الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: بشارات من الإنجيل
وفي إنجيل متى الإصحاح (11) عدد (14)(وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع).
وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ليس بينه وبين عيسى نبي، فيكون إيلياء الذي بشر به عيسى هو محمداً صلى الله عليه وسلم. وإيليا بحساب الجمل الذي أغرمت به اليهود يساوي محمداً.
وفي إنجيل يوحنا إصحاح (14) عدد (15)(إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد، وفي اللغات الأجنبية (فيعطيكم باركليتوس) ليمكث معكم إلى الأبد) والمعنى الحرفي لكلمة (باركليتوس) اليونانية هو أحمد، وهو من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم (1).
وفي إصحاح يوحنا (15) عدد (26)(ومتى جاء المعزي الذي أرسله أنا إليكم من الآب روح الحقّ الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي)(ويشهد لي) لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم شهد للمسيح بالنبوة والرسالة، وروح الحقّ كناية عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والمعاني الواردة في هذه الترجمة الحديث ليست دقيقة، لأن أصلها باليونانية، وهي اللغة التي ترجمت منها هذه الأناجيل – مكتوبة (بيركليتوس) وفي التراجم العربية المطبوعة سنة 1821، سنة 1831، سنة 1844، في لندن تجدها (فارقليط) وهي أقرب إلى العبارة اليونانية المشار إليها (2)، أمّا ترجمتها في الطبعات الحديثة إلى المعزي فهو من التحريف الذي ذم الله أهل الكتاب به يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ [النساء: 46]. ويلاحظ أن هناك جملة ساقطة قبل الجملة الواردة في عدد (26) من هذا الإصحاح سقطت من الطبعات الحديثة، لكنها واردة صراحة في الطبعات القديمة للإنجيل، ونص هذه الجملة:(فلو قد جاء المنحمنا الذي يرسله الله إليكم) ومعنى المنحمنا الحرفي باللغة السريانية محمد (3)(4). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 174
وجاء في (إنجيل متى) في الإصحاح الحادي والعشرين:
(42 قال لهم يسوع: أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رفضه البناؤون هوذا قد صار رأس الزاوية، من قِبَل الرب كان هذا هو عجيب في أعيننا. 43 لذلك أقول لكم إنَّ ملكوت الله يُنزع منكم، ويعطى لأمة تعمل أثماره. 44 ومن سقط على هذا الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه).
وهذا الحجر إنما هو سيدنا محمد، جاء في (صحيحي البخاري ومسلم) عن أبي هريرة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إنَّ مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)) (5).
قال ابن القيم (6): (وتأمل قوله المسيح في البشارة الأخرى: ألم تر إلى الحجر الذي أخره البناؤون صار رأساً للزاوية، كيف تجده مطابقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأتمها إلا موضع لبنة منها، فجعل الناس يطوفون بها ويعجبون منها، ويقولون: هلاّ وضعت تلك اللبنة فكنت أنا تلك اللبنة)) (7).
(1)((محمد نبي الإسلام)) (ص: 36).
(2)
((محمد نبي الإسلام)) (ص: 38).
(3)
((محمد نبي الإسلام)) (ص: 39).
(4)
انظر: ((الجواب الصحيح)) (4/ 6).
(5)
رواه البخاري (3534)، ومسلم (2287). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. ورواه البخاري (3535)، ومسلم (2286) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
((هداية الحيارى)) (ص: 381 - 382).
(7)
رواه البخاري (3535)، ومسلم (2286) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وتأمل قول المسيح في هذه البشارة: إن ذلك عجيب في أعيننا. وتأمل قوله فيها: (إن ملكوت الله سيؤخذ منكم، ويدفع إلى آخر) كيف تجده مطابقاً لقوله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]، وقوله: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ [النور: 55].
ونحو هذا النص ما جاء في (إنجيل متى) في الإصحاح الثامن:
(11 وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب في ملكوت السماوات، وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان).
وهذه بشارة تشير إلى ظهور أمة الإسلام التي تأتي من المشارق والمغارب، وتكون مرضية عند الله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
جاء في (الفارق): (أيها المسيحي إذا أنصفت تحكم بأن هؤلاء الذين سيأتون من مشارق الأرض ومغاربها هم الأمة المحمدية، لأنكم مخاطبون حاضرون إذ ذاك، والمسيح سلام الله عليه يخبر عن قوم سيأتون في مستقبل الزمن، وقد أخرجكم بقوله: وأما بنو الملكوت)(1).
ونحو ذلك ما جاء في (إنجيل يوحنا) في الإصحاح الرابع:
(20 - 24 قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون لله).
وهذا النص يشير إلى ظهور الدين الجديد، وإنّه سيتحول مركزه عن أورشليم ويشير إلى تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المعظمة، قبلة أصحاب الدين الجديد، ويصدقه قوله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ [البقرة: 144].
فقد كان المسلمون أول الأمر يتجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم نزلت الآية بوجوب توجههم إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة. - من إنجيل لوقا (2):
ذكر صاحب كتاب (الإنجيل والصليب) أنه جاء في (إنجيل لوقا) 2: 14 (الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد).
ولكن المترجمين ترجموها في الإنجيل هكذا:
(الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة).
ومؤلف الكتاب يرى أن الترجمة الصحيحة ما ذكره هو.
يقول المؤلف أنّ ثمة كلمتين وردتا في اللغة الأصلية لم يدرك أحد ما تحتويان عليه من المعاني تماماً، فلم تترجم هاتان الكلمتان كما يجب في الترجمة القديمة من السريانية.
هاتان الكلمتان هما:
أيريني – التي يترجمونها: السلامة.
وأيودكيا – التي يترجمونها: حسن الرضا.
فالأولى من الكلمتين اللتين هما موضوع بحثنا الآن هي (أيريني)، فقد ترجمت بكلمات (سلامة)(مسالمة)(سلام).
(1)((الفارق)) (ص: 54).
(2)
((نبوة محمد من الشك إلى اليقين)) (ص: 300).
والمؤلف يرى أن ترجمتها الصحيحة (إسلام) فيقول في ص: 40: (ومن المعلوم أن لفظ (إسلام) يفيد معاني واسعة جداً، ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ (السلم، السلام)(الصلح، المسالمة)(الأمن، الراحة). . وتتضمن معنى زائداً وتأويلاً آخر أكثر وأعم وأشمل وأقوى مادة ومعنى، ولكن قول الملائكة:(على الأرض سلام) لا يصح أن يكون بمعنى الصلح العام والمسالمة، لأنّ جميع الكائنات وعلى الأخص الحيَّة منها، ولا سيما النوع البشري الموجود على كرة الأرض دارنا الصغيرة هي بمقتضى السنن الطبيعة والنواميس الاجتماعية خاضعة للوقائع والفجائع الوخيمة كالاختلافات والمحاربات والمنازعات .. ، فمن المحال أن يعيش الناس على وجه الأرض بالصلح والمسالمة).
ثم يستشهد بقول المسيح: (ما جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً)(متى 10: 34).
ويستشهد بقول آخر للمسيح: (جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟ أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض؟ كلا أقول لكم بل انقساماً)(لوقا: 12: 49 - 53).
وعلى هذا فالترجمة لا تنطبق ورسالة المسيح وأقواله والصواب (وعلى الأرض إسلام). (انظر البحث من ص38 - 44).
كما يرى أن (أيادوكيا) بمعنى (أحمد) لا (المسرة أو حسن الرضا) كما يترجمها القسس، وذلك لأنه لا يقال في اليونانية لحسن الرضا (أيودوكيا) بل يقال:(ثليما). ويقول: إن كلمة (دوكوته)، هي بمعنى (الحمد، الاشتهاء، الشوق، الرغبة، بيان الفكر). وها هي ذي الصفات المشتقة من هذا الفعل (دوكسا) وهي (حمد، محمود، ممدوح، نفيس، مشتهى، مرغوب، مجيد).
واستشهد بأمثلة كثيرة من اليونانية لذلك. وقال: إنهم يترجمون (محمديتو) في (أشعيا 64: 11) بـ (اندوكساهيمون)، ويترجمون الصفات منها (محمد، أحمد، أمجد، ممدوح، محتشم، ذو الشوكة) بـ (ايندكسوس).
واستدل بهذا التحقيق النفيس أن الترجمة الحقيقية الصحيحة لما ذكره لوقا هي (أحمد، محمد) لا (المسرة)، فتكون الترجمة الصحيحة لعبارة الإنجيل:(الحمد لله في الأعالي، وعلى الأرض إسلام، وللناس أحمد)(1).
- بشارات إنجيل برنابا:
هذا الإنجيل مليء بالبشارات الصريحة بالرسول المصطفى المختار، ومما ورد فيه (ص161):(قال الله اصبر يا محمد. .) وفي (ص162)(إن اسمه المبارك محمد. .)(ص162): (يا الله أرسل لنا رسولك، يا محمد تعال سريعاً لخلاص العالم).
رأي في إنجيل برنابا:
لا شكّ أن هذا الإنجيل من الأناجيل التي كانت معروفة قديماً، وقد ورد ذكره في كتب القرن الثاني والثالث للميلاد، ثمّ لم يرد له ذكر بعد ذلك، إلى أن عثر على نسخة منه في أوائل القرن الثامن عشر الهجري، ولا تزال هذه النسخة في مكتبة بلاط (فيّنا).
وعندما نشر هذا الكتاب أحدث ضجّة – كبرى في ذلك الوقت – في أوربا في نوادي العلم والدين، وقد طبعت ترجمة هذا الكتاب مرتين باللغة العربية، الطبعة الثانية نشرتها دار القلم بالكويت.
(1) انظر كتاب (الإنجيل والصليب) للأب عبدالأحد داود (ص: 34 - 35).
وقد اطلعت على هذا الكتاب، وأمعنت النظر فيه، فتبين لي فيه رأي لم أجد أحداً قد تنبه إليه، تبين لي أن هذا الكتاب وإن كان له أصل فقد لعبت فيه يد مسلم، فأدخلت فيه ما ليس منه، والذي جعلني أذهب هذا المذهب ليست تلك التعليقات العربية التي وجدت على هامش النسخة الأصلية الموجودة في (فينّا)، وإنّما تلك المبالغات التي وصف بها الإنجيل الرسول صلى الله عليه وسلم، نحن نصدّق أن يبشر الإنجيل بالرسول صلى الله عليه وسلم ولكننا نستبعد كل البعد أن يكون قد شاع بين أهل الكتاب تلك الخرافات التي شاعت بين المسلمين بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم، فنجد في هذا الإنجيل أنّ الله أعطى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كل شيء، وخلق من أجله كل شيء، وجعله قبل كل شيء، انظر ص (91، 93، 110)، وفي ص (111) يقول حاكياً كلام الرسول صلى الله عليه وسلم:(يا رب اذكر أنك لما خلقتني قلت: إنّك أردت أن تخلق العالم والجنة والملائكة – والناس حبّاً فيّ ليمجدوك بي أنا عبدك). وفي ص (161)، اصبر يا محمد، لأجلك أريد أن أخلق الجنّة والعالم وجمّاً غفيراً من الخلائق التي أهبها لك. .).
وفي ص (266)(هذا هو الذي لأجله خلق الله كل شيء).
وفي ص (152) يقول: (ولذلك لما خلق الله قبل كل شيء رسوله).
هذه الأقوال بدون شكّ غير صحيحة، وهي تناقض الحقّ الذي بين أيدينا، فالله خلق البشر والملائكة والجنَّ لعبادته وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
وأول المخلوقات القلم كما في الحديث ((أول ما خلق الله القلم)) (1) وهذه الأقوال التي فيها غلو شاعت بين المسلمين، وصاغوها أحاديث نسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة حديث ((لولاك لما خلقت الأفلاك)) (2)(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة حديث رقم 282) وحديث ((كنت نبياً وآدم بين الماء والطين)) (3)(حديث رقم 302، 303) وحديث: ((كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث)) (4)(كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص326).
وحديث: ((لقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك علي ومنزلتك عندي، ولولاك يا محمد ما خلقت الدنيا)) (5)(تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة: ص325).
وفي هذا المصدر ص337 حديث يقول: ((خلقني الله من نوره وخلق أبا بكر من نوري)) (6).
(1) رواه الترمذي (2155). من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (1/ 95) - كما أشار لذلك في المقدمة - وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(2)
ذكره الصغاني في ((الموضوعات)) (52)، وملا على القاري في ((الأسرار المرفوعة)) (288) وقال: قيل لا أصل له أو بأصله موضوع.
(3)
ذكره الصغاني في ((الدر الملتقط)) (43)، وقال: ليس بحديث وهذا كلام عطاء بن أبي رباح. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (2/ 147): لا أصل له بل هو باطل.
(4)
رواه ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/ 417). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: [فيه] سعد بن بشير لعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط والغالب على حديثه الاستقامة والغالب عليه الصدق، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (2/ 298):[روي] عن قتادة ذكر لنا أن رسول الله .. وهذا أثبت وأصح.
(5)
رواه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1/ 288 - 289). من حديث سلمان رضي الله عنه. وقال: هذا حديث موضوع لا شك فيه.
(6)
رواه أبو نعيم في ((الأمالي)) كما في ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (1/ 166). قال الذهبي: خبر كذب. ثم قال: قال أبو نعيم: هذا باطل مخالف كتاب الله.
وإذا أنت قارنت بين ما نقلته عن إنجيل برنابا وهذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة أدركت أن الذي أدخل هذه الأوصاف كان من هذا النوع الذي عشعشت أمثال هذه الأحاديث المكذوبة في ذهنه.
وهناك أمور منسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم زوراً، لأنها تخالف الحقَّ الذي في أيدينا، فمن ذلك ما ورد (ص209) من (أن الجحيم ترتعد لحضور الرسول عليه السلام، فيمكث بلا مكابدة عقاب مدة إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمشاهدة الجحيم). فهذا مخالف لصريح القرآن لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ [الزخرف:75].
ومن ذلك نقل هذا الكتاب عن عيسى قوله في (ص92): (لست أهلاً أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله) ويقول قريباً من هذا في ص (96) وص (160)، ومثل هذا بعيد أن يصدر عن رسول من أولي العزم من الرسل. ومع ذلك فقد وصف الكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأمور فيها تحقير له، ففي ص (108) يصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنّه سيكون كالمخبول، وفي ص (105) يقول:(إن الله سيجرد رسوله محمد في يوم القيامة من الذاكرة). الرسل والرسالات لعمر الأشقر - ص 178
ومن البشارات به في الإنجيل ما في الفصل الخامس عشر من الإنجيل الذي جمعه يوحنا: (أن الفارقليط روح الحق الذي يرسله الله هو يعلم كل شيء). انتهى.
وفي موضع آخر منه: (والفارقليط روح القدس الذي يرسله الله هو يعلم كل شيء، وهو يذكركم ما قلت لكم)، وفي موضع آخر منه:(إذا جاء الفارقليط الذي أرسله الله روح الحق الذي هو يشهد لي، قلت لكم هذا حتى إذا كان يؤمنون به ولا يشكون فيه).
وفي الفصل السادس عشر منه: لكني أقول لكم الحق: (إنه خير لكم أن أنطلق، لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط، فإذا انطلقت أرسلته إليكم، فهو يوبخ العالم على الخطيئة، وعلى البر، وعلى الحكم، أما على الخطيئة فإنهم لم يؤمنوا بي، وأما على البر فإني منطلق ولستم تروني، وأما على الحكم فإن رئيس هذا العالم يدان، وأن لي كلاماً كثيراً لستم تطيقون كله الآن، لكن إذا جاء روح الحق ذاك فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بما يسمع، ويخبركم بكل ما يأتي). انتهى.
وقد تكرر ذكر الفارقليط في الإنجيل، وأنذر به المسيح، وبشر به قومه في غير موضع منه، وقد اختلفوا في المراد فالفارقليط في لغتهم على أقوال، وذهب الأكثر من النصارى إنه المخلص، وقالوا: هو مشتق من الفاروق، أو من فارق، قالوا ومعنى ليط كلمة تزاد كما يقال رجل هو، وحجر هو، وعالم هو، وجاهل هو.
وقد تقرر أنه لا نبي بعد المسيح غير نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذه البشارات قد تضمنت أنه سيأتي بعد المسيح نبي يخلص تلك الأمة مما هم فيه، ويوبخهم على الخطية، ويتكلم بما يسمع، ويخبر بكل ما يأتي، ولم يكن هذا لأحد بعد المسيح غير نبينا صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على أن المراد بالفارقليط هو نبينا صلى الله عليه وسلم أنه وقع الحذف بهذا اللفظ من بعض نسخ الإنجيل مع ثبوته في غالبها، وليس ذلك إلا تغييراً وتبديلاً من النصارى لما يعلمونه من أن المراد بهذا اللفظ هو التبشير بنبي يأتي بعد المسيح، وأنها ستقوم بذلك الحجة عليهم، فحذفوا هذا اللفظ لهذه العلة، وقد حكى الله سبحانه في القرآن العظيم أن المسيح بشر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف: 6] وفي الإنجيل الذي جمعه يوحنا أن المسيح قال: (أركون العالم سيأتي، وليس لي شيء) وهذا اللفظ فيه أعظم بشارة بنبينا محمد، فإن الأركون في لغة النصارى العظيم القدر، ولم يأت بعد المسيح من هو بهذه الصفة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه جعله أركون العالم، وقال عن نفسه ليس له من الأمر شيء، فدل هذا على أنه سيأتي بعده عظيم من عظماء العالم، يكون منه الإصدار والإيراد، والحل والعقد في الدين وإثبات الشرائع، وأن المسيح بالنسبة إليه كمن ليس له شيء، وهذا إنما يكون تبشيراً بمن هو أعظم من المبشر به أعني المسيح عليه السلام، ولا يصح حمله على رجل عظيم القدر في الدنيا، أو في الملك، أو غير ذلك، لأن الأنبياء لا يبشرون بمن هو كذلك ويجعلونه أركون العالم، ويجعلون الأمر إليه، وينفون الأمر عن أنفسهم، فإن هذا لا يكون أبداً من الأنبياء، ولا يصح نسبته إليهم، ولا صدوره منهم قط بلا خلاف بين أهل الملل، ولا يمكن أن يدعي مدع أنه جاء بعد المسيح من هو بهذه الصفة غير نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن الحواريين إنما دانوا بدينه، ودعوا الناس إلى شريعته، ولم يستقل أحد منهم بشيء من جهة نفسه قط، ومن جاء بعدهم من أتباع المسيح فهو دونهم بمراحل. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني - 1/ 518