الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعاجم التي اتبعت نظام العين في المغرب:
إن طريقة الخليل لم يقتصر صداها في الانتشار في المشرق بل وجدت طريقها إلى المغرب أيضًا. تذكر لنا كتب الطبقات أن أول من أحضر نسخة من العين إلى الأندلس هو قاسم بن ثابت ووالده1.
وأهم اللغويين الذين ألغوا معاجمهم على تلك الطريقة في المغرب: -القالي. الزبيدي. ابن سيده.
أولًا: البارع لأبي علي القالي:
هذا هو أول معجم ظهر في الأندلس، ومؤلفه هو أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي الذي اضطرته ظروف الحياة القاسية أن يهاجر من بغداد إلى الأندلس، وكان قبل ذلك قد ترك مسقط رأسه في أرمينيا إلى بغداد طلبًا للعلم والمعرفة عام 303 هجرية، وفي ذلك الوقت كانت سنة خمسة عشر عامًا حيث تصاحب في بغداد مع جماعة من بلدة تسمى "قالي قلا"، وإليها نسب وكان من أشهر شيوخه ابن دريد. وقد مكث ببغداد خمسة وعشرين عامًا ثم رحل عنها في عام ص328، ويذكر لنا السيوطي أن الحاجة بلغت به مبلغًا شديدًا إذا اضطر إلى بيع أثمن كنز كان يقتنيه، وهو كتاب الجمهرة بخط أستاذه ابن دريد بمبلغ أربعين دينارًا، وكان قد قدم إليها فيها قبل ذلك ثلاثمائة مثقال فرفض2.
وعندما وصل إلى الأندلس واتصل بالخليفة عبد الرحمن، وابنه الحكم عرف هناك باسم البغدادي بدلًا من القالي.
أما كتابه البارع فيكفينا ثناء عليه قول تلميذه أبي بكر الزبيدي "أنه قاموس واسع قد شمل اللغات كلها" يقصد اللهجات. وذكر الزبيدي أيضًا أن
1 البغية ص210، الإنباء ص226.
2 المزهر ص58.
البارع فاق كتاب العين بأربعمائة ورقة كما أن القالي ذكر فيه بعض أصول أوضح أنها مستعملة، وكان الخليل في العين قد ذكر أنها مهمله. ومن العلماء المتأخرين الذين أثنوا على البارع السيوطي حيث قال:"إن من أصح القواميس التي رأيتها بارع القالي وموهب القيانى. ولكن اللغويين المتأخرين لم يميلوا إلى استعمالهما وتركوهما إلى محكم ابن سيده، وصحاح الجوهري".
وممن التبس عليهم الأمر في شأن البارع حاجي خليفة في كشف الظنون إذ ذكر أن من بين مؤلفات القالي كتاب "البارع في غريب الحديث"، وقد أدى هذا الالتباس أن يشتبه الأمر على دائرة المعارف الإسلامية، فذكرت تحت موضوع "القالي" أن من بين مؤلفاته كتاب البارع في غريب الحديث: وزادت دائرة المعارف على هذا أن ذكرت أن هذه المخطوطة موجود بعضها في المكتبة الأهلية في باريس تحت رقم 4235. ولكن الواقع يخالف هذا؛ لأن هذه المخطوطة عينها قد صورت هي وقسم آخرمن البارع عثر عليه في المتحف البريطاني، وأخرجهما معًا في صورة كتاب المستشرق، فولتون أمين المكتبة الشرقية بالمتحف عام 1931م، ونستخلص من هذا أن القالي له كتاب واحد يحمل اسم البارع، ولكن ولوع صاحب كشف الظنون بكثرة تعداد الكتب أداه إلى أن يجعل هذا العنوان اسمًا لكتابين مختلفين، والواقع أيضًا أن الاسم الكامل للكتاب هو البارع في غريب اللغة العربية.
ولا يفوتنا قبل أن تترك القالي أن ننبه على أنه كان أستاذًا لأبي بكر الزبيدي الذي ألف مختصر العين، ويظهر أن بعض أصحاب الطبقات قد غفل عن هذا، فذكر ما يفيد خلاف ذلك1.
1 ذكر صديق خان في كتابه البلغة ص109 ما يأتي: روى أبو الوفا أن الزبيدي قد أخل بكتاب السين حين حذف الشواهد النافعة في مختصره، ولما رأى القالي ذلك من الزبيدي؟؟؟؟ كتابه البارع فذكر فيه ما في العين وزياده.
أما ترتيب المفردات في البارع فهو على وجه الإجمال كترتيب العين مع مراعاة التقليبات، والأبجدية الصوتية، وتقسيم الكلمات من حيث الكمية إلى ثنائي وثلاثي، ورباعي وخماسي. ولكن ترتيب الأبجدية الصوتية عند القالي لا يتفق تمامًا مع أبجدية الخليل، ولكن يختلف عنها اختلافًا قليلًا. وبمقارنة الترتيبين هكذا يمكن معرفة مدى ارتباطهما.
وإذا اتخذنا ترتيب الخليل كأساس فإننا نجد:
أولًا: الأبجدية مقسمة إلى مجموعات صوتية متحدة في كل.
ثانيًا: يختلف ترتيب الحروف في بعض المجموعات الأولى منها الهاء مكان العين، والمجموعة الثالثة فيها الترتيب مختلف، إلى السابعة.
ثالثًا: ترتيب المجموعات بعضها بالنسبة إلى البعض الآخر فيه بعض الاختلاف، فمثلًا من المجموعة الرابعة إلى السابعة نجد هناك تبادلًا في أمكنة هذه المجموعات، ومن جهة أخرى نجد أن القالي التزم بعض التفصيلات التي أجملها الخليل.
ومن هذه الأمور التي خالف فيها البارع كتاب العين ما يلي:
أ- عبر القالي عما سماه الخليل بالثنائي بقوله: "باب الثنائي في الخط والثلاثي في الحقيقة"، ولكنه أدمج فيه ما سماه الصرفيون الرباعي المضاعف مثل زلزل. وتعبير الخليل هنا أدق؛ لأنه يشمل هذا النوع أيضًا.
ب- يلي ذلك باب الثلاثي الصحيح. وهذا لم يختلف فيه اللغويون كثيرًا.
ج- الثلاثي المعتل ولم يقصد به القالي ما فيه حرف علة واحد كما فعل الخليل، والأزهري قبله وكما فعل الزبيدي، وابن سيده بعده حيث أفردوا المعتل بحرف واحد في باب خاص، ثم ذكروا ما فيه حرفا علة وحرف واحد صحيح في باب آخر سموه اللفيف. ولكن القالي أدمج النوعين في باب واحد تحت اسم الثلاثي المعتل.
رابعًا: انفرد القالي بذكر نوع جديد أسماء "الأوشاب" ذكر فيه أسماء الأصوات، ومحاكاة الطيور والحيوانات، واتبع في الترتيب الفرعي لهذا القسم أن يذكر الكلمات تحت عناوين الثنائي، والثلاثي والرباعي. ولم نعثر في الجزء المصور من البارع على ذكر اسم خماسي في باب الأوشاب.
ولسنا ندري إذا كان القالي قد اقتصر على الرباعي فقط في كل الكتاب
أم ذكر بعض الأسماء الخماسية في مواضع أخرى من الكتاب مما لم يصل إلينا.
خامسًا: أما الرباعي والخماسي فقد اتبع فيها على وجه الإجمال ما اتبعه في ذلك غيره من اللغويين الذين ساروا على نهج الخليل.
ومما يؤخذ على البارع كغيره من المعاجم أنه قد يذكر الكلمة مرتين. كذلك أكثر فيه المؤلف من ذكر أشياء عديدة على سبيل الاستطراد، فمثلًا عند ذكره لكلمة "دأماء" التي فسرها بأنها حجر اليربوع، نجده قد ذكر سبعة1 مترادفات أخرى لتلك الكلمة، وفسر كل مترادف وذكر ما قيل بمناسبته من الشعر مما استغرق قدرًا كبيرًا من الكتاب على حين كان الواجب أن يقتصر في كل حرف على ذكر الكلمة التي وردت في ذلك الحرف فقط، ولكن يظهر أن شخصية الأديب في القالي كانت تطغى على الشخصية اللغوية مما يضطره إلى الإطناب، والاستطراد كما كان يفعل في كتاب "الأمالي"، وإن اختلفت موضوعات الكتابين اختلافًا كليًّا.
1 البارع ص142-143.