المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثم أقول: هذا لا تأثير له في مسألتنا؛ فإن المنفعة - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٤

[ابن تيمية]

الفصل: ثم أقول: هذا لا تأثير له في مسألتنا؛ فإن المنفعة

ثم أقول: هذا لا تأثير له في مسألتنا؛ فإن المنفعة حاصلة في الأصل والفرع. ثم كونه يملك انتزاع المنفعة من يده غير مؤثر، بدليل ما لو كان واهب المنفعة أبا وكان المثيب ابنه وهذا في غير صورة الوصية (1) .

العارية المقبوضة مضمونة، نص عليه؛ لأن النفع غير مستحق؛ بخلاف عبد موصى بنفعه. وقاسها جماعة على المقبوض على وجه السوم، فدل على رواية مخرجة، وهو متجه. وذكر الحارثي خلافًا لا يضمن، وذكره شيخنا عن بعض أصحابنا، واختاره صاحب الهدي فيه. وعنه بلى إن شرطه اختاره أبو حفص وشيخنا (2)(3) .

‌باب الغصب

قال في المحرر: وهو الاستيلاء على مال الغير ظلمًا.

قوله: «على مال الغير» يدخل فيه مال المسلم والمعاهد، وهو المال المعصوم.

ويخرج منه استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب فإنه ليس بظلم. ويدخل فيه استيلاء (4) المحاربين على مال المسلمين. وليس بجيد؛ فإنه ليس من الغصب المذكور حكمه هنا (5) بإجماع المسلمين، إذ لا خلاف أنه لا يضمن بالإتلاف ولا بالتلف؛ وإنما الخلاف في وجوب

(1) اختيارات ص158، 159 ف 2/ 239.

(2)

فروع ج 4/ 474 فيه ذكر اختياره ف 2/ 239.

(3)

وانظر حكم إعارة السلاح والخيل لمن يقرض فيها

وإذا كان الغازي معذورًا أو معدمًا أو مظلومًا -في كتاب الجهاد- وتقدم.

(4)

في الإنصاف أهل الحرب.

(5)

في الإنصاف (هذا) .

ص: 72

رد عينه (1) . وأما أموال أهل البغي وأهل العدل فقد لا يرد؛ لأن هناك لا يجوز الاستيلاء على عينها. ومتى أتلفت بعد الاستيلاء على عينها ضمنت. وإنما الخلاف في ضمانها بالإتلاف وقت الحرب.

ويدخل فيه ما أخذه الملوك والقطاع من أموال الناس بغير حق من المكوس وغيرها.

فأما استيلاء أهل الحرب بعضهم على بعض فيدخل فيه. وليس بجيد؛ لأنه ظلم، فيحرم عليهم قتل النفوس وأخذ الأموال إلا بأمر الله؛ لكن يقال: لما كان المأخوذ مباحًا بالنسبة إلينا لم يصر ظلمًا في حقنا، ولا في حق من أسلم منهم.

فأما ما أخذ من الأموال والنفوس أو أتلف منها في حال الجاهلية (2) أقر قراره؛ لأنه كان مباحًا؛ لكن لما كان الإسلام عفا عنه فهو عفو بشرط الإسلام، وكذلك شرط الأمان. فلو تحاكم إلينا مستأمنان حكمنا بالاستقرار (3) .

قال الشيخ تقي الدين: ويتوجه فيما إذا غصب فرسًا وكسب عليه مالاً إن جعل الكسب بين الغاصب ومالك الدابة على قدر نفعهما بأن تقوم منفعة الراكب ومنفعة الفرس ثم يقسم الصيد بينهما (4) .

ويضمن المغصوب بما نقص رقيقًا كان أو غيره، وهو رواية عن أحمد واختارها طائفة من أصحابه (5) .

إذا خلف مُوَرِّثٌ مالاً من إبل أو غنم أو غيرها فيه شيء حرام من

(1) في الإنصاف زيادة (إذا قدرنا على أخذه) .

(2)

في الإنصاف زيادة (فقد) .

(3)

الاختيارات ص161 والإنصاف 6/ 122، ف 2/ 239.

(4)

الإنصاف ج6/ 144 ف 2/ 240.

(5)

اختيارات ص 163 ف 2/240.

ص: 73

غصب أو غيره لا يعرفه الوارث عينًا، يعرف مالكه أو لا يعرفه، وقدر نصيب الحرام غير معروف فإنه ينصفه نصفين: نصف لهذه الجهة، ونصف لهذه الجهة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مشاطرة العمال أموالهم لما تبين له أن في مالهم شيئًا من بيت المال وما هو خالص لهم ولم يتبين القدر فجعل عمر أموالهم نصفين؛ ولأنه مال مشترك والشركة المطلقة تقتضي التسوية. ولا تجوز القرعة، ووقف الأمر إضاعة للحقوق. والقول في هذه المسألة بالقسمة تارة والقرعة تارة خير من حبسها بلا فائدة (1) .

ومن زرع بغير إذن شريكه والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ولربها نصيب قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك. ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه أو يهايئه فأبى فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة (2) وقد اعتبر أبو العباس في موضع آخر إذن ولي الأمر (3) .

قال في المحرر: ومن قبض مغصوبًا من غاصبه ولم يعلم فهو بمنزلة في جواز تضمينه العين والمنفعة، لكنه يرجع إذا غرم على غاصبه بما لم يلزمه ضمانه خاصة.

قال أبو العباس: يتخرج ألا يضمن الغاصب ما لم يلتزمه على قولنا إنه لا يقلع غرسه وبناءه حتى يضمن بعضه ويرجع به على البائع.

وعلى ظاهر كلامه في المنع من تضمين مودع المودع إذا لم يعلم. وعلى إحدى الروايتين فإن المغرور لا يضمن الأولاد؛ بل يضمنهم الغار ابتداء.

(1) مختصر الفتاوى ص271 ف 2/ 240.

(2)

وفي الإنصاف زيادة (كدار بينهما فيها بيتان سكن أحدهما عند امتناعه عما يلزمه اهـ) .

(3)

اختيارات ص 163 ف 2/ 241.

ص: 74

وإذا مات الحيوان المغصوب فضمنه الغاصب فجلده -إذا قلنا يطهر بالدباغ- للمالك، وقياس المذهب ويتخرج أنه للغاصب (1) .

ولو حبس الغاصب المغصوب وقت حاجة مالكه إليه كمدة شبابه ثم رده في مشيبه فتفويت تلك المدة ظلم يفتقر إلى جزاء (2) .

وإن وقف الرجل وقفًا على أولاده -مثلاً- ثم باعه وهم يعلمون أنه قد وقفه فهل يكون سكوتهم عن الإعلام تغريرًا مع أنهم هم المستحقون؟ فهذا يستمد من السكوت: هل هو إذن؟ وهو ما إذا رأى عبده أو ولده يتصرف. فقال أصحابنا: لا يكون إذنًا؛ لكن هل يكون تغريرًا؟ فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم في السلعة المبيعة: «لا يحل لمن يعلم ذلك إلا أن يبينه» يقتضي وجوب الضمان وتحريم السكوت، فيكون قد فعل محرمًا تلف به مال معصوم فهذا قوي جدًا.

لكن قد يقال: فطرده أن من علم بالعيب -غير البائع- فلم يبينه فقد غر المشتري فيضمن. فيقال: هذا يبنى على أن الغرور من الأجنبي (3) ولو لم يكن الأولاد أو غيرهم قد عرف فإذا وجب الرجوع على الواقف بما قبضه من الثمن وبما ضمنه المشتري من الأجرة ونقص قيمة البناء والغرس ونحو ذلك، ولو كان قد مات معسرًا أو هو كان معسرًا في حياته فهل يؤخذ من ريع الوقف الثمن الذي غرمه المشتري؟ لا شك أن هذا بعيد في الظاهر؛ لأن ريع الوقف للموقوف عليه، ولم يقر. فلا يؤخذ من ماله ما يقضي به دين غيره. لكن باعتبار هذا الدين على الواقف بسبب تغريره بالوقف فكأن الواقف هو الآكل لريع وقفه. وقد يتوجه ذلك إذا كان الواقف قد احتال بأن وقف ثم باع؛ فإن قصد

(1) اختيارات ص163 ف 2/ 241.

(2)

اختيارات ص 166 ف 2/ 241.

(3)

بياض بالأصل مقدار سطر.

ص: 75

الحيلة إذا كان متقدمًا على الوقف لم يكن الوقف لازمًا في المحتال عليه الذي هو أكل مال المشتري المظلوم.

ولو واطأ المالك رجلاً على أن يبيع داره ويظهر أنها للبائع لا أنه يبيعها بطريق الوكالة فهل تجعل هذه المواطأة وكالة وإن لم يأذن في بيعها لنفسه، أم يجعل غررًا؟ فإنه ما أذن في بيع فاسد؛ لكن قصد التغرير. فهل يعاقب بجعل البيع صحيحًا، أم بضمان التغرير؟ (1)

قال الشيخ في فتاويه: وإن أنفق على أطفال غاصب وصيه مع علمه لم يرجع، وإلا رجع؛ لأن الموصي غره (2) .

وإن غصب ثوبًا فقصره أو غزلاً فنسجه أو فضة

رد ذلك بزيادته وأرش نقصه ولا شيء له. وعنه: يكون شريكًا بالزيادة، اختاره الشيخ تقي الدين، قاله في الفائق (3) .

وإن نقصت لتغير الأسعار لم يضمن. وعنه يضمن، اختاره ابن أبي موسى والشيخ تقي الدين، قاله في الفائق (4) .

وإن وطئ الجارية فعليه الحد والمهر وإن كانت مطاوعة وأرش البكارة. وعنه: لا يلزمه مهر للثيب، اختاره الشيخ تقي الدين، ولم يوجب عليه سوى أرش البكارة نقله عنه في الفائق (5) .

وإن تلفت فعليه قيمتها ولا يرجع بها إن كان مشتريًا، ويرجع بها المتهب

وعلى المذهب يأخذ من الغاصب ثمنها ويأخذ أيضًا نفقته

(1) بياض بالأصل اختيارات ص163 ف 2/241.

(2)

فروع 4/ 511 ف 2/ 239.

(3)

الإنصاف ج6/ 145، 146.

(4)

الإنصاف 6/ 155 ف 2.

(5)

الإنصاف ج 6/ 168 ف 2/ 241.

ص: 76

وعمله من البائع الغار. قاله الشيخ تقي الدين (1) .

قال الشيخ تقي الدين: لا يسقط حق المظلوم الذي أخذ ماله وأعيد إلى ورثته؛ بل له أن يطالب الظالم بما حرمه من الانتفاع به في حياته (2) .

ولو بايع الرجل مبايعات يعتقد حلها ثم صار المال إلى وارث أو منتهب أو مشتر يعتقد تلك العقود محرمة. فالمثال الأصلي لهذا اقتداء المأموم بصلاة إمام أخل بما هو فرض عند المأموم دونه، والصحيح الصحة.

وما قبضه الإنسان بعقد مختلف فيه يعتقد صحته لم يجب عليه رده في أصح القولين.

ومن كسب مالاً حرامًا برضاء الدافع ثم تاب: كثمن خمر ومهر البغي وحلوان الكاهن فالذي يتلخص من كلام أبي العباس أن القابض إذا لم يعلم التحريم ثم علم جاز له أكله. وإن علم التحريم أولاً ثم تاب فإنه يتصدق به. كما نص عليه أحمد في حامل الخمر. وللفقير أكله، ولولي الأمر أن يعطيه أعوانه. وإن كان فقيرًا أخذ هو كفايته له.

وفيما عرف ربه: هل يلزمه رده إليه، أم لا؟ قولان.

وظاهر كلام أبي العباس أن نفس المصيبة لا يؤجر عليها.

وقال أبو عبيدة: بلى، إن صبر أثيب على صبره. قال: وكثيرًا ما يفهم من الأجر غفران الذنوب فيكون فيها أجر بهذا الاعتبار (3) .

وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان

(1) الإنصاف 6/ 173 ف 2/ 241.

(2)

الآداب ج1/ 96 ف 2/ 242.

(3)

اختيارات ص 167 ف 2/ 241.

ص: 77

التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق.

قال شيخنا: وهذه الحجة ضعيفة؛ فإن يوسف عليه السلام لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال: قد اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا فعلوا ذلك. نعم كان تخلفه عنهم مما يؤذيهم لتأذي أبيهم وللميثاق الذي أخذه عليهم، وقد استثنى في الميثاق بقوله:{إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} وقد أحيط بهم. ويوسف عليه السلام لم يكن قصده باحتباس أخيه الانتقام من إخوته فإنه كان أكرم من هذا، وإن كان من ضمن ما فعل من تأذى أبيه أعظم من أذى إخوته فإنما ذلك أمر أمره الله به ليبلغ الكتاب أجله، ويتم البلاء الذي استحق به يوسف ويعقوب عليهما السلام كمال الجزاء وعلو المنزلة، وتبلغ حكمة الله تعالى -التي قدرها وقضاها- نهايتها.

ولو فرض أن يوسف عليه السلام قصد الاقتصاص منهم بما فعل فليس هذا بموضع خلاف بين العلماء؛ فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به، وإنما موضع الخلاف هل له أن يخونه كما خانه أو يسرقه كما سرقه؟ ولم تكن قضية يوسف عليه السلام من هذا النوع. نعم لو كان يوسف عليه السلام أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة، مع أنه لا شبهة له أيضًا على هذا التقدير فإن هذا لا يجوز في مثل شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل، كأمر إبراهيم بذبح ابنه، وتكون حكمته في حق الأخ امتحانه وابتلاءه لينال درجة الصبر على حكم الله والرضا بقضائه، ويكون حاله في هذا كحال أبيه يعقوب عليه السلام في احتباس يوسف عليه السلام عنه (1) .

(1) إغاثة ج2/ 113 وتقدم في التفسير ف 2/ 242.

ص: 78

وأما إذا كان الرجل غصب مال الرجل مجاهرة فغصب من ماله مجاهرة بقدر ماله فليس هذا من هذا الباب؛ فإن الأول يؤدي إلى التأويلات الفاسدة، وأن يحلل لنفسه ما لا يحل له أخذه. وهذا يعرف ما أخذه فلا يأخذ إلا قدر حقه أو أكثر، ويكون معلومًا لا يمكن إنكاره (1) .

ويضمن المغصوب بمثله مكيلاً أو موزونًا أو غيرهما حيث أمكن، وإلا فالقيمة. وهو المذهب عند ابن أبي موسى، وقاله طائفة من العلماء. وإذا تغير السعر وفقد المثل فينتقل إلى القيمة وقت الغصب وهو أرجح الأقوال (2) .

ومن كانت عنده غصوب وودائع وغيرها لا يعرف أربابها صرفت في المصالح. وقال العلماء ولو تصدق بها جاز. وله الأكل منها ولو كان عاصيًا إذا تاب وكان فقيرًا (3) .

ولا يجوز لوكيل بيت المال ولا غيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ. وليس للحاكم أن يحكم بصحته.

وما لبيت المال من المقاسمة أو الأرض الخراجية لا يباع لما فيه من إضاعة حقوق المسلمين (4) . ومن غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر فله تضمين الكذاب عليه بما غرمه (5) . وقدر المتلف إذا لم

يمكن تحديده عمل فيه بالاجتهاد، كما يفعل في قدر قيمته بالاجتهاد، إذ الخرص والتقويم واحد؛ فإن الخرص هو الاجتهاد في معرفة مقدار

(1) مختصر الفتاوى ص 609 ف 2/ 242.

(2)

اختيارات ص 165 فيه زيادة ف 2/ 243.

(3)

اختيارات ص 165 والإنصاف 6/ 213 فيه زيادة ف 2/ 243.

(4)

اختيارات ص 165 ف 2/ 243.

(5)

اختيارات ص 165 ف 2/ 243.

ص: 79

الشيء، والتقويم هو الاجتهاد في معرفة مقدار ثمنه؛ بل قد يكون الخرص أسهل. وكلاهما يجوز مع الحاجة (1) .

وعمل شيخنا بالاجتهاد في قيمة المتلف فخرص الصبرة واعتبر في مزارع أتلف مغل سنتين بالسنين المعتدلة، وفي ربح مضارب بشراء رفقته من نوع متاعه وبيعهم في مثل سفره (2) . ولو اشترى مغصوبًا من غاصبه ولا يعلم به رجع بنفقته وعمله على بائع غار له (3) .

وقال تقي الدين فيمن اشترى مال مسلم من التتار لما دخلوا الشام: إن لم يعرف صاحبه صرف في المصالح وأعطي مشتريه ما اشتراه به؛ لأنه لم يصر لها إلا بنفقته وإن لم يقصد ذلك، كما رجحه فيمن اتجر بمال غيره وربح (4) .

ومن تصرف بولاية شرعية ولم يضمن، كمن مات ولا ولي له ولا حاكم، وليس لصاحبه إذا علم رد المعاوضة لثبوت الولاية عليها شرعًا (5) .

وإذا كان المتلف مما لا يباع مثل الثمر والزرع قبل بدو صلاحه فههنا لا يجوز تقويمه بشرط القطع؛ لأنه مستحق للبقاء وإن لم يجز بيعه كذلك. وإما أن يقوم مع الأصل ثم يقوم الأصل بدونه، وأما أن ينظر إلى حالة كماله فيقوم بدون نفقة الإبقاء ففيه نظر لإمكان تلفه قبل ذلك.

وأما إذا جاز بيعه مستحق الإبقاء فيقوم مستحق الإبقاء، كما تقوم المنقولات مع جواز الآفات عليها جميعًا (6) .

(1) اختيارات 166، 167 ف 2/ 243.

(2)

الفروع ج 4/ 126 زيادة إيضاح ف 2/ 243.

(3)

اختيارات ص 164 ف 2/ 243.

(4)

إنصاف 6/ 215 ف 2/ 243.

(5)

اختيارات ص 165 ف 2/ 242.

(6)

اختيارات ص 161 ف 2/ 244.

ص: 80

وإذا كان للناس على إنسان ديون أو مظالم بقدر ما له على الناس من الديون والمظالم كان يسوغ أن يقال: يحاسب بذلك فيه بقدر حقه من هذا أو يصرف إلى غريمه، كما يفعل في الدنيا بالمدين الذي له وعليه يستوفي ما له ويوفي ما عليه (1) .

وأما إذا مات الميت وله غرماء مديونون لم يستوف مما عليهم شيئًا فهل مطالبتهم للميت أو للورثة؟ اضطرب فيه الناس.

والصواب: إن كان الحق مظالم لم يتمكن هو ولا ورثته من استيفائها: من قود، أو قذف، أو غصب - فهو المطالب.

وإن كان دينًا ثبت باختياره وتمكن من استيفائه فلم يستوفه حتى مات فورثته تطالب به إلى يوم القيامة.

وإن كان دينًا عجز عن استيفائه هو وورثته، فالأشبه أنه هو الذي يطالب به. فإن العجز إذا كان ثابتًا فيه وفي الوارث ولم يتمكن أحدهما من الانتفاع بذلك في الدنيا لم يدخل في الميراث، فيكون المستحق أحق بحقه في الآخرة، كما في المظالم. والإرث مشروط بالتمكن من الاستيفاء، كما أنه مشروط بالعلم بالوارث.

فلو مات وله عصبة بعيدة لا يعرف نسبهم لم يرثوه لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا عام في جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة. والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم.

ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها إليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالاً

(1) اختيارات ص 161، 162 ف 2/ 244.

ص: 81

لمن أخذها بحق كأهل الحاجة والاستعانة بها على مصالح المسلمين دون من أخذها بباطل، كمن يأخذ فوق حقه.

ثم المظلوم إذا طالب بها يوم القيامة وعليه زكاة فلا تقوم هذه بالزكاة؛ بل عقوبة الزكاة أعظم من حسنة المظالم، والوعيد بترك الزكاة عظيم.

ولكن الذي ورد: أن الفرائض تجبر بالنوافل. فهذا إذا تصدق باختياره صدقة تطوع لا يكون شيئًا خرج بغير اختياره فإنه يرجى له أن يحاسب بما تركه من الزكاة إذا كان من أهلها العازمين على فعلها. «وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن أكملها وإلا قيل انظروا إن كان لعبدي تطوع فيكمل بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حساب ذلك» روى ذلك أحمد في المسند. وهذا لأن التطوع من جنس الفريضة فأمكن الجبران به عند التعذر، كما قال الصديق رضي الله عنه: إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة. فيكون من رحمة الله به أن يجعل النفل مثل الفرض، بمنزلة من أحرم بالحج تطوعًا وعليه فرضه فإنه يقع عن فرضه عند طائفة كالشافعي وأحمد في المشهور.

وكذلك في رمضان عند أبي حنيفة وقول في مذهب أحمد.

وكذلك من شك هل وجب عليه غسل أو وضوء بحدث، أم لا؟ فإنه لا يجب عليه غسل. وكذلك الوضوء عند جمهور العلماء؛ لكن يستحب له التطهر احتياطًا، وإذا فعل ذلك وكان واجبًا عليه في نفس الأمر أجزأ عنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [286/2] .

وكذلك الشارع جعل عمل الغير عنه يقوم مقام فعله فيما عجز عنه: مثل من وجب عليه الحج وهو معضوب، أو مات ولم يحج، أو نذر صومًا أو غيره ومات قبل فعله، فعله عنه وليه. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «دين

ص: 82

الله أحق بالقضاء» أي أحق أن يستوفى من وارث الغريم؛ لأنه أرحم من العباد، فهذا تشهد له الأصول.

أما أن يعتد له بالدين على الناس مع كونه لم يخرج الزكاة. فلا يصح.

نعم لو كان للناس عليه مظالم أو ديون بقدر ما له عند الناس كان يسوغ أن يقال: يحاسب بذلك فيؤخذ حقه من هذا ويصرف إلى هذا كما يفعل في الدنيا بالمدين الذي له وعليه. وكل هذا من حكم العدل بين العباد ولا يظلم ربك أحدًا (1) .

ومن ندم ورد الغصوب بعد موت المغصوب منه كان للمغصوب منه مطالبته في الآخرة لتفويته عليه الانتفاع به في حياته، كما لو مات الغاصب فرده وارثه (2) .

ومن مات معدمًا يرجى أن الله يقضي عنه ما عليه (3) .

وللمظلوم الاستعانة بمخلوق. فإذا خافه فالأولى له الدعاء على من ظلمه.

ويجوز الدعاء بقدر ما يوجبه ألم ظلمه، لا على من شتمه أو أخذ ماله: بالكفر.

ولو كذب عليه لم يفتر عليه، بل يدعو إليه بمن يفتري عليه نظيره. وكذا إن أفسد عليه دينه (4) .

ومن ترك دينه باختياره وقد تمكن من استيفائه فلم يستوفه حتى

(1) مختصر الفتاوى 278-280 فيه زيادات كثيرة ف 2/ 244.

(2)

اختيارات ص166 ف 2/ 244.

(3)

اختيارات ص166 ف 2/ 244.

(4)

اختيارات ص166 ف 2/ 244.

ص: 83

مات. طلب به ورثته. وإن عجز هو وورثته فالمطالبة في الأشبه كما في المظالم للخبر (1) .

ومن أمر رجلاً بإمساك دابة ضارية فجنت عليه ضمنه إن لم يعلمه بها. ويضمن جناية ولد الدابة إن فرط نحو أن يعرفه شموسًا وإلا فلا (2) .

والدابة إذا أرسلها صاحبها بالليل كان مفرطًا، فهو كما إذا أرسلها قرب زرع. ولو كان معها راكب أو قائد أو سائق فما أفسدت بفمها أو يدها فهو عليه؛ لأنه تفريط، وهو مذهب أحمد (3) . لو ادعى صاحب الزرع أن غنم فلان نفشت ليلاً ووجد أثر في الزرع أثر غنم قضي بالضمان على صاحب الغنم. وجعل الشيخ تقي الدين هذا من القيافة في الأموال، وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب (4) .

وقال الشيخ تقي الدين: ومن لم يسد بئره سدًا يمنع من الضرر ضمن ما تلف بها (5) .

ومن العقوبة الثانية: إتلاف الثوبين المعصفرين، كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو، وإراقة عمر اللبن الذي شيب بالماء للبيع.

والصدقة بالمغشوش أولى من إتلافه (6) .

(1) اختيارات ص 166 ف 2/ 244.

(2)

اختيارات ص 165 وإنصاف 6/ 238 ف 2/ 244.

(3)

اختيارات ص 166 ف 2/ 244.

(4)

إنصاف ج 6/ 241 ف 2/ 244.

(5)

إنصاف ج 6/ 236 ف 2/ 244.

(6)

اختيارات ص 166 ف 2/ 245.

ص: 84