الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب المغارسة]
المغارسة: جعل وإجارة وذات شركة في الأصل، وسمع ابن القاسم: من قاضى رجلا على غرس نخل بأرضه على أن له في كل نخلة تثبت جعلا مسمى، وإن لم تثبت فلا شيء له وله الترك متى شاء، فلا باس به إن شرط للنخل قدرا يعرف أربع سعفات أو خمسا.
ابن رشد: المغارسة على الجعل جائزة، وكذا على الإجارة وعلى جزء من الأصل.
وفيها: إن قلت له اغرس لي أرضي هذه نخلا أو شجرا بطائفة أخرى من أرضك جاز ككراء الأرض بالخشب.
وإن قلت له: اغرسها شجرا أو نخلا، فإذا بلغت كذا وكذا سعفة والشجر قدر كذا فالأرض والشجر بينهما نصفين، فذلك جائز، وإن قال: والأصول بيننا فقط، فإن
كان مع مواضعها من الأرض جاز، وإن لم يشترط وشرط ترك الأصول في أرضه حتى تبلى لم يجز ذلك.
ابن رشد: للمغارسة سنة تخصها ليست محض إجارة، ولا جعل تشبه الإجارة بلزوم عقدها، والجعل موقف عوضها على ثبوت الغرس.
وسمع عيسى ابن القاسم: لو قال أستأجرك على غرس أرضي هذه كذا وكذا نخلة إن ثبتت فهي بيننا جاز، وهو جعل لا إجارة له الترك متى شاء، ولو ماتت لم يكن له شيء، ولو لم يكن جعلا ما جاز إذ لعله أن يعمل فيبطل ولا يقدر أن يخرج فيذهب عمله بغير شيء، ولو استأجره على أن يغرس في حائطه هذا كذا وكذا نخلة بنصف أرضه هذه لجاز، وكانت إجارة ولا ترك له حتى يفرغ من غرسه، فإن غرسها وغيبها في أرضه ثبت أجره ولو عطبت.
ابن رشد: قوله: (إن ثبتت فهي بيننا)، يريد: وما ثبت منها فهو أيضا بيننا بأرضه؛ لأنا لو حملناه على ظاهره فإن العامل لا يجب له شيء إلا بثبوت كل النخل، للزم إن ثبت بعضها فقط ألا يكون للعامل فيه شيء، وذلك باطل اتفاقا، ولم يلتفت إلى لفظ الإجارة في قوله أستأجرك لما شرط فيها العمل على حكم الجعل، وهو قوله فيها إنما ينظر مالك إلى الفعل لا القول.
وقوله: إن المغارسة في الأرض على جزء منها لا يجوز إلا على وجه الجعل بأن لا يلزم العامل التمادي وله الترك متى شاء بخلاف المشهور من أنها في الأرض على جزء منها جائز على لزوم عقدها لهما، وإن كان لا يحمله القياس قياسا على المساقاة، وإن كان فيه اعتراض؛ لأن شرط المجاعلة كون الجعل فيها معلوما، والجعل في هذه المغارسة غير معلوم؛ لأنه الجزء الذي شرط له من الأرض بعد غرسها ولا يدري كيف يكون الغرس.
وشرط صحتها: كون الأرض والشجر بينهما وأن تؤقت بشباب قبل الإطعام، في سماع حسين بن عاصم، قلت لابن القاسم: ما حد الشباب الذي وصف مالك.
قال: حد الشجر في ارتفاعها؛ يريد: قدرا معلوما كالقامة ونصفها، وما أشبه ذلك
في سعفات يلقيها الشجر معروفة السعفة بالتحريك غصن النخل، قاله الجوهري، وسمع ابن القاسم جواز أخذها بالإثمار.
ابن رشد: أجازه في هذا السماع وفي رسم الجواب.
وفي الموازية: وله في موضع آخر منها منعه؛ لأنه لا يدري متى تثمر، وإن حدها بأجل دون الإطعام ففي صحتها ومنعها أول سماع حسين بن عاصم ابن القاسم وما في أثنائه مع رواية الواضحة، ولو سكتا على التحديد ففي جوازها ومنعها سماع عيسى ابن القاسم، ابن حبيب وجعله الإثمار.
ومن شرطها كونها في أصل لا في زرع ولا بقل، وفي جوازها في فصل الزعفران الذي يقيم أعواما، ثم ينقطع قول سحنون وسماع ابن القاسم.
سحنون: وتجوز في القطن الذي يبقى السنين العدة لا فيما يزرع كل سنة.
ابن حبيب: قال مالك: لا تجوز المغارسة إلى أجل.
قال لي مطرف: إنما يجوز الأجل في هذا أن يقول اغرس لي شجر كذا، فإن بلغت الإثمار أو شباب كذا فلي نصفها ولك نصفها على أن تقوم بنصفي كذا وكذا سنة فيجوز كأنه واجره على غرس نصف أرضه، ويأتي بالغرس من عنده ويقوم له به تلك المدة بنصف الأرض، فإن بطل الغرس قيل لرب الأرض أعطه غرسا مثله يغرسه لك ويقوم به.
قلت: فهذه مغارسة إلى أجل ومالك ينظر إلى الفعل لا ينفع عنده حسن اللفظ إذا قبح العمل، فقال: هذا لا يعتدل في كل شيء؛ لأنه لو قال: أؤاجرك سنة تقوم بجناني هذا بنصف ثمرته لم يجز، ولو قال أساقيك بذلك جاز، فما فرق بينهما غير اللفظ، وقاله أصبغ.
الصقلي: الأصل أن لا فرق بين أساقيك بنصف الثمرة أو أستأجرك ولا يضر قبح اللفظ إذا حسن العمل، ولم يفرق ابن القاسم بينهما وهو أصوب، وقاله حسين بن عاصم عن ابن القاسم: إن غارسه على أنه إذا تمت المغارسة وأخذ نصفه قام بنصف رب الأرض سنين معلومة، والعمل معلوم مضمون على العامل، ولو مات جاز وإن
شرط عمل يده بعينه فلا خير فيه؛ لأنه خطر لا يدري أيعيش العامل للأجل أم لا؟
سحنون: هذا خطأ ولا يجوز على حال؛ لأنه جعل وبيع.
ابن رشد: مثل سماع حسين لمطرف وأصبغ في الواضحة، وزاد عن مطرف إن بطل الغرس بعد أن غرسه، قيل: لرب الأرض أعطه غرسا مثله يغرسه ويقوم به إلى أجله، وهو نحو قول سحنون وقول أشهب في رسم البيع من سماع أصبغ من كتاب الجعل، وإليه ذهب ابن حبيب خلاف قول ابن القاسم، وروايته في المدونة وغيرها أن الإجارة لا تجوز في ذلك إلا بشرط الحلف، وزاد عن أصبغ: إنما جاز ذلك؛ لأن المغارسة تمت بينهما واعتراضه صحيح، إذ لا فرق في القياس بين أن يشترط عليه عملا يعمله قبل الغرس أو بعده، فقول ابن القاسم في هذا السماع وقول مطرف وأصبغ في الواضحة معارض أصبغ في نوازله.
ويتحصل فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها على هذا الشرط لا تجوز كان العمل مضمونا أم لا، وهو الآتي على قياس قول نوازل أصبغ.
والثاني: جوازه إن كان مضمونا أو في عينه، وشرط خلفه إن بطل الغرس.
والثالث: جوازه مطلقا والحكم الخلف، ولو شرط العمل في بدنه، فإن مات بطل عقد الشرط لم يجز اتفاقا.
الصقلي عن ابن القاسم: إن غارسه إلى الإثمار فأثمر جلها وبقي التافه فهو تبع لما أثمر ويسقط عن العامل العمل في كله، وقاله ابن حبيب، وإن أثمر ما له بال أو كان متناصفا أو متماثلا سقط عنه عمله فيه إن كان متباينا، وإن كان مختلطا لزمه عمل الجميع حتى يثمر جله، وثمر ما أثمر بينهما قل أو كثر مختلطا كان أو متباينا.
قال: وإن نبت بعض غرسه ومات بعضه بعد بلوغه القدر الذي شرطا سقط شرط العامل فيما مات قل أو كثر، وله أن يعيد غراسته إن شاء وقوي عليه، وقال نحوه أصبغ عن أشهب في العتبية.
قال أصبغ: وقاله ابن القاسم فيما أعلم، ولحسين بن عاصم عن ابن القاسم في العتبية: إن مات أقلها وثبت جلها فالأرض وما فيها بينهما، وغن ثبت مات جلها فلا
شيء له فيما ثبت، وقاله سحنون.
قلت: لفظ سماع أشهب هو إن ماتت كلها إلا ثلاث نخلات.
قال: ما نبت بينهما وبقيت الأرض لربها.
ابن رشد: لا فرق على هذا القول بين ثبات الأقل أو القليل أو الأكثر أو الكثير للغارس حقه فيما ثبت على كل حال ويثبت فيما بطل على كل حال، وفي سماع حسين: القليل تبع للكثير إلا أن يكون ما ثبت أو بطل له قدر وبال، وإن كان الأقل فلا يكون تبعا ويعطى حكم نفسه وهو قول سحنون، ويأتي على المشهور أن المغارسة على جزء من الأجزاء جائزة على أنها لهما لازمة، والقول الأول يأتي على أنها كذلك لا تجوز إلا على وجه الجعل الذي لا يلزم المجعول له فيها العمل.
وسمع عيسى ابن القاسم: من أعطى أرضه من يغرسها شجرا على أن الثمر بينهما بالسوية فقسما تمره أزمانا ثم علما فساده، رد ذو الأرض للعامل ما أخذ من ثمر مثله إن وجده وإلا فقيمته، وله على العامل كراء أرضه من حين أخذها منه لا من حين أثمرت، ولذي الأرض أخذ الغرس بقيمته مقلوعا أو أمر غارسه بقلعه.
ابن رشد: في كون المغارسة الفاسدة إن لم يجعل للعامل فيها جزء من الأرض كراء فاسدا أو إجارة فاسدة قولان لهذا السماع وغيره، فعلى الأول الغلة للغارس يرد عليه ذو الأرض ما أخذ منها المكيلة إن عرفت والقيمة إن جهلت، ويقلع غرسه إلا أن يعطيه ذو الأرض قيمته مقلوعا وقيل قائما، فاله يحيى في سماعه في السداد والأنهار في المعاملة الفاسدة في بناء الأنهار ولا فرق وعلى الغارس قيمة كراء الأرض.
قال: في هذا السماع من يوم أخذها، ومعناه عندي: إن أخذها في وقت يمكنه وضع الغرس فيه؛ لأنه إن أخذها قبل إمكان وضع الغرس فيه، فإنما ينعقد الكراء بينهما من يوم يمكنه وضعه فيه إذ لا منفعة له في الأرض قبل ذلك، وقيل: من يوم وضع الغرس فيها، وهو سماع يحيى؛ ومعناه: عندي من يوم يمكنه وضعه فيه فالروايتان وفاق، وكان الشيوخ يحملون ذلك على الخلاف فلا يوجبون عليه الكراء في رواية يحيى إلا من يوم وضع الغرس، وإن كان أخذها وقد أمكنه وضع الغرس فيها وهو محتمل،
وإن كان أخذها قبل إمكان وضع الغرس فيها فلا يصلح أن يكون عليه الكراء من يومئذ.
وفي سماع أبي زيد وحسين بن عاصم: أنه من يوم أثمرت النخل، وعلى كونها إجارة فاسدة يكون للغارس على رب الأرض قيمة غرسه من يوم وضعه بالأرض مقلوعا وأجر مثله في غرسه وقيامه عليه وكل الغلة لرب الأرض، يريد: الغارس ما أخذ منها المكيلة إن عرفت أو خرصها إن جهلت، وهذا الخلاف بناء على أن الغرس بعد غرسه باق على ملك غارسه فيكون كراء فاسدا أو على ملك رب الأرض فتكون إجارة فاسدة.
وسمع عيسى ابن القاسم: إن غارسه أرضه على أنها إن بلغت قدر كذا وكذا، فالأصل والشجر بينهما فتطعم قبل بلوغ ذلك لم يصلح هذا، ولا يصلح إلى على قدر يكون قبل الإطعام أو إليه، فإن نزل فالثمرة لرب الأرض، وللعامل أجر مثله ولا شيء له في الأرض.
ابن رشد: في فاسد المغارسة التي جعل للعامل فيها جزء من الأرض لابن القاسم أحوال.
أحدها: هذا السماع فيعطي قيمة غرسه يوم وضعه بالأرض أو أجر مثله في غرسه وقيامه عليه إلى يوم الحكم، ويرد لرب الأرض ما أخذ من ثمرها وهو قول سحنون، وهو على أن الغرس في فاسدها مطلقا على ملك رب الأرض.
والثاني: أنه بيع فاسد في نصف الأرض فات بالغرس، فعلى الغارس فيه لرب الأرض قيمته يوم غرسه، وإجارة فاسدة في النصف الثاني لرب الأرض فيه على الغارس قيمته مقلوعا يوم غرسه، وأجرة مثله في غرسه وقيامه به إلى يوم الحكم، وقيل: عليه للغارس نصف قيمته قائما يوم الحكم من أجل سقيه وعلاجه، وهو سماع عيسى ابن القاسم في رسم الجواب، وقال ابن حبيب: عليه للغارس قيمة نصف غرسه يوم بلغ، وتم وأجره من يومئذ في قيامه به إلى يوم الحكم، ويتحاسبان من له فضل على صاحبه رجع به والغلة بينهما على ما شرطاه.
والثالث: أنه بيع فاسد أيضا؛ أي: نصف الأرض فات بالغرس على الغارس قيمته يوم فوته بالغرس، والنصف الثاني كراء فاسد على الغارس فيه لرب الأرض كراء مثله يوم أخذها أو يوم وضع الغرس فيها أو يوم أثمرت على ما تقدم، ويقلع الغارس غرسه من النصف الذي لرب الأرض بعد قسمه إلا أن يشاء رب الأرض أن يأخذه بقيمته مقلوعا أو قائما، على قول يحيى في رسم استأذن وهي رواية المدنيين، وعلى هذا القول كل الغلة للعامل يرد عليه رب الأرض ما أخذ منها مكيلتها إن عرفت أو خرصها إن جهلت، وهو سماع حسين ابن عاصم ابن القاسم، وهو على أن الغرس على ملك الغراس، وهو أظهر من القول الثاني؛ لاجتماع البيع والكراء في هذه المسألة أولى من اجتماع البيع والإجارة؛ لأنهما يصيران كأنهما تمما الفساد.
وسمع حسين ابن القاسم: لو اغتلاها ثم بطل الغرس وعادت الأرض براحا فنصفها للعامل بقيمته يوم أخذها براحا؛ لأنه لما فوتها بالغرس ضمنها بقيمتها وكل الغلة له، وعليه كراء نصف رب الأرض من يوم اغتلها، وعلى رب الأرض للغارس في نصفه الذي ذهب أجر مثله إلى بلوغ الشباب الذي سماه هلك بعد ملك أو بقي، وإن مات الغارس قبل بلوغه ذلك الشباب فلا أجر له، كقول مالك في أجير حفر القبر إن هلك قبل تمامه فلا شيء عليه وإن انهدم قبل فراغه فله الأجر كاملا.
وقال سحنون: كل الغلة لرب الأرض وللعامل أجر مثله، ويرد ما اغتل؛ لأن الغرس لو ثبت لم يكن له فيه ولا في الأرض شيء، فأحرى أن لا يكون له شيء إذا لم يثبته.
ابن رشد: قوله: (كان الغلة له)؛ يريد: إلى يوم بلوغ النخل ما شرطا تمام المغارسة إليه وما بعده إلى يوم الحكم بينهما، لا شيء في ذلك على واحد منهما لصاحبه العامل اغتل النصف الذي عمل، ورب الأرض اغتل النصف الذي صار بانقضاء أمد المغارسة إليه وتولى القيام لنفسه عليه.
وقوله: عليه كراء نصف رب الأرض من يوم اغتلها؛ يريد: إلى يوم بلوغ النخل الحد المشترط.
وقوله: وعلى رب الأرض للغارس إلى آخر قوله هو كلام لا يستقيم رده على ما تقدم من أن كل الغلة للعامل وعليه كراء نصف رب الأرض، إنما يصح على القول أنه يرد في نصف رب الأرض إلى أجر مثله وغلة ذلك له لا للعامل، ويرد إليه مع ذلك قيمة الغرس يوم وضعه بالأرض فهو خروج من قول إلى قول دون واسطة، وأراه سقط من الكلام شيء.
وقوله: إن مات الغرس قبل ذلك الشباب فلا أجر للغارس في نصف رب الأرض، وهو قول سحنون خلاف معلوم مذهب ابن القاسم في المدونة، وغيرها أن له من الأجر بقدر ما مضى من العمل، إنما اختلف قوله في ذلك في المدونة إن كانت الإجارة فيما لا يملك من الأرض كالقبر في المقبرة، فإن صح هذا الكلام والاحتجاج لابن القاسم تحصل له ثلاثة أقوال على تمام عمله وأخذه له بقدره، ثالثها: إن كان فيما لا يملك من الأرض.
قلت: ذكر الصقلي قول سحنون بزيادة قال: لأن مالكا قال في المتزارعين على ما لا يحل الزرع لرب الحب إذا تولى عمله، ولرب الأرض كراء أرضه والشجر الذي غرسها، وقام بها كما أن الزرع للذي زرعه وتولى عمله.
الصقلي: يجب على ما علل أن تكون الغلة للذي زرعه للعامل؛ لأنها ثمرة شجره كما أن له ثمرة زرعه ولرب الأرض كراء أرضه.
قلت: وقع في الكلام ابن رشد في غرم الثمرة حيث يجب.
قال فيه: في الأول من سماع عيسى أخذت المكيلة إن عرفت وخرصها إن جهلت، قال في أول كلامه وفي آخره، وقال: في كلامه في رسم يوصي مكيلتها إن علمت وخرصها إن جهلت، كذا صححته في غير نسخة واحدة.
والصواب قيمة خرص ذلك؛ لأنه المعروف من الروايات ونص عليه ابن رشد في أواخر أول رسم من سماع ابن القاسم من جامع البيوع قال فيه: فيمن اشترى ثمرا قبل بدو صلاحه وجذه وفات غرم مكيلته: إن عملت قيمة خرصه إن جهلت.
قال ابن عاصم: قلت لابن القاسم: لم جعلت للعامل قيمة الشجر مقلوعا، وهو
غرسها بوجه شبهة.
قال: لأن رب الأرض أكراها بما يخرج منها وإلى أمد مجهول فترد إليه أرضه بحال ما خرجت من يده، ولو جعلت عليه قيمتها قائمة أدخلت عليه ما يحجبه عن أرضه؛ لأنه لو ألزم القيمة فعجز عنها بيع عليه شيء من أرضه للعامل في أجرته، ولابن حبيب: إن تعاملا على أن الثمرة بينهما فقط ما دامت الشجر فإذا هلكت فلا شيء للعامل في الأرض أو على أن الشجر دون الأرض بينهما فسخ، وردت الأرض بالشجر والغلة لرب الأرض وعليه للعامل الأقل من قيمة عمله يوم فرغ منه وتم، أو ما أنفق وثمن الغرس الذي غرس وله مع ذلك أجر يده على قيامه بالشجر إذا رجعت الغلة لرب الأرض وإن بطلت الشجر بعد تمامها قبل أن ينظر فيها، فقال الأخوان: ليس للعامل فيها قيمة ما عملا ولا رد ما أنفق؛ لأنه لم يخرج من يده شيئا فيعوض منه إنما غرس على أن يكون ثمن غرسه في ثمرة ذلك الغرس بعينه، فإن كان غررا فلا شيء له إذا ذهب، ولو حمل محمل الإجارة على شيء نقد من غيره لأعطى قيمته ذهبا أو بقي، ويرد ما أخذ من الغرر إن أخذ منه شيئا، وتمضي الغلة لمن اغتلها قبل ذهاب الشجر اغتلاها معا أو الغارس وحده، ولا ينظر بينهما في شيء إذا ذهب الغرس، وفات موضع تصحيحه بالقيمة كما نظر في الذي فوق هذا.
وقال أصبغ: إن ذهب قبل الحكم بتصحيحه، وقد تم وفرغ فللعامل قيمة عمله يوم تم قائما غير ذاهب كشرائه بثمن فاسد، ثم فات وفواته الفراغ منه فلربه القيمة يومئذ وكمل الغلة لرب الأرض.
ابن حبيب: بالأول أقول وإنما تصح حجة أصبغ في الأول؛ لأنه أعطاه فيها نصف الأرض ثمن غرسه النصف الآخر، فإذا غرسه وجب له ما أعطى وصار ما فرغ لرب الأرض صحيحة كانت معا معاملتهما أو فاسدة.
وسمع حسين ابن القاسم: إن غارسه على النصف ولم يذكر الأرض ولا الثمر فقال العامل: عاملتك على أن لي نصف الأرض بغرسها، وقال رب الأرض: بل على نصف الثمرة فقط أو نصف الشجر فقط حملا على سنة البلد، فإن كان التعامل في البلد
بالوجهين فالقول قول العامل مدعي الحلال مع يمينه.
وسمعه أبو زيد: إن ادعى أحدهما الحلال والآخر الحرام، فإن كان غالب البلد الحرام سلك بهما سبيله، إن لم تثمر النخل أخذها العامل مقلوعة إلا أن يعطيه رب الأرض قيمتها مقلوعة ولا شيء له في عمل ولا سقي، وإن أثمرت فالثمرة له ولرب الأرض كراء أرضه يوم أثمرت النخل وإن كان عمل البلد الحلال حملا عليه، وإن كان عملهما بالوجهين حلفا وفسخ ما بينهما.
ابن رشد: تكلم أول المسألة على الفوات، وفي آخرها على القيام، وبنا قوله على أن لا مزية لمدعي الحلال على مدعي الحرام.
وقوله: سلك بهما سبيله، يريد بعد حلف مدعي الحلال ولا كراء عليه في الأرض إذا لم تثمر النخل إذ لم ينتفع بها، وإن أثمرت فعليه الكراء من يوم أثمرت، وتقدم الخلاف فيه، ولو لم يشهد العرف لأحدهما أو شهد لهما فقياس هذه الرواية أن القول قول من ادعي عليه أكثر مما يجب عليه بمقتضى دعواه.
وقال في آخرها في القيام: إن كان عمل البلد بالوجهين فسخ ما بينهما، وتحصيله إن اختلفا قبل الفوت فعلى لغو الأشبه في القيام تحالفا وتفاسخا هذا نص قولهم، ومقتضى النظر أن يحلف مدعي الحرام فيفسخ البيع، فإن نكل حلف مدعي الحلال وثبت البيع، وعلى رعي الأشبه في القيام فعلى قوله هذا الذي لم ير فيه لمدعي الحلال مزية القول قول مدعي العرف منهما، فإن شهد العرف لهما أو لم يشهد لواحد منهما حلفا وفسخ ما بينهما، وعلى مشهور المذهب القول قول مدعي الحلال إلا أن يشهد العرف لمدعي الحرام دونه، وإن اختلفا بعد الفوت فلا خلاف في رعي الأشبه، فعلى المشهور القول قول مدعي الحلال إلا أن يشهد العرف بالفساد، وعلى سماع أبي زيد القول قول من شهد له العرف، فإن لم يشهد لأحدهما فقط فالقول قول من ادعى عليه أكثر مما يلزمه بمقتضى دعواه.
وفي نوازل أصبغ: إن شرط رب الأرض على الغارس بناء جدار على الأرض أو زربا لضرورة حفظها على أن له نصفه مع نصف الأرض جاز إن قلت مئونته.
قال: ولو عمل بعض الغرس أو جله، ثم عجز أو غاب فأدخل رب الأرض من أتم عمله أو أتمه هو فقدم الأول فطلب حقه فيما كان غرس، فإن كان غائبا أو حاضرا حضورا لم يقطع عليه برؤية التسليم، فهو على حقه ويعطى من كفاه فيما لم يسرف فيه ما لو كان هو العامل لزمه مثله.
ابن رشد: قوله هذا خلاف قول ابن القاسم في سماع يحيى في البضائع والوكالات في الخصام، ولقول ابن القاسم وسحنون في كتاب الجعل في الأجيرين في حفر بئر يمرض أحدهما، ويحفر الآخر أنه متطوع: قال ابن القاسم: لصاحبه، وقال سحنون: لرب البئر حمل ابن القاسم الإجارة على أنها مضمونة على كل واحد منهما، وحملها سحنون على أنها معينة فانفسخت بالمرض، ولم يفرق واحد منهم بين أن يكون لرب الأرض أو البئر أو الشريك عبيد أو أجراء لا يحتاج من أجلهم إلى الاستئجار على ما عمل له، كما فرق في ذلك في سماع أبي زيد من كتاب الجعل والإجارة فقيل: هي مفسرة للقولين، وقيل: هي قول ثالث وهو الأظهر، ولو لم يطلب الأول حقه وقال: لا حاجة لي به، وطلب الذي كفاه ما كفاه به وأتمه لتخرج على الخلاف في لزوم المغارسة قياسا على المساقاة وعدم لزومها قياسا على الجعل، ولو عجز قبل أن تفوت المغارسة في الأرض فغارس رب الأرض فيها غيره لكان الأول على حقه وغرم قيمة عمل الثاني له أو لرب الأرض إن لم يرد الثاني الرجوع إلا على رب الأرض.