المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: صحاح الجوهري - المعاجم العربية مع اعتناء خاص بمعجم العين للخليل بن أحمد

[عبد الله درويش]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول: المرحلة الأولى في تنظيم المعجم العربي مرحلة التقليبات

- ‌نبذة عن حياة الخليل

- ‌طريقة الخليل في "العين

- ‌اللغويون الذين ساروا على نهج الخليل في المشرق:

- ‌أولًا- جمهرة ابن دريد:

- ‌ثانيًا- تهذيب الأزهري:

- ‌المعاجم التي اتبعت نظام العين في المغرب:

- ‌ثانيًا: مختصر العين للزبيدي:

- ‌ثالثًا: محكم ابن سيده:

- ‌الباب الثاني: الخلاف حول كتاب العين

- ‌مدخل

- ‌الآراء حول كتاب العين:

- ‌مناقشة الآراء في "العين

- ‌كتاب العين يتحدث:

- ‌كيف وضعت الفكرة الأولى للعين:

- ‌الكرملي وكتاب العين:

- ‌مخطوطات العين:

- ‌الباب الثالث: المرحلة الثانية في تطور المعاجم نظام القافية

- ‌أولا: صحاح الجوهري

- ‌ثانيًا: لسان العرب:

- ‌ثالثا: قاموس الفيروزبادي

- ‌رابعًا: تاج العروس:

- ‌الشدياق ونقده للقاموس:

- ‌الباب الرابع: المرحلة الثالثة من ترتيب المعاجم مرحلة الترتيب الأبجدي العادي

- ‌تنظيم الأبجدية العادية

- ‌المجمل والمقاييس لابن فارس:

- ‌أساس البلاغة للزمخشري:

- ‌الموجزات:

- ‌المعاجم اللبنانية الحديثة:

- ‌معاجم المستشرقين:

- ‌قاموس المجمع اللغوي: "المعجم الكبير

- ‌الخاتمة

- ‌الفهرس

الفصل: ‌أولا: صحاح الجوهري

‌الباب الثالث: المرحلة الثانية في تطور المعاجم نظام القافية

‌أولا: صحاح الجوهري

أولًا: صحاح الجوهري:

حين امتد بنا الزمن إلى عصر إسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى 398هـ.

نجد أن ترتيب الكلمات في المعجم العربي اتبع نظامًا آخر. فلم يعد هناك داع للسير على نظام التقليبات، ومن ثم فلم تبق هناك حاجة إلى الأبجدية الصوتية التي اتخذت أساسًا لذلك النظام. وإنما ابتدع الجوهري نظامًا جديدًا اتخذ فيه الترتيب الأبجدي العادي أساسًا، ولكنه جعل ترتيب الكلمات فيه على أساس الحرف الأصلي الأخير في الكلمة. ولنا أن نتجاوز في التعبير، ونسميه ترتيب القافية. وقد قال عنه الجوهري في مقدمته إنه رتب كتابه ترتيبًا لم يسبق إليه.

نشأ الجوهري في القرن الرابع الهجري1 في مدينة "فاراب" وراء النهر "نهر سيحون" حيث تلقى علوم اللغة على أشهر علماء عصره أمثال السيرافي، وخاله إبراهيم بن إسحاق الفارابي2 المتوفى "350" هـ. وكان الفارابي قد ألف معجمًا قسمه على نظام الأسماء، والأفعال كما قسم كلا منها على أسس صرفية ونحوية، وقد انتفع به الجوهري أكبر انتفاع.

وقد ساعدت الظروف الجوهري حين ألف معجمه إذ وجد أمامه من الذخيرة اللغوية الشيء الكثير كما أنه سمع من الأعراب في البدو، والحضر حيث رحل إلى الأماكن التي كان فيها بقية من قبيلتي ربيعة ومضر. وهكذا قد أمكنه أن ينقل عن فصحاء العرب كما فعل الأزهري حين أخذته القرامطة أسيرًا.

وقد ذكر لنا الرواة أن الجوهري كان حسن الخط جميله حتى كان يضارع

1 اختصرت الترجمة هنا ومن أرادها مطولة فعلية الرجوع إلى كتب الطبقات.

2 وهو غير أبي نصر الفارابي الفيلسوف المتوفى 339هـ.

ص: 91

ابن مقلة في ذلك. وكان الناس يتسابقون في اقتناء نسخة من كتابه مكتوبة بخطه، وإن كلفهم ذلك غالي الثمن1.

ولئن كان هم أصحاب المعاجم قبل الجوهري إحصاء المفردات، أو المواد اللغوية وتسجيلها في كتبهم كل حسب جهده ومقدرته. ومنهم فريق آخر اقتصر على "الجمهور" المتداول من المفردات، وفريق ثالث أجمل ما قاله الأولون مفصلًا، فإن الجوهري لم يكن يعنيه حصر كل المواد أو الاقتصار على المتداول، إذ رأى أن بعد العهد بالعربي الفصيح قد أدخل على اللغة ما ليس منها. ولقد بلغ الاختلاط في هذا إلى درجة أن اشتبه "الصحيح" بغير الصحيح. فألف كتابه ليثبت فيه ما ذكره لنا من أنه الفصيح في اللغة.

ولقد سمى معجمه الصحاح لهذا، وهذه الكلمة تضبط على وجهين2 إما أن تكون بكسر الصاد جمعًا لكلمة صحيح، أو بفتحها فتكون مرادفًا لتلك الكلمة.

ولعل التنافس بين أصحاب الحديث من حيث الرواية، والتشدد في الصحة وعدمها مما أوحى إلى الجوهري بأن يجري على سننهم. فكما أن للمحدثين "صحيح البخاري"، فلما لا يكون للغويين أيضًا صحيح، وقد تفلسف الجوهري فاختار كلمة "لغوية" مرادفة للصحيح تليق بمقام اللغويين الباحثين أن يستعملوها، فسمى كتابه الصحاح "بفتح الصاد".

ولكن هل معنى الاقتصار على نوع خاص من المواد، أو المفردات أن كثيرًا من اللغة لم يدرج في هذا المعجم؟ يرى الفيروزآبادي صاحب القاموس أن الجوهري قد ترك بذلك نصف اللغة. ويظهر أن المتقدمين كانوا يبالغون

1 ياقوت معجم الأدباء ج2 ص276.

2 المزهر ص39.

ص: 92

في أحكامهم. ولقد ظن انشدياق أخيرًا أن كلمة النصف هنا بمعناها الحقيقي، فاستدرك ذلك على صاحب القاموس وأخذه عليه1. وذكر لنا أنه من المتعذر أن تعد المفردات في أي لغة. وإن ذلك لمستحيل في العربية لكثرة الاشتقاق من الأصل الواحد فيها. أما إذا كان صاحب القاموس -كما استطرد الشدياق- يعني ان الجوهري ترك بعض المواد فهذا تفسير آخر. ولقد ذهب الشدياق إلى أبعد من هذا، فأتعب نفسه في عد المواد في قسم معين من الكتابين.

وقد استولت عليه الدهشة حينما وجد؟؟؟؟؟ في الصحاح؟؟؟؟؟

في القاموس، مع حشو الأخير بأسماء الأعلام التي عاش أصحابها بعد زمن الجوهري بكثير.

منهج الصحاح:

أ- لقد كان الجوهري أول من استعمل نظام "القافية" في ترتيب الكلمات في كتابه. ولقد فسر هذا بعض المعاصرين المحدثين2 بأنه يساعد المتأدبين على الكتابة التي كان من أهم خصائصها السجع في تلك الأيام. كما أن من شأنه أن يساعد على وحدة القافية في القصيدة العربية التي قد تبلغ أحيانًا المائة من الأبيات.

ولعلنا في حل من أن نضيف إلى هذا سببًا آخر، وهو أن أي ترتيب لا بد أن يخضع لنظام الزوائد والأصول من الحروف في المفردات. ولقد أدى هذا إلى الارتباك أحيانًا خصوصًا في الرباعي، والخماسي حيث يختلف موضع الكلمة.

1 الجاسوس ص150.

2 جورجي زيدان -آداب اللغة ج2 ص310.

ص: 93

في القاموس تبعًا لاعتبار أي الحروف يكون الزائد وما موضعه. وأنه قد يكون من الصعب تمييز ذلك أول الكلمة، ووسطها في بعض الأحيان على حين أن الزوائد في الآخر تكاد تكون محصورة في:

1-

علامتي التثنية والجمع.

2-

علامة التأنيث من تاء أو ألف.

ولقد سار الجوهري في ترتيب الأبجدية على النظام المعروف لنا اليوم فيما عدا حرفًا واحدًا هو الواو إذ وضعه بين النون والهاء، فأصبحت الحروف آخر الأبجدية هكذا: ل، م، ن، و، هـ، ي.

وقد اتبع هذا النظام في الأبواب التي رتب فيها الكلمات حسب أواخرها وطبعًا تحت كل باب ذكر حروف الهجاء، ثم بعد ذلك قسم ذلك الحروف إلى فصول كل فصل تبدأ فيه الكلمة بحرف من حروف الهجاء. ولكنا فوجئنا أنه في الفصول استعمل الترتيب العادي المألوف اليوم.

وتوضيحًا لهذا نذكر بعض الكلمات على سبيل المثال نجد أن ذكر كلمة وجد قبل كلمة هجد.

ب- لقد أراد الجوهري أن يتغلب على مسألة التشكيل التي أتعبت المتقدمين قبله. فنجد مثلًا معاجم الأزهري، وابن دريد وابن فارس قد شكلت فيها الكلمات بالضمة، والفتحة والكسرة في بعض المواضع. ولسنا نعرف ما إذا كان هذا التشكيل من وضع هؤلاء اللغويين أم من وضع من أتى بعدهم من الرواة والعلماء. ثم إن التصحيف قد لعب دورًا كبيرًا في هذا فنجد أن النساخين قد خلطوا بين الضمة والفتحة، وأحيانًا يتركون كتابة الحركة اعتمادًا على أن الذوق يدركها، ثم يأتي من بعدهم فيضع حركة مغايرة ظانًّا أنها الحركة الصحيحة، وأحيانًا يكون رأي المؤلف الأصلي أن يكون حرف ما مفتوحًا، فيأتي من بعده ويرى أن هذا خطأ أو غير صحيح، فيضع ضمة بدلًا منها، ويأتي ثالث فينقل

ص: 94

لنا الضمة. ونأخذها منه على أنها تمثل رأي المؤلف الأصلي. لعل هذا أو ما يماثله قد دار بخلد الجوهري فأراد أن يخلصنا منه فوضع نظامًا جديدًا.

يتلخص هذا النظام في أنه لا يضع الحركة على الكلمة بل يذكر نوع الحركة كتابة بعد الكلمة، وقد اقتضاه هذا أن يقتصر على ذكر حركة الحرف المحتمل أكثر من وجه واحد، فمثلًا يقول:"الحباب بالضم"، وهذا يعني أن الحاء مضمومة أما الباء الثانية، فلا بد أنها مفتوحة لورود الألف بعدها. وأما الحرف الأخير فقد ترك للإعراب. وحيث إن هذا التطبيب كان أول محاولة من نوعها لذلك النظام، فمن الإنصاف أننا لا نؤاخذ الجوهري على بعض الهفوات في محاولته. وإنه ليكفيه أن يضع اللبنة الأولى في حل هذه المشكلة. وعلى المتأخرين أن يكملوا هذا البناء. ولقد حقق لنا الفيروزآبادى أخيرًا ما كنا نتوقع فاقتبس هذا النظام وأكمله وطبقه بدقة وعناية. ولنعد لنظام الجوهري الآن فنرى أنه أيضًا عند الكلام على الفعل الماضي قد ذكر نوع حركة عينه فقط؛ لأنها هي التي تحتاج إلى تبيان. وفي بعض الأحيان قد يذكر مصدر الفعل بجانبه ليدل على التشديد. فإذا قال لنا مثلًا:"قطع تقطيعًا" فإن معنى هذا أن عين الفعل وهي الطاء تكون مشددة.

هذا هو المنهج العام للجوهري في ترتيب المفردات في كتابه، أما من حيث تعريف المفردات، فلم يأت فيه بجديد فقد اقتبس عمن سبقوه أحيانًا مع التصريح بالمصدر الذي أخذ عنه، وأحيانًا يغفل ذلك.

وبمقارنة بعض العبارات بكتاب العين نجد اتفاقًا كبيرًا بين التعبيرين، وهذا يدل في رأينا على أنه نقل عن العين، وإن لم يكن بطريق مباشر بل بواسطة بعض من أخذ عنهم، وصرح بأسمائهم مثل الأزهري، وابن دريد وابن فارس.

ص: 95

أما من حيث المواد التي تركها فقد ذكر الشدياق أن الجوهي ترك كثيرًا من المفردات التي تدخل في باب الصحيح، ولعل هذا في نظر الشدياق يرجع إلى السهو، ولعلنا ندهش إذ نرى أن كثيرًا مما أغفله الجوهري قد ذكره الخليل في العين، وإن المتتبع لحاشية ابن بري أو تكملة الصاغاني ليرى كيف أنهما استدركا على الجوهري كثيرًا من الصحيح الذي تركه مما نجده مدونًا في كتاب العين.

ص: 96

تعليقات ومختصرات وتراجم للصحاح:

لقد كان للصحاح أهمية كبيرة في عالم اللغة، فتناوله العلماء بالتعليق والشرح والاختصار والترجمة، ولعلنا نوفي الجوهري حقه حين ننوه فقط ببعض منها لأهميته1.

1-

التكملة. ألفها الصاغاني المتوفى عام 660هـ، وفيها يذكر المؤلف بعض المواد التي تركها الجوهري مع التعليق الموجز على ما ذكره الجوهري من معاني المفردات، أو نسبة الآراء إلى قائليها.

2-

حاشية ابن بري. وهي أشهر الحواشي التي كتبت على الصحاح. ويزيد في أهميتها أن مؤلفها كان تلميذ الجوهري. وقد اعتنى ابن بري في الحاشية بأن ينبه على الكلمات التي وضعت خطأ في غير موضعها. كما أنه أضاف بعض الشواهد التي لم يذكرها الجوهري.

3-

ولقد جرد السيوطي كل الأحاديث التي وردت في الصحاح، ووصفها في كتاب منفرد لشرحها وبيان معانيها.

4-

أما المختصرات فتقصر منها على ذكر اثنين:-

أولًا:

مختار الصحاح الذي وضعه الرازي المتوفى عام 780هـ، ولقد رتب الرازي مختاره كترتيب الصحاح. وقد كان من المتوقع -كما يوحي بذلك عنوان الكتاب أنه سيتخير بعض المفردات التي يراها ملائمة لغرضه في الكتاب، ويقتصر عليها فقط. ولكنه فعل أكثر من هذا. إذ أضاف إلى ما انتقاه

1 ذكر الأستاذ عبد الغفور العطار، جميع ذلك في كتاب يخرجه حديثًا عن الصحاح الذي ينتوي إعادة طبعه من جديد.

ص: 97

من الصحاح بعض مفردات أخرى نقلها عن تهذيب الأزهري وغيره من المعاجم.

وفي طليعة القرن الحالي تخيرت وزارة المعارف المصرية هذا الكتاب ليكون قاموسًا مدرسيًّا، فطبع مرة أخرى بعد أن عدل ترتيبه من نظام القافية إلى النظام المألوف العادي.

ثانيًا:

تهذيب الصحاح، وقد طبع حديثًا في مصر، ويسير على نظام القافية أيضًا. وقد ذكر لنا محققًا الكتاب أن مخطوطته قد اكتشفها في مكة المكرمة العلامة الشيخ محمد سرور الصبان1. وقد أمكن لمحققي الكتاب أن يهتديا إلى اسم المؤلف، وأن يختارا عنوانًا مناسبًا للكتاب: إذ لم يكن مسجلًا على المخطوطة شيء من هذا أما المؤلف فهو الزنجاني، وقد اعتمد المحققان في هذا على كشف الظنون. وأما عنوان الكتاب فقد اختصره من عنوان لمؤلف آخر للزنجاني باسم "ترويح الأرواح في تهذيب الصحاح".

5-

التراجم:

لقد ترجم الصحاح إلى الفارسية والتركية. وذلك ليسهل على الفرس والأتراك تعلم العربية حينما امتدت رقعة الدولة الإسلامية إلى تلك البلاد، ولقد ظهرت الترجمة التركية 1000هـ، وفيها مقدمة تبحث موضوع صيغ الأفعال في اللغة العربية.

وأخيرًا فقد فتح الصحاح طريقًا جديدًا في ترتيب الكلمات، واختفى أثره في ذلك اللسان والقاموس.

1 لقد عنى الشيخ محمد سرور الصبان وزير المالية السعودية بنشر كثير من كتب اللغة، والأدب بينها "تهذيب الصحاح" الذي حققه الأستاذ عبد السلام هارون، وأحمد عبد الغفور عطار. وقد أخرجته المطابع المصرية عام 1952م.

ص: 98