الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: نبوّة النساء
ذهب بعض العلماء إلى أنّ الله أنعم على بعض النساء بالنبوة، فمن هؤلاء أبو الحسن الأشعري والقرطبي وابن حزم (1).
والذين يقولون بنبوة النساء متفقون على نبوة مريم، ومنهم من ينسب النبوة إلى غيرها، ويعدّون من النساء النبيات: حواء وسارة وأمّ موسى وهاجر وآسية. وهؤلاء عندما اعترض عليهم بالآية التي تحصر الرسالة في الرجال دون النساء، قالوا: نحن لا نخالف في ذلك، فالرسالة للرجال، أمّا النبوة فلا يشملها النصُّ القرآني، وليس في نبوة النساء تلك المحذورات التي عددتموها فيما لو كان من النساء رسول، لأنَّ النبوة قد تكون قاصرة على صاحبها، يعمل بها، ولا يحتاج إلى أن يبلغها إلى الآخرين.
أدلتهم:
وحجّة هؤلاء أن القرآن أخبر بأن الله تعالى أوحى إلى بعض النساء، فمن ذلك أنه أوحى إلى أمّ موسى: وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ أُمّ مُوسَىَ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِيَ إِنّا رَآدّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7]، وأرسل جبريل إلى مريم فخاطبها فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنّيَ أَعُوذُ بِالرّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً قَالَ إِنّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لِأهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً .. [مريم: 17 - 19] وخاطبتها الملائكة قائلة: يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ .. [آل عمران: 42 - 43].
فأبو الحسن الأشعري يرى أنّ كلَّ من جاءه الملك عن الله – تعالى – بحكم من أمر أو نهي أو بإعلام فهو نبي (2)، وقد تحقق في أمّ موسى ومريم شيء من هذا، وفي غيرهما أيضاً، فقد تحقق في حواء وسارة وهاجر وآسية بنصّ القرآن. واستدلوا أيضاً باصطفاء الله لمريم على العالمين وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 42] وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون)) (3).
قالوا: الذي يبلغ مرتبة الكمال هم الأنبياء.
الردّ عليهم:
وهذا الذي ذكروه لا ينهض لإثبات نبوة النساء، والرد عليهم من وجوه: الأول: أنّا لا نسلم لهم أن النبي غير مأمور بالتبليغ والتوجيه ومخالطة الناس، والذي اخترناه أن لا فرق بين النبي والرسول في هذا، وأنَّ الفرق واقع في كون النبي مرسل بتشريع رسول سابق.
وإذا كان الأمر كذلك فالمحذورات التي قيلت في إرسال رسول من النساء قائمة في بعث نبي من النساء، وهي محذورات كثيرة تجعل المرأة لا تستطيع القيام بحقّ النبوة.
(1) انظر: ((فتح الباري)) (6/ 447 - 448، 473)، ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني (2/ 266).
(2)
((فتح الباري)) (6/ 447).
(3)
رواه البخاري (3769)، ومسلم (2431). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
الثاني: قد يكون وحي الله إلى هؤلاء النسوة أم موسى وآسية. . إنّما وقع مناماً، فقد علمنا أنّ من الوحي ما يكون مناماً، وهذا يقع لغير الأنبياء. الثالث: لا نسلم لهم قولهم: إن كل من خاطبته الملائكة فهو نبي، ففي الحديث أن الله أرسل ملكاً لرجل يزور أخاً له في الله في قرية أخرى، فسأله عن سبب زيارته له، فلمّا أخبره أنه يحبّه في الله، أعلمه أنَّ الله قد بعثه إليه ليخبره أنه يحبّه، وقصة الأقرع والأبرص والأعمى معروفة، وقد جاء جبريل يعلم الصحابة أمر دينهم بسؤال الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة يشاهدونه ويسمعونه. الرابع: أنّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – توقف في نبوة ذي القرنين مع إخبار القرآن بأنّ الله أوحى إليه قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً [الكهف: 86].
الخامس: لا حجّة لهم في النصوص الدالة على اصطفاء الله لمريم، فالله قد صرح بأنّه اصطفى غير الأنبياء: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر: 32]، واصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ومن آلهما من ليس بنبيّ جزماً إِنّ اللهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: 33]. السادس: لا يلزم من لفظ الكمال الوارد في الحديث الذي احتجوا به النبوة، لأنّه يطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغ النساء الكاملات النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، وعلى ذلك فالكمال هنا غير كمال الأنبياء.
السابع: ورد في بعض الأحاديث النصّ على أن خديجة من الكاملات (1) وهذا يبين أن الكمال هنا ليس كمال النبوة.
الثامن: ورد في بعض الأحاديث أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلاّ ما كان من مريم ابنة عمران (2)، وهذا يبطل القول بنبوة من عدا مريم كأم موسى وآسية، لأنّ فاطمة ليست بنبيّة جزماً وقد نصَّ الحديث على أنها أفضل من غيرها، فلو كانت أم موسى وآسية نبيتان لكانتا أفضل من فاطمة.
التاسع: وصف مريم بأنها صديقة في مقام الثناء عليها والإخبار بفضلها، قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ [المائدة: 75] فلو كان هناك وصفاً أعلى من ذلك لوصفها به، ولم يأت في نصّ قرآني ولا في حديث نبويّ صحيح إخبار بنبوة واحدة من النساء. وقد نقل القاضي عياض عن جمهور الفقهاء أنّ مريم ليست بنبيّة (3)، وذكر النووي في (الأذكار) عن إمام الحرمين أنّه نقل الإجماع على أنّ مريم ليست نبيّة (4)، ونسبه في (شرح المهذب) لجماعة، وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبيّة ولا في الجنّ (5). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 86
(1) رواه ابن مردويه كما في ((البداية والنهاية)) لابن كثير (3/ 127). من حديث قرة بن إياس المزني. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى شعبة وبعده.
(2)
رواه أحمد (3/ 80)(11773). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (6/ 515): إسناده حسن، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3181).
(3)
((إكمال المعلم)) (7/ 223).
(4)
((الأذكار)) (ص: 119).
(5)
((فتح الباري)) (6/ 471، 473).