مسألة كراء الثور التضمين بالغرور القول؛ لأن عقد الكراء إنما هو باللفظ، يرد بأن إيجاب لزوم العقد يصيره كالفعل.

وفى نوازل الشعبى: قال محمد بن عبد الملك الخولانى: من باع خابية دلس فيها بكسر وعلم أن المشترى يجعل فيها زيتًا فجعله المشترى فيها فانهرق من كسرها لا ضمان عليه كما لو دلس فى بيع عبد بسرقته فسرق من المشترى شيئًا لم يضمنه بائعه ولو

ص: 264

أكره الخابية، كذلك ضمن الزيت لغروره.

قُلتُ: قوله: فى كراء الخابية يقوم من مسألة كسر الثور المطحنة بربطه المكترى.

وفيعل: إن مرض العبد المستأجر مرضًا بينًا أو أبق أو هرب إلى بلد الحرب فسخنت إجارته، فإن رجع وأفاق فى بقية المدة لزم تمامها.

قال غيره: إلا أن يكون فسخ ذلك، وقال فى باب آخر: بعد هذا إلا أن يتفاسخا.

وسمع عيسى ابن القاسم: من واجر أجبرًا مدة معينة شهرًا أو يومَا لعمل خياطة أو بناء أو غيره فراغ عنه حتى جاز الأجل انفسخت الإجازة فيما بطل، وإن عمل شيئَا فبسحابه، وإنما يلزمه عمله بعد ذلك ويبة، هذا يلزمه العمل بعد ذلك إذ ليس بواقع على وقت؛ بل على عمل مسمى كقوله للسقاء اسكب لى فى هذا الشهر ثلاثين قله فيروغ فيه، فذلك باق عليه.

قُلتُ: ما تعقبها الشيًخ ولا الصقلى.

وقال ابن رُشد: قوله: (تنفسخ الإجارة فى الأيام التى راغ فيها، ويرد من الإجارة منابها) صحيح لا خلاف فيه.

قُلتُ: بهذا أجبت فى الفتيا فى نازلة تكثر فى أجر الحرث والرعاة لأشهر معينة يروغ الأجير فى بعضها فيأتى بعد انقضاء المدة بطلب مناب ما عمله فى المدة فى الأجر أن له ذلك بالتقويم، وما بلغنى عن فتوى بعض من سئل عنها لا أجر له فيما عمل خلاف قول ابن رُشْد: لاخلاف فيه فتأمله ابن رُشْد، وقوله: إنما يلزمه عمله بعد ذلك فى مثل قوله: إلى آخر المسأله خلاف مشهور المذهب أنه لايجوز مدتان فى مدة؛ لأن اليوم أو الشهر أو السنة التى سمى مدة وما شرط طحنه فى ذلك الأجل من عدد الويبات أو يسبكه من عدد القلال مدة.

قُلتُ: فى تعقب ابن رُشْد نظر يتضح بتقرير قاعدة هى ماكان يمضى لنا من الفرق بين اعتبار الأخص لقصد تحصيل أعمه لا لقصد تحصيل عنيه وبين اعتباره لقصد تحصيل عنيه يبينه قولها فى الرواحل.

ص: 265

قال ابن القاسم: إن أكرى دابة بعينها إلى ليركبها فى غده فأخلفه الكرى فليس له إلا ركوبه، وإن أكراها أيامًا معينة انتقض الكراء فيما غاب منها كالعبد المستأجر شهرًا بعينه يمرض فيه أو يأبق تنفسخ إجارته فيه.

قُلتُ: فقوله فى المسألة الأولى: ليركبها فى غده هى من اعتبار الأخص لقصد تحصيل أعمه، وحكم هذا إن نوت فقوله الأخص لايبطل العقد؛ لأن المقصود الأعم وهو باق فلم يبطل العقد متعلقه بالقصد، وهو مطلق الركوب إلى الأعم من كونه فى غد يوم عقد أو بعده وقوله فى المسألة الثانية أكراها أيامًا معينه إلى آخر من اعتبار الأخص لقصد عينه وحكم هذا انفساخ عقده بفوت الأخص حسبما ذكره فيها؛ الأنه بفوت الأخص لايبقى للقعد متعلق ضرورة انحصار القصد فى الأخص، وقد فات فإذا تقرر هذا فقول ابن القاسم: فى الأولى من سماع عيسى هو من اعتبار الأخص لعينه، كقوله فى الثانية من مسألتى الرواحل: فانفسخ العقد فيهما بفوته، والثانيه من السماع من اعتباره لتحصيل أعمه كقوله فى الأولى من مسألتى الرواحل: لم ينفسخ العقد فيهما؛ لأن الأخص فيهما معتبر لقصد تحصيل أعمه ونحو هذا مذكور فى السلم إذا أخر المسلم إليه قضاء السلم عن وقته المقصود بع عرفًا، وفى الكراء للحج وماذكره ابن رُشْد من أن المشهور منع مدتين فى مدة انما هو فيها اعتبر فيه الزمان الأخص لعينه لافيها اعتبر فيه الأعمه ولذا والله أعلم لم يتعقبه الشًيخ ولا الصقلى.

وحفى الرحا يوجب نقشها:

ابن العطار: وهو على من هو عليه عرفًا، فإن عدم العرف فعلى ربها.

ابن حبيب وابن أبى زَمَنَين: عرفنا على المكترى.

قُلتُ: هو بناء على أن وقته معروف عادة وإلا امتنع كمنعها شرط تطيين البيوت كلما احتاجت.

المتيطى: أنكر ابن الهندى منع بعضهم كراء منصب الرحا فارغه من آلتها على أن يجعلها المكترى مستدلآ بإجازة المانع كراءه على أن يبنى فيه رحى يبقيها أعوامًا.

قال: وهذا أعظم من كراء المنصب.

ص: 266

قُلتُ: قد يفرق المانع بأن معنى صورة المنع عنده أن مقصود الكترى بكرائه مجرد منفعه الماء، وفيها: ما ظاهره منع ذلك فى التجارة لأرض الحرث منها من بنى فى أرضك على نهر لك رحى فلك عليه كراء الأرض، فأما الماء فلا كراء له وفى الجعل والإجارة منها لا بأس أن تواجر حافتى نهرك ممن يبنى عليهما بيتًا أو ينصب رحا فما منعه هو مقتضى الأولى وما أجازه هو نص الثانية، فقال الصقليفى مسألة كتاب التدارة: يريد: على انفراده وتقوم الأرض كم يسوى كراؤها على أن فيها هذا الماء حسبما كانت عليه، قال الشًيخ.

الصقلى: لأنه لو كان ماؤك يجرى فى أرضه لأرض لك تحت أرضه لكان له أن ينصب عليه رحى فى أرضة إن لم يضر بك فبان أن الماء ليس له كراء فى مثل هذا.

المتيطى: وشروط نقد كراء الرحى فى العقد جائز فى المأمون جرى مائها وثبوت سدها فاسد فى غيرها.

فى أحكام ابن سهل: عقد ابن دحون قبالة رحى على نهر قرطبة لمدة عينها على أن تطوع المتقبل ينقد الكراء آخر العقد، وعلم أن الرحا يتعذر طحنها فى الشتاء، وإنما يستقيم بالصيف فأرد استغلالها بالشتاء، وطلبه عند صاحب السوق أبى على بن ذكوان فشاور فى ذلك فأفتى القرشى بأن القبالة لاتجوز؛ لأ ن الرحة غير مأمونة، وأفتى ابن حرج بصحتها وأنها مأمونة وله استغلالها فى الشتاء، وقال ابن عتاب: ذكر طوعه بالكراء فى آخر العقد يوجب كونه فيه فخرج عن كونه طوعًا إلى كونه شرطًا فى العقد، فإن أثبت القائم أنها غير مأمونة فسخت.

ابن سهل: هذه أجوية مختلفة ليس لها تفسير.

قُلتُ: الأظهر الجواب الأول؛ لأن قوله: يتعذر طحنها فى الشتاء؛ نص فى نقصه مه إبهام قدره، وهذا غرر فقد دخلا على عدم الأمن فلا تفتقر لإثباته فتأمله، وفيها: لمن اكترى أرضًا ثلاث سنين فزرعها ثم غارت عينها أو انهدم بئرها، وأبى ربها إصلاحها أن ينفق عليها حصة تلك السنة فقط من الكراء، وما زاد عليه فهو به متطوع.

الصقلى: عن محمد إن كان قبضه ربها غرمه فإن كان عديمًا فللمكترى إنفاق قدره

ص: 267

ويتبعه به، وإن كان ذلك فى السنة الثانية قله إنفاق حصتها، ولا ينفق عليها شيئًا من حصته الأولى، فإن كان ذلك قبل أن يزرعها، فقال أشهب: لا شئ على ربها وللمكترى الفسخ فإن أنفق من عنده فلرب الأرض كراؤه كاملآ ولا شئ للمكترى فيما أنفق إلا فى نقض قائم من حجر ونحوه ويطيه فيمته منقوضًا أو يأمره بقلعه.

قُلتُ: يجرى الحكم بأن له ذلك، ولو كره رب الأرض أو يأمره على ما تقدم فى ذهاب الرحا يسيل، وفى قيمه النقض على ما تقدم فى بناء المكترى بإذن رب الدار أو بغير إذنه.

اللخمى: هلاك الزرع إن كان لقحط المطر أو لتعذر ماء البئر أو العين أو لكثرة تشوع ماء المطر أو لدود أو فأر سقط كراء أرضيه كان هلاكه فى الإبان أو بعده، وإن هلك لطير أو جراد أو جليد أو برد أو جيش أو؛ لأن الزريعه لم تنبت لزم الكراء هلك فى الإبان أو بعده، وإن غرقت الأرض فى وقت لو انكشف أعاد زراعتها سقط الكراء والإ فلا؛ لأن مقام الماء عليها فى الإبان كغاصب حال بين المكترى وبين منافع الأرض، وبعد الإبان كغاصب أفسد الزرع، وإن كان يقدر على إعادة بعضها أو زال سقط مناب ما كان يقدر على حرثه، وأرى إن غرقت بعد لإبان ثم ذهب عن قرب بعدما أفسد الزرع، ثم لم تمطر بقيه السنة وعلم أنه لو لم يفسد بم يتم سقط كراؤها، واختلف إن أذهبه السيل، فروى محمد عليه الكراء، وقال يزيد: إن أذهبه بعد الإبان وأرى إن أذهب السيل وجه الأرض قبل الإبان أو بعده أن لا كراء عليه؛ لأن منفعة الأرض فى وجهها وهو المكترى وهو المقصود.

قُلتُ: قوله: اختلف يدل على قولين ولا ثانى لما ذكر إلا اختياره.

نقل ابن رُشْد: اهتياره قولا.

قال: واختلف إن نبت فى أرض من جره إليها ففيها: هو للثانى ولابن سَحنون عنه: إن جره قبل نباته وبعده لزراعه، وقال: ايضًا للثانى وعليه للأول فيمته مقلوعًا وقيل: للأول مطلقًا وعليه كراء الأرض وهو أحسن؛ لأنه ملكه نبت فى أرض غيره بشبه، إن انتثر للمكترى فى حصاده حب فى الأرض فنبت قابلًا فهو لرب

ص: 268

الأرض كزرع سيل لأرض غير زارعه.

اللخمى: هذه بخلاف الأولى؛ لأن هذا هو الشأن أن ينتثر منه، ويذهب عنه أنه لا حق له فيه ولو لم يحصده وأتى عليه برد بعد تمامه فأنتثر، ونبت قابلًا كان على الخلاف المتقدم هل يكون للأول أو للثانى.

قُلتُ: مسألة جر السيل الزرع فى سماع عيسى ابن القاسم فى كتاب السداد والأنهار من تفتقيت أرض جنانه عن عرق من أصل شجرة جنان جاره، فإن كان لربها فيه منفعه إن قلعه لغرسه فله قلعه، وإن لم يكن له فيه نفع ولا عليه فيه مضرة فهو لرب الأرض إلا أن يكون قد بلغ بحيث يكون له ثمن كخشبة أوحطب فيكون له على رب الأرض ثمنه مقلوعًا.

عيسى: إلا أن يكون بقاءه بحاله يضر الشجرة التى هو منها فلا يكون له ذلك إلا برضى ربها.

ابن رُشْد: قول عيسى: تفسير، ولابن القاسم فى المجموعة: إلا أن يشاء الذى ظهرت فى أرضه قطع بحروقها المتصله بشجر الأول حتى لا يضرها، ويعطيعه قيمتها مقلوعة فذلك له، وهو تفسير لقول عيسى، ومن حقه قطع عروقها المتصلة بشجر الأول بها، وأن أضر بالشجرة التى هى منها؛ لأن له قطع ما ظهر من أرضه من عروض شجرة غيره كما له قطع ما دخل فى هواه من أغصان شجرة غيره.

قُلتُ: قإن قيل: كون الثابت بأرض الجار لرب الشجرة، خلاف قولها الحب لمن جره السيل لأرضه بجامع ملك المحل فيهما فرق بان الثابت من الشجرة متصل بها فهو كغصن منها مسأله البذر هى سماع عيسى ابن القاسم قال: الزرع لرب الأرض؛ لأنسنته قد انقضت لقول مالك فى حمل السيل بذر أرض رجل إلى أرض غيره فصار بها زرعًا فهو له دون الأول.

ابن رُشْد: قول ابن القاسم: فيمن انتثر زرعه كقوله فيها وقياسه على قول مالك صحيح؛ لأن البذر مستهلك فى المسألتين لايقدر ربه على أخذه من أرض صاحب الأرض مثل فى المدَوًنه سواء؛ لأن معنى قوله فيها: حمل السيل زراعه إلى أرض رجل

ص: 269

آخر فنبت فيه أنه حمل بذره إلى أرض رجل آخر فنبت فيه؛ إذ لا ينبت الزرع إنما ينبت البذر، ودليل هذا سماع أيضا لنصه: على سبيل إنما ذهب بالبذر لا الزرع ولو ذهب بالزرع بعد ظهوره ففى كونه لرب الأرض وعليه قيمته مقلوعا إن كانت له قيمة أو لربه وعليه كراء الأرض ما لم يجاوز الزرع فيكون له تركه لرب الأرض ثالثها، إن لم تكت فيه منفعة فهو لمن جره السيل إليه، وإن كانت له قيمة فهو لربه وعليه كراء الأرض لروايته عن سحنون، ولابنه عنه فى كتاب المزارعة مع قوله فى كتاب ابنه، ولا يكون كالمخطاء والمخطاء كعامد ولا يكون أسوأ حالا من المكترى للأرض مدة تتم وله فيها زرع أخضر علم حين زرعه أنه لا يطيب فى المدة.

قال مالك: له زرعه وعليه كراء زيادة المدة، ولابن وضاح عن سحنون: وقيل: إن جره السيل وهو بذر، وهو لربه وعليه كراء الأرض وهو بعيد، وفيها: من اكترى أرضا سنة فحصدت زرعه قبل تمام السنة فالسنة فى أرض المطر الحصاد، وذات السقى التى تكرى على المشهور أو السنين فللمكترى العمل لتمام السنة، فإن تمت وله فيها زرع أخضر وبقل فليس لرب الأرض قلعه، وعليه تركه لتمامه، وله فيها بقى كراء مثلها على حساب ما أكراها منه.

قال غيره: أن بقى من السنة بعد حصاده ما لا يتم فيه زرع فلا ينبفى أن يزرع، فإن فعل فعليه فى زيادة المدة الأكثر من الكراء الأول أو كراء المثل.

عياض: قيل قوله: له كراء مثله على حساب ما أكرى تناقض، وطرح سحنون فى رواية يحيى قوله: على حساب ما أكرى، واختصرها الشيخ وغيره: لا على حساب ما أكرى، وكذا وقعت فى سماع أبى زيد فى زيادة مدة كراء الدار له كراء المثل لا بحساب الكراء الأول.

وفى المدونة من كراء الرواحل: فى التعدى فى المسافة له كراء مثلها لا على الأول.

وفى اختصار ابن أبى زمنين: له فى كراء أرضه على حساب ما أكرى منه، والقولان فيهما وفى نظائرها معروفا، وفى سماع عيسى القولان، وقال ابن لبابة: لفظها إشارة إلى القولين معا.

ص: 270

قال: ويحتمل أن السامع ظنهما قولا واحدا ولم يحصل فوضعها بهذا اللفظ، وما فى العتبية يدل أن جواب الكتاب جمع فيه القولين، ولم يفصل بينهما فالتبس الجواب وصحح بعضهم لفظ الكتاب بأن ينظر لقيمة الزيادة من قيمة كراء السنة فيعطيه على حسابه مما أكرى به لدخولها على الانتفاع بالأرض، وعلما أن بعض البطون تتقدم وتتأخر لطرو العاهات.

قلت: هو قول الصقلى قال: ومعناه أن تقوم الزيادة إن قيل: قيمتها دينار وقيمة كراء السنة خمسة دنانير كان عليه فى الزيادة مثل خمس كراء السنة.

اللخمى: فيما بقى من زرع بعد مدة الوجيبة ثلاثة ابن القاسم وتترك لتمامه ولرب الأرص كراء المثل، وفى رواية كراء المثل بحساب ما أكرى وقال غيره: إن بقى من المدة ما لا يتم فيه الزرع فلا يزرع، فإن تعدى وزرع فعليه فى الزائد الأكثر من كراء المثل، أو بحساب ما أكراه ابن حبيب: إن زرع عالما أنه لا يتم فى بقية مدته فهو متعد لرب الأرض حرثها وإفساده وإقداره بالأكثر من المسمى أو كراء المثل، وإن زرع طانا تمامه لتمام أمد الوجيبة فجاز بالأيام، والمشهور لزوم إقراره بمثل الوجيبة، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن الشهر الباقى داخل فى الكراء من حق المكترى إذا كان لا يتم فيه البطن أن يحط ما ينوبه من المسمى إلا أن يتراضيا أن يكريا ذلك البطن، ويقسما الكراء على ما لكل منهما فيجوز بعد معرفة ما ينوب كل واحد منهما قبل العقد، فإن بادر لزراعته لم يحكم عليه بحكم التعدى؛ لأن له فيه شركا وهو الشهر الأول وعليه الثانى كراء المثل لعدم إقراره بالرضى فيه بالمسمى، ويختلف إن رضى فيه بالمسمى هل يلزمه ذلك؟ أو يرد فيه لأجر المثل؛ لأنه حين التزامه لم يعلم ما ينوبه من جملة السنة فهو كجمع الرجلين سلعتيهما فى البيع.

الصقلى: عن ابن حبيب: إن بقى من المدة شهران وما لا ينتفع فيه بالزرع وهى أرض زرع فليس للمكترى أن يحرث فيها زرعا إلا باكتراء مؤتنف، ولا يحط عنه شاء ولربها حرثها ولو كره المكترى؛ لأنه مضار فى منعه فإن زرعها المكترى علم انقضاء الوجيبة فذكر مثل ما تقدم.

ص: 271

قال: وإن كانت من أرض البقل فله الانتفاع لتمام الوجيبة، فإن انقضت ولم يبلغ بقله فذكر مثل ما تقدم فى الزرع.

ابن الحاجب: إن زرع أضر مما له فللمالك قلعه، أو أخذ ما بين القيمتين مع الكراء الأول.

قلت: تقدم القول فيه فى فصل ما تقتضى به منفعة المكترى ونقل الباجى والمتيطى فيه ابن عبد السلام قوله له قلعه هذا إن عثر عليه قبل طيبه ولو كان بعده لم يكن له قلعه.

قلت: قوله: قبل طيبه نص، أو ظاهر فى أنه إن كان بعد الإبان، وقبل طيبه أنه قلعه ولا أعرفه، وحال المكترى فى حرثه الأرض كبعض أقسام مسألة: من حرث أرض غيره وحاصل تحصيلها فى المقدمات فى بيان قولى ابن القاسم وغيره فيها: إن قام ربها فى الإبان، وأقر الحارث بالعداء فلربها أمره بقلعه إن كان ينتفع به، ولا يجوز له أخذه بقيمته مقلوعا؛ لأنه بيع له قبل بدو صلاحه، وأجازه التونسى لدخوله فى ضمانه بالعقد؛ لأنه فى أرضه فلا غرر.

قلت: هو خلاف نصها: إن انقضت السنون ولمكترى الأرض بها زرع لم يبد صلاحه لم يجز لرب الأرض شراؤه.

ابن رشد: وأن لم يكن ينتفع ب فلربها أخذه مجانا، وإن ادعى حرثها بعلمه لا باكتراء فإن حلف ربها ما علم بحرثه فكما مر، وإن نكل يحلف الحارث وبقى له زرعه ولزمه كراء المثل، وإن ادعى حرثها باكتراء منه فإن حلف ربها على نفيه فكما مر فإن نكل حلف الحارث، ولو كان ما أقر به من الكراء أكثر من كراء المثل ليثبت بحلفه بقاء زرعه، وفى حلفه مطلقا أو ما لم يدع ما لا يشبه قولان للمشهور، وقولها فيحلف قال: وقعت المال بضاعة ونكل حلف مدعى قبضه قراضا إن كان مثله يقارض.

قلت: هما بناء على ترجيح تمكين المدعى بنكو له عموم قبول حلفه على تكذيبه العرف فى دعواه، وعكسه كبيبة بتكذيبه.

ابن رشد: وإن ادعى كراءها وحرثها بعلم حلف ربها على نفيها، وخير فى أخذه بما

ص: 272

أقر به من الكراء أو أخذ أرضه إن كان فيه منتفع، وفى جواز أخذه بقيمته ما تقدم للتونسى والمشهور، وإن لم يكن فيه منفعة وجب لرب الأرض ولم يجز تركه للمكترى بما أقر به ولا بكراء المثل؛ لأنه بيع له بما يأخذه من الكراء وإن نكل حلف الحالف وقبل قوله، وإن لم يشبه على ما مر فإن نكل أخذ رب الأرض أرضه، ولو قال: احلف ما علمت حرثه لا على ما أكريت منه لم يكن لحلفه معنى، إلا أن ينكل الحارث عن اليمين فإن نكل قيل لرب الأرض: احلف ما علمت بحرثه إياها وخذها واقلع الزرع إن شئت، وإن قال رب الأرض احلف ما أكريت إلا على ما علمت بحرثه إياها لم يمكن من حلفه على ذلك عن ابن القاسم؛ لأنه إن نكل عن حلفه ما علمت بحرثه إياها وجب أن يحلف الحارث لقد علم بحرثه وإذا حلف عليه كان كقيام بينة بذلك أو إقرار به، وكلما ثبت أحدهما كان شبهة توجب قبول قول الحارث أنه اكتراها بكذا إن أشبه ذلك كراء المثل فيحلف الحارث إن نكل رب الأرض عن الحلف ما علم بحرثه على علمه به وعلى اكترائه إياها منه بكذا إن أشبه ما ادعى كراؤها، وإن لم يشبه لم يصدق فى ذلك وحلف ربها ما أكرها منه واستحق كراء مثلها ولم يكن له قله زرعه إن حلف الحالف أنه حرثها بعلمه، فإن نكل فيه كان لرب الأرض أخذها وقله الزرع، وإن قامت للحارث بينة بحرثه الأرض بعلم ربها فالقول قوله مع يمينه فى الكراء إن أشبه وإلا حلف ربها واستحق كراء المثل، فإن نكل فالقول قول الحارث وإن لم يشبه وإن كان ما أقر به الحارث من الكراء ككراؤ المثل فأكثر فلا يمين عليه، هذا قول ابن القاسم فى المدونة وتسويته فيها بين قيام البينة للحارث على علم رب الأرض بحرثه أو نكوله فى قبول قول الحارث بيمينه فى الكراء إن أشبه إنما يريد: أن نكل عن اليمين ما حرثها بعلمه ومعرفته أما لو نكل عن الحلف على أنه لم يكرها منه فالقول قول الحارث ولو لم يشبه اتفاقا بينهم إلا ما تقدم من مسألة القراض، وغير ابن القاسم فى المدونة لم يرى حرثه الأرض بعلمه شبهة توجب قبول قوله فى الكراء وجعل القول قول رب الأرض مع يمينه أنه ما أكراها، فإذا حلف استحق كراء المثل وإن كان ما أقر به المكترى أكثر من كراء المثل فلا يمين على واحد منهما، وسواء على قول الغير علم أو لم يعلم لا يحلف على

ص: 273

مذهبه ما علم بحرثه، إنما يحلف ما أكراها منه ويستحق كراء المثل فإن نكل حلف الحارث، ولو أتى بما لا يشبه ولو قام بعد الإبان فإن صدقه ما أكرى منه فله كراء المثل دون حلف ادعى حرثه بعلمه أم لا، وإن ادعى أنه أكراها منه لا أنه حرثها بعلمه حلف ربها وأغرمه كراء مثله، فإن نكل حلف الحارث على ما ادعى من الكراء، وإن ادعى الأمرين حلف ربها على نفيها معا وأخذ كراء المثل، وأن نكل عنهما أو عن أنه لم يكن منه حلف الحارث على ما ادعى من الكراء ولو كام ما أقر به أكثر من كراء المثل فلا يمين على واحد منهما، فإن نكل ربها عن الحلف ما حرثه بعلمه حلف الحارث على قول ابن القاسم: لقد حرثتها بعلمه واكتريتها بكذا إن أشبه ذلك وإلا حلف رب الأرض ما أكراها منه وأخذ كراء المثل، وعلى قول غيره: يحلف رب الأرض ما أكراها منه ويأخذ كراء المثل.

اللخمى: إن حرثها بعلم ربها فلا يحكم فيه بحكم التعدى اتفاقا فإن ادعى الكراء بقدر كراء المثل أخذ به دون يمين، وإن ادعاه بأقل ففى قبول قوله: إن أشبه بيمينه أو قول ربها فيأخذه بكراء المثل.

قولا ابن القاسم وغيره: وإن حرثها بغير علمه ففى كون اختلافهما شبهة تنفى حكم التعدى أو لا.

قولان لغير ابن القاسم: وله قائلا: والقول قول ربها إن حلف وهو فى الإبان ولا منفعة فى الزرع فله أخذه مجانا، وإن كان فيه منفعة فلربه قلعه ولربها أمره به وفى جواز أخذه بقيمته مقلوعا قولان والأول أحسن، لا يدخله النهى عن بيع الزرع قبل بدو صلاحه؛ لأنه فى بيعه على البقاء مزيد فى الثمن لمكان البقاء مع جهل سلامته وهذا يأخذه بقيمت مقلوعا لم يزد للبقاء شيئا، وإن أحب إقراره بالكراء قبل أن يكون فى قلعه منفعة دخله بيع الزرع قبل بدو صلاحه على البقاء؛ لأنه صار لرب الأرض إلا أن يقصد إثبات التعدى، ويرى رأيه هلى يأخذه بالتعدى أو يمضيه له ويطلب بالكراء فيجرى على القولين فيمن خير بين شيئين، وإن كان فى قلعه منفعة فأقره لربه بكراء جاز على منع أخذه بقيمته مقلوعا ويخالف على إجازته، فإن قدر أنه لم يختر الأخذ جاز وإن

ص: 274

قدر أنه لما ملك أخذه كأنه أخذه ثم انتقل لتسليمه لم يجز، والأول أحسن وعلى قول غير ابن القاسم: إنما مقاله فى الكراء حسبما تقدم، وفيها: إن جاء مكترى الأرض لزرعها من الماء ما كفى بعضه وهلك بعضه فإن حصد ما له بال وله فيه نفع فعليه من الكراء بقدره ولا شاء عليه إن حصد ما لا بال له ولا نفع له فيه.

اللخمى: لمحمد عن ابن القاسم إن سلم مثل الخمسة فدادين والسته من المائة وشبهها فلا كراء عليه؛ إن كان ذلك مفرقا فى الفدادين؛ لأنه كالهالك وكثير من الناس لا يتكلف جمع مثله ولو سلمت الخمسة على المعتاد من سلامتها لزم كراؤها، ولو قحط المطر عن بعض الأرض قبل الزراعة لزمه ما سلم إلا أن يقل فيكون له رده، وذكر الصقلى ما فى الموازية ولم يقيده، وقال: ولعله قدر زريعته فكأنه لم ينتفع بشاء.

ابن العطار: إن وجد مثل البذر فلا كراء عليه.

ثم قال: ولو وجد أكثر منه بقدر نفقة حرثه فى كراء عليه والأول أبين؛ ومعنى قولها جاءه ما كفى بعضه يشبه أن يكون ماء البئر يلحق ما بقى من مائها بعض الفدادين دون باقيها زاد، وأما المطر فكأنه لا يصح هذا فيه.

قال: ولو أتى الجراد فى إبان الحرث وعلم الناس إن زرعوا أكله الجراد فامتنعوا فلا شاء عليهم فى المدة التى تركوا فيها الزراعة خوف الجراد.

قال: ومن اكترى أرضا تزرع بطونا فلما زرع أكل زرعه الجراد وكثر حتى خاف فلم يزررع ثم لما خف فأكل الجراد ما زرعه أيضا.

قال: إنما عليه من الكراء بقدر ما أقام الزرع الأول فلا شاء عليه فى باقى المدة؛ لأنه جاء ما منعه الزرع.

ابن فتوح: إن رفع من الأرض فى قحط المطر ما لا بال له سقط عنه الكراء، وإن رفع ما له بال لزمه الكراء بحسابه، وتفسيره أن ينظر إلى ما يقوم من تلك الأرض على التوسط والتوسط حمل السنين بعضها على بعض، فإن قبل يقوم للحبة ست حبات على التوسط فما رفع من الست حبات لزمه ذلك، وإن رفع الحبات الست لزمه كل الكراء، وإن رفع الحبة حبتين لزمه ثلث الكراء.

ص: 275

وزاد المتيطي: وقال غيره: إن رفع ما بذر دون زيادة لم يلزمه شاء.

قال بعض الموثقين: لو قال قائل لا يلزمه فى الحبتين شاء كان صوابا؛ لأن فى تكلفة الحرث والزراعة والحصد والدرس أكثر من ذلك.

وانتقاء مدة كراء الأرض لغرس شجر أو بناء وهو بها مقتضى قولها، ونص اللخمى غيره: لربها أمره بقلعها وأخذها بقيمتها مقلوعا، وهو نص منفعتها فى اكترائها لغرس شجر.

زاد ابن شاس: بعد طرح أجر الإخلاء إن كان المستأجر يحتاج للاستئجار عليه.

قلت: انظر فى العارية تمامه.

عبد الحق عن غير واحد من القرويين: إن كان بالشجر حين انقضاء مدة الكراء ثمر غير مأبور لم يجبر رب الأرض على بقاء الغرس وله أمره بقلعه، وإن كان مأبورا جبر على بقائه بقيمة كرائه لفساد الثمن بقلعه، وفيها: إن انقضت المدة وفيها شجر فلمكتريها إكراؤها، ولو كان مكتريها اكتراها لغيره فانقضت المدة وفيها شجر فلمكتريها أولا اكتراؤها، فإن أرضاه الغارس وإلا قلع غرسه.

قال غيره: لا ينبغى ذلك حتى يتعامل الغارس وربها على ما لا يجوز إلا أن يكريك أرضه على أن يقلع عنك الشجر.

التونسى: إن علل قول الغير بأن تمكن المكرى من أخذ الشجر بقيمته عاجلا مع ثبوته له عند انقضاء مدة الكراء الثانى منضما لتمكن المكترى الأول من اخذه بقيمته يوجب تهمة رب الأرض على أنه إنما أكراها منه ليسلفه قيمة الشجر على أن يدفعها لربها حتى ينقضى أمد كراء الثانى لزم مثله فى إكرائها ممن له الشجر بها والسلف هنا تأخير اقتضاء قيمتها، فإن قيل: إنما أخذ الشجر بقيمتها لرب الأرض لا للمكترى منه فائدة جهل المكترى قدر الأرض إن أخذ ربها الشجر كان المكترى منها ما سوى محل الشجر، وإن لم يأخذها كان بيعها قبل لو كانت العلة هذه كان المنع متفقا عليه، فإن قيل رب الأرض: أسقط حقه فى الشجر فلا قول لمكترى الأةل فى أخذه قيل: لا ضرر على الغارس فى ذلك، والمكترى حل محل رب الأرض، وهو نص ابن القاسم

ص: 276

بمراضاته، فابن القاسم ألغى التهمة على السلف لبقاء الغرس على ملك غارسه، وإنما يؤخذ ربها حين انقضاء المدة الثانية بقيمته يومئذ.

قلت: مال قول تعقب قول الغير ببطلان لازم عليه المنحصر تعليله فيها وزعمه الانحصار فيما ذكر يرد بجواز تعليله بأنه كراء مشتمل على بيع محض فى مالى فوجب منعه، كبيع الشفعة وبيع مبتاع سلعة بخيار من مبتاع آخر على أن له الخيار فيها على بائعه الأول؛ لأن المكترى أجيرا يدفع الكراء على أمرين انتفاعه بالأرض المدة المعلومة وتمكنه من أخذ الشجر بقيمته كما كان ذلك لرب الأرض، وهذا لا يجوز لكنه تبع، فابن القاسم ألغاه لتبعيته والغير اعتبره؛ لأنه مما يقصد، وعلل اللخمى قول الغير بما زعم التونسى أنه يوجب الاتفاق على المنع، ثم قال: وحمل ابن القاسم الكراء على كل الأرض، وأنه أسقط حقه فى الغرس، ويختلف إن أسقط حقه فى الغرس وأراد المكترى الثانى أخذه بقيمته مقلوعا هل له ذلك وبيانه فى الشفعة، وفيها: لو صالح المكترى رب الأرض حين انقضاء المدة على بقاء الغرس عشر سنين بنصف الشجر لم يجز؛ لأنه أكراها ينصفها يقبضها لعشر سنين، وقد لا تسلم ولو قبله له الآن جاز.

قال غيره: لا يجوز؛ لأنه فسخ دين فى دين.

التونسى: قول الغير هنا أبين؛ لأنه أخذ نصف الشجر فوجب عليه فيه بمن اعطى عنع بقاء نصف الأرض بيد المكترى، وقرره اللخمى: بأنه بنى على أن من خير بين شيئين يعد منتقلا.

قال: وأرى أن يوكل لأمانته ويعلم أنه متى اختار أخذها بالقيمة لم يجز أن يدفع عن ذلك منافع ويجوز على قول أشهب، وعلى القول بفساده يفسخ البيع فى المبيع إن كان معينا ما لم يتغير فيمضى بالقيمة يوم العقد الثانى؛ لأنه مقبوض فى أرضه، ولو قال: على أن له نصفه من الآخر شائعا ولا قسم حتى تنقضى الإجارة فتغير لذلك لم يكن فوتا؛ لأنه غير ممكن منه، وقيل هو فوت والنصف الآخر باق على ملك ربه، وفيها لو تمت المدة وفى الأرض لمكتريها زرع لم يبد صلاحه لم تجز لرب الأرض شراؤه.

قلت: تقدم قول التونسى ونقل اللخمي.

ص: 277

وفيها: وإنما يجوز بيع زرع أخضر بشرطه مع الأرض فى منفعته، وكذا الأصول بثمرها تقدم حكم الثمر فى البيوع.

اللخمى: فى جواز شراء الزرع بعد شراء الأرض، ثالثها إن قرب ولم يعزها قال: والمنع أصوب ولو وهب الأرض لم يجز لمن وهبت له شراء زرعها، ولو اشترى رب الأرض زرعها ولم يعثر عليه حتى تغير بنماء أو عامة لكان من زراعه، وإن كان سقيه على مشتريه، وكذا قال ابن القاسم: جائحة العرية من المعرى، وإن كان سقيها على رب النخل، وفيها: إن عطبت الدابة بزيادة مكتريها على ما شرط ما تهلك بمثله فلربها أخذه بكراء الزيادة مع ما بلغ مع الكراء الأول أو قيمة الدابة يوم التعدى ولا كراء له.

الصقلى: يريد: أن زاد بعد سير بعض الطريق فله منابه من الكراء الأول مع قيمة الدابة يوم التعدى، وفيها: إن زاد ما لا تعطب فى مثله فله كراء الزيادة مع الكراء الأول.

الصقلى: بخلاف تجاوزه المسافة؛ لأنها تعد كلها فيضمن فى قليلها وكثيرها والزيادة فى الحمل مختلطة بالمأذون فيه وصفة كراء الزيادة فى الحمل إن وجبت هو قيمة كراء الزيادة على الدابة على حال ما تعدى عليها، وقال بعض أصحابنا: يكون له الكراء الأول وفضل الضرر كمن اكترى لحمل شاء فحمل أضر منه فإنه يكون له فضل الضرر.

الصقلى: ليس كذلك؛ لأن من زاد فى الحمل حمل مل أذن له فيه، وزاد: وإن حمل غير ما أكراها له كمن ركبها فى غير الطريق التى أذن له فيها وكل محتمل؛ لأن الذى أردف حمل أكثر مما اكتراها له فكان كمن حمل رصاصا مكان بز فيكون له فضل الضرر إن كان كراء المسمى حمله عشرة وكراء ما حمله خمسة عشر فله المسمى وزيادة خمسة.

قال بعض القرويين: الأشبه إن عطبت فيما لا يعطب فى مثله أن يضمن؛ لأنه سيرها على غير ما أذن له فيه فأشبه الزيادة فى المسافة وما ذكرنا من الفرق يرده.

وفيها: وأما زيادة الحاج فى الزاملة ما تعطب فى مثله، فقال مالك: ليس الحاج كغيره عرفت له زيادات من السفر والأطعمة لا ينظر فيها المكرى، ولا يعرف ما حمل

ص: 278

لا ضمان في ذلك إن كان المكرى رآه.

وحمله الصقلى: يريد: ولو لم يره الجمال لضمن؛ لأنه زاد ما تعطب فى مثله.

اللخمى: أجاب مالك إن كان هو الذى حمل ولم يجب إن لم يحمله وهو مشكل يصح أن يضمن بزيادته وأن لا يضمن؛ لأن الكرى فرط بعدم اختباره.

وقوله: فى هلاكها بزيادة ما لا تعطب بمثله؛ يريد: إن حملها بالبلد لم يخرج عنه ولو هلكت فى حال حملها، وإن شك هلى هلكت بالزيادة وهلكت حال حملها أو بقرب زواله ضمن على قول ابن مسلمة بخلاف العبد؛ لأنه يشكو ما نزل به فسكوته دليل السلامة والدابة ينزل بها ما يهلكها فلا يعلم حتى تهلك.

وقد قيل: لا ضمان عليه وأرى أن يغرم نصف قيمتها -كذا وجدته فى نسختين إحداهما عتيقة مصححة، وفى بعض النسخ قيل: بدل ففقل-: وإن علم أن هلاكها بالتعجى وحمل الحادى عشر على العشرة ففضه فى كل نقله فلربها أن يغرمه قيمتها أول نقلة ولا كراء له أو يأخذ المسمى وكراء الزيادة ولا قيمة له، ولو قيل: له قيمتها من الوقت الذى خشى فيه عليها من التمادى وله فيها تقدم من النقلات ما ينوبه من المسمى وكراء الزيادة لكان وجها.

قلت: هذا هو الأظهر لا الأول وتشبه مسألة العريش.

وفيها: وكذلك الرديف فيما ذكرنا.

اللخمى: إن سلمت فلربها المسمى وكراء المثل فى الرديف، وإن حدث بها عيب يسير فالمسمى، وفى الرديف الأكثر من كراء المثل أو قيمة العيب إن لم يعب ركوبها.

قلت: لم يجب عن مفهوم أن لم يعب ركوبها، وجوابه: إن اختار قيمة الركوب أن تكون قيمته على أنها معيبة من حين حدوث عيبها، وإن اختار قيمة العيب سقط منابه من المسمى.

قال: وإن كان العيب كثيرت خير فى أخذ قيمة الرقبة ولا شاء له من الكراء أو المسمى والأكثر من كراء الرديف وقيمة العيب، وكذا إن هلكت إذا عيبت عن تمادى الثقل، وإن كان عثارا عرض لشدة الثقل فى آخر يوم فله المسمى وكراء المثل للأيام

ص: 279

الفارطة وقيمتها لآخر يوم، فإن وجبت القيمة والمكترى عديم والرديف مو سر فإن علم أنها بيده باكتراء، وإن ارتد أنه يخشى عليها منه ضمن قيمتها، وإن جهل أنها باكتراء غرم نصف قيمتها؛ لأن هلاكها منهما، ويختلف إن كان الغالب السلامة فهلكت بركوبهما هل يضمن؛ لأن هلاكها من باب الخطأ كمن اشترى عبدا فقتله خطأ ثم استحق اختلف فى ضمانه، والجواب فى زيادة الحمل كالرديف فى سلامتها وعيبها، وفيها: إن زاد المكترى على غايته ميلا ونحوه فعطبت فلربها كراؤها الأول، وخير فى قيمة كراء الزائد وقيمة الدابة يوم التعدى، ولو ردها بحالها بعد ميل أو أميال أو حبسها يوما ونحوه لم يضمن إلا كراء زيادة الأمد.

الصقلى: عن محمد قيل: أنه ضامن ولو زاد خطوة، وروى ابن القاسم: يضمن بزيادة الميل ونحوه لا فيها يعدل الناس إليه فى الرحلة.

قلت: قوله: (قيل: منهم وسمع عيسى ابن القاسم: إن زاد فى حملها ما تعطب به ضمنها كمن اكترى دابة لموضع ثم تعدى بها لغيره) ضمنها ولو خطوة واحدة.

ابن رشد: هذا كقولها إن تعدى الزيادة لا يضمن به إلا أن يكون مما يعطب بها ويضمن فى زيادة المسافة، ولو قلت: لأنه صرف عداء لم يأذن فيه.

وفى زيادة الحمل مأذون له فى تسييرها وسوى التونسى بينهما؛ لأنه لم يأذن له فى تسييرها على غير الصفة المأذون له فيجب أن يضمنها إذا سيرها على غير ما أذن له فيه.

قلت: ظاهره أنه رد زيادة الحمل إلى الزيادة فى المسافة، وللتونسى فى كتاب العضب: ينبغى أن لا يضمن فى المسافة إلا أن يكون مما يعطب فى مثلها كقولها فى العبد الرهن: إن أعاره لمن استعمله لا يضمن إلا أن يكون عملا يعطب فى مثله، وقال سحنون: ولو زاد على ما أذن له من المسافة فهلكت الدابة بعد رجوعها لها ففى ضمانه ثالثها إن كثرت الزيادة.

الصقلى: فى كتاب العضب وعن سحنون قائلا: كمن رد ما تلف من وديعة، ثم هكلت وكمكتر زاد ما تعطب به ثم أزاله ثم هلكت وابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ.

ص: 280

الصقلي: هذا أحسنها، وفيها: إن حمل على الدابة أضر مما شرط ضمن، ولربها إن شاء كراء الفضل أو قيمة الدابة، وكذا إن طحن ما هو أضر.

اللخمى: فى القيمة طريقان إحداهما فضل قيمة كراء الأضر على قيمة كراء ما أكريت له مع المسمى الثانية قيمة كراء الزائد من الأضر على قدر ما تكرى لحمله منه بقيمة كراء ما اكتريت له على أنها محمله بهذا القدر.

قال الصقلى: صفة كراء الفضل فذكر الأول قال: وقال بعض شيوخنا: له قيمة كراء الثانى ما بلغ ويسقط الأول وليس شاء، إذ قد تكون قيمة كراء الأضر أقل من الكراء الأول لتغابن فيه وأظنه رأى.

قول محمد فيمن أكرى الدابة فى أيام معينة واستعملها فى غير ما اكتراها له بغير إذن ربها أو وقفها حتى ذهب الوقت: قال ابن القاسم: عليه فى وقفها المسمى وفى استعمالها فى غير ما أكريت له وقيمة ذلك أكثر من قيمة ما اكتراها به فالفضل لرب الدابة، وإن كان أقل لم يكن له غيره.

قال محمد: تفسيره سقوط الكراء الأول ويكون له قيمة الثانى كان أكثر أو أقل ولم يعجبنى بل له الأكثر منهما.

الصقلى: معنى قول ابن القاسم إن كان أقل لم يكن له غيره؛ يريد: غير الكراء الأول؛ لأنه يقول لو أوقفها كان له الكراء الأول فكيف إن استعملها، ومقتضى الأصول أن له فى الأضر الفضل مع الكراء الأول، وفيما هو أخف المسمى؛ لأنه إن رضى به ولا فرق بين يوم معين وغيره، وفرق محمد بينهما، وقال فى غير المعين: عليه فيما حمل كراء المثل، ويلزمه حمل ما شرط بالمسمى وإن كره رب الدابة؛ لأن حمله غير ما أذن له فيه تعديا لا يفسخ الكراء الأول، وليس له أن يغرمه كراء فضل الضرر بخلاف المعين، وهو خلاف المدونة، وله عندى أن يأخذ منه كراء فضل الضرر أو يغرمه قيمة ما حمل، ويحمل الأول بالمسمى خير فى ذلك رب الدابة، ودليلنا أنه لو زاد على قدر ما شرط لوجب عليه كراء الزيادة فى المعين وغيره فكذا فى الأضر؛ لأنه فيه كأنه حمل ما أذن له فيه وزيادة عليه؛ لأن له حمل غير ما أذن له فيه مساويا له فى الضرر، ورب الدابة

ص: 281