المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آداب الأكل والشرب - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٤

[ابن تيمية]

الفصل: ‌آداب الأكل والشرب

بالغًا فلعله كان صغيرًا دون البلوغ، والصبيان رخص لهم في اللعب ما لم يرخص فيه للبالغ. انتهى كلامه.

وذكر الأصحاب وغيرهم أن سماع المحرم بدون استماعه -وهو قصد السماع- لا يحرم وذكر الشيخ تقي الدين أيضًا وزاد باتفاق المسلمين. قال: وإنما سد النبي صلى الله عليه وسلم أذنيه مبالغة في التحفظ، فبين بذلك الامتناع من أن يسمع ذلك خير من السماع (1) .

‌آداب الأكل والشرب

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ. فَقَالُوا: أَلَا نَأْتِيْكَ بوضُوْء؟ قالَ: إنَّما أمُرْتُ بِالوُضُوْءِ إِذَا قُمْتُ إلى الصَّلاةِ» رواه جماعة منهم الترمذي وحسنه والبيهقي وصححه. وذكر الشيخ تقي الدين أن هذا ينفي وجوب الوضوء عند كل حدث، وأن قوله صلى الله عليه وسلم «مَا دَخَلْتُ الجنَّةَ إلَاّ سَمِعْتُ خَشْخَشَتَهُ أَمَامِيْ» الحديث يقتضي استحباب الوضوء عند كل حدث. وقال البيهقي: الحديث في غسل اليدين بعد الطعام حسن، ولم يثبت في غسل اليدين قبل الطعام حديث. قال جماعة من العلماء: المراد بالوضوء في هذه الأحاديث غسل اليدين لا الوضوء الشرعي. وقال الشيخ تقي الدين: ولم نعلم أحدًا استحب الوضوء للأكل إلا إذا كان الرجل جنبًا. انتهى كلامه (2) .

وأكل النساء الأجانب مع الرجل لا يفعل إلا لحاجة: من ضيق المكان، أو قلة الطعام، ومع ذلك فلا تكشف وجهها للأجانب،

ولا يلقمها الأجنبي، ولا تلقمه. ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمو؟ قال:

(1) الآداب 1/ 206 فيه زيادة ف 2/ 298.

(2)

الآداب 3/ 222 ف 2/ 298.

ص: 210

«الْحَمُو المَوْتُ» والحمو أخو الزوج ونحوه، دون أبيه فإنه محرم. وفي الحديث:«لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ دَيُّوْثٌ» ، وهو الذي لا غيرة له، بل إذا رأى في أهله شيئًا لم ينكره (1) .

ويقول عند الأكل: باسم الله. فإن زاد «الرحمن الرحيم» كان حسنًا؛ فإنه أكمل؛ بخلاف الذبح فإنه قد قيل إن ذلك لا يناسب (2) .

وقال ابن أبي موسى: وإذا أكلت أو شربت فواجب عليك أن تقول: باسم الله، وتتناول بيمينك.

قال الشيخ تقي الدين: كلام ابن أبي موسى فيه وجوب التسمية، والتناول باليمين. فينبغي أن يقول: يجب الاستنجاء باليسرى ومس الفرج بها دون اليمنى. ربما لين النهي في كليهما (3) .

قال الشيخ عبد القادر وغيره: يكره الأكل على الطريق. قال: ويستحب أن يبدأ بالملح، ويختم به. قال الشيخ تقي الدين فقد زاد الملح (4) .

هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس؟

كلام الإمام أحمد رحمه الله في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل، وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات إلا ما استثناه الشرع (5) .

ويكره القران في التمر. وقيل: مع الشركاء فيه لا وحده ولا مع أهله ولا مع من أطعمهم ذلك.

(1) مختصر الفتاوى 32 ف 2/ 298.

(2)

فروع 5/ 300 واختيارات 245 ف 2/ 298.

(3)

الآداب 3/ 168 وتقدم بعضه في الاستنجاء ف 2/ 298.

(4)

الآداب 3/ 210 والإنصاف 8/ 332 ف 2/ 299.

(5)

الآداب 3/ 231 ف 2/ 299.

ص: 211

قال الشيخ تقي الدين: وعلى قياسه قران كل ما العادة جارية بتناوله أفرادًا (1) .

قال ابن الجوزي: ولا يكثر النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام؛ فإنه دليل منه على الشره. وهذا منه يدل على أنه لا ينبغي فعل ما يدل على الشره، ومنه الأكل الكثير الذي يخرج به عن العادة في ذلك الوقت. ولهذا كان الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا دعي أكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه (2) .

ويسن أن يصغر اللقم، ويجيد المضغ. قال الشيخ تقي الدين: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من إطالة الأكل. وقال أيضًا: هو نظير ما ذكره الإمام أحمد من استحباب تصغير الأرغفة (3) .

وكره شيخنا أكله حتى يتخم، وحرمه أيضًا، وحرم أيضًا الإسراف، وهو مجاوزة الحد (4) .

واختلف كلام أبي العباس في أكل الإنسان حتى يتخم: هل يكره، أو يحرم؟ وجزم أبو العباس في موضع آخر بتحريم الإسراف وفسره بمجاوزة الحد (5) .

وعن سمرة بن جندب أنه قيل له: إن ابنك بات البارحة بشمًا. قال: أما لو مات لم أصل عليه. قال الشيخ تقي الدين: يعني أنه أعان على قتل نفسه، فيكون كقاتل نفسه. وقال في موضع آخر: يكره أن يأكل حتى يتخم ثم ذكره ما سبق عن سمرة (6) .

(1) الآداب 3/ 172 واختيارات 245 والإنصاف 8/ 326 ف 2/ 298.

(2)

الآداب 3/ 208 والإنصاف 8/ 333 ف 2/ 298.

(3)

الآداب 3/ 176 ف 2/ 298.

(4)

فروع 5/ 302 والإنصاف 8/ 330 ف 2/ 298.

(5)

اختيارات 243 ف 2/ 298.

(6)

إنصاف 8/ 340 ف 2/ 298.

ص: 212

ويأكل الإنسان من بيت صديقه وقريبه بغير إذنه إذا لم يحرزه عنه (1) .

قال الشيخ عبد القادر: والشيخ تقي الدين أيضًا: يأكل الضيف على ملك صاحب الطعام على وجه الإباحة، وليس ذلك بتمليك (2) .

وقال غير واحد: يكره غسل اليد بشيء من المطعوم، ولا بأس بالنخالة. قال في المغني: واستدل الخطابي على ذلك بحديث «الملح والملح طعام» ففي معناه ما أشبهه. قال الشيخ تقي الدين: وهذا من أبي محمد يقتضي جواز غسلهما بالمطعوم. وهذا خلاف المشهور (3) .

قال الشيخ تقي الدين: يستدل على كراهة الاغتسال بالأقوات بأن ذلك يفضي إلى خلطها بالأدناس والأنجاس فنهي عنه كما ينهى عن إزالة النجاسة بها، والملح ليست قوتًا وإنما يصلح به القوت. نعم ينهى في الاستنجاء عن قوت الآدميين والبهائم للإنس والجن. هذا لا يستنجي بالنخالة وإن غسل يده بها، فأما إن دعت الحاجة إلى استعمال القوت مثل الدبغ بدقيق الشعير أو التطبب للجرب باللبن والدقيق ونحو ذلك فينبغي أن يرخص فيه، كما رخص في قتل دود القز بالتشميس لأجل الحاجة؛ إذ لا يكون حرمة القوت أعظم من حرمة الحيوان، وبهذا قد يجاب عن الملح أنها استعملت لأجل الحاجة. وعلى هذا فيستدل بهذا الأصل الشرعي على المنع من إهانتها بوضع الإدام فوقها كما ذكره الشيخ عبد القادر. ودليل آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وأخذ اللقمة الساقطة وإماطة الأذى عنها كل ذلك يضيع شيء من القوت. والتدلك به إضاعة له لقيام غيره مقامه، وهو من أنواع التبذير الذي هو من فعل الشيطان.

(1) إنصاف 8/ 388 واختيارات 245 ف 2/ 298.

(2)

إنصاف 8/ 340 ف 2/ 298.

(3)

الآداب 3/ 196 ف 2/ 298.

ص: 213

وسئلت عن مثل هذه: وهو غسل الأيدي بالمسك؟ فقلت: إنه إسراف؛ بخلاف تتبع الدم بالقرصة الممسكة فإنه يسير لحاجة، وهذا كثير لغير حاجة. فاستعمال الطيب في غير التطيب وغير حاجة كاستعمال القوت في غير التقوت وغير حاجة. وحديث البقرة أنها لم تخلق لهذا يستأنس به في مثل هذا.

ويستدل على ما فعله أحمد من مسح اليد عند كل لقمة بأن وضع اليد في الطعام يخلط أجزاء من الريق في الطعام فهو في معنى ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من التنفس في الإناء؛ لكن يسوغ فيه لمشقة المسح عند كل لقمة، فمن يحشم المسح فذلك حسن منه. انتهى كلامه (1) .

قال في «اقتضاء الصراط المستقيم» قال أصحاب أحمد وغيرهم منهم أبو الحسن الآمدي وأظنه نقله أيضًا عن عبد الله بن حامد: ولا يكره غسل اليدين في الإناء الذي أكل فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. وقد نص احمد على ذلك قال: ولم يزل العلماء يفعلون ذلك ونحن نفعله وإنما ينكره العامة. وغسل اليدين بعد الطعام مسنون رواية واحدة. وإذا قدم ما يغسل فيه اليد فلا يرفع حتى يغسل الجماعة أيديهم، لأن الرفع من زي الأعاجم (2) .

وعن أنس رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ» . وكلامه في الترغيب يقتضي أنه جعل هذا الكلام دعاء واستحب الدعاء به لكل من أكل طعامه. وعلى قول الشيخ عبد القادر إنما يقال هذا إذا أفطر عنده فيكون خبرًا. قال الشيخ تقي الدين: وهو الأظهر. انتهى كلامه (3) .

(1) الآداب 3/ 211، ف 2/ 299.

(2)

الآداب 3/ 223، ف 2/ 299.

(3)

الآداب 3/ 223، ف 2/ 299.

ص: 214