الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العين يتحدث:
والآن وقد استعرضنا مختلف الآراء فلننتقل إلى كتاب العين نفسه ترى ماذا يقول:
لقد بدئ العين بالإسناد شأن الكتب اللغوية الأولى1، ففي الصحيفة الثانية من المخطوط نرى هذه العبارة:
"قال أبو معاذ عبد الله بن عائذ: حدثني الليث بن المطفر بن نصر بن سيار عن الخليل بجميع ما في هذا الكتاب. قال الليث: قال الخليل
…
".
وكلمة "بجميع ما في هذا الكتاب" تقطع خط الرجعة على القائلين بأن الخليل عمل أول كتاب العين فقط.
والكتاب يبدأ بمقدمة مطولة فيها ذكر مخارج الحروف التي اتخذت أساسًا لتنظيم الكتاب، وهذا التنظيم والترتيب قد اعترف الجميع بنسبته للخليل، وعلى رأس المعترفين بذلك الأزهري في كتاب التهذيب كما سبق أن بيناه. وفي ثنايا المقدمة نجد بعض القوانين الصوتية التي استنبطها الخليل من بحثه العميق في علم الأصوات اللغوية ذلك البحث التي أيدت معظمه الأبحاث الحديثة2.
ومن بين تلك القوانين أن الرباعي والخماسي من الكلمات العربية لا بد أن يشتمل بين حروفه على أحد حروف الذلاقة المنحصرة في "ل ن ر ف ب م"، وأن هناك حالات خاصة قد ينوب فيها حرفان معينان عن أحد هذه الحروف. وفيما عدا ذلك إذا وردت أي كلمة من ذلك نخالف هذا، فليحذر من نسبتها للعربية، وقد نبه الخليل على هذا فقال لتلميذه:
1 مثلًا النوادر لابن زيد.
2 كتب الدكتور السعران أطروحة لدرجة الدكتوراه في جامعة لندن ليبين فيها ملاحظات اللغويين العرب في علم الأصوات اللغوية التي أرجع معظمها إلى الخليل بن أحمد.
"فلا تقبلن من ذلك شيئًا مهما ورد عن ثقة"، وعلل سبب هذا في موضع آخر إذ قال:"فإن التحارير ربما أدخلوا على اللغة ما ليس منها إرادة اللبس والتعنت".
كما ذكر أيضًا أن اتحاد المخارج أو تقاربها قد يكون سببًا في أن تكون المادة "مهملة"، وبناء عليه فبعض المفردات التي تخالف هذا القانون إنما هي دخيلة على العربية، وقد سماها الخليل بالمولد أو المحدث.
وعندما ابتدأ الخليل في ذكر للمفردات بدأ كتابه بالعين، فذكر في مقدمة هذا الحرف أن العين، والحاء لا يجتمعان في كلمة واحدة إلا في حالة النحت مثل لفظ حيعل والحيعلة. وفي الجزء الثاني من الكتاب المبدوء بحرف القاف نجد أيضًا هذه العبارة "القاف لا تجتمع مع الكاف في كلمة واحدة".
بقى شيء هام هو تفسير عبارتي "قال الخليل أو سألت الخليل" الواردتين في ثنايا الكتاب الأمر الذي اتخذه البعض دليلًا على عدم تأليف الخليل للكتاب، ولكنا نلاحظ أن عبارة "سألت" واردة أيضًا في كثير من الكتب اللغوية الأولى فمثلًا كتاب الخيل للأصمعمي مملوء بعبارة "سألت الأصمعي"، ومع هذا لم يشك أحد في نسبة كتاب الخيل للأصمعي. وأما العبارة الأولى فهي أكثر شيوعًا بل أنها ظلت مستعملة لمدة طويلة فمثلًا الأمالي مملوء بعبارة "قال أبو علي"، وكذلك الجمهرة تحتوي جملة "وقال أبو بكر" وغير هذا كثير.
وهناك بجانب ما سبق شيء آخر يحتاج إلى تفسير وهو ورود أسماء بعض الرواة في ثنايا الكتاب مما كان مصدرًا للجدل، والمناقشة وهذه الأسماء يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات:
أ- معاصرون للخليل مثل أبي الدقيش، يونس، سيبويه، الأصمعي، أبو زيد. وأمثال هذه الأسماء من الأشياء المألوفة التي نجدها كثيرًا في كتب
اللغة. وهذا يعني أن مؤلف الكتاب اقتبس عن هؤلاء الرواة. فكيف نفسر اقتباس الخليل هذا. وقد أجاب عن تلك النقطة الأستاذ أحمد أمين1. فاختار أن الخليل بعد أن رتب الأبواب، ونظم المواد -وكان هذا همه الأكبر أخذ يضع المفردات، أو يحشو الكتاب فاعتمد على كتيبات معاصريه أو تلاميذه.
ونضيف إلى هذا أن ذلك لا ينقص شيئًا من قدر الخليل. فلو أن أستاذًا كبيرًا في عصرنا أراد أن يؤلف كتابًا في موضوع معين، وذكر من بين مراجعه كتابًا لأحد تلاميذه الناشئين المتخصصين في فرع من فروع الموضوع أيكون في هذا حطة لقدر الأستاذ، أو استغراب في أن ينقل كبير عن صغير مسائل فرعية في موضوع ما؟ وهل هذا ينفي أن الفكرة الرئيسية للأستاذ؟
ب- رواة يتأخرون عن عصر الخليل، وقد ورد القليل من ذلك في كتاب العين. والرد على هذا يسير سهل، وهو أن الوراقين في العصور الإسلامية الأولى كانوا يضيفون إلى صلب النص ما ذكر على هامشه، أو بين أسطره من تعليقات لبعض اللغويين الذين قرءوا الكتاب اعتقادًا منهم بأن ذلك يزيد من الفائدة للقارئ العادي. وإنا لا نستغرب هذا إذا عرفنا أن كثيرًا من الكتب قد اشترك مع العين في هذه الظاهرة -خير مثال لذلك النوادر لأبي زيد، والكتاب لسيبويه.
ج- النوع الثالث من الرواة بعض الأسماء التي وردت لرواة غير مألوف الأخذ عنهم، وقد أمكن أن نعثر على أسماء: زائدة. أبو ليلى: عرام وقد رأى الأب أنستاس الكرملي أن الخليل قد انفرد بالأخذ عن بعض من الرواة الثقاة، ولكن ضياع نسخ الكتاب أول الأمر لم تجعل أسماءهم تنتشر كغيرهم. ولكن قد نرى تفسيرًا أشد قبولًا من هذا وهو أن بعضًا من هؤلاء
1 ضحى الإسلام ج2 ص270- ص273.
الرواة لم يكونوا في البصرة أو الكوفة أو بغداد التي كانت تعتبر بمثابة المراكز العلمية في ذلك الوقت، وإنما كانوا من الرواة القاطنين في أطراف الإمبراطورية الإسلامية خصوصًا إذا أضفنا إلى هذا أن العين ألف في خراسان. وقد علل بروانتش هذا بأنه ربما يكون مذكورًا في بعض النسخ دون البعض الآخر.
إسناد كتاب العين:
بجانب ما سقناه من المناقشة الطويلة لأوجه النظر المختلفة، فإننا قد عثرنا على سلسلتين ذكر فيهما إسناد للكتاب بجانب ما ذكر في أول متنه.
السلسلة الأولى:
وقد ذكرها ابن فارس في أول المقاييس إذ قال: "أما كتاب العين للخليل بن أحمد، فقد حدثني به علي بن إبراهيم القطان فيما قرأت عليه قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم المعداني، عن أبيه إبراهيم بن إسحاق بن بندار بن لزة الأصفهاني، ومعروف بن حسان، عن الليث، عن الخليل".
السلسلة الثانية:
وقد ذكرها السيوطي في معرض الكلام على ذكر الآراء حول كتاب العين إذ قال1 "فائدة: روى أبو علي الغساني كتاب العين عن الحافظ أبي عمر بن عبد البر عن عبد الوارث بن سفيان عن القاضي منذر بن سعيد عن أبي العباس أحمد بن محمد بن ولاد النحوي، عن أبيه عن أبي الحسن علي بن مهدي عن أبي معاذ عبد الجبار بن يزيد، عن الليث بن المظفر بن نصر بن سيار عن الخليل".
1 المزهر ص57.