المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في العمل في المساقاة] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٨

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[باب في عاقد القراض دافعًا]

- ‌[باب عاقد القراض أخذًا]

- ‌[كتاب المساقاة]

- ‌[باب العاقد]

- ‌[باب في شرط حظ العامل]

- ‌[باب في العمل في المساقاة]

- ‌[كتاب المزارعة]

- ‌[كتاب المغارسة]

- ‌[كتاب الإجارة]

- ‌[باب في أركان الإجارة]

- ‌[باب الأجر]

- ‌[باب فيما يجب تعجيله من الأجر في الإجارة]

- ‌[باب منفعة الإجارة]

- ‌[باب شرط المنفعة فى الإجارة]

- ‌[باب (.....) يوجب فسخ الإجارة]

- ‌[كتاب ضمان الصناع]

- ‌[باب الصانع المنتصب للصنعة]

- ‌[كتاب الجعل]

- ‌[باب في شرط الجاعل]

- ‌[باب في شرط الجعل]

- ‌[باب في العمل في الجعل]

- ‌[كتاب إحياء الموات]

- ‌[باب موات الأرض]

- ‌[باب في معروض الإحياء]

- ‌[باب التحجير]

- ‌[باب الإقطاع]

- ‌[باب الحمى]

- ‌[كتاب الحُبُس]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في المحبس عليه]

- ‌[باب في المحبس]

- ‌[باب في الحوز المطلق]

- ‌[باب في وقت الحوز]

- ‌[باب في الحوز الفعلي الحسي]

- ‌[باب في الحوز الحكمي]

- ‌[باب في صيغة الحبس]

- ‌[باب المستحق من الحبس لمن عليه حبس]

- ‌[باب العطية]

- ‌[باب العمري]

- ‌[باب في صيغة العمري]

- ‌[باب في الرقبى]

- ‌[باب الهبة]

- ‌[باب في صيغة الهبة]

- ‌[باب الموهوب]

- ‌[باب الواهب]

- ‌[باب الحوز الحكمي في الهبة والصدقة]

الفصل: ‌[باب في العمل في المساقاة]

قلت: قسم جزء الزكاة على تسعة عزاه التونسي لابن عبدوس، وصوبه الصقلي ولم يعزه، وعزا رد جزء الزكاة إن لم تجب لمن شرطها لرواية ابن وهب وقسمه بينهما لسحنون.

[باب في العمل في المساقاة]

العمل فيها: وجه العمل في المساقاة أن النفقة، وكل المؤنة على العامل وإن لم يشترط ذلك عليه، وعليه نفقة نفسه ودواب الحائط وإن لم تكن له.

اللخمي: عمل المساقاة ما تحتاج إليه الغلة وهي قائمة، فإن زايلت الأصول سقطت.

قلت: عمل المساقاة كل في الذمة كمسلم فيه، فيجب ذكره في العقد مبينًا كوصف المسلم فيه، وقال ابن الحاجب: ولا يشترط تفصيل العمل ويحمل على العرف.

قال ابن عبد السلام: لعل مراده إذا كان العرف منضبطًا وإلا فلا بد من البيان، وقد يقال إنه لا بد من تفصيله؛ لأنه اختلف في أمور هل هي على العامل أو رب الحائط؟ فالسكوت عنها جهالة.

قلت: إن كان بموضع لها به عرف منضبط فواضح عدم وجوب بيانه من مسائل المدونة الدالة على أن العرف كالشرط وإلا فالظاهر وجوب بيانه.

وفي أكريه الدور منها: لا باس بكراء حانوت لا يسمى ما يعمل فيه، وله أن يعمل ما لا يضر بالبناء لا ما يضر به.

قال غيره: إن تفاوت ضرر الإعمال لم يجز الكراء إلا على أمر معروف.

ص: 96

الباجي: إن كان للعمل عرف قام مقام الوصف وإلا فلا بد من وصفه.

وفي المقدمات: عمل الحائط إن لم يتعلق بالثمرة لم يلزم العامل، ولا يجوز شرطة عليه إلا اليسير.

قلت: سيأتي تعيينه.

قال: وإن تعلق بها وينقطع بانقطاعها ويبقى بعدها يسيرًا، لزم العامل وبه يجب العوض كالحفر والسقي وزبر الكروم وتقليم الشجر وإصلاح مواضع السقي والتشريب.

قلت: في الصحاح: الشذبة بالتحريك ما يقطع مما تفرق من أغصان الشجر ولم تكن في لبه.

وفيها: الجذاذ والحصاد والدراس على العامل والزيتون إن شرطا قسمه حبًا جاز، وإن شرط عصره على العامل جاز، ومثله سمع ابن القاسم بزيادة.

قال ابن القاسم: عليه عصر الزيتون إن كان عصره غالبًا بالبلد.

وفي السماع المذكور قال سحنون: منتهى مساقاة الزيتون جناه.

قيل: بعد ما حل بيعه أو بعد الإثمار، قال: بعد الإثمار، قيل: فالتين والكرم.

قال: عليه القطاف والتيبيس هو جل مساقاته لا تنقض مساقاته، وعلاجها بالجناء حتى ييبسه ويصير زبيبًا.

ابن رشد: قوله لا بأس بشرط عصر الزيتون على العامل، يدل على أنه دون شرطه على رب الحائط، ومثله في الموازية مثل قول سحنون: منتهاه في الزيتون جناه، ومعناه: إن لم يكن عرف البلد أن عصره أن على العامل فيلزمه إلا أن يشترط سقوطه ببينة.

قول ابن القاسم: أجيز أو قول سحنون في التين والكرم عليه القطاف إلخ، إنما هو إذا كان غالبًا على أهل البلد، وإن لم يكن غالبًا لم يلزمه إلا بشرط، والمراعى فيه عرف البلد إن لم يكن في المساقاة عرف، وإن كان فيها عرف فهو المعتبر وإن خالف عرف البلد.

قلت: هذا خلاف قول اللخمي، واختلف في عصر الزيتون فلابن القاسم فيها هو

ص: 97

على من شرطاه عليه منها، ولم يذكر حكمه في عدم الشرط، وقال محمد وسحنون: هو عليهما.

قال سحنون: منتهى المساقاة جناه، وقال ابن حبيب: هو على العامل إن شرطه على رب الحائط وله قدر لم يجز، ورد العامل لأجر مثله، والأول أصوب، إنما تقتضي المساقاة عمل ما تحتاج إليه الغلة وهي قائمة، وإن زايلت أصولها عملها، وأرى الدرس عليهما.

قلت: نقله عن المدونة هو على من شرطاه عليه منهما يقتضي جواز شرطه على رب الحائط، وإن شرطه على رب الحائط وليس ذلك فيها، إنما فيها شرطاه على العامل فلا بأس، وإن شرطا قسمه حبًا فلا بأس.

ولأبي عمر عن مالك وأصحابه: إن لم يشترط فهو على العامل، ففي كون عمل ما يتم به المقصود من الثمرة بعد فصلها من أصلها، ولا عرف ولا شرط عليهما إلا أن يشترطه على العامل أو مطلقًا، ثالثها: على العامل ويفسدها شرطها على رب الحائط إن كان له قدر، ورابعها: على العامل وله شرطه على رب الحائط لها مع ابن رشد عن فهمه المذهب، واللخمي عن ظاهر قول محمد مع سحنون، وعن ابن حبيب وأبي عمر عن مالك، ورابعها: على العامل فله شرطه على رب الحائط.

ومقتضى قوله: إن شرطا قسم الزيتون حبًا جاز إن لقطه وقطفه حبًا، وعلى العامل وعرف بلدنا أنه ليس عليه وثمن مؤنته له.

قال: وفيها: إن شرط العامل على رب النخل صرامها لم يجز؛ لأن مالكًا جعل الجذاد مما يشترط على العامل.

اللخمي: اختلف قول مالك في الإبار جعله مرة على رب الحائط، ومرة على العامل وتأول بعضهم كونه على رب الحائط أنه الشيء الذي يلقح به، وقوله على العامل عمله وتعليقه ليس ببين، وآله العمل من حيوان وغيره إن لم تكن في الحائط ففيها: هي على العامل إلا أن يكون في الحائط دواب أو غلمان كانوا يعملون فيه فلا بأس بذلك.

ص: 98

قلت: إن لم يشترطهم العامل وأراد رب الحائط إخراجهم.

قال: قال مالك: إما عند معاملته واشتراطه فلا ينبغي إخراجهم، وإن كان إخراجهم قبل ذلك فلا بأس.

قلت: يجب حمل قوله في الجواب واشتراطه أنه اشتراط غير الرقيق والدواب، ى يجوز اشتراطه لقوله في السؤال إن لم يشترطهم العامل.

وفي التنبيهات: قوله إن كان في الحائط دواب أو غلمان يعملون فيه ويشترطهم فلا بأس بذلك، أوقف في كتاب ابن عتاب، ويشترطهم وكتب عليه ليس هذا الحرف من المدونة، وصح في الأسدية.

عياض: هو لفظ مستغنى عنه، لذا طرحه سحنون إذ ذلك للعامل دون شرطهم، وما في الأسدية قول ثان مثل ما في كتاب ابن مزين ليحيي وابن نافع أنهم لا يدخلون إلا بشرط، واعترض المسألة حمديس وفهم منها صحة لفظ الاشتراط على ما في الأسدية؛ لأنه قال: ينبغي على أصله أن لا تفسد المساقاة بشرط رب الحائط إخراجهم؛ لأنه لو سكت عن الاشتراط لم يدخلوا.

قلت: في سماع عيسى ابن القاسم مثل ما في السدية، وفيه إن جهل العامل استثناء الرقيق والدواب وظن أن ذلك له، وإن لم يستثنهم فقال رب الحائط: إنما ساقيتك الحائط دون دوابه ورقيقه تحالفًا وتفاسخًا.

ابن رشد: قوله هذا خلاف قولها أن الحكم دخولهم ولا يجوز لرب الحائط أن يستثنيهم، وعلى هذا السماع إن اتفقا على أن أحدهما استثناهم جاز ما اتفقا عليه، وإن اتفقا على عدم استثنائهم أحد منهما ولا كانت له بينة بقوا لرب الحائط، وإن اختلفا فيما نوياه أو فيما ادعياه لتحالفا وتفاسخا، وكذلك إن ادعى احدهما الاستثناء وكذبه إليه الآخر، ولم يدع استثناء إلا أنه قال: نويته، وعلى قولها: لو ادعى كل واحد منهما أنه استثنى كان القول قول العامل؛ لأنه مدعي الصحة على القول بمراعاة الأشبه مع القيام خلاف سماع أبي زيد في المغارسة.

قلت: انظر قولها وإن كان أخرجهم قبل ذلك فلا بأس هل هو مطلقًا؛ لأنه مختلف

ص: 99

فيه أو ما لم يكن ذلك لقصد إخراجهم من المساقاة، كمن أراد طلاق زوجته فأخرجها من مسكنها لكي تعتد بغيره.

وقال أبو حفص العطار: إن أراد أن يساقي حائطه فأخرجهم، ثم أقبل يسوم به فلا باس، إنما لا يجوز أن يخرجهم عند إرادة عقدها مع من يتكلم معه فيه.

ولما الباجي سماع عيسى تحالفًا وتفاسخًا.

قال: قال أبو محمد انظر، وهو لا يجوز عنده إخراجهم فصار مدعيًا لما لا يجوز، ومعناه: على أصل ابن القاسم أن اختلافهم يقول: رب الحائط إن لم يكونوا بالحائط يوم المساقاة، وقال العامل: كانوا به.

وذكر ابن مزين رواية عيسى عن ابن القاسم فقال: يتحالفان ويتفاسخان إلا أن يمضي رب الحائط الرقيق فتلزم المساقاة، وهذا يدل على صحتها كما قلناه، ثم عزا لعيسى مثل قول ابن نافع.

المقتضي: أن لرب الحائط شرط إخراجهم.

قال: وإذا قلنا إن ذلك لا يجوز وشرطه.

ففي الموازية: إن عمل عليه فله أجر مثله، ولابن القاسم في المدينة: له مساقاة مثله.

قال محمد: ثم رجع إلى أجر مثله، ولو قال رب الحائط: لم أشترط شيئًا لكني اعتقدت إخراجهم لم يفده وكانوا للعامل.

وفيها: لا يجوز شرط العامل على رب الحائط دواب، أو رقيقًا ليسوا في الحائط، ولا خلف ما أدخل العامل فيه.

اللخمي: قال ابن نافع: لا باس أن يشترط من الرقيق ما ليس فيه، وهذا أقيس إذا جاز أن يساقي ما فيه كفاية، على أن على العامل ما سواه، جاز أن يعمر الخالي؛ ولأنها إجارة يتغير العوض عنها بقدر ما يتكلف فيه.

الباجي: إن كان بالحائط أجراء فأجرهم على ربه، لا يجوز إخراج شيء منهم.

اللخمي: إن كان كراؤهم غير وجيبة فهو كما لا رقيق فيه، وإن كان وجيبة لمدة

ص: 100

تنقضي فيها المساقاة فهم كرقيق الحائط يجري فيهم قولا مالك وابن نافع، وإن انقضت مدة الإجارة في نصف مدة المساقاة كان ما بعد أمد الإجارة على العامل.

وفيها: ما كان في الحائط يوم العقد من دواب أو رقيق فخلف ما مات منهم على رب الحائط، وإن لم يشترط العامل ذلك ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز.

اللخمي: والإباق والتلف في أول العمل كالموت.

الباجي: إن مات الرقيق والأجراء والدواب أو أبقوا أو مرضوا أو منعهم من العمل مانع ممن هو لرب الحائط، ففي المدونة لمالك: عليه خلفه.

زاد في غيرها: وإن لم يشترط العامل ذلك؛ لأن العقد كان على عمل في ذمة رب الحائط، وتعين في هؤلاء بالتسليم، هذا إن كان مستأجرًا جميع العام، وإن كان مستأجرًا لبعضه فلم أر فيه نصًا، وعندي أن عليه ما يتم به العام كخلف ما مات.

قلت: هذا خلاف ما تقدم للخمي.

الصقلي عن ابن حبيب: إن شرط العامل على رب الحائط خلف ما أدخل العامل أو شرط رب الحائط على العامل خلف ما هلك مما كان لرب الحائط، رد العامل فيهما إلى أجر مثله.

وفيها: نفقة رقيق الحائط ودوابه على العامل، وإن كانوا لرب الحائط.

اللخمي: لمالك في مختصر ما ليس في المختصر: نفقة رقيق رب الحائط ودوابه عليه، وهذا مقتضى القياس؛ ولأنها على العامل طعام بطعام إلى أجل، وما في المدونة لتقديم خبر الواحد على القياس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرو عنه أنه تكلف شيئًا من ذلك لأهل خيبر.

وله عن ابن حبيب: نفقة أجراء الحائط وكسوتهم على العامل، وإن كانت أجرتهم على ربه؛ لأنهم كانوا فيه قبل السقاء كرقيقه.

يريد: إذا كانت الإجارة على أن نفقتهم على رب الحائط، وعلى احد قولي مالك تبقى نفقتهم على رب الحائط، وعزاه الباجي أيضًا للموازية.

اللخمي: وإن كانت إجارتهم غير وجيبة فتركهم العامل يعملون، ولم يعملوا بعقد

ص: 101

السقاء؛ فلهم أجر المثل كان أقل من المسمى أو أكثر، إن كانت أكثر.

قال الأجراء: إنما عملنا بالمسمى بعقد مع غيرك، وإن كانت أقل قال العامل: إنما عاقدتم غيري فما علي إلا قيمة منافعكم.

الباجي: سنة المساقاة أن الدلاء والحبال والأداة من حديد وغيره على العامل غلا ما كان في الحائط يوم المساقاة فيستعين به العامل وإن يشترطه، قاله في الواضحة ونحوه للخمي، وهو بعض مدلول قولها جميع المؤنة على العامل.

اللخمي: إن كانت فيه فعلى العامل ما بعد فنائهما فإن سرقت فخلفها على رب الحائط إن أخلفه جديدًا استعمل إلى حد ما يرى أن يبلغه الأول، ثم يأخذه ربه ويأتي العامل ببدله؛ لأن مدة الآلة معلوم بخلاف العبد والدابة حياتهما مجهولة لو دخلا على حياتهما غررًا.

الباجي: لو استعمل ما في الحائط من الحبال والآلة حتى خلق العامل خلفه، فإن سرق فعلى رب الحائط خلفه.

قال بعض شيوخنا: وقيل على رب الحائط خلفه في الوجهين، والأول أظهر، وعلى نقل الباجي لزوم رب الحائط الخلف مطلقًا إن أخلف ما سرق

قال ابن الحاجب: إن مضى قدر الانتفاع به جاءت القولان، أي على القول بعدم لزوم الخلف إذا فني يأخذ رب الحائط ما أخلفه، وعلى القول بلزومه لا يأخذه.

وفيها: إن شرط رب الحائط بناء العامل حول النخل حائطًا أو تزريبها أو حفر بئر لسقيها أو لسقي الزرع أو إخراق مجرى العين إلينا لم يجز، ويكون أجيرًا إن كان ما ازداد ربه من ذلك يكفيه مؤنة ليست يسيرة.

زاد الموطأ: أو عين يرفع في رأسها أو غرس يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده أو ظفيرة بينهما لعظم نفقتها.

الباجي: عن محمد إن كان الغرس يسيرًا أجزت المساقاة وأبطلت الشرط، وإن كان له قدر لم تجز.

قال مالك: ولو كان الغرس من عند رب الحائط، فإن كان يسيرًا جاز وإلا لم يجز.

ص: 102

قال مالك: وله أجر مثله.

قال عيسى: إن كان العمل كثيرًا من العامل دون الأصل رد لمساقاة مثله، ولو أتي العامل بالرديء رد لأجر مثله وأخذ قيمة غرسه مقلوعًا.

وفيها: من أعطى أرضه رجلًا يغرسها شجر كذا، يقوم عليها فإذا بلغت كانت بيده مساقاة سنين سماها لم يجز؛ لأنه خطر.

الصقلي: إن نزل فسخت المغارسة ما لم تثمر الشجر ويعمل بعد ذلك فله أجر مثله فيما عمل، وفي سني المساقاة مساقاة مثله.

اللخمي: إن نزل والغرس من عند رب الأرض فالعامل أجير بعمله قبل أن تطعم ويخرج متى عثر عليه، ما لم تطعم فتبقى بيده على مساقاة مثله بقية الأجل، وقيل في مثل هذا: له الأقل من المسمى أو سقاء المثل.

واختلف إن كان الغرس من عند العامل، وفات بالعمل، فقيل: هو فوت وله قيمته وقت وضعه بالأرض وقيمة خدمته لوقت خروجه ما لم تطعم فيمضي على مساقاة المثل، وقيل: ليس بقوت؛ لأنه باعه بيعًا فاسدًا على بقاء يده ينتفع بثمرته بعد الطيب، وذلك تحجير عليه من بائعه والغرس له وعليه قيمة ما أصلحت الأرض ونمت فيه، وله قيمته يوم يخرج عن الأرض قائمًا؛ لأنه غرسه بوجه شبهة وإذن مالك الأرض وليبقى بها للأبد، وقيل: قيمته مقلوعًا والأول أبين.

وفيها: إنما يجوز شرط رب الحائط على العامل ما تقل مئونته كجم العين، وهو كنسها وقطع الجريد وسد الحظار واليسير من إصلاح الظفيرة ونحوه، وسرو الشرب وهو تنقية ما حول النخل من منافع الماء، لم يذكر ابن رشد خلافًا أن سرو الشرب على رب الحائط.

وقال الباجي: قال ابن حبيب: هو على العامل وإن لم يشترط عليه.

زاد اللخمي: وهو أصوب.

عياض: هو بفتح السين المهملة وسكون الراء في الكلمة الأولى في فتح الشين المعجمة، وفتح الراء في الكلمة الثانية الشربة الحفرة حول النخلة يجتمع فيها الماء

ص: 103

لسقيها جمعها شربات وشرب، وسروها كنسها مما يقع فيها ويمنع سوق الماء إليها من تراب وغيره، وتوسعتها ليكثر ماؤها، لا ما قاله بعضهم: أنه نزع ما يجعل فيها من جريد وليف لحبس رطوبة الماء؛ إذ لا منفعة في هذا.

الباجي: روى في سرو الشراب أنه سوق الماء وجلبه الذي يسقى به.

عياض: وسد الحظار وشده يروى بالمعجمة والمهملة بها رواه ابن وضاح، والحظار كالحوائط أو الزروب حول الماء تمنع المواشي.

ابن مزين: المعجمة أصوب هنا.

وقال ابن يحيي: ما حظر بزرب فبالمعجمة، وما بجدار فبالمهلة.

قلت: عزا الروايتين بالمعجمة والمهملة أبو عمر لمالك.

عياض: والظفيرة عيدان تنسج وتظفر وتطين يجتمع فيها الماء كالصهريج، وإلى هذا أشار ابن حبيب، وقال غيره: هي مثل الساقية الطويلة في الأرض تجعل لمجرى الماء فيها تبنى بخشب وحجارة يظفر بعضها ببعض.

الباجي عن ابن حبيب: رم القف وهو الحوض الذي يفرع فيه الدلو ويجري منه إلى الظفيرة على رب الحائط، ويجوز شرطه على العامل.

قال أشهب: استخف مالك شرط على العامل.

قال في العتبية: حرف القف وإصلاح كنس الزرنوق، وقيمة الدريهمات أو الدينار على رب الحائط إن لم يشترطه، وروى أشهب أيضا: لا يشترط على العامل ما اشترط إصلاح كسر الزرنوق.

الصقلي: لا يجوز اشتراط كنس الزرنوق.

قلت: عزاه التونسي للموازية، وما في العتبية هو سماع أشهب.

ابن رشد: الزرنوق الخضارة، وقال أبو صالح: حرف الجذ الذي في القفة التي يسقى بها الماء، الأظهر أنها المعجمة التي يقع فيها الماء وكل ذاك يسير.

وفيها: أجاز مالك لمن هارت بئره دفع حائطه مساقاة إلى جار يسوق إليها ماءه للضرورة.

ص: 104

ابن القاسم: لولا أنه أجازه لكرهته

الصقلى عن سحنون: قول مالك أحسن

عبدالحق: عن بعض القرويين ليس يعنى أن يسوق فضل مائه.

مالك: لأن فضل الماء يأخذه عند ابن القاسم بلا ثمن، لو كان عنى فضله لم يقل لولا إجازة مالك لكرهته.

قلت: هذا خلاف ما نقل ابن حارث.

قال: اختلف فى هذه المسألة فذكر قول مالك: ابن القاسم حسبما تقدم، وقال: قال سحنون: قول مالك أحسن، ألا ترى أن من انهارت بئره يقضى له بفضل ماء صاحبه ليحيى له به حائطه، فإذا كان لم يضقى له به فكأن بئره لم تنهر.

وقال ابن عبدوس: معناه أنه فضل بئر، وقال فى مكان آخر: ما يعجبنى قول مالك؛ لأن الماء يأخذه ويشرع فى عمل البئر ولا يتوانى فى ذلك، وهذا لا يأخذ فى عمل يده بل يدعه فقد استزاد على العامل.

قلت: ففى جواز سقاء من انهارت بئر جاره على سوق مائه مطلقاً، أو إن كان فضله وكراهته مطلقاً، رابعها: يكره فى غير فضله لفهم بعض شيوخ عبد الحق قول مالك فيها وابن عبدوس فى كتاب الشرح، وله فى غيره: وفهم بعض شيوخ عبد الحق قول ابن القاسم فيها.

الصقلى عن محمد: وعلى العامل رم قصبة البئر وأشطينه، وقواديسه وحباله ومؤنة الماء والحديد لعمله، فإذا تم سقاؤه كان ذلك له.

قلت: فى الصحاح الشطن الحبل.

الخليل: الحبل الطويل.

وفيها: لا يجوز شرط العامل أن يعمل معه فى الحائط ربه بنفسه، فإن نزل فله مساقاة مثله لإجازة مالك أن يشترط عليه دابة أو غلاما إن كان لا يزول، وإن ماتا خلفه رب الحائط.

قال قبله: وذلك فى حائط كبير لا فى صغير رب حائط تكفيه دابة واحدة لصغره

ص: 105

فيصير هذا جميع العمل على ربه، وسمع القرينان: من قال لرجل: اسق أنت وأنا حائطى، ولك نصف ثمره لم يصلح، إنما السقاء أن يسلم الحائط إليه.

ابن رشد: إن وقع وفات فالعامل أجير؛ لأنه ربه شرط أن يعمل معه فكأنه لم يسلمه إليه، إنما أعطاه جزءا من الثمرة على أن يعمل معه بخلاف، فإن اشترط العامل أن يعمل معه رب الحائط هذا.

قال مالك فيها وفى غيرها: أنه يرد إلى مساقاة مثله، وقال أشهب: إلى إجازة مثله، وقال سحنون: يجوز ولا يرد لمساقاة مثله كما لو شرط عليه غلاما يعمل معه أو دابة.

عبد الحق: للعامل فى شرطه مؤنة رب الحائط سقاء المثل، وفى القراض إجازة المثل؛ لأن الفساد فى القراض أشد؛ لأن رب الحائط يتصرف مع العامل ويبيع ويغيب على ذلك، فكان المال بيده ولم يسلمه له ولا رضى أمانته والثمر فى المساقاة فى رؤوس الشجر لا يغاب عليه أيديهما عليه بالسواء.

وقياس قول سحنون اشتراطه العامل معونة رب الحائط على شرط معونة غلامه لا يصح؛ لأنه فى اشتراط رب الحائط كأنه لم يسلم الحائط إليه، ولا رضى أمانته وفى الغلام قد سلم الحائط إليه.

قلت: مافرق به بين المساقاة والقراض فى سقاء المثل، وأجر المثل فى القراض فيناقض ما أبطل ب قياس سحنون فتأمله، ويجاب بأن التحجير الناشاء عن بقاء يد رب الحائط ورب المال فى القراض مقول فيهما بالتشكيك، هو فى القراض أشد وفى المساقاة أخف خفة لا يبطل تأثيره الفساد، وسمع ابن القاسم: جواز شرط العامل على رب الحائط الغلام والدابة كقولها.

ابن رشد: قوله: (لا بأس بذلك إذا كان ثابتا لا يزول) يدل على أنه لا يجوز إلا بشرط الخلف، وقاله سحنون نصا، وقيل: الحكم يوجبه وإن لم يشترط وو ظاهر الواضحة والمدونة تحتمل الوجهين وتفسير الروايات جميعا عندى أنه إن عين الغلام والدابة فى اشتراطه إياهما بإشارة أو تسمية فلا يجوز بشرط الخلف، وإن لم يعنيها فالحكم يوجب خلفهما، واعتراض بعض أهل النظر جواز اشتراط خلفهما معينين،

ص: 106

وقال: لا يجوز كما لا يجوز شرط خلف الدابة المعنية فى الكراء وليس بصحيح؛ لأن شرط خلف المعينة فى الكراء لا يجوز إذا نقد الكراء لا يجوز؛ لأنه يصير فسخ دين فى دين، وإن لم ينتقد فهو جائز، والمشترطة فى المساقاة كما لو اكترى ولم ينفذ كراءه؛ إذ ليس فى المساقاة كراء معلوم؛ لأن العوض فيها مجهول.

قال: فإن لم يشترط الخلف حيث يجب اشتراطه أو اشتراط، ألا خلف حيث يوجب الحكم الخلف رد لسقاء مثله.

قلت: ويأتى تعليله فى وصف الفساد.

وفيها: شأن المساقاة إلى الجذاذ الأول حتى يشترط إلى الثانى، وتجوز إلى سنين ما لم تكثر جدا.

قيل: فعشرة.

قال: لا أدرى تحديد عشرة ولا ثلاثين ولا خمسين، ونحوه فى سماع أشهب.

ابن رشد: اتفاقا أنها للأجدة لا للأهلية بخلاف القيالات هى بالأهلية لا بالأجدة، فإن وقعت إلى سنين وشرط أحدهما على صاحبه الخروج قبل الجذاذ أو بعده، ففيها: مساقاة مثله على أصل ابن القاسم.

الصقلى عن محمد: لو ساقاة من صفر إحدى وسبعين إلى صفر سنة ثلاث وسبعين، وتم الأجل قبل جداد الثمرة؛ لزم بقاؤها حتى يتم جدادها أحب رب الحائط أو كره، فإن شرطا أجلا يتم سقيه فيه ويجده فلا بأس، وإن شرط أجلا بعد الجداد يسقيه فيه لم يجز؛ لأنها زيادة.

اللخمى: معنى قوله: لزم بقاؤها حتى يتم جدادها، على أن الجداد قريب من انقضاء ذلك الأمد، وأنهما ظنا أن الثمرة تطيب فى تلك المدة فيكونان قصدا إلى بيعها، ولو كان الطيب يتأخر عن تلك المدة بالشاء البين لم يصح ذلك؛ لأنه استعمله على بيع منافعه فى تلك المدة ليأخد ثمرة عامين.

وتعقبه ابن عبد السلام بقوله: إنما يتم هذا إذا لم يكن للعامل شاء فى الثمرة الثالثة، وإن كان له منها حظه على نسبة ما تقدم، وهو ظاهر الروايات فلا فساد.

ص: 107

قلت: قوله: (إنه ظاهر المدونة): إن أراد باعتبار الحكم فمسلم، وذلك لا يمنع التعقب المذكور بل هو متعلقه، وإن أراد باعتبار ما دخلا عليه فلا فتأمله.

اللخمى: روى محمد إن جذ الحائط وبقى منه نخلات فعلى العامل سقى كل ما جذ وما بقى ولو كانت نخلات يسيرة هى العدائم المتأخرة الطيب حتى تجد، وكذا لو كانت فيه ألوان مختلفة نخل ورمان وزيتون، فسوى بين الثمرة من جنس أو أجناس ولو كانت متباينة.

وقال الأخوان: إن بقى من العدائم النخلة والنخلات فسقى كل الحائط على ربه حتى عدائمه، ويعطى العامل حظه منها، وإن كانت العزدائم الأكثر فعلى العامل سقى كل الحائط، وإن متصانفا أو متشابها فعلى العامل سقى العزائم وعلى رب الحائط سقى غيرها.

وإن اختلفت أصناف الحائط فجنى بعضها فقال ابن الماجشون هو كالعدائم، وقال مطرف: كلها قطعت ثمرة وتقضى جنسها من البستان سقطت مؤنته قل أو كثر.

اللخمى: هذا القياس جنسا واحدا كان أو أجناسا، ونقله الصقلى من الواضحة، وعزا الأول أيضا ل أصبغ، وصوب ابن حبيب الثانى، وسمع ابن القاسم مثل رواية محمد.

ابن رشد: العدائم صغار النخل المتأخر طبيعها، قاله بعض القرويين، وقال النخعى: هى صنف من الرطب بالمدينة تأتى فى آخر السنة وهو الأظهر.

قلت: هذا الذى حكاه الجوهرى وهو بالدال المعجمة.

ابن رشد: على أن العدائم صنف من أصناف التمر يتأخر طيبه يدخله الخلاف الذى فى الحائط يكون فيه أصناف من تين وعنب وتمر ورمان يتعجل طيب ذلك قبل بعض، فيها ثلاثة أقوال، لزوم سقى كل الحائط وما يجذ من العزائم، ولو قل هو قوله فى هذا السماع.

وفى المختصر لمالك وابن القاسم: وسقى العدائم فقط كانت أقل الحائط أو أكثر، وهو قياس قول مطرف فى الحائط فيه أصناف من التمر، إلا أن يشترط عليه سقي

ص: 108

الحائط كله حتى تفرغ كل ثمرة فيجوز ذلك، رواه ابن وهب، وثالثها: أن القليل يتبع الكثير إن قلت العدائم فسقيها على رب الحائط، وإن كانت أكثر الحائط فسقى كل الحائط على العامل، وإن تناصف ذلك أو تشابه فسقى العدائم على العامل وحدها، وعلى رب الحائط سقى ماعداها مما جذ، ولا خلاف فى الصنف الواحد يتعجل جذاذ بعضه وباقيه متتابع أنه يلزمه سقى جميع الحائط حتى يجذ جميعه.

العتبى سحنون: إن ترك العامل بعض العمل من عمل ما شرط عليه من عمل قوم جميعه وقوم ما ترك فيقدر قيمته من قيمة كل عمله ينقص من حظه، فلم يحك ابن رشد فيه خلافا.

وقال ابن حارث: اتفقوا فى المساقى يترك من سقى الحائط أقلادا أنه لا يؤخذ منه لذلك دنانير ولا دراهم، واختلفوا فيما يجب عليه، فقال ابن عبدوس: روى أشهب أنه لا شاء عليه.

وقال ابن نافع: يحط من حظه بقدر ذلك، فأنكر سحنون رواية أشهب، وصوب قول ابن نافع، وقال: كنت أقوله قبل سماعه.

فيها: لا بأس بمساقاة الشجر البعل؛ لأنها تحتاج لمؤنة وعمل كشجر إفريقية والشام، قيل: فزرع البعل.

قال: إن احتاج إلى ما يحتاجه البعل من المؤنة وبخلاف هلاكه إن ترك جازت مساقاته، وإن لم تكن فيه مؤنة إلا حفظه وحصاده ودراسه لم تجز مساقاته، وصارت إجازة فاسدة، ومثله سماع أصبغ ابن القاسم.

وسمع ابن القاسم: من ساقى حائطه فجاءه الله بماء أقام به حينا لم يحاسب العامل بشاء من ذلك.

ابن رشد: اتفاقا؛ لأنه سنة من مساقاته صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بخلاف الإجازة، لو استأجره على سقاء حائطه زمن السقى وهو معلوم عند أهل المعرفة فجأة ماء السماء الحائط أقام به حينا لحط من إجازته بقدر مقام الماء فيه.

وفيها: لمن سوقى فى زرع أو أصل مساقاة غيره فى مثل أمانته، فإن ساقى غير

ص: 109

أمين ضمن.

اللخمى: للعامل أن يساقى غيره وإن لم يعجز؛ لأن عمله فى الذمة يجوز دفعه لأمين، وإن لم يكن مثله فى الأمانة.

وسمع ابن القاسم: له أن يساقى من شاء على النصف أو الثلث.

ابن رشد: إن ساقى أمينا مثله فى الأمانة جاز اتفاقا، وإن كان أمينا دونه فى الأمانة أو غير مأمون إلا أنه مثله فى غيره الأمانة، فيتخرج على ماتقدم فى سماع عيسى من كتاب الشفعة.

قلت: قال فيه من اشترى شقصا بثمن لأجل، لشفيعه فيه الشفعة إن كان مليا دون المشترى فى الملاء بغير حميل يلزمه، قاله محمد، وقال أشهب: ليس له ذلك إلا بحميل مثل المشترى فى الملاء.

وقال ابن عبد السلام: فى قول ابن الحاجب له أن يساقى أمينا غيره، ظاهره أنه لا يحتاج إلى تساويها فى الأمانة، فإن أراد هذا فهو خلاف المدونة، ومقتضى النظر؛ لأن المطلوب كون الثانى مساويا للأول فى الأمانة والقوة على العمل.

فإن قلت: قوله فى المدونة: إن ساقى غير أمين ضمن، يدل على أنه لا يلزم مساواته فى الأمانة كما اختار اللخمى.

قلت: لا دلالة فى ذلك إنما جرى لفظه على عادته وعادة المتقدمين فى التمثيل بالجلى، ومثل قوله هنا قوله فى الرواحل: من اكترى دابة ليركبها فحمل مكانه مثله فى الخفة والأمانة لم يضمن، وإن أكراها ممن هو أثقل منه أو من غير مأمون ضمن، وله فى الإجازة مثل ما قلناه: من اكترى دابة لركوبه كره كراؤها من غيره كام مثله أو أخف، فإن أكراها لم أفسحه وإن تلفت لم يضمن، وإن أكراها فى مثل ما اكتراها فيه من مثله فى حاله وأمانته وخفته.

قلت: أول لفظها فى المساقاة يدل على شرط المساواة، وآخره يدل على الانتفاء بمطلق الأمانة، فكان بعض من لقيناه يحمل لفظها فى مثل هذا على أحد القولين منه إذا كانا منصوصين خارجها، وكان بعضهم يجعل آخر الكلام مفسرا لأوله وقاضيا عليه

ص: 110

وأخذه من مسألة كتاب الإجازة، قد يرد بأن الركوب الأصل تعيينه فى الراكب، ولذا كره له كراؤها لغيره، والعمل فى المساقى غير متعين ضرورة أنه فى الذمة.

وفيها: لا يجوز أن يربح فى المساقاة إلا ثمرا كأخذه على النصف ويعطى على الثلثين فيربح على السدس، أو يربح عليه.

عياض: هذا خلاف مذهب مالك، ومالك لا يجيز هذا.

قال بعض شيوخنا: لأنه إن كان زاده السدس من الحائط فقد باع ذلك على ربه بغير إذنه، وإن شرط ذلك فى ذمته كانت مساقاته على جزأين؛ جزء من الحائط وجزء فى ذمته وذلك فاسد، وقال غيره: معنى المسألة أن المساقى الثانى لم يعلم أن الأول أخذه على النصف ولو علمه لم يجز، وكان للعامل الثانى أجر عمله.

قلت: يجاب عن اعتراضه بلزوم أحد الأمرين إما بيع ثمر الغير دون إذنه أو المساقاه بثمن من غير ثمر الحائط بعدم لزومه فى كل صورة، وإذا تبين عدم لزومه فى صورة صح لفظ لصدقة فى تلك الصورة، وبيان عدم لزوم أحد الأمرين فى بعض الصور هى صورة من أخذ حائطا مساقاة من أبيه على النصف، ثم مات أبوه وورثه مع أخ له، ثم ساقى فيه غيره على الثلثين، فإن هذه الصورة ليس فيها بيع ثمن غيره بغير إذنه؛ لأ السدس الذى ربح عليه العامل يعطيه من الربع الذى ورثه من الثمرة عن أبيه، وليس فيها أيضا المساقاة على جزء فى ذمته من غير الحائط.

الصقلى: روى محمد إن أخذه على النصف ودفعه على الثلثين إلى غيره، وربه عالم بذلك كله فربه أولى بنصف الثمرة، ويرجع الثانى على الأول بما بقى، وكذا فى العتبية لمالك.

قلت: هو سماع ابن القاسم.

ابن رشد: قوله: (وعلم رب الحائط) معناه: علم ولم ينكر فلم ير عليه حجة فى سكوته، ومثله فى الموازية وهو عندى على أن السكوت ليس إذنا، وهو أحد قولى ابن القاسم، وعلى أنه كالإذن، فالثانى أحق بثلثى الثمرة ويرجع رب الحائط على من ساقاه بمثل سدس الثمرة.

ص: 111

وقوله فى المدونة: وهذا السماع إذا كان الأول أحق بنصف الثمرة يرجع المساقى الثانى على الأول بما بقى له كلام وقع على غير تحصيل؛ لأن الواجب أن يرجع عليه بقدر ما أخذ رب الحائط من الثمرة فى قيمة غلته؛ لأن الثمرة إجازة له فى عمله فلما استحق بعضها وجب أن يرجع بذلك الجزء من قيمة عمله، ويلزم على القياس هذا إن علم المساقى الثانى أن الأول على النصب أن تفسد مساقاته؛ لأنه دخل على أن له بعمله نصف الثمرة وقيمة ربع عمله، وذلك لا يجوز، وحمل بعض أهل النظر قوله على ظاهره أنه يرجع عليه بمثل سدس الثمرة وأن المساقاة لا تجوز؛ لأنه ساقاه على نصف ثمرة الحائط، وعلى مثل سدس يدفعها له من حائط آخر.

قلت: ما أشار إليه من التعقب فى قوله كلام على غير تحصيل سبقه به التونسى هنا.

وقال اللخمى فى ترجمة العامل: يشارك بالقراض لو أخذ حائطا مساقاة على النصف ثم دفعه لغيره على الثلث فالسدس للعامل الأول، وإن أخذه الثانى على الثلثين له لم يجز، فإن فات بالعمل فاختلف بماذا يرجع العامل الثانى، فظاهر المدونة أنه يرجع على من دفعه إليه بسدس الثمرة لما فى المساقاة من التوسعة من الغرر وغيره بخلاف البيع، فأشبه كونها صداقا وكتابة، وقياس البيع رجوعه بربع الإجارة كمن اشترى ثمرة فعمل فاستحق بعضها يرجع بقيمة ما ينوبها وهو ربع الإجارة، ولو كانت المساقاة على غير العامل وأخذه على النصف ودفعه على الثلث كان لرب الحائط الثلثان، ولا شاء للعامل كالقراض.

قلت: كذا وجدته فى غير نسخة وهو مشكل؛ لأن حكم المساقاة أن العمل فى ذمة العامل، فشرط كونه فى ذمته يوجب الفساد، فإن جعل تصرفه فى الحائط بإعطائه مساقاة لغيره فوتا وجب له مساقاة مثله أو أجر مثله، فكان ذلك كالجزء الواجب له بالحكم، وإن جعل تصرفه لغوا كان عقده مساقاة غيره كعقد فضولى، فيخير ربه فى إمضائه ورده، فيكون للعامل الثانى أجر مثله.

وفيها: إن عجز العامل وقد حل بيع الثمرة لو يجز أن يساقى غيره، واستأجر من يعمل ولو ببيع حظه، وما فضل من ثمنه له، وما نقص فعليه إلا أن يرضى رب الحائط

ص: 112

أخذه، ويعفيه من العمل فذلك له.

اللخمى: قال سحنون: إن عجز رد إلى كعجزه قبل صلاحه، والمساقاة أولها لازم وآخرها إن عجز كالجعل يرد لربه ولا شاء له، والأول أبين؛ لأن عقد المساقاة لازم قبل العمل فيباع فيه ماله فمن حق رب الحائط بيع حظه من الثمرة لذلك، وأرى أن رب الحائط بالخيار بين بيع حظ العامل بالنقد، ويستأجر بثمنه كما قال ابن القاسم، أو يباع بثمن مؤجل إلى اليبس أو الجداد، ويستأجر أجيرا بأجرة مؤجلة إلى ذلك أو تباع ممن يعمل بذلك الجذ على وجه الإجارة، فإن كان التمر لا يوفى ولم يرض رب الحائط بالسلف رد الحائط إليه، ويختلف هلى يكون له عن ذلك العمل عوض أو لا؟

وفيها إن عجز عن السقى قيل له: ساق من شئت أمينا، فإن لم يجد أسلم الحائط لربه ولا شاء له ولا عليه.

الصقلى: إن قال ربه استأجر من يتم عمله، وأعطيه حظه من الثمرة فما فضل فهو له، ومانقص أتبعته به إن بغى أن يكون له ذلك كقول ابن القاسم فى المتزارعين: يعجز أحدهما بعد العمل وقبل طيب الزرع.

التونسى: لم يعد هذا سلفا جر نفعا للضرورة التى دعت لذلك.

اللخمى: إن أخذه على النصف وعجز ولم يجد من يساقيه إلا بالثلثين، أو لم يجد من يأخذه إلا بوجه الإجارة فربه بالخيار بين أن يساقيه بذلك، ويخسر السدس أو يسلفه للإجارة عليه.

وفيها: للعامل مساقاة رب الحائط حائطه كالأجنبى.

اللخمى: إن كان على مثل الجزء الأول جاز ولو بعد العمل، ولو أخذه على النصف ورده على الثلث وربح سدسا جاز قبل العمل، وفى جوازه بعد العمل قولان لها، ولسماع أشهب قائلا ولتهمتهما أنهما عملا على أن يسقى شهرا، ثم يعيده قبل طيبه ويأخذ جزءا بعد الطيب.

ابن رشد: خروج العامل من الحائط لربه أو لمبتاع الحائط منه على شاء يعطاه لا

ص: 113

يجوز اتفاقاَ، فإن وقع وفات العمل رد فيها عمل لأجر مثله، وخروجه بعد عمله على جزء مسمى، وعلل أشهب منعه بالتهمة حماية الذريعة فلا حرج عليهما إذا فعلاه لأمر بدالهما دون دولسته، وعلى تعليل أشهب إن وقع رد لإجارة مثله، وأجازه في سماع أَصبَغ.

ابن القاسم: وخروجه قبل العمل على جزء مسمى جائز اتفاقاَ على قول مالك أن عقد المساقاة لازم، وعلى قول من يراه غير لازم.

اللخمي: إن انقضى العام الأول جازت الإقامة إن لم يعمل من الثاني، ويختلف إن عمل من الثاني، ثم أقاله بجزء موافق أو مخالف على سماع أشهب لا يجوز إلا قبل العمل من العام الثاني، وجزء موافق للأول؛ لأنهما بعد العمل يتهمان أن يكونا عملا من الأول علي أن يعمل عاما وبعض اخر بثمرة عام وذلك زيادة من العمل، ويتهمان فى الجزء المخالف على أنهما عملا على أن يسقى عاما وبعض آخر ليأخذ من ثمرة الأول النصف ومن ثمرة الثانى الثلث، وقال محمد: إن أخذه على النصف ورده على الثلثين لرب الحائط فلا بأس إذا كانت الزيادة من الحائط بعينه، وهذا وهم لا يصح أن تكون الزيادة من الحائط؛ لأن لرب الحائط نصف الثمرة فكيف يزيده من نصيبه.

الصقلى عن ابن حبيب: إن تتاركا بجعل أخذه رب الحائط من العامل من غير الثمرة فعثر عليه قبل الجذ، رد الجعل ورجع العامل لمساقاته وغرم لرب الحائط أجر ما عمل بعد رده، وكذا إن عثر عليه بعد الجذاذ للعامل بنصف الثمرة، ويؤدى قيمة ما عمل بعد رده ويأخذ ما كان أداه.

قال بعض القرويين: رد الثمرة للعامل ورب الحائط ابتاعها منه بما يأتى به من العمل بدل ما لزم العامل من العمل، وما أخذ منه من الجعل، وهو شراء فاسد قد تغيرت الثمرة فيه، وهى فى أصول البائع فلم يجعل رب الحائط قابضا لما لذلك.

وفى الموازية: إن اشترى الثمرة على البقاء قبل زهوها، ثم اشترى الأصول فأزهت الثمرة بعد شراء الأصول فعليه قيمة الثمرة يوم شراء الأصول؛ لأنها كالقابض لها يوم شراء الأصول فصارت في ضمانه.

ص: 114

الصقلي: هذا هو الصواب ليس كمبتاع ثمر قبل زهوه على البقاء في أصول بائعه، محمد: إن أخذ رجلان حائطاً مساقاة فسلمه أحدهما لصاحبة بجزء من الثمرة جاز، وكذا لو كان ملكاً لهما، ولو أخذ حائطين مساقاة أو كانا ملكاً لهما فأخرج أحدهما الآخر على جزء من ثمرة أحدهما لم يجز، وكذا من أخذ حائطين لم يجز بجزء من أحدهما وبجز منهما جائز.

وروى أشهب وابن وهَبْ: إن أخذا ثلاث حوائط فأخرج أحدهما الآخر من حائطين بالسقاء نفسه، ومن الثالث بربح عشر ثمرته لم يجز.

وفيها: إن فلس رب الحائط لم تنفسخ المساقاة ولو لم يكن عمل، ويباع الحائط على أنه مساقى فيه، فقيل: لم أجزته ولو باع رجل حائطه واستثنى ثمرته لم يجز؟

قال: هذا وجه الشأن فيه، وقد قال غيره: لا يجوز البيع ويكون موقوفاً إلا أن يرضى العامل بتركها.

وسمع أشهب في كتاب الهبات: لا يصلح إن وهب ثمر حائطه بيع حائطه قبل أن تؤبر ثمرته.

ابن رُشد: مثله سمع يحيى ابن القاسم لا في فلس رب الحائط كقولها في المساقاة: لا فرق بين كل ثمر الحائط وبعضه، وروى أشهب إجازة بعضه بيعه في المساقاة ولم يذكر تفليساً ولا غير ففي منعه مطلقاً أو إجازته، ثالثها: في غير الفلس لغير ابن القاسم فيها ورواية أشهب؛ لأن ما استثنى إنما هو لغير البائع، ولابن القاسم في مساقاتها مع سماعه يحيى في الهبة، ولابن عبدوس رجع سَحنون عن اختياره قول غير ابن القاسم إلى قوله قائلاً: أصحابنا يجيزون في البيع للضرورة ما يمنع في غيرها، والذي أقوله الجواز مطلقاً؛ لأن استثناء ثمرته قبل الإبار إنما لم يجز على قياس أن المستثنى مشترى؛ لأنه يصير رب الحائط باعه بالثمن والثمرة المستثناة، وهذا لا يتصور في وجوب الثمرة قبل بيع الحائط لغير ربه.

اللخمي: إن كان السقاء لعام واحد والثمرة مزهية جاز بيع الأصل اتفاقاً، ثم إن كان بيع حظ رب الحائط منفرداً أثمن بيع وإلا بيع مع الأصل، وإن أبرت الثمرة جاز

ص: 115

بيع الأصل اتفاقاً.

وفي إدخال حظ رب الحائط مع الأصل قولا ابن القاسم وغيره، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن حظ العامل منها ليس بمستثنى لتقدم بيعه بوجه جائز، وإنما الاستثناء فيما بقي على ملك البائع قادراً على بيعه، ويجوز على قول أشهب؛ لأنه مخير أن يستثني نصف الثمرة دون مساقاة، ولو أحب المفلس تأخير بيع الثمرة لطيبها وطلب الغرماء تعجيله فالقول قولهم، وإن كانت الثمرة غير مأبورة فالخلاف في بيع الرقاب على قولي ابن القاسم وغيره، وكذا إن كانت المساقاة سنتين أو أربعاً.

الصقلي: وتقدم لمحمد إنما يجوز بيعه إن أبرت الثمرة وإلا لم يجز إلا أن يشترط أن لا يقبضها إلا بعد الطيب وأخذ العامل حظه.

وفي أكرية الدور والأرضين منها لمن اتخذ نخلاً مساقاة فغار ماؤها بعد أن ساقى أن ينفق فيما بقدر حز رب الأرض من الثمرة لسنته تلك لا أكثر، ومنه سمع ابن القاسم.

ابن رُشد: ظاهره أن ما زادت النفقة على رب الحائظ لا يلزمه، ومثله في رهونها خلاف سماع سَحنون لزوم الراهن إصلاحها ويلزم ذلك في المساقاة، فإن لم يكن لرب الحائط غيره بيع منه بما يصلحها لئلا يذهب عمل العامل.

وفيها: إن ساقيت رجلاً فإذا هو سارق مبرح أخاف أن يذهب بثمرة الحائط أو يقطع جذوعه.

قال: لم أسمع منه فيه شيئاً، ومساقاته لازمة ويتحفظ منه، كقول مالك فيمن باع سلعة إلى أجل من رجل جهل البائع أنه مفلس أن بيعه لازم.

اللخمي: في هذا نظر؛ لأنه عيب ولا يقدر على التحفظ على السارق ويخفي ما يسرق منه، ولرب الحائط أن يساقي عليه أو يستأجر عليه بالعين يعمل بما هو أحسن له، وللعامل ولمن باع من مفلس وهو لا يعلم رد بيعه، ولو كان المشتري مشكوكاً في يساره بما يشتريه لم يجز البيع إلا بعد معرفته بذمته؛ لأن الثمن إذا بيع من الموسر بخلافه من المعسر، وقد قال مالك: ومن وكل من يأخذ له سلماً فقال المسلم: إن أقر لي وإلا

ص: 116

فأنت ضامن لم يجز؛ لأنه لا يدري على أي الذمتين دخل والصنعة تقدمت.

وفيها: المساقاة تلزم بالعقد ولم لم يعمل إلا أن يتشاركا معاً دون شيء يأخذه أحدهما من الآخر، فيجوز وليس ببيع ثمر لم يبد صلاحه إذ للعامل أن يساقي غيره فرب الحائظ كأجنبي إذا تركه يأخذ منه المساقاة بغير لفظها، وقول ابن القاسم منعه.

فأجاب بعض الفاسيين بأن ابن القاسم إنما منعها بلفظ مضاد لها كالإجارة ونحوه، وأشار إليه أبو الشيخ الحسن.

وفيها: إن اختلفا في المساقاة فالقول قول العامل.

الصقلي: يريد بعد إن عمل فهو على المدعى عليه، وإن لم يعمل تحالفا وتفاسخا على القول أن المساقاة تلزم العقد.

اللخمي: إن اختلفا قبل العمل وأتى أحدهما بما يشبه فيختلف هل يكون القول قوله مع يمينه، وتثبت المساقاة أو يتحالفان ويتفاسخان، فعلى ما ذكره أشهب يكون كالقراض إن رضي أحدهما بما قال الآخر، وإلا رد بغير يمين.

قلت: كذا هو في غير نسخة وهو مشكل؛ لأن قوله فعلى ما ذكره أشهب ظاهره أنه أتى به مفسراً للقولين الذي ذكرهما وهو لزوم قول ذي الشبه أو التحالف، وما ذكره إنما هو عدم لزوم عقد المساقاة ولا دلالة فيه لأحد القولين، ويحتمل أنه إنما أتى بما ذكره أشهب ليثبت به قولاً ثالثاً للقولين المذكورين، ففي كون إتيان أحدهما بما يشبه قبل العمل موجباً لقبول قول ذي الشبه ولزوم الفسخ بتحالفها، ثالثها دونهما ما لم يتفقا بناء على الترجيح بالشبه مع القيام ولغوه، وكون العقد على العمل.

إن ادعى أحدهما فساداً فالقول قول مدعي الصحة، وسمع عيسى ابن القاسم إن تعاقدا فقال رب الحائط: إنما ساقيتك الحائط دون دوابه ولا رقيقه تحالفا وتفاسخا.

التونسي: الذي ينبغي أن يحلف مدعي الفساد فقط إن حلف فسخت المساقاة؛ إذ لا فائدة في يمين الآخر للزوم الفسخ حلف أم لا، وإن نكل ذو الفساد حلف مدعي الصحة وقبل قوله.

وانظر لو عمل بعض العمل، ثم قال صاحب الحائط: شرطت إخراج الرقيق هل

ص: 117

يحلف ويخرجهم؛ لأنه لم يقر بأنهم دخلوا قط كمن قيل له: أكريت مني أو بعت مني، وقال الآخر: لم أكر منك ولم أبع منك فالقول قوله.

قلت: الأليق بحال الشيخ عدم جعل هذه الصورة محل نظر، بهذا القياس الذي ذكره؛ لأن صورة النزاع القائل فيها لم أفعل هو رب الحائط دعواه فيها فاسدة والقائل في الصورة المقيس عليها لم أفعل دعواه فيها غير فاسدة.

قال: وبعد فوات العمل القول قول مدعي الصحة وفيه نظر؛ لأنه يقول لم أكر منك الدواب فقط، وقد قال فيمن قال: اشتريت منك عشرة أثواب، وقال البائع: بل تسعة فقط أنه يغرم قيمة العاشر، ولا يصدق أنه اشتراه ولو فات لما لم يقر البائع أنه باعه.

قلت: يرد بما تقدم من دعوى الفساد، وسمع ابن القاسم: من ساقى حائطه سنة أو ثلاثاً، فقال: لما فرغ العامل لم تدفع إلى الثمرة إن كان جذ فلا شيء له.

ابن رُشد: يريد أن العامل مصدق مع يمينه في دفعه حظ رب الحائط؛ لأنه في أمانته لا في ذمته كالمودع، وهو نص ما الموازيَّة أنه يحلف كان بقرب الجذاذ أو بعده.

قال: وكذا لو جذ بعضاً رطباً والباقي تمراً، فقال: قبل الجذاذ لم تدفع إلى الرطب ولا ثمنه، هذا المنصوص في المسألة، ولا يبعد دخول الخلاف من مسألة الوكيل على القبض يدعي الدفع لمن وكله، قيل: يقبل قوله قرب أو بعد مع يمينه، وقيل: إن قرب قبل قول موكله مع يمينه أنه ما قبض، وإن بعد كالشهر أو نحوه قبل قول الوكيل مع يمينه، وإن بعد الأمر جداً قبل قوله دون يمين، وقيل: إن كان بحضرة ذلك وقربه بالأيام اليسيرة صدق الوكيل مع يمينه، وإن طال صدق دون يمين، وإن مات العامل وقال رب الحائط" إنه لم يقبض حظه من الثمرة، فإن كان بقرب الجذاذ فذلك في ماله له وإن بعد الأمر لم يكن في ماله اتفاقاً.

وفاسدها يفسخ إن لم تفت بالعمل رد الحائط لربه فإن ماتت ففي رده لإجارة مثله أو مساقاة مثله مطلقاً أو في بعضها للأول وبعضها الثاني، رابعها: لمساقاة مثله ما لم تكن أكثر من الجزء الذي شرط عليه إن كان الشرط للمساقي أو أقل إن كان للعامل

ص: 118

لابن رُشد قائلاً هو الآتي على قول ابن أبي سلمة في القراض، والآتي على قول أصبغ في شرط أحدهما على صاحبه حمل حظه لمنزله مع رواية ابن الماجِشُون وأصله، وقول أشهب في القراض، وقول ابن القاسم وغيره.

قال: وقول ابن القاسم استحسان لا قياس، وأصلها أنها إن خرجت عن حكمها لإجارة فاسدة أو بيع ثمن قبل بدو زهوه بما شرطاه من زيادة خارجة عنها ردت لإجارة المثل، كشرط أحدهما زيادة دنانير أو دراهم أو عرض وما لم يخرجا به عن حكمهما، فله فيه مساقاة المثل كحائط على الثلث وآخر على النصف، وهو أصل يأتي عليه مسائل كثيرة لابن حبيب، وغيره والموجود له بسقاء المثل أربع قولها في مساقاة حائط فيه ثمر أطعم، وقولها في شرط العامل عمل رب الحائط، وسماع عيسى في كتاب النكاح عقدها مع البيع صفقة واحدة، وسماعه مساقاته سنة على النصف وسنة أخرى على الثلث، وكذا يلزم مع حائطين أحدهما على الثلث والآخر على النصف، ومثله مساقاة حائط على أن يكفيه مؤنة آخر.

قال: في الذي شرط عليه كفايته أجر مثله، وفي الآخر مساقاة مثله، ومضى لنا عند من أدركنا من الشيوخ أن الذي يرد لمساقاة مثله على مذهبه.

هذه المسائل الأربع المنصوصة وما في سواها أجر المثل فتأويلهم هذا عليه قول خامس، والصواب أن ما ذهب إليه ابن حبيب على الأصل الذي ذكرناه مفسراً لمذهب ابن القاسم: لا خلاف له.

عياض: كل الخلاف في القراض الفاسد جاء في المساقاة الفاسدة، والحق ما ذكره ابن رُشد أنه يلزم إذا شرط العامل دابة أو غلاماً ليس في الحائط وهو يكفيه لصغره.

اللخمي: إن قال ثمر هذا الحائط بيننا وثمر هذا الحائط لي أو لك لم يجز، وللعامل أجر مثله فيما شرطا ثمرته لأحدهما، فإن شرطاها لرب الحائط فله أجره وإن جاوز الثمرة، وإن شرطاها للعامل فله أجره ما لم يجاوزا الثمرة، ويختلف في الذي شرطا ثمرته بينهما هل يكون فيه أجيراً أو على مساقاة مثله، وأرى للعامل الأقل في المسمى أو مساقاة المثل إن شرط المنفرد لصاحب الحائط وإن شرطاه للعامل فله الأكثر، ولابن

ص: 119

حبيب إن ساقاه على أن البرني بينهما وما سواه لرب الحائط فهو في البرني على مساقاة المثل، وفي الآخر أجير وإن كان ما سواه للعامل فهو أجير في الجميع؛ لأن الزيادة إن كانت لرب الحاشط أخف؛ لأنه يعود لتقليل جزء الثاني، وإن كانت الزيادة للعامل كان أجيراً؛ لأنه يشرط أن تكون الزيادة من غير الحائط.

قلت: في قوله: لأنه شرط أن تكون الزيادة من غير الحائط نظراً لوضوح كونها منه إلا أن يقصر مسمى الحائط على ما لرب الحائط حظ منه فتأمله.

قال: وأرت فيما يرد في لمساقاة المثل إن كان المثل فيه أكثر من المسمى أن يرد في كل عمله لأجر مثله؛ لأنه إن أعطى ما زاد على المسمى كان قد بيع على رب الحائط من الثمرة ما لم يبعه، وإن قصر العامل على المسمى ظلم إلى أن يرضى بالمسمى، وإسقاط ما زاد عليه أو يرضى رب الحائط بدفع الزائد ثمره أو يكن الزائد يسيراً.

ثم قال عبد الحق: عن غير واحد من شيوخ صقلية ما يرجع فيه لمساقاة المثل أو قراض المثل يفسخ ما لم يعمل، فإن عمل ترك وما يرجع فيه إلى أجر يفسخ ولو عمل، وقاله ابن حبيب.

قلت: ذكره ابن رُشْد غير معزو كأنه المذهب، وكذا عياض مقيداً الفوت بعمل له.

قال: وعلله اللخمي بأن مساقاة المثل العوض فيها من الثمرة، فلو فسخت ذهب عمله باطلاً، وفي الإجارة العوض في الذمة لا يذهب بالفسخ عمله باطلاً.

عبد الحق عن بعض شيوخ صقلية: ما فيه مساقاة المثل، فالعامل أحق بالثمرة من الغرماء في الموت والفلس، وكذا ما يرجع فيه لقراض المثل في القراض؛ يريد: وما يرجع فيه لأجر المثل لا يكون فيه أحق في موت ولا فلس، وفي المساقاة يكون أحق في الفلس لا في الموت.

ص: 120