الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاجم اللبنانية الحديثة:
لقد تمكن اللغويون في لبنان أن يعيدوا وضع المعجم العربي من جديد مستعينين في ذلك بخبرات السنين الطوال التي مرت على تنظيم المعجم، كما أن دعوة الشدياق في ترك ترتيب القافية قد وجدت صداها لديهم، وإذا أضفنا إلى هذا أنهم كانوا أسبق من غيرهم في "الشرق اتصالًا بالغرب1، وتأثرًا بثقافته فإنا نفهم كيف أنهم عنوا بتلك الناحية، فأخرجوا لنا المعاجم المطولة على الترتيب الأبجدي العادي.
وتمتاز تلك القواميس إلى جانب ترتيبها أنها واضحة العبارة كاملة الشواهد. إلا أنها من ناحية أخرى لم تتخلص من ربقة الزاوية.
وسنقتصر على ذكر قاموسين فقط وضع كلا منهما عالم لغوي ينتمي إلى طائفة دينية خاصة كان بينها، وبين زميلتها تنافس شديد، وهما: طائفة المارونية التي نبتت معجم "محيط المحيط، للبستاني"، وطائفة الجزويت التي تبنت معجم "أقرب الموارد، للشرتوني".
أ- محيط المحيط:
ألف هذا الكتاب العالم اللغوي بطرس البستاني، وقد ذكر في مقدمته أنه وجد أن اللغة العربية بحاجة إلى قاموس عصري مرتب ترتيبًا يسهل استعماله، وأنه وجد كذلك أن القاموس مع شهرته، وكثرة تداوله صعب الاستعمال في هذا العصر نظرًا لترتيبه المبني على القافية، فالحاجة إذن ماسة إلى معجم يشمل "القاموس"، ويزيد عليه بعض ما نحن في حاجة إلى معرفته مستخرجًا ذلك من
1 أدباء العرب ج3 ص135.
المعاجم اللغوية الأخرى، وقد عبر عن ذلك في المقدمة بقوله1:
"ولما كان أملنا جمع كل ما في القاموس المحيط للفيروزآبادي، وكل ما في كتب اللغويين، فقد دونا كل ذلك في كتاب وأسميناه "محيط المحيط"، وفي آخر فصل الراء2 كتب يقول:
وألحقت فيه كثيرًا من الفوائد والقواعد، والشوارد وغير ذلك مما لا يتعلق بمتن اللغة، وذلك لكي يكون هذا الكتاب شاملًا، يجد فيه كل طالب مطلوبه من هذا القبيل".
وهذا الاتجاه قد دعاه إلى أن ينقل عن كتب أخرى كثيرة بجانب نقله عن المعاجم المتداولة، فهو مثلًا ينقل عن السيوطي، والبيضاوي، والجرجاني، وأبي البقاء وأضرابهم، وقد لاحظنا أنه يذهب في الشواهد مذهبًا يقارب مذهب الزمخشري في ذلك، فهو لا يمانع أن يروي لشعراء متأخرين من عصر ما بعد "الاحتجاج"، فهو مثلًا يستشهد بشعر الحريري المتوفى 516هـ كما ينقل عن غيره من الشعراء "المحدثين"3. ولكنه في هذا لم يجعل شعرهم بمنزلة شعر الجاهلين، أو الإسلاميين في درجة واحدة، بدليل أنه كان عند ما يستشهد ببيت لشاعر محدث كان يقدم له بكلمة "ومنه".
أما الروايات التي ذكرها البستاني في معجمه، فلم تعد كثيرًا ما نراه في المعاجم العربية الأولى،. فبين الحين والحين تظهر لنا أسماء: الخليل، والكسائي، سيبويه، الأزهري، الجوهري، ابن فارس، الفيروزآبادي، الفيومي. ولكن ليس معنى هذا أنه قد رجع لكل واحد من هؤلاء ليطلع على مؤلفه، فلم تكن روايته في ذلك من أوله درجة، بل كان ينقل من كتب المتأخرين، بما في ذلك
1 مقدمة محيط المحيط ص1.
2 المحيط ص847.
3 المحيط ص740، ص941.
الرواية. فليس معنى ذكره، وقال الكسائي أنه أطلع على كتاب "الكسائي في اللغة بل نقل هذه العبارة عن كتاب آخر ذكرت فيه.
أما بالنسبة لكتاب العين، فقد روى البستاني عنه مرة تحت اسم الليث، ومرة تحت اسم الخليل شأنه في هذا شأن صاحب اللسان، وغيره من الذين نقل عنهم وقد وجدنا له تعبيرًا جديدًا في ذلك حين قال في مادة "د ج ن" "الدجنة: الظلماء، وفي كتاب الخليل: لو خففها الشاعر لجاز"، وبالرجوع إلى كتاب العين وجدنا العبارة تقرب جدًّا من هذا إذ ورد فيالمادة نفسها "الدجنة: الظلماء، وللشاعر أن يخفف".
وليس لنا أن نستنتج من هذا أن البستاني نقل عن كتاب العين مباشرة إذ ليس لنا دليل على أنه رأى الكتاب؛ لأنه في مادة "خ ل ل" ذكر فقرة صغيرة من حياة الخليل، ولم يذكر شيئًا بالنسبة للعين.
ولقد اهتم اللغويون المعاصرون بكتاب محيط المحيط، فالشيخ إبراهيم اليازجي صديق البستاني يعلق بهوامش الكتاب تعليقات لغوية يمكن وصفها بأنها توضيح أو استدراك، وقد جمعت هذه التعليقات فيما بعد في صورة كتاب1، ولقد تغالى اليازجي حين وصف المحيط بأنه أعظم حدث في عصر المؤلف. كما جاوز حد الاعتدال حين نعت أقرب الموارد بأنه نسخة أخرى عن محيط المحيط تحت اسم جديد، فكأنه يعيد بذلك عهد التنافس بين الأزهري، وصديقه نفطويه من جهة، وبين ابن دريد صاحب الجمهرة من جهة أخرى حين اتهم الأخير بسرقة كتاب العين تحت اسم جديد.
1 جمعنا وصححها تلميذًا اليازجي، شمعون، ونحاس.
ب- أقرب الموارد:
ومؤلفه الشيخ سعيد الشرتونى الذي أخرج كتاب النوادر لأبي زيد، وذيله بالفهارس كما كتب عليه تعليقات هامة.
ولقد ذكر لنا الشرتوني في المقدمة منهجه الذي وضعه في الأمور الآتية:
1-
أنه سيرتب الكلمات على الأبجدية العادية كما فعل البستاني في "المحيط"؛ لأن هذا أسهل من الناحية العملية.
2-
سوف يقتصر في كتابه على "الفصيح" كما أنه سوف لا يذكر المفردات المتعلقة بالأمور الجنسية.
3-
من حيث التشكيل سوف يستعمل بعض الرموز التي تدل على مفاتيح لنطق الكلمات تشبه المفاتيح التي استعملها الرازي والفيومي،. فإذا ذكر "ن" التي يرمز بها لكلمة "نصر"، فإن معنى هذا أن الفعل الذي هو بصدده من باب نصر، وهذه الرموز هي:
ن = نصَر
…
التي مضارعها
…
ينصُر
ض = ضرَب
…
التي مضارعها
…
يضرِب
ع = قطَع
…
التي مضارعها
…
يقطع
ل = عِلم
…
التي مضارعها
…
يعلَم
ر = كرُم
…
التي مضارعها
…
يكرُم
س = حسِب
…
التي مضارعها
…
يحسب
فنرى أنه في الفعلين الأولين استعمل الحروف الأولى كرموز، وفي الفعل الثالث استعمل الحرف الأخير كما أنه في الأفعال الثلاثة الأخيرة استعمل الحرف الوسط، وكان حققه ألا يشتت، ويستعمل نظامًا موحدًا في الجميع.
وإذا قارنا بين المحيط وأقرب الموارد يمكننا أن نرى أهم الفروق بينهما تتمثل فيما يلي:
1-
لقد استغنى الشرتوني عن ذكر أغلب القواعد النحوية، والصرفية مما ليس له أهمية في توضيح معنى الكلمة.
2-
لم يكثر الشرتونى من ذكر أسماء الرواة -كما فعل البستاني.
3-
لم يصرح أقرب الموارد كذلك في أغلب الأحيان بأسماء الكتب التي نقل عنها.
لقد هيأت ظروف الطباعة للشرتونى أن يكون كتابه أحسن إخراجًا من المحيط. كما أنه استعمل بعض التنظيمات التي تعين على فهم تقسيماته في الكتاب.
فمثلًا طبعت الكلمات المراد شرحها بنموذج أكبر، كما ذكرت أصول المواد بين قوسين خاصين، وهكذا.
5-
بالنسبة للمشتقات التي تندرج تحت مادة واحدة نجد أن الشرتوني قد التزم فيها طريقة معينة إلى حد ما بحيث لم يقع كثيرًا في التكرار، والاضطراب الذين وقع فيهما كثير قبله كابن منظور مثلًا، فذكر أولًا المجردات ثم الزيدات بحرف واحد ثم بحرفين وهكذا.
ومهما قيل في المحيط وأقرب الموارد، فإنهما قد قطعا خط الرجعة على ترتيب القافية بحيث لا يمكن التفكير في تأليف معاجم جديدة على نظامه، وبذلك فتحًا الطريق أمام معاجم وافية تسد النقص، وتفي بحاجتنا في العصر الحديث.