المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إيراد المسند إليه مضافا: - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ٤

[حامد عونى]

الفصل: ‌إيراد المسند إليه مضافا:

‌إيراد المسند إليه مضافا:

يؤتى بالمسند إليه معرفا بالإضافة إلى أحد المعارف السابقة لأغراض كثيرة أهمها ما سنذكره لك فيما بعد:

1-

أنها أخصر1 طريق إلى إحضار المسند إليه في ذهن السامع كما في قول جعفر بن علبة الحارثي2.

هواي مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثماني بمكة موثق3

يقول وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت: إن حبيبه راحل، وإن السجن حال دون أن يراه وقت رحيله، وكان يود لو يحظى منه بالنظرة الأخيرة والشاهد فيه قوله:"هواي" حيث أتى بالمسند إليه مضافا لقصد الاختصار في العبارة، وهو مطلوب هنا لضيق صدره، وفرط سآمته وتوجعه

1 ظاهره أنها أخصر طرق التعريف، وليس كذلك إذ لا تظهر الأخصرية إلا بالنسبة للموصول، أما العلم والضمير واسم الإشارة والمعرف باللام فالأمر فيها بالعكس، ويجاب بأن المراد أنها أخصر الطرق في إحضار المسند إليه متلبسا بالوصف الذي قصد إليه المتكلم لا إحضاره في ذهن السامع من حيث ذاته، فالذي قصده الشاعر في البيت المذكور إحضار المسند إليه بوصف كونه مهويا لأجل إفادة زيادة التحسر ولو قال: الذي أهواه أو المحبوب لي مع الركب اليمانين إلخ لكان مفيدا لقصد المتكلم، ولكنه ليس أخصر من الإضافة، ولو أتى به اسم إشارة أو ضميرا أو علما فقيل: هذه أو هي أو فلانة مع الركب اليمانين إلخ لم يفد غرض المتكلم من كونها محبوبة فثبت من هذا أن الإضافة أخصر الطرق.

2 قاله وهو سجين بمكة، وكان قد قتل واحدا من بني عقيل فسجن فيه، وكان يومئذ بمكة ركب من اليمن فيه محبوبته وقد عزم هذا الركب على الرحيل فأنشد يتحسر وبعد هذا البيت:

عجبت لمسراها وأنى تخلصت

إلي وباب السجن دوني مغلق

ألمت فحيت ثم قامت فودعت

فلما تولت كادت النفس تزهق

3 هواي مصدر أريد به اسم المفعول أي: مهوى "والركب" اسم جمع لراكب كصحب وصاحب "واليمانين" جمع يمان وأصل "يمان" يمني حذفت منه ياء النسب وعوض عنها الألف على خلاف القياس لكثرة الاستعمال ثم أعل إعلال قاض، "ومصعد" من أصعد في الأرض إذا سار فيها، "والجنيب" المستتبع وهو الذي يتبعه قومه ويقدمونه أمامهم مخافة سبيه.

ص: 122

لكون سجينا والحبيب راحل، ولفظ البيت خبر، ومعناه إنشاء التحسر على بعد حبيبه.

2-

تضمن1 الإضافة تعظيما لشأن المضاف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، فمثال ما فيه تعظيم المضاف قولك:"حاجب رئيس الوزراء قادم" ففي الإضافة تعظيم للحاجب بأنه حاجب رئيس الوزراء، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} ففيه تعظيم لشأن العباد بأنهم عباد الله سبحانه، ومنه في غير المسند إليه قول الشاعر:

لا تدعني إلا "بيا عبدها

فإنه أشرف أسمائي

ومثال ما فيه تعظيم المضاف إليه قولك: "سيارتي في انتظاري" ففي الإضافة تعظيم للمتكلم المضاف إليه بأن له سيارة، ومثال ما فيه تعظيم غير المضاف والمضاف إليه قولك:"سكرتير رئيس مجلس الوزراء زارني" ففي الإضافة تعظيم للمتكلم، وهو غير المسند إليه المضاف، وغير ما أضيف إليه المسند إليه، وفيه أيضا تعظيم للمضاف ولكنه غير مقصود.

3-

تضمن الإضافة تحقيرا لشأن المضاف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، فمثال الأول قولك:"أخو اللص قادم"، ففي الإضافة تحقير للمسند إليه المضاف بأنه أخو اللص، ومثال الثاني قولك:"رفيق عمرو لص" ففيه تحقير المضاف إليه بأن رفيقه لص، ومثال الثالث قولك:"ولد اللص يجالس عمرا" ففيه إهانة وتحقير لشأن عمرو بأن ولد اللص من جلسائه، وعمرو غير المسند إليه المضاف، وغير ما أضيف إليه المسند إليه، وفيه أيضا تحقير للمضاف ولكنه غير مراد للمتكلم.

4-

إغناؤها عن تفصيل متعذر أو متعسر، فمثال المتعذر تفصيله

1 قيل إن هذا التضمن قد يوجد في غير صورة الإضافة كما في قولك: السيارة التي لي في انتظاري، وكما في نحو: الذي يرافقه عمرو لص، فالإضافة إذًا لا تترجح على غيرها من الطرق بإفادة التضمن المذكور إلا بمراعاة الاختصار، والرد على هذا ما سبق من أنه لا يشترط في النكتة أن تكون مختصة بالطريق المؤدية إليها ولا أن تكون بها أولى بل يكفي مجرد المناسبة بينهما وإن أمكن تأدية النكتة من طريق آخر.

ص: 123

قولهم: "اتفق أهل الحق على كذا" فقد أتى بالمسند إليه مضافا لتعذر تعداد كل من كان على حق، ومثال المتعسر تفصيله قولك:"أهل مصر كرام" فقد أضيف المسند إليه لتعسر تعداد أهل مصر، ومنه قول حسان بن ثابت:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن ماوية الكريم المفضل1

وقول مروان بن أبي حفصة:

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أسود لها في غيل خفان أشبل2

أضيف المسند إليه في البيتين المذكورين لتعسر تعداد أولاد جفنة، وبني مطر.

5-

إغناؤها عن تفصيل حال دونه مانع، مع تيسره كما تقول:"حضر أمراء الجيش" فيضاف المسند إليه منعا لوقوع التنافس بينهم فيما لو ذكرت أسماؤهم، وقدم اسم أحدهم على غيره، وكما في قول الشاعر:

قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

يقول يا أميمة: قومي هم الذين فجعوني بقتل أخي فإذا هممت بالانتقام منهم عاد ذلك علي بالنكاية في نفسي والإضرار بها، والشاهد قوله:"قومي" حيث أتى به مضافا؛ لأن في تفصيله تصريحا بذمهم، وهو يستتبع الحقد عليه والنفور منه، في حين أنه في حاجة إليهم، فهم قومه، وعز الرجل بعشيرته.

6-

تضمن الإضافة اعتبارا لطيفا كما في قول الشاعر:

1 أولاد جفنة من الغساسنة الذين كان يمدحهم الشاعر بالشام.

2 "الغيل" الأجمة و"خفان" مأسدة مشهورة بقوة أسودها.

ص: 124