المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: تاج العروس: - المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد

[عبد الله درويش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: المرحلة الأولى في تنظيم المعجم العربي مرحلة التقليبات

- ‌نبذة عن حياة الخليل

- ‌طريقة الخليل في "العين

- ‌اللغويون الذين ساروا على نهج الخليل في المشرق:

- ‌أولًا- جمهرة ابن دريد:

- ‌ثانيًا- تهذيب الأزهري:

- ‌المعاجم التي اتبعت نظام العين في المغرب:

- ‌ثانيًا: مختصر العين للزبيدي:

- ‌ثالثًا: محكم ابن سيده:

- ‌الباب الثاني: الخلاف حول كتاب العين

- ‌مدخل

- ‌الآراء حول كتاب العين:

- ‌مناقشة الآراء في "العين

- ‌كتاب العين يتحدث:

- ‌كيف وضعت الفكرة الأولى للعين:

- ‌الكرملي وكتاب العين:

- ‌مخطوطات العين:

- ‌الباب الثالث: المرحلة الثانية في تطور المعاجم نظام القافية

- ‌أولا: صحاح الجوهري

- ‌ثانيًا: لسان العرب:

- ‌ثالثا: قاموس الفيروزبادي

- ‌رابعًا: تاج العروس:

- ‌الشدياق ونقده للقاموس:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الثالثة من ترتيب المعاجم مرحلة الترتيب الأبجدي العادي

- ‌تنظيم الأبجدية العادية

- ‌المجمل والمقاييس لابن فارس:

- ‌أساس البلاغة للزمخشري:

- ‌الموجزات:

- ‌المعاجم اللبنانية الحديثة:

- ‌معاجم المستشرقين:

- ‌قاموس المجمع اللغوي: "المعجم الكبير

- ‌الخاتمة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌رابعا: تاج العروس:

‌رابعًا: تاج العروس:

لقد كان للقاموس حظ كبير من الشروح والتعليقات -كحظ صنوه الصحاح- إن لم يزد عنه، فقد شرحه أمير اليمن، الأشرف، كما تناول المقابلة بينه وبين الصحاح كثير من اللغويين، وكان أيضًا أن ترجم إلى الفارسية والتركية.

وسنقتصر في هذا البحث على شرح ثم على نقد للقاموس، أما الشرح فهو كتاب "التاج" للزبيدي، وأما النقد فهو "الجاسوس" للشدياق.

أما شرح الزبيدي الذي سماه "تاج العروس"، فقد ألف في القرن التاسع عشر الميلادي، ويعد بذلك آخر المعجمات المطولة التي اتبعت نظام القافية. ولقد ظهرت شخصية الزبيدي فيه إلى حد جعله يفوق مجرد شرح، أو تعليق إلى أن يصير في نظر اللغويين كتابًا مستقلًّا ومعجمًا قائمًا بنفسه.

أما مؤلفه فهو السيد محمد المرتضى الزبيدي، نسبة إلى زبيد تلك المدينة الشهرية باليمن، والتي استقر فيها الفيروزآبادي بعد تطوافه بالبلاد الإسلامية. ثم رحل الزبيدي إلى مصر، واستمر بها حتى مات عام 1205هـ "1884م".

ولقد أخبرنا الزبيدي في مقدمة التاج أنه اعتمد على حوالي خمسمائة مرجع لتأليف كتابه. وذكر لنا أن من بين مراجعه الرئيسية معاجم اللغويين الأول الذين كانوا معتمدًا لكل من سبقه، مثل جمهرة ابن دريد، ومجمل ابن فارس، "وصحاح الجوهري، وتهذيب الأزهري، ومحكم ابن سيده. وليس هناك من شيء يدلنا على أن الزبيدي قد رأى كتاب "العين"، ولكنه قد ذكر كثيرًا من الكتاب نقلًا من مراجعه السابقة، وعلى الأخص التهذيب والمجمل.

ولقد بدأ الزبيدي كتابه "التاج" بمقدمة طويلة تعرض فيها لبعض النظريات اللغوية وناقشها، وهذه المقدمة قد جمعت معظم ما كتب حول تلك

ص: 107

النظريات. أما المسائل التي تعرض لمناقشتها فتشمل:-

1-

هل اللغة توفيقية أم إصلاحية؟

2-

هل من الممكن حصر جميع مفردات اللغة، وكيف يمكن ضبط موادها؟.

3-

لقد اعتنى بذكر الصحيح، والإسناد، والرواية وغير ذلك من إصطلاحات المحدثين التي سرت عدواها إلى اللغويين.

4-

ذكر استعراضًا تاريخيًّا للعلماء اللغويين منذ عهد أبي الأسود، وقسمهم إلى مدرستين الكوفة، والبصرة التي انتهيا "بابن دريد البصري، وثعلب الكوفي"، وعندما جاء دور الخليل اكتفى الزبيدي بأن نقل عن السيوطي هذه العبارة "أول من ألف في اللغة الخليل بن أحمد الذي عمل كتاب العين، وقيل: إنه مات قبل أن يتمه"، ولم يشأ الزبيدي أن يورط نفسه في تحقيق مؤلف العين بل اكتفى بذكر آراء من تقدمه. ولقد سبق لنا حين الكلام عن ابن دريد، والأزهري أنهما اقتبسا من "العين"، ولكن ابن دريد فعل هذا تحت عبارة "وقال الخليل" أما الأزهري فكان يستعمل عبارة "وقال الليث". وعندما نقل الزبيدي عنهما في كتابه ذكر العبارتين معًا، ولم يكن يهتم بتحقيق ذلك، ولم يشأ أن يخبرنا ما إذا كانت كلا العبارتين منقولة عن كتاب واحد.

5-

واختتم الزبيدي مقدمته بترجمة للفيروزآبادي، تعرض فيها لتاريخ حياته ووصف قاموسه الذي قال عنه: لئن كان الصحاح أوسع المعاجم انتشارًا في عهد السيوطي، فإن القاموس في أيامنا هذه قد فاقه في ذلك.

ولكن الزبيدي قال في موضع آخر بأن الفيروزآبادي قد أوجز كتابه

ص: 108

غاية الإيجاز حتى إنه قد يبدو في بعض الأحيان صعبًا معقد التركيب، وإن القارئ العادي قد يحتاج إلى تكرار القراءة أكثر من مرة حتى يمكنه أن يتفهم نص تعبير القاموس.

وفي آخر ترجمة الفيروزآبادي ذكر الزبيدي سلسلة الرواية التي روى بها القاموس، والتي انتهت بابن حجر الذي روى الكتاب مشافهة عن مؤلفه. ولعل هذه هي آخر سلسلة يروى بها كتاب عربي على ما نعلم1، وبعد ذلك كانت تؤلف الكتب، وتوضع عليها التعليقات، والشروح دون ذكر سلسلة الرواية.

منهج التاج:

لقد شرح التاج كتاب القاموس حسب نظام الشروح التي اتبعها المؤلفون في عصره، وقد ساعده على ذلك أنه اعتبر كتاب القاموس "متنًا" نظرًا لشدة إيجازه. وقد اندمجت عبارة الشرح في المتن حتى تكون من مجموعهما عبارة واحدة، وقد تميزت عبارة المتن بوضعها بين قوسين، ويشتمل شرح الزبيدي الإضافات التي أهمها:-

أ- ذكر الشواهد التي أغفلها القاموس. ومعظم هذه الشواهد هي من النوع التي استعملتها المعاجم السابقة التي أخذت شواهدها في أغلب الأحيان عن كتاب العين.

ب- عند شرح المفردات أضاف الزبيدي من عنده ذكر الرواة، واللغويين الذين أخذت عنهم هذه التعريفات، أو بعبارة أخرى أمكنه أن يكشتف المراجع التي تقل عنها لاقاموس ليرد في بعض الأحيان الاقتباس إلى مصدره الأصلي، ولم نعدم أن نجد فيها عبارات يمكن ردها إلى كتاب العين.

1 ولعل السلسلة الواحدة الباقية لليوم هي رواية "قراءة القرآن".

ص: 109

ج- أحيانًا قد يغفل القاموس مادة بأسرها، فيذكرها الزبيدي منبهًا عليها خصوصًا هذه المواد التي أهملها القاموس وذكرها الصحاح. كما يزيد الزبيدي ذكر بعض المشتقات التي فاتت القاموس. وهذه الفوائت تذكر تحت عبارة "ومما يستدرك عليه" أو"المستدرك".

مثال ذلك قوله في مادة "ل ب ب". "ومما يستدرك عليه.... وعنه الليث: والصريح إذا أنذر القوم لبب. وذلك أن يجعل كنانته وقوسه في عنقه، ثم يقبض على تلبيب نفسه، وأنشد:

إنا إذا الداعي اعترى أو لبَّبا

وهذه العبارة منقولة عن تهذيب الأزهري الذي عزاها إلى الليث، وهو يقصد "كتاب العين"، ويمكن بعرض هذه الفقرة من "العين" عقد المقارنة بينهما:-

قال في العين: "والصريح يصرخ إلى القوم ويلبب، ويقال: يلبب؛ لأنه يجعل كنانته أو قوسه في عنقه، ثم يقبض على تلبيب نفسه، ويصرخ، قال:

إنا إذا الداعي اعترى أو لبَّبا

وفي موضع آخر عندما ذكر القاموس كلمة "ويح" زاد صاحب التاج عليها:-

قال الخليل: لم تستعمل العرب على هذا الوزن إلا -ويل، ويه، ويك، ويس.

وقد ذكر كتاب العين في ذلك الموضع ما يقرب من هذا.

وبهذه المناسبة أمكننا أن نكتشف تخطئة للأزهري استداركًا على الليث.

وهذه التخطئة غير صحيحة؛ لأن التاج ذكر رواية عن أبي عبيدة تشهد ضد الأزهري.

ص: 110

وذلك عند ذكر كلمة "يوم بغاث"، فقد نقل التاج عن التهذيب "قال الأزهري: لقد ذكر الليث هذه الكلمة بالغين وصوابها بالعين المهملة، ولا يعقل أن هذا رأي الخليل، وإنما صحفت على الليث ومقام الخليل يجل عن هذا1. وقد أنهى التاج هذا الاقتباس بقوله: وذكر أبو عبيدة أن الخليل روى عنه "بغاث" بالغين أيضًا.

ويمكن هنا أن نذكر تعبير العين نفسه لنرى إلى أي حد يتفق مع هذا:-

"ويوم بغاث، وقعة كانت بين الأوس والخزرج، ويقال: بعاث بالعين، وبغاث: على موضع أميال من المدينة".

ومن هذا نرى أن الأزهري كان يتقصد مواضع معينة من "العين"، ويغير من تعبيره -إذا صح لنا أن نسمي الحذف تغييرًا، ليلتمس من ذلك سبيلًا إلى تخطئته.

وهذا المثال وأشباهه قد سبب ارتباكًا كبيرًا لكثير من اللغويين الذين ما كانوا يجرؤون على رد قول لغوي كالأزهري بل أنهم أكثر من هذا نقلوا عن كتابين ينتسبان لمدرستين مختلفين مما بدا في صورة المتناقض. وهذا أيضًا ما جعل المتأخرين أمثال السيوطي، والزبيدي لا يقطعون في تلك المسألة برأي حاسم، بل اكتفيا بذكر ما وقعت أعينهم عليه.

وأيا ما كان، فقد كان لطول كتاب التاج، وذكره لمختلف الروايات فضل أي فضل في اكتشاف أدلة جديدة ضد صاحب التهذيب في جملته على كتاب العين لينفي نسبته عن الخليل بحجة أنه فوق مستوى الخطأ أو الشبهات.

1 ورد ما يقرب من ذلك في مقدمة الأزهري في كتاب التهذيب ص28.

ص: 111