الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخلص من هذا إلى بيان ما نزل على المسلمين في هذا العهد من الأحكام اللازمة لهم في عباداتهم ومعاملاتهم.
وقد ابتدأت هذه السورة بإثبات نزول القرآن من عند الله، ليكون تمهيدا لبيان فساد ذلك الشّغب الذي قام في امره وفي أمر النّبيّ (ص) ، وهذا هو وجه المناسبة في ذكرها بعد سورة الفاتحة، فضلا عن أنّها أطول سورة في القرآن.
دعوة تنزيل القرآن الآيات [1- 22]
قال الله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) فذكر أنّ القرآن نزل قطعا من عنده، وأخذ في التنويه بشأنه، فذكر أنّه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب، إلى غير هذا ممّا ذكره من أوصافهم، ثم ذكر مخالفيهم من أحبار اليهود والمنافقين، ووصف نفاق المنافقين من المشركين أشنع وصف، وضرب في شناعة أمرهم المثل بعد المثل، ثم أمرهم أن يعبدوه لأنّه هو الذي خلقهم والذين من قبلهم، وجعل لهم الأرض فراشا والسماء بناء وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) .
الاستدلال على تنزيل القرآن الآيات [23- 25]
ثم قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23) فأقام الدليل على تنزيل القرآن من عنده بتحدّيهم أن يأتوا بسورة من مثله، وأمرهم أن يدعوا في ذلك آلهتهم ليعينوهم على الإتيان به، ثمّ حذرهم من الاستمرار في الكفر بعد ذلك التحدّي، وبشّر المؤمنين بأنّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25) .
الردّ على مقالة اليهود الأولى في القرآن الآيات [26- 90]
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، فردّ على مقالتهم الأولى، وذلك أنّه لما
ضرب المثل بالذباب والعنكبوت وذكر النحل والنمل قال اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وقال المنافقون: لا نعبد إلها يذكر هذه الأشياء. فردّ عليهم بأنّه لا يستحيي أن يضرب ذلك مثلا، وقد كانت العرب تضرب الأمثال بمثل هذا، فتقول: هو أحقر من ذرّة، وأجمع من نملة.
ثم ذكر أنّ المؤمنين يعلمون أنّه الحق من ربهم، وأنّ الكافرين ينكرون ويضلّون به، لأنهم فاسقون ينقضون ما أخذ عليهم من العهد لأول خلقهم أن يؤمنوا بما يأتيهم من هديه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من اتّباع دينه، ويفسدون في الأرض بالقتل والغصب والنهب وسائر أنواع الفساد، ثم أنكر على المنافقين منهم أن يكفروا به مع أنهم كانوا أمواتا فأحياهم إلخ، ومع أنّه هو الذي خلق لهم ما في الأرض جميعا إلخ.
ثم انتقل السّياق من هذا إلى ذكر قصة آدم ليمهّد بها إلى ذكر ما أخذه من العهد عليهم عند خلقهم، ولهذا ختمها بقوله: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) .
ثمّ انتقل السّياق من توبيخ المنافقين على كفرهم به إلى توبيخ اليهود الذين يزيّنون لهم هذا الكفر، ويؤثرونهم على النّبيّ (ص) وهو يدعو إلى الإيمان به، وفي هذا مشاركة لهم في كفرهم به، فأخذ يذكرهم بنعمته عليهم، ويأخذهم تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، ويذكر في هذا ما مضى من أحوالهم وأخبارهم، فأمرهم أولا أن يذكروا نعمته عليهم، وأن يفوا بالعهد الذي أخذه عليهم فلا يؤثروا من يكفر به على من يؤمن به، وأن يؤمنوا بالقرآن الذي نزل مصدّقا لما معهم، ونهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل بمثل تلك المقالة في إنكار ما ضربه مثلا من الذباب ونحوه، إلى غير هذا ممّا أمرهم به ونهاهم عنه.
ثم أمرهم سبحانه ثانيا أن يذكروا نعمته عليهم وتفضيله لهم على العالمين، وأن يتّقوا يوما لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا، وأخذ يذكّرهم ببعض نعمه عليهم وبعض ما مضى من أحوالهم وأخبارهم، فذكر أنّه نجاهم من آل فرعون، وكانوا يسومونهم سوء
العذاب من ذبح الأبناء واستحياء النساء، وأنّه فرق بهم البحر فأنجاهم وأغرق آل فرعون، وأنّه وعد موسى أربعين ليلة فعبدوا العجل من بعده فعفا عنهم، ولم يعاقبهم بما عاقب به من قبلهم، وأنّه أنزل على موسى التوراة لهدايتهم، وأنه أمرهم بقتل أنفسهم لعبادتهم العجل ثم نسخ ذلك الأمر رحمة بهم، وأنّهم قالوا لموسى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [الآية 55] فأخذتهم الصاعقة عقوبة لهم. ثم بعثهم من بعد موتهم وظلّل عليهم الغمام وأنزل عليهم المنّ والسّلوى، وأنه أمرهم أن يدخلوا بيت القدس على حالة مخصوصة فبدّلوا في ذلك وغيّروا، فأخذ من بدّل وغيّر بما أخذه به، وأنّ موسى استسقى لهم فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بعدد أسباطهم، وأنّهم لم يصبروا على طعام واحد في تيههم (المنّ والسلوى) فطلبوا منه أن يدعو ربه ليخرج لهم من الأرض بقلا وقثّاء وبصلا، فأمرهم بأن يهبطوا مصرا من الأمصار ليجيبهم إلى سؤالهم، وذكر أنّ مثل هذا ممّا ضربت به عليهم الذّلة والمسكنة، وممّا كان سببا في غضب الله عليهم، لأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيّين بغير الحق، ويرتكبون من العصيان والاعتداء ما ترتكبون، وقد استطرد من هذا إلى ذكر حسن جزائه لمن آمن به من المسلمين واليهود والنصارى والصابئين، جمعا بين الوعد والوعيد، وذكرا للترغيب بعد الترهيب.
ثم عاد السياق فذكر أنّه سبحانه أخذ عليهم ميثاقهم أن يؤمنوا به، ورفع فوقهم الطور عند أخذه عليهم، فنقضوا ميثاقهم وكفروا به، ولولا فضله عليهم لأهلكهم بذلك كما أهلك من قبلهم، وذكر أنّهم يعلمون الذين اعتدوا منهم في السبت فمسخوا قردة جزاء لهم على اعتدائهم، وأنّ موسى ذكر لهم أنّ الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة فلم يبادروا إلى امتثال أمره، بل أخذوا يطلبون منه أن يسأل ربه ما هي؟ فأجابهم بأنّها بقرة لا فارض ولا بكر، ثم طلبوا منه أن يسأله ما لونها؟ فأجابهم بأنّها بقرة صفراء فاقع لونها، ثم طلبوا منه أن يسأله ثانيا ما هي؟ فأجابهم بأنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها، فذبحوها بعد كل هذا وما كادوا يفعلون. ثم ذكر بعد هذا معجزتها في النفس التي قتلوها ولم