الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره يكون مكانه، وأما بيعه فيما يلزم من رعيها وعلفها فجائز اتفاقًا فما انقطعت منفعته إن لم يرج عودها وأضر بقاؤه للنفقة عليه جاز بيعه، وما رجي عود منفعته، ولا ضرر في بقائه منع بيعه اتفاقًا فيهما، وما لم يرج عود منفعته، ولا ضرر في بقائه مختلف فيه، ومنه الربع الخرب.
[باب المستحق من الحبس لمن عليه حبس]
والمستحق لمن عليه حبس منفعته، وهي أخص من الانتفاع به لاختصاص ملك المنفعة جواز بيعها دون ملك الانتفاع إلا أن يشترط المحبس قصر استحقاق المحبس عليه على الانتفاع فقط أو يقتضيه عرف تقرر كحبس مدارس العلم على طلبته وزوايا لفقراء.
وفيما تجب به الثمرة لمن حبست عليه اضطراب.
سمع ابن القاسم: من تصدق على ثلاثة نفر بثمر حائطه فمات أحدهم بعد أن أبروها فهي بينهم؛ لأنه قد أبر وسقى، ثم نزلت فقضي أن لا شيء لمن مات إن كان حبسًا وإنما يكون لوراثة لو مات بعد طيبها، ولو كانت صدقه غير حبس كانت لوارثه، ولو المتوبر.
ابن رشد: معنى قوله: تصدق على ثلاثة نفر؛ أي: حبسها عليهم؛ لأن الصدقة المبتولة، وغير حبس حظ من مات منهم من ما فيها لوراثة اتفاقً، ولو لم توبر.
وأما الحبس فمن مات منهم بعد الطيب فحظه لوارثه، ومن مات قبل الآبار لا شيء لوراثة اتفاقًا فيهما، فإن مات أحدهم بعد الآبار قبل الطيب، وففي وجوب حظه لوراثة مطلقًا أو إن كان الميت أبر وسقى، ثالثها: لمن بقي منهم، ورابعها: هذا إن كانوا يلوا عملها أو كان المحبس عبدًا يخدمهم أو دار يسكنونها، وإن كان ثمرًا يقسم رجع
لمحبسه، وخامسها: له مطلقًا لغير واحد من الرواة فيها، ولما رجع إليه مالك مع اختيار ابن القاسم: ولم يعز الباقين وأولهما هو الذي رجع عنه مالك فيها، وثانيهما: مقتضى قول اللخمي عزوه لرواية القاضي في المعونة، وصوبه.
قال: إلا ان تكون العادة رجوعه لبقية أصحابه، وقول ابن رشد: من مات بعد الطيب فحظه لوارثه اتفاقًا خلاف نقل اللخمي.
قال: إن كانت الغلة تقسم عليهم، ولم يلوا عملها لم تستحق بالإبار، واختلف هل تستحق بالطيب أو تكون لمن أدرك القسم.
وقول ابن حارث: اتفقوا في الحبس على قوم على أنهم إن كانوا يلونه بأنفسهم، وهو بينهم على الإشاعة أن حظ من مات منهم لأصحابه خلاف نقل ابن رشد الأقوال الخمسة.
قال ابن حارث: وذكر محمد اختلاف قول مالك، والقول الذي رجع إليه بزيادة إلا أن يكون أوصى بعدة لكل رجل أو قال: لهذا يوم، ولهذا يوم فحظ من مات راجع إلى مرجع الحبس كله.
زاد الصقلي عنه: وكذلك إن أوصى لكل واحد بمسكين بعينه فحظ من مات لصاحب الأصيل، وعلى كونه لمن بقي منهم لو تقدم للميت في الثمر نفقة، ففي رجوع وارثه بعد طيب الثمرة على من بقي منهم بالأقل من النفقة أو حظ الميت من الثمرة مقسطا منها ما أنفقه غيره فيها، وتعجيل غرم من بقي لصاحبه لوارثه نفقته نقلا الصقلي عن بعض أصحابه، وبعض شيوخه قائلا: كتعجيل غرم من استحق أصلًا فيه ثمر سقيه، وعلاجه.
الصقلي: وهذا أبين إلا أن يبقى الوارث على حظ الميت في الثمرة، وعلى الأول قال: لو أجيحت الثمرة فلا شيء للوارث.
قلت: يرد القياس على المستحق بأنه باستحقاقه تعجل تمام ملكه الثمرة الجواز بيعه إياها، وإعطائه إياها لمن يتعجل تصرفه فيها: ومن بقي من ا÷ل الحبس لا يتعجل ملك الثمرة لمنعه من بيعها، وإعطائها من يتعجل التصرف فيها.
ابن رُشْد: ولو ماتوا كلهم معًا، ففي كون الثمرة لورثتهم أو للمحبس، ثالثها: إن كانوا أبروا وسقوا وإلا فللمحبس لأشهب ولغيره ولهذا السماع؛ لأن موتهم كلهم كموت المحبس عليه إن مات واحد، وإن مات واحد بعد واحد، ففي مون الآخر ثلاثة أقوال، وإنما ترجع الثمرة للمحبس في الموضع الذي ترجع إليه إذا قال: حبسًا، ولم بقل حبسًا صدقة، ولو قالها رجعت إلى أقرب الناس به حبسًا.
قال: فيتحصل فيما تجب به الثمرة للمحبس عليهم بأعيانهم وجوبها بالطيب لا الإبار، وبالإبار مع كونهم سقوها، وأبروها وبمجرد الإبار.
الباجي: لو كانت أرضا يحرثها من حبست عليهم، وهم معينون، ثم ماتوا خير ربها في إعطائه الوارث كراء الحرث أو سلبها لهم بكرائها تلك السنة، ولو مات وبها زرع فهو للوارث، ولا كراء عليه، وقاله أًصْبَغ، وإن لم يكونوا معينين كالحبس على رجل وعقبة ففي وجوبها بالطيب أو القسمة قولان.
قُلتُ: عزاهما ابن زوقون لابن القاسم مع مالك لابن الماجِشُون.
قال: وثالثها لأشهب بالإبار لا تجب إلا بالقسم وأما الحُبُس على بني زهرة فلا يجب إلا بالقسم من مات قبله سقط حظه، ومن ولد قبله ثبت حظه.
قُلتُ: والحبس على القراء بموضع معين كقراء جامع الزيتونة بتونس حرسها الله تعالى إن كان بقيد أن الثوب لمعين فهم كالأجراء، وتقدم كلام الشُيُوخ في المستأجر على الأذان والإمامة يمرض بعض الأيام، وإمام المسجد يموت وعليه دار محبسة وأهله بها هل تخرج أو تقيم لتمام العدة، وإن كان الحُبُس لا بقيد كقراءة سبع المحرابي بجامع الزيتونة فهو كالحبس على فلان وعقبه.
المتيطي: وفي كراهة اقتسام الحُبُس اقتسام اغتلال وانتفاع قولان، والعمل على جوازه.
قُلتُ: عزاه ابن سهل لعبيد الله بن يحيي، ومحمد بن وليد، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ولظاهر قولها في مسألة أولاد الأعيان، وعزا المنع لظاهر قول أكثر أصحاب مالك، ولفته وابن الأعبس محتجًا على ابن أيمن برواية علها فيها.
وقال محمد بن يحيى: اختلافهما خطأ، ومعنى القسم في مسألة الأعيان إنما هو قسم انتفاع لا قسم يلزم، والنظر في الحُبُس لمن جعله إليه محبسه.
المتيطي: يجعله لمن يثق به في دينه وأمانته، فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للقاضي يقدم له من يرتضيه، ويجعل للقائم به من كرائه ما يراه سداد أعلى حسب اجتهاده.
قُلتُ: فلو قدم المحبس من رآه لذلك أهلا فله عزله، واستبداله.
سمع يلي حبسهن فاتهمنه في غلتهن، وطلب بعضهن أن يوكل بحقه، فإن كان حسن النظر لم يكن لها ذلك، وإن كان على غير ذلك جعل معه من يوكله بذلك.
ابن رُشْد: معناه أن العم قدمه المحبس، ولو كان بتقديمهن لكان لمن شاءت منهن توكيل غيره على حقها، ولم يكن للسلطان في ذلك نظر، وقوله إن كان على غير ذلك؛ يريد: سيئ النظر أو غير مأمون، وإنما رأى أن يوكل بحقها، ولم يعزله؛ لأنه رضيه بعضهن، ولو لم ترضه واحدة منهن عزله، ولو كن غير مالكات أنفسهن لوجب تقديم السلطان غيره، وقال ابن دحون: لو اتهمه جميعهن لكان لهن عزله وإنما بقي؛ لأنهن اختلفن في تهمته، وفي قوله نظر.
قُلتُ: قول ابن دحون: هو معنى متقدم قول ابن رُشْد؛ فتأمله، ونزلت في حبس حبسته الحرة أخت أمير بلدنا وجعلته بيد شيخنا ابن عبد السلام على أنه مدرس به، ثم نقلته لشيخنا ابن سلامة فقبله وشهد في العزل والتولية جميع الشهود الذين كانوا حينئذ منتصبين للشهادة، وعللوا ذلك بالتفريط.
المتيطي: إن شرط المحبس في حبسه أنه إن نظر قاض أو غيره في حبسه هذا فجميعه راجع إليه إن كان حياً أو لوارثه إن كان ميتًا أو صدقة بتلها على فلان ابن فلان فله شرطه.
ابن فتوح: للقاضي تقديم من ينظر في أحباس المسلمين، ولا يرتفع تقديمه بموته، ويرتفع برفعه من ولي بعده.
ولقاضي: أن يجعل لمن قدمه للنظر في الأحباس رزقاً معلومًا في كل شهر باجتهاده في قدر ذلك بحسب عمله، وفعله الأئمة.
ابن عات عن المشاور: لا يكون أجره إلا من بيت المال، فإن أخذها من الأحباس أخذت منه، ورجع بأجره في بيت المال، فإن لم يعط منها، وأجره على الله تعالى، وإنما لا يقطع له منها شيء؛ لأنه تغيير للوصايا، ومثل قول المشاور أفتى ابن ورد وقال: لا يجوز أخذ أجرته من الأحباس إلا أن يجهل على من حبست، وخالفه عبد الحق بن عطية، وقال: ذلك جائز، لا أعلم فيه نص خلافٍ، وتقدم جعله على غير يد المحبس، وولاية المحبس تفرق غلته في فصل الحوز.
ونفقة الحُبُس من غلته: فلو كانت لا تفي بنفقته فأظنني وقفت على أنه إن ثبت ذلك عند قاضي محله رده لمحبسه يصنع به ما شاء.
ونزلت فحكم بنقضه بعض قضاة وقتنا بعد عجز ثبوت عجز غلة الحُبُس عن خراجه واستشارني في ذلك فوافقته لما كنت وقفت عليه من النص في ظني، ثم بعد ذلك ظهرت له غلة فقام المحبس عليه يطلب رده لحبسه فلم يسعف، والأظهر عندي أن ينظر، فإن كان مع ذلك لا ثمن له رد حبسه، وإن كان له ثمن مبلغ ما يشتري به ما فيه نفع، ولو قل بيع واشترى بثمنه ذلك.
وفي الزاهي: لو شرط الواقف أن يبدأ من غلته لمنافع أهله، وترك إصلاح ما ينخرم منه بطل شرطه، وجعله اللخمي في النفقة عليه أقساما.
قال: دور الغلة والحوانيت والفنادق من غلتها ودور السكني يخير من هي عليه في إصلاحها وإكرائها لما تصلح منه والبساتين إن حبست على من لا تسلم إليه بل تقسم عليه غلتها تساقى أو يستأجر عليها من غلتها، وإن كانت على معينين هم يلونها فالنفقة عليهم والإبل والبقر والغنم كالثمار إن كانت تقسم غلتها استوجر عليها، وقسم ما فضل، وإن كانت على معينين خيروا في ولاية عملها، وفي استئجارهم عليها.
والخيل في السبيل لا تؤجر نفقتها في بيت المال، فإن لم يوجد بيعت، واشترى بثمنها سلاح، وإن كانت على معين أنفق عليها إن قبلها على ذلك، وإلا فلا شيء له.
والعبيد إن كانوا على السبيل، ولهم صنعه تراد للسبيل فكالخيل من بيت المال، وإن كانوا للغلة فمنها.
وفي كون نفقة المخدم على ربه أو المخدم قولان؛ الثاني: أصوب؛ لانقطاعه إليه ليًلا ونهارًا، وإن كان مأواه ليًلا عند ربه كانت عليه.
ولو قيل: نفقته نهارًا على المخدم كان له وجه، وكذا العبد يحبس على معين ليخدمه، والحبس يضرب له أجلٌ يخدم فيه العبد، وينتفع فيه كالمخدم، وكذا ينبغي إن لم يضرب له رجل على القول بعوده بعد موت المحبس عليه ملكًا لربه أنه كالمخدم.
والمساجد والقناطير ليست نفقتها على محبسها بل من بيت المال، فإن لم يكن، ولم يتطوع أحد بقيت حتى تهلك.
قُلتُ: فالحاصل أن نفقته في فائدته، فإن عجزت بيع وعوض من ثمنه ما من نوعه، فإن عجز صرف في مصرفه كقولها في النذور من نذر هدي مالا يهدي، وعجز ثمنه عن أدنى الهدى في إنفاقه على الكعبة يدفع لخدمتها والصدقة به حيث شاء قولا مالك، واستحباب ابن القاسم، والأولى تخصيص صدقته بمنى أو مكة.
قال ابن الحاجب: ولو شرط إصلاحها عليه لم يقبل.
قال ابن عبد السلام: في آخر حبسها من أسكن رجلاً دارًا سنين مسماة أو حياته على أن عليه مرمتها لم يجز، وهو كراء مجهول لكن إن وقف مع ظاهر هذا الكلام سلك بالوقف مسلك الكراء الفاسد فيفسخ، وليس هذا مراده إنما مراده أن يمضي الحُبُس، ويسقط الشرط، وهو معنى قول المؤلف لم يقبل.
قُلتُ: سوقه مسألة المدَوَّنة هذه على كلام ابن الحاجب يقتضي أنها مسألة حبس، ومن أنصف بعلم بمجرد البديهة أنها ليست من الحُبُس في شيء.
المتيطي: إن شرط المحبس أن إصلاحه من مال المحبس عليه فشرطه ساقط، وإصلاحه من غلته.
وفي كتاب الحُبُس منها: من حبس دارًا على رجل، وشرط عليه إصلاح ما احتاجت إليه من ماله لم يصلح، وهو كراء ليس بحبس، ولا أحفظه عن مالك إلا أنه
قال: من حبس فرسم على من شرط عليه حبسه سنة، وعلفه فيها لا خير فيه إن هلك الفرس قبل السنة ذهب عليه باطلاً.
قُلتُ: أيجعل الفرس والدار حبسًا أم يبطل؟
قال: لا أرى إلا أن مالكًا قال فيمن باع عبده على أنه مدبر على مشتريه لا خير فيه.
قال ابن القاسم: وأرى أنه يجوز تدبيره؛ لأنه بيع فات به، ويتبع البائع المشتري بتمام الثمن إن هضم له منه شيء فأرى في الفرس أن يخير صاحبه إن لم يفت الأجل في وضع شرطه ويبتله لصاحبه أو يدفع له ما أنفق ويأخذ فرسه، وإن فات الأجل لم يرد، وكان للذي بتل بغير قيمة، وأرى الدار حبسًا على ما جعل، وتكون مرمتها وغلتها؛ لأنها فاتت في سبيل الله.
الصقلي: وقاله يحيى بن عمر في الدار.
اللخمي: إن شرط على من حبس عليه دارًا مرمتها لم يصلح ابتداء.
قال ابن القاسم: هو كراء لا حبس، وأختلف إن نزل؛ فروى إن القاسم في المدَوَّنة: مرمتها من غلتها، وأسقط الشرط.
محمد: يرد ما لم يفت.
وفي أثناء أبواب الصدقة منها من وهب لرجل نخلاً وشرط لنفسه ثمرتها عشر سنين على أن يسقيها الموهوب له بمائه لم يصلح؛ لأنه لا يدري أتسلم النخل لذلك الوقت أم لا، ولقد قال مالك: من دفع لرجل فرسه يغزو عليه سيقتين، ونفقته في الأجل على المدفوع إليه، ثم هو له بعد الأجل على أن يبيعه قلبه لا خير فيه إن مات الفرس قبل الأجل ذهبت نفقته باطلة.
وقال أشهب في الفرس: لا يبطل شرطه العطية، وهو كمن أعاره لرجل يركبه سنة، ثم هو لفلان فترك المعار عاريته لصاحب البتل أنه يتعجل قبضه، فإذا كان مرجعه إليه من نفسه كان أحرى أن يتعجله، ويزول الخطر.
وفي كون الفرس في مسألتي الحُبُس والصدقة ملكا للمعطي بغير قيمة، وكونه في الأولى حبسًا مع رجوع المنفق بنفقته على محبسه طريقاً بعض القرويين مع الشَّيخ
وبعضهم مع القابسي محتجين بنص المحبس في الأول على التحبيس، وبظاهر لفظهما واستدلاله بهما.
القابسي: ويغرم المحبس النفقة للمحبس عليه مضى الأجل أم لا، أسقط شرطه أم لا.
قال: وفوت الحُبُس بمضي أجله على محبسه، وفي المدبر على مشتريه فاختص بغرمه قيمته.
قال: ومعنى المسألة الثانية أن المدفوع إليه الفرس يغزو عليه وثواب غزوه في الأجل لدافعه، وله في الأجل إمضاء العطية بإسقاطه شرطه، وردها بتماسكه به، فإن مضى الأجل فهو بيع فاسد.
يرد إن لم يفت، فإن فات مضى بالقيمة يوم حل الأجل وغرم نفقته أسقط شرطه أم لا حل الأجل أم لا، وإن قبضه على أن يغزو به عن الدافع رجع بأجر مثله إن غزا عنه.
قُلتُ: قوله: ويغرم المحبس النفقة في إسقاط شرطه في الأجل خلاف ظاهر متقدم قول ابن القاسم يخبر في وضع شرطه وتبتله لصاحبه أو يدفع له ما أنفق ويأخذ فرسه ووجه أنه بتبتيله انكشف أنه ملك له من يوم قبضه.
اللخمي: اختلف فيمن أعطى رجلًا فرسًا على أن يحبسه سنه، ولا يركبه، ثم هو له ملك أو ثم هو حبس يغزو عليه أو قال: يحبسه سنه يغزو عليه، ثم هو له ملك.
فروى ابن عبد الحكم: من أعطى رجلًا فرسًا ينفق عليه سنه، وهو له بعدها إن نزل مضى.
وقال ابن القاسم: إن لم يفت الأجل فله أن يسقط الشرط ويبتله له أو يدفع له ما أنفق ويأخذ فرسه.
قُلتُ: فظاهره عدم لزوم النفقة إن ابتله له.
قال عنه: وإن فات الأجل كان لمن بتله له دون قيمة، ولم يجعله بيعا؛ لأن ربه لم يشترط شيئًا يأخذه لنفسه بل لما رأى فيه مصلحه للفرس أو لغيره، وكذا إن قال هو بعد السنة حبس تغزو عليه، وإن كان هذا أثقل، واختلف في القسم الثالث، فروى ابن
القاسم كراهته، وعلى رواية ابن عبد الحَكم إن نزل مضى.
وقال أشهب: هو جائز ولا بين حبيب عن الأخوين من أخدم عبده رجلًا عشر سنين، ثم هو له بتلا أو أخدمه، ثم قال بعد الإخدام فهو سواء يصنع، وبه من الآن ما شاء.
وقال أَصْبَغ: إن جمع ذلك معًا فهو كالحبس إلى أجل وهذا أصوب؛ لأنه هبه فلا تغير عن شرط المالك فيها، وكذا إن كانا عقدين.
وقال: لا تتصرف فيها بالملك إلا بعد الأجل، وإن قال بعد الإخدام هو لك صنع به عاجلًا ما شاء.
قال ابن الحاجب كابن شاس: من هدم وفقا فعليه رده كما كان لا قيمته، ومن أتلف حيوانًا وقفًا فالقيمة، وتجعل في مثله أو شقصه.
زاد ابن شاس: وقيل: إن لم تبلغ ثمن عبد قسمت كالغلة فقبله ابن هارون في العدم والحيوان، وهو مقتضى قول ابن عبد السلام الأصل وجوب القيمة؛ لأنه من ذوات القيم لكن القيمة هنا تستلزم ملك الواقف على ما وقفه، وهو غير جائز في الأحباس إذ لا يمكن أن يؤدى الهادم القيمة، ولا يأخذ النقض، واختلف في هادم غير الحُبُس هل يقضى عليه بالقيمة أو يرده على ما كان عليه وهاهنا أحرى.
قُلتُ: قبولهما نقل ابن شاس وابن الحاجب يوهم أنه كل المذهب أو مشهورة، ولا أعرف ذلك بل ظاهر المدَوَّنة أن الواجب في الهدم القيمة مطلقًا حسبما يأتي نصها فيه.
قال عياض في حديث جريح أول كتاب البر: من هدم حائطًا فمشهور مذهب مالك وأصحابه أن فيه، وفي سائر المتلفات القيمة.
وقال الشافعي: عليه بناء مثله.
وفي العتبيَّة عن مالك مثله، وقول ابن عبد السلام: لكن القيمة هنا تستلزم نقل مالك الواقف وقفه إذ لا يمكن أن يوصى الهادم القيمة، ولا يأخذ النقض نص منه أن القول بإغرام الهادم القيمة يوجب له أخذ النقض في المذهب، وهذا لا يليق بتحصيله؛ لأنه خلاف المدَوَّنة وغيرها في كتاب الاستحقاق منها: ومن اكترى دارًا فهدمها تعديًا،
ثم قام مستحق فليأخذ النقض إن وجده، وقيمة الهدم من الهادم.
والصواب نقل اللخمي في ترجمه بيع الحُبُس قال: من تعدى على حبس فقطع النخل أو هدم الدار أو قتل العبد أو الفرس أو أحبي الثوب غرم قيمة ما أفسد، فإن كان الحُبُس على غير معين جعل ما أخذ من هدم أو قطع نخل في بناء تلك الدار أو غراسة مثل النخل، وفي مثل ذلك العبد والفرس والثوب.
وعلى قول أشهب يصرف فيما يرى أنه أفضل، ويختلف إن كان على معين هل يسقط حقه أو يعود في القيمة.
ولمحمد من أوصى له بغله دارًا وسكناها فهدمها إنسان في حياة الموصى، وهي تخرج من الثلث غرم الهادم ما بين القيمتين يورث عن الموصى، وتكون الأرض على حالها في الوصية، وإن هدمها بعد وفاته بني تلك الدار أتى في بنائها على ما كانت عليه أو أقل ويكون ذلك للموصى له، وكذا في قطع نخل الحائط.
وفي جناياتها: من أوصى له بعبد فقتل لاشيء له من قيمته، وعلى قول محمد يشتري له بالقيمة مثل الأول.
قُلتُ: ما ذكره عن المدَوَّنة لم أجده فيها إنما في جنايتها: إن أوصى بخدمة عبده لرجل سنين، وأوصى مع ذلك برقبته الآخر، والثلث يحمله فقتله رجل كان ما يجب فيه لمن له مرجع الرقبة، وهو إن أراد بما زعمه عن المدّوَّنة أنه قتل بعد موت الموصى فلا خلاف في المذهب أن قيمته للموصى له فيتمنع حمل نقله عنها لا شيء له على ذلك فلم يبق إلا حمله على مثله قبل موت الموصى، وتخريجه في هذا أن يشترى له بالقيمة مثل الأول عن قول محمد الذي قدمه لا يصح؛ لأن محمدًا إنما أثبت للموصى له ما بقى من الموصى به لا ما أخذ على ما أتلف فيه.
في الزاهي: لا يباع نقض الحُبُس، وأجاز بعض أصحابنا بيعه، ولا أقوله ولابن سهل عن ابن لبابه، وابن الوليد: جواز بيعه، وأجازه ابن زَرْب لبقاء باقية بهن ما بيع منه، وله في موضع أخر أفتى ابن عتاب بعدم نقل نقض مسجد خرب إلى مسجد آخر، وبعدم بيعه ويترك حتى يعفن لسماع القرينتين من تصدق بنخل بمائها فأصابتها الرمال
حتى بطلت كرانيفها، وغلبت عليها، وفي مائها فضل لا تباع، وتترك حتى تأكلها الرمال.
وفي طرر ابن عات عن ابن عبد الغفور: لا يجوز بيع مواضع المساجد الخربة؛ لأنها وقف، ولا بأس ببيع نقضها إن خيف فساده، ووقفه إن رجي عمارتها أمثل.
قُلتُ: إن وجبت عمارته وجب وقفه قال: وإن لم يرج بيع وأعين بثمنه في غيره أو صرف لغيره.
وقال المشاور: ذكر ابن أبى زَمَنَيْن: أنه ينتفع به في سائر المساجد: ويترك ما يكون علمًا له ليلًا يدرس أمره، ونحوه حكي ابن حبيب وابن القاسم لا يرى ذلك.
وفيها: مع العتبيَّة والموازيَّة وغيرها منع بيع ما خرب ربع حبس مطلقًا.
الباجي: روى محمد وغيره في نخيل حبس عليها الرمال حتى بطلت كرانيفها، وفي مائها فضل لا يباع فضل مائها، وإن غلبت عليه الرمال.
قُلتُ: تقدم عزوها ابن سهل لسماع القرينين، ولم أجدها فيه.
وسمع ابن القاسم: لا تباع دار حبس خربت ليبتاع دونها.
ابن رُشْد: فيها لربيعة: إن الإمام يبيع الربع إذا ولى ذلك لخرابه، وهو إحدى روايتي أبى الفرج.
اللخمي: لا تباع إن كانت بمدينة إذ لا ييأس من صلاحه من محتسب أو بعض عقب، وما بعد عن العمران، ولم يرج صلاحه جرى على القولين، والذي أخذ به المنع خوف كونه دريعة لبيع الحبس.
قُلتُ: ففي منعه، ثالثها: إن كانت بمدينة للمعروف، وإحدى روايتي أبى الفرج، ونقل اللخمي.
وفي جواز المناقلة به لرفع غير خرب قول ابن زرقون في رسالة الشَّيخ لا بأس أن يعاوض منه بربع غير خرب، ونقل الباجي عن ابن شعبان: لا يناقل وقف، وإن خرب ما حوله، وقد تعود العمارة.
قُلتُ: في كون خرابه أشد من خراب ما حوله نظر، ولفظ الرسالة إنما هو اختلف
في المعاوضة به بربع غير خرب، وفي «نوازل ابن رُشْد»: إن كانت هذه القطعة من الأرض المحبسة انقطعت منفعتها جملة، وعجز عن عمارتها، وكرائها فلا بأس بالمعاوضة فيها بمكان يكون حبسًا مكانها، ويكون ذلك بحكم من القاضي بعد ثبوت ذلك السبب، والغبطة في العوض عنه، ويسجل ذلك ويشهد.
في ابن عبد السلام: حكى أبو الفرج وابن شعبان قولا بجواز بيع الخرب مثل ما في «الرسالة» .
قُلتُ: الذي في «الرسالة» إنما هو المعاوضة بالمناقلة لا بيعه بغير ذلك، ورواية أبى الفرج في البيع الذي هو أعم منها، وما عزاه لابن شعبان لا أعرفه.
وفي الزاهي: لو خرب فأراد غير الواقف إعادته فمنعه الواقف أو الوارث فله ذلك.
وفي «نوازل سَحنون» : لم يجز أصحابنا بيع الحُبُس بحال إلا دارًا جوار مسجد ليوسع بها، وليشتري بثمنها دار مثلها تكون حبسًا، وقد أدخل في مسجده صلى الله عليه وسلم دور كانت محبسه.
وسمع ابن القاسم: إن باع قوم دارًا كانت لهم حبسًا، وأدخلوها في المسجد اشتروا بثمنها دارًا أخرى يجعلونها في صدقة أبيهم، ولا يقضى عليهم بذلك.
ابن رُشْد: ظاهره أنه جائز في كل مسجد، كقول سَحنون، ونقل النوادر عن مالك ولابن حبيب عن الأخوين، وابن عبد الحَكم وأَصْبَغ: أنها يجوز في مساجد الجوامع إن احتيج لذلك لا في مساجد الجماعات إذ ليست الضرورة فيها، كالجوامع، وقول مالك: لا يقضى عليهم بجعل الثمن في دار أخرى هو قول ابن القاسم ولابن الماجِشُون يقضي به عليهم.
ولمالك وابن القاسم إن استحق حبس فعل بثمنه ربه ما شاء، وظاهر السماع أنهم باعوها طوعًا، واختلف متأخروا شُيُوخنا إن امتنعوا من البيع للمسجد، فقال أكثرهم: تؤخذ منهم بالقيمة جبرًا، وهو الآتي على سماع قول ابن القاسم أنه لا يحكم عليهم
بجعل الثمن في أخرى لا يقضي عليهم بيعها إن امتنعوا؛ لأنهم إذا باعوها باختيارهم في موضع لا يحكم عليهم به لو امتنعوا منه كان الحكم عليهم بصرف الثمن في دار تكون حبساً واجباُ لما في ذلك من حق غيرهم إن كان الحبس معقباً، وكذا إن كان عليهم بأعيانهم على القول برجوعها بعدهم لأقرب الناس بالمحبس، ولأبي زيد في الثمانية يقضي عليهم ببيعها لتوسيع المسجد، فقوله بالقضاء عليهم يجعل الثمن في دار مكانها ليس على أصله فلعله إنما قال: يقضي عليهم بذلك ما عدى المسجد الجامع.
قلت: في قوله نظر؛ لأن المناسبة الناشئة عن اعتبار المصالح تقتضى عكس ما قاله؛ لأنهم إذا لم يجبروا على جعل الثمن في حبس آخر كان جبرهم على بيعه تحصيلاً لمصلحة التوسعة مع مفسدة إبطال حبس، وإذا جبروا على جعله في حبس، فإن قيل: جبرهم على البيع مع جبرهم على جعله في حبس فيه شدة ضرر وجبرهم على البيع مع عدم جبرهم على جعله في حبس أخف ضرراً وارتكاب أخف الضررين راجح أو واجب.
قلت: إبطال الحبس راجع لحق الله تعالى، وضررهم راجع لحق آدمي، وحق الله آكد.
ابن عات: عن أبي زيد: قال عبد الملك: يجبر أهل الدور المحبسة على بيعها لتوسيع جامع الخطبة والمنبر، وكذا الطريق إليها لا للمساجد التي لا يجمع فيها والطرق التي في القبائل لا يلزم أحد أن يبيع لها صدقة، ولا يوسع بها طريقاً لهم.
قال مطرف: إن كان نهر بجنب طريق عظمى للمسلمين يسلكها عامتهم فحفرها حتى قطعها جبراً هل تلك الأرض التي حولها على بيع ما يوسع به الطريق، فإن لم ينظر السلطان فيها لم تسلك تلك الأرض إلا بإذن أربابها.
ابن سهل: قال ابن الماجشون في مقبرة ضاقت عن الدفن بجانبها مسجد ضاق بأهله لا بأس أن يوسع المسجد ببعصها؛ لأن المقبرة والمسجد حبس للمسلمين ول أصبغ عن ابن القاسم في مقبرة عفف ليس فيها كبير نفع أتباع ويشتري بثمنها خشباً يرم بها المسجد.
قال: لا إلا أن، ثم قولاً ضعيفاً.
قلت: قول سحنون هذا كقول ابن الماشجون، والقول الآخر، كقول ابن القاسم فيما بلد من الثياب المحبسة، وقد تقدما.
ابن عات: سئل بعض أهل الشورى بقرطبة عن فاضل غلات أجناس المساجد أيصرف في المساجد التي لا غلات لها.
فأجاب قول ابن القاسم: أن لا يصرف إلى غيره من ذلك شيء، ويباع له به أصول تجري غلاتها عليه، ويوسع منها عليه فيها يحتاج من، وقيد وحصر وكل آلاته وقومته.
قال: وغيره يجيز صرفه لغيره والمساجد التي لا أحباس لها فمن أخذ بهذا القول لم يضمن ما أنفق في ذلك، وعلى الفول الأول أكثر الرواة، ومن لم يجز صرف بعضها لبعض لم يجز السلف من بعضها لبعض، ومن أجازه أجازه.
وقد قال أصبغ وابن الماجشون في العتيبة: الأحباس كلها لله انتفع بعضها ببعض، وقاله بعض أصحابنا، وسأل شجرة سحنونا عن مسجدين أو قصرين متقاربين من الرباطات وضع في كل منها بسلاح وآنية ينتفع بها المرابطون فيحتاج أهل هذا القصر إلى ما في الثاني لينتفعوا به ويردوه من حيث أخذوه، فقال أهل كل قصر أولى بما فيه إلا أن يكون له أمر عرفوه.
وبيع الحبس بشرط من المحبس في عقذه راجع إلى شرط تحبيسه بنقيض ما جعله المحبس سبباً في بيعه لا إلى إعمال شرط مناقض للحبس فيه.
سمع ابن القاسم من جعل داراً له حبساً صدقة على ولده لا تباع إلا إن احتاجوا لبيعها، فإن احتاجوا لبيعها، واجتمع ملاهم عليه باعوا وقسموا ثمنه سواء ذكورهم وإناثهم، فإن لم يبق منهم إلا رجل واحد فله بيعها إن احتاج، ولا ميراث في ثمنها لورثة المحبس.
قوله: إلا إن احتاجوا لبيعها؛ يريد: أو يحتاج أحدهم لبيع حظه منها قل الحبس لكثرة عددهم أو كثر لقلتهم فمن احتاج كان له بيع حظه، واختص بثمنه، وإن لم يبق إلا واحد اختص بثمن جميعه، ومن مات منهم قبل احتياجه سقط حظه، ولم يورث عنه ويرجع بعد انقراض الحبس عليهم إن لم يبيعوه لحاجتهم إلى أقرب الناس بالمحبس،
وهذا كله نص رواية محمد.
وأمد كراثه ما سلم عن غرر عدم وعدم تمامه.
سمع القرينان في الهبة والصدقة.
سئل مالك عمن تصدق بدار على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم ما بقي منهم أحد ومرجعها بعدهم لولده فلم يبق منهم إلا رجل واحد فتكارها منه بعض الذين إن مات الموالي رجعت إليهم من ورثة المتصدق عشرين سنة، فقال: ورثة المتصدق لا يجيز ذلك خوف موت هؤلاء الموالي في هذه المدة فتقدم علينا بحيازتك، فقال مالك: إن مات هذا المولي في السنين انفسخ الكراء، ولكنه شاب يخافون طول حياته وطول حيازة هذه الدار فيكتبوا عليه بذلك كتاباً، ويتوثقوا عليه فيه.
ابن رشد: أجاز في هذا السماع اكتراء الدار المحبسة عشرين سنة ممن صارت له بالحبس مع نقض كرائها بموته، ومعناه عندي ما لم ينقده؛ لأنه إن نقده، ومات رجع للمكتري كراء باقي المدة فكان سلفاً، وقيل: لا يجوز كراؤه لهذه المدة، وإن لم ينفذ، وهو ظاهر وصاياها.
الثاني: فيمن أوصى بخدمة عبده لرجل حياته أنه لا يجوز أن يكريه إلا لأمد قريب السنة والسنتين، والأمد المأمون الذي ليس ببعيد، ولم يفرق بين نقد، وغيره فظاهر المدونة جوازه في القريب على أن لا ينقد فيجوز في القريب على أن لا ينقذ ويمنع في البعيد على النقد اتفاقا فيهما، ويختلف في البعيد بغير النقد، وفي القريب به على قولين، وقد نص على ذلك في الموازية، وفي الموازية بأثر هذه المسألة.
قال مالك: لا يرفع في كرائها وليكرها قليلاً قليلاً، وقاله عبد الملك إلا أنه قال السنة والسنتين، فإن وقع في السنين الكثيرة على لأقول بمنعه، فإن عثر على ذلك والباقي من المدة يسير لم يفسخ، وإن كثر فسخ، قاله في الموازية، ولم ير في السماع حجة للقائم فخوف طول الحيازة لارتفاعها بالإشهاد، وهو معارض لما في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الأقضية فيمن له ممر في حائط رجل أنه ليس له أن يحضره، وإن
لم يجعل عليه بابا لئلا يطول الأمر فينسي حظه.
المتيطي: يجوز كراء من حبس عليه ربع من الأعيان أو الأعقاب لعامين لا أكثر في رواية ابن القاسم، وفي سماع أشهب إجازته لخمس وعشرين عاماً، وبالرواية الأولى القضاء.
قلت: الذي في سماع أشهب عشرون.
قال: والحبس على غير معين كالمرضى والمساكين أو مسجد أو قنطرة يجوز لمدة طويلة، واستحسن قضاة قرطبة كونه لأربعة أعوام خوف اندراسه بطول مكثه بيد مكتريه، وقال عبد الملك في المبسوط: المقدم على الأحباس لينقذها في أهلها، وهي معقبة إنما يكريها السنة والسنتين، فإن مات قبل ذلك نفذ الكراء، ولحائزها لنفسه كراؤها لنفسه الخمس والست.
وحدثني من أثق به أن ملكاً تكارى على هذه الحال، وهو صدقة عشر سنين واستكثره المغيرة وغيره، ولهذا أن يكتري بالنقد، وغيره، وليس ذلك للمقدم في كراء النقد؛ لأنه يضع من الكراء، ولا يقدر على قسمه قبل ذلك كان قد أعطى من الغلة من قد يموت قبل وجود ذلك له للمقدم في كراء النقد؛ لأنه يضع من الكراء، ولا يقدر على قسمه قبل.
وفي مقرب ابن أبي زمنين: من حبست عليه دار، وعلى عقبه أو غيرهم أو جعل لهم فيها سكني حياته لم يجز أن يكريها بالنقد إلا ستة أو سنتين، وجائز أن يكريها سنتين كثيرة بكراء منجم كلما انقضى نجم دفع كراءه، وكلما دخل نجم قدم كراءه إن كان النجم يسيراً هذا مذهب ابن القاسم، وابن وهب وروايتهما، ابن العطار: استحسن بعض أهل العلم الاحتياط في الحبس بأن لا يكبر ممن يجاوره خوف أن ينقض منه، ولا من ذوي قدرة لغير ما وجه.
قلت: وأكريت في أواسط القرن السابع بتونس عرصة لا بناء بها من أجناس تونس على الفقراء ممن بني بها شيئاً إضافة لداره كأنه منها لمدة أربعين عاماً بأضعاف
قيمة كرائها بعد مطالعة الناظر في أحباس تونس قاضيها، ومن له شورى، وهذه العرصة هي الآن ببنائها جزء من دار تعرف بمكتري العرصة المذكورة يقال ابن علال كان من مشاهير التجار الأملياء، وهي الآن بيد غيره ببياعات بعده، وهي في رائقة غير نافدة الخارج منها يستقبل القبلة بطرق سوق الأبارين جبلي جامع الزيتونة.
ولابن عات عن المشاور: إن أكرى ناظر الحبس على يدي القاضي ربع الحبس بعد النداء عليه، والاستقصاء، ثم جاءت زيادة لم يكن له نقض الكراء، ولا قبول الزيادة إلا أن يثبت بالبينة أن في الكراء الأول غبنا على الحبس، فتقبل الزيادة، ولو ممن كان حاضراً، وكذا الوصي في كرائه ربع يتيمه أو إجارته، ثم يجد زيادة لم تنتقض الإجارة إلا بثبوت غبن إن فات وقت كرائها، فإن كان قبل ذلك نقضت وقبلت الزيادة.
قلت: ظاهر أول كلامه إن لم يكن غبن لم تقبل الزيادة، ولو لم يفت الإبان، والأول أقيس والثاني أحوط.
وقد يؤخذ من أول عتقها الأول: بيع السلطان بالمدينة على خيار ثلاثة أيام، فإن وجد زيادة وإلا نفذ البيع، واستمر العمل في كراء الناظر في حبس تونس أنه على قبول الزيادة بموافقة قضاتها على ذلك، وتقدم في الأكرياء ذكر الخلاف فيه.
وفيها: لمالك: إن بني بعض أهل الحبس فيه أو أدخل فيه خشبة أو أصلح، ثم مات، ولم يذكر لما أدخل فيه ذلك فلا شيء لورثته فيه.
ابن القاسم: إن أوصى به، أو قال: هي لورثتي فذلك لهم، وإن لم يذكره فلا شيء لهم قل أو كثر.
المغيرة: لا يكون من ذلك صدقة بحرمة إلا فيما لا باب له من الميازب والستر، وما له خطر ورث عنه، وقضي منه دينه.
وسمع ابن القاسم: من بني في دار مسكناً أو غرس في أرضه نخلاً، وقد حبستا عليه، ثم مات، فإن أرضي رب الدار، ورثة الرجل فذلك له، وإلا قلعوا نخليهم، وأخذوا نقضهم.
ابن رشد: هذا خلاف قول ابن القاسم، وروايته في المدونة مثل قول المخزومي
فيها، ومثل ما في الشفعة منها، وما في التفسير لابن القاسم.
وقوله: إن أرضى رب الدار ورثة الرجل، وإلا قلعوا نخلهم، وأخذوا نقضهم معناه: إن مات بحدثان ما بنى وغرس، ولو لم يمت حتى مضى من المدة ما يرى أنه بنى وغرس لمثله فلرب الدار أخذ النقض والنخل بقيمتها مقلوعة إن شاء، وإن أبى قلعوا نخلهم، وأخذوا نقضهم على مذهب ابن القاسم فيمن بني فيما اكترى.
وكذا روى ابن القاسم في النوادر: لهم قلع نقضهم إلا أن يعطيهم قيمة ذلك مطروحاً في الأرض، ومعناه إن كان مضى من المدة ما يرى أنه بني لمثلها، وعلى رواية المدنيين أن للمكتري قيمة بنائه قائماً فالحكم في الحبس كما قاله في السماع طالت المدة أو قصرت، وهو ظاهر قول المخزومي فيها: أن البناء الذي له قدر مال من ماله هذا حكم ما بني للسكني إذا مات، وإن لم يمت فهو أحق بسكني ما بني لا يدخل عليه غيره فيه.
وسمع عيسى ابن القاسم: في دار حبس على قبيلة بناها رجل منهم حوانيتان وبيوتاً للغلة والسكني.
قال: أما السكنى فمن سكن منهم فهو أولى بما سكن مما يكفيه لا يدخل عليه غيره، وما للغلة يقاص نفسه بما يستوفي من الخراج فيما أنفق فما فضل عنه لجميع من حبس عليهم يؤثر بذلك أهل الحاجة، وما فضل قسم بين الأغنياء، فإن أراد أحد الدخول مع من بني فيما بني من الغلة غرم للباني نصف ما بقي له من حقه، ودخل معه فيه، فيكون في يديه نصف ما بقي للغلة يأخذ غلته ويقاص نفسه بها حتى يستوفي حقه، فإذا استوفى حقه كانت الغلة بين من حبست عليه على ما وصفنا.
قيل: فإن كانت القاعة لا كراء لها قبل البناء.
قال: يقاص بغلة الحوانيت والدور نفسه من يوم أخذ لها غلة، وإن لم يجثه أحد.
ابن رشد: قوله يكون في يديه نصف ما بقي للغلة صوابه: يكون في يديه نصف ما بني للغلة، وكذا في بعض الروايات، وهي مسألة بينة.
وقال ابن دحون: يدخل فيها كل ما في الرحا تخرب فيبنيها بعض أهلها أو البئر كذلك، وليس كما ذكر إنما يدخلها أكثر يدخلها القول بأن كل الغلة للباني إلا أن يعطيه
مريداً الدخول عليه منابه من النفقة أو من قيمتها على الخلاف في ذلك هذا إن قام بحدثان البناء، ولو قام بعد أن بلي البناء فليس عليه إلا منابه من قيمة البناء بحاله اتفاقاً.
وتقدم تفسيره في نوازل عيسى من كتاب السداد: وإن كان للحبس كراء قبل بناء هذا الباني كان عليه لإشراكه ما يجب لهم من الكراء اتفاقاً.
وإن لم يكن لهم كراء دخله الخلاف من الرحى الخربة فيبنيها بعض الشركاء هل عليه فيها كراء أم لا، ولا يدخلها قول محمد بن دينار المدني في الرحى الخربة يبنيها بعض الشركاء أن الغلة بينهم للعامل بقدر ما أنفق، وقدر ما كان له فيها قبل النفقة، ولمن لم يعمل بقدر ما كان له من غلتها؛ لأن الحبس ليس بملك للمحبس عليه.
قلت: جعله ما في الشفعة مثل قول المخزومي خلاف ما حمله عليه غيره من الشيوخ، وأن قول المخزومي من التفرقة بين الكثير واليسير.
وحصلوا في كون ما لم يوص بحبسه أنه حبس أو موروثه حبساً، ثالثها: إن قل لابن القاسم مع روايته فيها، وقولها في الشفعة والمغيرة وجعله ما في الشفعة خلاف ما في الحبس خلاف قول عبد الحق معنى ما في الشفعة أنه بين أنه موروث عنه، وما في كتاب الحبس أنه لم يبينه، ويحتمل أنه حبس عليهم ليسكنوا فقط كالتعمير لا أنه وقف.
وقال بعض القرويين: معنى ما في الشفعة أنه بني في الحبس بناء مفرداً لنفسه، وما بني في الحبس بناء شيئاً مخالطاً للحبس.
وقال التونسي في كتاب الشفعة: أو يكون على القول الثاني، وهو قول المغيرة: إنه موروث إلا ما لا قدر له.
قال ابن الحاجب كابن شاس لابن شعبان: لو خرب الوقف فأراد غير
الواقف إعادته فللواقف أو وارثه منعه، ووجهه ابن عبد السلام بما حاصله أن الحبس مملوك لمحبسه، وكل مملوك لشخص لا يجوز تصرف غيره فيه بغير إذنه بوجه.
قلت: والجاري عندي على أصل المذهب في ذلك التفصيل فإن كان خراب الحبس لحادث نزل به دفعة كوابل المطر أو شدة ريح أو صاعقة فالأمر كما قالوه.
وإن كان بتوالي عدم إصلاح ما ينزل به من هدم شيئاً بعد شيء، ومن هو عليه يستغل ما بقي منه في أثناء توالي الهدم عليه كحال بعض أهل وقتنا من أئمة المساجد يأخذون غلته ويدعون بناءه حتى يتوالى عليه الخراب المذهب كل منفعته أو جلها فهذا الواجب قبول من تطوع بإصلاحه ولا مقال بمنعه لمحبسه ولا لوارثه؛ لأن مصلحه قام بأداء حق عن ذي حق عليه لعجزه عن أدائه أو لدده.
وتقدم لابن رشد في كون قسم الحبس المعقب بين آحاده بقدر حاجتهم أو بالسوية والغني كالفقير مشهور المذهب، وقول ابن الماجشون مع ظاهر سماع عيسى ابن القاسم.
الباجي: روى محمد: لا يفضل فيه ذو الحاجة على الغني إلا بشرط؛ لأنه تصدق على ولده، ويعلم أن فيهم الغني والمحتاج وفي المجموعة الحبس المعقب كالصدقة لا يعطى منه غني، ويعطي المسدد بقدر حاله، وإن كان أولاد الأغنياء كباراً فقراء أعطوا بقدر حاجتهم؛ يريد بالمسدد من له كفاية، وربما ضاقت حاله بكثرة عياله، وإن تساووا في فقر أو غنى أوثر الأقرب، وأعطى الفضل من يليه، ويؤثر الفقير الأبعد، ذكره ابن عبدوس، وهذا إن كان عددهم لا ينحصر، ولم يفضل عن فقرائهم شيء، وإن فضل شيء صرف لأغنيائهم، رواه عيسى عن ابن القاسم.
********* معينين هم فيه بالسوا، لابن رشد في رسم البز من سماع ابن القاسم.
قال ابن القاسم في النوادر: وما على قوم بأعيانهم فقيرهم وغنيهم وحاضرهم وغائبهم سواء، وزاد في أول سماع عيسى بعد عزوه لمحمد: اتفاقاً، وقول ابن عبد السلام هذا ظاهر على القول بأنه عمري لا ترجع مراجع الأحباس.
وعلى القول برجوعه مراجع الأحباس يقال إنه يؤثر به الأحوج؛ لأن المقصود منه
الإرفاق يرد بأن من أنصف، وتأمل علم أن مقتضي الروايات أن موجب التساوي، والتفاوت إنما هو النص أو دليل القصد إلى أحدهما، وأن التعبير ظاهر في قصد التساوي لدورانه معه وجوداً وعدماً وأن الرجوع إلى الأحباس طردي فيما قبل رجوعه.
وهو مقتضى نقل الشيخ رواية ابن القاسم في المجموعة: من حبس داراً على أربعة نفر من ولده على أن من مات منهم فولده على مصابته من الحبس فمات اثنان منهم وتركا أولاداً، ثم مات أحد الباقين، ولا ولد له فمصابه راجع على جميع ولد إخوته الميتين، وأخيه الحي، ويؤثر أخل الحاجة منهم.
قلت: فقد جعل قسمه على مستحقيه بالتعيين بالسوية وعلى مستحقيه بعد التعيين بالاجتهاد، ولم يجعل كونه آيلا إلى عدم التعيين موجباً لقسمه في التعيين بالاجتهاد.
وفيها: لا يخرج من الحبس أحد لأحد، ومن لم يجد مسكناً فلا كراء له، ومن مات أو غاب غيبة انتقال استحق الحاضر مكانه، ومن سافر لا يريد انتقالاً فهو على حقه.
وسمع عيسى: من حبس على قوم، وهم متكافئون في الغني والفقر اجتهد في ذلك ليسكن فيها من رأى أو يكريها فيقسم كراؤها عليه، ومن سبق فسكن فهو أولى ولا يخرج منها.
ابن رشد: معناه في غير المعين كحبسه على أولاده أو أولاد فلان، ولو كان على معينين مسمين لم يستحق السكني من سبق إليه، وهم فيه بالسوية حاضرهم، وغائبهم قاله ابن القاسم.
محمد: وفقيرهم وغنيهم سواء.
وسمع ابن القاسم: من حبس داراً لم يجعل له مخرجاً قسمت على ذوي الحاجة.
ابن رشد: مثله فيها وفي سماع عيسى أن الحبس الذي لم يجعل له مخرجاً يكون على الفقراء والمساكين، ومن حصل في مسكن منهما لم يخرج منه لغيره إلا أن يستعتين، وسمع ابن القاسم من حبس داراً على ولده وعلى ولد ولده فالأدنون أولى بما لا يفضل
عنهم، فإن خرج بعضهم إلى سفر سكن الذين يلونهم، فإن جاء أحد من الأدنين لم يخرج منه كما لم يدخل عليه، وذلك شأن الحبس.
ابن رشد: معناه: إن خرج لسفر بعيد يشبه الانقطاع، أو يريد المقام في الوضع الذي سافر إليه، ولو سافر ليعود فهو على حقه، وهو نص مالك في رسم البز، وتفسير ابن القاسم في المدونة قول المالك، وفي رواية مالك: على إن غاب، ولم يزد ما قاله ابن القاسم، وهو وفاق له، والخلاف في المسألة إنما يمكن فيما تحمل عليه غيبته، فظاهر رواية علي على الانقطاع والمقام حتى يتبين خلافه.
قال ابن رشد في رسم البز: وهذا في السكني، وأما فضل الكراء وغلات الثمر، وغيرها فحق من غاب باق لا يسقط.
قال ابن الحاجب: ولا يخرج الساكن لغيره، وإن كان غنياً.
ابن عبد السلام: لما تكلم على حكم المساواة والترجيح قبل السكني تحدث على ما إذا سكن أحدهم لموجب الفقر، ثم استغنى، فإن ذلك الحكم لا يرتفع بارتفاع سببه، وهو الفقر ولعل ذلك؛ لأن عودته لا تؤمن، وغلا فالأصل أن يخرج، وهذا في الوقف على غير معين.
قلت: في لفظه، ولفظ ابن الحاجب إجمال؛ لأن ظاهر لفظهما سواء كان الحبس على عقب وتحوه أو على الفقراء فسكن بعضهم لا تصافه بالفقر، ثم استغنى أنه لا يخرج لغيره، وليس الأمر كذلك.
قال ابن رشد في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم: من استحق مسكناً من حبس هو على الفقراء لفقره أخرج منه إن استغنى.
وفي رسم لم يدرك من سماع عيسى ابن القاسم: من استحق مسكناً من حبس هو على العقب وهو غني؛ لانقطاع غيبة المحتاج، ثم قدم، فإنه لا يخرج له؛ لأنه لم يدخل عليه ولكنه سكن بها حيث لم يكن أحد أولى بها منه، وروى الباجي لو سافر مستحق سكني لبعض ما يعرض للناس كان له كراء مسكنه إلى أن يعود، ولو انتقل إليه أحد من أهل الحبس رد لمنزلته، وأخرج من دخل فيه، وقسم ما على غير منحصر بالاجتهاد