الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب ضمان الصناع]
الصانع المنتصب لبيع صنعته بمحله ضامن ماقبضه كذلك.
[باب الصانع المنتصب للصنعة]
اللخمى: المنتصب من أقام نفسه لعمل الصنعة التى استعمل فيها كان بسوقها أو داره، وغير المنتصب من لم يقم نفسه لها، ولا منها معاشه.
قلت: ظاهره، ولو كان انتصابه لجماعة خاصة.
ونص عياض: أن الخاص بها بجماعة دون غيرهم لا ضمان عليه، ونحوه لابن رشد فى المقدمات، ونحو لفظ اللخمى سماع عيسى لا ضمان على الصانع حتى يكون نصب نفسه للعمل.
الصقلى إثر سماع عيسى: قال بعض شيوخنا: معناه أنه عمله بغير أجر، ولو أخذ عليه أجرا صار صانعا فيضمن، وحكى أنه منصوص للمتقدمين.
قلت: ففى ضمانه بمجرد نصبه نفسه أو بقيد عمومه للناس قولان لظاهر سماع عيسى مع بعض شيوخ الصقلى، وطريق عياض مع ابن رشد.
الباجى: ضمان الصانع مما أجمع عليه العلماء.
القاضى: أجمع عليه الصحابة.
وحكى ابن رشد أن الشافعى قال فى أحد قوليه: لا ضمان على الصناع ولو عملو بأجر.
وفيها: قضى الخلفاء بتضمين الصناع، وهو صلاح للعامة، وما قبضوه بغير بينة أو عملوه بعير أجر كغيره، وما عمله الصناع فى بيتك لم يضمنوه، وإن ضاع وكذا كل ما لم يسلمه إليهم إلا أن يتعدوا.
اللخمي: لا يصدق المنتصب فى دعواه التلف، وفى تصديقه فى الرد خلاف.
قلن: يأتى بيانه.
اللخمى: يختلف إذا عمله الصانع فى حانوت نفسه بحضرة ربه.
قال محمد: يصدق الصانع فى تلفه، وفى الواضحة فى مثل هذا أنه يضمن، وليس بحسن.
وسمع ابن القاسم: من أتى بثوب لصانع فى حانوته يكمده له فلم يزل عنده حتى قطعه من غير تعد، ولا تفريط ضمنه، ولو لم يغر من نفسه.
ابن رشد: ضمانه صحيح لا اختلاف فيه؛ لأن الأصل فيما أخذه لذلك ضمانه إلا أن يكون فساده بأمر غالب كالنار فلا يضمن إلا أن يثبت.
ابن رشد: تفريطه أو تضييعه حسبما مر فى رسم سن من سماع ابن القاسم أو ما فيه غرر من الأعمال على ما فى نوازل أصبغ، وقول ابن القاسم بضمانه ما قطعه من غير تعد، ولا تفريط وصاحبه معه صحيح على أصولهم إذ لا أثر فيما يلزمه من حكم الضمان لكون ربه معه.
وقد قال أصبغ: إن كمد معه ربه فأصابه حرق إن كان من كمد فلا شاء على الكماد، وإن كان من كمد الكماد ضمنه، وإن جهل فهو بينهما؛ قاله فى بعض روايات العتبية.
وقال ابن لبابة فيه: أنه جيد صحيح، وأدخله الشيخ فى النوادر من العتبية وقال إنه فى الواضح والموازية، وقوله: إن جهل فهو بينهما معناه أنهما قالا معا لا ندرى ممن هو، ولو قال: كل منهما أنه من صاحبه حلفا معا، فإن نكلا معا غرم الصانع نصفه، ومن حلف منهما، ونكل صاحبه سقط غرمه، وكان كله على الناكل.
وقال ابن دحون: تضمين ابن القاسم الكماد بقطعه، وصاحبه معه غير مستقيم كل من حضر عمل متاعه، ولو فى دار الصانع وحانوته فاحتج فيه بخط أو قطع دون تعمد فلا ضمان على الصانع إنما يضمن إذا لم يحضر رب المتاع، وإنما قال ابن دحون: هذا قياسا على قولهم فى الكراء على الطعام أنه لا يضمن إن كان ربه معه، وما أصاب فى
قياسه؛ لأن قطع الثوب علم أنه من عمل الكماد، ولا أثر لحضور رب الثواب بخلاف الطعام الذى إنما يتهم فيه بالغيبة عليه.
قلت: فى قصره احتجاج ابن دحون على القياس على الطعام نظر لاحتمال أن يكون احتجاجه بما نقله غير واحد منهم.
الباجى: قال: قال مالك فى الموازية: لا يضمن من دفعت إليه لؤلؤة ليثقبها فكسرها.
قال: أصبغ فى العتبية: أو خرم موضع الثقب، ولو تعدى الثقب ضمن.
قال مالك وابن القاسم وأشهب: وكذا القوس تدفع لمن يعمرها، والرمح لمن يقومه، والفص لمن ينقشه.
قال ابن الحبيب: والدابة يصر عها البيطار، والسيف يقومه الصيقل؛ فيكسر ذلك والطبيب يكوى العليل فيموت والخاتن يختن الصبى فيموت من ختانه، والحجام يقلع الضرس فيموت صاحبه أنه لا يضمن أحد من هؤلاء؛ لأن الغالب فى هذه الغرر، فإذا أذن فيه صاحبه وعمل فيه المعتاد لم يضمنه الصانع، وإنما يضمن بالتعدى أو بتلف بغير بينة، فإن قلت: لو كان لهذا ما شرط حضور ربه.
قلت: أما شرطه لثبوت عدم عداه كالبينة على التلف.
وفيها: إن دعاك الصانع لأخذ الثوب، وقد فرغ منه فلم تأخذه فهو له ضامن حتى يصير إلى يدك.
قلت: نحوها قولها فى الرهن: لو قبض المرتهن دينه أو وهبه للراهن، ثم ضاع الرهن ضمنه المرتهن، وخلافه فى الاستبراء، وهو قولها لو أمكنه البائع من الرابعة فتركها عنده حتى حاضت فيحضتها استبراء للمشترى؛ لأن ضمانها كان منه؛ لأنه استودعه إياها كما لو وضعها عند غيره، ومعنى مسألة الصانع: إن لم يقبض أجره ونحو هذا تقدم فى معنى المحبوسة بالثمن.
وقال اللخمى: فى مسألة الصانع يريد: أنه لم يحضره، ولو أحضره مصنوعا على ما شورط عليه، وقد دفع الأجرة، ثم تركه عنده لصار بيده وديعة.
اللخمي: إن أقر الصانع بتلف المصنوع يوم قبضه غرم قيمته يومئذ، وإن ادعاه بعده، وقيمته أقل منها يوم قبضه، ولو قامت بينة برؤيته عنده أمس، وقال: ضاع اليوم ففى كونه كالأول، وغرم قيمته لآخر يوم رئى عنده.
وفى المقدمات: قيمته يوم قبض إلا أن يقر أن قيمته بمدة غرم قيمته يوم ظهر عنده، وإن كانت قيمته يومئذ أقل منها يوم قبض، وكذا الرهن والعارية، وفى موضع من سماع عيسى من الرهن: يضمن قيمته يوم ضاع وتأويله عندى أنه ظهر عنده فى الوقت الذى ادعى تلفه فيه؛ لأن قيمته يوم ضاع قد تكون أقل منها يوم الرهن، فإن لم يظهر عنده من حين رهنه لم يصدق فى وقت تلفه كما لا يصد فى تلفه.
وتأول بعض الشيوخ قوله فى الرواية: يغرم قيمة الرهن يوم ضاع على أنه لم تعرف له قيمة يوم الرهن؛ فيغرمها يوم ضاع على ما يقر به من الصفة مع يمينه، وهذا بعيد، وما تأولناه هو الصحيح، ويؤيده ما فى سماع أصبغ من كتاب الوديعة لابن القاسم وأصبغ.
قلت: فجعل ابن رشد القول هو الذى أثبته اللخمى تخريجا.
اللخمى: اختلف لو قطع الثوب، ثم غاب عليه بعد قطعه، ففى الموازية عليه قيمته صحيحا، ولو قطع منه ثوبين ادعى تلف أحدهما غرم قيمة نصف الشقة صحيحة لا قيمة نصف غير صحيح.
ولابن القاسم فى مختصر ما ليس فى المختصر: يغرم قيمته مقطوعا؛ وهو أحسن؛ لأنه إنما غاب عليه مقطوعا، ولو أفسده بخياطة أو قطع فعلى قولها يغرم قيمته صحيحا.
وقال ابن شعبان: إن أفسده بالقطع غرم قيمته مقطوعا، وهذا فقه حسن، وهو على قول ابن القاسم: إن غاب عليه غرم قيمته مقطوعا، فإذا كان الفساد فى القطع غرم قيمته صحيحا على حال ما غاب عليه.
قلت: وقال أبو حفص: إن قطع الخياط الثوب، ولو بحضرة ربه فى حانوته غرم
قيمته صحيحًا، وإن أفسده بالقطع ضمن الذى يذهب به.
قلت: والصواب العكس أو يكون عليه الأكثر من قيمته يوم قبضه برفع العداء عنه فى القطع إن كانت قيمته يوم القبض أكثر، ويوم تعديه بالقطع.
وفى سقوط ضمانه ببينة بتلفه قولها، وتخريج اللخمى من قول أشهب فى الرهن والعارية.
وقوله فى الورثة: يقسمون العين فيطرأ دين بعد هلاك العين بأيديهم ببينة مع نقل الصقلى عن أشهب.
وقول الباجى: المشهور عن أشهب أنه ضامن مع البينة، وصوب اللخمى القول الأول لبقاء ملك ربه عليه، وإنما ضمن للتهمة.
وفيها: ما قامت بينة أنه ضاع أو سرق أو احتراق بمعاينة بينة بغير سبب الصانع لم يضمنه، ويضمن قرض الفأر إذ لا يعرف، ولو علم أنه قرضه من غير تضييع، وقامت به بينة لم يضمن.
الصقلى عن محمد: لا يضمن إن قامت بينة أنه قرض فأر، ولم يكن ضيع.
وقال ابن حبيب فيه وفى المرتهن إذا قامت بينة: إنه قرض فأر أو لحس سوس، وادعى رب الثوب تضييعهما أو أنكرا صدقا، وعلى رب الثوب البينة بتضييعهما؛ لأن قرض الفأر ولحس السوس غالب، والتعدى لا يثبت بالدعوى.
الصقلى: ظاهر المدونة أن عليه البينة ما ضيع؛ لأن الثوب بيده على الضمان؛ لأن البينة لو رأت الثوب فى النار لم يسقط ضمانه حتى يعلم أن النار من غير سببه.
وقال ابن حبيب فى لحس السوس فى الرهن: أنه يحلف ما ضيع فكذا فى قرض الفأر، وللخمى فى ذلك كلام ذكر فى الرهن: وإن تلف المصنوع بعد صنعه قبل قبضه ربه فلا أمر لصانعه، ولو لم يضمنه فى تضمن الصناع منها إن احترق الثوب عند القصار أو أفسده أو ضاع عنده بعد القصارة ضمن قيمته يوم قبضه أبيض، وليس لربه أن يغرم الصانع قيمته مصبوغا، ويعطيه أجره.
وفى الرواحل منها: إن قامت بينة بفراغه وهلاكه لم يضمن الصانع، ولا أجر له.
الصقلي عن محمد: إن قامت بينة بفراغه وهلاكه وجب لصانعه أجره، وسقط ضمانه بناء على أن تسليم الصنعة كمبيع معين أو مضمون.
وسمع أصبع أشهب: إن أفسد الطحان القمح بطحنه على أثر نقش الحجارة ضمن مثل قمحه، وقاله أصبغ إلا أن يكون علم بالعيب بالأثر ورضى، وسأله عنه ابن القاسم إن نقص الدقيق فقال: يضمن الطحان ما يخرج مثل قمحه من الدقيق.
ابن رشد: إن أغرمه مثل قمحه على قول أشهب كان عليه طحنه، وليس له أن يغرمه مثل الدقيق سالما، ولو رضى الطحان به لم يجز؛ لأنه شراء دقيق بقمح وأجره فيدخله التفاضل، ويجوز على قول ابن أبى مسلمة أن الطحن صنعة، وقول ابن القاسم فى نقص القمح: يضمن ما يخرج مثله قمحه من الدقيق خلاف قوله فيها: لا يضمن الثوب مصنوعا، والآتى على قوله وروايته: غرم الطحان من القمح ما يخرج منه قدر نقص الدقيق، فإن كان القمح ثمانية أقفزة، ويخرج دقيقا تسعة أقفزة، ولم يوجد فيها إلا ثمانية غرم ثمانية أتساع قفيز من قمح يطحنه له، ويستحق جميع أجره، وإن لم يطحنه سقط ما ينوبه، وهو تسع الأجرة، ولا يجوز أخذ النقص دقيقا؛ لأنه تفاضل بين القمح والدقيق.
وقال ابن دحنون: كان الأصل أن يغرم قمحا ويطحنه؛ فاستخف ابن القاسم فضمنه دقيقا، وهذا غير صحيح؛ لأنه لو وجب له قمح ما جاز له أخذ دقيق أكثر منه وبالأجرة، وإنما قال: يأخذه بالدقيق؛ لأنه رآه الواجب له على قياس ضمان القصار الثوب مصنوعا.
وفى الموازية: يلزمه ذلك إذا ضاع بعد القصارة، ففى غرم الصانع قيمة المصنوع يوم قبضه، ولا أجر له أو قيمته معمولا، وله أجره، ثالثها: إن ضاع قبل العمل لها، ولابن القاسم فى هذا السماع ولمحمد.
ولما ذكر اللخمى قول ابن القاسم: يغرم الطحان نقص القمح دقيقا، وقول محمد: يغرمه قمحا.
قال: قولى ابن القاسم: لأن شأنهم بمصر دفعه للطحان وزنا، ويأخذه
دقيقا وزنا.
ابن رشد: وقال التونسى: قول ابن القاسم هذا على قوله فى سماع يحيى فى الرواحل فى الكرى يبيع الطعام الذى استكرى على حمله ببعض الطريق، ولو قال قوله فى الكرى على قوله فى هذه كان أشبه؛ لأن هذه جارية على أصل فهى أشبه أن تكون أصلا لا فرعا، ولا يدخل شاء من هذا الخلاف فى مسألة أشهب؛ لأنها مسألة أخرى.
فقول العتبى: وسئل عنه ابن القاسم إذا نقص الدقيق غلط والصواب: سئل ابن القاسم إذا نقص الدقيق بإسقاط عنه.
اللخمى: ويضمن الفران ما يأخذه من قمح لطحنه وعجين لخبزه كالصناع، ويختلف فى القمح هل يضمنه قمحا أو دقيقا، وفى العجين هل يضمن مثله أو قيمته، وحامل ذلك إلى الفران ضامن إن ادعى التلف، وإن لم يكن صانعا؛ لأنه حامل طعام، ولو قال الحامل: سلمته للفران، وكذبه الفران حلف، وضمن الحامل، ولو اختلفنا بعد تسليمه فى رده إلى حامله حلف الحامل ما أخذه منه، وغرم الفران، فإن قال أحدهما: صدق وصلل إلى وضاع عندى برئ من ادعى تسليمه؛ لأن الشأن تسليم ذلك دون بينة وضمن الآخر.
وفى **** شرط الصانع طرح ضمانه ولزومه؛ نقل الشيخ مع اللخمى عن ابن القاسم مع مالك، ونقل الشيخ مع ابن رشد عن سماع أشهب، ونقلهم مع الباجى عن أشهب، ونقله ابن الحاجب رواية، وقبوله ابن عبد السلام وعزوها ابن شاس لأشهب؛ لا أعرفه.
ابن رشد: فعلى الأول له أجر المثل، وعلى الثانى المسمى، وقيد اللخمى قول أشهب ما لم يكثر منه، وعلى لغوه ففى صحة العقد، وسقوط الشرط، ويخير الصانع فى إسقاطه ليتم العقد، ويمسكه به فيفسخ، ثالثها: لزوم فسخه لنقلى اللخمى، وتخريجه على قول مالك: بفساد إجارة الراعى شرط عدم تصديقه فيما يهلك، وله أجر مثله.
قال: وعلى الثانى إن عمل فله الأكثر من المسمى.
الباجى لابن حبيب عن أصبغ: من أعطى لصانع ثوبا، وقال له: يكون عندك
حتى آتي فأعاملك فيه فضاع ضمنه؛ لأنه تركه عنده على العمل لا على الأمانة.
ابن الحاجب: لو باعه دقيق حنطة على الكيل، وعليه طحنها؛ فالضمان على البائع.
ابن عبد السلام: إذا كان المبيع الذي فيه حق توفيه من دقيق، وشبهة ضمانه من بائعه حتى يقبضه مبتاعه بعد كيله لو وزنه فكيف إذا كان قبل طحنه، وإنما ينبغي أن يذكر هذا إذا باع حنطة على أن على البائع طحنها هنا إن قلنا بالجواز يمكن أن يقال أنه بيع، وإجارة فهل يضمنه مطلقاً أو ما لم تقم بينة بتلفه، والمنصوص وجوب الضمان من البائع فهذا هو محل الإشكال.
قلت: قوله المنصوص وجوب ضمانه البائع لا أعرفه فيما ذكره بحال بل نقل الشيخ فى نوادره عن سماع عيسى ابن القاسم جواز بيع الثوب على أن بائعه أن يخيطه له، والقمح على أن على بائعه طحنه.
قال سحنون: وإن ضاع هذا كله الذي أجازه مالك لم يضمن، ويحط عن المبتاع قدر الخياطة، وطحن القمح من الثمن إلا أن يكون بائعه ممن يعمل تلك الصنعة؛ فيضمن كالصناع.
ابن رشد: قول سَحنون هذا إنما هو تفسير للحكم على قول مالك بإجازة هذا البيع على هذا الشرط، والحكم فيه على قول سحنون أن يكون ضمانه من بائعه على كل حال، ولو قامت البينة بتلفه، ولو كان ممن لم ينصب نفسه لتلك الصنعة؛ لأنه بيع فاسد تلفت فيه السلعة بيد بائعها، وعلى قول مالك: إن تلف الثوب بيد البائع، وهو صانع منتصب للعمل ضمن قيمته يوم البيع غير معمول، وفض الثمن الذى بيع به على الثوب والعمل؛ فكان للبائع منه مناب الثوب، فإن كان له فضل أخذه، وإن كان عليه أداه، وإن قامت بينة بتلفه لم يضمنه وفض الثمن على الثوب والعمل، ولم يكن لبائعه منه إلا مناب الثوب.
ولابن نافع فى المدنية: أن القيمة فيه يوم ذهب، ولعيسى عن ابن القاسم يوم البيع، وهو الصحيح.
***** المصنوع دفعه للصانع:
ابن رشد: إن كان فيه عمل مثله فى ضمانه، وإلا فإن احتيج إلى دفعه فعلى طرح ضمانه سواء احتيج إليه فى العمل أو احتاج إليه المعمول، ولزومه فيها، ثالثها: الأول فيها احتاج إليه المعمول، والثانى فيما احتاج إليه فى عمله لسحنون لنصه فى المثال، والأم التى ينسخ منها الوراق، وتخريج الأعدال فى الطحان، والقصاع فى الفران على قوله فى الأولين.
وابن حبيب لنصفه بضمان القصاع تأتى بالخبز فيها، إن تلفت قبل زواله منها، ونصه على سقوطه فى المنديل يتلف فيه الثوب المصنوع، ولو كان رفيعا معللا بأنه لا يضطر إليه فيه.
والتخريج على قوله بضمان جفن السيف يصقل معللا له بعدم استغناء به عنه، ومحمد لنصه على طرح ضمان المنديل، معللا بأنه لا عمل فيه، والتخريج على تعليله طرح ضمان القطاع مع نصه بطرحه بجفن السيف، وعلى قولها يضمن المثال يعمل عليه، والأم ينسخ منها لحاجة الصانع إليها.
ونص ابن حبيب على ضمان الطحان فى الأعدال، وفى القصاع تأتى بالعجين فيها ليقرصه منها ضاعت بالعجين أو دونه إذ لا يستغنى فى عمله عنها، وقاله مالك فى سماع ابن خالد فى المثال، ولأشهب فى المنديل: يتلف به الثوب إن كان شريفا يغتفر مثله لوقاية ضمنه خلاف قول ابن حبيب.
ابن رشد: وما لا عمل فيه، ولا يحتاج إليه المعمول، ولا فى العمل غير مضمون اتفاقا؛ كالآتى لصانع بزوجى خف ليعمل له فى إحداهما عملا فيتركهما عنده فتضيعان فلا يضمن إلا ذات العمل، والأخرى وديعة عنده.
وفى غرمه قيمة المصنوع وحده أو قيمتهما معا مسقطا منها قيمة المصنوع وحده قولان الشيوخ، وهذا أصح كما لو استهلك له رجل أحدهما ضمن ما نقصه منها.
وفيها: يضمن القصار ما أفسده أجيره، ولا شاء على الأجير إلا أن يتعدى أو يفرط.
الصقلي عن محمد: قال أشهب: إن كثر على الغسال الثياب فآجر أجراء يبعث لهم إلى البحر بالثياب فهم ضامنون.
ابن ميسر: هذا إذا آجرهم على عمل أثواب مقاطعة.
الصقلى: كأنه صانع دفع له صانع ما استعمل عليه.
قال بعض القرويين: إن ثبت دفع رب الثوب إلى الأول أجرته فله أجره، وله قد قبضه من الثانى دون أجرة، ويتبع الأول بأجره، والأشبه أن لا يأخذه إلا بدفع أجرته إذ ليس مستحقا لنفس الصنعة.
قلت: قوله له قبضه من الثانى دون أجره هو سماع ابن القاسم.
قال ابن رشد: زاد فيها فى الموازية تفسيرا وهو: دفع أجرة الأول له ببينة، وإن لم تقم بينة حلف الثانى ما قبض أجره، ثم دفع رب الثوب له، فإن كانت الأجرة الأولى خمسة، وهذه عشرة فلم يدفع إلى هذا إلا خمسة، ويتبع بباقى أجرته الأولى، وإن كانتا بالعكس دفع لهذا خمسة، وبقيت عنده خمسة للأول، فإن قدم الأول فأقر بقبض أجرته رجع الغارم على الثانى بما أخذ منه.
الشيخ: هذا غير مستقيم، ولا تقبل دعوى القادم على الثانى إن كان القادم عديما.
ابن رشد: قوله: لا يقبل قوله إن كان عديمت صحيح، ولم ينص محمد على أنه يرجع على الثانى بإقرار القادم إن كان عديما فينبغى جمل قوله على كون القادم مليا، ولا يقال فيه غير مستقيم.
وقول محمد: إن لم تقم بينة بدفع الأجرة للأول حلف الثانى، وأخذ الأقل من الأجرتين صحيح، وكذا لو أقر رب الثوب أنه لم يدفع للأول شيئا، وأجرة الثانى أكثر لم يلزمه أن يدفع للثانى إلا أجرة الأول إن علم أن ما ايتأجر به الأول أو أقر به الثانى، وإلا فلا يأخذه إلا بعد أن يدفع جميع أجرته إن عملت، وإن جهلت تخرج ذلك على قولين:
أحدهما: قبول قوله فى قدرها مع يمينه إن أتى بما يشبه، وإلا لم يصدق، وكان له أجر مثله.
والثاني: لا يكون أكثر من أجر مثله، وإن أشبه ما ادعاه، وهو الآتى على قول ابن القاسم: وإنما لم يكن للثانى أن يأخذ من رب المتاع إلا أقل الأجرتين إن لم يكن دفع للأول أجرته؛ لأنه غريم غريمه بذلك لا من أجل أن السلعة بيده إذ ليست عنده برهن فلا يكون له حبسها حتى يقبض أجرته، ولا يكون أحق بها من غرماء رب المتاع إن فلس عند ابن القاسم، ولذلك لا يكون القول قوله فى الإجارة على مذهبه إن ادعى أكثر من أجر مثله، وإنما وجب أخذ رب المتاع متاعه معمولا دون غرم الثانى إذا كان دفع الأجرة للأول؛ لأن العمل وجب له باستئجار الأول عليه استئجارا مضمونا فى ذمته، ولو لم يكن له الأجرة مضمونة، وكان استأجره على أن يعمل بنفسه فاستأجر عليه غيره لما وجب لصاحبه أخذه، وإن دفع الأجرة للأول حتى يغرم للثانى أجر مثله إلا أن يعلم الثانى بتعدى الأول فى استئجاره إياه على ما وجب عليه أن يعمله بيده هذا الآتى على أصولهم، ولا أعرف فيه نصا.
وفيها: قال ابن القاسم: لا يضمن الأكرياء سائر العروض، ولا شيئا غير الطعام.
قال السبعة من فقهاء التابعين: لا يكون كراء بضمان إلا أن يشترط على الحمال ألا ينزل بلد كذا أو وادى كذا أو لا يسير بليل فيتعدى ما شرط فيتلف شاء بتعديه فيضمن.
ومن استأجرته ليحمل لك على دابته دهنا أو طعاما؛ فعثرت فانكسرت القوارير أو انقطعت الأحبل فسقط المتاع ففسد لم يضمن إلا أن يغر من عثار أو ضعف الأحبل فسقط المتاع ففسد لم يضمن، وإلا ففعل العجماء جبار ما لم يفعل بها رجل شيئا عثرت به فيضمن الفاعل.
ومن ***** منه دابة للطحن فكير المطحنة لما ربطته فيها لم يضمن إلا أن يغرك، وهو يعلم ذلك منها فيضمن لقول مالك: من أكرى دابته، وهى عثور أو ربوض قد علم ذلك، ولم يعلم بذلك مكتريها فربضت أو عثرت فانكسر ما عليها فهو ضامن، ولو كان ليحمل عليها دهنا من مصر إلى فلسطين فغزه منها فعثرت بالعريش ضمن قيمة الدهن بالعريش، وقال غيره: بمصر إن أراد؛ لأنه منها تعدى.
الصقلي: عن ابن حبيب: إن غرم قيمته بالعريش فله من الكراء بحسابه لذلك الموضع.
اللخمى: قول غيره ابن القاسم يرجعان إلى أنه بالخيار.
فقول الغير إن أراد تخيير منه، وقول ابن القاسم بالعريش؛ لأنه قال، قيمته هناك ضعف قيمته بالفسطاط، وإنما يختار الإنسان الأكثر ليس أنه يمنع من قيمته بالفسطاط، ثم إن كان كراؤه على البلاغ فله تغريمه بالفسطاط؛ لأنه لا يستحق شيئًا إلا ببلوغه الفسطاط؛ فكأنه لم يسلم له شيئًا مما أكرى عليه، وله أن يغرمه قيمته بالعريش بخلاف من نقل ما غصبه؛ لأنه نقله لنفسه، وهذا نقله لصاحبه فهو يسقط العداء إلى آخر وقت هلك فيه، وأن كان على الإجارة فله أن يغرمه بالعريش؛ لأنه يقول: أرضى أن يكون كل يوم مضى كتسليم الصحيح فيدفع فيه الأجرة، ويأخذه بالتعدى، وله أن يقول لا يستحق عن تلك الأيام أجرة؛ لأنه بتسليم صحيح؛ لأن كل يوم مضت بيدك باقية بالتعدى لتتمادى به لمنهل آخر فله إغرامه بالفسطاط، وإن استوت فيمته بالموضعين أغرمه قيمته بالفسطاط ليسقط عنه الكراء.
قُلتُ: صرح ابن الحارث بأن قولى ابن القاسم وغيره اختلاف، وكذا التونسى ورجح كون الضمان يوم العداء كغاصب قال: فإن قيل: الغاصب هو كل يوم ضامن، والحامل كل مكان جاز عنه سالًما لا ضمان عليه فيه.
قيل: فيلزم غرم قيمته بموضع هلاكه، فأن قيل: إذا هلك قبل بلوغه فكأنه لم يزل متعديا من يوم حمله.
قيل: فلا يضمنه إلا يوم حمله.
وانظر على قول الغير: لو غصبه لصوص ببعض الطريق هل يضمنه الحامل لتعديه فى ابتداء حمله على دابه عثور فقد يقول ذلك؛ لأنه إذا ضمنه قيمته يوم حمله بعد أن سلم جل الطريق جاز أن يضمنه إن هلك بأمر من الله أو غصب؛ لأنه كأنه لم يؤذن له فى حمله على هذه الدابة.
قُلتُ: قوله هذا يرد بأن الغير إنما ضمنه بتعديه بأمر دل الواقع على تأثيره العادى،
وهذا إنما يحصل إذا هلك بسبب فعله أما بغيره فلا، ولا اتفق المذهب فى المبيع بتدليس إن هلك بسبب التدليس ضمنه بائعه، وإلا فلا قال وقوله: إن استأجر ثورًا فلما ربطه فى المطحنه كسرها لم يضمن ربه إلا يكون علم ذلك وكتمه فظاهره أنه ضمنه بالقول؛ لأنه المكترى هو متولى ربطه.
وقال أبو إبراهيم: قوله: فكسر المطحنه هكذا فى أكثر الروايات، وفى بعضها ربطته، ويقوم منه بالضمان بالغرور بالقول، ومثله فى التدليس بالعيب، وخلاف فى كتاب الاستحقاق، وانظر فى النكاح الأول، وفى باب الأمه الغاره، وفى الثانى مسأله الأختين.
قُلتُ: القول إن تضمن عتقداً كان غروراً بالفعل لا بالقول، ومن تأمل وأنصف فهمه من قولها: ومن قال لرجل فلانة حرة، ثم زوجها منه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر، ولو علم أنها أمة، وإن وليه عالًما رجع عليه بالصداق، وهذا يرد قول التونسى فى مكرى الدابة العثور: إن أسلمها مكريها وهو عالم بعثارها لمكتريها فحمل عليها، فهو غرور بالقول يختلف فيه، وإن أسلم المتاع ربه لرب الدابة فحمله عليها ضمن الحمال لتعديه.
وفيها: وإن سألت خياطًا قيس ثوب فزعم أنه يقطع قميصًا؛ فاتبعته بقوله: فلم يقطعه فلا شئ عليه، ولا على بائعه، وكذا الصبر فى يقول فى درهم تريه إياه جيد فيلفى رديئًا فإن غرا من أنفسهما عوقبا.
الصقلى: فى العتبيًة لابن القاسم: من غر من نفسه عوقب، ولا أجر له، وإن غر من جهل، فقال مالك مرة: لا يضمن، ولا أجر له، وقال مرة: يضمن، وله أجره.
قال سَحنون: وهى أصح من قوله إن غر أدب ولاشئ.
ابن دينا: من استؤجر؛ لأنتقاد مال، فإن كان بصيرًا فلا شئ عليه فى خطأ به فيما يختلف فى مثله، وإن أخطأ فيما لايختلف فى مثله لبيان فساده ضمنه لتقصيره، ولو كان جاهلًا، ومن استأجر يعلم جهله فلا شئ عليه، ولو جهل جهله وغره بأنه عارف ضمن ما لا يختلف فى فساده، ولم يضمن ما يختلف فيه، ولكل منها أجره.
قال غيره: هذا إن تصادقا أنها منه أو ببينة لم تفارقه.
قُلتُ: سمع ابن القاسم: من قال لخياط: أيخرج لى من هذا الثوب قميص؟
قال: نعم؛ فأعطاه على ذلك أجرًا فقطعه فلم يأت ذلك فيه لا غرام عليه.
ابن رُشْد: فيها إخلاق كثير تحصيله إن لم يغر لم يضمن، وإن غر فلا أجر له اتفاقًا.
فيهما إن قال له: انظره هل فيه قميص؟
فقال: نعم.
قال: اقطعه، ولك كذا، ولو أتاه بثوب فقال له: انظره إن كان فيه قميص فاقطعه ولك كذا فلم يجد فيه قميصًا لضمنه قولًا واحدًا، ومضى القول فى هذا فى سماع ابن القاسم فى الصرف.
قُلتُ: هو قوله من استأجر صرافًا ينتقد له دنانير، فوجد فيها قبيح لا ضمان عليه إلا أن يغر من نفسه، وأما إن كان عارفًا مثله يبصر فلا شئ عليه، وقد يختلف الناس فى البصر.
سَحنون: هذا أصح من التى تحتها حيث قال: إن غر فلا شئ عليه، وإن لم يغر فله الأجر.
ابن رُشْد: تحصيل اختلافهم إنلم يغر لم يضمن اتفاقًا.
وفى ثبوت أجرته مطلقا وسقوطها إلا أن يكون الردئ أقل منها فيكون له تمام أجره سماع أشهب فى دليل الطريق يخطئ، وسماع ابن القاسم فى الصراف، وأن غر فقيل لا يضمنه، ولا اجر له إلا أن يكون الردئ أقل من أجرته فله تمام أجره، وقيل: يضمنه ويحاسب بأجره فمن له فضل على صاحبه أخذه.
الباجى: روى محمد: لايضمن من دفعت له لؤلؤة ليثقبها فكسرها.
أَصْبَغ فى العتبيًة: أو خرم ثقبها، ولو تعداه ضمن.
قال مالك وابن القاسم وأشهب: وكذا القوس تدفع لمن يغمزها، والرمح لمن يقومه، والفص لمن ينقشه وابن حبيب، والدابة لمن يصرعها البيطار والسيف يقومه الصيقل، والمريض يسقى الدواء أو يكوى فيموت، والصبى يختن فيموت، والضرس
يقلع فيموت صاحبها لا يضمن الحجام؛ لأن غالب كل هذا الغرور إذا فعل فى ذلك معتاده.
ولمالك فى الموازيًه معها: لا يضمن الفران ما احترق من الخبر لغلبة النار إلا أن يفرط أو يغر من نفسه، وليس كالخياط وشبه هـ مما يمكن فيه الاحتراز من الفساد غالبًا، وإن ادعى الفران احتراق الخبر غلبة؛ فروى ابن حبيب: لا يضمن أن يبقى من الخبز أو الغزل ما يعلم أنه خبز الرجل أو غزله، ولو ادعى احترق جمعيه ضمن.
ول أَصْبَغ: فى العتبيًة إن ادعى رب اللؤلؤة تعدى الصانع فى ثقبها فهو مدع، وكذا كل صاحب صنعة، ورواه ابن حبيب فى قرض الفأر ولحس السوس إن ادعى رب الثوب تضييع القصار؛ فهو مدع.
قال سَحنون وغيره: لو تلف الخبز عند الفران ضمن.
وسمع ابن وَهْب: يضمن مثل خبزته، وله أخذ أصغر منها لا أكبر.
ابن عبد الحكم: لا يأخذ غير خبزته فى قول مالك.
الشًيخ: يريد: أن الفران ضامن للرجلين.
ابن رُشْد: ما فيه تغرير كثقب اللؤلؤة، ونقش الفص، وتقويم الرمح، واحتراق الخبر، والثوب فى قدر الصباغ، وطرح البيطار الدابة فتموت لا ضمان فيه اتفاقًا، إن لم يخطئ فى فعله، وإن أخطأ وكسقى الطبيب مالا يوافق المراض أو تزايد الخاتن أو القاطع فيتجاوز فى القطع فيتجاوز أو الكلى أو يد الحجام؛ فيقلع غير الضرس التى أمر بها فهى من جناية الخطأ إن كان من أهل المعرفة، وإن غر من نفسه عوقب.
وفى كون الدية فى ماله مطلقًا أو على العاقلة إن بلغت الثلث قولان لظاهر سماعى ابن القاسم وأشهب من كتاب السلطان، وقول ابن دينا مع سماع أَصْبَغ ابن القاسم فى الديات: وفيها مع غيرها: لزوم ضمان الأكرياء الطعام والإدام إلا أن تقوم بينة بهلاكه أو يكون معه ربه، والسفينة كالدابة.
وفى الموازيًه: ووكيل رب الطعام، وقول ابن الحاجب، وقال به الفقهاء السبعه: لا أعرفه إنما فيها أمر ضمنه أهل العلم، ولم يجدوا من ذلك بدا.
وفيها: بعد ذلك سَحنون عن ابن نافع عن ابن أبى الزناد عن أبيه عن السبعة: لا يكون كراء بضمان إلا أن يشترط على الحمال أن لا ينزل بلد كذا أو وادى كذا أو لا يسير بليل فيعتدى ما شرط.
ابن حبيب: إنما يضمنون القمح والدقيق والشعير والسلت والذرة والدخن والكراسنه لا الأرز؛ لأنه يتفكه به.
الشًيخ: لعل هذا فى بلد غير بلد الأرز، وفى بعض البلاد هو جل قوتهم، ويضمنون الفول والحمص والعدس واللوبيا والجلبان، ولا يضمنون الترمس؛ لأنه يتفكه به، ولا يضمنون من الإردام إلا الزيت العسل السمن والخل والبيضوالابزار لا المرى والرب والأشربة الحلال والجبن والشيراز واللبن والزبد وسائر اللحم والبصل والأبزار، ولا يضمنون من خضر الفواكه ورطبها ويابسها إلا التمر والزبيب والزيتون والملح، ولا يضمنون شيئًا من الأدهان.
الصقلى: ما ذكره استحسان، وظاهر المدَوًتة: ضمان سائر الطعام والإدام والترمس واللبن والزبد واللحم قوت وإدام.
وروى محمد: شرط الجمال طرح ضمان الطعام أو لزوم ضمان العروض ساقط والعقد فاسد فإن فات سقط الشرط، وله كراء المثل.
اللخمى: لمحمد عن أصبع لو كان بيعه ربه، ثم فارقه ببعض الطريق لم يضمن.
محمد: لأن أصل حمله على غير التسليم لحامله، ومعروف المذهب أنه ضامن فيما حمله فى المدينة، ولم يصحبه ربه، ولابن كنانة: لا ضمان عليه؛ يريد: لأنه قادر على أن يصحبه دون ضرر فتركه قصد لائتمانه.
قال ابن عبد السلام: عن بعضهم إن ذهب لربه على ألا يعود ضمنه الحمال، وإلا فلا كحامل العرض يجوزه بعد الغاية كالرهن فى أجره فى انتقاله لضمانه فينتقل حامل الطعام من عدم ضمانه، ورده ابن عبد السلام بأن حامل الطعام لم يتغير حاله بفعل ولايته إنما تغير حال ربه فلا يوجب على الحامل حكما بغير اختياره، وحامل العرض تسبب بحبسه.
قُلتُ: يرد بتباين القياس الدال بذاته على سقوط القياس الفرق المذكور، وهو أن تقول علة ضمان الطعام انفراد حامله به عن ربه، فإن فارقه ربه على عدم عوده ثبت انفراد حامله به فوجب انتقاله على عدم ضمانه أليه عملا بعلية الحادثة قياسًا على حامل العرض الحادثة عله ضمانه على عدمه، ومن أنصف، وتذكر قواعد الأسئلة الواردة على الأقيسه علم أن كون حامل الطعام غير متسبب، وحامل العرض متسببًا لا أثر له فى القدح فى القياس المذكور لخروجه عن علة القياس المذكور، وعن مانع حكمه، ولذا قبله الصقلى.
والأظهر عندى جرى الضمان فى هذا الفرع على قولى محمد وابن كنانة فى ضمان حامل الطعام بالبلد بناء على اعتبار مطلق غبية ربه، ودلالة مفارقته بغير صحبته على ائتمانه كدلاله ترك صحبته بالبلد على ذلك.
قال اللخمى: وأرى أن يضمن القمح والشعير والقطانى وشبه ذلك، وإن صحبه ربه إذا نقص؛ لأنه علم منهم السرقة، ولو كان معه ربه، وإن ادعى ذهاب جمعيه، وربه معه صدق وليس العاده جحود جمعيه ولا الهروب إن كان الحمال واحدًا، وإن كانوا عددًا فتأخر بعضهم لم يصدق أنه غصب منه، وعهد من الجماعة تأخر أحدهم تعمدًا ليذهب به، وإن صحبه ربه فى البحر فنقص بعضه صدق عند مالك.
وفى كتاب أكرية السفن: لا يصدق قال: لأنه حازه، وإنما يدخل التاجر وقت إقلاعه وهو أحسن؛ لأن الطعام والزيت وشبهه يوسق، ويغيب عنه ربه إلى ليلة المبيت، وعهد منهم الخيانة فيه، وكذا لو لم يفارقه ربه من حين وسقه؛ فإنهم يخونون فيه بالليل وبعد الوصول وقبل التفريغ.
وضمانه فى دعوى تلفه بعد وصوله لغزمه فى موضع وصوله، واختلف إن ادعى ضياعه ببعض الطريق، وعلم كليه هل يغرم المثل الآن أو بعد وصوله كان تلفه مجهولا أو معلوما بعثار أو ضعف أحبل أو باستهلاكه، وأرى إن تنازعا فى موضع هلاكه غرم مثله فيه، وإن تحاكما فى موضع وصوله غرمه فيه؛ لأنه دخل على توصيله، ولأن فى الصبر حتى يعود إلى الموضع غررا، والظالم أحق أن يحمل عليه، وهذا إن هلك من عثار
الدابة والكراء مضمون، وهو فى مستعتبه يعذر على خلف دابة، وإن كانت معينة لم يغرمه فى الموضع الذى اكرى إليه؛ لأنه بظهور أنها عثور ينفسخ الكراء، وكذا إن كان الكراء مضمونا، والهلاك فى غير مستعتب.
الصقلى: عن ابن حبيب: يغرم المكرى ما ضمنه من الطعام بالبلد الذى اكرى إليه جهل هلاكه أو علم بسبب عثار الدابة أو ضعف الأحبل، وقول بعض القرويين: يضمن مثله حيث ضاع خلافه.
وسمع أو زيد ابن القاسم: أن أعطى حامل الطعام ربه عن نقص طعامه ذهبا لم يجز إن كان انتقد كراه.
ابن رشد: لتهمتهما على إن ما دفع إليه من الكراء بعضه ثمن لحمل الطعام، وبعضه سلف فيدخله البيع والسلف، ولا شاء على فاعل ذلك فيما بينه وبين الله إن لم يقصد ذلك، وله أن يأخذ عن النقصان عرضا نعجلا أو صنفا آخر من الطعام.
ابن الحاجب: وأما أجير الحراسة فلا يضمن شيئا، وفى الإجارة منها لا ضمان على من جلس يحفظ ثياب من دخل الحمام؛ لأنه أجير.
وسمع ابن القاسم: لا ضمان على حارس الحمام.
ابن رشد: إن أكراه رب الحمام لحفظ ثياب داخله بأجر فى ذمته فى ضمان عليه اتفاقا، إلا أن يتعدى أو يفرط، وإن كان يحرس بجعل يأخذه من كل من يدخل الحمام لحرس ثيابه، فقال مالك: لا ضمان عليها.
بن لبابة: وغيره خطأ.
وقال ابن حبيب: يضمن كالراعى المشترك على قول ابن المسيب، والحسن ومكحول والأوزاعى؛ لأنه بنصبه نفسه لذلك كالصانع المشترك.
الصقلى: يروى محمد: إن نام حارس بيت فسرق ما فيه لم يضمنه، وله أجره، وكذا حارس النخل وغيره، وكذلك من أعطى متاعا ليبيعه أو يضيع ثمنه لا أجر له ولا ضمان عليه.
محمد: لا يضمن جميع الحراس إلا بتعد كان ما يحرسونه طعاما أو غيره.
قلت: قوله لا ضمان عليه فى نومه يجب تقييده بكونه فى وقت نومه المعتاد له لا فى نومه فى وقت حاجة العسس والحرس، وتقدم نحو هذا للخمى فى نوم الراعى نهارا، وعلى قول اللخمى فى طعام أنه يضمن، ولو كان معه ربه لما عرف من خيانتهم يجب تضمين حارس الطعام إن علم منه ذلك، ولذا قال هنا: إن ألجأ قوما ضرورة لمن يخاف على الطعام منه أن يؤجر تقية لشره، وليدفع شر قوم لآخرين ضمن وكذا أن عملت خيانته.
وقول فيمن أعطى متاعا ليبيعه واضح إن كان لم ينصب نفسه لذلك، وإن نصب نفسه فالأظهر أنه كالصانع، وأظن إنى وقفت على ذلك لبعضهم فى الجليس، وهو من نصب نفسه فى حانوت لشراء الأمتعة.
قال عياض فى المرابحة: وهم كثير فى البلاد ينتصبون لذلك، وأما مسمى السمسار ففى ضمانه ما دفع له ليبيعه، وما طلبه من ربه لمشترى مزه بشرائه، ثالثها: ما لم يكن مأمونا، واربعها: فيما دفع لهم لا فيما طلبوه لنوازل ابن رشد عن سحنون مع ابن عات عن حمديس عن بعض أقواله، وله عن العتبية.
وفتوى ابن رشد ونقله: وعلى عدم ضمانه فى كون ما أرسلوا لطلبه من مرسله أو دافعه، ثالثهما، بينهما لنقليه، وقوله: لو قيل لكان له وجه.
ابن الحاجب: والحمامى أمين على الثياب، وقيل: يضمن.
ابن عبد السلام: ظاهره أن الحمامى هو مكترى الحمار لا حارس الثياب، فإن كان هذا مراده فالمشهور عدم تضمينه مطلقا إلا أن يفرط، وليس القول بتضمينه مطلقا بموجود فى المذهب، وخلاف فى عدم تضمينه إلا أن يفرط.
قلت: قوله: لا خلاف خلاف نقل عياض لما عرف فى مداركه بأبى على الحسن بن نصر السوسى قال: سمع من العامى، ويحيى ابن عمر وعيرهما كان فقيها عدلا ورعا زاهدا ولى أحكام سوسة؛ فكان لا يضمن صاحب الحمام ما تلف عنده فكثر شاكوه؛ فحكم بتضمينه لما حدث به يحيى بن عمر عن الحارث عن ابن وهب عن مالك بتضمين صاحب الحمام.
قلت: فهذه الرواية ترد قوله: لا خلاف فى عدم تضمينه، ورواية ابن وهب هذه مثل سماع ابن القاسم: أمرت صاحب السوق أن يضمن أصحاب الحمامات ثياب الناس أو يأتى يمزعها.
الصقلى: فى بعض الحواشى مثله لابن عبد الحكم وزاد: ولا ضمان على من يحرسها.
قلت: فى استظهاره بما فى بعض الحواشى على سماع ابن القاسم نظر إذ لا يؤكد القوى بالضعيف إنما يؤكد الضعيف بالقوى، وكذا قوله: وزاد لا ضمان على من يحرسها لوجوده نصا فى سماع ابن القاسم حسبما قدمناه.
وقال ابن رشد: إنما ضمن صاحب الحمام إذا لم يأت بحارس لتضييعه ثياب الناس؛ لأنه لم يكن حارس عليها فلا يقطع سارقها إلا أن يحتال فى السرقة من خارج الحمام من لم يدخل الحمام على ما قاله فى المدونة، وسماع عيسى.
ابن الحاجب: كل من أوصل نفعا من عمل أو مال بأمر المنتفع أو بغير أمره لا بد له منه بغرم فعليه أجرة العمل، ومثل المال بخلاف عمل يليه بنفسه أو بعبده أو مال يسقط مثله عنه.
قلت: قوله فى النفع يتقرر.
سماع أبى زيد فى آخر الجعل والإجارة منه عن ابن القاسم: من استأجر حصادين لزراعه فحصدوا زرع جاره خطأ، فإن كان له عبيد أو أجزاء لا يحتاج معهم إلى أجر فلا شاء عليه، وإن كان لا يجد بدا من الإجارة لحصاد زرعه فعليه قيمة ما حصدوا، وإن كان الخطأ ممن استأجرهم أمرهم بحصده ظنا منه أنه زرعه غرم لهم أجرهم، وأخذ ممن حصد زرعه قيمة عمل الأجزاء إن كان لا يجد بدا من الأجارة على حصاده.
ابن رشد: مثله حكى ابن حبيب: وقيل: لا شاء عليه مطلقا، وإن لم يكن له عبيد ولا أجراء، وهو ظاهر سماع يحيى بن القاسم من كتاب البضائع فى الحصاد فى الخصام.
وقال ابن ميسر: إن كان له عبيد أو أجزاء لهم أن يستعملوهم فى مثل ما عملوا له وفى أثر (المسألة) فى السماع المذكور من استأجر من يحرث أرضه فأخطأ الأجير فحرث
أرض جاره إن زرعها، وانتفع بحرثها فعليه أجرة حرثه وإن قال: لو أرد زرعها إنما أردت أن أكريها فلا شاء عليه.
ابن رشد: معناه إن لم يكن له بقر وعبيد أو أجزاء، كقوله فى المسألة الأولى، وحمل بعضهم هذه على ظاهرها، وقال فى إيجاب غرمه الأجر، ثالثها: الفرق بين أن يكون له عبيد وأجزاء أو لا.
الصقلى: فى آخر ترجمة من كتاب الجعل فى الواضحة: من حفر لرجل بئرا أو حرث أرضه أو حصد زرعه اليابس أو قطع ثوبه، وخاطه بغير إذن، وطلب الأجر، فإن كان رب هذه الأشياء لا بد له من الاستئجار عليها لا يليها بنفسه، ولا غلمانه، ولا دوابه فعليه الأجر، وإلا فلا.
الصقلى: ظاهره، ولو فعل ذلك عمدا، وقيل: لا شاء للعامد؛ لأنه كغاصب، وقول من مال كقولها فى تضمين الصناع: من أنفق على ولد رجل غائب، وهم ضغار بغير أمره أو أنفقت الزوجة على نفسها فى غيبته، ثم قدم فلهما الرجوع عليه بما أنفقا إن كان موسرا، وفى رهونها إن دفع مرتهن الأرض عنها خراجا حقا رجع به على ربها، وقوله: أو مال يسقط مثله عنه، كقولها فيمن انفق على ولد الغائب الصغار والمرأة على نفسها فى عسر الزوج، وفى إطلاق قوله: من أوصل نقدا نظر لقولها فى اللقطة.
قال مالك: من أتى بآبق لرجل وطلب منه الجعل على إتيانه به إن كان شأنه يطلب الضوال لذلك فله الجعل بقدر بعد الموضوع الذى أخذه فيه وقربه، وإن لم يكن ذلك شأنه، وإنما وجده فأخذه فلا جعل له.
قلت: فلم يجعل له الجعل إلا إن كان مما ممن شأنه ذلك، ولفظ ابن الحاجب مطلق فى حالتيه معا، وفى الجعل والإجارة منها: وإن قال الصانع: استعملتنى فى هذا المتاع، وقال ربه: سرق منى تحالفا، ثم قيل لربه: ادفع له قيمة عمله، وخذه فإن أبى.
قيل للعامل: ادفع له قيمة ثوبه غير معمول، فإن أبيا كانا شريكين هذا بقيمة ثوبه غير معمول، وهذا بقيمة عمله؛ لأن كلا منهما مدع على صاحبه، وقال غيره: العامل مدع، ولا يكونان شريكين.
الصقلي عن الشيخ: يبدأ بالحلف رب الثوب ما استعمله، ويقال للصانع ادفع له ثوبه، وإلا فاحلف أنه استعملك، فإن حلف قيل لرب الثوب: ادفع له أجر عمله وخذه، فإن أبى قيل للصانع: ادفع له قيمة ثوبه، فإن أبى كانا شريكين.
وقال بعض القرويين: لا يتحالفان حتى يقال لرب الثوب ما تريد، فإن قال: أريد تضمينه.
قيل له: احلف ما استعملته، فإن حلف.
قيل للأجير: احلف لقد استعملك لتبرأ من الضمان، ثم قيل لرب الثوب: ادفع له قيمة الصبغ؛ لأنه برأ من المسمى بيمينه أولًا، فإن أبى قيل للآخر: ادفع له قيمة ثوبه، فإن أبى كانا شريكين، وإن قال رب الثوب أولًا: أريد أخذ ثوبي نظر لقيمة الصبغ، فإن كانت مثل دعوى الصانع فأكثر فلا أيمان بينهما؛ لأنه يقال له إن كان الأمر ككما قلت أنه سرق لك، وأردت أخذه لم تقدر على أخذه إلا بدفع الأجرة الذي قال الصانع إذا كانت مثل قيمة الإجارة أو أقل ولا يمين هاهنا، وإن كان ما ادعاه الصانع أكثر حلف المستحق وحده ليحط عن نفسه الزائد على قيمة الإجارة من التسمية التي ادعاها الصانع.
قُلتُ: ومثله لعبد الحق قال: إن أراد تضمينه، فإن طاع الصانع بدفع قيمته أبيض فلا حلف على واحد منهما، وإن أبى تحالفا وكانا شريكين هذا على قول ابن القاسم، وعلى قول غيره: فيحلف رب الثوب، ويغرم للصانع قيمة الثوب جبرا.
وفيها: قال ابن القاسم: وكذا إن ادعى أن الصانع سرقه منهم إلا أنه هنا إن كان ممن لا يشار إليه بذلك عوقب رب الثوب، وإلا لم يعاقب.
الصقلي: عن بعض القرويين: واليمين عليهما معًا ببينة ليوجب أحدهما الضمان ويبرأ منه الآخر.
اللخمي: إن كان يشبه أن يسرق، وهو منتصب للصنعة فالجواب كالأول؛ لن الشبهة قائمة، وإن كان مثله لا يشبه أن يسرق صدق الصانع، وعوقب رب المتاع، ولو قال ربه: أودعتكه، وقال الصانع: استعملتنيه، ففي قبول قوله أو قول ربه قولا ابن القاسم مع مالك وغيره فيها.
عبد الحق: وعلى الأول إن ادعى ما يشبه من الأجر حلف عليه وحده، وإلا حلف هو لدفع العداء عنه، وربه ليسقط فضل ما ادعى عليه من الأجر على أجر المثل، وعلى قول غيره: يحلف ربه إن كان ما ادعاه الصانع من الأجر أكثر من أجر مثله، وغرمه، ولا يضمنه؛ لأنه أقر أنه وضعه تحت يده بخلاف قوله سرق مني.
الصقلي وقال ابن حبيب: كالغير: وكذا قوله: سرق مني، ويحلف، ويأخذ ثوبه مصبوغًا أو مغسولًا دون غرم إلا أن ينقصه الصبغ أو يفسده فيخير في أخذه أو تركه، وأخذ قيمته، وإن زاده الصبغ أخذه بغير غرم.
اللخمي: قول الغير العامل مدع؛ يريد: أنه على حكم المتعدي؛ لأنه لم يقر له.
قُلتُ: كذا هو في جل ما رأيت لم يقر له فقط فلعله؛ يريد: لم يقر له بإذنه في صبغه فيه، وفي بعضها لم يفرط.
قال: وأصل سحنون: أن القول قول الصانع في طرح العداء، وقول الآخر في طرح بعضها لم يفرط.
قال: وأصل سحنون أن القول قول الصانع في طرح العداء، وقول الآخر في طرح التسمية، ويكونان شريكين.
قُلتُ: هذا نص في ثبوت حق الصانع في صنعته، وعدم إسقاطها خلاف ما تقدم للصقلي عن ابن حبيب، ومثله لابن رشد في سماع ابن القاسم في كتاب تضمين الصناع سمع فيه مثل قوله، وروايته في المدونة.
فقال ابن رشد: قبل ذكره مثل ما تقدم لعبد الحق قيل: معنى قول الغير أن العامل مدع في الأجرة إن ادعى أكثر من أجر المثل، وحلف على دعواه لم يستحق ما عليه،
وحلف رب الثوب، وسقط عنه ما زاد على أجر المثل، وإن نكل العامل، وحلف رب الثوب أخذ ثوبه مصبوغًا، ولم يكن عليه شيء من الأجر، وقيل معناه: أنه مدع في أنه استعمله إياه فلا يصدق، ويحلف رب الثوب؛ فيأخذه مصبوغًا دون غرم إلا أن ينقصه الصبغ أو يفسده، فذكر مثل ما تقدم لابن حبيب.
قُلتُ: والأظهر نقل اللخمي لنصها في الغاصب والسارق: يصبغان الثوب أن
حقهما في الصبغ ثابت، ولما يأتي عن قرب للصقلي.
وإن اختلفا في صفة الصنعة صدق الصانع فيما يشبه: فيها: إن صبغه أحمر أو أسود، وقال: بذلك أمرني ربه، وقال ربه: بأخضر صدق الصباغ إلا أن يصبغه صبغا لا يشبه مثله، وإن صاغ الصائغ سوارين، وقال ربه: أمرتك بخلخالين صدق الصائغ.
الصقلي عن ابن حبيب: إن ادعى الصانع ما لا يشبه صدق رب الثوب مع يمينه، وخير في أخذه مصبوغًا، ويدفع أجرته أو يسلمه، ويأخذ قيمة ثوبه أبيض.
الصقلي: هذا وفاق لمالك قال: إلا أن يشاء الصباغ أن يسلم صنعته بلا ثمن، فإن أبى كان شركة بينهما هذا بقيمة ثوبه أبيض، وهذا بقيمة صنعته، واختلف فيه؛ وهذا أحسن.
الصقلي: هو أصلنا؛ لأنه إن أتى الصباغ بما لا يشبه، وصدق رب الثوب مع يمينه صار حكم الصباغ حكم المتعدي فيخير ربه في أن يغرمه قيمة ثوبه أو يأخذه، ويدفع قيمة الصبغ.
قُلتُ: هذا خلاف ما تقدم له عن ابن حبيب: إن قال رب: الثوب وديعة على قول الغير أن لربه أخذه دون غرم، وقال: من أجر حجاما على قلع سن بعد القلع قلعت غير التي أمرتك، وأكذبه الحجام، ففي قبول قوله أو قول ذي السن قولان فيها لابن القاسم قائلا: لأنه علم به حين قلعه وغيره.
اللخمي: محل الخلاف أن المقلوعة والباقية مهتلتين؛ لأن كلا منهما أتى بما يشبه، ولو كانت الباقية سالمة قبل قول الحجام؛ لأنفراده بالشبه ودعوى الآخر سقوط الأجر، ولو كانت المقلوعة سليمة، وتبين ذلك فيها، وفي موضعها، والباقية معتلة قبل قول ذي السن لإتيان الآخر بما لا يشبه فيحلف ذو السن لاحتمال غلطه فيما أراه لمقارنة الألم، ويستحق دية سنه، ويقلع الأخرى إلا أن يكون دليل لذي السن لفساد الباقية، وسوادها وصفاء المقلوعة؛ فيسقط عنه اليمين.
قُلتُ: تعليله أولًا حلفه بإمكان غلطه لألمه يلغي دلالة فساد الثانية على إسقاط يمينه، ولأن فرض المسألة عنده كون الباقية فاسدة؛ لأنه الموجب عنده لقبول قوله:
فإن قيل: دليل قبول قوله عنده مجرد اعتلال الباقية المسقط ليمينه عنده هو أخص من ذلك، وهو فسادها واسودادها.
قُلتُ: تعليله ثبوت يمينه باحتمال غلطه فيما أراه لألمه حاصل بالسوية في مطلق المعتلة، والأخص منها بما ذكره من فسادها وسوادها.
الصقلي عن سحنون: معنى قول غيره الحجام مدع أنه في الأجر، وكل منهما مدع على صاحبه يتحالفان، ويكون للحجام أجر مثله ما لم يجاوز المسمى يمينه ترفع عداءه، وتوجب له التسمية، ويمين الآخر تسقط عنه ما زاد على أجر المثل من التسمية، فإن لم تزد عليه فلا يمين عليه إلا أن ينكل الحجام عن اليمين فيحلف الآخر، ويسقط عنه الأجر، وقاله بعض شيوخنا.
ابن شاس: إن اختلف الصانع ورب الثوب في قدر الأجر؛ فالقول قول الصانع بخلاف البناء يقول هذا البناء بدينار، ويقول ربه بأقل فالقول قول بيمينه؛ لأنه حائز لذلك إلا أن يدعي ما لا يشبه والصانع حائز لعمله، وتبعه ابن الحاجب، وقبله ابن عبد السلام، وابن هارون، ولم يعزوه لأصل مشهور كالموازية ونحوها، وعادة المحققين عدم الاكتفاء بنقل المتأخر إذا لم يعزه لأصل مشهور معروف.
وما ذكره ابن شاس يقوم من قولها، وكذا الصباغ إذا صبغ الثوب بعشرة دراهم عصفرا، وقال: بذلك أمرني ربه، وقال ربه: ما أمرتك إلا بخمسة دراهم؛ فالصباغ مصدق بيمينه إن أشبه قوله، فإن أتى بما لا يشبه فله أجر المثل، ولو قال ربه: كان لي فيه صبغ متقدم لم يصدق؛ لأنه ائتمنه حين أسلمه إليه، وهذا إذا أسلم إليه الثوب، وإن لم يسلمه، ولا تغيب عليه صدق رب الثوب.
قُلتُ: فتفرقتها بين إسلام الثوب وعدمه مثل تفرقة ابن شاس بين الصانع والبناء.
ولابن عات في الاستغناء: روى ابن نافع: إن قال البناء: بنيته بثلاثة دراهم، وقال ربه: بنصف دينار فالقول قوله؛ لأنه حائز للبناء كقبول قول الحائك لحوزه لما استعمل إلا أن يدعي ما لا يشبه.
قال ابن هارون: لو أسلم الصانع المصنوع لربه كان القول قوله، وصار كالبناء.
قُلتُ: هو مقتضى قول اللخمي في كلامه على قولها إن ادعى رب المتاع أن الصانع عمله له باطلًا، وقال الصانع بأجر صدق بيمينه فيما يشبه من الأجر، وإلا رد لأجر مثله، وقال غيره: يحلف الصانع، وله الأقل مما ادعى أو من أجر مثله.
اللخمي: إن كان المسمى أقل حلف الصانع وحده، وأخذه، وإن كان أكثر حلف ما عمله باطلًا وحلف الآخر ما استأجره بتلك التسمية، وغرم أجر المثل، وهذا إن كان بينهما مات يشبه أن يعمل له باطلًا، وإلا أخذ المسمى إن كان أقل بغير يمين.
قُلتُ: هذا خلاف نصوص المدونة في توجه يمين المعروف مطلقًا.
قال: وإن كانت إجارة المثل أقل حلف رب الثوب وحده، ودفع أجر المثل، فإن نكل حلف الصانع، وأخذ المسمى، وهذا إن اختلفا بعد أن أسلمه، وإن لم يسلمه حلف الصانع وحده، وأخذ المسمى قولًا واحدًا إن أتى بما يشبه؛ لأنه لو أقر أنه استأجره بثمانية، وقال الآخر بعشرة قبل قول الصانع.
قُلتُ: فجعل قبول قول الصانع مقيدًا بعد إسلامه الثوب.
الصقلي: في آخر ترجمة الجعل ابن المواز: من دفع ثوبًا لخياط فقال: لا أخيط إلا بدرهمين، وقال ربه: لا إلا بدرهم وجعله عنده فخاطه فليس له إلا درهم، ولو سكن منزلا، فقال ربه: بدينارين في هذه السنة، وقال الساكن: لا إلا بدينار، وإلا خرجت إن لم ترض سكن، ولم يجب بشيء حتى تمت السنة لم يلزمه إلا دينار.
وإن اختلف الأجير، ومن آجره في مرضه أو عطلته في مدة الإجارة، ففي قبول قول من آجره إن أواه إليه ليله ونهاره، وإلا فالأجير وعكسه، ثالثها: الأول في العبد، وفي الحر القول قول الأجير مطلقًا، ورابعها: القول قوله مطلقًا، وخامسها: عكسه لابن عات عن ابن مغيث عن ابن القاسم مع أصبغ، وفتوى الشيوخ، وعن اللخمي مع محمد مع أشهب، وعن ابن حبيب مع ابن الماجشون، وعن التونسي عن أصلي ابن القاسم، وغيره.
ابن عات: يريد: في ثبوت الأجر وسقوطه في دعوى تلف الشيء المستأجر.
ولو اختلفا في رد المصنوع، ففي قبول قول ربه مطلقًا أو إن دفعه ببينة قولها مع عزوه.
ابن رشد: في نوازله لكل أصحاب مالك غير ابن الماجشون وعنه ناقلًا عنه إنكار عزو الأول لمالك، وفي المقدمات عزو الأول لابن الماجشون في موضع آخر.