المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشدياق ونقده للقاموس: - المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد

[عبد الله درويش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: المرحلة الأولى في تنظيم المعجم العربي مرحلة التقليبات

- ‌نبذة عن حياة الخليل

- ‌طريقة الخليل في "العين

- ‌اللغويون الذين ساروا على نهج الخليل في المشرق:

- ‌أولًا- جمهرة ابن دريد:

- ‌ثانيًا- تهذيب الأزهري:

- ‌المعاجم التي اتبعت نظام العين في المغرب:

- ‌ثانيًا: مختصر العين للزبيدي:

- ‌ثالثًا: محكم ابن سيده:

- ‌الباب الثاني: الخلاف حول كتاب العين

- ‌مدخل

- ‌الآراء حول كتاب العين:

- ‌مناقشة الآراء في "العين

- ‌كتاب العين يتحدث:

- ‌كيف وضعت الفكرة الأولى للعين:

- ‌الكرملي وكتاب العين:

- ‌مخطوطات العين:

- ‌الباب الثالث: المرحلة الثانية في تطور المعاجم نظام القافية

- ‌أولا: صحاح الجوهري

- ‌ثانيًا: لسان العرب:

- ‌ثالثا: قاموس الفيروزبادي

- ‌رابعًا: تاج العروس:

- ‌الشدياق ونقده للقاموس:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الثالثة من ترتيب المعاجم مرحلة الترتيب الأبجدي العادي

- ‌تنظيم الأبجدية العادية

- ‌المجمل والمقاييس لابن فارس:

- ‌أساس البلاغة للزمخشري:

- ‌الموجزات:

- ‌المعاجم اللبنانية الحديثة:

- ‌معاجم المستشرقين:

- ‌قاموس المجمع اللغوي: "المعجم الكبير

- ‌الخاتمة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌الشدياق ونقده للقاموس:

‌الشدياق ونقده للقاموس:

لقد فتح الشدياق صفحة جديدة في تطور البحوث اللغوية، التي كان أهملها نقد نظم التقليبات، والقافية التي اتبعها اللغويون المتقدمون كأساس لترتيب معاجمهم.

وكانت زيارته لإنجلترا وميوله الصحفية لهما أكبر الأثر في تنمية ملكة النقد عنده، ولقد حدث هذا في القرن التاسع عشر، في الوقت الذي كانت تسود فيه روح التقليد، والتسليم التام بكل ما كتب الأولون، وقد اضطرت هذه الفكرة إلى محاولة التوفيق بين مختلف وجهات النظر، وإن بدت أحيانًا متناقضة.

انحدر فارس الشدياق من اسرة مارونية، ونشأ في لبنان حيث تلقى علومه الأولى في بيروت على يد الإرسالية الأمريكية هناك. ثم رحل إلى القاهرة عام 1834م حيث اشترك تحرير مجلة "الوقائع المصرية" أول مجلة عربية في الشرق. ثم انتقل إلى "مالطة" استجابة لرغبة أصدقائه من الأمريكان ليشرف على المطبعة العربية هناك. وبعدها ذهب إلى إنجلترا بدعوة من "جمعية الكتاب المقدس" في كمبردج، حيث أتيح له أن يجمع أساسًا لكتابه الذي فقد فيه المجتمع وسماه "الفاياق".

وعند عودته من إنجلترا عرج على باريس حيث قابل أحمد باشا باي تونس، فتأصلت بينهما الداقة. وقد مدحه الشدياق بقصيدة على وزن قصيده كعب1

1 نشرت هذه القصيدة وترجمت للألمانية، في مجلة المشرقيات.

"185 I. Z. D. G. P. 250".

ص: 112

"بانت سعاد"، ثم رحل إلى تونس حيث أعلن إسلامه، وتسمى بأحمد تيمنًا باسم الباي. وهناك أنشأ جريدة "الرائد".

وفي عام 1857 رحل إلى استانبول عاصمة الخلافة الإسلامية حيث أسس مجلة "الجوائب" التي كان لقلمه فيها جولات، فحرر كثيرًا من المقالات التي تناولت موضوعات لغوية مختلفة، حتى وافته منيته عام 1878م.

ولقد تبلورت أفكار الشدياق، ونظرياته المختلفة في اللغة في كتابين هامين. "الجاسوس على القاموس، سر الليال في القلب والإبدال".

أ- الجاسوس:

لقد تخير الشدياق كتاب القاموس هدفًا لانتقاداته. وكأنه بذلك يريد أن يقدم لنا الدليل العملي على أن المعاجم العربية ليست فوق الانتقاد، وأنه لذلك سيختار أكثرها شهرة وأوسعها انتشارًا.

أما المسائل التي انتقدها على القاموس فتشمل:

1-

ترتيب المفردات في الكتاب.

2-

وضع المشتقات تحت المادة الواحدة.

3-

التعريفات، وشروح المفردات.

4-

تعليقات القاموس على ما ذكره الصحاح.

5-

الفصيح في اللغة.

6-

صيغ المطاوعة.

ص: 113

1-

ترتيب المفردات:

لقد ذكر الشدياق أن صاحب القاموس بين لنا في مقدمته أنه ألف كتابه ليساعد طلاب العربية على تفهم معاني المفردات، وانه لذلك وضع كتابه موجزًا ليسهل عليهم حفظه، وإذا كان هذا هو الحال، فإن الشدياق لم يكن مرتاحًا لاختيار القاموس ترتيب الصحاح كأساس يسير عليه، وكان الأوفق أن يتبع الترتيب العادي الذي سار عليه ابن فارس في المجمل؛ لأنه أسهل من الناحية العملية، ولم نعد بحاجة الآن إلى ترتيب القافية الذي يخدم السجع والشعر، وإذا كان لا بد للسجع والقافية من شيء يخدمهما، فليكن لهما كتاب خاص، ولقد دعا الشدياق علماء اللغة إلى ترك النظم؟؟؟؟ في كتابة معاجمهم المستقبلة على أساس الترتيب العادي. على أنه هو نفسه لم يلتزم ذلك "في سر الليال" كما سيأتي توضيحه.

2-

ترتيب المشتقات:

إذا فرض وأردنا أن نعالج مادة في المعجم مثل "ع د د "، فإننا نجد لها كثيرًا من المعاني المختلفة التي تدخل تحت ما يسميه اللغويون "بالمشترك اللفظي" كما نجد لكل معنى من هذه المعاني كثيرًا من المشتقات التي تندرج تحت الأصل الواحد. والكلمات المستعملة لتلك المعاني المختلفة، والمشتقات المتعددة لم تسجل في القاموس تبعًا لنظام معين بل وضعت جزافًا، وإن على القارئ أن يراجع المادة جميعها ليستخرج منها طلبته، ولكننا من ناحيتنا لا نرى أن هذا النقد ينصب على القاموس وحده، بل يشاركه في ذلك معظم المعاجم السابقة له خصوصًا الكبرى منها مثل اللسان والتهذيب.

3-

شرح المفردات.

لقد أخذ الشدياق على الفيرزآبادي أنه ملأ كتاب بكثير من أسماء الأعشاب الطبية، واستطرد إلى ذكر فوائدها كما لو كان كان كتابه معجمًا طبيًّا، وهو يرى أن ذلك خارج عن اختصاص كتابه، كما أخذ عليه أنه حشى القاموس بكثير من

ص: 114

أسماء الأعلام التي لا تمت للأدب ولا للغة بصلة، وأنه حتى في ترتيبها لم يضعها في مكانها الطبيعي، ورغم أن أغلبها أعلام أجنبية لم يكن قد تناولها التعريب، فإن الفيروزآبادي لم يحالفه الصواب في ترتيبها إذ افترض أن لها أصولًا، وفيها زوائد نعاملها معاملة الأسماء العربية، على حين أنه يجب اعتبار حروفها جميعًا أصولًا.

4-

تعليق القاموس على الصحاح:

لقد لاحظ الشدياق أن الفيروزبادي كان شديد اللهجة على الجوهري، فكان يتتبع سقطاته، كما كان مولعًا بذكر المواد التي أهملها الجوهري والتنبيه عليها، وبعض هذه الأشياء كان صاحب القاموس فيها محقًّا، وبعضها كان فيها متحاملًا.

ونحن من جانبنا نرى أن صاحب الحاسوس كان متحاملًا على الفيروزآبادي تحاملًا كثيرًا حين تتبع سقطاته، ليوهم القارئ أن صاحب القاموس قد تجنى على اللغة واللغويين، وقد أوحى إليه هذا الاتجاه أن يختار لكتابه اسم "الجاسوس على القاموس"، ولا نظن أن أسلوب السجع يبرر له ذلك.

5-

الفصيح:

لقد انتقد الشدياق على النظرية التقليدية التي تحدد الفصيح في العربية بالعصر الجاهلي، والأموي أي بحوالي ثلثمائة سنة، ولا تعتد بشعر الشعراء الذي ورد بعد هذه الفترة، ومن العجب أن النقاد اللغويين قد يعترفون بأن شاعرًا ما قد بلغ من الجودة مبلغ من سبقوه إن لم يكن يفوقهم، ولكنه مع هذا لا يحتج بشعره.

وقد طالب بأل تحدد فترة الفصيح بزمن معين بل أن أي شاعر يعترف له بالجودة يمكن أن يحتج بشعره، كما ذكر أن اللغويين السابقين كان عليهم أن يذهبوا

ص: 115

إلى البادية ليستمعوا من الأعراب، ويسجلوا ما سمعوه بأنفسهم بدلًا من اعتمادهم الكلي على الرواية؛ لأن الرواة إما أن يتركوا بعض المواد التي اعترف بفصاحتها في اللغة، وإما أن يضيفوا من عندهم بعض ما لم يوثق به فيها. وقد أوقع هذا أصحاب المعاجم إما في النقص أو الزيادة، فمثال الأول الجوهري في صحاحه، ومثال الثاني الصغاني في عبابه، أما الفيروزآبادي في القاموس فهو في نظر الشدياق مثال للاثنين معًا.

6-

المطاوع:

وهنا نجد أن الشدياق قد اعترف بأن القاموس ليس وحيدًا من بين كتب اللغة في ذكره بعض الهفوات أو الأخطاء، بل إنه وجد أن هناك قاعدة نحوية مشتركة قد أوقعت اللغويين جميعًا في الخطأ، وتلك هي القاعدة التي تقول بأن الفعل المطاوع لازم إذا كان فعله الأصلي متعديًا، وقد اكتشف الشدياق بعد مراجعة اللسان، والتاج بجانب القاموس أن كثيرًا من الأفعال المطاوعة تكون متعدية أيضًا مثل أصلها بل إنه في بعض الأحيان يجد المطاوع متعديًا حينما يكون الأصل لازمًا.

وقد أفرد صاحب الجاسوس فصلًا خاصًّا ذكر فيه هذه الأفعال مرتبة ترتيبًا أبجديًّا من الألف إلى الياء -ولكنه لم يضعها على حسب الترتيب المتداول المعروف، بل وضعها على حسب ترتيب القافية أيضًا في الوقت الذي كنا نتوقع فيه أنه سيلتزم الترتيب الذي دعا اللغويين إليه ليكون أسهل من الناحية العملية.

وهكذا نجد أن الشدياق في نقده على القاموس لم يسلم من ارتكاب بعض المآخذ التي كان يود ألا تقع فيه.

ص: 116

"ب" سر الليال:

هذا الكتاب موضوع تطبيقًا لنظرية لغوية في منشأ الكلمات، وهي النظرية التي تقول بأن الكلمات نشأت في اللغة محاكاة لبعض أصوات الطبيعة، أو الحيوانات أو الحركات التي تحدثها الآلات المستخدمة في معيشة الإنسان. كما أن الكتاب يطبق كذلك النظرية الثنائية التي تقول بأن أصل الكلمات في العربية حرفان فقط، ثم يتفرع عن كل أصل أو مقلوبه مواد أخرى، ولكنها جميعًا تشترك في معنى واحد عام هو ما يعتبر أصلًا لكل تلك المواد.

وقد مثل الشدياق بكلمة "قط"، فذكر أنها حكاية لصوت القدوم، وما يشبهه حين تقطع به الأخشاب، وإنها من بعض الوجوه تشبه الكلمة الإنجليزية "CUT" معنى ولفظًا. ورتب على هذا أن المواد: قطف، قطع، قطم، قطش، كلها متفرعة من الأصل "قط"، كما أنه وجد أن بعض الحروف قد تتناوب مثل "جدف، جدث"، وبعض قد يتبادل الموضع مثل "جذب، جبذ، أيس -يئس، لي - لبب".

وعندما أراد الشدياق أن يسجل قائمة المفردات ليشرحها لم يضعها حسب الترتيب العادي كما كنا نتوقع، ولا على حسب القافية، ولا على حسب مخارج حروف الحلق كما فعل الخليل، ولكنه اتخذ لنفسه نظامًا معقدًا انتظم كل هذه الترتيبات:

"أ "ح خ ع غ هـ" ب ت ث ج * * د ذ ر ز س ش ص ض ظ * * ف ق ك ل م ن * وي.

فما بين القوسين الكبيرين يشمل حرف الحلق التي وضعها أولًا -لأنها كما أراد أن يبين لنا هو- لها خصائص معينة فيجب أن توضع أولًا.

وما بين القوسين الصغيرين يشمل حروف الحلق في رأي المعاجم التي اتبعت نظام الخليل، أما الهمزة فقد وضعت فيها مع حروف العلة في آخر الأبجدية.

ص: 117

وأما العلامة * فتدل على موضع حرف الحلق من الأبجدية العادية الذي نقل من موضعه الأصلي إلى المجموعة الأولى بين القوسين.

وزيادة على هذا فقد اتبع نظام التقليبات، فذكر مثلًا كلمتي "رد، در" في موضع واحد، وكذلك الحال في "حب، يح".

والأكثر من هذا أنه عند ترتيبه لهذه الكلمات نجد أنه قد رتبها حسب نظام القافية.

فإذا أردنا أن نعرف أين موضع كلمة "كتب"، فعلينا أن نعرف أن أصل مادتها "ك، ت" فقط، وحيث إن "ت" مقدمة في أبجديته على "ك"، فنتوقع أن نجد الأصل "ت ك" الذي يندرج تحت مقلوبه "ك ت" في فصل التاء.

وكان من الممكن للشدياق أن يسير على نظام التقليبات الذي اتبعه الخليل، حيث إنه وضع حروف الحلق أول القائمة، وحيث إنه كذلك وضع الأصل ومقلوبة في موضع واحد. ولكنه بدلًا من هذا يبتدع لنا نظامًا جديدًا يحوي كل الصعوبات التي اعترضت النظم السابقة، فكيف يمكنه بعد هذا أن يعترض على القاموس أو غيره في ترتيبه.

وبقطع النظر عن الترتيب فقط طبق في كتابه النظرية الثنائية في اللغة تطبيقًا لا بأس، وليس معنى هذا أننا نوافق على صحة النظرية أو خطئها، فهذا بحث آخر ليس مجاله هنا.

وعلى العموم فإن الأفكار التي دونها الشدياق في كتابيه "الجاسوس، سر الليال" كانت البذور الأولى للباحثين من المحدثين الذين أوسعوها بحثًا، وتمحيصًا فيما بعد، خاصة جورجي زيدان في كتابه فلسفة اللغة، والكرملي في كتابه نشوء اللغة العربية وتطورها، وكان كل هذا دافعًا للبحث اللغوي أن تتولاه الهيئات التي كونت فيما بعد بصفة رسمية في صورة المجمع اللغوي، في بعض الأقطار العربية.

ص: 118