المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإجارة ويجوز البيع والإجارة في عقد واحد في أظهر قوليهم - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٤

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ ‌باب الإجارة ويجوز البيع والإجارة في عقد واحد في أظهر قوليهم

‌باب الإجارة

ويجوز البيع والإجارة في عقد واحد في أظهر قوليهم (1) .

قال أصحابنا: يستحب أن يعطي الظئر عند الفطام عبدًا أو أمة إذا أمكن؛ للخبر. ولعل هذا للمتبرعة بالرضاع. وأما في الإجارة فلا يفتقر إلى تقدير عوض ولا إلى صيغة؛ بل ما جرت العادة بأنه إجارة تستحق فيه أجرة المثل في أظهر قولي العلماء (2) .

قال ابن منصور: قلت لأحمد: الرجل يستأجر البيت إذا شاء أخرج المستأجر وإذا شاء خرج هو؟ قال: قد وجب فيهما إلى أجله؛ إلا أن يهدم البيت، أو يغرق الدار، أو يموت البعير فلا ينتفع المستأجر بما استأجر فيكون عليه من الأجرة بقدر ما سكن أو ركب، قال القاضي ظاهر هذا أن الشرط الفاسد لا يبطل الإجارة. وقال أبو العباس: هذا اشتراط للخيار، لكنه في جميع المدة مع الإذن في الانتفاع. فإذا ترك الأجير ما يلزمه عمله بلا عذر فتلف ما استؤجر عليه ضمنه (3) .

وتصح إجارة الأرض للزرع ببعض الخارج منها. وهو ظاهر المذهب وقول الجمهور (4) .

ونصوص الإمام أحمد كثيرة في المنع من إجارة المسلم داره من أهل الذمة وبيعها لهم،. واختلف الأصحاب في هذا المنع: هل هو كراهة تنزيه أو تحريم؟ فأطلق أبو علي بن أبي موسى والآمدي الكراهة. وأما الخلال وصاحبه فمقتضى كلامهما وكلام القاضي تحريم ذلك. وكلام أحمد يحتمل الأمرين. وهذا الخلاف عندنا والتردد في الكراهة إنما محله

(1) اختيارات ص155 ف 2/228.

(2)

اختيارات ص156 ف 2/228.

(3)

اختيارات ص157 ف 2/228.

(4)

اختيارات ص157 ف 2/228.

ص: 45

إذا لم يعقد الإجارة على المنفعة المحرمة، فأما إذا أجره إياها لأجل بيع الخمر أو اتخاذها كنيسة أو بيعة لم يجز قولاً واحدًا (1) .

فصل

قال ابن القيم رحمه الله:

فإن قيل: فما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه، أم يطيب لها أم تتصدق به؟ إلى أن قال:

وقال توقف شيخنا في وجوب رد هذه المنفعة المحرمة على باذله والصدقة به في كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» وقال: الزاني ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم فاستوفوا العوض المحرم، والتحريم الذي فيه ليس لحقهم وإنما هو لحق الله تعالى، وقد فاتت هذه المنفعة بالقبض، والأصول تقتضي أنه إذا رد أحد العوضين رد الآخر. فإن تعذر على المستأجر رد المنفعة لم يرد عليه المال، وهذا الذي استوفيت منفعته عليه ضرر في أخذ منفعته وأخذ عوضها جميعًا منه؛ بخلاف ما إذا كان العوض خمرًا أو ميتة فإن تلك لا ضرر عليه في فواتها، فإنها لو كانت باقية أتلفناها عليه، ومنفعة الغناء والنوح لو لم تفت لتوفرت عليه بحيث يتمكن من صرف تلك المنفعة في أمر آخر أعني من صرف القوة التي عمل بها.

ثم أورد على نفسه سؤالاً فقال: فيقال على هذا فينبغي أن يقضوا بها إذا طالب بقبضها.

وأجاب عنه بأن قال: نحن لا نأمر بدفعها ولا ردها كعقود الكفار

(1) اختيارات ص156 ف 2/229.

ص: 46

المحرمة؛ فإنهم إذا أسلموا قبل القبض لم يحكم بالقبض، ولو أسلموا بعد القبض لم يحكم بالرد، ولكن المسلم تحرم عليه هذه الأجرة لأنه كان معتقدًا لتحريمها بخلاف الكافر؛ وذلك لأنه إذا طلب الأجرة فقلنا له: أنت فرطت حيث صرفت قوتك في عمل يحرم فلا يقضى لك بالأجرة. فإذا قبضها وقال الدافع هنا المال اقضوا له برده فإني أقبضته إياه عوضًا عن منفعة محرمة. قلنا له: دفعته معاوضة رضيت بها، فإذا طلبت استرجاع ما أخذ فاردد إليه ما أخذت إذا كان له في بقائه معه منفعة. فهذا محتمل.

قال: وإن كان ظاهر القياس ردها لأنها مقبوضة بعقد فاسد. انتهى.

إلى أن قال ابن القيم رحمه الله: فأما إذا استأجره لحمل الخمر ليريقها أو لينقل الميتة إلى الصحراء لئلا يتأذى بها فإن الإجارة تجوز حينئذ؛ لأنه عمل مباح؛ لكن إذا كانت الأجرة جلد الميتة لم تصح واستحق أجرة المثل، وإن كان قد سلخ الجلد وأخذه رده على صاحبه. هذا قول شيخنا.

قال ابن القيم: وقد نص أحمد رحمه الله نفي رواية أبي النضر فيمن حمل خمرًا أو خنزيرًا لنصراني أكره أكل كرائه ولكن نقضي للحمال بالكراء، وإذا كان لمسلم فهو أشد كراهة، فاختلف أصحابه في هذا النص على ثلاث طرق.

أحدها: إجراؤه على ظاهره وأن المسألة رواية واحدة، قال ابن أبي موسى: وكره أحمد أن يؤجر المسلم نفسه لحمل ميتة أو خنزير لنصراني، فإن فعل قضي له بالكراء. وهل يطيب له أم لا؟ على وجهين:

إلى أن قال: قال شيخنا رضي الله عنه: والأشبه طريقة ابن أبي

ص: 47

موسى - يعني أنه يقضى له بالأجرة وإن كانت المنفعة محرمة، ولكن لا يطيب له أكلها. قال: فإنها أقرب إلى مقصود أحمد رحمه الله وأقرب إلى القياس، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن عاصر الخمر ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه» فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعة تستحق عوضًا، وهي ليست محرمة في نفسها وإنما حرمت بقصد المعتصر والمحتمل، فهو كما لو باع عنبًا وعصيرًا لمن يتخذه خمرًا، وفات العصير والخمر في يد المشتري فإن مال البائع لا يذهب مجانًا؛ بل يقضي له بعوضه، كذلك هنا المنفعة التي وفاها المؤجر لا تذهب مجانًا بل يعطى بدلها، فإن تحريم الانتفاع بها إنما كان من جهة المستأجر لا من جهة المؤجر؛ فإنه لو حملها للإراقة أو لإخراجها إلى الصحراء، خشية التأذي بها جاز. ثم نحن نحرم الأجرة عليه لحق الله سبحانه لا لحق المستأجر والمشتري، بخلاف من استؤجر للزنا أو للتلوط أو القتل أو السرقة؛ فإن نفس هذا العمل محرم لأجل قصد المستأجر، فهو كما لو باع ميتة أو خمرًا فإنه لا يقضى له بثمنها؛ لأن نفس هذه العين محرمة، وكذلك يقضى له بعوض هذه المنفعة المحرمة.

قال شيخنا: ومثل هذه الإجارة الجعالة - يعني الإجارة على حمل الخمر والميتة - لا توصف بالصحة مطلقًا؛ بل يقال: هي صحيحة بالنسبة إلى المستأجر بمعنى أنه يجب عليه العوض. وفاسدة بالنسبة إلى الأجير بمعنى أنه يحرم عليه الانتفاع بالأجرة، ولهذا في الشريعة نظائر. قال: ولا ينافي هذا نص أحمد رحمه الله على كراهة نظارة كرم النصراني فإنا ننهاه عن هذا الفعل وعن عوضه ثم نقضي له بكرائه. قال: ولو لم يفعل هذا لكان في هذا منفعة عظيمة للعصاة، فإن كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصلوا غرضهم منه فإذا لم يعطوه شيئًا ووجب أن يرد عليهم ما أخذ منهم كان ذلك أعظم العون لهم، وليسوا أهلاً بأن يعانوا على ذلك، بخلاف من أسلم لهم عملاً لا قيمة

ص: 48

له بحال - يعني كالزانية والمغني والنائحة- فإن هؤلاء لا يقضى لهم بأجرة. ولو قبضوا منهم المال فهل يلزمهم رده عليهم أم يتصدقون به؟ فقد تقدم الكلام مستوفى في ذلك، وبينا أن الصواب أنه لا يلزمهم رده، ولا يطيب لهم أكله، والله الموفق للصواب (1) .

شروط الإجارة

ويجوز إجارة ماء قناة مدة وماء فائض بركة رأياه (2) ولو استأجر تفاحة للشم يحتمل الجواز (3) .

وشمع ليشعله، وجعله شيخنا مثل كل شهر بدرهم، فمثله في الأعيان نظير هذه المسألة في المنافع، ومثله كلما أعتقت عبدًا من عبيدك فعلي ثمنه فإنه يصح وإن لم يبين العدد والثمن، وهو إذن في الانتفاع بعوض، واختار جوازه، وأنه ليس بلازم بل جائز كالجعالة وكقوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، فإنه جائز، أو: من لقي كذا فله كذا (4) . ويجوز للمؤجر إجارة العين المؤجرة من غير المستأجر في مدة الإجارة، ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر الأول. وغلط بعض الفقهاء فأفتى في نحو ذلك بفساد الإجارة الثانية ظنًا منه أن هذا كبيع المبيع وأنه تصرف فيما لا يملك، وليس كذلك، وهو تصرف فيما استحقه على المستأجر (5) .

ويجوز للمستأجر إجارة العين المؤجرة لمن يقوم مقامه بمثل الأجرة وزيادة، وهو ظاهر مذهب أحمد والشافعي. فإن شرط المؤجر

(1) زاد المعاد ج4/252-254 ف 2/ 229.

(2)

اختيارات ص151 والإنصاف ج6/ 30 فيه زيادة ف 2/ 229.

(3)

اختيارات ص155 ف 2/ 230.

(4)

فروع ج 4/ 228، 229 فيه زيادة ف 2/ 230.

(5)

اختيارات 151، 152 ف 2/ 230.

ص: 49

على المستأجر ألا يستوفي المنفعة إلا بنفسه أو ألا يؤجرها إلا لعدل أو لا يؤجرها من زيد قال أبو العباس: فقياس المذهب فيما أراه أنها شروط صحيحة؛ لكن لو تعذر على المستأجر الاستيفاء بنفسه لمرض أو تلف مال أو إرادة سفر ونحو ذلك فينبغي أن يثبت له الفسخ، كما لو تعذر تسليم المنفعة (1) .

وليس للوكيل أن يطلق في الإجارة مدة طويلة بل العرف كسنتين ونحوهما. وإذا شرط الواقف أن النظر للموقوف عليه أو أتى بلفظ يدل على ذلك فأفتى بعض أصحابنا أن إجارته كإجارة الظئر. وعلى ما ذكره ابن حمدان ليس كذلك وهو الأشبه (2) .

وقال: ابن رجب: أما إذا شرطه للموقوف عليه أو أتى بلفظ يدل على ذلك فأفتى بعض المتأخرين بإلحاقه بالحاكم ونحوه وأنه لا ينفسخ قولاً واحدًا، وأدخله ابن حمدان في الخلاف. قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: وهو الأشبه (3) .

وقال وتنفسخ إجارة البطن الأول إذا انتقل الوقف إلى البطن الثاني في أصح الوجهين (4) .

وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إن كان قبضها المؤجر رجع بذلك في تركته، فإن لم تكن تركة فأفتى بعض أصحابنا بأنه إذا كان الموقوف عليه هو الناظر فمات فللبطن الثاني فسخ الإجارة والرجوع بالأجرة على من هو في يده، اهـ

(1) اختيارات ص 152 فيه زيادة ف 2/230.

(2)

اختيارات ص 154 ف 2/230.

(3)

الإنصاف ج 6/ 37 ف 2/ 231.

(4)

اختيارات ص154 والإنصاف 6/ 36 ف 2/ 231.

ص: 50

وقال أيضًا: والذي يتوجه أولاً أنه لا يجوز سلف الأجرة للموقوف عليه، لأنه لا يستحق المنفعة المستقبلة ولا الأجرة عليها فالتسليف لهم قبض ما لا يستحقونه، بخلاف المالك. وعلى هذا فللبطن الثاني أن يطالبوا بالأجرة المستأجر، لأنه لم يكن له التسليف، ولهم أن يطالبوا الناظر (1) .

والاستئجار على نفس تلاوة القرآن غير جائز، وإنما النزاع في التعليم ونحوه مما فيه مصلحة تصل إلى الغير. والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله وما وقع بالأجر من النقود ونحوها فلا ثواب فيه وإن قيل: يصح الاستئجار عليه.

فإذا أوصى الميت أن يعمل له ختمة فينبغي أن يتصدق بذلك على المحاويج من أهل القرآن أو غيره فذلك أفضل وأحسن (2) .

وإذا كان المعلم يقرئ فأعطي شيئًا جاز له أخذه عند أكثر العلماء (3) .

ولا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت؛ لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن في ذلك. وقد قال العلماء: إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأي شيء يهدى للميت؟ وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح.

والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة؛ وإنما تنازعوا في الاستئجار على التعليم.

ولا بأس بجواز أخذ الأجرة على الرقية نص عليه أحمد.

(1) الإنصاف ج 6/ 37، 38 ف 2/ 231.

(2)

مختصر الفتاوى 170 ف 2/ 231، 232.

(3)

مختصر الفتاوى 64 ف 2/ 231، 96.

ص: 51

والمستحب أن يأخذ الحاج عن غيره ليحج؛ لا أن يحج ليأخذ. فمن أحب إبراء ذمة الميت أو رؤية المشاعر يأخذ ليحج. ومثله كل رزق أخذ على عمل صالح. ففرق بين من يقصد الدين والدنيا وسيلة، وعكسه. فالأشبه أن عكسه ليس له في الآخرة من خلاق. والأعمال التي يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة هل يجوز إيقاعها على غير وجه القربة؟ فمن قال: لا يجوز ذلك لم يجز الإجارة عليها؛ لأنها بالعوض تقع غير قربة «إنما الأعمال بالنيات» والله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه. ومن جوز الإجارة جوز إيقاعها على غير وجه القربة، وقال: تجوز الإجارة عليها لما فيها من نفع المستأجر.

وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضًا وأجرة؛ بل رزق للإعانة على الطاعة. فمن عمل منهم لله أثيب، وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة، وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به كذلك، والمنذور كذلك، ليس كالأجرة والجعل في الإجارة والجعالة الخاصة (1) .

قال أبو طالب: سألت أبا عبد الله عن الرجل يغسل الميت بكراء؟ قال: بكراء؟! واستعظم ذلك. قلت: يقول: أنا فقير. قال: هذا كسب سوء. ووجه هذا أن تغسيل الموتى من أعمال البر، والتكسب بذلك يورث تمني موت المسلمين فيشبه الاحتكار (2) .

واتخاذ الحجامة صناعة يتكسب بها هو مما نهي عنه عند إمكان الاستغناء عنه؛ فإنه يفضي إلى كثرة مباشرة النجاسات والاعتناء بها؛ لكن إذا عمل ذلك العمل بالعوض استحقه، وإلا فلا يجمع عليه استعماله في مباشرة النجاسة وحرمانه أجرته. ونهي عن أكله مع الاستغناء عنه مع أنه

(1) اختيارات ص152، 153 ولها نظائر لا من كل وجه ف 2/30، 231.

(2)

اختيارات ص 156 ف 2/ 232.

ص: 52

ملكه. وإذا كانت عليه نفقة رقيق أو بهائم يحتاج إلى نفقتها أنفق عليها من ذلك لئلا يفسد ماله. وإذا كان الرجل محتاجًا على هذا الكسب ليس له ما يغنيه عنه إلا مسألة الناس فهو خير له من مسألة الناس، كما قال بعض السلف: كسب فيه دناءة خير من مسألة الناس (1) .

وإذا كان اليهودي أو النصراني خبيرًا بالطب ثقة عند الإنسان جاز له أن يستطبه كما يجوز له أن يودعه المال وأن يعامله، وقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مشركًا لما هاجر وكان هاديًا خريتًا ماهرًا بالهداية إلى الطريق من مكة إلى المدينة وائتمنه على نفسه وماله، وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمهم وكافرهم. وقد روي أن الحارث بن كلدة - وكان كافرًا- أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستطبوه.

وإذا وجد طبيبًا مسلمًا فهو أولى، وأما إذا لم يجد إلا كافرًا فله ذلك. وإذا خاطبه بالتي هي أحسن كان حسنًا (2) .

وإن أكراه كل شهر بدرهم، وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة

ظاهر قوله: ولكل واحد منهما الفسخ عند تقضي كل شهر، أن الفسخ يكون قبل دخول الشهر الثاني، وهو اختيار أبي الخطاب والشارح والشيخ تفي الدين رحمه الله (3) .

وإن أجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرًا بالعدد، وسائرها بالأهلة. وعنه يستوفي الجميع بالعدد. وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله إلى مثل تلك الساعة (4) .

قوله: استوفى شهرًا بالعدد يعني ثلاثين يومًا. وقال الشيخ تقي

(1) إنصاف 6/ 21 ف 2/232.

(2)

اختيارات ص158 ف 2/ 232.

(3)

إنصاف 6/ 21 ف 2/232.

(4)

إنصاف 6/ 44 ف 2/232.

ص: 53

الدين رحمه الله: إنما يعتبر الشهر الأول بحسب تمامه ونقصانه، فإن كان تامًا كمل تامًا وإن كان ناقصًا كمل ناقصًا (1) .

قال القاضي في التعليق: إذا دفع إلى دلال ثوبًا أو دارًا وقال له: بع هذا فمضى وعرض ذلك على جماعة مشترين وعرف ذلك صاحب المبيع فامتنع من البيع وأخذ السلعة ثم باعها هو من ذلك المشتري أو من غيره لم تلزمه أجرة الدلال للمبيع؛ لأن الأجرة إنما جعلها في مقابلة العقد ولم يحصل ذلك. قال أبو العباس: الواجب أن يستحق من الأجرة بقدر ما عمل، وهذه من مسائل الجعالات (2) .

ولو اضطر ناس إلى السكن في بيت إنسان لا يجدون سواه أو النزول في خان مملوك أو رحى للطحن أو لغير ذلك من المنافع وجب بذله بأجرة المثل بلا نزاع، والأظهر أنه يجب بذله مجانًا، وهو ظاهر المذهب (3) .

وترك القابلة ونحوها الأجرة لحاجة المقبولة أفضل من أخذها منها والصدقة بها (4) .

وقال الشيخ تقي الدين فيمن احتكر أرضًا بنى فيها مسجدًا أو بناء وقفه عليه: متى فرغت المدة وانهدم البناء زال حكم الوقف وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء قائمًا فيها فعليه أجرة المثل كوقف علو دار أو دار مسجدًا؛ فإن وقف علو ذلك لا يسقط حق ملاك السفل، كذلك وقف البناء لا يسقط حق ملاك الأرض (5) .

(1) إنصاف 6/ 44 ف 2/ 232.

(2)

اختيارات ص 157 ف 2/ 232.

(3)

اختيارات ص 152 فيه زيادة ف 2/ 233.

(4)

اختيارات ص 156 ف 2/ 233.

(5)

إنصاف 6/ 84 ف 2/ 233.

ص: 54

وإن ركن المؤجر إلى شخص ليؤجره لم يجز لغيره الزيادة عليه. فكيف إذا كان المستأجر ساكنًا في الدار؟ فإنه لا يجوز الزيادة على ساكن الدار.

وإذا وقعت الإجارة صحيحة فهي لازمة من الطرفين ليس للمؤجر الفسخ لأجل زيادة حصلت باتفاق الأئمة. وما ذكره بعض متأخري الفقهاء من التفريق بين أن تكون الزيادة بقدر الثلث فتقبل الزيادة أو أقل فلا تقبل فهو قول مبتدع لا أصل له عن أحد من الأئمة لا في الوقف ولا في غيره. وإذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور لم تلزمه اتفاقًا.

ولو التزمها بطيب نفس منه ففي لزومها قولان. فعند الشافعي وأحمد لا تلزمه أيضًا؛ بناء على أن إلحاق الزيادة والشروط بالعقود اللازمة لا تلحق. وتلزمه إذا فعلها بطيب نفس منه متبرعًا بذلك في القول الآخر، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في القول الآخر، بناءً على أنه تلحقه الزيادة بالعقود اللازمة. لكن إذا كان قد علم أن العادة لم تجر بأن أحد هؤلاء يقبلها بطيب نفسه ولكن خوفًا من الإخراج فحينئذ لا تلزمهم بالاتفاق؛ بل لهم استرجاعها ممن قبضها منهم (1) .

وإن استأجر أرضًا فعند انعقاد الحب أمطرت السماء حجارة أهلكت زرعه قبل حصاده سقط العشر. وفي وجوب الأجرة نزاع.

والأظهر أنه إن لم يكن تمكن من استيفاء المنفعة المقصودة بالعقد فلا أجرة (2) .

وإن وجد العين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ. قال الشيخ

(1) اختيارات ص 154، 155 ف 2/ 233.

(2)

مختصر الفتاوى ص 275 ف 2/ 233.

ص: 55

تقي الدين رحمه الله: إن لم نقل بالأرش فورود ضعفه على أصل الإمام أحمد رحمه الله بين (1) .

وإن تعذر زرعها فله الخيار، وكذا لقلة ماء قبل زرعها أو بعده، أو عابت بغرق تعيب به بعض الزرع. واختار شيخنا أو برد أو فأر أو عذر، قال: فإن أمضى فله الأرض كعيب الأعيان، وإن فسخ فعليه القسط قبل القبض، ثم أجرة المثل إلى كماله، قال: وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقًا (2) .

وأجرة المثل ليست شيئًا محدودًا، وإنما هو ما يساوي الشيء في نفوس أهل الرغبة. ولا عبرة بما يحدث في أثناء المدة من ارتفاع الكراء أو انخفاضه (3) .

قال شيخنا: ولو أنزاه على فرسه فنقص ضمن نقصه (4) .

وإذا بيعت العين المؤجرة أو المرهونة ونحوهما مما تعلق به حق لغير البائع وهو عالم بالعيب فلم يتكلم فينبغي أن يقال: لا يملك المطالبة بفساد البيع بعد هذا؛ لأن إخباره بالعيب واجب عليه بالسنة بقوله: «ولا يحل لمن علم ذلك إلا أن يبينه» فكتمانه تغرير، والغار ضامن. وكذا ينبغي أن يقال فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه.

وفي جميع المواضع فإن المذهب أن السكوت لا يكون إذنًا. فلا يصح التصرف؛ لكن إذا لم يصح يكون تغريرًا فيكون ضامنًا بحيث أنه ليس له أن يطالب المشتري بالضمان؛ فإن ترك الواجب عندنا كفعل المحرم، كما يقال فيمن قدر على إنجاء إنسان من هلاكه؛ بل الضمان هنا أقوى.

(1) إنصاف ج 6/ 66، 67 ف 2/ 234.

(2)

فروع ج 4/ 448، فيه زيادة ف 2/ 235.

(3)

اختيارات ص155 ف 2/ 235.

(4)

فروع 4/ 428، ف 2/ 234.

ص: 56