الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
…
كلمة ختامية:
كيف نضع المعجم:
لقد لاحظنا أثناء استعراضنا لأمهات المعاجم العربية كيف أن متأخرها نقل عن سابقها، وقد أمكن بالتالي في أغلب الأحيان إرجاع كثير من عباراتها إلى "كتاب العين"، أما من حيث ترتيب الكلمات، فإنها قد مرت بالمراحل الثلاث التي بيناها، وهي مرحلة التقليبات والقافية، والأبجدية العادية.
والآن نريد أن نسهم بدورنا في وضع الخطوط الرئيسية لمنهج صحيح، ونظام ملائم لما ينبغي أن يسير المعجم عليه مستقبلًا، وإنا لنستوحي في هذا ما ذكر سابقًا أثناء عرضنا للمعاجم، وما لاحظناه عليها من نقد في الطريق، والأسلوب بحيث لا تتكرر هذه المآخذ مرة أخرى في قاموس المستقبل، ولتحقيق هذا ينبغي أن نضع نصب أعيننا نقطًا ثلاثًا رئيسية تحتاج إلى توضيح.
1-
أي نوع من الكلمات ينبغي أن يسجل.
2-
ترتيب هذه الكلمات في المعجم.
3-
شرح هذه الكلمات والمنهج الذي يتبع في ذلك.
أ- أنواع الكلمات:
لقد قرر المجمع اللغوي في مصر1 أن "الفصيح" له زمن محدد، وبذلك أبقى على تعريف القدماء في ذلك، ووافقهم في تحديد مدته التي تبدأ بالعصر الجاهلي، وتنتهي بالعصر العباسي الأول، أي إلى ما يقرب من نهاية القرن الثاني الهجري.
ويقابل الفصيح في العادة بالمعرب والمولد، فالمعرب يشمل الكلمات الأجنبية
1 مجلة المجمع اللغوي 8949م.
التي دخلت العربية من لغات أخرى، ولكنه اصطبغ بصبغة العربية من حيث مخارج الحروف، ومن حيث الصيغة غالبًا، أما المولد أو المحدث فيشمل صيغًا جديدة استعملها من أتى بعد عصر الاحتجاج، وإن كان أصل المادة موجودًا في بعض الأحيان، وقد يمثل له بكلمات "تصنيع وتأميم" المأخوذتين من "ص ن ع، أم. م"، والأنواع الثلاثة مسموح بإدخالها في المعجم؛ لأنها كلمات يستعملها الأدباء، فلها حق التسجيل كما لغيرها، غير أنه ينبغي أن ينص على أنها معرب، أو مولد وفي الحالة الأخيرة يجب في المعجم التاريخي أن يذكر أول استعمال لها.
2-
الترتيب:
لقد شاهدنا كيف تطور الترتيب حتى مر بمراحل ثلاث، وكيف أنه كان لكل ترتيب خصائص، وأغراض وضع لها ولكن حيث إن ترتيب "العين" يخدم غرضنا لغويًّا معينًا وهو علم الأصوات اللغوية، وكذلك ما يعرف باسم الفونولوجي "PHONOLOGY"، وكذلك ترتيب الصحاح كان مقصودًا به أن يعين على السجع، والقافية فإنا نكتفي بهذين المعجمين وبإضرابهما إذا أردنا أن نفيد منهما في الأبحاث اللغوية أو الأدبية.
أما إذا كان القصد هو استخدام كتاب يشرح لنا المفردات، فإنه من الأسهل أن تتبع ترتيب "الأساس" الذي سار فيه مؤلفه على الأبجدية العادية.
وحيث إن طبيعة اللغات السامية، ومنها العربية أن تكون فيها "الأصول" مؤلفة من حروف صامتة، وأن الصيغ تأتي بتغيير الحركات، وإضافة مجموعة معينة من الأصوات تعرف بحروف الزوائد، فإنه لا بد من الإبقاء على هذا، فلا يصح أن نقلد النظام الأوربي، وتعتبر هذه الحروف عند ترتيب الكلمات؛ لأن طبيعة اللغات الأوربية تسمح بذلك، وعلى هذا فكلمات "استخرج، مستخرج يتخرج أخرج" تكون كلها في مادة "خ ر ج".
ولا يشكل على هذا أن عدم اعتبار حروف الزوائد يحوج إلى "التبحر" في علم الصرف، بل إن قليلًا من الإلمام بالقواعد اللغوية يكتفي في هذا، وعلى ذلك ينبغي أن تذكر الكلمة الصعبة التصريف -بجانب موضعها الأصلي- في الموضع الذي يقتضيه الحرف الزائد على فرض أنه صلى، ثم ينبه على نظرها في مادتها. فمثلًا كلمة "تترى ينبغي أن تذكر في مادة "ت ت ر"، ثم ينبه على نظرها في موضعها الأصلي وهو "وت ر"، وكذلك الأعلام المعربة يراعي فيها ذلك ما أمكن.
أما ترتيب المشتقات تحت المادة الواحدة، فلا يصح مطلقًا أن نعود إلى ما وقع فيه صاحب اللسان وغيره من اختلاط، واضطراب وتكرار. بل ينبغي أن تتبع في ذلك نظامًا متدرجًا، وقد رأينا أن هذا التدرج قد أوضحه "فيشر" في النموذج الذي وضعه لمعجمه.
3-
التعريف والشرح:
ينبغي أن يراعى في شرح المفردات، وتعريفها وضوح العبارة وإفادتها، وبما أن معظم المفردات قد حفظ لنا في معاجمنا القديمة شروحًا إلا أن هذا الشرح قد يكون في بعض الأحيان غامض العبارة، فينبغي أن يوضع من جديد في عبارة أسهل، وليس معنى هذا التغير الشامل بل الإيضاح فقط خصوصًا إذا عرفنا أن أغلب هذه المعاجم كانت مولعة بالنقل الحرفي عن المراجع التي اعتمدت عليها فمثلًا في تعريف "الآخر" لا يصح أن نرى "هو ما يبقى بعد فناء خلقه -صامته وناطقة"، فعبارة "صامتة وناطقة" عبارة صوفية لا تفيدنا في التعريف المعجمي للكلمة.
كذلك ينبغي أن نحدد معالم الأماكن بوضوح، وإلا فيشار إلى ورودها في كتاب معين، فمثلًا لا يصح أن نرى من جديد أن كلمة كذا مكان معروف.
أو على بعد ثلاثة أيام من صنعاء؛ لأنه واضع هذه العبارة كان يقصد مسيرة ثلاثة أيام يسير الإبل أما الآن، فيمكن تحديد المسافة بالميل مثلًا.
أما الاعتماد على الرواة، وذكر أسمائهم فلا داعي له؛ لأن الكلمة لم تعن ما تعنيه؛ لأن راويا معينًا قال كذا، وإذا كان لا بد من ذكر هذه الأسماء فليكن بقدر.
ولكن إذا سمح بذكر أسماء لغويين معينين فلا بد من الرجوع إلى كتبهم.
وإلا فينص على المرجع الذي نقل عنهم فيه، حتى لا تقع فيما وقع فيه السابقون من الخطأ في نسبة الرأي إلى غير قائله خصوصًا فيما ينسب للخليل أو الليث.
أما الناحية التاريخية فتراعى فقط في المعجم التاريخي الذي نحن في أشد الحاجة إليه، وكم كنا نود أن يتمم المجمع اللغوي في مصر بما له من النفوذ، ما بدأه "فيشر" في ذلك، وصحيح أن هذا يحتاج إلى الجهد والوقت، ولكن الجهد متوفر والحمد لله في شخصيات الأعضاء الأفاضل، وفي المهتمين بالأبحاث اللغوية من رجال الجامعات والأدباء، أما الوقت فليس المطلوب إخراج هذا المعجم بين يوم وليلة، ولكن المأمول فقط أن يخرج قسم منه في بضع سنوات ليكون أنموذجًا لمعجم كامل نبدؤه نحن ليتمه الجيل القادم مثلًا.
وبعد -فلعلي قد وضعت النقط فوق الحروف حين أدليت برأيي في كل معجم عربي تعرضت له، وحين اتخذت من ذلك أساسًا لمنهج قريب من الصواب يصح أن يتبع حين نصع معجمًا جديدًا.