الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني ترابط الآيات في سورة «الفاتحة»
«1»
تاريخ نزولها ووجه تسميتها
اختلف العلماء في تاريخ نزول الفاتحة، فقيل إنها نزلت بمكة بعد سورة «المدّثّر» ، وهو قول أكثر العلماء. وقيل إنها نزلت بالمدينة، وهو قول مجاهد. وقيل إنها نزلت مرتين: مرة بمكة ومرة بالمدينة، وسبب ذلك، التنبيه إلى شرفها وفضلها. وإذا كانت قد نزلت بعد سورة «المدّثّر» ، فهي خامسة سور القرآن في النزول. وقد نزلت بذلك في مرتبتها كفاتحة للكتاب، بعد المناسبات التي اقتضت سبق السور الأربع لها.
وبهذا تكون من السور التي نزلت بين ابتداء الوحي والهجرة إلى الحبشة.
وقد سمّيت هذه السورة بهذا الاسم لأن القرآن افتتح بها في مصحف عثمان، وهو المصحف الذي اعتمد على ترتيبه جمهور المسلمين، وتبلغ آياتها سبع آيات.
الغرض منها وترتيبها
نزلت هذه السورة لتكون من القرآن بمنزلة المقدمة للكتاب، لأن نظام التأليف يقضي بألا يفاجئ المؤلف قرّاء كتابه بمقصوده منه، بل يجب أن يبدأه على بصيرة به قبل الشروع فيه. وهذه المقدمة يجب أن تشتمل على ثلاثة أركان:
أوّلها، افتتاحها باسم الله، والحمد
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «النظم الفني في القرآن» ، للشيخ عبد المتعال الصعيدي، مكتبة الآداب بالجمايز- المطبعة النموذجية بالحكمية الجديدة، القاهرة، غير مؤرّخ.
لله، والثناء عليه شكرا له على ذلك التأليف الذي هدى إليه.
وثانيها، إظهار الخضوع له، وبيان أنه لا عون إلّا منه سبحانه.
وثالثها، الالتجاء إليه بالدعاء لاستمداد ذلك العون.
ويجب أن تشتمل، مع هذا، على ما يسمّى براعة الاستهلال، وهي أن يؤتى قبل الشروع في المقصود بما يشعر به، ليدرك القارئ الغرض من وضع الكتاب، ويكون على بصيرة به قبل الشروع فيه.
وقد اشتملت هذه السورة على هذه الأركان الثلاثة. فجاء في أوّلها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ، فافتتحت باسم الله والثناء عليه بهذه الصفات التي تفرّد بها دون غيره. وقد كان العرب، في جاهليتهم يفتتحون كلامهم بقولهم:«باسمك اللهم» ، فاستبدل به القرآن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) ، إشارة إلى أن عهد الإسلام عهد رحمة، وهو العهد الذي يجب أن يشمل العالم كله، ويكون خاتمة العهود كلها. وهذا هو ركنها الأول.
ثم جاء فيها بعد ذلك ركنها الثاني بقوله تعالى:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) وفي ذلك إقرار بأنه لا معبود غيره، ولا عون إلّا منه.
ثم جاء ركنها الثالث بقوله تعالى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) .
وفي ذلك براعة الاستهلال المطلوبة، لأنه يشير إلى أن المقصود بالقرآن وضع دين جديد للخلق، يشتمل على أحكام لا عوج فيها ولا انحراف، ويصلح ما أفسده النّاس في شرائع الله من قبل.
ولا شك أن هذه الفاتحة، بهذا الشكل، لم يسبق إليها كتاب قبل القرآن. وقد صارت بعده قدوة تتبع، وسنّة تحتذى، وكفى ذلك دليلا على فضلها وحسن ترتيبها.