الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تنه عن خلق أنت آتيه. إنما يعرف الفضل من الناس ذووه. إنما يجزي المرء على قدر عمله. وكان الله قويا عزيزا. برا بالوالدين. أحسن إلى الفقراء. أراغب أنت عن الخير؟ هيهات أن يعود الشباب. على قدر المغارس يكون اجتناء الغارس. زر غبا تزدد حبا. في كل شيء عبرة لمن عقل. لا تغرنكم الحياة الدنيا.
ما يقصده المخبر بخبره:
إذا قصدت أن تخبر إنسانا بخبر ما، وتعلمه إياه فلا يخلو حالك من أمرين:
الأول: أن تقصد إفادة المخاطب الحكم1 الذي تضمنته الجملة الخبرية، كما إذا قلت مخاطبا إنسانا يجهل قدوم أبيه:"قدم أبوك اليوم" فأنت بهذا الخبر تريد أن تفيد مخاطبك الحكم الذي تضمنته هذه العبارة، وهو قدوم أبيه، ويسمى هذا الحكم "فائدة الخبر" لأنه مستفاد من الخبر.
الثاني: أن تقصد إفادة المخاطب أنك عالم2 بالحكم الذي دلت عليه العبارة كالمثال المتقدم إذا كان المخاطب يعلم قدوم أبيه، وأنت تعلم منه ذلك، فأنت لا تريد بإخباره في هذه الحال إفادة الحكم الذي تضمنه الخبر وهو قدوم أبيه؛ لأنه عالم به، إنما تريد أن تفيده: أنك عالم بقدوم أبيه.
ويسمى علمك بهذا الحكم "لازم الفائدة" أي: الأمر الذي تستلزمه
1 المراد بالحكم المقصود إفادته وقوع النسبة في الخارج كما في القضية الموجبة، أو عدم وقوعها كما في القضية السالبة، فإذا قال لك شخص: قام محمد، أو قال لك: لم يقم محمد كان قصده إفادتك أن ثبوت القيام لمحمد أو نفيه عنه قد تحقق في الخارج، وليس المراد بالحكم الإيقاع، والانتزاع إذ إن معناهما -على ما سبق- إدراك أن النسبة واقعة أو ليست بواقعة، ولا ريب أن ليس قصد المتكلم إفادة المخاطب أنه أدرك أن القيام ثابت لمحمد في الواقع أو غير ثابت.
2 المراد بالعلم هنا التصديق بالنسبة جزما أو ظنا، لا مجرد التصور.
الفائدة وهي ذلك الحكم الذي تضمنه الخبر -على ما سبق- وإنما سمي بهذا؛ لأن كل من أفدته حكما لزم أن تفيده أيضا أنك عالم به1، من غير عكس أي: ليس كل من أفدته أنك عالم بالحكم الذي تضمنه الخبر أفدته هذا الحكم نفسه لجواز أن يكون عالما به قبل الإخبار، لهذا كان الحكم الذي تضمنه الخبر هو الملزوم، وعلمك بهذا الحكم هو اللازم.
قيل: إن فائدة الخبر هي الحكم المستفاد منه -على ما سبق- وهذا الحكم قد يكون معلوما للمخاطب قبل الإخبار -كما علمت- فما وجه تسميته فائدة الخبر حينئذ؟ أجيب: أن ليس المراد بالفائدة ما يستفاد من الخبر فعلا، بل ما من شأنه أن يقصد بالخبر، ويستفاد منه وإن لم يستفد بالفعل.
ملحوظة: إن قصد المخبر إفادة وقوع النسبة لا يستلزم تحققها في الخارج. فإذا قلت لآخر: "محمد كريم"، أو قلت:"محمد ليس كريما" دل على ذلك ثبوت الكرم لمحمد في الواقع، أو عدم ثبوته له في الواقع، غير أن دلالته على ذلك لا تستلزم أن يكون الكرم أو عدمه متحققا في الواقع حقيقة لجواز أن يكون الخبر كاذبا، وإذًا فعدم تحقق النسبة في الواقع في القضية الموجبة، أو تحققها في الواقع في القضية السالبة احتمال عقلي نشأ عن كون دلالة الخبر على معناه وضعية، يجوز فيها تخلف الدال عن المدلول.
تنبيه:
علم مما تقدم أن القصد من إلقاء الخبر بمعنى الإعلام به، إما إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة الخبرية، أو إفادة أن المتكلم عالم بهذا الحكم، وهذا هو الغالب في استعمال الخبر.
1 أي: فليس التلازم بين ذات الحكم وذات العلم إذ لا تلازم بينهما فقد يتحقق الحكم ولا يعتقده المتكلم، وإنما التلازم بينهما باعتبار الإفادة. بمعنى أن إفادة الأول ملزومة لإفادة الثاني، ومن هنا يعلم أن ليس المراد بالعلم في هذه الملازمة خصوص التصديق بالحكم تصديقا جازما، بل المراد به مجرد حصول صورة الحكم في ذهن المخبر، سواء كان معتقدا له اعتقادا جازما أو غير جازم، أو غير معتقد له أصلا.
وقد يكون الحامل في الأخبار بواعث أخرى نذكر منها ما يلي:
1-
إظهار التحسر والتحزن كما في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} فغير معقول أن تريد أم مريم الإعلام بمضمون هذا الخبر، أو بلازمه لأن المخاطب هو المولى سبحانه، وهو العالم بخفايا الأمور، وإنما تريد أن تظهر تحزنها وتحسرها على خيبة رجائها، وفوات ما كانت تأمل، وهو أن تلد ذكرا لتهبه لخدمة بيت المقدس، ومن هذا يعلم أن استفادة معنى التحسر من الآية إنما جاء من طريق الإشارة والتلويح، وليس اللفظ مستعملا فيه كما فهم بعضهم1، والإلزام أن تكون الآية إنشاء في المعنى، فلا تصلح شاهدا لما نحن بصدده من التمثيل بها لما هو خبر لم يرد به إفادة المخاطب الحكم، ولا لازمه.
2-
إظهار الضعف كما في قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فزكريا عليه السلام لا يريد بهذا القول أن يخبر الله بحاله إذ يعلم أن الله لا يخفى عليه شيء، ولكنه قصد إظهار ضعفه، وأنه بلغ من الوهن والكبر غاية لا أمل له بعدها في الحياة.
3-
التوبيخ كما في قولك لمسلم تارك الصلاة: "الصلاة ركن من أركان الإسلام" فغير معقول أنك تريد إفادته مضمون هذا الخبر، أو إفادته أنك عالم به، فإن ذلك مما لا يخفى على أحد من المسلمين، فلا بد إذًا أن يكون الحامل على هذا الإخبار غرضا آخر هو توبيخه على تركه الصلاة، مع قيام الدلائل القاطعة على فرضيتها، إلى غير ذلك من الأخبار المستعملة في معانيها، ولم يقصد بها الإفادة كما هو الأصل فيها.
1 فهم هذا القائل أن الكلام مستعمل في معنى التحسر والتحزن مجازا مرسلا من استعمال المركب في غير ما وضع له لعلاقة اللزوم، إذ يلزم من الإخبار بوقوع ضد ما يرجى إظهار التحسر والتحزن على فواته، وقد عرفت الرد عليه.