الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن العطار: وجرت الفتيا بأن تطوف البنية على الأرض.
وتخلي المحبس عنها باللفظ إلى المحبس عليه بمحضر البنية حوز تام، ولو لم تعاين البنية نزوله فيها، وفي الحبس والصدقة منها لمالك: إن لم يتمكن المحبس عليه أو المعطي عمارة الأرض، ومات المحبس قبل أوان الحرث، وإمكانه ولم يمكن المحبس عليه منحها وهبتها يعني هبة الانتفاع بها فالحبس نافد، وإن لم يحز.
وقال ابن الهندي: من أعطى ربع كراء أو حرث إن حيز بمعاينة بينة لم يبطل بتركه كراءه أو حرثه إن مات معطيه مطلقاً، وإن لم يحزه بذلك بطل بموته إن ترك كراءه وحرثه بعد إمكان أحدهما لا قبله، وتمام الحوز في الهبة.
[باب في صيغة الحبس]
الصيغة: ما دل على ماهيته قولاً أو فعلاً، لتسميتهم ما يفهم من حال
الشيء كلاماً.
في آخر صلاتها الأول: والمسجد حبس لا يورث إن أباحه صاحبه للناس.
الباجي لمُطَرف: من بنى مسجداًّ، ثم صلي فيه تأبد حبساً؛ يريد: أباحه لمن صلى فيه، وفي ظاهر قول مُطَرف معها: لا يلزم وتحبيسه بمجرد بنائه، نظر، وكان يجب أن يلزم بمجرد بنائه، ويتم حوزه بإباحته، وإقام الصلاة فيه، ويحتمل أن لا يلزم به لمن جوز أن يبني مثل هذا البناء مسجداًّ لنفسه بداره، وما في المسجد من بيت للماء أو لزينة وحصره وآلته وسلاسله وقناديله تبعٌ له.
قُلتُ: ولتشخص متعلق لفظه، وكونه كلياً أثر في دلالته عليه.
الجلاب: مالي حبس في وجه كذا في كونه مؤبداً، ورجوعه لمحبسه أو وارثه إن انقرض ذلك الوجه روايتان.
ولو قال: وقف تأبد.
ابن رُشْد: معنى لفظ الحُبُس والوقف واحد لا يفترقان في وجه.
وقول القاضي: لا يكون الوقف أبداً إلا محرماً غير صحيح لا فرق بين وقفت هذه الدار على فلان، أو حبستها عليه، وفي كون حبسها عليه مؤبداً، أو يرجع إليه أو إلى وارثه، ثالثها: إن لم يقل حياته لروايتين ومحمد.
اللخمي: إن قال: حبساً على هؤلاء النفر، وضرب أجلاً أو قال: حياتهم رجع ملكاً اتفاقاً، واختلف إن لم يسم أجلاً ولا حياة.
الباجي: من قال: حبست هذه الدار، ولم يقل على شيء ما صح حبساً، قاله أشهب ورواه محمد، وذكر قول القاضي في تأبيد لفظ الوقف، ولم يتعقبه، وتعقبه ابن زرقون كابن رُشْد.
وفيهما لربيعة: والصدقة على قوم بأعيانهم، ومعناه ما عاشوا، ولم يذكر تعقيباً فهو تعميم.
اللخمي: إن قال: صدقة على فلان وفلان فهو ملك لهما.
الباجي: لفظ الصدقة إن أراد به تمليك الرقبة فهو هبة، وأن أراد به معنى الحُبُس
فهو كلفظه.
قُلتُ: بقي عليه إن لم يرد أحدهما.
ابن رُشْد: إن قال: صدقة على فلان فهي تمليك اتفاقاً، ولو قال: حبساً صدقة أو حبساً لا يباع، ولا يوهب ففيها يتأبد.
ابن رُشْد: قول ابن القاسم فيها: لم يختلف فيه قول مالك غير صحيح.
وروى ابن عبد الحَكم في حبساً صدقة أنها ترجع ملكاً.
ولابن وَهْب في حبساً لا يباع ولا يوهب: يرجع ملكاً لاحتمال قوله لا يباع، ولا يوهب حياة المحبس عليه.
قُلتُ: في عزوه لم يختلف فيه قول مالك لابن القاسم نظر؛ لأنه في بعض نسخ المدَوَّنة لسَحنون نصاًّ، وفي بعضها ظاهراً.
قُلتُ: ونقل الباجي عن ابن حبيب: قال ابن الماجِشُون في حبساً صدقة: هي عمري إن لم يذكر صدقة تعقيباً، ولا منع البيع، وقاله ابن كنانة ثالث في اللفظين.
وفي المقدمات لابن رُشْد: ما حبسه على مجهولين غير محصورين كالمساكين أو في السبيل أو على بني زهرة فهو صدقة محرمة مؤبدة اتفاقاً، وما حبسه على محصورين غير معينين كولد فلان أو عقبه أو بنيه أو نسله أو ذريته فهو كذلك إلا أن يقول: حياتهم.
فقال ابن الماجِشُون: ترجع ملكاً بعد العقب والصدقة على غير معينين، ولا محصورين كهذه الدار على المساكين يسكنونها أو يستغلونها حبس لا تباع، وعلى محصورين غير معينين كداري صدقة على فلان، وعقبه في رجوعها بانقراضهم كالحبس أو لآخر العقب ملكاً، ثالثها: هي عمري تورث بذلك على ملك معطيها لراوية ابن عبدوس وغيرها.
قُلتُ: عزا الصقلي الثاني لبعض أصحاب ابن عبدوس، وعزاه ابن رُشْد في رسم سلف من سماع ابن القاسم لسماع أشهب، وعزا فيه الأول لبعض رجال مالك فيها، ولابن عبدوس عن أكثر أصحاب مالك، وعزا عياض الثالث لرواية الجلاب.
اللخمي: روى محمد: إن قال: "صدقة عليك وعلى ولدك أو عليك وعلى عقبك"
كان ملكاً إلا أن يقال: "لا تباع ولا تورث".
محمد: إن عقب الصدقة فهي حبس إلا أن يقول بتلا له ولعقبه، فإن كان بيتاً فله أن ينتفع به.
قُلتُ: يريد بالبيع وغيره.
قال: ولابن القاسم في الموازيَّة، إن قال:"صدقة على فلان وولده"، فهي حبس والأول أحسن أن يكون ملكاً، ومحملها على الموجود من الطبقة العليا؛ لأن أصل الصدقة التمليك لا التعقيب، وكذا إن أدخل العقب يكون للأول هبة منافع، فإن مات كانت لمن بعده، فإن لم يبق إلا بنت أو من لا يولد لمثله كانت ملكاً يجيء الأولون بالذكر، ويسقم على جميعهم.
قُلتُ: ظاهره: إن صارت لبنت أو من لا يولد له قسمت حينئذ، وفيه نظر.
والصواب بقاؤها بيده ينتفع بها ما دام حياً كمن كان قبله، فإن انقرض قسمت كما ذكر.
قال: وعلى القول الآخر تكون ملكاً لآخرهم، والمعهود من هذا اللفظ التمليك لمن هو موجود من الولد.
وسمع ابن القاسم: من تصدق بدار على رجل وولده فهي ميراث لمن تصدق بها عليه.
ابن القاسم: تورث عنهم كما لو اشتروها.
ابن رُشْد: اتفاقاً إن عرف عدد الولد وأعيانهم، وإن لم يعرفا إلا بعد الإحصاء، والبحث ففي كونهم كذلك، وقسم الصدقة عليهم بقدر الحاجة قولان من ثاني وصاياها.
قُلتُ: ما تقدم لابن رُشْد من الاتفاق في ولد فلان خلاف نقل عياض.
قال: إن جعل لفظ الحُبُس في محصور غير معين يتوقع انقراضه، كقوله على بني زيد أو بنى عمرو وولده أو عقبه أو على من يطلب العلم بموضع كذا فهو حبس مؤبد هذا قوله فيها وفي غيرها، واختلف فيه قدماء أصحابه، ونقل اللخمي رواية الجلاب أنه
يعود ملكاً.
وقيل: هي على من وجد كما لو عين، وهو الذي له في المجموعة.
واختلف إن قال: "بنو زيد" هل هو كقوله: ولد زيد فيمن وجد، وفيمن لم يوجد فيكون مؤبداً.
قُلتُ: قوله: اختلف فيه قدماء أصحابه خلاف نص ابن رُشْد على اتفاقهم أنه مؤبد.
ونقل عياض وهم، إنما ذلك في لفظ الصدقة حسبما تقدم، وما ذكره من نقل اللخمي عن ابن الجلاب صحيح، وفيه على اللخمي تعقب بيانه أنه قال: إن كان الحُبُس على مجهولين فقال: حبس على فلان وعقبه فانقرض ذلك العقب، ففيها لمالك لا يرجع ملكاً، وذكر ابن الجلاب قولاً آخر أنه يعود ملكاً.
قُلتُ: لفظ الجلاب من قال: مالي حبس في وجه كذا، ففيها روايتان حسبما قدمناه. وقوله: في وجه كذا يحتمل أن يريد في وجع معين.
عياض: لو حبس على معدوم بعد موجود غير محصور كقوله: على أولادي وبعدهم للمساكين، ولم يترك ولداً أو أو أيس له منه، ففي رجوعه ملكاً ونفوذه حبساً قولا ابن القاسم وعبد الملك، ولو قال: بدل هو حبس هو موقوف، فحكى البغداديون نفوذه حبساً، ولو كان على معين، وحكى غيرهم من شُيُوخنا: هما سواء وكل ما لا يتأبد مرجعه لمالكه أو وارثه كعمري.
وما يتأبد في الهبات منها: إن قال: حبس عليك، وعلى عقبك.
قال: مع ذلك صدقة أو لا، فإنها ترجع بعد انقراضهم لأولى الناس بالمحبس يوم المرجع من ولد أو عصبة ذكورهم وإناثهم سواء يدخلون في ذلك حبساً، ولو لم تكن إلا ابنة واحدة كانت لها حبساً لا ترجع إلى المحبس، وإن كان حياً هي لذوي الحاجة من أهل المرجع دون الأغنياء، فإن كانوا كلهم أغنياء فهي لأقرب الناس بهم من الفقراء.
ابن رُشْد: في أول رسم من سماع ابن القاسم في قصر رجوعه على عصبة المحبس
الرجال ودخول من يرثه من ذوي نسبه من الإناث معهم، ثالثها: يدخل من يرثه منهن لو كان ذكراً كبنت المولى المعتق لسماع أَصْبَغ ابن وَهْب، وسماع سَحنون ابن القاسم، وللآتي على قياس قولي ابن القاسم في سماعه.
قُلتُ: ظاهرها كسماع ابن سَحنون، وعزا الباجي سماع أَصْبَغ لابن القاسم، وإنما هو لابن وَهْب كنقل ابن رُشْد.
قال ابن رُشْد: وإنما يدخل بعد موت الأقرب من الرجال والنساء فيما فضل عنه أو عنها، وإن كان الرجال والنساء في درجة واحدة فالذكر كالأنثى.
قُلتُ: عزاه الباجي لرواية محمد.
قال ابن رُشْد: وفي دخول الأمهات والجدات، ثالثها: الأم لا الجدة لها لسماع ابن القاسم وعبد الملك مع رواية أشهب، وابن القاسم في الواضحة.
ابن زرقون: تأول على سماع عيسى ابن القاسم دخول الأم دون الجدة، ولا يدخل فيه من لا يشارك المحبس في نسب، ولو كان ذكرا كالأخ للأم اتفاقاً.
وفي لغة مانعية الغناء من الدخول وشرطه بالفقر، ثالثها: إن كان المستحق سكنى، ولا مسكن للغني لرواية ابن نافع بقيد تبدئة الفقير على الغني.
والمشهور مع قول ابن القاسم وروايته فيها وغيرهما.
ابن رُشْد: هذا إن لم يخص المحبس حبسه بالفقير منهم، ولو قال: هو على الفقراء من ولدي وولد ولدي أو على محتاجي إلى فلان وشبهه لم يرجع إلا إلى أقرب الناس به من الفقراء.
الصقلي: إن لم يكن فيهم فقير ردت إليهم إن استووا في الغنى الأقرب فالأقرب، وللشيخ عن ابن القاسم في الواضحة: كل حبس يرجع حبساً يرجع لأقرب الناس بالمحبس يوم المرجع إن كانوا بناتاً وعصبة فهو بينهم إن كان فيه سعة، وإلا فالبنات أولى، وتدخل معهن الأم لا الجدة للأب، وإن رجع إلى عصبة ذكور دخل معهم أخواتهم، فإن رجع إلى ولد المولى المعتق دخل معهم بناته، فإن كان النساء أقرب من العصبة فقال مالك: يدخلون كلهم إلا أن يكون فيه سعة فيبدأ بإناث ذكور ولده على
العصبة، ثم الأقرب فالأقرب، وإن لم يكن إلا النساء كان كله لهن على قدر الحاجة إلا أن يفضل عنهن.
أَصْبَغ: لا يعجبني قوله: إلا أن يفضل عنهن ما فضل عن سد خلتهن رجع إليهن؛ لأن ذوي الأحباس إذا استووا في الغنى، والحاجة لم يصرف إلى غيرهم من السبيل.
قُلتُ: ولو لم يكن قريب بوجه فهو لمطلق الفقراء لقول اللخمي: المرجع لا شرط فيه هو فيه كحبس لم يبين مصرفه؛ لأن المحبس مات ظاناً أن العقب لا ينقرض فصرف في الأقربين لحديث أبي طلحة، ولذا قال مالك: الذكر كالأنثى، ولو اشترط فيه أن له ضعف حظها، ولو انقرض المحبس عليهم إلا امرأة واحدة اختصت به، ولو شرط أن للذكر ضعف حظ الأنثى؛ لأن معناه: إن كان معها ذكر.
ابن الحاجب: والوقف لازم، ولو قال: ولي الخيار.
ابن عبد السلام: ظاهره لو قال في عقده: حبست داري هذه على الجذماء ولي الخيار لزمه، ولا خيار له، وفيه نظر؛ لأنه إلزام له غير ما التزم.
قُلتُ: في لفظ المؤلف والشارح إجمال لعدم تعرضهما لمتعلق خياره بالذات، والصواب عبارة ابن شاس: لا يقع الوقت إلا لازماً لو قال: على أني بالخيار في الرجوع عنه وإبطال شرط لزم وبطل الشرط.
قُلتُ: فهذا واضح على ضروري قواعد المذهب في لغو الشرط المنافي للعقد فيه إن لم يؤثر فساداً، كقول عتقها الثاني: من أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً فهي حرة ولا يلزمها نكاح، ولا أعرف هذا الفرع في المذهب نصاً إنما ذكره الغزالي في وجيزه فلفظ ابن شاس، وتعقب ابن عبد السلام بقوله: إنه إلزام له غير ما التزم، يرد بمنعه بل هو إلزام له ما التزم؛ لأن حبست إن شاء يجب مدلوله به، فشرط فيه خياره لا يفيده،
كقولها: وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشترط الرجعة أو خالعها، وشرط إن طلبته شيئاً عادت زوجة أو شرط رجعتها، فشرطه باطل، ولو بين قبل لفظه أن خياره إنما هو في إثباته لا في رفعه عكس ظاهر لفظ ابن شاس: لم يلزمه.
ويؤيده ما ذكره المتيطي، وغيره من الموثقين قال: من أشهد مسترعياً أنه متى حبس ملكه كذا، ووصفه بما يعينه فهو غير ملتزم له إنما يعقده لتخوفه على نفسه أو عقاره، وليحل عقده عند أمنه لم يلزمه ما يظهر من تحبيسه إياه بعد ذلك، وانفسخ بقيامه بهذا الاسترعاء إن لم يثبت المحبس عليه فيه مدفعاً، ويصدق المسترعي فيما يدعيه من التخوف، وإن لم يعرفه الشهود في الاسترعاء.
قُلتُ: كذا قال غير واحد من الموثقين: وكان يمشي لنا في الإقراء أخذ خلاف ذلك من قولها في العتق الأول أنه لا يقبل قوله فيما يتقيه من التخوف إلا بدليل يدل عليه وهو قولها: ولو مر على عاشر بأمة فقال: هي حرة، وهو لا يريد بذلك حريتها لم تعتق عليه فيما بينه وبين الله.
قُلتُ: فإن قامت عليه بينة أتعتق عليه؟
قال: إن عرف أنه دفع بقوله مظلمة عن نفسه لم تعتق عليه في رأيي وتقرير أخذه إن تقدم قوله أنه غير ملتزم له قرينة دالة على عدم التزامه عقد التحبيس لدفع ضرر يتوقعه فوجب أن لا يقبل قوله فيه إلا بدليل يدل على صدقه أنه غير ملتزم له قياساً على مسألة العتق بجامع أنه عقد إنشاء ادعى عدم التزامه لقرينة دالة عليه، وهي صدور لفظ إنشائه عند مروره بالجارية على العاشر، وهذه القرينة أقوى من قرينة تقدم قوله: لا أريد به الحبس؛ لأنه هذه يمكن كذبها عادة وقرينة المرور على العاشر لا يمكن كذبها عادة.
وسمع ابن القاسم: من لحق عبده بدار الحرب فقال له: اخرج إلي وأنت حر، فلما خرج قال: إنما أردت أن أستخرجك.
قال: إن كان شهد أنه أراد أن يستنقذه فلا عتق عليه وإلا فهو حر.
ابن رُشْد: هذا أصل مختلف فيه.
قال مالك: فيمن له على رجل حق فجحده فصالحه وشهوده غيب فأشهد في السر أنه إنما يصالحه، لأنه جحده فخاف ذهاب حقه، وأنه على حقه إن حضرت بينته أن الصلح يلزمه، ولا ينتفع بذلك.
وقال: أَصْبَغ: ينتفع في الغيبة البعيدة وللتحرز من هذا الخلاف يكتب في الاصطلاحات، وأسقط عنه الاسترعاء والاسترعاء في الاسترعاء، ومن الكتاب من يزيد ما تكرر وتناهى، ولا معنى له؛ لأن الاسترعاء هو أن يشهد قبل الصلح سراً إنما يصالح لوجد كذا، وأنه غير ملتزم للصلح والاسترعاء في الاسترعاء أن يشهد أنه لا يلتزم الصلح، وأنه متى صالح، وأشهد على نفسه في كتاب الصلح أنه أسقط عنه الاسترعاء في السر، فإنه غير ملتزم ذلك، ولا يسقط عنه القيام به، فلا يتصور في ذلك منزلة ثالثة.
وهذا الاسترعاء في السر إنما يقع عند من رآه نافعاً فيما خرج على غير عوض، وما خرج على عوض لا ينفع فيه اتفاقاً.
قال ابن الحاجب كابن شاس: ولا يشترط التنجيز كقوله: إن جاء رأس الشهر فهو وقف.
ابن عبد السلام: كمعتق لأجل في الأمة والعبد لا يضره استحداث سيده ديناً قبل الأجل، وذلك يضر عقده الحبس.
قُلتُ: ما قاله ظاهر إن لم يجز الحُبُس عنه، ولو حوزه عنه، فإن بتل منفعته في الأجل لغيره لم يضره حدوث الدين، وإن أبقاها لنفسه بطل بحدوث الدين على المشهور في لغو حوز المستأجر لغيره، وعلى إعماله لا يبطل به.
والروايات واردة بإطلاق لفظ الحُبُس على ما حبس مدة يصير بعدها ملكاً لمن حبس عليه أو على غيره، أو راجع لمحبسه، وهو مجاز لكونه على المؤبد حقيقة اتفاقاً دفعاً للاشتراك.
الشَّيخ في الموازيَّة والمجموعة عن عبد الملك: من قال: داري حبس على عقبي، وهي لأحدهم ملك فهي لآخرهم كذلك، وقيل: ذلك محبسة إن كان آخرهم امرأة فلها
بيعها وهبتها، وإن كان رجلاً يرجى عقبه وقفت عليه إن مات دونه ورثت عنه.
وفي المجموعة: وروى ابن القاسم: من قال لرجلين: عبدي حبس عليكما، وهو للآخر منكما؛ جاز، وكان له ملكاً.
وقاله أشهب: قال: إلا أن يقول: حبس عليكما حياتكما، وهو للآخر منكما فلا يكون له إلا حبساً عليه حياته.
وفي الموازيَّة: إلا أن يكون قوله: وهو للآخر منكما بعد أن ثبت قوله الأول فلا يكون للآخر إلا حبساً.
وسمع عيسى ابن القاسم: من حبس بعض ماله على أن مرجعه إليه يجعله حيث شاء فجعل مرجعه في مرضه لوارث لم يجز شيء منه له إلا برضى الورثة لقول مالك: من أخدم عبده رجلاً حياته فجعل مرجعه في مرضه، ولآخر هو في ثلثه.
ابن رُشْد: إن استثنى فيما حبس مرجعه لنفسه ليجعله حيث شاء فهو كقول مالك في المخدم إن صرف لوارث بطل، ولغيره هو من الثلث يقوم قيمة صحيحة إن كان رجع وعلى الرجاء والخوف إن كان لم يرجع، ولو استثنى مرجعه لنفسه ليجعله حيث شاء فجعله في مرضه حيث شاء على غير وارث، ففي كونه في ثلثه أو رأس ماله قولا ابن القاسم وأَصْبَغ، وتقدم قولا مالك وابن القاسم فيمن حبس على ولده ولا ولد له فهي محبسة تخرج من يده، وثالثها: ننقل الشَّيخ عن المجموعة: قال عبد الملك: من قال: صدقتي هذه على ولدي، ولا ولد له فهي محبسة تخرج من يده ليد ثقة، يوقف فضل غلتها عن مصلحتها إن مات، ولم يلد كانت وغلتها لأولى الناس به يوم حبسها، فإن كان أخاً، ومات قبله فصار أولى الناس به ابن أخ أخذ ورثة الأخ منها تعمير الأخ من يوم حبس ليوم موته، وأخذ ورثة ابن الأخ تعميره من يوم موت الأخ ليوم موت ابن الأخ، وأخذ العم من غلته من يوم موت ابن الأخ ليوم موت المحبس؛ لأنا لو علمنا يوم حبس أنه لا ينسل عملنا هذا إن وجد له ولد، وقد اجتمع منها غلة فلم يأخذوها حتى انقرضوا، ولم يعقبوا هم، ولا أبوهم فالغلة لورثتهم لاستحقاقهم إياه، ولا تكون لأولى الناس بالمحبس.
ومصرفه: إن عين فواضح، وإلا اعتبر عرفه إن كان.
فيها: من قال: داري حبس، ولم يجعل لها مخرجاً نسياناً أو جهل الشهود أن يذكروه ذلك.
قال مالك: هي حبس في الفقراء والمساكين.
قيل له: هي بالإسكندرية وجل ما يحبس بها في سبيل الله.
قال: يجتهد فيه فيما يرى الوالي، وأرجو له في ذلك سعة.
اللخمي: قال مالك في قوله: داري حبس، ولم يجعل لها مخرجا فذكر ما تقدم.
وقال: قوله ربيعة في المبسوط: يسكنها الولد والقرابة والرحم أحسن لحديث أبي طلحة قال: إن أحب أموالي إلي بير حاء الحديث فأمره صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في الأقربين، ولا يمنع مالك أن يبتدئ بالأقارب والرحم، ولو قال: حبس في سبيل الله، وقال: نويت كذا صرفه فيه، وإلا ففيها لمالك: يجعل في الغزو.
اللخمي: وقال أشهب: القياس في أي سبيل الخير وضع جاز، وذكر قولها: إن كانت بالإسكندرية. قال: وقال أشهب: يجعل في سبيل الله.
الشَّيخ: في المجموعة لابن كنانة من حبس داراً في سبيل الله ليسكنها المجاهدون والمرابطون، ومن مات منهم لم تخرج امرأته حتى تتم عدتها، ويخرج من ليس بمجاهد، ولا مرابط وصغر ولد الميت.
اللخمي: هذا إن كانت للسكنى، وإن كانت للغلة فرق كراؤها على أهل الغزو إن كانت في المواجيز، وإن لم تكن في المواجيز وشأنهم أن يبعثوا إلى أهل الغزو، وكانت دار الغلة والسكنى سواء تبعت غلتها، وإن لم يكن الشأن البعث إليهم سكنها الفقراء إن كانت للسكنى، وفرق كراؤها عليهم إن كانت للغلة، وإن جعلت غلتها في إصلاح المساجد والقناطير أو غير ذلك جاز.
ابن الحاجب: ولا يشترط تعيين المصرف لفظاً لو قال: وقفت صرف إلى الفقراء، وقيل: في وجوه الخير.
قال ابن عبد السلام: ظاهره أنه لابد من تعيينه قصداً؛ لأنه إنما نفى شرط تعيينه
لفظاً، وهو خلاف ظاهر المدَوَّنة من قال: داري حبس فقط، ولم يجعل لها مخرجاً، ومثله في العتبيَّة.
قُلتُ: ظاهر قوله: أن ظاهر لفظ ابن الحاجب أنه لابد من تعيينه قصداً إلى آخره، يرد بأن آخر كلامه يدل على خلاف ذلك، وهو قوله: صرف إلى الفقراء؛ لأنه لو كان لا بد عنده من تعيينه قصداً لما استقام قوله: صرف للفقراء بل الواجب حينئذ أن يقول سئل عن قصده، فإن تعذر صرف للفقراء.
قال: وقوله: وقيل في وجوه الخير بعده خلافاً، وليس كذلك إنما المذهب سؤال المحبس عن قصده فيعمل عليه، فإن تعذر حمل على غالب حبس الناس في تلك الجهة، فإن لم يكن غالب صرف على الفقراء.
قُلتُ: حاصله رده ما ذكر من الخلاف بزعمه نفي الخلاف، وهو مردود بنقل ابن شاس: من قال: وقفت ولم يعين له مصرفاً صرف للفقراء.
قال مالك في المدَوَّنة: وقال القاضي أبو محمد: يصرف في وجوه الخير.
قُلتُ: فما نقله عن المدَوَّنة واضح، وما نقله عن القاضي هو نصه في المعونة: من قال: حبساً فقط صرف في وجوه الخير والبر.
وشبيه المصرف مثله إن تعذر:
في نوازل الشعبي عن ابن المكري: من حبس أرضاً على مسجد فخرب، وذهب أهله وصار ما حوله مزرعة لطول العهد يجتهد القاضي في حبسه بما يره.
وقال ابن الهندي: توقف عليه لعله يبني وصرفها لغيره تبديل.
الباجي: لو كانت أرض محبسة لدفن الموتى فضاقت بأهلها فلا بأس أن يدفنوا بمسجد بجانبها، وذلك حبس كله، قاله ابن الماجِشُون.
ول أَصْبَغ عن ابن القاسم في مقبرة عفت: لا بأس ببنائها مسجداًّ وكل ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض.
ابن الحاجب: لو حبس على زيد وعمرو، ثم على الفقراء، ثم مات أحدهما فحصته للفقراء إن كانت غلةً، وإن كانت كركوب دابة وشبهه فروايتان.
قُلتُ: كذا نقلها ابن شاس، ولا أعلم من نقلها قبله غير القاضي في المعونة، ويؤخذان من قولي مالك فيها: من حبس حائطاً على قوم معينين فكانوا يلونه ويسقونه، ومات أحدهم قبل طيب الثمرة، فجميعها لبقية أصحابه، وإن لم يلوا عملها، وإنما تقسم عليهم الغلة فنصيب الميت لرب النخل، ثم رجع مالك إلى رد ذلك لمن بقي وبهذا أخذ ابن القاسم.
قُلتُ: ففي نقل حظ معين من طبقة بموته لمن بقي فيها أو لمن بعدها القولان بالأول أفتى ابن الحاج، وبالثاني أفتى ابن رُشْد، وألف كل منهما على صاحبه.
قال ابن رُشْد في مسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الحُبُس ما نصه: وفيها معنى وينبغي أن يوقف عليه، وهو قوله: إن هلك رجل من الورثة الذين أوصى لهم بحظه لولده، وهو قد حبس عليهم، ثم على أولادهم من بعدهم إذ لا يقتضي قوله: على أولادهم أن لا يدخلوا ولد من مات منهم في الحُبُس حتى يموتوا كلهم؛ لأن قوله ذلك يحتمل أن يريد به، ثم على أعقابهم من بعد انقراض جميعهم وأن يريد، ثم على أعقاب من انقرض منهم إلى أن ينقرض جميعهم؛ لاحتمال اللفظ المعنيين معاً بالسوية، وكذلك في عطف كل جمع على جمع، ويجوز أن يعبر به عن كل واحد من الوجهين، وهو بين من قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28]؛ لأنه قد علم أنه تعالى أراد بقوله: {فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} أنه أمات كل واحد منهم بعد أن أحياه قبل أن يحيي بقيتهم، وأنه تعالى أراد بقوله:{ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} أنه لا يحيي منهم حتى يميت جميعهم، والصيغة واحدة فلولا أن كل واحدة فيهما محتملة للوجهين لما صح أن يريد بالواحدة غير مراده بالأخرى، وهذا أبين من أن يخفى، فإذا كان قوله على أولاده محتملاً للوجهين وجب أن يكون حظ من مات منهم لولده لا يرجع على إخوته؛ لأن ما هلك عنه الرجل ولده أحق به من إخوته فترجح بذلك أحد الاحتمالين؛ لأن الأظهر من قصد المحبس أن ذلك بينهم على سبيل الميراث فقال: على أعقابهم فلا يدخل الولد مع والده في الحُبُس حتى يموت، ولو أراد أن لا يدخل في الحُبُس حتى يموت والده، وجميع أعمامه المحبس
عليهم مع أبيه لقال: ثم على أولادهم من بعد انقراضهم جميعهم فلا خاف أعلمه في هذه المسألة نصاًّ، ولابن الماجِشُون في الواضحة ما ظاهره خلاف هذا، وهو محتمل للتأويل، وذهب بعض فقهاء زماننا إلى أن الولد لا يدخل في الحُبُس بهذا اللفظ إلا بموت أبيه وكل أعمامه.
قال: لأن ثم تقتضي التعقيب في اللسان العربي دون خلاف وتعلق بظاهر قول ابن الماجِشُون في الواضحة: ولا تعلق به لاحتماله، فقوله خطأ صراح بما بيناه، وإنما يختلف في المذهب إن حبس على جماعة معينين ثم صرف الحُبُس من بعدهم لغير أولادهم من وجه آخر.
فجعل مرجع الحُبُس إليهم بعدهم على ثلاثة أقوال قائمة من المدَوَّنة فيمن حبس حائطه على أقوام معينين مات بعضهم، وبالحائط ثمر لم يؤبر:
أحدها: رد حظ الميت إلى المحبس.
والقاني: رده إلى بقيتهم.
والثالث: إن كان الحُبُس تقسم غلته كالثمرة رجع حظ الميت للوجه الذي جعل المرجع إليهم بعدهم، وإن كان لا تنقسم غلته كالعبد يختدمونه، والدار يسكنونها، والحائط يلون عمله رجع حظ الميت إلى بقيتهم.
وحكى القاضي في المعونة: أن الخلاف إنما هو فيما يقسم كالغلة والثمرة، ولا خلاف فيما لا ينقسم كالعبد يختدم، والدار تسكن، وليس ذلك بصحيح.
قُلتُ: كذا وجدته في غير نسخة واحدة من البيان، والذي في المعونة عكس ما نقل عنها.
فيها: إن حبس على جماعة شيئاً، ثم جعله في وجه آخر بعد انقراضهم فمات بعضهم، فإن كان ذلك الشيء يقسم كالغلة فحظ الميت في الذي جعل فيه بعد انقراضهم لا على من بقي، وإن كان مما لا ينقسم كالعبد يستخدم، والدابة تركي ففيها روايتان.
ومن حبس على فلان، ثم على عقبه من بعده، وعقب عقبه، ففي دخول عقب
العقب مع العقب لعطفه عليه بالواو، وكونه بعده على الترتيب لأجل تقدم العطف بثم فتوى ابن القاسم أَصْبَغ بن عبد الله، وابن الحاج مع ابن رُشْد.
تحقيق لفظ المحبس عليه:
ابن رُشْد: ولدي أو أولادي فقط يخص من ولده، ولو بواسطة ليست أنثى هذا قول مالك: وجل أصحابه، وعمه ابن عبد البر، وغيره من المتأخرين في الجميع، وله في آخر مسألة من أول رسم من سماع ابن القاسم.
وقيل: لا يدخل في تحبيسه على ولده إلا ولده لصلبه ذكورهم وإناثهم، قاله غير ابن القاسم في سماع سَحنون فيمن حبس على ابنته، وعلى ولدها.
وعلى سماع أَصْبَغ ابن القاسم من كتاب الوصايا: من أوصى لولد فلان خصت ذكور ولده دون إناثهم بخلاف قوله: لبني فلان هذا يدخل فيه بنو فلان ذكورهم وإناثهم؛ أي: من حبس على ولده اختص بذكور ولده فقط.
قُلتُ: ففي قصر لفظ ولدي وجمعه على ذكور صلبه أو مع إناثهم أو مع ولد ذكورهم ذكراً أو أنثى، رابعها: هذا مع ولد البنات للتخريج على سماع أَصْبَغ ابن القاسم في الوصية، وقول غير ابن القاسم والمشهور وأبي عمر مع غيره، ويرد أخذ ابن رُشْد، واتباعه ابن زرقون من قول الغير سماع سَحنون بأنه إنما قاله في قوله: حبساً على ابنتي، وعلى ولدها، فقال ابن القاسم: يدخل ولدها ذكورهم وإناثهم، فإن ماتوا كان ذلك لأولاد الذكور من ولدها ذكورهم وإناثهم، وكذا قال مالك: يكون على كل من يرجع نسبه للابنة.
وقال غيره: إنما يكون على ولد الابنة دنية من الذكور والإناث إن ماتوا لم يكن لأولاد أولادهم شيء.
قُلتُ: ولا يلزم من عدم تناول لفظ ولد البنت ولده كونه كذلك في لفظ ولده لجواز كون البعد، وعدم لحوق نسبهم به مانعاً من تناوله إياه.
وكون القرب وثبوت النسب إليه مؤثراُ أو جزءاً من المؤثر، وعلى المشهور في دخول الولد مع أبيه في تسوية الأبناء بالآباء وتبدئة الآباء إن استوت حاجتهم، ثالثها:
يبدى من دخل بالنص على من دخل بالمعنى، لا من دخل بالنص على من دخل به، ورابعها: يبدى من دخل بالنص على من دخل بالمعنى، ومن دخل بالنص على من دخل بالنص لا على من دخل بالمعنى على من دخل به، وهذا القول أضعفها؛ لأن نسبة النص للنص كنسبة المعنى للمعنى، وحصلها ابن رُشْد إثر قوله في سماع ابن القاسم قوله في السماع هم مع آبائهم في الحُبُس بالسوية هو نص سماع عيسى ابن القاسم وسماعه يحيي، ونقل سَحنون فيها عن المغيرة خلاف المسألة التالية هذه.
ومعلوم مذهب ابن القاسم وروايتها أن الآباء يؤثرون على الأبناء، ولا يكون للأبناء معهم في السكنى إلا ما فضل عنهم وسواء على قوليهما.
قال: حبس على ولدي، ولم يزد يدخل معهم الأبناء بالمعنى، أو قال: على ولدي وولد ولدي دخلوا معهم بالنص.
وفرق أشهب فقال: إن دخلوا بالمعنى بدي الآباء، وإن دخلوا بالنص لم يبدوا عليهم.
والأقوال الثلاثة فيمن سمي من الأبناء على من لم يسم منهم، ومن سفل منهم ممن لم تتناوله تسمية المحبس فلا يفضل الآباء منهم على الأبناء إن استووا في الحاجة هذا نص قول مالك فيها: لا أعرف فيه نص خلاف فيدخله بالمعنى من متقدم قوله في الموالي يبدأ بالأقرب فالأقرب من ذوي الحاجة إلا أن يكون الأبعد أحوج فيبدأ هذا قول مالك، وهو أحب ما فيه إلي، وفي قوله: أحب ما فيه إلى دليل على الخلاف، وهو قوله في رسم الشريكين بعد هذا أن موالي الموالي يدخلون مع الموالي لا يفضلون عليهم في ظاهر قوله إن استوت حاجتهم.
قُلتُ: في كون هذه الأربعة تحصيل هذا البيان نظر لعسر أخذ رابعها منه بل تحصيله في تفضيل الآباء على الأبناء إن سمى الآباء، ثالثها: ودخل الأبناء بالمعنى، ورابعها: ولو لم يسموا لسماع ابن القاسم مع سماعه عيسى، ونقل سَحنون فيها عن المغيرة وغيره، ومعلوم قول ابن القاسم مع روايتها يؤثر الآباء على الأبناء، وأشهب والتخريج على سماع ابن القاسم من حبس على مواليه بدئ بالأقرب فالأقرب، وفي
نوازل ابن الحاج إن كان عرف بلد القائل حبس على أولادي أنه على الذكور فقط لم يدخل فيه الإناث كعرف زمن عائشة حيث قال: وتمثلت بقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ} الآية [الأنعام: 139]، ولو كان العرف كونه على الإناث، لم يدخل الذكور، وإن لم يكن عرف دخل فيه الاختلاف، ولفظ ولدي وولد ولدي أو أولادي وأولاد أولادي رواية ابن وهب في المجموعة لا يدخل فيه ولد البنات.
الباجي عن ابن العطار هذا قول مالك، وكانت الفتيا بقرطبة دخولهم، وقضى به القاضي ابن السليم بفتيا أكثر أهل زمانه.
وفي المقدمات: من أدخل من متقدمي شيوخنا ولد البنات بهذا اللفظ أو إذا كرر اللفظ ثاله، وعزاه لمذهب مالك أخطأ وجهل الرواية عنه، ويحتمل أنه علمها، وتأولها بحمله قوله: لا يدخل في ذلك ولد البنات فيه على أنه أراد به ولد بنات أبناء المحبس على أصل مذهبه أن ولد البنات ليسوا بولد ولا عقب، وهو تأويل بعيد، ولفظ ولدي وأولادهم أو أولادي وأولادهم في المقدمات.
روى ابن أبي زمنين: لا يدخل فيه ولد البنات، وأدخل فيه ولد البنات خاصة دون من تحتهم من ولد بنات البنات من الشيوخ من أدخلهم في ولدي وولد ولدي إلا أن يزيد درجة فيقول: وأولاد أولاد أولادي، فيدخلون في الدرجة الثالثة، وكذا كل ما زاد درجة دخلوا إلى حيث انتهى لفظه.
وبإدخالهم هذا اللفظ قضى ابن السليم بفتوى أكثر أهل زمانه، ودخولهم به أبين من دخولهم باللفظ الأول؛ لأن الأول، وهو قوله: ولدي وولد ولدي يخص ولد الذكور من ولده إناثهم بوجهين عوف الشرع وعرف الناس، والتخصيص بعرف الشرع متفق عليه.
ولفظ أولادي وأولادهم لا يتخصص إلا بعرف الناس فقط، وهو سماع أصبغ من أوصى لولد عبد الله خص ذكور ولدهم دون إناثهم، والتخصيص بعرف كلام الناس مختلف فيه من قول مالك وغيره فيتخرج دخول ولد البنات في الحبس بهذا اللفظ على قول مالك لا يخصص به، وقول الشيوخ: إن كرر اللفظ فقال: وأولاد أولاد
أولادي أن ولد بنات بنات المحبس يدخلون إلى انتهاء الدرجات لا يجري على مهب مالك بحال إنما يتأتى على اتباع ظاهر اللفظ لغًة.
قلت: ظاهر قول الباجي: أن قضاء ابن السليم في اللفظ الذي قبل هذا خلاف نقل ابن رشد ولا سيما بعد ذكره الفرق بينهما معنًى، ولفظ أولادي ويسميهم بأسمائهم ذكورهم وإناثهم، ثم يقول وعلى اولادهم.
في المقدمات: ما يدخل فيه ولد البنات على مذهب مالك وأصحابه المتقدمين والمتأخرين إلا ما روي عن ابن زرب، وهو خطأ صراح فلا يعد خلافًا؛ لأنه لم يقله برأيه بل قاله بقياس فاسد على ما ذهب إليه من تقليد غيره؛ لأنه كان يفتي بما عليه الجماعة من دخول ولد البنات إلى أن نزلت، فقال: رأيت لموسى بن طارق قاضي زبيد أنه سأل مالكًا عمن حبس على ولده، وولد ولده فقال: ولد البنات في هذه المسألة ليسوا بعقب لا أعلم فيه خلافًا بين أهل المدينة فرجع عن قوله، وأشهد على رجوعه فكان من قوله في القائل: على ولدي فلان وفلان وفلانة وعلى أعقابهم وأعقاب أعقابهم أنه لا شيء لولد فلانة فقوله على أولادي وأعقابهم وفيهم أنثى.
قال: فكذا إذا قال: على ولدي فلان وفلان وفلانة وعلى أعقابهم لاحتمال عود الضمير إلى الذكر من دون البيت، والذي قاله الجماعة من عوده على جميعهم هو الصواب.
ورجوع ابن زرب لأجل الرواية التي حكاها غلط بين؛ لأنها إنما هي فيمن حبس على ولده وولد ولده، وهي غير التي رجع عن جوابه فيها؛ لأن وجه الرواية ما بينه من اعتقاد الناس أن الولد خاص بالذكر بل لا يعرف صدق لفظ الولد على الذكر والأنثى إلا الخاص من العلماء، ولا يمكن أن يقال إن أحدًا من الناس يجهل أن ضمير الجمع يرجع إلى جميع المذكورين بل الكثير منهم يعتقد أنه لا يصح رجوعه إلى بعضهم، وذهب إليه كثير من العلماء فقالوا: في عموم آي القرآن المخصصة بغيرها أنها منسوخة، ومعنى آخر: وهو احتمال كون مالك راى أن لفظ ولد الولد لا يقع إلا على من يرجع نسبه إليه، ولا يمكن أن يقول أحد إن ضمير الجمع يعود على بعض المذكورين إلا إذا
قام عليه دليل كقوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَاتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي} [الأنعام: 130] ضرورة العلم بأنه تعالى لم يبعث من الجن رسولًا.
وقول ابن عبد السلام وغيره قول ابن الحاجب.
قال الباجي: أخطأ ابن زرب خطأ في العزو لجهله اصطلاح ابن شاس في إطلاقه لفظ الشيخ أبي الوليد على ابن رشد، ولفظ القاضي أبي الوليد على الباجي.
وتقدم الكلام عليه في المزارعة.
ولفظة أولادي ذكورهم وإناثهم، ولم يسمهم بأسمائهم، ثم قال: وعلى أعقابهم.
في المقدمات: ظاهر المذهب دخول ولد البنات في ذلك بخلاف لفظ: أولادي، ولم يذكر لفظ ذكورهم وإناثهم لما قلنا من أن لفظ الأولاد لا يوقعه الناس إلا على الذكور دون الإناث.
واستدل بعضهم من رواية الموازية: من حبس على ولده الذكر والأنثى، وقال: من مات منهم فولده بمنزلته لا شيء لولد البنات، أن لا شيء لولد البنات واستلاله ضعيف.
ووجه هذا القول إن سلمنا استدلاله على ضعفه أن يحمل قوله: وأعقابهم، على أنه إنما أراد أن يبين أنه لم يرد أن يخص بحسبه بينه الذكور والإناث دنية دون من تحتهم من بني البنين لا إدخال من لم يتناوله لفظ الولد الذكران والإناث، وإذا لم يسلم الاستدلال فالفرق بين المسألتين أن تحمل هذه المسألة على ظاهرها، ويحمل قوله في رواية محمد: من مات منهم فولده بمنزلته على التفسير لما تناوله اللفظ الأول.
ولفظ البنين في المقدمات حكم قوله: على بني أو على بني وبني بني أو على بني وبينهم، كحكم لفظ الولد على القول إن لفظ جمع المذكر يدخل فيه المؤنث، وعلى عدمه ينفرد الذكور من بنيه وبني بينه دون الإناث.
قلت: في الزاهي لابن شعبان لو قال: على بني لم يدخل فيه المؤنث، وعلى عدمه ينفرد المذكور عن بنيه وبني بنيه هو وبناته ودخل فيه بنو بنيه فقط، وقيل: يدخلن لقوله تعالى {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27] لدخول البنات فيه.
ابن رشد: ولو قال: على بني ذكورهم وإناثهم سماهم أو لا وعلى أعقابهم فهو على ما تقدم في الولد.
قلت: قوله: على القول: إن لفظ جمع المذكر يدخل فيه المؤنث، وعلى عدمه ينفرد الذكور دون الإناث خلاف إطلاق الرواية.
قال الشيخ: وظاهره من المجموعة: قال مالك: من تصدق على بنيه وبني بنيه دخل فيه بناته وبنات بنيه.
وسمع عيسى ابن القاسم: من حبس على بنات له دخل فيه بنات بنيه الذكور.
وذكره الباجي ولم يقيده قال: وقوله صلى الله عليه وسلم في الحسن: ((ابن ابني هذا سيد)) مجاز وثناء عليه، ولفظ العقب في المقدمات هو كلفظ الولد اتفاقًا.
قلت: وعزاه الشيخ لرواية ابن القاسم في المجموعة.
ولابن حبيب عن الأخوين قال: قال ابن الماجشون: فجميع ذلك أن كل ذكر أو أنثى حالت دونه أنثى فليس بعقبه، وقاله مطرف.
ولفظ النسل والذرية في عدم دخول ولد البنات فيهما:
ثالثها في النسل للمقدمات عن بعض الشيوخ عن الجاري على مذهب مالك، وبعضهم، وابن العطار.
الباجي عنه: النسل كالولد والذرية تشمل ولد البنات اتفاقًا لقوله تعالى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} إلى قوله {وَعِيسَى} [الأنعام: 84 - 85]، وهو ولد بنت.
ابن رشد: وهو استدلال صحيح في أن ولد الرجل من ذريته، وكذا يقول في نسله، وعقبه كما أنه من ولده خلاف ما ذهب إليه.
قلت: يرد استدلال ابن العطار بأنه لا يلزم من ثبوته في عيسى عليه السلام ثبوته في مسألة النزاع؛ لأنه إنما ثبت في عيسى لعدم أب له يحوز نسبه، ولا يلزم من ثبوته فيمن
لا أب له يحوز نسبه إليه ثبوته فيمن له أب يحوز نسبه، ولاعتبار هذا المعنى من حيث ذاته كان المذهب في ولد الملاعنة المعتقة جرها ولاء ولدها لمعتقها ما دام غير مستلحق، فإن استلحقه أب بطل جرها، وشاع في أوائل هذا القرن على ما بلغني الخلاف فيمن أمه شريفة وأبوه ليس كذلك هل هو شريف أم لا؟
فأفتى الشيخ أبو علي منصور المدعو بناصر الدين من فقهاء بجاية بثبوت شرفه وتبعه جل أهل بلده.
وأفتى الشيخ أبو إسحاق بن عبد الرفيع قاضي بلدنا تونس بعدمه.
وسمعت شيخنا ابن عبد السلام يصرح بتخطئة مثبته متمسكًا بالإجماع على أن نسب الولد إنما هو لأبيه لا لأمه.
وقاله بعض من لقيت من الفاسيين: وقال: يلزم عليه أنه لو تزوج يهودي أو نصراني بعد عتقه وإسلامه شريفًة أن يكون ولده منها شريفًا، وهذا لا يقوله منصف أو مسلم؛ أنا أشك.
وألف الفريقان في المسألة وأقوى ما احتج به الأولون تمسكهم بما تمسك به ابن العطار: و [ان أصل الشرف من فاطمة رضى الله عنها، وهو بنسبة الأمومة لا بنسبة الأبوة.
قلت: والحق أن ابن الشريفة له شرف ما عن منزلة من أمه ليست بشريفة لا الشرف العرفي، وتمسكهم بما تمسك به ابن العطار يرد بما تقدم.
وتمسكهم بالقياس على ثبوته بالنسبة إلى فاطمة بجامع أنه شرف ثبت بولادة الأم يرد بأنه إنما ثبت بهذه النسبة فيمن ثبتت نسبته إليها بنسبة الأبوة، فكان هذا الشرف الثابت في صورة الإجماع ثابتًا بالنسبة إلى فاطمة رضى الله عنها الثابتة النسبة إليها بالنسبة إلى الأب فحينئذ لا يلزم ثبوته في المقيس؛ لأنه إنما يتصور ثبوته فيه بالنسبة إلى فاطمة رضى الله عنها بالنسبة إلى الأم لا إلى الأب، وهذه النسبة الثابتة في المقيس أضعف من النسبة الثابتة في الأصل؛ لأنها فيه بالنسبة إلى الأم، وهي فاطمة رضى الله عنها، وبالنسبة إلى الأب، وهو أبو الولد المتكلم في شرفه الثابت نسب أبيه إلى الحسن أو الحسين رضى الله عنهما بالنسبة إلى الأب، وهي في المقيس ثابتة بالنسبة إلى الأم، وهي فاطمة رضى الله عنها وبالنسبة إلى الأم أيضًا، وهي أم الولد المتكلم في
شرفه فهي في الأصل أقوى، وفي المقيس أضعف، وذلك فرق واضح يقدح في القياس المذكور، ويؤكد صحة هذا الفرق اتفاق العلماء فيما علمت في باب الترجيح على أن نتيجة الدليل الذي هو إحدى مقدمتيه ظنية، والأخرى قطعية أرجح من نتيجة الدليل الذي مقدمتاه معًا ظنيتان.
ولفظ إخوتي في الزاهي لابن شعبان يشمل إخوته، ولو لأم فقط ذكورهم وإناثهم لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11]، ولفظ رجال إخوتي ونساؤهم فيه يشمل أطفال ذكورهم وإناثهم، ولفظ بني أبي فيه يشمل إخوته لأبيه وأمه ولأبيه فقط والذكر من أولادهم مع ذكور ولده؛ لأنهم من بني أبيه.
زاد ابن شاس: وهذا يشعر بعدم دخول الإناث تحت قوله: بني خلاف ما تقدم في الرواية في لفظ البنين.
قلت: ووهم ابن الحاجب في عزوه هذا التعقب للتونسي؛ لأنه نص لابن شاس اتفق له مثل هذا في غير هذا الموضع من كتابه.
وأخل ابن الحاجب بالنص على دخول ولده الذكور معهم، وأجاب ابن عبد السلام عن تعقب ابن شاس بأن لفظ بني يطلق بمعنى الحنان والشفقة وذلك قرينة في إدخال البنات.
ولفظ بني أبي إنما يستعمل عرفًا عند المفاخرة والتعصب والمحامات، وهذا لا يناسب إرادة المؤنثات.
قلت: إن رد بأن إدخال صغار إخوته حال كونهم صغارًا في قوله: رجال إخوتي يبطل إيجاب قرينة إرادة التناصر إخراج من لا نصرة له فيه أجيب بأن المراد النصرة، ولو بالقوة العادية، وهي حاصلة في الصغير لا في الأنثى.
والحق إن كان المعتبر عند ابن شعبان الإطلاق لغًة فالتعقب لازم، وإن كان المعتبر الإطلاق عرفًا فجوابه تام، ولكن ظاهر كلام ابن شعبان اعتبار الإطلاق اللغوي أو الشرعي لا العرفي، ولذا لما ذكر الباجي قوله في الأصل قال إثره: وهذه المعاني، وردت
مجازًا، ومقتضى مذهب مالك اعتبار حقائقها أو عرف استعمالها.
قلت: فخص مالكًا باعتبار العرف دون ابن شعبان، فحينئٍذ يكون التعقب لازمًا.
ولفظ آلي وأهلي: قال الباجي عن ابن القاسم: الآل والأهل سواء هم العصبة والبنات والعمات لا الخالات.
الباجي: يريد: العصبة، ومن في تعددهم من النساء.
قلت: فتدخل بنات العم، ولو بعدن قال: هذا المشهور.
ولابن شعبان: هم من هو في جهة الأبوين، ولو بعد.
قلت: لفظ ابن شعبان من كان من جهة أبيه أو أمه، ولو بعد.
ولفظ القرابة: قال الباجي: روى ابن المواز وابن عبدوس: من أوصى لأقاربه قسم على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد.
وفي العتبية: لا يدخل فيه ولد البنت، ولا ولد الخالة.
ولابن عبدوس عن ابن كنانة: تدخل فيه العمة والخال والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت.
وروى علي: يدخل فيه أقاربه من قبل أبيه وأمه.
أشهب: يدخل فيه كل ذي رحم محرم، ولو غير رحم من قبل الرجال والنساء، ويلزم من أدخل بني الأخت أن يدخل بني الخالة إلا أن تكون لجهة الأب مزية.
قلت: في كتاب الوصايا: سمع عيسى رواية ابن القاسم: من أوصى لأقاربه بثلث ماله فهو لقرابته من قبل الرجال، ولا شيء لقرابته من قبل الأم إلا أن لا يكون له قرابة من قبل الرجال.
ابن رشد: إن لم يكن له يوم أوصى قرابة من قبل أبيه فالوصية لقرابته من قبل أمه اتفاقًا، فإن كانا معًا ففي دخول من هو من قبل أمه قولا أشهب وابن القاسم مع روايته.
المتيطي: في عدم دخول قرابته من النساء ودخولهم بكل حال، ثالثها: إن لم يبق من قرابته من الرجال أحد دخلوا لابن القاسم، ورواية الأخوين مع قولها، ونقله ابن
حبيب عن كل أصحاب مالك وعيسى بن دينار.
ولفظ الموالي في قصره على موالي عتاقته فقط أو مع أولادهم ومواليهم أو مع موالي أبيه وابنه، ولو بعد أو إخوته، رابعها: وموالي عصبته لابن رشد في سماع ابن القاسم من كتاب الحبس عن سماع أصبغ ابن وهب في الوصايا، وسماع ابن القاسم أول قولي مالك، وثانيهما: قول غير ابن القاسم في المجموعة يدخل فيه موالي ولد الولد والأجداد والأم والجدة، ونقله مع تخريجه على الثالث.
قال: وقول الغير: وموالي الأم والجدة؛ يريد: أم الأب وأم الجد لا أم الأم ولا أم أم الأب؛ لأن النساء لا يرثن الولاء، وفي دخول المولى الأعلى مع الأسفل إن لم يقم دليل على إرادة أحدهما قولان لأشهب، ونص وصاياها.
قال أشهب: فإن كان كل منهما ثلاثة فأكثر أو أقل منها قسم الحبس أو الوصية بينهما نصفين، ولو كان عدد أحدهما أكثر من الآخر، فإن كان عدد أحدهما أقل من ثلاثة اختص به الآخر.
ابن رشد: لو قيل: يقسم على عددهم ما كانوا إن استووا في الحاجة كان له وجه، وهو أظهر من قول أشهب وكون أهل أحدهما أغنياء دون أهل الآخر دليل إرادة الفقراء فقط.
الباجي: قال مالك: يدخل في مواليه موالي مواليه وابنه وأبيه، وروى ابن وهب وأولاد مواليه.
وفي المجموعة: وموالي ولد الولد والأجداد والأم والجدة والإخوة لا موالي بني الإخوة والعمومة.
قال ابن الحاجب: وعلى مواليه روي مواليه الذي أعتقهم فقط وأولادهم، وروي موالي أبيه وابنه ورجع إليه، وروي موالي أبيه وابنه ورجه إليه، وروي وموالي مواليه، وروي وموالي الجد والجدة والأم والأخ، فقبلها ابن عبد السلام وجعل تغايرها بما زادته كل رواية على ما قبلها، وهذا يوجب وجود رواية بقصره على معتقيه وأولادهم دون موالي مواليه وجده رواية بقصره على مواليه وأولادهم وموالي أبيه وابنه دون موالي
مواليه، ولا أعرف من نقلها، فإن ثبتتا كانت الأقوال سنة أربعة ابن رشد وهاتان.
ابن رشد: ومن دخل منهم على قول قائل بدئ منهم الأقرب على الأبعد إلا أن يكون أحوج كما قال في أول رسم من سماع ابن القاسم، وظاهر سماعه في رسم الشريكين مساواة البعد الأقرب.
ولفظ القوم: قبل الباجي قول ابن شعبان هو خاص بالرجال العصبة دون النساء لقوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} ، {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات: 11].
وقول زهير:
أقوم آل حصن أم نساء
ابن شعبان: ولفظ أطفال أهلي وصبيانهم وصغارهم يخص من لم يبلغ ذكرا أو أنثى، ولفظ شبانهم وأحداثهم يخص من بلغ منهم، ولم يكمل الربعين، ولفظ كهولهم يخص من جاوز الأربعين منهم إلى ان يكمل الستين.
ولفظ شيوخهم: يخص من جاوز الستين منهم، ولفظ أراملهم فيه الرجل الأرمل كالمرأة الأرملة.
قال الشاعر:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها فمن الحاجة هذا الأرمل الذكر
وأما الوصايا والأحباس على المتعارف بين الناس.
قلت: والبيت لجرير، في الاكتفاء لابن كردبوس جاءت طائفة من الشعراء فأقاموا بباب عمر بن عبد العزيز أياما لم يؤذن لهم حتى قدم عدي بن أرطأة، وكانت له مكانة فتعرض له جرير، فقال:
يأيها الرجل المزجي مطيته
…
هذا زماتك إني قد خلا زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أني لدى الباب كالمصفود في قرن
وحش المكانة من أهلي ومن ولدي نائي المحلة عن داري وعن وطني
فقال: نعم، أبا حزرة فدخل على عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن الشعراء ببابك، وأقوالهم باقية، وسهماهم مسمومة.
قال: يا عدى ما لي وللشعراء.
قال: يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم مدح فأعطى، وفيه الأسوة لكل مسلم، مدحه عباس بن مرداس فكساه حلة قطع بها لسانه.
قال: وتروى؟
قال: نعم
رأيتك يا خير البرية كلها
…
نشرت كتابا جاء بالحق معلما
سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا عن الحق لما أصبح الحق مظلما
الأبيات.
قال له: فمن بالباب؟
فقال له: ابن عمك عمرو بن أبي ربيعة.
قال: لا قرب الله قرابته، ولا حيا وجهته، أليس هو القائل:
ألا ليت أني يوم تدونوا منيتي شممت الذي ما بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كله وليت حنوطي من مشاشك والدم
وليت سليمى في القبور ضجيعتي هناك أو في جنة أو جهنم
والله لا دخل علي أبدا فمن بالباب غيره؟
قال: جميل.
قال: هو القائل، فذكر من شعره نحو ما تقدم: لا دخل علي أبدا فمن بالباب غيره؟
فقال: كثير عزة، فذكر من شعره نحو ما تقدم، وقال: لا يدخل علي فمن بالباب غيرهم؟
قال: خالك الأحوص الأنصاري، فذكر من شعره نحو ما تقدم،
وقال: لا يدخل علي فمن بالباب غيرهم؟
قال: الفرزدق همام بن غالب فذكر من شعره نحو ما تقدم،
وقال: لا يدخل علي فمن بالباب غيرهم؟
قال: الأخطل فذكر من شعره ما نسب فيه لنفسه فعل الكبائر،
وقال: لا وطئ لي بساطًا أبدًا، فمن بالباب؟
قال: جرير.
قال في شعره عفة فأذن له.
قال: فخرجت وأذنت له فلما مثل بين يديه.
قال له: اتق الله أبا حرزة، ولا تقل إلا حقا. فقال:
كم باليمامة من شعثاء أرملة ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدلك يكفى بعد والده كالفرخ في العش لم يدرج ولم يطر
إنما لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا من الخلافة ما نرجو من المطر
أتى الخلافة إذ كانت له قدرا كما أني موسى ربه على قدر
هذي الأرمل قد قضيت حاجتها فمن الحاجة هذا الأرمل الذكر
فقال: يا جرير، والله لقد وليت هذا الأمر، وما أملك إلا ثلاثمائة درهم، مائة أخذها ابني عبد الله، ومائة أخذتها أم عبد الله، يا غلام، أعطه المائة الباقية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنها لأحب مال كسبته إلى، وخرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟
فقال: خرجت من عند أمير يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض، وأنشأ يقول:
رأيت ولي الشيطان لا يستفزه وقد كان شيطاني من الجن راقيا
قلت: قوله: "كما أتى ربه موسى على قدر" كتم بعض أشياخنا الصلحاء يمنع هذا
التشبيه، ويراه خلاف ما يجب من الأدب لمقام الأدب النبوءة.
قلت: وفيه دليل على جواز حفظ الشعر المشتمل على نسبة قائله لنفسه ما لا يحل فعله، ولو في الكبائر إذا كان فيه مصلحة من استشهاد به أو تجريح قائله، وعزو ابن هارون بيت هذي الأرامل للخطئية، وهم تبع فيه ابن شاس.
قال: وحكم الوقف اللزوم في الحال إن نجزه، ولم يضفه لمستقبل من قوله أو غيره.
قلت: حكم ما عقد منه اللزوم مطلقًا نجزه في الحال أو إضافة لمستقبل، وإنما المنقسم فيه إلى الحال والاستقبال التنجيز لا اللزوم فعبارة ابن الحاجب أحسن، وهي وحكم مطلقة التنجيز ما لم يقيد باستقبال.
قلت: هذا هو المعروف في لزوم العطية بالعقد، وعلى نقل ابن زرقون والمازري عدم لزومها به عن روايتي ابن خويز منداد والطحاوي لا يلزم الحبس بعقده، وهو خلاف نقل ابن رشد في رسم الشجرة لا خلاف في المذهب أن من حبس أو وهب أو تصدق أنه لا رجوع له في ذلك، ويقضي عليه بذلك إن كان لمعين أتفاقًا ولغير معين باختلاف، والقولان فيها على اختلاف روايتها وتقدم وقف تمامه على حوزه.
الباجي: حكى أبو تمام عن المذهب أن الصدقة والحبس يتمان بالقول دون حوز والهبة تفتقر إليه، وهو كالعطية من رأس المال إن حيز في صحته، ومن ثلثه إن أحدثه في مرضه، وفيما تأخر حوزه لمرضه، وأحدثه في صحته خلاف مذكور في الهبة.
الشيخ: روى ابن عبدوس من قال: هي حبس عليك حياتي، ثم هي في السبيل فهي من ثلثه، وقاله ابن القاسم وأشهب وعن أشهب: في هذا الأصل أنها من رأس ماله.
قلت: وفي نوازل ابن الحاج عقب ذكره القولين، ولو قال: هي لك في حياتي، ثم هي في سبيل الله كانت من راس ماله اتفاقًا.
قلت: لأن لفظ الحبس يقتضي بقاء ملك المحبس، وإسقاطه بمفتقر سقوط ملك المعطي.
وأفتى ابن رشد فيمن حبس حبسًا على ابنته، وعقبها على إن ماتت، ولا عقب لها او مات عقبها في حياته رجع إليه، وإلا فهو لأقرب الناس منه أنه من الثلث، ويدخل سائر ورثته على ابنته إن مات قبلها فيه إن حمله الثلث أو ما حماه منه.
قلت: لأنه على وارث مرجعه لغير وارث، وكرواية محمد سمع ابن القاسم.
ابن رشد: عن ابن لبابة إن مات المحبس عليه قبل المحبس فالأول، وإن مات بعده فالثاني، والأولان بناء على أن الإعطاء المبتل الموقف قبض المعطي العطية على أمر هو قبل وجود ذلك الأمر على ملك المعطي لأجل، وقف تقيده على أمر لم يوجد بعد أو هو على ملك المعطي لجزمه في العقد بتبتيله، وخرج عليه قولي مالك فيمن أخذ من عبده رجلا، ثم هو الآخر فقتل أو جرح أو مات عن مال هل قيمته وأرش جرحه وماله لمعطيه أو لمن مرجع رقبته.
واختلف قول ابن القاسم كمالك، ولو حبس حبسًا معقبًا شرط فيه رجوعه إليه بعد انقراض كل العقب، وبقي بيده إلى أن توفى كان في ثلثه لا من راس مال، ونزلت أيام منذر بن سعيد فحكم به بعد فتوى اللؤلؤي به مع كل أهل الفتوى حينئذ، وخالفهم إسحاق بن إبراهيم التجيبي في وجع في ذلك فلج مخالفته عقله.
ابن فتوح والمتيطي عن ابن الهندي: وولد الحيوان الحبس مثله.
سمع ابن القاسم: ما ولد بقرات حبست قسم لبنها في المساكين من أنثى حبست معها ورد ثمنها في إناث أو في علو فتها.
ابن رشد: هذا كقولها: ما ضعف من دواب حبس السبيل أو بلي ثيابه، فذهبت منفعته بيع ورد من ثمن الدواب في خيل، فإن لم يبلغ ثمن فرس أو هجين أو برذون أعين ب÷ في ثمن فرس ورد ثمن الثياب في ثياب، فإن قصر عن ثمن ما ينتفع به فرق في السبيل خلاف رواية منع بيع ذلك، وأنه لو بيع الربع المحبس، وهو قول ابن الماجشون: من حبس غلامًا فكبر أو تخلف فكثرت سرقته وإباقه لم يجز بيعه ليشترى بثمنه مكانه، وكذا البعير والتيس إن انقطع حزابه لكبره لم يبع ليشتري بثمنه غيره مكانه إلا أن يكون المحبس شرط ذلك في حبسه، وهذا الخلاف إنما هو في بيعه ليشتري بثمنه