الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجمل والمقاييس لابن فارس:
في أواخر القرن الرابع الهجري ظهر معجمان كان ترتيب الكلمات فيهما هو الأول من نوعه إذ التزم المؤلف في كل منهما نظام الأبجدية العادية مع فارق يسير، والكتابان لمؤلف واحد هو ابن فارس.
نشأ أحمد بن فارس في قزوين، وهمدان حيث تلقى المرحلة الأولى من تعليمه، ثم رحل إلى بغداد حيث أخذ علوم اللغة من أشهر علمائها في ذلك الوقت أمثال الخطيب، وابن القطان1، وابن طاهر المنجم، وقد بلغ من مركزه العلمي أن استدعاه إلى "الري" فخر الدولة بن بويه لتأديب ولده مجد الدولة، كما كان له من المكانة ما جعله أستاذًا للأدبيين المشهورين الصاحب بن عباد، والبديع الهمداني، ورغم أنه كان فارسي الأصل إلا أنه كان متشيعًا للعرب ضد الشعوبية.
ومن بين كتبه التي لها صلة بمعجميه: الصحابي وكتاب الثلاثة.
أما كتابه الأول فاسمه الكمل "الصاحبي في فقه اللغة، وسنن العرب في كلامها".
وهو أول كتاب كامل من نوعه تعرض فيه للمسائل اللغوية الهامة، وقد اتخذه السيوطي فيما بعد أساسًا لكتابه "المزهر".
وأما الكتاب الثاني "كتاب الثلاثة"، فقد جمع فيه بعض المواد اللغوية التي تتشابه في كل منها معاني الأصول الثلاثة مهما قلبت في أي وضع، وقد كان هذاالكتاب أساسًا لمعجمه "المقاييس".
وله بجانب هذا رسائل أخرى صغيرة كالإتباع، والمزاوجة، وأيضًا ذم الخطأ
1 ابن القطعان هو الذي روى عنه ابن فارس كتاب العين.
في الشعر الذي ذهب فيه إلى أن الشعراء الأول حتى الجاهليين منهم غير معصومين من الخطأ، "فما ورد1 من كلامهم موافقًا لسنن كلام العرب، فمقبول وما ورد غير ذلك فمردود"، وقد أعلن في صراحة أن امرأ القيس مثلًا قد أخطأ حين قال:
فاليوم أشرب غير مستحقب
…
إنما من الله ولا واغل
بتسكين الباء من "أشرب"، ولم يقتنع ابن فارس بالتأويلات المتكلفة التي يذكرها النحاة، واللغويون لينزهوا أمرأ القيس من الخطأ، وقال أيضًا: إن شعراء عصره المجيدين يمكن أن يحتج بشعرهم، وهذا رأي له من الخطورة، والجرأة مبلغ كبير في ذلك العصر الذي تمسك بالتقليد القائل بأن الاحتجاج مقصور على الجاهليين، والأمويين من الشعراء فقط.
أ- المجمل:
هذا هو المعجم الذي اشتهر به ابن فارس، فقد عبر اللغويون المتأخرون حين الحديث عنه بقولهم مثلًا "أساس الزمخشري، ومجمل ابن فارس".
وقد نظم هذا المعجم على أساس ترتيب الأبجدية العادية، مراعيًا ذلك في كل أصول الكلمة بما فيها الأول، والثاني، والثالث وهكذا. وكان ابن فارس يعقد فصلًا لكل حرف من حروف الهجاء، ويقول فيه مثلًا باب الحاء وما بعدها. وكان المتبادر للذهن أن يبدأ فصل الحاء، وما بعدها مثلًا بالحاء والهمزة مع بقية حروف الهجاء، ثم الحاء والياء ثم الحاء والتاء، وهكذا، ولكن كلمة "وما بعدها" استعملها ابن فارس لتعني شيئًا آخر، فكان أن قصد بها ما يليها في ترتيب الأبجدية العادية، وهو الخاء
1 كتاب "ذم الخطأ في الشعر" ص3.
في حالتنا هذه فبدأ بالحاء والخاء، ثم الحاء والدال، وهكذا إلى الحاء والياء وهنا نجد أنه عند انتهاء الأبجدية يعود ثانيًا إلى أولها، فيذكر الحاء مع الهمزة، ثم مع الباء فالتاء فالثاء إلى أن يختتم هذا الباب بالحاء مع الجيم.
فإذا تصورنا أن الأبجدية منتظمة في شكل دائرة، فإن الترتيب يبدأ من الحروف المعين مبتدئًا بتأليفه مع ما يليه في الدائرة، ثم ينتقل إلى الحرف الثاني، وهكذا حتى تعود الدائرة من حيث بدأت، وهكذا.
هذا من حيث التنظيم. أما من حيث القيمة اللغوية للمجمل، فقد ذكر ابن فارس في مقدمته أنه وجد أن مفردات اللغة العربية فوق الحصر، وأنه من غير الممكن جمعها كلها في كتاب واحد، ولذا فإنه سوف لا يهتم بذكر النوادر والغريب، وإنما سيقتصر على ذكر المستعمل من الألفاظ في عصره، وقد جعل الشرح أيضًا موجزًا، كما استعمل أسلوب الرواية، والنقل عن اللغويين المختلفين شأنه في ذلك شأن معاصريه، ولكنه لاحظ أن روايات اللغويين الأسبقين متداخل بعضها في بعض، وقد عرض لذلك في المقدمة عند ذكر أمهات مراجعه التي وصفها بقوله:"أغلاها وأشرفها كتاب العين في اللغة للخليل بن أحمد، والجمهرة لابن دريد، وكتابا أبي عبيد: المصنف والغريب، "وإصلاح" المنطق لابن السكيت، ثم قال: تداخل كلامهم في كلام بعض: "قالوا: الأب هو إلخ". ولقد طبع قسم بسيط من المجمل، ولكن بدون فهارس أو تحقيق دقيق.
ب- المقاييس:
تنظيم المفردات فيه مثل تنظيمه في المجمل، أما منهجه في شرح المفردات فقد ابتكر شيئًا جديدًا، وهو أنه حاول أن يوجد لكل مادة من المواد معنى مشتركًا عامًّا بحيث يمكن أن يدمج فيه كل المعاني الفرعية حقيقية، أو مجازية وكذلك ما يبدو في اصطلاح البلاغيين أنه مشترك لفظي حاول أن يربط بين المعاني الفرعية المختلفة لكل لفظ منها ليدمجها في المعنى العام كذلك، وعلى هذا فإذا ورد مفرد جديد لم يكن مستعملًا من قبل ولكن له أصلًا، ومادة وجد منها بعض المشتقات فإنه يبيحه، ويعلق عليه بقوله والقياس لا يأباه أو القياس يقتضيه. وبناء على هذه النظرية يمكن في عصرنا الحاضر أن نذكر في القاموس كلمة "تصنيع"، وإن لم ترد في المعاجم السابقة؛ لأنه قد ورد أصل المادة "ص ن ع" وكثير من مشتقاتها.
ولقد طبع المقاييس أخيرًا في مصر1، وبذل محققه فيه مجهودًا يشكر، وذيله بالفهارس الوافية المختلفة كما بدأه بتصدير قيم عرفنا فيه بابن فارس وكتابه.
ولكن الأستاذ المحقق اعتمد في الطبع على صورة في القاهرة لمخطوطة في إيران. وأكمل ما وجد من نقص من كتاب المجمل مع التنبيه عليه، ولكنا عثرنا على نسختين أخريين في لندن إحداهما في المتحف البريطاني، والأخرى في الديوان الهندي.
وقد قارناهما بالنسخة المطبوعة فلم نجد كبير اختلاف.
وهذا وقد اعتمد المجمع اللغوي في قاموسه الجديد "المعجم الكبير2" على آراء ابن فارس في ذكر المعنى العام لمواد اللغة.
1 حققه الأستاذ عبد السلام هارون عام 1951م.
2 ظهر هذا المعجم، وكتابنا ماثل للطبع.