الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس لأحد أن يبني فوق الوقف ما يضر به اتفاقًا. وكذا إن لم يضر به عند الجمهور (1) . ويجب على الجار تمكين جاره من إجراء مائه في أرضه إذا احتاج إلى ذلك ولم يكن على صاحب الأرض ضرر في أصح القولين في مذهب أحمد. وحكم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2) .
فالساباط الذي يضر بالمارة: مثل أن يحتاج الراكب أن يحني رأسه إذا مر هناك وإن غفل عن رأسه رمى عمامته أو شج رأسه، ولا يمكن أن يمر هناك جمل عال إلا كسر قتبه، والجمل المحمل لا يمر هناك؛ فمثل هذا الساباط لا يجوز إحداثه على طريق المارة باتفاق المسلمين؛ بل يجب على صاحبه إزالته، فإن لم يفعل كان على ولاة الأمور إلزامه بإزالته حتى يزول الضرر، حتى لو كان الطريق منخفضًا ثم ارتفع على طول الزمان وجب إزالته إذا كان الأمر على ما ذكر (3) .
باب الحجر
ومن ضاق ماله عن ديونه صار محجورًا عليه بغير حكم حاكم بالحجر، وهو رواية عن أحمد (4) . وإذا لزم الإنسان الدين بغير معاوضة كالضمان ونحوه ولم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه في الإعسار. وهو مذهب أحمد وغيره (5) .
ومن طولب بأداء دين عليه فطلب إمهالاً أمهل بقدر ذلك اتفاقًا. لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمته، أو بكفيل، أو بترسيم عليه (6) .
(1) اختيارات ص 135 فيه توضيح ف 2/ 212.
(2)
اختيارات ص 135، 136، ف 2/ 212.
(3)
اختيارات ص 137 ف 2/ 213 فيه زيادة أمثلة.
(4)
اختيارات ص 137 ف 2/ 213 فيه زيادة أمثلة.
(5)
اختيارات ص 136 فيه زيادة.
(6)
اختيارات ص 136 فيه زيادة ف 2/ 213.
ومن كان قادرًا على وفاء دينه وامتنع أجبر على وفائه بالضرب والحبس نص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وقال أبو العباس: ولا أعلم فيه نزاعًا؛ لكن لا يزاد كل يوم على أكثر من التعزير إن قيل يتقدر، وللحاكم أن يبيع عليه ماله، ويقضي دينه، ولا يلزمه إحضاره (1) .
وقال شيخنا: وله منع عاجز حتى يقيم كفيلاً ببدنه (2) .
ومن عرف بالقدرة وادعى إعسارًا وأمكن عادة قبل. وليس له إثبات إعساره عند غير من حبسه بلا إذنه. ويقضي دينه من مال له فيه شبهة، لأنه لا تبقى شبهة بترك واجب (3) .
ولو كان قادرًا على وفاء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك؛ إذ التعزير لا يختص بنوع معين وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله.
ومن عليه نفقة واجبة فلا يملك التبرع بما يخل بالنفقة الواجبة. وكلام أحمد يدل عليه (4) .
ولو ادعت امرأة على زوجها بحقها وحبسته لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس؛ بل يستحقها عليها بعد الحبس، كحبسه في دين غيرها؛ فله إلزامها بملازمة بيته، ولا يدخل عليها أحد إلا بإذنه. ولو خاف خروجها من منزله بلا إذنه أسكنها حيث شاء. ولا يجب حبسه بمكان معين، فيجوز حبسه في دار ولو في دار نفسه بحيث لا يمكن من
(1) اختيارات ص 136 فيه زيادة ف 2/ 213.
(2)
الفروع ج 4/ 288 ف 2/ 214.
(3)
اختيارات ص 136 ف 2/ 74.
(4)
اختيارات ص137 ف 2/ 214. وعبارة الفروع بعدما تقدم في الاختبارات وهذا أشبه إلخ.
الخروج، ويجوز أن يحبس ويرسم عليه إذا حصل المقصود بذلك بحيث يمنعه من الخروج (1) .
وهذا أشبه بالسنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الغريم بملازمة غريمه وقال له: «ما فعل أسيرك» ؟ وإنما المرسم وكيل الغريم في الملازمة. فإن لم يكن للزوج من يحفظ امرأته غير نفسه وأمكن أن يحبسهما في بيت واحد فتمنعه هي من الخروج ويمنعها هو من الخروج فعل ذلك؛ فإن له عليها حبسها في منزله، ولها عليه حبسه في دينها، وحقه عليها أوكد، فإن حق نفسه في المبيت ثابت ظاهرًا وباطنًا، بخلاف حبسها له فإنه بتقدير إعساره لا يكون حبسه مستحقًا في نفس الأمر، إذ حبس العاجز لا يجوز، لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [280/2] ولأن حبسها له عقوبة حتى يؤدي الواجب عليه وحبسه لها حق يثبت له بموجب العقد وليس بعقوبة، بل حقه عليها كحق المالك على المملوك؛ ولهذا كان النكاح بمنزلة الرق والأسر للمرأة، قال عمر رضي الله عنه: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته. وقال زيد بن ثابت: الزوج سيد في كتاب الله وقرأ: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [25/12]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» والعاني الأسير.
وإذا كان كذلك ظهر أن ما يستحقه عليها من الحبس أعظم مما تستحقه عليه؛ إذ غاية الغريم أن يكون كالأسير، ولأنه يملك من حبسها في منزله الاستمتاع بها متى شاء فحبسه لها دائمًا يستوفي في حبسها ما يستحقه عليها، وحبسها له عارض إلى أن يوفيها حقها،
والحبس الذي يصلح لتوفية الحق مثل المالك لأمته، بخلاف الحبس إلى أن يستوفى الحق فإنه من جنس حبس الحر للحر، ولهذا لا يملك الغريم منع المحبوس من تصرف يوفي به الحق، ولا يمنعه من حوائجه إذا احتاج
(1) اختيارات 137 ف 2/ 214.
الخروج من الحبس مع ملازمته له، وليس على المحبوس أن يقبل ما يبذله له الغريم مما عليه منة فيه. ويملك الرجل منع امرأته من الخروج مطلقًا إذا قام بما لها عليه، وليس لها أن تمتنع من قبول ذلك.
وبهذا وغيره يتبين أن له أن يلزمها ويمنعها من الخروج أكثر مما لها أن تلزمه وتمنعه من الخروج من حبسه، فإذا لم يكن له من يقوم مقامه في ذلك لم يجز أن يمنع من ملازمتها وهذا حرام بلا ريب. ولا ينازع أحد من أهل العلم أن حبس الرجل إذا توجه تتمكن معه امرأته من الخروج من منزله. وإسقاط حقه عليها حرام لا يحل لأحد من ولاة الأمور والحكام فعل ذلك حرة عفيفة كانت أو فاجرة، فإن ما يفضي إلى تمكينها من الخروج إسقاط لحقه، وذلك لا يجوز، لا سيما وذلك مظنة لمضارتها له أو فعلها للفواحش
…
إلى أن قال: فرعاية مثل هذا من أعظم المصالح التي لا يجوز إهمالها. قال: وهي إنما تملك ملازمته، وملازمته تحصل بأن تكون هي وهو في مكان واحد، ولو طلب منها الاستمتاع في الحبس فعليها أن توفيه ذلك؛ لأنه حق عليها، وإنما المقصود بالحبس أو الملازمة أن الغريم يلازمه حتى يوفيه حقه، ولو لازمه في داره جاز.
فإن قيل: فهذا يفضي إلى أن يمطلها ولا يوفي.
فالجواب: أن تعويقه عن التصرف هو الحبس، وهو كاف في المقصود إذا لم يظهر امتناعه عن أداء الواجبات، فإن ظهر أنه قادر وامتنع ظلمًا عوقب بأعظم من الحبس بضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي، كما نص على ذلك أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مطل الغني ظلم» والظالم يستحق العقوبة، فإن العقوبة تستحق على ترك واجب أو فعل محرم، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته» ومع هذا لا يسقط حقه على امرأته؛ بل يملك حبسها في منزله.
وأما تمكين مثل هذا يعني الممتنع عن الوفاء ظلمًا من فضل الأكل والنكاح فهذا محل اجتهاد؛ فإنه من نوع التعزير؛ فإذا رأى الحاكم أن يعزره به كان له ذلك؛ إذ التعزير لا يختص بنوع معين، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد ولي الأمر في تنوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله ولكن المحبوسون على حقوق النساء ليسوا من هذا الضرب، فإن لم يحصل المقصود بحبسهما جميعًا إما لعجز أحدهما عن حفظ الآخر أو لشر يحدث بينهما ونحو ذلك وأمكن أن تسكن في موضع لا تخرج منه، وهو ينفق عليها، مثل أن يسكنها في رباط نساء أو بين نسوة مأمونات فعل ذلك.
ففي الجملة لا يجوز حبسها له وتذهب حيث شاءت باتفاق العلماء؛ بل لا بد من الجمع بين الحقين ورعاية المصلحتين؛ لا سيما إذا كان ذهابها مظنة للفاحشة؛ فإن ذلك يصير حقًا لله يجب على ولي الأمر رعايته وإن لم يطلبه الزوج (1) .
ولا يبطل إبراء الزوجة الزوج بدعواها السفه ولو مع بينة أنها سفيهة ليست تحت الحجر. ولو أبرأته وولدت عنده ومالها بيدها تتصرف فيه لم يصدق أبوها أنها كانت سفيهة يجب الحجر عليها بلا بينة. والله أعلم (2) .
فصل
وعنه يصح تصرف مميز ويقف على إجازة وليه، نقل حنبل: إن تزوج الصغير فبلغ أباه فأجازه جاز. قال جماعة: ولو أجازه هو بعد رشده. لم يجز. وقال شيخنا: رضاه بقسمه هو قسمة تراض وليس
(1) الفروع ج 4/ 293-297. ويأتي بعضها في باب آداب القاضي أيضًا، وانظر الإنصاف ج 8/360. لكنها مختصرة ف 2/ 214.
(2)
اختيارات 188 ف 2/ 214.
إجازة بعقد فضولي. وقال: إن نفذ عتقه المتقدم أو دل على رضاه به عتق، كمن يعلم أنه يتصرف كالأحرار (1) .
وإن نوزع المحجور عليه لحظه في الرشد فشهد شاهدان برشده قبل؛ لأنه قد يعلم بالاستفاضة. ومع عدم البينة له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده.
والإسراف ما صرفه في الحرام، أو كان صرفه في المباح يضر بعياله، أو كان وحده ولم يثق بإيمانه، أو صرف في مباح قدرًا زائدًا على المصلحة (2) .
قال شيخنا: الإسراف في المباح هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم، وترك فضولها من الزهد المباح، والامتناع عنه مطلقًا كمن يمتنع من اللحم أو الخبز أو الماء أو لبس الكتان والقطن أو النساء فهذا جهل وضلال، والله أمر بأكل الطيب والشكر له، والطيب ما ينفع ويعين على الخير، وحرم الخبيث وهو ما يضر في دينه (3) .
ولو وصى من فسقه ظاهر إلى عدل وجب إنفاذه كحاكم فاسق حكم بالعدل.
والولاية على الصبي والمجنون والسفيه تكون لسائر الأقارب.
ومع الاستقامة لا يحتاج إلى الحاكم إلا إذا امتنع من طاعة الولي.
وتكون الولاية لغير الأب والجد والحاكم على اليتيم وغيره وهو مذهب أبي حنيفة ومنصوص أحمد في الأم. وأما تخصيص الولاية بالأب والجد والحاكم فضعيف جدًا. والحاكم العاجز كالعدم.
(1) الفروع ج 4/ 6 ف2/ 215.
(2)
اختيارات ص 138 ف 2/ 216.
(3)
الفروع ج4/ 618 موجود مفرق ف 1/ 202 وله مناسبة هنا ف 2/216.