الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول إنما اكريتها لحمل مرة واحدة وتحميلها ثانية يضرها، والظالم أحق أن يحمل عليه، وقال ابن مسير: إن كانت أيام كرائها معينة فقبضها، ولم يستعملها أو استعملها فيما هو أخف فعليه المسمى كاملا، وإن استعملها فى أكثر انفسخ الكراء الأول بمضى الأيام المعينة وعليه كراء المثل فيما استعملها فيه.
الصقلى: يريد: ما لم يكن أقل من المسمى.
قلت: هذا مثل قول محمد لا مثل قول الصقلى، وتقدم نحو هذا فى زراعة ما هو أضر بالأرض، وسمع أبو زيد ابن القاسم من اكترى بعيرا لحمل قدر فحمل عليه أكثر منه فقدم به، وقد عجف ثم علم بعداه بعد نحره فلربه كراء ما زاد أو ما بين القيمتين؛ يريد: ما بين قيمته يوم العداء أو يوم قدم به أعجف.
ابن رشد: قول بعض الشيوخ: فى الموضع الذى تعدى فيه غير صحيح، لا يصح أن يكون تعدى، ولا فى موضع العداء إذ قد تكون قيمته يومئذ مثل قيمته يوم قدم به أعجف، فيذهب عداه باطلا والواجب أن يكون عليه ما بين قيمته يوم قدم به غير أعجف على حاله يوم العداء ويوم قدم به أعجف.
[باب (.....) يوجب فسخ الإجارة]
وفيها: مع غيرها فسخ الإجارة بموت المستأجر معينا أو تلفه، وفيها: وبذهاب مبتاع الدابة بعد إجارتها بها وتهدم الدار، وغرق الأرض كالتلف وله فيما مضى بحسابه
فيها من اكترى أرضًا ثلاث سنين فزرعها سنة، ثم تهور بئرها أو انقطعت عينها قوم العام الأول على قدر نفاقه وليس كراء الأرض فى الصيف والشتاء واحدًا وكذا بحسب كراء الدور في الهدم لا على عدد الشهور، وقد تكرى السنة لأشهر منها كدور مصر أو بمكة لكثرة عمارتها فى الموسم.
ابن شاس: وتنفسخ بمنع استيفاء المنفعة شرعًا كسكون ألم السن المستأجر على قلعها، أو عفي عن القصاص المستأجر على استيفائه.
قلت: هذا إن كان العفو من غير المستأجر وانظر هل يقبل قول المستأجر في ذهاب ألمه والأظهر أنه لا يصدق إلا أن يقوم على ذلك دليل، وفي يمينه مع ذلك نظر والأظهر أنها كأيمان التهم، وسمع أبو زيد ابن القاسم: من استأجر من يبني له دارًا بالريف بموضع معروف على صفة معروفة فذهب البناء إلى الريف فوجد البقعة استحقت فرجع له إجارته ذاهبًا لا راجعًا.
ابن رشد: وكذا من استأجر أيامًا على عمل معين بغير موضع الإجارة له أجرته في ذهابه لا في انصرافه، قاله ابن حبيب عن ابن الماجشون وعن أصبغ، لا شيء له إلا من حين بلوغه موضع العمل.
قال فضل: لو انصرف لمحاسبة بينه وبين المستأجر كانت له الأجرة في منصرفه هذا إن لم يكن في ذلك عرف ولو كان وجب الحكم به.
قلت: فاتفقوا على فسخ الإجارة على البناء باستحقاق العرصة؛ ومعناه: إن لم يكن ربها عالماً بموجب استحقاقها كالغاصب أو المشتري منه عالماً غصبه كما تقدم فى جعل الدلاء له إذا ردت السلعة بعيب والبائع مدلس، وزاد في الطرر على ما سمعه أبو زيد قال: وفي المجالس إن قاطعه على بنائها لم يكن له شاء فى ذهابه ولا رجوعه؛ لأن ذلك فيما يلزمه من العمل قليل من الاستغناء.
قلت: فى نوازل الشعبى عن ابن لبابة: له الأجرة من يوم خروجه، وقال أبو صالح: بل حين شروعه، وقاله مطرف بن عمر، وعن الباجى: لو استؤجر على حصد زرع معين فهلك، ففى الموازية عن أشهب: تنفسخ الإجارة، وقال ابن
القاسم لا تنفسخ.
قلت: هذا خلاف سماعه سحنون إن تعذر حرث الأجير بكسر المحراث أو موت الدابة لم يسقط أجره سقط وبنزول المطر تسقط.
ابن رشد: لقدرته على إعداد محراث آخر ودابة أخرى وعجزه عن حبس المطر.
وفي الطرر قال سحنون في وثائقه: إم منع أجير البناء أو الحصد أو عمل ما مطر لم يكن له إلا بحساب ما عمل من النهار ولغيره له كل الأجر؛ لأن المنع لم يكن منه.
قلت: ولا يدخل هذا الخلاف في نوازل وفتيا في بلدنا تونس؛ لأن العرف تقرر عندهم بفسخ الإجارة بكثرة المطر ونزول الخوف.
ابن شاس: تنفسخ الإجارة بموت الصبي المرضع أو المتعلم لا بهلاك الثوب المستأجر على خياطته على ظاهر المذهب.
قال القاضي أبو محمد: ظاهر مذهب أصحابنا أن محل استيفاء المنافع لا يتعين ولا ينفسخ العقد بتلفه بخلاف العين المستأجرة وتقدم لابن رشد انفساخها في أربع مسائل: الصبي المستأجر على رضاعه أو على تعليمه، والدابة المستأجر على رياضتها، والاستئجار على نزو أكوام معلومة تعق الدابة قبل تمامها، وتقدم من هذا في فصل الرضاع.
وتخريج ابن عبد السلام: في اقتضاء يسير المنفعة دون جلها لموت الدابة ونحوها معينة بقيمة لا بمنابة من المسمى من القول به في استحقاق أكثر الثياب، وفوت أقلها عند المبتاع مضية يرد بأن الاستحقاق يوجب لغو عقد البيع؛ لصدوره من غير أهله في نفس الأمر فاوجب لغو اعتبار موجبه وهو الثمن فلزم اعتبار القيمة في الفائت، وموت الدابة ونحوها لا يوجب لغو عقد الكرام فلزم اعتبار موجبه وهو المسمى، فإن قيل: إن عنيت بلغو العقد في الباطن كونه لو علم البائع ملك المستحق كان يبعه غير تام؛ لأنه بيع ملك الغير.
قيل: لهذا لو علم مكري الدابة موتها قبل المسافة؛ لأنه بيع معجوز عن تسليمه قيل المعتذر في الاستحقاق ممكن عادة وتعذر الدابة مستحيل عادة ولا يلزم من اعتبار
الممكن اعتبار المستحيل، وإن سلم هذا فرق بأن إيجاب العقد نفوه في عوضيه في موت الدابة أقوى من إيجابه ذلك في الاستحقاق؛ لأن مانع نفوذه في تمام العوض في مسألة الدابة أمر سماوي وهو في الاستحقاق أمر كسبي، ولا يلزم من لغوه فيه بترك موجبه وهو الثمن فيما سلم عن الاستحقاق لإمضائه بقيمته دون مثل ذلك في موت الدابة وإلا كان للوصف الأشد تأثيرًا كالأضعف، ودليل أن إيجاب العقد تعدده في عوضيه في مسألة الدابة أقوى منه في الاستحقاق لما ذكرناه اتفاق المذهب على لزوم العقد فيما سلم عن الجائحة، وإن قل وعدمه في الاستحقاق إن قل بأسلم عنه وقولنا وهو في الاستحقاق أمر كسبي أحسن من قولنا أمر اختياري؛ لأنه ينتقض بكون الاستحقاق بحديه؛ لأنها آيلة لأمر كسبي لا اختياري.
وسمع أبو زيد ابن القاسم: من عثر بجرة استحملها فانكسرت وهو قوي على حملها لا ضمان عليه ولا أجر له، وإن لم يكن معه ربها فهو مصدق أنه عثر بها وإن كان كسرها غير معروف فله الأجرة إذا ضمن.
ابن رشد: هذا مثل قول ابن القاسم فيها وروايته أن: ما تلف من قبل حامله ولم يغر به فلا ضمان ولا كراء؛ لأنه على البلاغ، وقيل إذا سقط ضمانه لزم رب المحمول الإتيان بمثله بحمله وله كراؤه.
قال غيره فيها: وهو أشهب وقيل: له بحساب ما بلغ ولا يلزم رب المحمول أن يأتي بمثله وهو الآتي على قول ابن نافع فيها: في السفن إذا ظهر الكسر صدق في العثار، وإن لم يظهر وكان غير معروف فقوله له الأجر إذا ضمن؛ معناه: لا يصدق فيما ادعاه من العثار والتلف ويضمن مثله في أقصى الغاية وتكون له أجرته كاملة في هذا الطعام والمتاع القول قوله في تلفه: وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله: وابن الماجشون لا يصدقه في أن عثر به وإن ظهر كسره.
وسمع ابن القاسم: من اكترى دابة لطلب حاجة بموضع سماه على إن وجد حاجته دونه رجع وغرم بحساب ما بلغ من الكراء فلا بأس به ما لم ينقد، ولو قال: إن وجدت حاجتي بموضع كذا فلك كذا، وإن لم أجدها بمكان كذا فلك كذا، وذلك
يختلف كراهته.
ابن رشد: قوله: أولا لا بأس به إن لم ينقد على قوله بلغو اعتبار الأطماع كقوله في رسم نذر سنة من سماع ابن القاسم من الدور والأرضين في اكتراء الدار سنة على أنه: إن خرج قبلها حاسبة بما سكن، وكقوله بعد هذا في رسم الشجرة: ورسم باع غلامًا، ومثل قول ابن القاسم: وروايته فيها في إجارة الرجل شهرًا على أن يبيع له ثوبًا على أن المستأجر متى شاء ترك أنه جائز إن لم ينقد؛ لأنها إجارة بخيار، وسحنون لا يجيز هذه المسألة على ما قاله في رسم الشجرة بعد ذا ولا مسألة المدونة بخلاف مكتري الدار سنة على أنه متى شاء خرج هذا جائز عنده، وعند الجميع إن لم ينقد، وإنما لم يجز سحنون هذه المسألة ولا مسألة الموضوع؛ لأنه رآه مجهلة في الكراء والإجارة وقال فضل في مسألة المدونة: إنما منعها سحنون؛ لأنه خيار إلى أمد بعيد وليس كما قال: لأنه إنما هو بالخيار في الجميع الآن وكلما مضى من الشهر شيء كان بالخيار فيما بقي فليس كالسلعة التي يشتريها على أنه بالخيار فيها الأمد الطويل؛ لأنه يحتاج إلى توقيفها؛ لانقضاء أمد الخيار فلذلك لا يجوز وليس ذلك في الإجارة والكراء إلا أن يكتري الدابة على أن يركبها بعد شهر أو يستأجر الأجير على أن يخدمه بعد شهر على أنه بالخيار في الإجارة والكراء إلى انقضاء الشهر وإنما لم يجزه سحنون؛ لأنه غرر؛ لانفساخ الإجارة فيما بقي من الشهر ببيع الثوب ولانفساخ الكراء في الدابة في بقية المسافة بوجوده حاجته دون انتهائها، فهذه علة قوله في المسألتين، لا ما قاله الفضل من أنه: الخيار في الأمد بعيد أنه إذا جاز أن يكتري الرجل الدار سنة بكذا على أن كلا منهما بالخيار جاز على أن أحدهما بالخيار كالبيع يجوز على أن أحدهما بالخيار كما يجوز على أنهما معا بالخيار.
قلت: رد هذا القياس واضح؛ لأنه لا يلزم من جوازه بخيارهما جوازه على خيار أحدهما لتقرر الغرر في الثاني دون الأول؛ لأن من ليس له الخيار منهما لا يدري مال العقد بحال أو لزوم والمبيع قابل للتغيير لطول المدة وإن كان الخيار لهما فلا غرر؛ لأن كلا منهما على حكم اختياره ولاسيما على مذهب ابن رشد فيما هو على خيار المتعاقدين قال فيه: هذا العقد لغو كأنه عدم صرف قاله فيما ظن في النكاح على خيار العاقدين،
فإذا كان كالعدم فلا متعلق للغرر بحيث يوجب فيه فسادًا.
قلت: وهذا الذي اختلف فيه هو الواقع ببلدنا تونس في أكرية ربع الأحباس على قبول الزيادة؛ لأنه لازم عقده للمكتري غير لازم للمكري؛ لأنه إذا زاده أحد في الربع شيئًا أخرج مكتريه منه إن لم يزد على من زاد عليه ومضى عمل القضاة على العمل به.
قال ابن رشد: ولو شرط في كراء الدابة إلى موضع معين أنه إن لم يجد حاجته تقدم بها إلى موضع آخر ففي جوازه لشرط قيمته الموضع الذي يتقدم إليه أو كونه معروفًا، إن لم يكن بحساب الكراء الأول ولا تبعًا له أو بشرط كونه بحسابه، ثالثها: مع كونه تبعا لابن القاسم على أصله في لغو اعتبار الأطماع سماع أشهب مع سماع عيسى: لاعتبار الأطماع مع اختلاف الكراء ولغوه مع اتفاقه، وابن الماجشون: لإتباع الأطماع مطلقًا.
وفي فسخ العقد بغضب المكتري من يد مكتريه فيسقط عنه الكراء من حينئذ وعدمه فلا يسقط، ثالثها: إن قصد الغاضب غصب الرقبة لا نفس الانتفاع لسماع ابن القاسم مع قوله: به قضى الجرمي بين أظهرنا حين قدم المسودة، وابن رشد عن قول ابن حارث: أنه رأى في بعض الكتب عن سحنون: المصيبة من المكتري، واختيار ابن حارث ابن رشد في المجموعة لابن القاسم وعبد الملك: من اكترى دارًا أو أرضًا فاغتصبها منه رجل فسكن أو زرع الكراء على المكتري إلا أن يكون سلطان ليس فوقه سلطان لا يمنع منه إلا الله تعالى، وهو تفسير لما في السماع؛ لأنه إن أخرجه من يقدر على الامتناع منه برفعه لن يمنعه منه فلم يفعل فكأنه سلم ذلك إليه.
وتعرفه ابن حارث لا وجه لها في هذا المعنى إنما يفترق فيما يضمنه الغاضب على ما ل أصبع عن ابن القاسم فيمن يغصب السكني فقط فتنهدم الدار في سكناه مثل المسودة الذين ينزلون على الناس، وأنه لا ضمان عليه للهدم، وإنما عليه قيمة الكراء وقاله أصبغ؛ لأنهم لم يغصبوا رقاب الدور إلا أن تنهدم بطول سكناهم.
الصقلي عن ابن حبيب: وكذا الحوانيت يأمر السلطان بغلقها، ولو اكترى رحى سنة فأصاب أهل سكانها فتنة خلوا بها من منازلهم فلم يأته الطعام لذلك فهو كبطلان
الرحى بكثرة الماء، أو نقصه يوضع عنه قدر مدة الخلاء، وكذا الفنادق تكترى لأيام الموسم إن أخطأها ذلك لفتنة أو غيرها، ولو كان المكتري مقيمًا آمنا بخلاف الدور تكترى، ثم تخلو الفتنة والمكتري مقيم آمن أو رحل لوحشه، وهو آمن فإنه يلزمه الكراء، ولو رحل لخوف سقط عنه مدة الخلاء في نوازل ابن رشد: إن قل الواردون من البلاد سكنى الفنادق المكتراة للنزول بها من فتنة أو خوف طرق وشبه ذلك، أو قل الواردون للطحن بالأرحاء المكتراة لجهد أصاب أهل ذلك المكان فهو عيب يخير لأجله المكترى في تماسكه أو فسخ الكراء عنه، فإن سكت ولم يقم حتى مضت المدة أو بعضها لزمه جميع الكراء، ولا يسقط عنه الكراء إلا بخلاء أهل ذلك الموضع حتى تبقى الرحى معطلة لا تطحن، والفنادق خالية لا تسكن ولا يلزم المكري إن قل الواردون أن يحط للمكتري من كرائه بقدر نقص الواردين بغير رضاه، وقول ابن الحاجب وابن شاس: لا تنفسخ الإجارة بإقرار المكري بغصب المكري واضح كقولها في لغو إقرار الراهن بجناية العبد الرهن بعد رهنه لا يقبل على المرتهن، ويخير المقر له بغضب العبد المكري في إمضاء الكراء فيستحق ما أكرى به، وفي تضمينه قيمة العبد إن طالت مدة إجارته لا مطلقًا خلافًا لبعضهم.
وفيها: إن أمكن رب الدار مكتريها منها فتركها سنة، فإن لم يكن ربها فيها أو ساكن له أو شاغل فجميع كرائها على مكتريها كمن اكترى دابة ليركبها فأتاه بها ربها فأبى أن يركبها فعليه كل الكراء، ولو بقي مكري الدار في طائفة منها وسكن مكتريها باقيها لم يجب عليه إلا حصة ما سكن.
اللخمي: إن ترك المكتري سكني الدار بعد أن مكن منها فأبقاها ربها خالية لزم مكتريها كراؤها، فإن أكرها ربها بأقل من المسمى حلف أنه لم يفعله رضي بالإقالة وأنه نظر ليكون أخف فيما يغرمه له، وإن أكراها بأكثر وأنه قال: اكتريتها لنفسي كان له الزائد.
قلت: كذا هو في غير نسخة، وفيه نظر والصواب أن الزائد للمكتري بعد حلفه أن تركه السكني ليس إقالة.
قال اللخمي: وإن قال اكتريتها للمكتري كان الزائد للمكتري، وإن أشهد عندما أمكنه منها ولم يسكنها إن ترك خصومته ليس إقالة فله ذلك اتفاقًا، وإن سكن مكري الدار بعضها ومنع المكتري منه خير المكتري في فسخ الكراء في ذلك البعض وأخذه بقيمته إن كانت أكثر من منابه من المسمى، وإن كان بمعنى الإقالة سقط منابه من المسمى، وإن قال المكتري ما تركته إلا ليطلبه بقيمته حلف وأخذ فضل كرائه على المسمى، وفيها: من اكترى دارًا ثلاث سنين منعه منها ربها سنة فخاصمه قضي للمكتري بسكناها عامين وعليه كراؤها فقط كالعبد يمرض أو يأبق في الإجارة ليس عليه قضاء ذلك.
اللخمي: هذا إن كان الكراء لا تغابن فيه أو غبن فيه المكتري، ولو غبن فيه المكري فللمكتري أخذ تلك الزيادة، ولو أكراها المكري خير المكتري في فسخ كراء تلك السنة، وأخذ قيمة كرائها إن كانت أكثر من المسمى أو أخذ ما أكراها به ويحاسبه من ذلك بالمسمى.
قلت: ونحوه للصقلي عن بعض الفقهاء، وفي الجعل والإجارة منها من استأجر ثوبًا شهرًا فحسبه بعد المدة أيامًا لزمه أجر حبسه بغير لباس كأجر اللابس، وقاله ابن نافع، وقال غيره: بل بحساب ما استأجر إن كان ربه حاضرًا.
الصقلي: عن بعض القرويين معرفة كرائه غير ملبوس بإسقاط قيمة ما ينقصه اللبس في تلك المدة من قيمة كرائه فيها على أن يلبس، وكذا الجواب في الدابة يحسبها بعد المدة شهرًا.
الصقلي: فيه نظر إذ قد ينقصه اللبس والركوب في مدة حبسه قدر كرائه فلا يغرم له شيئًا، والمكري قد كان ينتفع بلباس ثوبه وركوب دابته وكرائهما مدة حبسهما فمنعه من ذلك فيجب أن يغرم في ذلك قيمة كراء ذلك على أنه لا يستعمل ويجب على قياس قوله: أنه لم ينقصه اللبس في مدة حبسه أن يقوم ملبوسًا، وهذا خلاف قوله: وذكر ابن العطار لنفسه ما عزاه.
الصقلي: لبعض القرويين، وزاده إن قيل: قيمة كرائه على أن يلبس خمسة دراهم
وقيمة نقص لبسه درهم نقص من الخمسة وبقيت أربعة دراهم، ثم يقال يمكن أن يكريه ربه لو رجع إليه بهذا أو لا يجد كراءه فيعطي من الأربعة ما يقوم به على الاجتهاد فيما يقوم به على الاجتهاد فيما يقوم به على الغرر مما يمكن أن يكريه أو لا يجد كما ينظر في صداق المثل إلى حال الرجل والمرأة وكذا في الدابة يقال: ما ينقصها الركوب وإن كان لا ينقصها قيل: ما يمكن أن يزيد فيها الوقوف والراحة، وكذا الأرض ينظر على ما ينتفع به ربها إن بقيت بورا والدار لا يتصور فيها مثل هذا.
وفي أكرية الرواحل منها: إن اكترى الدابة يومًا فحسبها أيامًا أو شهرًا وردها بحالها فلربها كراء اليوم ويخير في أخذ قيمتها يوم اللتعدي أو كرائها فيما حبسها فيه من عمل أو حبسه إياها بغير عمل ما بلغ، وإن لم يتغير.
قال غيره: إن كان ربها حاضرًا معه بالمصر فإنما له في حبسها بحساب الكراء الأول؛ لأنه كان قادرًا على أخذها وإن كان غائبًا عنه، وردها بحالها فله في الزيادة الكثر من قيمة كراء ذلك أو من حساب الكراء الأول عمل عليها الأول شاء أم لا، وإن شاء فقيمة الدابة.
عياض: قوله في مكري الدابة ليوم فحبسها أكثر إن كان كراء ما حبسها على حساب الكراء الأول أو أقل فلرب الدابة على حساب الكراء الأول كذا روايتنا ورواية الكافة، وكان عند يحيي بن عمر أكثر فأصلحه.
قلت: إنما كان إصلاحه بلفظ الأقل؛ لأنه في قول الغير.
الصقلي: روى ابن حبيب الأيام اليسيرة والأيام الكثيرة مثل الشهر ونحوه.
قلت: ظاهره أن الخمسة عشر يومًا يسيرة.
وقال أبو حفص العطار: مدة ما يضمنها فيه منا لحبس ما تتغير السواق إليه وهو قد أجاز السلم إلى خمسة عشر يومًا؛ لأن الأسواق تتغير إليه ولا يختلف ابن القاسم والغير أنه إن كان معه بالبلد أنه لا يضمن.
الصقلي: عن بعض القرويين إن حبسها أيامًا بعد المدة وربها حاضر لم ينكر هلكت لم يضمنها على قول ابن القاسم: وإن أوجب عليه كراء المثل لقدرة ربها على أخذها،
وأما على قول الغير فأبين، ولا يختلفون في الغائب أنه له أن يضمنه القيمة.
اللخمي: إن حبسها وهو في سفر، ولا عذر يمنعه ردها؛ فذكر قولي ابن القاسم وغيره، وصوب الأول بأنها مدة متعدى فيها لم يكن فيها عقد غلا أن يعترف بالرضي بالمسمى، وإن كان كراؤها لعملها بالمدينة، والعرف إتيان ربها بقبضها فلم يفعل فعليه الكراء، وإن لم يكن عرف، وكان ربها أتى بها للمكتري فعليه إتيانه لقبضها، وإن كان المكتري أتى لقبضها فعليه ردها، فإن لم يفعل فعليه كراء مدة الحبس، وذكر في قدره قولي ابن القاسم وغيره وصوب الأول قال: إلا أن يشهد على أحدهما بالرضي، فإن كان على المكتري فللأخر الأكثر، وإن كان على المكري فله الأقل أو تكون العادة أن التمادي بحساب الأول، فإن حدث عيب أو تلف لم يضمن على قول الغير أن لربها المسمى؛ لأنه يرى ذلك رضي منهما، وعلى قول ابن القاسم: يضمن ما عيب به قرب العقد وخرج عن المعتاد من التراخي بالرد؛ لأنه متعد، وإن طالت الأيام لم يضمن لشبهة الرضي إذا لم يطلبها، وفيما قرب يقول: كنت أنتظر ردها.
الصقلي: عن ابن القاسم في العتبية من اكترى دارًا سنة فسكنها وتمادى ساكنا ستة أشهر قيل: عليه بحساب الأول، وقيل: كراء المثل؛ وهو أحب إلي.
ابن حبيب عن ابن الماجشون: ما يجاز بغلق من دار وحانوت وربه ساكت عالم فله بحساب الكراء الأول، وما كان من مزرعة لا جدار عليه ففيه الأكثر من القيمة أو الوجيبة.
قلت: مسألة العتبية هي سماع عيسى ابن القاسم.
قال ابن رشد: هذا الاختلاف جار على الخلاف في كون السكوت كالإقرار أو لا فعلى أنه كالإقرار إن علم رب الدار بسكناه؛ فعليه بحساب الكراء الأول؛ لأنه يحمل على أن كلا منهما رضي به، وإن لم يعلم رب الدار سكناه ككونه غائبًا فعلى الساكن الزائد الأكثر من كراء المثل أو على حساب الكراء الأول، ويحمل على الساكن الرضي بحساب الكراء الأول إن كان أكثر من كراء المثل، وهو أحد قولي ابن القاسم وقول غيره فيها، ثم ذكر قول ابن الماجشون قال: واختاره ابن حبيب قال: وعلى أن
السكوت ليس إقرارا فعليه في ذلك كراء المثل ما بلغ حضر رب الدار أو غاب، وهو أحد قولي ابن القاسم، واختياره في هذا السماع.
قلت: فحاصل ما تقدم أن حبسها غير مستعملة ففي غرمة قيمة كرائها غير مستعملة أو بحساب الكراء الأول إن حضر ربها، وإن غاب فالأكثر من ذلك، ومن كراء مثلها مستعملة قولا ابن القاسم والغري فيها، وإن حبسها مستعملة فثلاثة أقوال القولان اللذان ذكرهما ابن القاسم في السماع، وقول ابن الماجشون مع قول ابن القاسم وابن حبيب، وقال ابن الحاجب: لو حبس الدابة أو الثوب المدة المعينة ثبتت الأجرة إذ التمكين كالاستيفاء فلو زاد فثالثها إن كان المالك حاضرًا فنسبة المسمى، وإلا فالأكثر.
وفي إسقاط بعضه بتقدير الاستعمال قولان فقرر ابن هارون الثلاثة بقولي ابن القاسم والغير فيها قال: وقيل: عليه الأكثر مطلقًا حضر ربها أو غاب، وقرر ابن عبد السلام الثالث بلزوم القيمة مطلقًا.
قلت: وهذا أقرب، والقول بالأكثر مطلقًا لا أعرفه، ولا القول بنسبة المسمى مطلقًا إلا مما ذكره ابن القاسم نقلا في السماع المذكور، وهو فيما إذا استعملها في المدة الزائدة لا فيما حبسها غير مستعملة.
وقال ابن عبد السلام: الضمير المضاف إليه بعض عائد على العوض الأعم من القيمة أو النسبة أو الأكثر اختلف في إسقاط بعض ذلك بسبب عدم استعمال المكتري مدة الحبس على قولين، والأقرب النقص، ثم ذكر ما تقدم في كيفية النقض.
وقال ابن هارون: ظاهرة أنه اختلف في إسقاط بعض الكراء على تقدير استعمال الشيء المستأجر، وهذا لا يصح، ولعل مراده الخلاف في إسقاط بعض الكراء على تقدير ترك الاستعمال فاسقط الناسخ ترك، وهي ثابتة على أن هذا الفرع لا أعلم خلافًا في الإسقاط فيه لترك الاستعمال، وإنما اختلف في كيفيته.
قلت: الصواب قول ابن هارون في عدم قبوله نقل ابن الحاجب القول بعدم الإسقاط لا قبوله كما فعل ابن عبد السلام، والصواب قول ابن عبد السلام في حمله
لفظ ابن الحاجب على ظاهره؛ لأن الوصف إنما يكون مقدرا في مسألة إذا لم تكن مصورة على حصوله فيها، والمسألة المذكورة في كلام ابن الحاجب إنما هي مصورة على عدم استعمال المكتري مدة الحبس.
قال ابن الحاجب: ولو كانت المدة غير معينة فحبسها فكذلك والكراء الأول باق، وذكرها ابن شاس وقال: عليه كراء المثل لمدة حبسها، والكراء الأول باق، ولو استعملها في غير ما استأجرها له فعليه كراء المثل فيما استعملها فيه والكراء الأول باق.
ابن عبد السلام: يعني لو اكتراها لسفر معين، ولم يبين أول زمان خروجه فحبسها لزمه في مدة حبسها ما ذكره فوق هذا من القولين، وقد يقال يفسخ الكراء الأول؛ لأن المدة وإن لم يعيناها فهي تتعين بمقتضى الحال؛ لأنهما لو تنازعا الحكم لمن أراد الاستعمال أثر العقد على مقتضى العرف.
قلت: ما ذكره ابن شاس وابن الحاجب من بقاء العقد هو مقتضى الأصول كمن أسلم إلى رجل في قميص فأخذ المسلم إليه عمامة تعديا وأتلفها، فإنه يلزمه عزم قيمة العمامة والسلم بينهما باق، وقول ابن عبد السلام: وقد يقال يفسخ الكراء إلى آخره، يرد بأن تعيين زمن اقتضاء المنفعة إذا ذكر تابعا للمنفعة لم يوجب فوته فسخ العقد بحال، وما ذكره من التعيين بمقتضى الحال إن سلم إنما هو من التعيين التابع للمنفعة لا من التعيين المساوي لتعيين المنفعة.
وإنما قلت: هذا التفصيل لنص قول ابن القاسم إن اكترى دابة بعينها لبلد ليركبها في غده فأخلفه المكتري فليس له إلا ركوبه أو يكريها من مثله إلى البلد، وإن أكراها أياما معينة انتقض الكراء فيما غاب منها، وقد تقدم نحو هذا حيث قلنا فرق بين اعتبار الخص لتحصيل أعمه وبين اعتباره لتحصيل عينه فوته في الأول لا يبطل العقد على أعمه، وفوته في الثاني يبطله، ووجه التفرقة واضح.
وفيها: إن تغيب الحمال يوم خروجك فالكراء باق في كل سفر في كراء مضمون إلا الحاج، فإنه يفسخ ويرد ما انتقد لزوال إبانه، وقاله مالك في كراء دابة معينة ليركبها إلى موضع كذا في عيد فيغيب ربها، ويأتي بها بعد يومين أو ثلاثة ليس له إلا ركوبه قال
غيره: ولو رفع إلى الإمام فسخ ما آل للضرر.
اللخمي: إن كانت المدة المعلومة غير معينة لم ينفسخ بذهابها إلا بحكم ينظر الإمام إن لم يضر الصبر لم يفسخ، وإن كان فيه مضرة فسخ ككون الكراء للحج أو البلد إن فاته الخروج مع هذه الرفقة فاته ما اكترى أو غير ذلك من العلة كان فيها قولان: هل يفسخ بفوت ذلك أو بالحكم؟
فإن أتى بالإبل بعد فوت الحج أو فوت الرفقة ففيها لمالك: يفسخ في الحج وحده.
وفي الموازيَّة: لا يفسخ، وقال غيره في غير الحج: ينفسخ والفسخ فيهما أحسن؛ لانه لو رفع للحاكم فسخ اتفاقاً، ولو غاب كري مضمون ووجد له مثله لم يستحقه مكتريه إلا بالحكم، وإن لم يوجد وله ما يكرى به عليه أكرى عليه الحاكم منه، وإن لم يكن شيء وطاع المكتري بسلفه جاز إن علم له مال، وإن لم يعلم ففي صحة سلفه لذلك قولا ابن القاسم ومحمد، ورجح اللخمي الأول بالقياس الأحروي على منع غرماء مفلس طاع برد ما ابتاعه لبائعه لعجزه عن ثمنه بسلفهم إياه الثمن لربحه فيه.
وفيها: إن هرب مكتر ورفع مكريه أمره للإمام بكري الإبل الهارب، فإن تعذر كراؤها فلربها إكراؤه؛ كقول مالك فيمن اكترى على حمل شيء عند وكيله ببلد آخر فلم يجده المكري تلوم له الإمام بغير ضرر، فإن لم يأت الوكيل أكراها الإمام للمكتري، فإن تعذر كراؤها فلربها كراؤه؛ ولو رجع المكري دون رفع الإمام هو بالبلد رجع ثانية، وإن لم يكن بها سلطان، فإن فعل ما يفعله وأشهد كان كفعل السلطان، وروى ابن وَهْب: إن أتى الجمال حيث أوعده مكتريه فلم يجده رفع لإمام الموضع إلا أن يجد الكراء، فإن رجع دون رفع الكراء لما أكرى إليه، فإن تعذر وجهل إعلام الإمام لم يبطل عمله، ونحوها سمع ابن القاسم.
ابن رُشْد: حاصلها إن ترك الرفع للحاكم أو التلوم والإشهاد لفقد الحاكم، فإن ردها مكراه لنفسه فكراؤه له، والعقد باق اتفاقاً، وإن أكراها للمكتري ففي فسخ الأول ويأخذ المكتري ما أكراها به مسقطاً منه فضله على الأول إن كان نقد وتخييره في
هذا، وفي التماسك بالعقد الأول قولان لظاهر رواية ابن وَهْب فيها مع هذا السماع وسَحنون في هذا السماع مع ابن القاسم وروايته فيها.
وقول التونسي: معنى رواية ابن وَهْب: إن رضي بفعله، إلا فالكراء الأول قائم صحيح معنى بعيد من لفظه، وإن ردها فارغة مع إمكان كرائها ففي بقاء العقد الأول وانفساخه قولان للآتي على قول ابن القاسم مع روايته، وظاهر رواية ابن وَهْب: وإن ردها فارغة لتعذر الكراء ففي لزوم رجوعه وعدمه مع استحقاقه كل الكراء قولان على روايتي ابن القاسم وابن وَهْب، والتلوم والإشهاد حيث لا حاكم كالرفع إليه إن أكرى المكترى في تركه له فيرده لحمل طعامه، وأخذ كرائه، فإن شاء أخذه، فإن كان فيه فضل فهو للمكري، وإن كان فيه نقص فعلى المتكاري، وهو صحيح على أصولهم والتلوم والإشهاد حيث السلطان لغو، وإن رجع فارغاً، وقال: ألم أجد كراء لزمة إقامة البينة.
اللخمي: إن غاب المكترى والمدة معينة فلرب الإبل الرفع للحاكم ليكريها فيما اكتريت له أو دونه إن تعذر، فإن لم يجد، وانقضت المدة لزمة الكراء مجاناً، وإن لم تعين المدة أكريت كذلك، فإن تعذر تربص فإن لم يوجد تربص المدة التي يستعمل فيها لو وجد، فإن لم يكن خلا عنه، وقضى له بالكراء، وإن لم تنقض تلك المدو حتى أمكن كراؤها، فإن كانت معقولة لم يكن له إلا بقية المدة، وإن لم تعقل، وكان ربها ينتفع بها استؤنفت مدة إجازتها، وهذا استحسان لتغييب أحد الضررين، ولو كان الكراء لسفر أكريت في مثله أو فيهما هو دونه إن تعذر، فإن تعذر ورمى في بعض الطريق الآخر أخرجت له، فإن لم يرج ففي الحضر، فإن تعذر خلى عنه، وأخذ المكري الكراء مجاناً.
ابن الحاجب: ولو أجر مستحق الوقف، ومات قبل مدتها ففي انفساخها قولان.
قُلتُ: هو معنى قول ابن شاش: إن مات البطن الأول من ذوي الوقف بعد الإجازة قبل تمام مدتها انفسخت الإجازة في باقي المدة لتناولها ما لا حق للمستأجر فيه.
وقيل: إن أكرى مدة يجوز الكراء إليها لزم باقيها، ولا أعرف الثاني لقول ابن شاس، ولم يعزه ابن هارون، ولا ابن عبد السلام، وظاهر قول الشيوخ نفيه في أواخر
ثاني وصاياها إن أعمرك رجل حياتك خدمك عبداً لم تؤاجره إلا لمدة قريبة كسنة أو سنتين وأمد مأمون، ولو أوصى لك بخدمته عشر سنين فأكثريته فيها جاز كمن أجر عبده عشر سنين، ولم أر من فعله، وإن فعل جاز، وهو خلاف المخدم حياته؛ لأنه إن مات المخدم سقطت الخدمة، والمؤجر يلزم باقيها لورثة الميت.
قال ابن رُشْد: في ثاني مسألة من رسم العتق من سماع عيسى من كتاب المخدم تجوز إجازته المدة القريبة السنة والسنتين والأمد المأمون بالنقد لم يجزه في المدونة، وأجازه في سماع أشهب في كتاب الصدقات والهبات، فإن نزل فعلى الأول إن عثر عليه، وما بقى من المدة يسير لم يفسخ، وإن كان كثيراً فسخ قاله في الموازيَّة، وقال في سماع أشهب أجاز في هذا السماع اكتراء الدار عشرين سنة من الذي صارت إليه بالتحبيس، والكراء ينتقض بموته ومعنى ذلك ما لم ينقد؛ لأنه إن نقد، فإن فات انتقص الكراء فيرد للمكترى مناب باقي المدة، وكان سلفاً، وقيل: لا يجوز لهذه المدة الطويلة، وإن لم ينقد ففي القريب يجوز، وإن نقد على ظاهر المدَوَّنة، ومثله لمحمد، ويحتمل أن تحمل المدَوَّنة على عدم النقد؛ فالكراء في القريب دون جائز اتفاقاً، وفي البعيد معه لا يجوز اتفاقا، ويختلف في جوازه بغير نقد في البعيد وبالنقد في القريب على قولين، ونص على ذلك في الموازيَّة: روى محمد يكريها قليلاً قليلاً.
وقال عبد الملك: السنة والسنتين، ولم ير في السماع حجة للقائم من الورثة على المكتري فيما ذكره من طول الحيازة؛ لأنها علة ترفع بالإشهاد كما ذكر، وهو خلاف ما في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الأقضية فيمن له ممر بحائط رجل ليس له أن يحضره، وإن لم يجعل عليه بابا لئلا يطول الأمر فينسى حقه.
المتيطي وابن فتوح واللفظ له: روى ابن القاسم وقال: لا يجوز القبالة في الأحباس على معنيين إلا لعامين أو نحوهما، وبه القضاء خوف موت بعض الأعيان فتنتقض القبالة لذلك، والغرر داخل فيما حاداه، ولكن بسير مضطر إليه، وروى أشهب: تجوز لخمس وعشرين سنة ونحوها.
قُلتُ: فظاهر أقوالهم عدم خلاف في نقضه بالموت، وقد يتخرج عدم فسخه من فتوى أهل طيطلة في نسألة الشقص يكريه مشتريه، ثم يقوم الشفيع قبا انقضاء المدة حسبما يأتي في بلوغ اليتيم قبل تمام مدة إجازته قلا: وقباله أحباس المساجد والمساكين غير المعينين جائزة لمدة طويلة، واستحسن قضاة قرطبة أربعة أعوام خزف دروسها بطول مكثها بيد متقبلها، ورأى أهل البصر أن هذه المدة أقصى ما يبقى الزبل في الأرض؛ لأن المتقبل يزبل ويعمر واستحسن قوم من أهل الاحتياط أن لا تقبل ممن يجاورها خوف أن يخيف منها، ولا من ذوي قدرة بغير ما وجد ابن عات إنما المدة أربعة أعوام في الأرض والدور والحوانيت وشبهها عدم فقط.
وفيها: من واجر يتيما في حجرة ثلاث سنين فاحتلم بعد سنة ولم يظن ذلك به لم يلزمه باقي المدة إلا إن بقى كالشهر.
قيل لأبي حفص العطار: أيصدق في احتلامه.
قال: يظهر بالإثبات وكلامه ودلائل حاله، فإن ادعى ما يظهر عليه صدق.
قيل: ايحلف.
قال: لا، لأنه إن لم يكن احتلم لم تصبح يمينه، وإن كان احتلم فلا يمين عليه.
قُلتُ: الأظهر طلبه باليمين رجاء أن يقر، وأخذ منها ابن عتاب: أن للشفيع فسخ كراءالمشتري للشقص إن أكرى المشتري عالماً أن له شفيعاً إلا أنتقل المدة كالأشهر أو تكون أرضا زرعت، وإن لم يعلم المشتري بالشفيع إنما اشترى أرضا استحق بعضها فلا يفسخ إلا في الوجيبة الطويلة، وتمامها في الشفعة.
وفيها: إن أكرى ربعه ودوابه ورقيقة، واحتلم بعد سنة، وظن أنه لا يحتلم في تلك المدة لم يفسخ، وإن آنس رشده، وقال غيره: إنما يلزمه فيما قل.
قال ابن القاسم: وإن عقد عليه بلوغه قبله لم يلزم في نفسه، ولا في ملك، وكذا الأب، وما عقده ولي أو سلطان على سفيه بالغ في ربعه أو رقيقة سنتين أو ثلاثا، ثم رشد فذلك يلزمه؛ لأن العاقد عليه يريد عقد ما يجوز له قال غيره: إنما يجوز أن يعقد عليه السنة ونحوها؛ لأنه جل كراء الناس، ولرجاء إقامته كل شهر، وما أكثر له فسخه.
قُلتُ: قول الغير وفاق لتعليله بالعرف، وفي عتقها الثاني من واجر عبده سنة أو أخدمه، ثم أعتقه قبل السنة لم يعتق حتى تتم، ولو مات قبل السنة لم تنتقض الإجازة، ولا الخدمة ويعتق العتق لتمام السنة من رأس ماله إلا أن يترك المستأجر أو المخدوم بقية الخدمة في رسم إن خرجت الثاني من سماع عيسى من الجنايات من أعتق عبده بعد أن أجره سنة قبل سنة قبل تمامها كراؤه لسيده، وإن لم يستثن ماله، وإن كانت أمه لم يطأها أصْبَغ لا شيء لسيده من أجرته إلا لما مضى قبل عتقه قبضه أم لا.
ابن رُشْد: قول أَصْبَغ خلاف قول ابن القاسم.
ابن حبيب: الإجازة أملك به وأحكامه أحكام عبد، واختلف في إجازته قال مالك: يسأل السيد إن أراد أنه حر بتمام الأجر صدق والأجرة له، ولو لم يقبضها، وإن أراد تعجيل عبده فهي للعبد قبضها أم لا، وروى داود بن جعفر في المدينة مثل ما روى ابن حبيب، وزاد يحلف إن أراد أنه حر بتمام الإجارة، وما حكى ابن حبيب أنه يسألتفسير لقول ابن القاسم: فإن مات قبل أن يسأل أو قال ما لم أنو شيئاً تخرج على قولين:
أحدهما: حمله على حريته بتمام الإجارة إذا لم يقبل باستحلافه على ذلك فرأى أن الإجارة له إلا أن يقول أردت تعجيل عتقه.
والثاني: أنه محمول على إرادة تعجيل عتقه، وهو مقتضى رواية داود ففي الحكم عليه بمقتضى تعجيل العتق، وتأخيره إن حلف ثالثها: بمجرد قوله لابن نافع مع أَصْبَغ، ورواية داود بن جعفر، وهذا السماع مع رواية ابن حبيب، وسمع يحيى ابن القاسم في المسألة إن جرح العبد رجلاً خير سيده في فدائه، ولا غرم عليه فيما أخذ من أجرته للسنة، فإن أبي خير المستأجر، فإن فداه أخذ منه بقية الإجارة، وإن شاء فسخ الإجارة، وحاسب سيده بما مضى منها، وقبض منه ما بقى عليه، وعتق العبد ساعة نقض الإجارة؛ لأن للمستأجر لو لم يسجن العبد فسخ الإجارة، وإغرام السيد باقي استكمال أجرته فيعتق العبد، ويتبع بأرش الجناية.
قُلتُ: فإن فداه سيده اتبعه بما فداه به.
قال: ولو كان ذلك في أمة وولدت ولداً.
ابن رُشْد: في هذه المسألة نظر؛ لأن قوله: يخير المستأجر في فسخ الإجارة إن لم يفده سيده
…
إلى آخر قوله: وعتق العبد وأتبع بالجناية لا يستقيم، ووجه العمل أن يبدأ بتخيير المستأجر في فسخ الإجارة، فإن فسخها عتق وأتبع بالجناية، وإن تماسك بالأجرة خير سيده في فدائه؛ فيكون له الأجرة، وفي إسلامها للمجني عليه، فإن انقضت عتق العبد واتبع بقيمة الأرش، ولا تفسخ الإجارة لتقدمها على الجناية، وقوله في السماع: أن المستأجر يخير، فإن شاء افتداه واختدمه بقية الأجرة، وإن شاء فسخ الإجارة يدل على أنه رأى أنه من حق المجني عليه إن أبى سيده فداءه أن يفسخ الإجارة فيواجر له من غيره إذ قد يجد من يواجره بأكثر من ذلك؛ فيكون من حق المستأجر حينئذ أن يفتكه بالجناية ليبقى العبد في إجارته.
قُلتُ: حاصله أن جعل تمكين المستأجر من إتمام الإجارة بفدائه وفسخها ملزوماً لتمكين المجني عليه في عدم فدائه ربه من فسخها، وإجارته من آخر، ولا خفاء عند من تأمل وأنصف في عدم هذه الملازمة لوضوح نفي العلاقة بين ما ادعى الملازمة بينهما.
والفرق بين تمكين المستأجر من إتمام الإجارة بفدائه إن لم يفده ربه، وتمكين المجني عليه من إنسائها واضح؛ لأن تمكين المستأجر من إتمامها له إنما كان لتقدم عقدها له قبل العتق والجناية وإنشاء المجني عليه متأخر عن ثبوت عتقه، وتمامه بترك المستأجر الإجارة؛ لأنها إجارة حر بغير اختياره.
ابن رُشْد: وسكت عن جواب سؤاله هل يتبعه السيد بما فداه به إن فداه وجوابه أن ليس له اتباعه؛ لأنه إنما فداه ليستحق به الأجرة، ولم يجب أيضاً عن حكم الولد للأمة هل يدخلون في الجناية أم لا؟
ولا إشكال في عدم دخولهم؛ لأنهم ولدوا قبلها، وكذا أو ولدوا بعدها على المشهور، وإنما الكلام هل يعجل عتقهم أو يؤخر لعتق أمهم ومقتضى النظر تعجيله؛ لأن مانعه في الأم عقد الإجارة السابق والولد لا أجرة فيهم.
قُلتُ: مقتضى المشهور أنها بهذا العتق اللاحق لعتق الإجارة كمعتقة لأجل؛ فيجب أن يحكم لولدها بحكم ولد المعتقة لأجل، فتكون خدمتهم إن كانت لهم خدمة
لسيدها.
وفيها: إن ظهرت من مكترى دار دعارة أو فسق أو شرب خمر لم ينتقض الكراء، ويمنعه الإمام ذلك، ويكف أذاه عن رب الدار والجار، وأكراها عليه.
اللخمي: أرى أن يخرجه إن تعذر كراؤها من يومه وما قاربه وتخلى لإكرائها، فإن تعذر ذلك حتى خرج الشهر لم يسقط عنه كراؤه، وكذا إن ببان أنه سارق يخشى منه على أبوابها، وروى ابن حبيب في فاسق ذي دار بين دور الناس يعاقبه السلطان ويمنعه، فإن لم ينته يبعت عليه.
اللخمي: وأرى أن يبدأ بعقوبته لجرمه، فإن لم ينته أكريت عليه، فإن لم ينته بإذايته لإتيانه إليها يبعت عليه، وسمع أبو زيد ابن القاسم آخر مسألة من كتاب السلطان: قال مالك في سابق يأوي إليه أهل الفسق يخرج من منزله وتكرى عليه الدار والبيوت، ولا تباع عليه لعله يتوب فيرجع لمنزله.
ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثا، وقوله فيها أصح لما ذكر من أنه قد يتوب، ولو لم تكن الدار له إلا بكراء أكريت عليه، ولم يفسخ كراؤه قاله فيها.
قُلتُ: لأن فسخ الكراء مضرة على رب الدار، ويحتمل جمل رواية ابن حبيب على من لا ترتفع مضرة فسقه إلا برفع ملكه عنها، وحمل رواية ابن القاسم على من ترتفع بمجرد كرائها عليه.
ابن رُشد: وروى يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أن يحرق بيت الخمار قال: وأخبرني بعض أصحابنا أن مالكاً كان يستحب حرق بيت المسلم الذي يبيع الخمر.
قيل له: فالنصراني يبيعها من المسلمين.
قال: إن تقدم إليه فلم ينته أحرقت بيته.
قال: وحدثني الليث أن عمر بن الخطاب أحرق بيت رويشد الثقفي؛ لأنه كان يبيع الخمر وقال له: أنت فويسق لا رويشد.
والإقالة من الكراء كالكراء: لقولها: الإقالة بيع من البيوع فموانعها كموانعه وتحصيلها.
ابن رُشْد في المقدمات: حسن.
اللخمي: دون زيادة من أحدهما جائزة بعد النقد وقبله على أنها حل بيع أو بيع على أن الذمم تبرأ، وعلى عدمه تمنع في المضمون؛ لأنه فسخ دين في دين، وإن كان معينا جاز، لأن المكري يتصرف فيها الآن بالبيع وغيه ففارق أخذ الأجنبي منافع عن دين.
وتجوز بزيادة من المكري قبل غيبته على النقد عيناً كانت أو نقداً، وهي لأجل فسخ دين في دين، وبعد غيبته عليه لتهمه سلف بزيادة، فإن كانت بعد سيرهما ماله قدر في جوازها قولا ابن القاسم مع مالك وغيرهما والأول أحسن.
وقد قال ابن مسلمة: من ابتاع ثوباً بأقل مما باعه لأجل إن فات مضى، واختلف في منع الزيادة في الراحلة بعينها كمضمون والجواز أبين والزيادة من الجمال لاستخلاص راحلته لتصرفه فيها جائز، وإن كان لركوبها كغيرها على التراجع إن هلكت قبل مدة الإجازة فأصل ابن القاسم المنع، وعلى قول أشهب يجوز.
زيادة المكترى قبل النقد والكراء معين أو مضمون جائزة كانت عيناً أو عرضاً فإن كان الأول دنانير جازت زيادة دراهم دون صرف دينار أو صرف دينار على أحد قولي مالك نقداً إلا لأجل، وتدخل زيادة دينار لأجل في فسخ في دين وصرف المستأجر، وإن كانت بعد النقد على رد بعضه جاز، وإن أقاله على دفع المكترى عرضاً نقداً أو لأجل جاز؛ فيكون المكرى اشترى ديناً في ذمته، وديناً يكون له في ذمته المكترى بعشرة نقداً وذلك جائز.
وفي حكم كراء السفن اضطراب: قال ابن رشد في أول مسألة من نوازل أصبغ من كتاب الرواحل: قول ابن القاسم وروايته: أنه على البلاغ كالعجل الذي لا يجب إلا بتمام عمله كان على قطع الواسطة أو الريف وهو معلوم من مذهبة قال: من أكرى سفينة من الإسكندرية للفسطاط؛ فغرقت في بعض الطريق؛ فخرج نصف القمح، وحمل في
غيرها لربها من كراء ما خرج من القمح بقدر ما انتفع ربه ببلوغه حيث غرق؛ لأن الكراء من الإسكندرية للفسطاط إنما هو في النبل فلن ير لرب السعينة كراء فيما ذهب من القمح، ورأى أنه فيما سلم منه بقدر ما انتفع ربه ببلوغه إليه؛ كقوله في الجعل على حمل خشبة تصل الي بعض الطريق، ثم يحملها ربها فينتفع بها حملها الأول؛ فعلى قول ابن القاسم: إن غرقت أو ردها الريح من حيث خرجت أو لخوف لصوص أو عدو، وذلك مطلب الركاب من أجل الحزن فلا كراء لربها كانوا ملجلجين أو غير ملجلجين محاذين لقرية أو غير محاذين على النزول أو غير قادرين.
وقال ابن نافع في المدونة: له بحساب ما بلغت، ورواه ابن أبي جعفر عن ابي القاسم: فعليه إن غرقت في لجة البحر أوردها الريح أو خوف العدو أو اللصوص إلى حيث أقلعت يكون له من الكراء بحساب ما بلغت كان الكراء على قطع البحر أو الريف الريف.
وقال يحيى بن عمر: إن أكريت على قطع البحر فهي على البلاغ، وإن أكريت الريف الريف فبحساب ما بلغت، وتفريق أَصبغ في نوازله بين كونهم ملجلجين أو غير ملجلجين محاذين القرية قادرين على النزول فيها أو غير قادرين قول رابع وسواء على ظاهر قوله: كان كراؤهم على قطع البحر أو على الريف الريف، وهو استحسان على غير قياس، وكذا تفرقة يحيى، وقول ابن نافع أظهر من قول ابن القاسم في المدونة؛ لأن رد الكراء إلى الأجازة أولى من رده للجعل.
قُلتُ: تلخيص طول نازلة أَصْبَغ أنه إن ردت الريح المركب لمحل إقلاعه دون بلوغهم حيث يمكنهم النول آمنين من الريح فلا شيء عليهم، وإن كان بعد بلوغهم حيث يمكنهم ذلك فعليهم بقدر بلوغهم ذلك المحل كانكسار المركب بهم حيث سلم لهم شيء فعليهم بقدر ذلك فيما سلم.
قال أَصبغ: إن ردهم أصحاب المركب لمحل إقلاعهم باختيارهم لربهم كل الكراء، وإن كان بإكراههم سقط عنهم، وإن طلبه الركاب لعذر عدو لصوص أو بحر أو ورم سقط عنهم إن لم يكن محل أمن قبل إقلاعهم، فإن كان ردوا إليه
ولزمهم من الكراء منابة، فإن لم ينزلوا هم باختيارهم فكذلك، وإن منعوهم النزول به سقط عنهم ابن رُشد في جواز النقد فيه على أنه على البلاغ قولان.
قُلتُ: قال الصقلي: كره مالك وابن القاسم النقد فيها؛ لأن كراءها على البلاغ، وأجازه ابن نافع.
المتيطي: وقاله أَصْبَغ وأشهب: ورأوا لرب السفينة بقدر ما جرى، وقضى به سَحنون إلا أن أَصبغ قال: إن بلغ الغاية، ثم ردته إلى الريح فلا شيء له ووافقهم إذا مشى الريف الريف أو أرسى، ثم ردته الريح وقاله يحيى بن عمر: وكذا لو أمكنهم التحاق بالبر، ولم يمنعهم مانع ثم ردتهم إلى الريح.
وسمع عيسى ابن القاسم: من أكرى بقدر ما سار سَحنون، وكذا مكترى الدابة في نصف الطريق فتنة حيث يريد الوصول بحيث لا يستطيع دخوله.
ابن رُشْد: لا خلاف إذا منعه من الوصول إلى حيث اكترى خوف لصوص وشبهه أو قلة ماء منع سير المركب أن له بحساب ما مضى، وتنفسخ فيما بقى، وسمعه أبو زيد: من تكاري على متاع للإسكندرية من نوتي؛ فوقف المركب ببعض الطريق من قلة الماء فظن النوتي أن يلزمه حمله للإسكندرية فاكترى عليه من ذلك الموضع حتى بلغه الإسكندرية فلا شيء للنوتي، ولو شاء لم يفعل إذ ليس ذلك عليه، وله أن يرفع للسلطان ليفسخ عنه، ولو وقف حيث لا سلطان، وخشي تلف المتاع لم يشبه الأول لأنه بموضع تلف.
ابن رُشْد: لأن النوتي في كرائه لحمله مخطيء على رب المتاع، فإن كان لا بد من الكراء عليه من حيث وقف المركب إلى حيث أكرى على حمل فأخطأ الحمال فحمل غيره أنه إن، أراد أخذ الحمل لم يأخذه إلا بغرم الكراء، وفيمن استأجر حصادين على حصد الزرع له فحصدوا زرعاً لغيره أو استأجره من يحرث أرضاً له فحرثوا أرضا لغيره أن على من حصد زرعه أو حرثت أرضه غرم قيمة العمل إن كان لا بد له من الكراء على ذلك،
كقول أشهب في نوازل أَصْبَغ في الكرى: فيخطيء فيحمل غير الحمل الذي اكتري عليه، وقوله في كرائه عليه من حيث لا يخشى هلاكه، ولا سلطان فيه: بوجوب الكراء على رب المتاع بين كقولها مع غيرها فيمن التقط متاعا فحمله إلى موضع.
اللخمي: كراء السفن جعل وإجارة؛ فالجعل قوله: إن بلغتني محل كذا فلك كذا وإلا فلا شيء لك، وهو جائز كما شرط والإجارة أن يجعل له شيئاً معلوماً على إن بلغه دون المحل فله بحساب سيره، فإن سمى للغاية دون توقيت؛ كقوله: استأجر مركبك هذا البلد كذا بكذا جاز، وإن استأجرتها مدة معلومة لسفر ناحية بعينها دون تعيين بلد أو وسيره بالقذف جاز، وإن كان بسير الريح؛ فقال مالك مرة: هو جائز.
قيل له: ربما أبطأت السفينة، وربما أسرعت.
قال: وكذا الدابة.
وقال مرة: إن كان يختلف فلا خير فيه، وإن لم يختلف فلا بأس، وهذا أصوب؛ لأن سير الدابة متقارب بخلاف سير السفن، وإذا بالقذف فهو متقارب، وإن حبسه نوء لم يكن عليه فيما منع من السفر بشيء.
المتيطي: ولا بد من تعيين وقت الركوب إن لم يكن معروفاً.
اللخمي: فإن استأجرها شهراً فانقضى، وهو بمستتعب يسلمها ربها، وإن كان غير مستعتب فاه التمادي لمستعتب لا يضر اكتروا به وغرم للزيادة أجر مثلها، ولو بقى من المدة يومان، وهو مستعتب، وإن انفصل عنه لم يصل المستعتب إلا بعد انقضاء مدته نزل حيث هو وحط عنه من الكراء بقدر باقي المدة إلا أن يكون تماديه بها بعد انقضاء المدة يسيراً فله ذلك، ويغرم للزيادة كراء مثلها، وإن اكتراها مدة ليردها لربها، وإن امتراها ليصيد عليها عليها معيناً سقط منابه، وإن كان غير معين لم يسقط، وكمل أيام الشهر.
الصقلي: قال مالك: من اكترى مركباً لحمل طعام بجزء منه على تعجيل قبضة جاز، وعلى تأخيره لمحل بلوغه لم يجز.
الصقلي: ولو وقع على السكت ففي منعه وجوازه قولا ابن القاسم وغيره، فلو ذهب الطعام بغرق، وقال ربه كان الكراء على قبضه، وأكذبه المكري صدق المكتري بيمينه وأغرمه مثل المكيل حيث قبضها؛ لأنه يدعى الحلال.
الصقلي: لو كانت سنتهم التأخير قبل قول مدعيه. قاله كثير من شُيُوخنا: ولو عطب المركب قبل إقلاعه فادعى الركاب دفع الكراء؛ فالقول قول رب السفينة.
وفي جواز شهادة بعضهم لبعض قولا العنبيَّة وابن عبدوس.
قُلتُ: ما عزاه للعتبية هو قول سَحنون في نوازله من الشهادات.
ابن رُشد: أجاز شهادة بعضهم لبعض، وكل منهم شهد لمن شهد له.
وفي قبولها: ولو كانت لمجلس واحد ولغوها، ولو كانت لمجالس شتى حيث وجد أنهم من يشهدوه غيرهم ثالثها: إن كانت بمحالس شتى لسَحنون هنا، ولمحمد عن ما رجع اليه سَحنون، والأخوين، سواء اكتروا جملة السفينة بينهم شياعاً أو على أن لكل واحد محلا معيناً أما لو شرط عليهم حماة بعضهم عن بعض بالكراء لم تجز شهادة بعضهم لبعض؛ لأنه يشهد لنفسه اتفاقاً.
الصقلي: قال بعض أصحابنا: لا يصلح كاؤها لوقت لا يصلح فيه ركوب البحر كالشتاء، ويفسخ إن نزل، ولو شرط في العقد تأخير الركوب لو قلت يصلح فيه والسفينة معينة جاز ما لم ينقد فإن نقد وصلاح الركوب قريب كنصف شهر ونحوه جاز وإن بعد كشهرين لم يجز، وإن كان مضموناً جاز النقد، ولو بعده ولو عقد الكراء في وقت صلاح الركوب فتعذر الركوب حتى دخل وقت لا يصلح فيه الركوب فمن طلب منهما فسخ الكراء فسخ له، وكذا لو أمكن الركوب، وعرض خوف قطع لصوص أو ورم وثبت ذلك وروى محمد لو أكروا سفينة فبحسبهم الريح عشرين يوما فأراد الركاب الفسخ فلا فسخ لهم، وكذا لو أراده النوتي.
قال يحيى بن عمر: هلاك المركب بعد بلوغه الغاية وقبل إمكان تفريغ وسقة
كهلاكه قبل وصوله، ولو هلك في أثناء تفريغه فما فزع منه فيه كراؤه، وما هلك لاشيء فيه، ولو قدروا على تفريغه، وتوانوا فيه فعطب المركب فلربه كراؤه؛ لأن التفريظ من قلبهم.
ولأبي زيد عن ابن القاسم: إن ابتل بعض الطعام أو المتاع قوم سليماً ومبلولاً، وسقط من الكراء مناب البلل قل أو كثر، وقال ابن أخي هشام: إن كان ذلك من أمواج عليا أو من خلل في المركب لم يغرر به ربه من سوء عمل أو قلفطة، فإن صار المتاع لا قيمة له سقط كل كرائه، وإلا فمناب العيب فقط، وإن كان من تغرير رب المركب، وسوء عمله، وقلفطفته ضمنه، وماله من رش خفيف، ونداوة ليست بفساد فلا نقص له من الكراء.
اللخمي: إن هال البحر، ووقع الخوف وجب الرمي عاجلاً، ويرمي الأثقل الأقل ثمناً، فإن تقارب الأثمان رمي الأثقل، وإن جاوز رب المركب في الزيادة على المتعارف رجع عليه؛ لأنه غر، وإن لم يعلم حين الرمي المتاع المزيد، ورمى غيره خيروا في الرجوع على رب المتابع بذلك أو على رب المركب إن رجعوا على رب المركب رجعوا بقيمة ما رمى، ولو كثرت قيمته، وإن رجعوا على رب المتاع، فإن رفع متاعه جورا عليهم غرم قيمة ما رمى، وإن كان غير عالم، وقيمة مارمى أكثر من قيمة متاعه لم يلزمة غير تسليم نتابعه، زإن لم يعلم أخرهم عقداً تعين الرجوع على رب المركب، وإن مروا بأعدال في البحر فرفعوها، ثم هال البحر، فإن كانت، فإن كانت زائدة على عرف وسقهم رميت ولا شيء فيها، وإن كانت من تمام وسق المركب كانت كسائر وسقه، وإن كان شحن المركب رجالاً دون متاع، وخشوا الهلاك إن لم يخفف المركب اقترعوا على من يررمى الرجال والنساء والهبيدوأهل الذمة في ذلك سواء، وإن مروا بغرقى المركب فحملوهم، ثم هال البحر، واحتاجوا للرمي، فإن كان حملهم من تمام وسق المركب كانوا كغيرهم، فإن كان في المركب متاع رمى منه، وإلا كانت القرعة على جميعهم، وإن كان حملهم زيادة على جمل المركب، وحملهم جور على وسقه رمى المتاع واتبع الغرماء لقيمته، وإن لم يكن فيه سوى الناس رمي الغرقاء فقط.
قُلتُ: قال غير واحد قول اللخمي بطرح الآدمي لنجاة غيره بالقرعة غريب، وربما نسبه بعضهم لخرق الإجماع.
قال بعضهم: لا يرمى آدمي لنجاة الباقين، ولو كان ذمياً، وتقدم البحث في هذا الأصل في مسألة التتريس في كتاب الجهاد، وما قاله اللخمي قاعدة الإجماع على وجوب ارتكاب أخف الضررين لدرء أشهدهما شاهده لقوله، وهي هنا، وإن كانت في إتلاف النفس، وهي فيه لحفظها.
قال القرافي عن الطرطوشي: ويبدأ بطرح الأمتعة، ثم البهائم لشرف النفوس.
قُلتُ: الشرف إنما هو النفوس الآدمية، وظاهر الروايات اعتبار الثقل، وقلة الثمن.
قال الطرطوشي: وهذا الطرح عند الحاجة واجب لا يدخله الخلاف في دفع الداخل على الإنسان لطلب نفسه أو ماله، ولا في المضطر لأكل الميتة قيل الدفع والأكل واجبان وقيل: لا لقصة ابني آدم وقوله صلى الله عليه وسلم ((كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل)) والفرق أن الترك في هاتين الصورتين لترك محرم، وهنا لبقاء المال.
قلت: قوله: (في هذه الصورة لبقاء المال) وهمٌ؛ لأن الطرح أو طرح النفوس دون الأموال موجبة لهلاك المال، والفرق جلي بغير ما ذكر، وهو أن ترك الرمي ملزوم للرمي، وترك قتل الغير ليس ملزوما له، وكذا ترك أكل الميتة ليس ملزوما لأكلها.
القرافي وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يضمن أحد من أهل السفينة إلا من طرح مال غيره، ومن طرح مال نفسه فهو منه، ولو استدعى منه ذلك غيره، ووافقونا فيمن قال: اقض عني ديني فقضاه، فقضاه، وفي رجوع الزوجة على زوجها بنفقتها في غيبته على ولده، والرد عليهم بالقياس على هذه الصورة لجامع السعي في القيام على الغير بواجب؛ لأنهم أجمعين يجب عليهم حفاظ نفوسهم وأموالهم.
وسمع ابن القاسم: لا شيء في المركب، ولا خدمة مما طرح لخوف غرقه.
ابن القاسم: ولو كان خدمته عبيداً.
قال مالك: لو خاصموا رب المركب كان جل الغرم عليهم إذ قد تكون قيمة الشيء الكثير فلا أرى عليه شيئاً.
قُلتُ: لم يتكلم عليه ابن رُشْد شيئاً، وتكررت في رسم أخذ يشرب خمراً قال فيه: ليس في جرم السفينة شيء لو كان جرمة فارغاً نجا إنما كان طرحهم لنجاة أمتعتهم.
ابن رُشْد: قد بين علة قوله: لا شيء فيه، وكذا ليس في قلوعه والأطراف التي تتخلص بها السفينة شيء، وما في جوفه من قارب وحبال فهو مقوم على ربها قاله بعض أهل العلم وهو صحيح على أهل المذهب.
قُلتُ: فلم يذكر خلافاً في جرم السفينة، وفي الغرم عليه، ثالثها: إن قام دليل على هلاكه لولا الطرح لكافي أبي عمر عن سَحنون مع رواية اسماعيل القاضي، والصقلي عن ابن عبد الحكم، وسماع ابن القاسم مع قوله، والمتيطي مع الصقلي عن الشَّيخ.
الصقلي: والقياس قول ابن عبد الحكم؛ لأن بالطرح سلم الجميع.
وقول ابن عبد السلام: قال محمد بن عبد الحَكم: أجمع أصحابنا أن المركب لا يدخل في شيء من حكم الطرح لا أعرفه إنما حكاه.
الصقلي: وفي عدم دخول متاع الفتنة في الغرم قولان لرواية اللخمي، ونقله عن ابن ميسر، وعبر المتيطي عن الأول بالمشهور وعزاه أبو عمر لمالك وأصحابه قال: وخالفهم ابن عبد الحَكم.
المتيطي: مال إليه جماعة من المتأخرين، وهو أصح.
اللخمي: لا وجه لعدم دخول ما كان للقنية قال وفي الغرم على العبيد، ثالثها: إن كانوا للتجر لا للقنية للجاري على قول ابن ميسر.
وقول ابن الجهنم: والمعروف ولا شيء على الأحرار اتفاقاً، والعين القنية لغو.
وفيها: للتجر قولا مالك وابن حبيب، والصواب أنها للتجر والقنية سواء إن كانوا قرب البر أو بحيث لو عطب المركب نجا بها ربها لعومة، وقلتلها لم تحسب، وإلا حسبت ورميها لا يرجع به؛ لأنها لا تثقل المركب إن بقيت، ولا يخف بها إن ألقيت إلا أن يكون
فى ثقل عدل، والصواب اعتبار عبيد القنية، ولحوق ربها الشركة فيها يمنعه وطء الأمة، واستخدام العبد والأمة والقياس فى الأحرار قول المخالف بالرجوع عليهم، وفى جرم المركب إشكال يصح إغرامه لنجاته بالطرح، ولغوه كمن اكترى بغير الحمل شاء فعجز عن حمله بفلاة يهلك بها المحمول إن طرح لرب البعير طرحه، ولو هلك المتاع.
قلت: فيما قاله نظر؛ لأن مسألة البعير إن كانت نجاته بطرح بعض حمله فهو كالمنصوص فى السفينة إلا أن يثبت إجماع لمخالفته إياها وهو عسير، وإن كانت بطرح جمعيه فهو كالسفينة كذلك.
الصقلى: قال بعض أصحابنا من ادعى فيما طرح له كثرة، وقال رب المركب: لم يبق عندى إلا أقل رجع إلى ما فى التنزيل؛ لأنه العرف، وما فى داخل المتاع مما يخفى ذكره فى التنزيل يقبل فيه قول ربه إن أتى بما يشبه ملكه.
الصقلى: هو مدع يجب أن لا يصدق.
وقد قال الشيخ: إن ادعى فى متاعه صفة، وأكذبه الباقون فادعوا أن صفته كذا صدقوا مع أيمانهم، فإن جهلوا ذلك صدق هو مع يمينه.
وقال ابن أخى هشام: يصدق رب السفينة فى رميها بعض شحنها لهول أصابه إن كذبه أربابه وليسوا معه فى قول ابن القاسم: إلا فى الطعام.
ابم رشد فى سماع ابن القاسم: من طرح متاعه رجوعه على من سلم متاعه اتفاقا؛ فيشاركه بقدر منابهم، ولمالك فى صفة التقويم للاشتراك أقوال.
قال مرة: بقيمة المتاع المطروح، والباقى حيث حمل منه، ومرة حيث يحمل إليه، ومرة حيث طرح، وفى هذا السماع بالثمن الذى اشتروه به إن اشتروه فى وقف واحد بموضع واحد على صفة واحدة من نقد أو دين وعلى غير محاباة، فإن اختلف شراؤهم فبالقيمة من حيث حملوه يوم حملوه على مافسر به ابن القاسم قوله: والقول قولهم فيما ادعوا أنه الثمن دون يمين إن بان صدقهم، ومن اتهم حلف قاله سحنون فى رسم أخذ يشرب خمرا.
وقوله: لا يمين على من بان صدقه صحيح كما أن من بان كذبه فى إتيانه بما لا يشبه
لا يمكن من اليمين، ويشرك بقيمته يوم الشراء، وإن لم يتبين صدق ولا كذب تخرج يمينه على قولين فى لحوق يمين التهمة، وإذا وجبت الشركة رجع من طرح ماله فيما سلم، وأوله بالجزء المسمى للخارج من تسمية المطروح منه مع السالم وعليه.
قال اللخمى: إن كان كل ما بالمركب ألف دينار، والمطروح مائتان شركهم ربه بالخمس؛ فيأخذ خمس السالم، وهو ثمان مائة خمسها مائة وستين ومنابه فى الرمى الخمس، وهو أربعون، وذلك تمام المائتين، وإن رمى نصف متاعه، وهو مائة رجع بعشر ما سلم لاصحابه، وهو ثمان مائة عشرها ثمانون ومنابه فى المائة التى سلمت له عشرة وذلك تسعون، ومنابه من التى رميت عشرة، وهو تمام المائة، وإن رمى جميع ماله، وهو مائتان ونصف مال الآخر؛ فذلك ثلاثة أعشار الجميع يرجع من رمى كل ماله على من لم يرم له بالخمس يأخذ من الستمائة خمسها مائة وعشرون، وعلى من رمى نصف متاعه بخمس السالمة، وهو عشرون فجميع ما صار له مائة وأربعون وتبقى عليه ستون هى التى جملة الرمى؛ لأنها ثلاثة أعشار الجميع، ويرجع من رمى نصف متاعه فى الستمائة التى سلمت بعشرها وهو ستون؛ لأن الذى رمى له العشر فى يده بعدما رجع عليه صاحبه ثمانون؛ فذلك أربعون ومائة تبقى عليه ستون، وهى ثلاثة أعشار ماتبين هى التى تنوبه من جميع الرمى.
الصقلى عن الشيخ: من طرح بعض ماله سقط عدل ما سلم له من مال من بقى كل ماله فى الشركة، وشرك من طرح بعض ماله من لم يطرح له شاء فى عدل ما طرح له من مال من لم يطرح له شاء.
قال: فإن كان قيمة ما رمى مثل ما سلم كان لمن رمى ماله نصف ما سلم، وإن كان قيمة ما رمى مثل قيمة ما سلم كان لرب ما رمى ثلث السالم، وإن كان إنما رمى نصف متاعه اختص من لم يرم له شاء بنصف متاعه، ويكون شريكا لهم فى النصف الآخر بقدر قيمة متاعه متاعهم، وما خرج بعد رميه كان قدر نقصه كرمى وإخراجه على ربه.
قلت: ويجب إضافة قيمة إخراجه لنقصه كجزء منه.
قال: ولو رمي بعض المتاع، ثم عيب باقيه ببلل شرك من رمى متاعه بقيمته لمن عيب متاعه بقيمته سليما بموضع وسقهم؛ لأن حدوث عيب بلله من جميعهم إن كان حين الرمى سليما أو ما عيب قبل الرمى حسبت قيمته معيبا فى موضع وسقهم.
وصلح ذى السالم ذا المرمى بدنانير على ترك الشركة جائز بعد معرفتهما ما وجب لكل منهما، ولو خرج المرمى بعد الصلح انتقض منه مناب قيمة ما خرج لوجوب اختصاص ربه به ونوقض رجوعه لربه بعدم رجوع الدابة بعد غرم قيمتها من تلف بتعديه وأجاب بأن الدابة ضمنها المتعدى بتعديه والمرمى لم يضمنه أحد بحال.
وسمع القرينان فى كتاب الشركة: إن اختلط طعام بسفينة فليس لبعضهم بيع طعامه بطريقتهم إلا برضى أصحابة خوف أن يكون بأسفله عيب أو يمطروا، فإن أذنوا له فلا تباعة عليه فيما يجدون من فساد.
ابن رشد: مناقضته بعضهم بسماع ابن القاسم فى أكرية الرواحل: إن حمل قوما طعاما بسفينة اكتروها، فأخذ أولهم من وراء بمنزلة خطة، ثم غرقت فلا تباعة لأصحابه، ولو لم يأذنوا إلا أن ينقص الكيل فيغرم منابه فيه يرد بأن معنى الأول أن كراءهم كان لموضع واحد والثانى على أنه لمنازلهم، وفساد الطعام ببلل كنقص كليه إلا أن يعلم أنه بعد أخذه طعامه، وسواء كان الخلط اختيارا أو عارضا.
وسمع ابن القاسم: إن مروا بسفينة بها طعام على قرية أكرى منها على حمل طعام ووضعه فوق بابها فابتل أسفله دون أعلاه فهو على جميعهم للزوم شركتهم بالخلط.
اللخمى عن سحنون: ليس لأحد الشريكين منع شريكه فى سفينة أن يحمل فى نصيبه منها إنما له أن يحمل مثله أو يدعوهم للبيع.
اللخمى: إن وسق أحدهما فلك يجد الآخر ما يسق كان لمن وسق السير بها؛ لأن وسقه بحضرته رضى بسفره، ولو كان غائبا كان له دعاؤه للبيه، فإن صارت كغير من وسق أمر بحطه.
وعزا الصقلى قول سحنون للعتيبة قال عن الشيخ: لو أصلح أحد الشريكين خرق سفينة بينهما بغير إذن شريكه خير فى إعطائه نصف ما أنفق، وأخذ نصف قيمتها مخروقة
إن شاء ذلك الشريك المصلح، وإلا شركه بزيادة صلاحه إن كانت قيمتها مخروقة مائة ومصلحة مائتين كانت بينهما أربعا.
اللخمى: ومثله إن كانت دارا لا تنقسم، ولو كانت تنقسم كانت على قول عبد الملك فى أرض بين شريكين بنى أحدهما أنها تقسم، فإن وقع البناء لبانيه كان له، وإلا أخذ قيمته منقوضا.
وفيها: مع غيرها من استأجر فسطاطا أو غرائر أو آنية صدق ضياعها، وروى أشهب فيمن اكترى جفنة فادعى ضياعها ضمنها إلا أن يقيم بينة به.
ابن حارث: اختلف فى ضمان ما يغاب عليه؛ فذكر روايتى ابن القاسم وأشهب فى الجفنة.
اللخمى: يصدق المستأجر فى الضمان، وذكر ابن سحنون قولا آخر لا يصدق.
وقال أشهب: فذكر ما تقدم.
الصقلى عن محمد: إنما الرواية فى دعوى كسرها لقدرته على تصديق نفسه بإحضاره؛ فلقيتها ويصدق فى الضياع، وفى رواية فأين فلقتاها محمد إلا أن يقول سرقتا أو تلفت، فإن كانت بموضع يمكنه إظهارها لم يصدق، وإلا صدق.
اللخمى: إن لم يأت بفلقتيها لم يصدق دعوى كسرها إلا أن يكون فى سفر؛ فيقول لم أتكلف فى حملها.
وسمع القرينان فى تضمين الصناع: من اكترى جفنتين بالضمان ما أرى ذلك، فإن وضع من كرائها شيئا للضمان أبلغ له كراؤهما.
قيل: فإن قال: سرقتا.
قال: لا أرى هذا يجوز له إن انكسرتا فأين فلقتاهما أراه ضامنا لهما لا للشرط لكن لعدم علم ما ذكر.
ابن رشد: كذا وقعت هذه المسألة فى الأمهات ناقصة سأله عن دعوى سرقتهما، فأجابه عن دعوى كسرهما، ومدلول مذهبه أنه مصدوق فى دعوى السرقة، وأنه لما سأله عن ذلك قال: هو مصدق، فقال له: فإن زعم أنهما انكسرتا، فذكر جوابه المتقدم فسقط
ذلك من الأصل الذى نقل منه العتبى فاتفقت الأمهات على ذلك، وحكم كراء العروض بشرط الضمان على هذا السماع حكم بيع الثنيا يفسخ إلا أن يسقط الشرط، فإن لم يعثر على ذلك حتى فات الكراء ففيه الأكثر من المسمى أو كراء المثل دون شرط لقوله إن كان وضع من الكراء شيئا من الكراء أبلغ كراؤها إذ لو وجب فسخه فى القيام بكل حال لقال له فى الفوات كراء المثل بالجمع، وقوله فى الكسر ليس بخلاف لقول ابن القاسم فى الضياع، وما وقع فى المدونة من رواية أشهب: ليس بنقل صحيح إنما رواية تضمينه فى الكسر، ولا أعلم خلافا أن المكترى مصدق فى دعوى ضياع ما اكترى من العروض إلا ما فى الدمياطية لابن القاسم.
قال: وسئل عمن يكترى الدابة بالضمان.
قال: لا خير فيه، ويرد إلى كراء من لا ضمان عليه.
قيل: وكذا كل الأشياء.
قال: ما أدرى ما كل الأشياء.
قيل: المناجل والحديد
قال: أما الحديد فهو له ضامن.
ابن رشد: يريد: بالحديد متاع الحديد الذى يعرف بعينه كالمساحى، والسكك إذ لا يجوز كراء ما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه، وقوله: بضمانه شذوذ فى المذهب، وقوله: فيمن أكرى دابة بالضمان لا خير فيه، ويرد إلى كراء مثله ممن لا ضمان عليه ظاهره كان أكثر من المسمى أو أقل، ومعناه إن فات فى الكراء، ويفسخ قبل فوته، ولو ترك المكرى شرطه، وهو القياس خلاف سماع أشهب، وعلى المعروف فى تصديقه فى ملزومية التلف سقوط الكراء قولا لغير ابن القاسم فيها.
الصقلى: وبالأول أخذ سحنون قائلا فى قول ابن القاسم هذه عراقية يصدقه فى الضياع يغرمه فى الكراء.
اللخمى: اختلف إن قال بعد الأجل ضاع قبل ذلك، فقال ابن القاسم: لا يصدق ويغرم الأجرة إلا ببينة أو يسلم أنه ذكر ذلك قبل فيحلف، ويكون عليه من الأجر
للوقت الذي سمع منه، وقال أشهب: القول قوله، والأول أحسن إن كان فى حضر، وفى السفر يقبل قوله مع يمينه.
وفى العارية منها لمالك: من استعار دابة فركبها لموضع فلما رجع زعم ربها أنه إنما أعارها لموضع دون ما ركبها إليه أو لبد آخر؛ فالقول قول المستعير إن ادعى ما يشبه عبد الحق.
قال سحنون: يعنى فى دفع ضمانها لا فى الكراء.
وقال بعض شيوخنا: القول قوله فى الضمان والكراء.
الصقلى: قال بعض فقهائنا: ناقض كل من ابن القاسم وسحنون قوله فى دعوى المكترى الضياع بقوله فى مسألة العارية.
الصقلى: لا تناقض والفرق لابن القاسم بينهما؛ لأن المكترى مقر بالكراء مدع إسقاطه فعليه البيان.
وفى العارية: المعير مقر بالعارية مدع عداء المستعير فوجب قبول قوله؛ لأنه مدعى عليه.
والفرق لسحنون أن الأصل براءة الذمة من غرم العداء؛ لأن وضع يد المستعير على الدابة بإذن فكان القول قوله فى عدم عدائه، والأصل فى تناول مال الغير غرم عوضه لا عطيته فكان القول قول المعير أن المنفعة التى أقر المستعير بقبضها ليست عطية فوجب غرم عوضها، وهذا إن أقر المستعير بركوبه المسافة المتنازع فيها، وإنما يشبه ضمان الرقبة ضمان الكراء لو تعجى على دابة رجل فركبها فهلكت تحته، وادعى أن ربها وهبها له كان القول قول ربها، وعلى هذا الضمان حتى يثبت ما ادعى.
قال ابن عبد السلام عقب ذكره: وفى هذا الجواب نظر.
قلت: والإنصاف بعد التأمل تمامه، وبيانه أن حاصل قول ابن القاسم أنه قبل قول المستأجر فى التلف، وثبوته ملزوم لعدم انتفاعه بالمستأجر، وعدم انتفاعه ملزوم لسقوط الأجرة فلم يجعل تصديقه فى الملزوم تصديقا في لازمه.
وفي العارية: لما قبل قوله فى عدم تعديه فى ركوب المسافة المتنازع فيها قبل قوله فى لازمه، وهو سقوط عوضه، وعكس سحنون فجعل قبول قوله فى الملزوم موجبا لقبول قوله فى ثبوت لازمه فى مسألة الإجارة لا فى مسألة العارية فالتفريق لابن القاسم بأن اللازم فى الإجارة المستأجر مقر بثبوت موجب نقيضه، وهو عقد الكراء الموجب للكراء الذى هو نقيض اللازم المذكور الذى هو سقوط الكراء فى مسألة العارية هو غير مقر به، وهذا فرق واضح.
وحاصل قول سحنون أنه جعل فى مسألة الإجارة تصديقه فى الملزوم، وهو الضيع موجبا لتصديقه فى لازمه، وهو سقوط الكراء وإلغاء ثبوت موجب نقيضه فيها، وفى مسألة العارية جعل تصديقه فى الملزوم، وهو عدم عدائه فى ركوب المسافة المتنازع فيها غير موجب لتصديقه فى لازمه، وهو سقوط كرائه فتفريق الصقلى له بأنه إنما لم يصدقه فيه لثبوت موجب نقيضه، وهو كون الأصل فى تناول مال الغير غرم عوضه يرد بأنه كذلك فى مسألة الإجارة موجب ثبوت نقيضه قائم، وهو إقرار المستأجر بعقد الكراء فحينئذ سؤال الفرق قائم، وهو أن يقال لم اعتبر ثيوت موجبه نقيض اللازم فى مسألة العارية، وألغاه فى مسألة الكراء.
وحاصل نوع هذا الإبطال القول بالموجب، وهو الذى يعبر عنه الفروعى بقوله: هذا الفرق يفتقر لفرق، ودفع التناقض عن الشيخين أنه يقول الموجب لثبوت نقيض اللازم المذكور فى مسألة الإجارة هو إقرار المستأجر بعقد الكراء، وهذا الموجب قوى الدلالة من حيث كون دلالته على مدلوله، وهو لزوم الكراء خاصة به لا عامة فيه، وفى غيره ودلالة الخاص أقوى من دلالة العام وضعيفها من حيث عدم استقلالها بإيجابيه لتوقف وجوبه على انقضاء المنفعة، والموجب لثبوت نقيض اللازم فى مسألة العارية قوى، وهذا أن تناول مال الغير يوجب عوضه من حيث استغلاله؛ لأنه كلما أثبت موجبه ليس كالعقد الذى يفتقر معه إلى استيفاء المنفعة وضعيف من حيث كون دلالته على هذا العوض من حيث عمومه لا من حيث خصوصه به والدلالة من حيث العموم
أضعف من الدلالة من حيث الخصوص إذا تقرر هذا فابن القاسم اعتبر الموجب لنقيض اللازم فى مسألة الإجازة لرجحانه بما ذكر، وإلغاء اعتبار المال على النقيض فى مسألة الهارية لمرجوحيته بما ذكر وسحنون اعتبر الموجب للنقيض فى مسألة العارية لرجحانه بما ذكر وألغاه فى مسألة الإجارة لمرجوحيته بما ذكر ابن الحاجب، وفى ضمانه ما أجره لغيره، ثالثها: المشهور إن كان فى مثل أمانته لم يضمن.
ابن عبد السلام: إطلاق هذا الكلام فى كل مستأجر من دار وعبد وغيرهما لا يصح، ويقتضى كلامه أن مكترى الدابة إن أكراها ممن ليس مثله فى حفظه إياها، وخفت أنه لا ضمان عليه فى قول، وهذا لا يوجد ونحوه قول ابن هارون: لا يوجد هذا الخلاف، ثم حكى حكم إكراء المكترى ما اكترى، وقد تقدم.
قلت: تعقبهما عليه بالدار والعبد فيه نظر؛ لأنه إنما ذكر هذا كالفرع على ما ذكر فيه الخلاف فى قوله المستأجر أمين على الأصح، وهذا الخلاف إنما هو فيما يغاب عليه، والقول الثانى هو الذى لم يوجد بحال ودعوى المستأجر رد ما استأجر ذكر في القراض.