المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب وليمة العرس - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٤

[ابن تيمية]

الفصل: ‌باب وليمة العرس

والفرقة إن كانت من جهتها فهي كإتلاف البائع. فيخير على المشهور بين مطالبتها بمهر المثل وضمان المسمى لها وبين إسقاط المسمى (1) .

‌باب وليمة العرس

الوليمة تختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروذي. وقيل: تطلق على كل طعام لسرور حادث، وقاله القاضي في «الجامع» .

وقيل: تطلق على ذلك إلا أنه في العرس أظهر (2) .

تستحب الوليمة بالعقد

وقال الشيخ تقي الدين: تستحب بالدخول (3) .

ووقت الوليمة في حديث زينب وصفته تدل على أنه عقب الدخول (4) .

والإجابة إليها واجبة. وقيل: مستحبة، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله (5) .

قال في الترغيب والبلغة: إن علم حضور الأرذال ومَنْ مجالستهم تزري بمثله لم تجب إجابته. قال الشيخ تقي الدين على هذا القول: لم أره لغيره من أصحابنا. قال: وقد أطلق الإمام أحمد رحمه الله الوجوب واشتراط الحل وعدم المنكر. فأما هذا الشرط فلا أصل له، كما أن

(1) اختيارات 240 ف 2/ 296.

(2)

اختيارات 240، 241 ف 2/ 296.

(3)

إنصاف 8/ 317 ف 2/ 296.

(4)

اختيارات 240 ف 2/ 296.

(5)

إنصاف 8/ 318 ف 2/ 296.

ص: 205

مخالطة هؤلاء في صفوف الصلاة لا تسقط الجماعة، وفي الجنازة لا تسقط حق الحضور، فكذلك ههنا. وهذه شبهة الحجاج بن أرطاة، وهو نوع من التكبر فلا يلتفت إليه. نعم إن كانوا يتكلمون بكلام محرم فقد اشتملت الدعوة على محرم، وإن كان مكروهًا فقد اشتملت على مكروه، وأما إن كانوا فساقًا لكن لا يأتون بمحرم ولا مكروه لهيبته في المجلس فيتوجه أن يحضر إذا لم يكونوا ممن يهجرون مثل المستترين. أما إن كان في المجلس من يهجر ففيه نظر. والأشبه جواز الإجابة لا وجوبها. اهـ (1) .

وقال أبو داود: قيل لأحمد تجيب دعوة الذمي؟ قال: نعم. قال الشيخ تقي الدين: قد يحمل كلامه على الوجوب (2) .

والدعاء إلى الوليمة إذن في الأكل والدخول، قاله في المغني. وقال في المحرر: لا يباح الأكل إلا بصريح إذن أو عرف، وكلام الشيخ عبد القادر يوافقه، وما قالاه مخالف لما عليه عامة الأصحاب (3) .

وأعدل الأقوال إنه إذا حضر الوليمة، وهو صائم إن كان ينكسر قلب الداعي بترك الأكل فالأكل أفضل. وإن لم ينكسر قلبه فإتمام الصوم أفضل.

ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في تناول الطعام للمدعو إذا امتنع، فإن كلا الأمرين جائز. ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع، فإن فطره جائز. فإن كان ترك الجائز مستلزما لأمور محذورة ينبغي أن يفعل ذلك الجائز، وربما يصير واجبا (4)

(1) الإنصاف 8/319 ف 2/296.

(2)

إنصاف 8/320 ف 2/296.

(3)

اختيارات 242 ف 2/296.

(4)

اختيارات 240 ف 2/296.

ص: 206

والأشبه جواز الأجابة لا وجوبها إذا كان في مجلس الوليمة من يهجره (1) .

والحضور مع الإنكار المزيل على قول عبد القادر هو حرام، وعلى قول القاضي والشيخ أبي محمد هو واجب. والأقيس بكلام الإمام أحمد في التخيير عند المنكر المعلوم غير المحسوس أن يخير بينهما أيضا، وإن كان الترك أشبه بكلامه لزوال المفسدة بالحضور والإنكار؛ لكن لا يجب لما فيه من تكليف الإنكار. ولأن الداعي أسقط حرمته باتخاذه المنكر.

ونظر هذا إذا مر بمتلبس بمعصية هل يسلم عليه، أو يترك التسليم؟

وإن خافا أن يأتوا بالمحرم ولم يغلب على ظنهم أحد الطرفين فقد تعارض الواجب وهو الدعوة والمبيح وهو خوف شهود الخطيئة فينبغي ألا يجب؛ لأن الموجب لم يسلم من المعارض المساوي، ولا يحرم؛ لأن المحرم كذلك؛ فينتفي الوجوب والتحريم وينبغي الجواز.

ونصوص الإمام أحمد كلها تدل على المنع من اللبث في المكان المضر. وقاله القاضي، وهو لازم للشيخ أبي محمد حيث جزم بمنع اللبث في مكان فيه الخمر وآنية الذهب والفضة، ولذلك مأخذان.

أحدهما: أن إقرار ذلك في المنزل منكر فلا يدخل إلى مكان فيه ذلك. وعلى هذا فيجوز الدخول إلى دور أهل الذمة وكنائسهم وإن كانت فيها صور؛ لأنهم يقرون على ذلك فإنهم لا ينهون عن ذلك كما ينهون عن إظهار الخمر. وبهذا يخرج الجواب عما احتج به أبو محمد. ويكون منع الملائكة سببًا لمنع كونها في المنزل.

(1) اختيارات 241 ف 2/297.

ص: 207

وعلى هذا فلو كان في الدعوة كلب لا يجوز اقتناؤه لم تدخل الملائكة أيضا بخلاف الجنب، فإن الجنب لا يطول بقاؤه جنبا فإنما تمتنع الملائكة من الدخول إذا كان الجنب هناك زمنا يسيرا.

والثاني أن يكون نفس اللبث محرما أو مكروها. ويستثنى من ذلك أوقات الحاجة، كما في حديث عمر وغيره، تكون العلة ما يكتسبه المنزل من الصورة المحرمة حتى إنه لا يدخل منازل أهل الذمة.

ورجح أبو العباس في موضع آخر عدم الدخول في بيعة فيها صور، وأنها كالمسجد على القبر (1) .

وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما. وعنه يكره. وعنه مع صورة. وظاهر كلام جماعة تحريم دخوله معهما، وقاله شيخنا، وأنه كالمسجد على القبر. وقال: وليست ملكًا لأحد، وليس لهم منع من يعبد الله، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرًا.

ويحرم شهود عيد ليهود أو نصارى لقوله تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} نقله مهنا، وقاله الآمدي، وترجمه الخلال بالكراهة، وفيه تنيبه على المنع أن يفعل كفعلهم قاله شيخنا؛ لا البيع لهم فيها نقله مهنا، وحرمه شيخنا، وخرجه على ما ذكره من روايتين منصوصتين في حمل التجارة إلى دار حرب، وأن مثلها مهاداتهم لعيدهم، وجزم غيره بكراهة التجارة والسفر إلى أرض كفر ونحوه. وقال شيخنا أيضا: لا يمنع منه إذا لم يلزموه بفعل محرم أو ترك واجب وينكر ما يشاهده من المنكر بحسبه قال: ويحرم بيع ما يعملونه كنيسة أو تمثالاً ونحوه. قال: ولك ما فهي تخصيص لعيدهم وتمييز له فلا أعلم خلافا أنه من التشبه والتشبه بالكفار منهي عنه. (ع) قال: ولا ينبغي إجابة هذه

الوليمة. قال: ولما صارت العمامة الصفراء والزرقاء من شعارهم لم يجز

(1) اختيارات 242 ف 2/297.

ص: 208

لبسها فكيف بمن يشاركهم في عباداتهم وشرائع دينهم؟ بل ليس لمسلم أن يحضر مواسمهم بشيء مما يخصونها به، وليس لمسلم أن يجيب دعوة مسلم في ذلك، ويحرم الأكل والذبح ولو أنه فعله ولأنه اعتاده وليفرح أهله، ويعزر إن عاد (1) .

وقد نص الإمام أحمد على أن الرجل إذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرًا يقدر على إزالته أنه لا يرجع، ونص على أنه إذا دعي إلى وليمة عرس فرأى فيها منكرًا لا يقدر على إزالته أنه يرجع.

فسألت شيخنا عن الفرق، فقال: لأن الحق في الجنازة للميت، فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر. والحق في الوليمة لصاحب البيت، فإذا أتى فيها بالمنكر فقد أسقط حقه من الإجابة (2) .

قال المروذي: سألت أبا عبد الله عن الجوز ينثر؟ فكرهه. وقال: يعطون أو يقسم عليهم. وقال في رواية إسحاق بن هانئ: لا يعجبني انتهاب الجوز وأن يؤكل منه والسكر كذلك.

قال القاضي: يكره الأكل مما التقطه من النِّثار سواء أخذه هو أو أخذه ممن أخذه. وقول الإمام أحمد: هذه نهبة، يقتضي التحريم، وهو قوي. وأما الرخصة المحضة فتبعد جدًا (3) .

وكسب المغني خبيث باتفاق الأئمة. والمغني خارج عن العدالة (4) .

وذكر الشيخ تقي الدين في الكلام على حديث ابن عمر: «أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وسمع زمارة راع وسد أذنيه» قال: لم يعلم أن الرقيق كان

(1) فروع 5/ 308 فيه زيادات حتى عما في الاختيارات ف 2/ 297.

(2)

أعلام الموقعين 4/ 209 ف 2/ 297.

(3)

اختيارات 244 ف 2/ 297.

(4)

مختصر الفتاوى 606 ف2/ 297.

ص: 209