المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ابن زرقون: قال أبو محمد قوله: لا يقطعه الإمام غير - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٨

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في عاقد القراض دافعًا]

- ‌[باب عاقد القراض أخذًا]

- ‌[كتاب المساقاة]

- ‌[باب العاقد]

- ‌[باب في شرط حظ العامل]

- ‌[باب في العمل في المساقاة]

- ‌[كتاب المزارعة]

- ‌[كتاب المغارسة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب في أركان الإجارة]

- ‌[باب الأجر]

- ‌[باب فيما يجب تعجيله من الأجر في الإجارة]

- ‌[باب منفعة الإجارة]

- ‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

- ‌[باب (.....) يوجب فسخ الإجارة]

- ‌[كتاب ضمان الصناع]

- ‌[باب الصانع المنتصب للصنعة]

- ‌[كتاب الجعل]

- ‌[باب في شرط الجاعل]

- ‌[باب في شرط الجعل]

- ‌[باب في العمل في الجعل]

- ‌[كتاب إحياء الموات]

- ‌[باب موات الأرض]

- ‌[باب في معروض الإحياء]

- ‌[باب التحجير]

- ‌[باب الإقطاع]

- ‌[باب الحمى]

- ‌[كتاب الحُبُس]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في المحبس عليه]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في الحوز المطلق]

- ‌[باب في وقت الحوز]

- ‌[باب في الحوز الفعلي الحسي]

- ‌[باب في الحوز الحكمي]

- ‌[باب في صيغة الحبس]

- ‌[باب المستحق من الحبس لمن عليه حبس]

- ‌[باب العطية]

- ‌[باب العمري]

- ‌[باب في صيغة العمري]

- ‌[باب في الرقبى]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب في صيغة الهبة]

- ‌[باب الموهوب]

- ‌[باب الواهب]

- ‌[باب الحوز الحكمي في الهبة والصدقة]

الفصل: ابن زرقون: قال أبو محمد قوله: لا يقطعه الإمام غير

ابن زرقون: قال أبو محمد قوله: لا يقطعه الإمام غير صحيح.

قُلتُ: وفي النوادر ما نصه: قال سَحنون: إنما الإقطاع فيما فضل عن منافع أهل تلك الأرض من المسارح والمراعي، وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم الزبير أرضاً فيها نخل من أموال بني النضير، وأقطع عمر للناس العقيق أجمع.

الباجي في المدنيَّة: لا بأس أن يقطع الإمام الأغنياء إن كان أقطع الفقراء ما يكفيهم، ولعل هذا في الإقطاع دون الإحياء؛ لأن الإحياء لا تملك به الأرض إلا بإنفاق وعمل، فالغني أقدر عليه، والإقطاع تملك به الأرض دون نفقة.

قُلتُ: الإقطاع لا يكون إلا لمصلحة المسلمين، فإن تعدد ذوو المصلحة، وتقاربوا في تحصيلها بدئ بفقيرهم قبل غنيهم، ولو انفرد الغني بتحصيل تلك المصلحة دون الفقير صح تبدئته عليه كمصلحة الجهاد، وفي ذوي الفروسية وقتال عدو الدين، ومصلحة خدمة العلم تعلماً وتعليماً، وتقدم شيء من هذا المعنى في قسم الفيء في الجهاد.

[باب الحمى]

الحمى: الباجي هو أن يحمي موضعاً لا يقع به التضييق على الناس للحاجة العامة لذلك لماشية الصدقة والخيل التي يحمل عليها.

ص: 399

قُلتُ: قوله: (لماشية الصدقة) يقوم منه دون تأخير صرف الزكاة إذا كان لترجي مصرفها.

أبو داود عن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى البقيع، وقال: لا حمى إلا الله ولرسوله.

وقال علي بن عبد العزيز في المنتخب: حمى البقيع لخيل المسلمين ترعى فيه.

قال عبد الحق: هذا أصح أحاديث الحمى، وهو الذي يعول عليه.

قُلتُ: لفظ النقيع وجدته في نسخة صحيحة من الباجي، ومن أحكام عبد الحق بالنون قبل القاف، وذكره البكري بالباء قبل القاف، وكذا وجدته في نسخة صحيحة عتيقة من النوادر، وهو مقتضى نقل اللغويين.

قال الجوهري: في حرف الباء: والبقيع موضع فيه أروم الشجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد، وهي مقبرة بالمدينة، ونحوه في مختصر العين، ومثله لابن سيدة، وزاد: والغرقد: شجر له شوك كان ينبت هنالك فذهب، وبقي الاسم لازمًا للموضع.

ولم يذكر أحد منهم النقيع بالنون قبل القاف أنه اسم لموضع مع كثرة ما جلب فيه ابن سيده في المحكم.

وقال الباجي: في آخر الموطأ في ترجمة ما يتقى من دعوة المظلوم، وفيه ذكر الحمى، فقال الباجي، وهذا الحمى هو النقيع بالنون، ولم يتكلم عياض في مشارقه على هذه الكلمة لعدم وقوعها في الموطأ والصحيحين.

الشَّيخ: روى ابن وَهْب أنه صلى الله عليه وسلم حما البقيع، وهو قدر ثمانية أميال، ثم زاد فيها الولاة، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله نحو خمسة أميال في مثلها، وحماه عمر لإبل الصدقة وحمى أيضاً السرف، ثم ذكر ما في آخر الموطأ في ترجمة ما يتقى

ص: 400

من دعوة المظلوم فيه عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل مولىً له يدعى هبيًا على الحمى فقال: يا هبي اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة وإياي ونعم ابن عوف وابن عفان، فإنها إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى المدينة إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيته يأتيني ببينة فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين أفأتركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.

أبو عمر: فيه ما كان عليه عمر من التقى، وأنه لا يخاف في الله لومة لائم؛ لأنه لم يداهن عثمان ولا عبد الرحمن وآثر المساكين والضعفاء وبين وجه ذلك، وامتثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا حمى إلا لله ولرسوله يعني إبل الصدقة، وقوله: اضمم جناحك يقول لا تستطل على أحد لمكانك مني، والإحياء في بعيد الموات: في افتقاره لإذن الإمام طريقان:

اللخمي وابن رُشْد: لا يفتقر.

ابن حبيب عن الأخوين: يستحب.

الباجي: لا يفتقر.

وليحيى عن ابن القاسم: لا يحيا إلا بإذن الإمام، فإن عمرها بغير إذن، فروى ابن سَحنون ما علمت اختلافا في أن ذلك له.

ولابن مزين عن ابن نافع مثله، وقال في الذي يقتطع الموات البعيد فيحييه بغير إذن الإمام ينظر فيه الإمام إن رأى إخراجه أخرجه.

قُلتُ: فيكون فيه بعد الوقوع لابن نافع قولان، وفي قريبه طريقان.

الباجي: لابن سَحنون عن مالك، وابن القاسم وأشهب لا يحيا إلا بإذن الإمام.

ابن عبدوس عن أشهب: يحييها من شاء بغير إذنه.

ص: 401

سَحنون: وقاله كثير من العلماء من أصحابنا وغيرهم.

ابن رُشْد: المشهور في القريب الذي لا ضرر في إحيائه على أحد لا يجوز إلا بإذن الإمام، وقيل: استئذانه مستحب لا واجب.

قُلتُ: عزاه اللخمي لأشهب وأَصْبَغ، وتقدم حد القرب.

وقال اللخمي: هو ما كان في المحتطب والمرعى.

الباجي: لابن سَحنون عن ابن القاسم ما قرب من العمران لا يدخل في الحديث، وأنكره سَحنون وقال: المعروف أنه لا يجوز إحياؤه إلا بإذن الإمام.

وقد قال مالك: معنى الحديث في فيافي الأرض، وما بعد عن العمران الذي أنكر سَحنون حمل قول ابن القاسم على أنه لا يجوز الإحياء فيما قرب، وإن أذن فيه الإمام.

قُلتُ: في قبول الباجي إنكار سَحنون قول ابن القاسم مع احتجاجه على ذلك بقول مالك: "معنى الحديث فيما بعد عن العمران" نظر؛ لأن قول ابن القاسم: ما قرب لا يدخل في الحديث، هو نفس رواية سَحنون معنى الحديث فيما بعد عن العمران.

قُلتُ: في النوادر من كتاب ابن سَحنون: ما قرب من العمران لا يحيا إلا بإذن من الإمام ما أضر بأهل القرى في مسرح ومرعى ومحتطب، ونحوه منع منه.

قال سَحنون في المجموعة: كانت أرض صلح أو عنوة أو أرض أسلم عليها أهلها.

قال اللخمي: لأن البعيد خارج عن ما انعقد عليه الصلح أو أسلم عليه؛ لأنه لم يكن فيه منتفع ولا حمىً ولا دب، وعلى المشهور إن وقع دون إذن ففي إمضائه، ولزوم إخراجه، ثالثهما: للإمام إمضاؤه وإزالته وإعطاؤه غيره أو بيعه للمسلمين للباجي عن ابن حبيب عن أَصْبَغ، ولابن سَحنون عن ابن القاسم ولابن حبيب عن الأخوين مع مالك.

ابن زرقون: للمغيرة وأشهب ك أَصْبَغ.

قُلتُ: هو نقل ابن رُشْد اللخمي عن الأخوين يخير الإمام في أربعة في إبقائه أو جعله للمسلمين مع إعطائه قيمة بنائه منقوضاً أو أمره قلع نقضه أو إعطائه غيره، وله

ص: 402

قيمته منقوضاً.

قال: وأرى إن كان في إبقائه ضرر؛ لأنه ضيق المرعى أو المسكن لمن كان يسكن بأهله وماشيته أو لما يعلم من شره وحاله أو لأنه غني عنه وغيره فقير أخرج، وإن كان فقيراً لا تخشى ناحيته، ولا يضيق على الناس أو كان الإحياء للحرث لا للسكنى الشيء اليسير لم ينتزع.

قُلتُ: ليس هذا بخلاف لقول الأخوين بل هو تقرير لتعلق التخيير؛ لأنه للمصلحة لا للتشهي إلا أنه فيه خلافاً لنقل الباجي عن الأخوين يعطى قيمة عمله منقوضاً يعطيه ذلك الإمام أو غيره ولا آمره بقلعه.

ابن رُشْد: على إخراجه يكون له قيمته منقوضاً، وهو القياس، ولو قيل قائماً للشبهة لكان له وجه.

قُلتُ: قاله اللخمي أيضاً.

فيها: إحياء الأرض شق العيون، وحفر الآبار، وغرس الشجر، والبناء، والحرث.

عياض: اتفق على سبعة تفجير الماء، وإخراجه عن غائرها، والبناء، والغرس، والحرث مثله تحريك الأرض بالحفر، وقطع شجرها، وسابعها: كسر حجرها وتسوية حروفها، وتعديل أراضيها.

وفي رعي كلائها وحفر بئر ماشية: قولا أشهب وابن القاسم.

الباجي: لابن سَحنون عن أشهب وابن القاسم وجميع أصحابنا: ليس الرعي إحياء.

ولأشهب: من نزل أرضاً فرعى ما حولها فرعيهم إحياء؛ لأنهم ينتظرون أن يزرعوا.

قال في المجموعة: ألا ترى المعدن إن عمل فيه كان له ما قام عليه، ولم يعجب سَحنونا قول أشهب.

قال ابن القاسم وأشهب: وليس حفر بئر الماشية إحياء.

قُلتُ: هذا خلاف متقدم نقل عياض عن أشهب.

ص: 403

وإحياء الذمي في جزيرة العرب لغو:

روى اللخمي: هي الحجاز والمدينة واليمن، وزاد الشَّيخ ولابن حبيب.

قال الأخوان: جزيرة العرب مكة والمدينة والحجاز كله، والنجود واليمن إن عمر فيه أعطى قيمة عمارته وأخرج.

ولابن القاسم في المجموعة: له ما أحيا في موات أرض الإسلام غيرها.

ولابن حبيب عن الأخوين: له ما أحيا في بعيد العمران، ويخرج مما عمر في قريبه ويعطى قيمته

منقوضاً؛ لأن الذمي لا يقطعه الإمام؛ لأن ما قرب كالفيء ولا حق له في الفيء فقبله الشَّيخ.

وقال الباجي: فيه نظر؛ لأنه لو كان كفيء الأرض لم يجز تملكه، ولا قسمه، ولا بيعه عند مالك، ويلزم أن لا يحييه عبد ولا امرأة؛ لأنهما ليسا من أهله، ولو قيل: حكم الذمي كالمسلم في القريب لم يبعد، ثم قال: وفي إحياء غير المسلم ما قرب مضرة فلا يأذن فيه الإمام.

قُلتُ: هذا خلاف قوله: لم يبعد.

اللخمي: يخرج إن عمر فيما قرب.

ولابن القُصَّار: لا يجوز للإمام الإذن لأهل الذمة في الإحياء غير مفرق بين قريب، ولا بعيد.

قُلتُ: ففي جوازه له مطلقاً، ومنعه مطلقاً، ثالثهما: فيما بعد لقول الباجي: لو قيل: حكم الذمي فيما قرب كالمسلم لم يبعد، وقول ابن القُصَّار والمشهور.

وعزا ابن شاس الأول لابن القاسم لقوله: قال ابن القاسم: الذمي كالمسلم لعموم الخبر إلا في جزيرة العرب.

وقال بعد نقله قول ابن القُصَّار: قال ابن حبيب عن الأخوين: إن عمر فيما بعد فذلك له، وفيما قرب يخرج، ولو كان بإذن الإمام؛ لأنه فيء، وتبع ابن الحاجب ابن شاس.

والطرق: الشَّيخ في المجموعة والواضحة: روى ابن وَهْب أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من

ص: 404

اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرًا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين"، وقضى عمر رضي الله عنه بالأفنية لأرباب الدور.

ابن حبيب: تفسيره يعني بالانتفاع في المجالس والمرابط والمساطب وجلوس الباعة للبيع الخفيف.

ومر عمر بكير حداد في السوق فأمر به فهدم، وقال: يضيقون على الناس السوق.

اللخمي: ما بين الدور من الرحبات، والشوارع من أخذ منه شيئاً لداره، وهو يضر بالمارة أو بأهل الموضع منع وهدم عليه، وإن لم يضر، ففي جوازه وكراهته، ثالثها: يمنع ويهدم لقولي مالك، وظاهر قول أَصْبَغ مع ابن القاسم وسَحنون مع الأخوين.

وقال أشهب مرة بالثاني، وآخرًا بالثالث.

وصوّب اللخمي الكراهة.

قُلتُ: واستمر عمل قضاة العدل على المنع والهدم وجرحة فاعله إن لم يعذر بجهل، والمستحق فيما أبيح للباعة بالسبقية إليه كما لا يخرج أحد لأحد من مستنجى حبس يسكن، وكالطعام للحاجة في الغنيمة قبل قسمه والصيد.

وفي استمرار حقية الموضع بالسبقية إليه بغية الدوام دون تخلل تركه نقلا بعض من لقيناه عن المتأخرين.

قُلتُ: ولعياض ومن حديث أبي واقد الليثي في الثلاثة من كتاب الأدب، قال مالك في حديث:"إذا قام أحدكم من مجلسه فهو أحق به"هو على الندب، وخصه ابن مسلمة بالقائم إن قام لحاجة لا تاركًا له.

ولمالك: من ارتسم بموضع من المسجد لإقراء القرآن أو تدريس أو فتوى هو أحق به، والجمهور على أنه استحسان، لا واجب، ولعله مراد مالك.

ومن قعد من الباعة بأفنية الطرق، وأصحاب المرافق هو أحق به، فإن قام ونيته

ص: 405

الرجوع، فحكى الماوردي عن مالك: هو أحق به حتى يتم غرضه قطعا للنزاع، وقيل: هو وغيره سواء، وهو قول الجمهور.

قُلتُ: ويؤخذ الاستحقاق بالنية من قولها: من خرج لمكة، ونوى أن يسير يومًا ويقيم يومًا قضى في سائر سفره فكما لم يمنع يوم الإقامة اتصال ما بعده بما قبله كذا سبقية الثاني لا تمنع اتصال أحقية إتيان الأول بعد الثاني بإتيانه الأول، وكلما اتصل به كان أحق به، وربما يتخرج على مسألة من أحيا أرضا بعد مواتها بعد إحياء لغوه فتأمله.

وتقدم كثير من أحكام ما يباح فعله في المسجد، وما لا في كتاب الصلاة.

وسمع ابن القاسم: كتب ذكر الحق في المسجد ما خف منه لا بأس به، وما طال لا أحبه، وقضاء الرجل فيه ذهبًا لا بأس به، وما كان على وجه التجر، والصرف لا أحبه.

وسمع أشهب: في كتاب الصلاة في استحباب كون النصارى الذين يبنون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجازوا إلى موضع منه، ويدخلوا مما يليه، ولا يختلفوا ما لا عمل لهم فيه.

ابن رُشْد: إنما لم ينكر مالك دخولهم مسجده صلى الله عليه وسلم، ووسع فيه وإن كان مذهبهم منعهم من دخول المساجد مراعاة لاختلاف أهل العلم في ذلك منهم من أباح دخولهم المساجد إلا المسجد الحرام، ومنهم من لم يستثنه، وفي السماع المذكور، وكراهة كشف سقف قبره صلى الله عليه وسلم، ورأى من صونه أن يكون مغطى، ولم ير أن يكتفى فى ذلك بالخيش، وقال: ينبغي أن ينظر في أمره.

ابن رُشْد: كأنه رأى أن يغطى كتغطية البيوت المسكونة، وأخبرني من أثق به أنه اليوم لا سقف له تحت سقف المسجد، وفي الزكاة منها ما ظهر من المعادن بأرض العرب أو البربر فالإمام يليها، ويقطعها لمن يرى ظهرت في الجاهلية أو بعد الإسلام، وما ظهر منها في أرض الصلح فهو لأهل الصلح دون الإمام، ولهم أن يمنعوها من الناس، وما ظهر منها بأرض العنوة فهو للإمام.

وسمع يحيى ابن القاسم في الزكاة: الأمر كله لله في كل المعادن كانت بأرض رجل خاصة أو بأرض أهل ذمة من عنوة أو في أرض موات ليست لأحد إلا بقطيعة من

ص: 406

الإمام، وليست لمن أقطعها إلا بحال ما وصفت لك من الانتفاع بنيلها ما عمل، ثم إن ترك العمل أو مات عنها أقطعها الإمام من شاء.

قال سَحنون: إنما ذلك في المعادن التي بالأرض التي لا تملك كالموات، وأما الرجل له الأرض يملكها يظهر فيها معدن فهو له يمنعه، ويعمل فيه، ولا يجوز له بيعه؛ لأنه غرر لا يدري ما فيه، ولا كم يدوم له.

ابن القاسم: وأهل الصلح ما كانوا على دينهم فلهم صلحهم والوفاء بعهدهم، فإن أسلم من المعدن في أرضه رجع أمره للإمام.

ابن رُشْد: مذهب ابن القاسم أن أمر المعادن للإمام كانت بأرض مملوكة أو غير مملوكة يقطعها من يعمل فيها لا على وجه التمليك إلا أن تكون بأرض صلح فأهل الصلح أملك بأرضهم، فإن أسلموا رجع أمرها للإمام هذا قول ابن القاسم في هذا السماع، ولا يلتئم على أصله أن يرجع إليه منها إلا ما ظهر في أرضهم بعد إسلامهم، وأما ما ظهر قبله فالواجب على أصله أنه لهم؛ لأنهم أسلموا عليه، ومثل ذلك روى محمد، وظن بعض أهل النظر أن قول مالك في الموازيَّة في أهل الصلح إن أسلموا على أرضهم، وفيها معادن أنها لهم.

خلاف قول ابن القاسم مثل قول سَحنون، وليس بصحيح؛ بل قول مالك هو الصحيح على أصل ابن القاسم في أن مالك الأرض لا يملك بملكها ما كان فيها من مجهول لم يعلم به كالمعدن، وشبهه خلاف مذهب سَحنون أنه يملكه بملكها، وهو قول ابن حبيب، وفي السماع المذكور هل للإمام أن يزيل منها الذي يقطعه إياها إذا طال عمله فيها، ولم يتركها، ولا مات عنها، ولا يقطعها غيره فلم يجبه عن ذلك.

وروى أشهب: أن ذلك له، وهو ظاهر في الوجهين معًا؛ لأنه إن طال عمله فيه فقد انتفع بما أقطع، ولم يستحق ملك المعدن بذلك الإقطاع، ولا العمل فيه حياته إلا أن يقطعه إياه حياته، وأما إن مات ففي كتاب الشركة منها للإمام أن يقطعه لمن يشاء، ولم يبين إن كان أدرك نيلًا أم لا.

وقال سَحنون: إن كان أدرك نيلًا لم يكن للإمام أن يقطعه لمن يشاء، ولم يبين

ص: 407

إلا لورثته.

وقال أشهب: وورثته أحق، وإن مات قبل أن يدرك النيل وهو القياس؛ لأنه إذا أقطعه غير ورثته، وقد عمل فيه ذهب عمله باطلًا إلا أن يكون قد أدرك النيل، ومضى له مدة أو شاء الإمام أن يقطعه غيره قبل أن يموت كان له ذلك؛ فيكون له أن يقطعه لغير ورثته.

الباجي: ما كان منها بأرض جميع المسلمين كالبراري والموات، وأرض العنوة فالإمام يقطعه من شاء للانتفاع مدة محدودة، ولا يملكه رقبتها؛ لأنها كأرض المسلمين يحبسها الإمام لمنافعهم لا يبيعها عليهم، ولا يملكها بعضهم، وما كان منها بأرض الصلح، فقال ابن حبيب: يقطعها الإمام من شاء، وذكره عمن لقي من أصحاب مالك.

وقال ابن القاسم: لا حق للإمام فيها، وهي لأهل الصلح.

ابن زرقون: انظر ما حكاه عن ابن حبيب إنما ذكر ابن حبيب هذا في فيافي أرض الصلح لا في أرضهم المتملكة، ولا خلاف أعلمه في معادن فيافي أرض أهل الصلح أنها للإمام، ولا خلاف في معادن أرض الصلح المتملكة أنها لأهل الصلح.

الباجي: قال ابن القاسم: ومن أسلم منهم وبيده معدن أخرج عنه، وأقطعه الإمام من شاء.

ابن زرقون: وروى محمد: يبقى للصلحي الذي أسلم.

الباجي: ما كان منها بأرض رجل من المسلمين، فقال ابن القاسم: لا يملكه، وقال مالك: هو له، وله منعه.

ابن زرقون: هو قول سَحنون، وشُيُوخ ابن حبيب.

الباجي: ومن أقطع منها شيئًا لم يكن له بيعه؛ لأنه لا يملكه.

قال ابن القاسم: ولا يورث عنه.

وقال أشهب: يورث عنه، ولعله يريد: أن يتركه الإمام بيد وارثه بمنزلة إقطاع لهم لا حقيقة الإرث؛ لأن مورثهم لم يملكه.

ص: 408

ابن زرقون: هذا هو ظاهر قول أشهب؛ لأنه قال: ورثته أحق به بعد موته، ولم يقل يورث عنه، ولعله يريد: هم أحق أن يقطعهم الإمام إياها، وإنما اختلفا في إرث النيل ولو مات، ولم يدرك نيلا فلا خلاف أنه لا شيء لوارثه، وللشيخ بعد ذكره مسائل من المجموعة وغيرها.

قال ابن القاسم: في معادن الزرنيخ والكحل والنحاس والرصاص والجواهر أنها كمعادن الذهب والفضة السلطان يقطعها لمن يعمل فيها.

قال سَحنون: إنما كان السلطان يلي معادن الذهب والفضة لينظر في زكاتها ويحوطها، وكذا قال ابن نافع: فأما هذه الأشياء فليس فيها زكاة، ولو كان يلي هذا كان له أن ينظر فيما يخرج من البحر من العنبر واللؤلؤ.

قُلتُ: في عطفه اللؤلؤ على الرصاص نظر؛ لأن اللؤلؤ لا معدن له إلا أن يريد محله من البحر، ويبعد فيه الملك.

ابن الحاجب: وأما المعادن؛ فثالثها: إن كان ذهبًا أو فضة فإلى الإمام، وإن كان غيره فلصاحب الأرض أو لأهل الصلح؛ فقبل ابن عبد السلام فقوله، وقال ابن هارون بعد ذكره قولي ابن القاسم وسَحنون مع ابن نافع في معادن غير الذهب والفضة: لا أعلم هذا الخلاف الذي ذكره على هذا التفصيل، وإنما صوابه ما قدمناه.

قُلتُ: لا إشكال في وجود القولين في المعادن غير الذهب والفضة ولابن بشير: حكم المعدن بالأرض الغير مملوكة للإمام اتفاقًا، وإن كانت مملوكة لغير معين، فثالثها: إن كان معدن ذهب أو فضة كأرض العنوة، ففي كونه كالأول أو لمن فتح تلك الأرض قولان.

وإن كان بمملوكة لمالك معين، فثالثها: إن كان معدن ذهب أو فضة فللإمام، وإلا لمالك تلك الأرض، فنقل ابن الحاجب الثلاثة مطلقًا لا يصح ابن الحاجب لا ينظر الإمام فيما يخرج من البحر من عنبر ولؤلؤ.

قُلتُ: ما تقدم من احتجاج ابن نافع على عدم نظر الإمام في معادن غير الذهب والفضة بقوله: لو كان له ذلك لكان له النظر فيما يخرج من البحر من عنبر ولؤلؤ يقتضي

ص: 409

الاتفاق على عدم نظره فيهما.

ابن هارون: وروى أشهب ما لفظه البحر من أموال أهل الكفر لواجده يخمس منه الذهب والفضة لا غيرهما إلا أن يكون بقرب قرية لهم إلا أن يكون يسيرًا.

قُلتُ: عزاه الصقلي للموازية، واقتصار ابن هارون على نقله يوهم أنه المذهب أو مشهوره وليس كذلك؛ لأن في لقطتها ما نصه من أخذ متاعًا مما عطب بساحل البحر فهو لربه، وإن كان لأهل الشرك نظر فيه الإمام، ولم يكن لمن وجده والماء في آنية لربه يختص به، ويتعلق به حكم المواساة، وما بأرض مملوكة إن كان باستخراج منها كحفر أصله فالمعروف كما الآنية، ولم يحك الباجي، وغير واحد فيه خلافًا، وهو نصها في حريم البئر والتجارة بأرض الحرب.

وفي المقدمات حمل جماعة من أهل العلم قوله ?: ((لا يمنع نقع بئر ولا رهو ماء)) على عمومه.

فقالوا: لا يحل بيع الماء، ولا منعه بحال كان من بئر أو غدير أو عين كان في أرض متملكه أو غيرها إلا أنه في المتملكة أحق بقدر حاجته منه، وهو قول يحيى بن يحيى في العتبيَّة: أربع لا يمنعن الماء والنار والحطب والكلأ.

قُلتُ: الأظهر أن لا خلاف في أن رب الماء المستخرج بحفر في أرضه أحق به كالماء في الآنية، وهو ظاهر قول عياض في الإكمال، ونقل الباجي واللخمي وإياهم.

تبع ابن شاس وابن هارون: يرد باحتمال حمله على الماء في الأرض المملوكة بنزول مطر أو تفجر فيها دون تسبب فيه بحفر ونحوه، ولذا قرنه بالنار والحطب والكلأ، وهو معنى قول اللخمي، وأما الماء في الأرض المملوكة فهو عند أشهب

ص: 410

كالكلأ لا يمنع فضله، ونحوه قول الباجي.

أشهب: لا يبيح بيع الكلأ بحال، وإن كان بأرضه وحماه كالماء الذي يخرجه الله على وجه الأرض وعلى المعروف.

قال ابن رُشْد: يستحب له أن يمنع الشرب من العين والغدير تكون في أرضه لأحد من الناس، ولا يقضى عليه بذلك، وله في واجب الحكم منعه.

قُلتُ: انظر قوله هذا، وله في واجب الحكم منعه مع ظاهر قولها في التجارة بأرض الحرب من في أرضه بركة أو غديرة لا يمنع من شرب منها ولا صيد ما فيها، فإن وجبت في فضله مواساة لزمت فيها من حفر بأرضه بئرًا فله منع المارة ماءها إلا بثمن، إلا قومًا لا ثمن معهم، وإن تركوا إلى أن يردوا ماء غيره يهلكوا فلا يمنعوا، ولهم جهاد من منعهم، فإن لم يقو المسافرون على دفعتهم حتى ماتوا عطاشًا فدياتهم على عواقل المانعين، والكفارة عن كل نفس منهم على كل واحد منهم من أهل الماء مع وجيه الأدب.

الصقلي: واجب على من خاف على مسلم موته إحياؤه بما قدر عليه، فإن كان الماء يجوز بيعه وجب عليهم بيعه للمسافرين بما يسوى، ولا يشتطوا في ثمنه، وأوجب عليهم الثمن إن كان معهم.

وقال فيمن انهارت بئره، وخاف على زرعه أن له السقي بماء جاره الجائز بيعه دون ثمن، وإحياء النفس آكد، والأولي فيهما الثمن كموت جمله بالصحراء واجب على أهل الرفقة أن يكروا منه، وإن لم يكن مع المسافرين ثمن لم يتبعوا بثمنه، ولو كان لهم أموال ببلدهم؛ لأنهم اليوم أبناء سبيل يجوز أخذ الزكاة.

وقال بعض الفقهاء القرويين: إنما لزمت الديات عواقل المانعين؛ لأنهم لم يقصدوا قتل المسافرين بل تأولوا أن لهم منعهم؛ لأنه أمر يخفى على الناس، ولو علموا أنه لا يحل لهم منعهم وموتهم عطشًا إن منعوا أمكن أن يقتلوا بهم، وإن لم يلوا القتل بأيديهم.

واختلف فيمن تعمد الزور بشهادة حتى قتل المشهود عليه بها قيل يقتل، وفي المدَوَّنة لا يقتل.

ص: 411

وقال اللخمي: في فضل ماء بئر الماشية والزرع إن خيف على المسافرين إن صرفوا لغيره فلهم أخذه بثمن إن كان شأنهم البيع، ومع المسافرين الثمن، وإلا أتبعوا به إن كانوا أملياء ببلدهم، وإن كانوا فقراء، ففي اتباعهم به قولان قياسًا على من وجبت مواساته لفقره، وإن لم يقدروا على أخذ الماء إلا بقتال أربابه، ففي إجازته وكراهته قولا ابن القاسم وأشهب فيمن قتل من المسافرين القصاص إلا أن يظن قاتله أنه له منعه، وإن ماتوا عطسًا، وعلم المانعون مبلغه منهم، وأنهم لا يجوز منعهم، ففي لزوم القصاص والداية في أموالهم قولان من شاهدي الزور بزنا محصن.

وفيها: إن حرث جارك على غير أصل ماء فلك منه سقيه بفضل مائك إلا بثمن إن شئت، ولو حرث ولأرضه بئر فانهارت فخاف على زرعه قضي له عليك بفضل ماء بئرك بغير ثمن، وإن لم يكن في مائك فضل فلا شيء عليك.

في المقدمات في كون القضاء بثمن روايتان، وفي البيان في سماع عيسى لابن رُشْد: يقضى له به إلى أن يصلح بئره، وفي كونه بثمن قولان في المدَوَّنة، ومعنى ذلك عندي إن كان يجد له ثمنًا عند سواه، وإلا فلا ثمن له قولًا واحدًا، وقيل: أن ذلك ليس باختلاف، ومعنى القول بالقضاء إن وجد له ثمن عند سواه، والقول بسقوطه إن لم يوجد.

والأظهر: أنه اختلاف قول كما ذكرناه، وهو بناء على اختلافهم في قوله ?:((لا يمنع نقع بئر، ولا رهو ماء)) فمن حمله على هذا الموضوع أسقط الثمن، ومن حمله على البئر بين الشريكين يسقي أحدهما بمائه يومه، فيروي أحدهما حائطه ف بعض يومه ويستغني عن الماء بقية يومه أن ليس له منع شريكه بقية يومه.

قال: يقضى له بالثمن.

قُلتُ: عزا هذا القول الباجي لابن حبيب عن رواية مُطَرِّف الباجي: والسقي لغير الشريك بشروط أربعة الأول أن يكون زرع أو غرس على أصل ماء فتعذر، ولو أو زرع أو غرس على غير أصل ماء لم يكن له ذلك، قاله ابن الماجِشُون، وابن عبد الحَكم، وأَصْبَغ، وابن القاسم، وأشهب ورووه.

ص: 412

الثاني: خوفه على زرعه أو نخله من عدم الماء، فإن لم يكن يخف لم يكن له شيء في فضل ماء جاره رواه أشهب.

الثالث: كون ماء جاره فاضلًا عن حاجته مستغنى عنه، فإن لم يفضل عنه فلا شيء لجاره رواه ابن القاسم وابن وَهْب وابن نافع وأشهب.

الرابع: أن يشرع من انهارت بئره أو غارت عينه في إصلاحها على المعروف والإمكان، فإن لم يفعل واعتمد على السقي بفضل ماء جاره، فروى أشهب ليس له أن يسقيها إن كانت وديا حتى تبلغ، وإنما ينظر في هذا إلى قدر ما ينزل.

وقال مُطَرِّف: يسقى بذلك إلى أن يبني بئره، وقاله مالك.

قُلتُ: وعلى الأول في القصالة بقدر مدة مؤنة الإخراج إن كانت فيه فائدة نظر وبحث.

قال: وفي القضاء به على جاره بذلك، وأمره به دون قضاء رواية أَصْبَغ عن ابن القاسم عن مالك، وقول عيسى في المدنيه مع روايته عن ابن نافع، وعليه قال عيسى في المدنيَّة: إن باعه كان جاره الذي انقطع ماؤه أولى به بالثمن.

قُلتُ: وسمع عيسى ابن القاسم من كتاب السداد من غرس بماء قوم قريب من أرضه فنبت به شرجه، وهم لا يعلمون فأرادوا حبس مائهم؛ فقال: لهم تركتموني حتى غرست ليس لهم حبس ماء فضل عنهم إلى أجل يحتفر فيه بئرًا أو عينًا، وما لا فضل فيه عنهم هو أولى به، ولو لم يعلموا بذلك، فإن لم يكن لهم في فضل مائهم منفعة فهو أولى به، وإن كان لهم فيه منفعة فهم أحق به، ولا قول لهم فيه، وإن باعوه إلا أن يبيعوه منه.

قال عيسى: أرى أهل الغرس أولى بالماء، بالثمن الذي بيبعه به أهله.

ابن رُشْد: قوله غرس بمائهم؛ يريد: بفضل مائهم، وقوله أرادوا حبس مائهم معناه: حبس فضل مائهم إذ لا خلاف في أن الرجل أحق بجميع مائه إن لم يكن فيه فضل عن حاجته، وما فضل عنه إن لم لكن لغيره إليه حاجة إلا ما يريده من ابتداء الانتفاع به منزرع يزرعه أو نخل يغرسها عليه فلربه منعه إلا بثمن بواجبه عليه وجد فيه ثمنًا عند غيره أو لم يجد، وإن كان لغير حاجة إليه لسقي نخل كان غرسها عليه

ص: 413

فنبتت به، فإن كان يعلم صاحب الماء فهو أحق به دون ثمن إلا أن يستخرج ماء وجد ربه به ثمنًا عند سواه أو لم يجد، وإن لم يكن يعلمه كان أحق به دون ثمن إلى أن يستخرج ماء إن لم يجد ربه فيه ثمنًا عند سواه، وإن وجده عند سواه كان أحق بفضل مائه ببيعه ممن شاء، وما لم ينفذ فيه البيع فهو أحق به بالثمن الذي يعطي فيه غيره على ما قاله عيسى هذا معنى قوله عندي لا أنه يكون له أخذه بعد نفوذ بيعه كالشفعة.

قُلتُ: ما حمل عليه قول عيسى خلاف ما تقدم للباجي عن عيسى باعتبار متعلقه وحقيقته متعلقه عند الباجي من انهارت بئره، ومتعلقه عند ابن رُشْد من غرس على ماء غيره، وحقيقته عن الباجي: أنه أحق كالشفيع، وعند ابن رُشْد: أنه أحق قبل نفوذ البيع لا بعده، وليس كالشفيع.

المتيطي: قال ابن حبيب: سألت أَصْبَغ عن عين بجنان رجل، وهي في سفح جبل ولرجل تحته دار أو جنان؛ فأسال ساقية العين إلى داره أو جنانه يسقى بها زمانًا هل لرب العين قطعها عنه بلا حاجة إليها؟

قال: ذلك له، ولو غرس الثاني عليها غرسًا ما لم يأذن له في ذلك، وليس علمه بذلك إذنًا له بعد حلفه ما سكت إذنًا له في ذلك، وقاله ابن القاسم وابن نافع: وله قطع مائه عنه ما لم يكن في الشجر ثمر يخاف هلاكه، فيترك له الماء إلى جداده، وفي الزرع إلى حصاده.

قال فضل: ورواه أَصْبَغ عن ابن القاسم، وروي عنه في سماعه ليس له قطعه إن رآه يغرس عليه، وقاله ابن كنانة وسمع محمد بن خالد: من غرس على فضل ماء رجل بعطية منه فيطعم الغرس، فيريد رب الماء قطعه عنه ليس له ذلك إلا أن يحتاج إليه.

ابن رُشْد: القياس أن لا يكون له قطع فضلته عنه، وإن احتاج إليها؛ لأنه أعطاه إياها، ومعنى ذلك عندي إن لم يصرح له بعطية الفضلة إنما قال له اغرس على فضل مائي أو خذ فضل مائي أو اغرس عليه فمن حقه أن يقول إنما أردت أخذه على وجه العارية إلى أن أحتاج إليها أو طول ما استغنى عنه؛ فيحلف على ذلك، ويأخذه إن

ص: 414

احتاج إليه، ولو صرح بالعطية أو الهبة، فقال وهبتك فضل مائي أو أعطيتك إياه لم يكن له أخذه منه، ولو احتاج إليه، ولو صرح بالعارية كان له أخذه إن انقضت مدة عاريته أو ما يعار إليه إن لم يضرب لها أجلًا.

وقد قال ابن أبي زيد قوله: يعطيته؛ يريد: العارية لا التمليك والعارية في هذا على التأبيد إلا أن يحتاج إليه إلا أن هؤلاء اتفقوا وغرسوا، وهو يعلم، ولا ماء لهم غيرهم فهذا كأنه تسليم، والله أعلم.

قاله ابن أبي زيد، وقال: أعرف نحوه لسَحنون، والماء غير مستخرج، ولا مستنبت في جريه.

روى مالك فيه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه بلغه أن رسول الله ? قال: ((في سيل مهزوز ومزيليب يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى على الأسفل)).

أبو عمر: هما واديان بالمدينة مستويان يسيلان بالمطر يتنافس أهل المدينة في سيلهما، وروى عبد الرازق عن أبي حازم القرطبي عن أبيه عن جده أن رسول الله ?: قضى في سيل مهزوز أن يحبس في كل حائط حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل وغيره من السيول كذبك، وصححه عبد الحق بسكوته عنه.

وقال ابن القطان: ما من رواته الذين أبرز من يعرف له، وله طريق أحسن من ذلك، وروى مسلم عن عبد الله بن الزبير أن رجلًا خاصم الزبير في شراج الجره التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصموا عند رسول الله ?، فقال رسول الله ? للزبير: اسق يازبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال يا رسول الله: أن كان ابن عمتك؟ فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم

ص: 415

قال: يازبير اسق، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: والله إني لأحسب.

هذه الآية نزلت في ذلك {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} ] النساء: 65 [.

فقال غير واحد: واللفظ للمقدمات: حكم كل ماء غير متملك يجري على قوم إلى قوم أن من دخل أرضه أولًا أحق به حتى يبلغ في أرضه الكعبين، ثم في وجوب إرساله جميعه إلى الأسفل منه وقصر وجوب إرساله على ما زاد على الكعبين قولا ابن القاسم والأخوين مع ابن وَهْب.

ابن رُشْد: وهو اظهر، وروي زياد أن معنى الحديث أن يجري الأقرب إلى الماء منه في ساقيته إلى حائطه بقدر ما يكون الماء في الساقية إلى حد كعبيه حتى يروي حائطه، ثم يفعل الذي يليه كذلك ما بقي من الماء شيء، ويحتمل أن يكون معنى هذه الرواية إن كان ماء الوادي كثيرًا فوق ما يتأتى به السقي لواحد فلا تكون مخالفة لما تقدم.

والأظهر: أنه اختلاف قول، وزدنا هذا بينًا في سماع عيسى من كتاب السداد.

قُلتُ: لم يذكر فيه زيادة على هذا بوجه بل نقض منه قوله.

والأظهر: أنه اختلاف قول الباجي اختلف أصحابنا في قوله ?: "حتى الكعبين"، فلابن حبيب عن ابن وَهْب والأخوين: أنه إذا بلغ الماء في الحائط الأعلى إلى الكعبين أغلق مدخل الماء، ولعيسى في المدنيَّة عن ابن وَهْب: يسقي الأول حتى يروي حائطه، ويمسك بعد ريه ما كان من الكعبين إلى أسفل، ثم يرسل.

وروى زياد: يجرى الأول من الماء في ساقيته إلى حائطه قدر ما يكون الماء في الساقية إلى الكعبين حتى يروي حائطه، أو يفنى الماء، فإذا روى أرسله كله.

قال ابن مزين: هذا أحسن.

ص: 416

وقال ابن كنانة: بلغنا أنه إذا سقى بالسيل الزرع أمسك حتى يبلغ الماء شراك النعل، وإن سقى المخل والشجر، وما له أصل فحتى يبلغ الكعبين، وأحب إلينا أنه في الزرع كذلك.

وللباجي واللخمي واللفظ للخمي: قال ابن سَحنون: إن كانت السيول من ماء المطر تأتي من الأرض المملوكة فلكل واحد أن يمسك ماءه في أرضه وإن كثر، ولا يرسله إلى من تحته إلا أن يتطوع، فإن أرسله كان للمرسل إليه حبسه كالأول، وجعل المعنى في مهزور ومزينبب أن يكون يجري بين البساتين فيردوا إلى حوائطهم بخلاف أن يدخل إليهم من غير رد.

قُلتُ: وعزاه الباجي لسَحنون لا لابنه.

اللخمي: وفي المجموعة في قوم لهم سرج له واد إن أتت السيول يسقى مرجهم، وانصرف عنه ليس سد مصرفه عن مرج الآخرين إن انصرف عنهم قبل أن يدخل إلى أرضهم، وإن دخل إليهم كانوا أحق به، ولا يصرف عن قوم ما صرفه الله إليهم، ولا ينقلوه من مكان بعيد فيصرفوه إليهم دون من هو أقرب إليه منهم.

قُلتُ: ففي كون الماء الداخل بنفسه من أرض لأرض رجل أحق به، ولو كثر لا يجب عليه إرسال شيء منه، ووجوب إرسال جميعه بعد بلوغه الكعبين أو ما زاد عليهما، رابعها: هذا في الشجر وفي الزرع حتى يبلغ شراك النعل، وخامسها: ما زاد على الكعبين بعد الري لا قبله، وسادسها: يرسل ما زاد على الري مطلقًا

اللخمي: عن ابن سَحنون، وابن رُشْد عن ابن القاسم وعن الأخوين مع ابن وَهْب والباجي مع اللخمي عن ابن كنانة عن عيسى في المدنيَّة، وله عن رواية زياد قال سَحنون: فإن كان بعض الحائط أعلى من بعض أمر ربه أن يعدل أرضه، ولا يحبس على كل أرضه إلى الكعبين.

الباجي: إن تعذرت عليه التسوية سقى كل مكان مستو على حدة.

قال: وتقديم الأعلى فالأعلى إنما هو إن كان إحياؤهم معًا أو إحياء الأعلى قبل، قاله مالك وأصحابه.

ص: 417

قال ابن نافع: وهذا حكم النيل، فإن أحيا رجل بماء سيل، ثم أحيا فوقه غيره، وإن أراد أن ينفرد بالماء، ويسقي قبل الأسفل الذي أحيا قبله، وذلك يبطل عمل الثاني، ويتلف زرعه، فقال سَحنون: القديم أولى بالماء، ولابن سَحنون عنه أن الجنان متقابلين في ماء حكمه أن يكون للأعلى فالأعلى قسم الماء بينهما، وإن كان الأسفل مقابلًا لبعض الأعلى حكم لما كان أعلى بحكم الأعلى، ولما كان متقابلًا بحكم المتقابلين.

وسمع يحيى ابن القاسم: من لع رحى قديمة ليس لغيره أن يحدث فوقها أو تحتها رحى إن غير القديمة عن حالها في بعض طحن أو يكثر بذلك مؤنة عملها أو يضر بصاحبها ضررًا يتبين عند أهل المعرفة بالأرحى.

ابن رُشْد: هذا مشهور المذهب، ومثله لابن حبيب عن ابن الماجِشُون، وحكي عن أَصْبَغ أنه لا يمنع إلا أن يبطل عليه بذلك عليه رحاه أو يمنعه جل منفعته.

قال: لأن حوزها مع الأنهار، وليس بحث ثابت كحق ذي الخطة إذا بني عليه في قناة ما يضر به إنما هو كالموات واحتج بقوله ?:((يمسك الأعلى حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل على الأسفل)) ألا ترى لو أراد رجل أن ينشء في حقه حائطًا فوق حائط صاحبه لم يكن لصاحب الأسفل حجة بقوله: لا تنشئ في حقك حائطًا فوق حائطي؛ لأنك تستأثر بالماء علي حتى تسقي به حائطك، ولا يلزم ابن القاسم ما احتج به أَصْبَغ من الحديث؛ لأنه يخالفه في تأويله، ومعناه عنده إذا أنشأ الأعلى حائطه قبل الأسفل إن أنشآ معًا، وإن أنشأ الأسفل قبل الأعلى لم يمد عنده الأعلى بالسقي عليه إلا أن يكون فيما يفضل عنه ما يكفي الأسفل، وذلك ظاهر قوله في أول سماع أَصْبَغ بعد هذا.

قُلتُ: بل هو نص فيه.

قال ابن رُشْد: فيه وهو أظهر من قول أَصْبَغ ماء ذلك الوادي سيقي به غرسه فجاء رجل يغرس في ذلك الوادي قال: ليس له أن يحدث على الأول ما يقطع ماءه إلا أن يكون فيه ما يكفيهما معًا.

قال أَصْبَغ: وذلك إذا انفرد الأول بالإحياء والغرس والانتفاع بالماء.

ابن رُشْد: قول أَصْبَغ مبين لقول ابن القاسم أن الثاني إنما يمنع إذا كان غرس

ص: 418

الأول قد انتفع بالماء ونبت به وحى من أجله، ول أَصْبَغ في الواضحة خلاف قول ابن القاسم، هذا وقول ابن القاسم اظهر؛ لأن في إحداث الثاني فوق الأول ما يقطع عنه الماء ضررًا به، وقد نهى (ص)) عن الضرر والضرار فوجب أن يخص بنهيه ههذا عموم قوله (ص) يمسك الأعلى حتى يبلغ الكعبين.

قُلتُ: في جعل ابن رُشْد قول أََصْبَغ، وذلك إذا انفرد الأول إلى آخره تفسيراً لقول ابن القاسم نظر، بل ظاهر قول ابن القاسم الإطلاق، وهو مقتضى ما تقدم من نقل الباجي فتأمله.

وفي أجوبة ابن رُشْد: إن أنشاء قوم جنان على ما سبقهم إليه ذو رحى بإنشائها قبل إنشائهم قدموا في السقي على أصحاب الرحى، فإذا استغنوا عن السقى ضربو الماء لأرباب الأرحى لقضائه (ص) أن يمسك الماء الأعلى للكعبين، ثم يرسله للأسفل فلم يخص الأعلى بقوله بكل الماء دون الأسفل فكذا أصحاب الأرحى لا يختصوا بجميع الماء لأرحائهم:

قال ابن الحاجب: فإذا حدث إحياء الأعلى فالأقدم أحق؛ فتعقبه ابن عبد السلام بتركه ما قيده به سَحنون من خوف هلاك زرع الأول حسبما تقدم لسَحنون.

قُلتُ: يرد التعقيب باحتمال كون ابن الحاجب اتبع ظاهر قول ابن القاسم في سماع أَصْبَغ المتقدم، ففي شرط تقدم الأسفل على الأعلى بمجرد تقدم إحيائه على الأعلى أو مع خوف هلاك زرعه، ثالثها: مع انفراده بالانتفاع بالماء لنقل ابن الحاجب مع ظاهر سماع أَصْبَغ ابن القاسم، وقول سَحنون وتفسير أَصْبَغ قول ابن القاسم.

وسئل ابن رُشْد عن قوم ابتاعو ملكًا من بائع واحد صفقة واحدة، وهو على نهر فاقتسموا الملك فصار بعضهم فوق بعض، وفي حظ كل منهم ثمر وأرحى ونضب بعض ماء النهر، وليس يفوت الكل أيقسمون الماء على حصصهم إذ رب الملك واحد أم لا يبدأ الأعلى فالأعلى فأجاب يبدأ الأعلى إن لم يقسموا على أن السقي على الحصص.

قال ابن الحاجب. فإن كان مسيله من مملوكه فلله حبسه متى شاء، وإرساله، ومثله لابن شاس، وتقدم عزوه الباجي لسَحنون، وفيه؛ لأنه صار احق بدخوله في أرضه.

ص: 419

قُلتُ: وهذه العلة موجودة فيما كان مسيلة من غير مملوكة.

والأظهر: أنه خلاف المشهور حسبما تقدم في تحصيل الخلاف، وهو ظاهر قول اللخمي، وجعل ابن سَحنون الجواب في السيل يدخل ارض رجل مثل ذلك إذا كان يصل من أرض قوم آخرين.

الباجي: ما مسيله بأرض قوم معينين كقوم أخرجوا ماء من بثر حملوه في أرضهم أو أرض مبورة ملكوها بسبق ساقية فيها هم أحق بمائهم لا يقدم الاعلى على الأسفل يقسمونه كما يقسم ما يملك أصله من العيون والآبار.

قال سَحنون: يقتسمونه على قدر ملكهم بالقلد لايقدم أحد على أحد يصنع كل منهم بمائه ماشاء.

قالل ابن القاسم وأشه ب: في أرض مقسومه بين قوم، ولهم شرب أراد أحدهم صرف مائه لأرض له أخرى، فذلك له، وإن عطل حصته من هذه.

الشيخ: لأن له بيعه فكذا يصرفه حيث شاء ما لم يمر به حصة غيره، وإن كانت الأرض مشاعة بينهم لم يكن لأحدهم صرف حصته من ذلك الماء؛ لأنه يضر بحضتهم منها، والقلد ضبطه عياض في كتاب الشفعة بكسر القاف وسكون اللام قال غير واحد: هي القدر التي يقسم بها الماء، وهو أكثر المراد هنا، وكذا جاء مفسراً في بعض نسخ الكتاب.

وقال ابن دريد: هو الحظ من الماء، وقال ابن قتيبة: هو سقي الزرع وقت حاجته.

قُلتُ: هو في استعمال الفقهاء عبارة عن الآلة التي يتوصل بها للإعطاء لكل ذي حظ ن الماء قدر حظه من غير نقص ولا زيادة وللمتقدمين، والمتأخرين في حقيقته أقوال، وتعقبات باختلاف جري الماء الذي القسم بمدته لقلته وكثرته وسرعة حركته بالليل وبطئها بالنهار حسبما ذكره عياض وغيره.

والتحقيق عندي أن فيه إن كان الماء غير متنافس فيه جيدا فالتقارب فيه كاف بأحد الوجوه المذكورة فيه، وإن عو ثمنه ابتغى تحقيقه، واقرب ما يحقق به إن يقسم ماء الليل وحده وماء النهار وحده بالساعات الرملية المحققة، ولما نقل ابن عبد السلام قولهم أن

ص: 420

من وقع منهم نصيبه في الليل حصل له أكثر ممن وقع نصيبه في النهار ولا بد من ذلك.

قال بعضهم: ولا يمنع ذلك من القسمة كما لابمنع من قسمة الدار الواحدة مع أنه يعلم أن لبعضهم أفضل مما لبعض إذ قد يكون بعض بيوت الدار احسن من بقيتها،

وقال: وهذا لا يلزم؛ لأن من يأخذ أحسن البيوت إنما يأخذه بقيمته فهو بالضرورة يأخذ أقل في القدر من غيره، ولاكذلك من يأخذ نصيبه من الماء في الليل مع من يأخذ نصيبه في النهار.

قُلتُ: إنما عرف هذا الكلام الذي أشار إلى تعقبه لعياض؛ ولفظه إذا جعل قسم الليل على حدة، وقسم النهار على حدة سلم من الاعتراض؛ إلا أن يقول الضرورة دعت إلى هذا، وهو غاية المقدور كقسم الدار الواحدة، وبعضها جيد البناء، وبعضها واهٍ، والأرض الواحدة بعضها كريم، وبعضها دنيء مع اختلاف الاغراض في ذلك.

قُثلتُ: تشبيه اغتفار اختلاف معنى الليل والنهار باعتبار اختلاف الأغراض في قسم الدار المذكورة لا يكون من بعض بيوت الدار أحسن ليتجه رده بأن القيمة اعتبر فيها الحسن فلا اغتفار فيه؛ بل شهه باختلاف الأغراض، واختلاف الأغراض لا يرتفع بالقيمة بحال فتأمله.

عياض: وابتداء زمن الحظ من الماء من حين ابتداء جرية لأرض ذي الحظ، ولو بعدت إن كان أصل أراضيهم شركة، ثم قسمت بعد شركتهم في الماء؛ لأن على ذلك قومت الأرض حين قسمها، وإلا فمن حين وصوله لأرضه.

ابن الماجِشُون: لو قسموا الأرض وماؤها يكفي بعيدها فصار لا يكفيه لم ينقص قسمهم الأرض بل قسم الماء فيقسم بحيث يستوي فيه القريب والبعيد فيكون حظ البعيد أكثر.

عياض: وعليه لا يقسم الماء، ولا جميع ما يخرج من القلد، حتى يصل الماء للبعيد بإعلام أمينة ذلك بصوت، وفي التجارة بأرض الحرب ما حفر في الفيافي والطرق من المواجل، كمواجل طريق المغرب، كره مالك بيع مائها، ولم يره حرامًا بيناً، وهي مثل آبار الماشية في المهامة، وكره بيع أصل بئر الماشية اومائها او فضلها، حفرت في

ص: 421

جاهلية أو إسلام قربت من العمران أو بعدت وأهلها أحق بمائها حتى يرووا، وما فضل بين الناس بالسواء إلا من شربهم لسقيهم ودوابهم فلا يمنعون؛ ولما ذكر الباجي قولها في المواجل قال: وروى ابن نافع في حباب البادية االتي للماشية نحوه قيل له: فالجباب التي تجعل لماء السماء؛ قال: بعد ذلك أبعد.

وقال المغيرة: له منع ذلك، وليس كالبئر، وروى ابن القاسم في المجموعة: لا تورث بئر الماشية ولا توهب، ولا تباع، وإن احتاج؛ يريد: لا تورث على معنى الملك ولا حظ فيها لزوجه، ولا زوج إن لم يكن من ذلك البطن. قاله ابن الماجِشُون.

ابن حبيب: قال جميع أصحابنا ورووا: حافرها او ورثته أحق بحاجتهم من مائها.

وقال ابن الماجِشُون: لا إرث في بثر الماشية بمعنى الملك، ومن استغنى منهم عن حظه فليس له أن يعطيه أحداً، وساثر أهل البثر أولى منه، وممن غاب.

وسئل أشهب عن الوصية، فقال: قال مالك: لا تباع، ولا تورث بمعنى لا تنفد فيها الوصية، وظاهر المدَونة: أن المنع من بيعها على الكراهة، وقال في الجعل والإجارة: لا أرى بيعها حراماً، وظاهر المجموعة خلاف ذلك لقول مالك فيها: لايجوز بيع بئر الماشية، وهو قول القاضي، وعلله اشهب بأن ما يشتريه مجهول؛ لانه إنما اشترى من مائها ما يرويه، وهومجهول، ولو كان كذلك لجاز أن تورث وتوهب؛ لأن الجهالة لا تمنع ذلك، وقاله ابن القاسم: لا تباع لأن للناس فيها منافع.

الباجي: وعندي أن الكراهة إذا حفر على معنى الانفراد به، إن حكم بحكم الإباحة لفضله وجب حملة على التحريم وحكم لتبدية فيه.

قال ابن الماجِشون: إن كانت لهم سنة من تقديم ذي المال الكثير أو قوم على قوم اوكبير على صغير حملوا عليها وإلا استهموا.

وروى ابن وَهْب: لا يمنع ابن السبيل من ماء بثر الماشية، وكان يكتب على من احتفر أن أول من يشرب منها أبناء السبيل.

ققال ابن القاسم: لايمنع من مائها ابن السبيل بعد ري أهلها، فإن منعوه بعده لم

ص: 422

يكن عليهم دية جراحهم؛ لحديث: " لا يمنع نقع بئر"، ولو منعوا المسافرين حتى ماتوا عطشاً فدياتهم على عواقل المانعين، وعلى كل رجل كفارة عن كل نفس مع وجيع الأدب.

ولأشهب في المجموعة: لابن السبيل أن يشرب ويسقي دوابه من فضل الآبار والمواجل إلا أن يكون فضل، واضطرب دوابهم إليه، ومسافة ماء آخر بعيدة؛ فيكون ذلك أسوة بينهم إلا ان لايكون لأهل تلك المياه غوث أقرب من غوث السفر، فيكون السفر أولى به في أنفسهم ودوابهم.

وكتب عمر بن عبد العزيز في الآبار بين مكة والمدينة ابن السبيل أولى من شرب بها، وهو حسن لاضطراره إليه، ويتزود منه، وليس لأهل القرية مثل تلك الضرورة لقرب غوثهم وحمام بثرهم.

وسمع القرينان: لا تباع مياه المواشي إنما يشرب بها، ويشرب بها ابناء السبيل، ولاتمنع من أحد، ولا يصلح فيها عطاء.

ابن رُشْد: مياه المواشي: هي الآبار والمواجر والجياب يضعها الرجل في البوادي للماشية هو احق بما يحتاج للماشية، ويدع الفضل للناس، وليس مراده في السماع تساوي أهل الماء وغيرهم فيه إنما يريد أنه يشرب أهلها، ثم يشرب ابن السبيل.

قالوا: وفي لفظه للترتيب لا للتشريك، فإن تشاح أهل البثر في التبدية بذي الأقرب فالأقرب إلى حافرها.

قلت: ماشيتُه أو كثرت، فإن استووا في القرب استهموا.

وفي المقدمات: إثر قول ابن الماجِشُون استهموا قال: هذا عندي إن استوى فعددهم من حافرها، وإلا قدم الأقرب فالأقرب.

وقال اللخمي: إثر قول ابن الماجِشُون استهموا أرى أن يقسم بينهم، فإن كانت غنم أحدهما مائة وغنم الآخر مائتان والماء إنما يكفي مائة قسم بينهما أنصافاً،

ص: 423

وكذا في الزرع.

قال: وإن كان كفاية لمائتى شاة، أولجميع زرع أحدهما، ونصف الآخر اقتسماه أثلاثاً.

قُلتُ: يريد: أن غنم أحدهما ضعف غنم الآخر، والماء يكفي غنم أكثرهما فقط كذي مائتين مع ذي مائة، والماء يكفي مائتين فقط، ولا يتوهم قسمه بينهما أرباعاً على قاعدة اعتبار التسليم في التداعي بتسليم ذي المائة نصف الماء؛ لأن ذلك إنما كان في التداعي لدعوى أحدهما تحقيق ملكه كل المدعى فيه، واستحالته هنا بل هذه كمن أوصى لولد أخيه بعشرة، ولكل من ولدي أخيه الآخر بعشرة عشرة، ولم يترك إلا ما ثلثه عشرون، فهي بينهم أثلاثاً اتفاقاً لا أرباعاً.

قال ابن رُشْد في البيان: إن اجتمع أهل الماء والمارة والماء يكفيهم بدئ أنفس أهل الماء، ثم أنفس المارة، ثم دوابهما، كذلك، ثم مواشي الناس، وبدأ أشهب دواب المسافرين قبل دواب أهل الماء، وإن لم يكف جميعهم وتبدئة أحدهم بجهد الآخرين بدئ من الجهد عليه أكثر بتبدئة صاحبه، فإن استووا في الجهد، فقيل: يتواسون في ذلك، وقيل: يبدأ أهل الماء لأنفسهم، ودوابهم، وعزا في المقدمات الأول لأشهب، والثاني لابن لبابة قال: ولو خيف على البعض بتبدئة البعض أخذ أهل الماء؛ لأنفسهم قدر ما يذهب الخوف عنهم، فإن فضل فضل أخذ أهل الماء لدوابهم بقدر ما يذهب الخوف عنهم، فإن فضل فضل أخذ المسافرون لدوابهم بقدر ما يذهب الخوف عنهم، ولا خلاف في هذا الوجه والبئر والماجل والجب عند مالك سواء.

وقال المغيرة: لرب الماشية منع فضل صاحب الماشية.

قال في المقدمات: لأن نفقة الجب كثيرة، وليس بمعنى كالبثر إذا ترف منه شيء عاد مثله فلا يحمل على أنه أراد الصدقة إلا ببيان، بخلاف البئر، ولو أشهد عند حفرها أنه يحفرها لنفسه لم يمنع من بيع مائها، واستحقها ملك بالإحياء، وقولها: أكره بيع ماء بئر الماشية، وقوله في المجموعة: لا يجوز ذلك قبل اختلاف قول والصحيح عوده لنهيه حفره للصدقة أو غيرها.

ص: 424

قُلتُ: وللخمي: إن لم يجعل فضل ماء بئر الماشية صدقة فاختلف فيه.

ققال مالك مرة: له حبسه، وروى ابن حبيب: ليس له حبسه.

قُلتُ: فقولها يكره ثالث: وفي ردها للوفاق بعد، وقال ابن الحاجب: مال لبئر التى حفرت في الفيافي لا تباع وصاحبها أو ورثته أحق بكفايتهم.

قال ابن عبد السلام: قيل: إن ورثة حافرها لا يختصون بما كان لحافرها.

قُلتُ: لا أعرف هذا القول إلا ما تقدم لابن القاسم في المجموعة من قوله: لا تورث، وقيده الباجي بقوله: يريد على وجه الملك، وكذا نقله الصقلي، وغيره عن ابن الماجِشُون.

وفي النوادر: روى ابن وَهْب: أن النبي (ص) قال: " لاتقطع طريق، ولا يمنع فضل ماء"، ولابن السبيل عارية الدلو والرشاء والحوض إن لم يكن له أداة تعينة، وتخلي بينه وبين الركية فيسقي (1).

قال ابن عبد السلام: ظاهر إطلاقات أهل المذهب وجوب عارية هذ الآلة للملى والفقير، ولعل هذا لأن مالكها لم يتخذها للكراء بل لتحصيل منفعتها فقط، وإلا فالاصل عدم خروج منفعة ملك الإنسان إلا بعوض.

قُلتُ: مقتضاه لو أتخدها مالكها للكراء لم تجب عليه عاريتها للمسافر، ومقتضي الرواية خلافه؛ لأن ظاهرها تعليل وجوب عاريتها باضطرار المسافر لها بمحل هو مظنة لعدم اتخاذ الآلة للكراء فلا ينتقض ذلك بنذور اتخاذه الآلة للكراء في ذلك المحل حسبما تقررفي التعليل بالمظنة. س

الباجي: ما حفره الرجل في أرضه فهو على ملكه له بيعه حتى يتبين انه للصدقة، وما حفره بغير أرضه لماشيته او للشرب فقط لالإحياء زرع أو غرس، فالظاهر أنه حفرها ليكون فضلها عن حاجته للناس فلا تصرف عن معتادها هذا إلا بشرط، ولو أشهد أنه يريد بها التمليك فلم أر فيه نصاً، وعندي أنه على شرطه كمن أحيا أرضاً، فإن

ص: 425

كان بالبعد لم يعترض، وإن كان بالقرب نظر فيه الإمام.

قُلتُ: ما اختاره هو ما تقدم من نقل ابن رُشْد عن المذهب، وقواعد المذهب واضحة به.

فإن قلت: ظاهر لفظ التهذيب في التجارة بأرض الحرب خلاف هذا؛ لان فيه ما نصه، وأما من حفرها في ارضه، فإن أراد بها الصدقة فهي كذا، وإن أراد أن ينتفع هو بها فله منعها وبيع مائها بخلاف ما حفر في الفيافي فلو كان ما قصد به الملك مما حفر في الفيافي ملكاً له لم يكن بخلافها.

قُلتُ: لفظ أبي سعيد هذا يجب تعقبه لإيهامه بما ذكر، ولفظ المدونة بخلافه، ونصه سمعت مالكاً يقول: لا تباع بئر الماشية، وإن حفرت من قرب؛ يريد بقوله: من قرب قرب المنازل، ولا تباع إن كان إنما حفرها للصدقة، فأما من احتفر لغير الصدقة إنما احتفرها لمنفعة في أرضه يبيع ماءها، ويسقي بها ماشيته فلا أرى ببيعها بأسًا، ولو منعته بيع هذه لمنعته أن يبيع بئره التي احتفرها في داره لنفسه.

قُلتُ: فتقسيمه احتفارها للصدقة، ولغير الصدقة كالنص فيما زعم الباجي أنه لم ير فيه نصا ونحوه نقل اللخمي: إن كانت بئر الماشية فيما لا يملك من الأرضين لم يكن له حبس الفضل.

قال ابن القاسم في المجموعة: هذا إن جعلها للصدقة؛ يريد أن له حبسها إن لم ينو به الصدقة كبئر الزرع؛ لأن حفر تلك البقعة إحياء لها، فإن لم ينو الصدقة كانت كغيرها من الأملاك، وكذا بئر الزرع له الفضل إلا أن ينوي به الصدقة.

قُلتُ: هو قولها في التجارة لأرض الحرب، ويجوز بيع فضل ماء بئر الزرع وعينه، وبيع رقابهما وفي حريم البئر لا بأس ببيع بئر الزرع.

وفيها: الشفعة إن لم تقسم الأرض.

وقول اللخمي: صاحب بئر الماشية، والزرع والشفة أحق بمائها يروي ماشيته أو زرعه أو ما جعلها له، ويفترق الجواب في الفضلة، فإن جعلها صدقة أنفذت فيا جعلها فيه، وإن لم يجعله في وجه من الوجوه كان في حبسه عن من احتاج إليه لماشية أو

ص: 426

زرع قولان.

قال مالك مرة: له حبسه، وقال الواضحة: ليس ذلك له.

قُلتُ: فظاهر أن في فضل بئر الزرع روايتان، والحيتان بالأنهار غير المملوكة لا يمنع صيدها من أراده، ومن سبق إليه أحق به.

عزاه الشيخ لابن حبيب، والاخوين، وأصْبَغ، وابن القاسم وهو المذهب، وفي التجارة لأرض في الحرب منها: إن كان في أرضك دير أو بحيرة أو بركة فيها سمك، لم يعجبنى بيع سمكها، ولا منع من يصيده، ولا الشرب منها.

الباجي: في منعه من يصيد منها، ثالثهما: إن كان طرح فيها ما توالد منها ما فيها، وإلا فلا؛ إلا أن يضر به الصائد لسَحنون، وابن القاسم، وأشهب، وعزا اللخمي الأول للأخوين أيضاً، وأخذ به، وفي الدور والأرضين منها: للرجل يبيع مراعي أرضه وفدادينه؛ إن بلغ خصبها أن يرعى لا قبل ذلك ببيعه سنة لا أزيد.

وسمع ابن القاسم في كتاب السداد: أترى للرجل حبس عشب ارضه.

قال: نعم إن كان له بها حاجة، وإلا فلا.

ابن رُُشْد: الكلأ بأرض غير مملوكة كالبراري الناس فيها سواء اتفاقاً ليس لأحد بيعه، فإن جاء رجلان لرعي كلا موضع كانا فيه أسوة، فلو سبقه أحدهما فنزله، وجعل يرعى ما حوله أو حفر به بئراً، ففى كونه أحق بقدر حاجته منها، ثالثهما: إن حفر به بئراً لأشهب، وقول ابن القاسم مع روايته في حريم البئر منها، والمغيرة: ومعنى قول أشهب إن قصد ذلك الموضع من بعد لا إن مر به فنزله، وقد تأول قوله أنه ليس معناه أنه بمجرد سقيه لنزوله أحق بل معناه أن رعيه إحياء، فيكون أحق بما يحدث في ذلك الموضع من كلا مرة أخرى بقدر حاجته، وأعدلها الثالث؛ لأنه لا يقدر على المقام على الماء إن لم يكن له بذلك الموضع مرعى فتدهب نفقته في البئر باطلاً، وكذا لوسبق بالنزول به وبنى به بناء وأنفق فيه نفقة لوجب كونه أحق بحاجته من كلا ذلك الموضع والله أعلم، وما بالأرض المملوكة أقسام فالمحظرة بحيطان كالحوائط الجنات فربها أحق بما فيها من الكلا له بيعه ومنعه ممن يريده لرعي أو احتشاش، وإن لم يحتج إليه ربه،

ص: 427

وأما العفاء والمسرح من أرض قريبة، فليس له بيع مائها من كلا، ولا منع أحد من فضل حاجته اتفاقاً إلا من يضره بدابة أو ماشية في زرع في شيء يكون له حواليه بالمرور عليه، وأما الأرض التي بورها للرعي، وترك زراعتها لذلك، ففي منع غيره إن احتاج إليه أو وجد من يشتريه والأجير على تركه للناس أو إن احتاج إليه أو وجد من يشتريه والأجير على تركه لللناس أو إن احتاج اليه فقط لا إن وجد من يشتريه قولا ابن القاسم مع ابن الماجِشُون وأشهب، وأما فحوض أرضه وفدادينه التي لم يبورها للرعي ففي شرط بيعه إياه بحاجته وجوازه مطلقاًً قولا أشهب مع ابن القاسم وابن الماجِشُون فأشهب يمنع فيه كلا مراعي ارضه بورها للكلا أو لم يبورها له وابن الماجِِشُون يحيزه فيهما، وابن القاسم يفرق في إجازه البيع له إذا استغنى عنه بين الأرض التي بورها للرعي وبين التي لم يبورها له ففي مجموع الطرفين ثلاثة أقوال، وقول مالك في حريم البئر منهاك لا بأس أيبيع الرجل كلا أرضه إن احتاج إليها، وإلا فليخل بينها وبين الناس مع قوله فيه: لا بأس أن يبيع الرجل خصب أرضه ممن يرعاه ذلك العام لا عامين قيل: هما اختلاف أجاز بيعه مرة وقف أرضه للرعي أو لا لابن الماجِشُون ومرة منعه فيهما كأشهب، وقيل: وفاق فرق بين وقفها وعدمه كابن القاسم، وهو تاويل عيسي بن دينار.

قُلتُ: حمله اللخمي على الخلاف، وقال: إن ضاق الكلا عن أهل القرية فلهم منع الطارئ منه؛ لأنهم

إن تركوا أضر أهل الموضع الانتجاع لمواشيهم.

ص: 428