الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: المرحلة الأولى في تنظيم المعجم العربي مرحلة التقليبات
نبذة عن حياة الخليل
…
نبذة عن حياة الخليل:
رغم شهرة الخليل1 بالبصرة فإنه قد ولد في مدينة أخرى -هي مدينة عمان على شاطئ الخليج الفارسي عام 100هـ، ولكن نشأته بالبصرة؟؟؟؟ وتلقيه العلم بها تلميذًا، ورياسته لمدرستها شيخًا جعلته يشتهر بهذا اللقب، وقد كان الخليل من أولئك العلماء القلائل الذين انحدروا من أصل عربي صرف إذ ينتسب إلى بطن فرهود من قبيلة الأزد، وهو وإن عرف أيضًا بالفراهيدى إلى أن بعضهم يصر على تصحيح النسبة إلى الفرهودي.
لم يكن الخليل على حظ كبير من الغنى والسعة، فقد رضي وقنع بعيشته الزهيدة المتواضعة. وذلك لكثرة انشغاله بالعلم والتفكير، ولرضاه النفسي بحالته كما هي. وهذا ما يفسر لنا السبب في رفضه أن يكون مؤدبًا لولد الأمير سليمان بن عبد الملك حينما طلب منه ذلك، وفي هذا يقول الخليل نفسه:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة
…
وفي غنى غير أني لست ذا مال
وقد ظهرت شخصية الخليل قوية واضحة في تأليفات تلاميذه. فهذا سيبويه ينقل في كتابه الكثير عن الخليل. بل إن كثرة هذا النقل بدرجة ملحوظة جعلت بعض النقاد يعتبرون أن سيبويه قد جمع فقط آراء شيوخه الذين كان أهمهم الخليل، ودونها في سجل هو ما عرف بعد باسم "الكتاب"، ويميل بعض المستشرقين إلى أن يعدهما معا رأس مدرسة البصرة كما يعدون القراء، والكسائي مما رأس المدرسة الكوفية2.
ولم يبرز الخليل في العلوم اللسانبة من نحو ولغه، وشعر فحسب بل كان له دراية
1 اختصرنا ترجمة الخليل هنا كما سنختصر ترجمة أصحاب المعاجم الذين وردوا بعده؛ لأنه يمكن الرجوع إلى ذلك في كتب الطبقات.
2 مقدمة الإنصاف للمستشرق قابل weil ص69.
واسعة بالعلوم الشرعية والعلوم الرياضية، وأكثر من هذا كان بارعًا في الموسيقى والنغم، وإن نظرة واحدة إلى الطريقة التي وضع بها علم العروض الذي اتفق الجميع على أنه هو الذي ابتدعه دون سابق مثال لتدلنا على أن الخليل كان ذا عقلية مبتكرة. وقد روى لنا في هذا أنه كان قد مر يومًا بمداد، فاستهواه دق المطرقة المنتظم، فلما حاول أن يربط بين هذه النغمات الرتيبة وبين الأوزان في الشعر العربي تم له ذلك باختراع علم العروض. وكانت التفصيلات التي استعملها الخليل كموازين للشعر، وتقطيع الأبيات على حسب تلك الموازين الذي يؤدي أحيانًا إلى شطر الكلمة الواحدة، أو ضم كلمة مع جزء أخرى لتكون وحدة عروضية معينة، كانت كل هذه الأشياء الجديدة على اللغويين الأول أشبه شيء بالألغاز. فقد ذكر لنا أن بعض علماء اللغة رحل إلى الخليل ليتعلم منه فنه الجديد، ولما لم يجد الخليل عنده الاستعداد الكافي لتقبله أراد أن يصرفه عنه بإشارة لطيفة حيث طلب منه أن يقطع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه
…
وجاوزه إلى ما تستطيع
ففطن ذلك اللغوي إلى غرضه، وترك علم العروض الذي لم يستطع تفهمه. حتى طبقة المثقفين من غير العلماء كانت تستغرب هذا الشيء الجديد الذي لم يكن مألوفًا ولا متعارفًا. فقد روي أن الخليل كان يومًا منشغلًا بتقطيع بعض الأبيات، فدخل عليه ابنه فاستوضح منه هذا الأمر، فما كان من الخليل إلا أن ترك له بطاقة مسجلًا عليها هذان البيتان:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني
…
أو كنت أعلم ما تقول هذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني
…
وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
ومع الاتفاق على نسبة هذه الأبيات وغيرها للخليل، فإننا لا نستطيع أن نعده شاعرًا بالمعنى الكامل للكلمة. هذا علاوة على ما في البيتين السالفين من سمة التقسيم المنطقي الذي ينبئ على أن قائلهما عالم لا شاعر.
وبالإضافة إلى براعة الخليل في اللغة، والموسيقى نجد أنه كان أيضًا رياضيًّا عارفًا بعلم الحساب إلى حد يعتبر فيه سابقًا لأوانه، فقد ذكر أنه وضع محاولة ابتكر فيها وضع نظام حسابي خاص يكون من السهولة بحيث لو عرفته الجارية، وذهبت به إلى السوق، فإنه لا يستطيع أحد أن يغالطها الحساب.
وإن عقلية فذة كعقلية الخليل لا يستبعد أن يكون صاحبها مبتدعًا لأسس العروض، ومبتكرًا للتنظيم المعجمي. بل إن أحد المستشرقين1 من فرط إعجابه بنظريات الخليل صرح بأن نظام العين ليس غريبًا أن يكون من عمل الخليل بل الغريب ألا يكون منسوبًا إليه.
ونظرًا لما أثير حول نسبة كتاب العين إلى مؤلفه الحقيقي، فقد رأينا أن نفرد هذا بموضوع خاص يأتي فيما بعد:
أما مؤلفات الخليل الأخرى فلم يصلنا منها شيء، وقد وردت أسماؤها متناثرة في كتب الطبقات، وقد جمعتها دائرة المعارف الإسلامية في ستة كتب هي:
1-
النقط والشكل.
2-
النغم.
3-
العروض.
4-
الشواهد.
5-
الإيقاع.
6-
الجمل.
1 براونلتش الذي كتب مقالًا في ذلك في مجلة إسلاميات الألمانية islamica، 2.
ولقد لقي الخليل تقديرًا وإكبارًا يليقان بمركزه العلمي من الأدباء واللغويين المتقدمين، فهذا ابن المقفع، يقول:
"لقد لقيت فيه رجلًا عقله أكبر من علمه"، وهذا خلف بن المثنى1 يخبرنا أنه قد اجتمع في البصرة في وقت واحد عشرة من أكابر العلماء في مختلف الفنون أولهم الخليل بن أحمد اللغوي، وثانيهم بشار بن برد الشاعر. إلخ ومدحه حمزة بن حسن الأصبهاني بقوله: إنه لم يكن للمسلمين أذكى عقلًا من الخليل. ويكفينا دلالة على تفوق الخليل في العلوم الإسلامية أنه تخرج على يديه ثلاثة أئمة في فنونهم أولهم سيبويه في النحو، وثانيهم النضر بن شميل في اللغة، وأما الثالث فهو مؤرج السدوسي في الحديث.
1 النجوم الزاهرة ج2، ص29.