الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسلم فيه لرب العالمين، ووصّى بنيه به من بعده، وكذلك وصّى يعقوب بنيه به أيضا، ثمّ ختم ذلك بأنّ ما قصّه من أمرهم، وما كانوا عليه من الإسلام والتوحيد لا يعود نفعه إلّا إليهم، ولا ينتفع اليهود والنصارى بانتسابهم إليهم لمخالفتهم لهم تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) .
الرد على مقالتهم السابعة الآيات [135- 141]
ثم قال تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) ، فذكر مقالتهم السابعة، وهي قول بعضهم للنّبيّ (ص) : ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد. وقد قالت النصارى مثل ذلك أيضا، فجمع مقال الفريقين ليرد عليهم جميعا، ثم ردّ عليهم بأمره (ص) أن يقول لهم: بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أي بل نتبع ملة إبراهيم الخالصة من الشرك الذي وقعوا فيه، وبأمره المسلمين أن يقولوا لهم:
آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ (136) ، فإن آمنوا بذلك ولم يفرقوا بين أحد من الأنبياء، فقد اهتدوا إلى الدين الذي يجمعهم، وإن لم يؤمنوا به فسيبقون على ما هم فيه من شقاق، وهذا الدين هو صبغة الله لا ما صارت إليه اليهودية والنصرانية، ثم أمر النّبيّ (ص) أن يذكر لهم أنّه إنّما يدعوهم إلى الإيمان بربهم، أفيحاجون فيه وهو ربهم جميعا، أم يقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى، والله يعلم أنّهم لم يكونوا كذلك تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) .
الرد على مقالتهم الثامنة الآيات [142- 177]
ثم قال تعالى سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) ، فذكر مقالتهم الثامنة، وهي قول بعضهم بعد تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة: يا محمد، ما ولّاك عن قبلتك التي كنت عليها؟ وأنت تزعم أنك على ملّة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك. وإنّما
يريدون بذلك فتنته عن دينه، فأمر النّبي (ص) أن يردّ عليهم بأنّ المشرق والمغرب لله يولّي إليهما من يشاء، وبأنّه بهذه القبلة يجعلهم أمة وسطا بين أمم الشرك بالشرق، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى بالغرب، ليكونوا شهداء عليهم بعد تبليغهم دينهم، وبأنّه لم يعد بالقبلة إلى ما كانت عليه قبل الهجرة إلّا ليميّز بين المؤمنين الصادقين الذين يعلمون أنها الحق، والمنافقين الذين يبطنون الكفر ويتأثّرون بتلك المقالة، وبأنّ قبلة بيت المقدس لم تكن القبلة اللائقة بالمسلمين، ولهذا كان النّبي (ص) يقلّب وجهه بالدعاء لتحوّل قبلتهم إلى الكعبة والمنصفون من أهل الكتاب يعلمون أنها الحق من ربهم. أما غيرهم، فلا يؤمنون بها وإن أتا هم بكل آية عليها. غير أنّهم مختلفون في قبلتهم، فإذا اتّبع قبلة بعضهم أغضب غيرهم.
ثمّ ذكر أنّ لكل أمة قبلة هو مولّيها، فليستبق المسلمون إلى الخيرات من الأعمال الصالحة، لأنّها هي المقصود الأهمّ، وشأن القبلة دون شأنها. ثم أمره أن يولّي وجهه شطر المسجد في أي مكان كان لأنه الحق منه، وأمر المسلمين أن يتّبعوه في ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة، وكان اليهود يقولون: لم يدر محمد أين يتوجه في صلاته حتّى هديناه. وكان أكثر العرب يقولون: إنه كان يقول على ملة إبراهيم، والآن ترك التوجه إلى الكعبة، ومن ترك التوجه إلى الكعبة فقد ترك دين إبراهيم.
ثم ذكر حكمة ثانية لذلك، وهي أن يتمّ عليهم نعمته بجعل كعبتهم قبلتهم، كما جعل رسولهم منهم، ثم أمرهم أن يقابلوا ذلك بذكره وشكره وأن يستعينوا على ذلك بالصبر والصلاة والجهاد في سبيله، فإذا أصابهم في ذلك شيء من الخوف والجوع ونحوهما، فليصبروا عليه ليكون لهم بشرى الصابرين، ثم ختم ذلك ببيان أن الصفا والمروة من شعائر الله بالمسجد الحرام الذي أمروا بالتوجّه إليه، وكان الأنصار من أهل المدينة كارهين أن يطوّفوا بينهما.
ولما انتهى السياق من الرد عليهم في ذلك، شرع في تهديدهم على كتمان ما جاء في التوراة من البشارة بالنّبيّ (ص) ، فذكر أنّ من يفعل ذلك منهم يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، وأنّ من
تاب منهم عن الكتمان وآمن يقبل الله توبته، ومن أصرّ على الكفر استحقّ تلك اللعنة، ثم شرع يوبخ اليهود على انقيادهم لأولئك الأحبار الذين يكتمون عنهم ذلك، واتخاذهم أندادا من دون الله، فذكر سبحانه لهم أنّ إلههم واحد لا شريك له، وأنّ في خلق السماوات والأرض وغيرهما آيات دالّة على تفرّده بالألوهية، فلا يليق بهم أن يتّخذوا أحبارهم الذين يكتمون عليهم ذلك أندادا من دونه، فيحبّوهم كحبّه ولا يعصوهم في شيء. ولو يرون ما أعدّ لهم من العذاب لتدبّروا في أمرهم، لأنّهم حين يرونه تتقطع بهم الأسباب، ويتبرّأ المتبوعون من التابعين، فلا يمنعون عنهم شيئا من العذاب. ويودّ التابعون لو أنّ لهم كرّة إلى الدنيا لتبرءوا منهم كما تبّرأوا منهم، ثم أمرهم بعد هذا التحذير البالغ من أحبارهم أن يأكلوا ممّا في الأرض حلالا طيّبا، ولا يتّبعوا خطواتهم في ما يحرمون عليهم من الطيبات، لأنّهم يتّبعون بهذا خطوات الشيطان وهو أشدّ أعدائهم، ويقولون على الله ما لا يعلمون تقليدا لأحبارهم، ولكنّهم إذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله من حل تلك الطيبات، أبوا إلّا تقليد أولئك الأحبار، ولو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ومثل من يدعوهم إلى ذلك كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء ونداء، ولا يفهم ممّا يدّعي به شيئا.
ثم ترك دعاءهم إلى ذلك لأنّه لا يرجى صلاحهم، وأمر المؤمنين بما أمر به أولئك المخالفين، وأن يشكروه على ما أحلّ من ذلك، وذكر لهم أنّه لم يحرّم عليهم إلّا الميتة والدم وما ذكر معهما، ثم عاد السياق إلى أولئك الأحبار فذكر أنّهم يكتمون ما أنزل الله من البشارة بالنّبي (ص) ، ويشترون بهذا ثمنا قليلا من دنياهم، وهددهم بأنهم يأكلون به نارا في بطونهم، وينالون به غضبه عز وجل عليهم في أخراهم، إلى غير هذا ممّا ذكره في تهديدهم ثم ذكر أنّهم استحقوا ذلك بأنّه نزّل القرآن بالحق فلم يؤمنوا به، ووقعوا في ذلك الشغب والشقاق البعيد، وهو الذي جاء في تلك المقالات التي ردّت عليهم.
ثم ختم ذلك الجدال معهم بأنّ ما يتعلقون به من أمر القبلة لا يذكر فيما يجب من البرّ، ولكن البرّ من آمن بالله واليوم والاخر والملائكة والكتاب والنبيّين وآتى المال، على حبه، ذوي