الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: لا تأكل الأرض أجسادهم
ومن إكرام الله لأنبيائه ورسله أنّ الأرض لا تأكل أجسادهم، فمهما طال الزمان وتقادم العهد تبقى أجسادهم محفوظة من البلى، ففي الحديث ((إنّ الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)) (1).
ويذكر أهل التاريخ قصة فيها عجب وغرابة، روى ابن كثير في (البداية والنهاية) عن يونس بن بكير قال:((لما فتحنا تستر (مدينة في فارس) وجدنا في مال بيت الهرمزان سريراً عليه رجل ميت عند رأسه مصحف، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر، فدعا له كعباً فنسخه بالعربية، فأنا أوّل رجل من العرب قرأه، قرأته مثل ما أقرأ القرآن هذا.
فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيركم وأموركم ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد.
قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان بالليل دفناه وسوينا القبور كلّها، لنعميه على الناس فلا ينبشونه. قلت: فما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون.
قلت: من كنتم تظنون بالرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال.
قلت: مذ كم وجدتموه؟ قال: قد مات منذ ثلاثمائة سنة. قلت: ما تغير منه شيء؟ قال: لا إلاّ شعرات من قفاه، إن لحوم الأنبياء لا يبليها الأرض، ولا تأكلها السباع)).
قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إلى أبي العالية (2).
ويبدو أن هذا من أنبياء بني إسرائيل، وقد ظنَّ الصحابة أنّه دانيال، لأنّ دانيال أخذه ملك الفرس، فأقام عنده مسجوناً، ويبدو أنَّ تقدير الذين وجدوه لم يكن صواباً، فإنّ دانيال كان قبل الإسلام بثمانمائة سنة، فإن كان تقديرهم صواباً فليس بنبي؛ لأنّه لا نبي بين عيسى ورسولنا محمد عليهما الصلاة والسلام، فيكون عبداً صالحاً ليس بنبي، وكونه نبياً أرجح، لأنّ الذين تحفظ أجسادهم هم الأنبياء دون غيرهم، ويرجح هذا أيضاً ذلك الكتاب الذي وجد عند رأسه، لا شكّ أنه كتاب نبيّ، فالأمور الغيبيّة التي تضمنها لا تكون إلا وحياً سماوياً، وترجيحنا لكونه من بني إسرائيل لأمرين: الأول: ظن الصحابة أنّه دانيال، ويكونون قد علموا ذلك من قرائن لم تذكر. والثاني: الكتاب الذي وجد عند رأسه، ويبدو أنه كان مكتوباً بالعبرانية، لأنّ الذي ترجمه هو أبيّ بن كعب، وقد كان قبل إسلامه يهودياً. الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 92
(1) رواه أبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1636)، وأحمد (4/ 8)(16207)، وابن حبان (3/ 190)، والحاكم (1/ 413). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال النووي في ((المجموع)) (4/ 548): إسناده صحيح. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (2/ 94) - كما أشار لذلك في المقدمة - وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2)
((البداية والنهاية)) (2/ 40). ورواه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (1/ 381).