المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله وقد اشترى شيئًا - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٤

[ابن تيمية]

الفصل: ولو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله وقد اشترى شيئًا

ولو مات من يتجر لنفسه وليتيمه بماله وقد اشترى شيئًا لم يعرف لمن هو لم يقسم، لم يوقف الأمر حتى يصطلحا كما يقوله الشافعي، بل مذهب أحمد أنه يقرع، فمن قرع حلف وأخذ. ولو مات الوصي وجهل بقاء مال وليه كان دينًا في تركته.

ولا يجوز أن يولى على مال اليتيم إلا من كان قويًا، خبيرًا بما ولي عليه، أمينًا عليه. والواجب إذا لم يكن بهذه الصفة أن يستبدل به غيره (1) .

ولا يقبل من السيد دعوى عدم الإذن لعبده مع علمه بتصرفه، ولو قدر صدقه فتسليطه عليه عدوان. وتردد أبو العباس فيما إذا لم يكن للولي خلاص حق موليه إلا برفع من هو عليه إلى وال يظلمه (2) .

‌باب الوكالة

يجوز أن يوكل من يقبض له شيئًا من الزكاة ما تيسر وإن كان مجهولاً ولا محذور فيه (3) .

قال شيخنا: لو باع أو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل. فلو أقام به بينة ببلد آخر وحكم به حاكم فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه وإلا كان حكمًا على الغائب. ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم فإن كان قد بلغه ذلك نفذ والحكم الناقض له مردود، وإلا وجوده كعدمه. والحاكم الثاني إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو علم ولم يره أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم فحكمه كعدمه. وقبض الثمن من وكيله دليل بقاء وكالته، وأنه قول أكثر العلماء (4) .

(1) اختيارات ص138 ف 2/ 216.

(2)

اختيارات 137، 138 ف 2/ 217، 218.

(3)

مختصر الفتاوى 275 ف 2/ 217.

(4)

فروع 6/ 34 ف 2/ 216.

ص: 31

قال القاضي في مسألة عزل الوكيل بموت الموكل: فأما إن أخرج الموكل عن ملكه مثل إعتاقه العبد وبيعه فإنه تنفسخ الوكالة بذلك. ففرق بين الموت وبين العتق والمبيع بأنه حكم الملك هنا قد زال وهناك السلعة بعد الموت باقية على حكم مالكها.

وما قاله القاضي فيه نظر؛ فإن الانتقال بالموت أقوى منه بالبيع والعتق، فإن هذا يمكن الاحتراز عنه فيكون بمنزلة عزله بالقول وذلك قد زال الملك فيه بفعل الله تعالى.

وإذا تصرف بلا إذن ولا ملك ثم تبين أنه كان وكيلاً أو مالكًا ففي صحة تصرفه وجهان، كما لو تصرف بعد العزل ولم يعلم، فلو تصرف بإذن ثم تبين أن الإذن كان من غير المالك أو المالك أذن له ولم يعلم أو أذن بناءً على جهة، ثم تبين أنه لم يكن يملك الإذن بها بل بغيرها أو بناءً على أنه ملك بشراء ثم تبين له أنه كان وارثًا.

فإن قلنا يصح التصرف في الأول فههنا أولى. وإن قلنا لا يصح هناك فقد يقال يصح هنا. لأنه كان مباحًا له في الظاهر والباطن؛ لكن الذي اعتقده ظاهرًا ليس هو الباطن. فنظيره إذا اعتقد أنه محدث فتطهر ثم تبين فساد طهارته وأنه كان متطهرًا قبل هذا (1) .

ولو وكل شخص شخصًا أن يوكل له فلانًا في بيع ونحوه - فقال الوكيل الأول للوكيل الثاني: بع هذا ولم يشعره أنه وكيل الموكل.

قال أبو العباس: سئلت عن هذه المسألة فقلت: نسبة أنواع التوكيل والموكلين إلى الوكيل كنسبة أنواع التمليك والمملكين إلى الملك. ثم لو ملكه شيئًا لم يحتج أن يبين هل هو من جهته أو من جهة غيره؟ ولا هل هو هبة أو زكاة؟ كما نص عليه أحمد. فذلك لا يحتاج

(1) اختيارات 138، 139 ف 2/ 217.

ص: 32

أن يبين هل هو وكيله أو وكيل فلان؟ وإن كان الحكم فيهما مختلفًا بالنسبة إلى الموكل والمملك (1) .

نقل مهنا في رجل دفع إلى رجل ثوبًا يبيعه فباعه وأخذ الثمن فوهبه المشتري ثوبًا أو منديلاً فنص أنه يكون لصاحب الثوب، ولو نقص المشتري من الثمن درهمًا فإن الضمان على الذي باع الثوب. فقد نص أحمد على أن ما حصل للوكيل من زيادة فهي للبائع وما نقص فهو عليه ولم يفرق بين أن يكون النقص قبل لزوم العقد أو بعده. وينبغي أن يفصل إذالم يلزمه (2) .

والوكيل في الضبط والمعرفة مثل من وكل رجلاً في كتابة ما له وما عليه كأهل الديوان فقوله أولى بالقبول من وكيل التصرف، لأنه مؤتمن على نفس الإخبار بما له وما عليه. وهذه مسألة نافعة.

ونظيرها إقرار كتاب الأمراء وأهل ديوانهم بما عليهم من الحقوق بعد موتهم، وإقرار كتاب السلطان وبيت المال وسائر أهل الديوان بما على جهاتهم من الحقوق، ومن ناظر الوقف وعامل الصدقة بما على الخراج ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا يخرجون عن ولاية أو وكالة.

وإن استعمل الأمير كاتبًا خائنًا أو عاجزًا أثم بما أذهب من حقوق الناس لتفريطه. ومن استأمنه أمير على ماله فخشي من حاشيته إن منعهم من عادتهم المتقدمة لزمه فعل ما يمكنه وهو أصلح للأمير من تولية غيره فيرتع معهم، لا سيما وللأخذ شبهة (3) .

(1) اختيارات 139 ف 2/ 218.

(2)

اختيارات 139 ف 2/ 218.

(3)

اختيارات 140 فيه زيادات ف 2/ 218.

ص: 33

قال في المحرر: وإذا اشترى الوكيل أو المضارب بأكثر من ثمن المثل أو باع بدونه صح ولزمه النقص والزيادة ونص عليه.

قال أبو العباس: وكذلك الشريك والوصي والناظر على الوقف وبيت المال ونحو ذلك.

وقال: هذا ظاهر فيما إذا فرط. وأما إذا احتاط في البيع والشراء ثم ظهر غبن أو عيب لم يقصر فيه فهذا معذور يشبه خطأ الإمام أو الحاكم، ويشبه تصرفه قبل علمه بالعزل. وأبين من هذا الناظر والوصي والإمام والقاضي إذا باع أو أجر أو زارع أو ضارب ثم تبين أنه بدون القيمة بعد الاجتهاد، أو تصرف تصرفًا ثم تبين الخطأ فيه: مثل أن يأمره بعمارة أو غرس ونحو ذلك ثم تبين أن المصلحة كانت في خلافه. وهذا باب واسع. وكذلك المضارب والشريك؛ فإن عامة من يتصرف لغيره بوكالة أو ولاية قد يجتهد ثم يظهر فوات المصلحة أو حصول المفسدة فلا لوم عليه فيهما، وتضمين مثل هذا فيه نظر، وهو شبيه بما إذا قتل في دار الحرب من يظنه حربيًا فبان مسلمًا؛ فإن جماع هذا أنه مجتهد مأمور بعمل اجتهد فيه. وكيف يجتمع عليه الأمر والضمان؟ هذا الضرب هو خطأ في الاعتقاد والقصد لا في العمل، وأصول المذهب تشهد له بروايتين:

قال أبو حفص في المجموع: وإذا سمي له ثمن فنقص منه - نص الإمام أحمد في رواية ابن منصور: إذا أمر رجلاً أن يبيع له شيئًا فباعه بأقل فالبيع جائز وهو ضامن لما نقص.

قال أبو العباس: لعله لم يقبل قولهما على المشتري في تقدير الثمن؛ لأنهما يدعيان فساد العقد وهو يدعي صحته، فكان القول قوله، ويضمن الوكيل النقص (1) .

(1) اختيارات 141 ف 2/ 218.

ص: 34

وإذا وكله أو أوصى إليه أن يتصدق بمال ذكره فإنه يصح، وتعيين المعطى إلى الوكيل أو الوصي. هذا هو الذي ذكره في الوصية، والوكالة مثلها. وكذلك لو وكله أو أوصى إليه بإخراج حجة عنه. وإن وكله أو أوصى إليه أن يقف عنه شيئًا ولم يعين مصرفًا فينبغي أن يكون كالصدقة؛ فإن المصرف للوقف كالمصرف للصدقة، ويبقى إلى الوكيل والوصي تعيين المصرف. وإن عين مصرفًا منقطعًا فينبغي أن يكون إلى الوصي تتميمه بذكر مصرف مؤبد. إلا أن يقال: الصدقة لها جهة معلومة بالشرع والعرف وهم الفقراء، وإنما النظر إلى الوصي في تعيين أفراد الجهة، بخلاف الوقف فإنه لا يتبين له جهة معينة شرعًا ولا عرفًا. فالكلام في هذا ينبغي أن يكون كما لو نذر أن يقف أو يتصدق به.

وحديث أبي طلحة يقتضي أن من نذر الصدقة بمال فإن الأفضل أن يصرفه في أقربيه وإن كان منهم غني، وهذا يقتضي أن الصدقة المطلقة في النذر ليست محمولة على الصدقة الواجبة في الشرع؛ لكن على جنس المستحبة شرعًا. ويتوجه في الوكالة والوصية مثل ذلك.

وشبيه هذا من أصلنا: لو نذر أن يصلي: هل يحمل على أدنى الواجب، أو أدنى التطوع؟ فإن الوكالة والأيمان متشابهات (1) .

والوكيل أمين لا ضمان عليه ولو عزل قبل علمه بالعزل وقلنا ينعزل لعدم تفريطه، وكذلك لا يضمن مشتر منه الأجرة إذا لم يعلم وهو أحد القولين (2) .

ومن وكل في بيع أو استئجار أو شراء فإن لم يسم الموكل في العقد فضامن، وإلا فروايتان. وظاهر المذهب تضمينه (3) .

(1) اختيارات 141، 142 ف 2/ 217.

(2)

اختيارات ص142 ف 2/ 217.

(3)

اختيارات 142 ف 2/ 218.

ص: 35

قال: ومثله الوكيل في الإقراض (1) .

قال القاضي: في المجرد وابن عقيل في الفصول: ولو جاء رجل إلى امرأة فقال: وكلني فلان أن أزوجك له، فرغبت في ذلك وأذنت لوليها في تزويجها. ثم إن ذلك الموكل أنكر أن يكون وكله في التزويج له. فالقول قوله، ولا يلزمه النكاح. ولا تلزم الوكيل؛ بل يحكم ببطلانه. ويتفرع على هذا أن الرجل إذا وكل وكيلاً في أن يتزوج له امرأة فتزوجها فلا بد أن يذكر حال العقد أنه تزوجها لفلان، فإن أطلق ولم يسم الموكل لم يلزمه النكاح في حقه ولا في حق الموكل؛ لأن الظاهر أنه عقد العقد لنفسه ونيته أن يعقد لغيره. وإذا لم يذكر اسم ذلك الغير فقد أخل بالمقصود.

ولو وكله أن يشتري له سلعة فاشتراها لم يشترط في صحة العقد ذكر فلان؛ بل إذا أطلق ونوى الشراء له صح؛ لأن القصد منه حصول الثمن وقد وجد.

وإذا بطل عقد النكاح في حقهما فهل يلزم الوكيل نصف الصداق؟ على روايتين.

قال أبو العباس: فقد جعلا فيما إذا لم يسم الوكيل الموكل في العقد روايتين. وهذا فيه نظر؛ بل إذا قال: زوجتك فلانة. فقال: قبلت، فقد انعقد النكاح في الظاهر للوكيل. فإذا قال: نويت أن النكاح لموكلي. فهو يدعي فساد العقد وأن الزوج غيره فلا يقبل قوله على المرأة إلا أن تصدقه، ولو صدقته لم يلزمه شيء قولاً واحدًا. إلا أن هذا الإنكار من الزوج بخلاف مسألة إنكار الوكالة.

(1) فروع 4/ 353 ف 2/ 218.

ص: 36

ولو قيل: إن النكاح هنا لا يحتمل إلا أن يكون له لكان له وجها (1) .

وقال الأصحاب: ومن ادعى الوكالة في استيفاء حق فصدقه الغريم لم يلزمه الدفع إليه إن صدقه، ولا اليمين إن كذبه.

والذي يجب أن يقال: إن الغريم متى غلب على ظنه أن الموكل لا ينكر وجب عليه التسليم فيما بينه وبين الله، كالذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى وكيله وعلم له علامة فهل يقول أحد: إن ذلك الوكيل لم يكن يجب عليه الدفع؟ وأما في القضاء فإن كان الموكل عدلاً وجب الحكم، لأن العدل لا يجحد. والظاهر أنه لا يستثنى، فإن دفع من عنده الحق إلى الوكيل ذلك الحق ولم يصدقه بأنه وكيل وأنكر صاحب الحق الوكالة رجع عليه وفاقًا ومجرد التسليم ليس تصديقًا. وكذا إن صدقه في أحد قولي أصحابنا؛ بل نص إمامنا، وهو قول مالك؛ لأنه متى لم يتبين صدقه فقد غره.

وكل إقرار كذب فيه ليحصل بما يمكن انتفاؤه فهل يجعل إنشاء: مثل أن تقول: وكلت فلانًا ولم توكله؟ فهو نظير أن يجحد الوصية فهل يكون جحده رجوعًا؟ فيه وجهان (2) .

وإذا اشترى شيئًا من موكله أو موليه كان الملك للموكل والمولى عليه. ولو نوى شراءه لنفسه؛ لأن له ولاية الشراء وليس كالغصب؛ لكن لو نوى أن يقع الملك له وهذه نية محرمة فتقع باطلة، ويصير كأن العقد عري عنها إذا كان يريد النقد من مال المولى عليه والموكل.

قال أبو العباس في تعاليقه القديمة: حديث عروة بن الجعد في شراء الشاة يدل على أن الوكيل في شراء معلوم بثمن معلوم إذا اشترى به أكثر من المقدر جاز له بيع الفاضل. وكذا ينبغي أن يكون الحكم.

(1) اختيارات ص143 ف 2/ 217.

(2)

اختيارات ص143-144 ف 2/ 218.

ص: 37