الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس المعاني اللغوية في سورة «البقرة»
«1»
أمّا قوله تعالى الم [الآية 1] ، فإن هذه الحروف أسكنت، لأنّ الكلام ليس بمدرج، وإنّما يكون مدرجا، لو عطف بحرف العطف، وذلك أنّ العرب تقول في حروف المعجم كلّها بالوقف، إذا لم يدخلوا حروف العطف، فيقولون:«ألف باء تاء ثاء» ويقولون: «ألف وباء وتاء وثاء» . وكذلك العدد عندهم، ما لم يدخلوا حروف العطف فيقولون:«واحد اثنان ثلاثة» . وبذلك، وعلى أنه ليس بمدرج، قطعت ألف «اثنين» ، وهي من الوصل. فلو كان وصلها بالذي قبلها، لذهبت، ولكن هذا من العدد والعدد والحروف كلّ واحد منها شيء مفصول على حياله. ومثل ذلك المص (1)[الأعراف] ، الر «2» والمر [الرعد] ، وكهيعص (1)[مريم] وطسم (1)«3» ويس (1)[يس] ، وطه (1)[طه] ، وحم (1)«4» وق [ق] وص [سورة ص] . إلا أنّ قوما قد نصبوا يس (1) وطه (1) وحم (1)«5» وهو
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «معاني القرآن» للأخفش، تحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد، مكتبة النهضة العربية وعالم الكتاب، بيروت، غير مؤرّخ
. (2) . يونس 10: 1 وهود 11: 1 ويوسف 12: 1 وابراهيم 14: 1 والحجر 15: 1 [.....]
. (3) . الشعراء 26: 1 والقصص 28: 1
. (4) . غافر 40: 1، وفصلت 41: 1، والشورى 42: 1، والزخرف 43: 1، والجاثية 45: 1، والأحقاف 46: 1
. (5) . ذكر نصب [يس] في معاني القرآن 3: 371 ولم ينسبه قراءة ونسب في الشواذ 124 فتح النون من [يس] والفاء من [ق] والدال من [ص] إلى عيسى بن عمر، ونسب في المحتسب 2: 203 فتح النون من [يس] إلى ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر، ونسب في الجامع 15: 3 ونصب النون في [يس] إلى عيسى وفي البحر 7: 323 كما في المحتسب
.
كثير في كلام العرب، وذلك أنّهم جعلوها أسماء كالأسماء الأعجمية «هابيل» و «قابيل» . فإمّا أن يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنّه قال:«اذكر حم وطس ويس» ، أو جعلوها كالأسماء، التي هي غير متمكّنة فحرّكوا آخرها واحدة كفتح «أين» ، وكقول بعض الناس (الحمد لله) بكسر الدال. وقرأ بعضهم (ص) و (ن) و (ق)«1» بالفتح، وجعلوها أسماء ليست بمتمكّنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماء للسورة، فصارت أسماء مؤنّثة. ومن العرب من لا يصرف المؤنث إذا كان وسطه ساكنا نحو «هند» و «جمل» و «دعد» . قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الرابع] :
وإنّي لأهوى بيت هند وأهلها على هنوات قد ذكرن على هند وهو يجوز في هذه اللغة أو يكون سمّاها بالحرف، والحرف مذكّر، وإذا سمّي المؤنث بالمذكّر لم ينصرف، فجعل ص وما أشبهها، اسما للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب.
وقرأ بعضهم (صاد والقرآن)«2» فجعلها من «صاديت» ثم أمر، كما تقول «رام» ، كأنه قال:«صاد الحقّ بعملك» اي: تعمّده «3» ، ثم قال وَالْقُرْآنِ [ص: 1] فأقسم، ثم قال بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ
(2)
[ص] . فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنّهم زعموا أن «بل» هاهنا انّما هي «إنّ» فلذلك صار القسم عليها «4» .
(1) . في الطبري 23: 118 نسبت إلى عيسى بن عمر وهي مرجوحة عنده وفي الشواذ 129 كذلك وفي المحتسب 2:
230 اقتصر على فتح الدال من (ص) وفي الجامع 15: 143 نسبت الثلاثة إلى عيسى، وزاد في البحر 7: 383 محبوبا عن ابن عمر، وفرقة لم يعيّنها واقتصر في الشواذ 124 على فتح الميم من (حم) ونسبة إلى عيسى بن عمر، وكذلك في الجامع 15:290. وجاءت في الأصل (ن) مكتوبة اللفظ (نون)
. (2) . سورة ص 38: 1. في معاني القرآن 2: 396 خفض الدال من (ص) إلى الحسن. والطبري 23: 118 إلى عبد الله بن أبي إسحاق، وهي مرجوحة بقراءة السكون، وفي الشواذ 129 زاد أبا السمال، وفي المحتسب 2: 230 إلى أبي بن كعب والحسن وابن أبي إسحاق. وفي الجامع 5: 142 زاد نصر بن عاصم وفي البحر 7: 383 زاد أبا السمال وإبراهيم بن أبي عبلة
. (3) . في إيضاح الوقف والابتداء 1: 483 و 484 نقل الرأي بلفظ مخالف وزيادات
. (4) . نقله في الصحاح واللسان «بلل»
.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم:«إنّما هي حروف يستفتح بها» فإن قيل «هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى» ؟.
فإنّ معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا، علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز، وهو الشاهد الخامس] :
بل.
وبلدة ما الإنس من آهالها «1» أو يقول [من الرجز، وهو الشاهد السادس] :
بل.
ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا «2» ف «بل» ليست من البيت ولا تعدّ في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر «3» . وقال قوم: «إنّها حروف، إذا وصلت، كانت هجاء لشيء يعرف معناه، وقد أوتي بعض الناس علم ذلك. وذلك أن بعضهم، كان يقول:
«الر» و «حم» و «ن» هذا هو اسم «الرحمن» جل وعزّ، وما بقي منها، فنحو هذا» .
وقالوا: قوله تعالى كهيعص (1)[مريم] كاف، هاد، عالم، صادق، فأظهر من كل اسم منها حرفا ليستدلّ به عليها. فهذا يدلّ، على أن الوجه الأوّل لا يكون إلّا وله معنى. لأنه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك، لأن الم وطسم (1) وكهيعص (1) ليست مثل شيء من
(1) . ورد في الصحاح «بلل» بلفظ «آهالها» ولم يعز. وكذلك ورد في «اللسان» «أهل» وبعده:
ترى بها العواهق من وئالها وورد في «بلل» مع مصراع ثالث هو:
كالنار جرّت طرفي حبالها ولم يعز في أيّ
. (2) . ورد في الصحاح «بلل» وفي اللسان «بلل» ولم يعز فيهما. وهو لعبد الله العجاج. انظر ديوانه (348)، والكتاب (2: 299) ، والأمالي 1: 38، والخصائص (1: 171) ، وشرح شواهد المغني للسيوطي (268)
. (3) . نقل الجوهري في الصحاح «بلل» وفعل ابن منظور في اللسان فعله وزاد في مصاريع الرجز اللامي
.
الأسماء، وإنما هي حروف مقطّعة.
وقرأ قوله تعالى الم (1) اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران] بفتح الميم، لأنّها لقيها حرف ساكن، فلم يكن من حركتها بدّ. فان قيل:«فهلّا» حرّكه بالجر» ؟ فان هذا لا يلزم فيها، وإنما أرادوا الحركة، فإذا حرّكوها بأي حركة كانت، فقد وصلوا الى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز، ولا أعلمها إلّا لغة «1» .
وقال بعضهم: «فتحوا الحروف التي للهجاء، إذا لقيها الساكن ليفصلوا بينها وبين غيرها. وقالوا: «من الرجل» ففتحوا لاجتماع الساكنين. ويقولون «هل الرجل» و «بل الرجل» وليس بين هذين وبين «ومن الرجل» فرق، إلّا أنّهم قد فتحوا «من الرجل» لئلّا تجتمع كسرتان، وكسروا إِذِ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 93] . وقد اجتمعت كسرتان لأنّ «من» أكثر استعمالا في كلامهم من «إذ» ، فأدخلوها الفتح ليخفّ عليهم.
وإن شئت قلت: «ألم» حروف منفصل بعضها من بعض، لأنّه ليس فيها حرف عطف، وهي أيضا منفصلة ممّا بعدها، فالأصل فيه أن تقول (ألم الله) فتقطع ألف اللَّهُ «2» إذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت «واحد، اثنان» فقطعت.
وكما قرأ القراء ن وَالْقَلَمِ [القلم: 1] فبيّنوا النون لأنّها منفصلة «3» . ولو كانت غير منفصلة لم تبين إلّا أن يلقاها أحد الحروف الستة. ألا ترى أنّك تقول «خذه من زيد» و «خذه من عمرو» فتبيّن
(1) . نسبت في الشواذ 19 إلى عمرو بن عبيد وفي البحر 2: 374 إلى ابن حياة، وروي أن ابن عطية نسبها إلى الرواسي، وأنّ الزمخشري نسبها إلى عمرو بن عبيد. وقد أنكر أبو إسحاق الزّجّاج هذا الرأي على الأخفش، وقال «الذي حكاه الأخفش من كسر الميم خطأ لا يجوز ولا تقوله العرب لثقله» (اعراب القرآن 1: 143) ونقل القرطبي رأي الأخفش في الجامع (4: 1)
. (2) . هي قراءة الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبي جعفر الرواسي (إعراب القرآن 1: 143) وقال ابن مجاهد إنّها قراءة عاصم (السبعة 200)
. (3) . في معاني القرآن 3: 172 قرأ الإخفاء، ولم ينسبها قراءة البيان إلى الأعمش وحمزة (3: 172) ، وفي الطبري 29: 16 أنّ الكسائي كان يدغم النون الاخرة في (نون) و (يس) أو يخفيها بناء على الاتصال، ونسب إظهار النون فيهما إلى قرّاء الكوفة. وفي السبعة 646، أنّ إخفاء النون إلى عاصم والكسائي، وتبيينها إلى عاصم في رواية، وإلى ابن كثير ونافع وابن عامر وأبي عمرو وحمزة، وفي الجامع 18: 223 أنّ الإدغام إلى أبي بكر والمفضّل وهبيرة وورش وابن محيصن وابن عامر والكسائي ويعقوب. أمّا في البحر 8: 307 فإدغام النّون وإسكانها إلى الجمهور وإظهار النون إلى حمزة وأبي عمرو وابن كثير وقالون وحفص
.
النون في «عمرو» ولا تبيّن في «زيد» .
فلمّا كانت ميم ساكنة، وبعدها حرف مقطوع مفتوح، جاز أن تحرّك الميم بفتحة الألف، وتحذف الالف في لغة من قال:«من أبوك» فلا تقطع. وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج، فقرأوا (نون والقلم) فأثبتوا النّون ولم يبيّنوها.
وقالوا يس (1) وَالْقُرْآنِ [يس]«1» فلم يبيّنوا أيضا. وليست هذه النّون ها هنا بمنزلة قوله كهيعص (1)[مريم] وطس تِلْكَ [النمل: 1] وحم (1) عسق (2)[الشورى] .
فهذه النونات لا تبيّن في القراءة، في قراءة أحد، لأنّ النّون قريبة من الصاد، فالصّاد والنّون من مخرج طرف اللسان. وكذلك التّاء والسّين في طس تِلْكَ وفي حم (1) عسق (2)[الشورى] ، فلذلك لم تبيّن النون إذ قربن منها. وتبيّنت النون في يس (1) ون لبعد النون من الواو، لأنّ النون بطرف اللسان، والواو بالشّفتين.
وقال: لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) وقال فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [الآيات 173 و 182 و 203] فنصبهما بغير تنوين. وذلك أنّ كلّ اسم منكور نفيته ب «لا» ، وجعلت «لا» الى جانب الاسم، فهو مفتوح بغير تنوين، لأنّ «لا» مشبّهة بالفعل، كما شبّهت «إنّ» و «ما» بالفعل. و (فيه) في موضع خبرها، وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و (لا) بمنزلة الفعل. وإنّما حذفت التنوين منه لأنّك جعلته و «لا» اسما واحدا، وكلّ شيئين جعلا اسما لم يصرفا «2» . والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها، وجعل غير متمكّن. والاسم الذي بعد «لا» في موضع نصب عملت فيه «لا» .
وأما قوله فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
(1) . انظر الهامش السابق أيضا في السبعة 538، تبيين النون فيها إلى رواة نافع، وعدم التبيين إلى نافع في رواية، ونسب في الكشف 2: 214 عدم التبيين إلى ورش وأبي بكر والكسائي وابن عامر وفي الجامع 15: 3 نسب إدغام النون بالواو إلى اهل المدينة والكسائي، واسكان النّون إلى أبي عمرو والأعمش وحمزة، ونسب في البحر 7: 323 سكون النّون مدغمة في الواو إلى الجمهور والكسائي وأبي بكر وورش وابن عامر، وأنّ سائر السبعة قرءوا النّون ساكنة [.....]
. (2) . أي «بنيا»
.
يَحْزَنُونَ (62)[يونس]«1» فالوجه فيه الرفع، لأنّ المعطوف عليه لا يكون إلّا رفعا ورفعته، لتعطف الاخر عليه. وقد قرأها قوم نصبا، وجعلوا الاخر (رفعا) على الابتداء.
وقوله فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [الآية 197] ، فالوجه النصب «2» لأنّ هذا نفي ولأنّه كلّه نكرة. وقد قرأ قوم (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فرفعوه كلّه «3» ، وذلك أنّه قد يكون هذا المنصوب كلّه، مرفوعا في بعض كلام العرب، قال الشاعر «4» [من البسيط وهو الشاهد السابع] :
وما صرمتك حتّى قلت معلنة
…
لا ناقة لي في هذا ولا جمل «5»
وهذا جواب لقوله «هل فيه رفث أو فسوق» ، فقد رفع الأسماء بالابتداء، وجعل لها خبرا، فلذلك يكون جوابه رفعا. وإذا قال «لا شيء» فإنّما هو جواب «هل من شيء» لأن «هل من شيء» قد أعمل فيه «من» بالجر، وأضمر الخبر، والموضع مرفوع، مثل:«بحسبك أن تشتمني» فإنّما هو:
«حسبك أن تشتمني» . فالموضع مرفوع، والباء قد عملت.
وقد قرأ قوم: (فلا رفث ولا فسوق)
(1) . وورد التعبير أيضا في أحد عشر موضعا آخر من القرآن الكريم مسبوقا بالفاء، أو الواو، أو أن. «انظر المعجم المفهرس» يحزنون
. (2) . في معاني القرآن 1: 120 نسبت إلى القرّاء بلا تحديد، واستثنى في السبعة 180 ابن كثير وأبا عمرو، وكذلك الكشف 1: 286 وقال إنّ عليها الأعرج وشيبة والأعمش وأبا رجاء والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى، واستثنى في التيسير 80 ابن كثير وأبا عمرو ونسبت في البحر 2: 88 إلى الكوفيين ونافع، أمّا في حجّة ابن خالويه 71 والمشكل 62، والجامع 2: 408 فلم تنسب
. (3) . في المصاحف 58 نسبت إلى عبد الله مع «رفوث» بدل «رفث» ، وفي الشواذ 12 نسبت إلى أبي جعفر المدني، وفي الجامع 2: 409 إلى أبي جعفر بن القعقاع، وإلى نافع في رواية، ونسبت في البحر 2: 88 إلى أبي جعفر، وأنّها رويت عن عاصم بطريق المفضّل عنه (أمّا في المشكل 63 فأوردها ولم ينسبها وفي التيسير 80 عدم الاختلاف في فتح «جدال» انظر الطبري 4: 154 ومعاني القرآن 1: 120 والسبعة 180 وحجّة ابن خالويه 71، والكشف 1: 285 و 286 والتيسير 80 والجامع 2: 408 والبحر 2: 88)
. (4) . هو الراعي النّميري. الكتاب 11: 354 واللسان (لقا)
. (5) . ورد في شرح الأشموني بلفظ هجرتك «باب لا التي تنفي الجنس» ، وفي شعر الراعي النميري ص 112 بلفظ هجرتك
.
ولا جدال في الحجّ) «1» فرفعوا الأوّل على ما يجوز في هذا من الرفع، أو على النهي، كأنّه قال «فلا يكونن فيه رفث ولا فسوق» كما تقول «سمعك إليّ» تقولها العرب فترفعها، وكما تقول للرجل:«حسبك» و «كفاك» . وجعل الجدال (نصبا) على النفي. وقال الشاعر «2» [من الكامل وهو الشاهد الثامن] :
ذاكم وجدّكم الصّغار بأسره
…
لا أمّ لي إن كان ذاك ولا أب «3»
فرفع أحدهما ونصب الأخر.
وأمّا قوله تعالى لا فِيها غَوْلٌ [الصافات: 47] فرفع، لأنّ «لا» لا تقوى أن تعمل إذا فصلت، وقد فصلتها ب «فيها» فرفع على الابتداء ولم تعمل «لا» .
وقوله فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) ف «فيه» و «عليه» و «إليه» ، وأشباه ذلك في القرآن كثير. وذلك أنّ العرب، إذا كان قبل هذه الهاء التي للمذكّر ياء ساكنة، حذفوا الياء التي تجيء من بعد الهاء أو الواو، لأنّ الهاء حرف خفي، وقع بين حرفين متشابهين، فثقل ذلك.
فمن كان من لغته إلحاق الواو إذا كان قبلها كسرة، ولم يكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة، إذا كان قبلها الياء الساكنة، ومن كان من لغته إلحاق الياء، ترك الهاء مكسورة إذا كان قبلها الياء الساكنة. وكذلك إذا كان قبل الهاء ألف ساكنة أو واو فإنّه يحذف الواو التي تكون بعد الهاء، ولكن الهاء لا تكون إلّا مضمومة نحو فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ [الشعراء: 45] وقوله تعالى فَكَذَّبُوهُ «4» وقوله
(1) . في الطبري 4: 154 نسبت إلى جماعة من البصريين وكثير من أهل مكة منهم عبد الله منهم عبد الله بن كثير وأبي عمرو بن العلاء، «وفي معاني القرآن 1: 120 إلى مجاهد وفي السبعة 180 إلى ابن كثير وأبي عمرو وفي الكشف 1: 285، و 286 والتيسير 80 والبحر 2: 88، كذلك أمّا في الحجة 71، والجامع 2: 408، فقد ذكراها ولم ينسبا
. (2) . في الكتاب (1: 352) أنّه رجل من مذحج وقد أيّد ذلك الأعلم في الهامش، وورد في المقاصد النحوية 2: 339 في شواهده الاختلاف في نسبته إلى همام بن مرة أخي جساس أو إلى رجل من بني عبد مناة، او ابن أحمر، أو ضميرة بن ضمرة
. (3) . رواه ابن الناظم (هذا لعمركم)(75) وكذلك فعل ابن عقيل (1: 342) وابن هشام في الشذور (86)، ورواه في المقاصد النحوية «هذا وجدكم» هـ الخزانة 2: 339» ورواه الفرّاء «بعينه» في المعاني (1: 121)
. (4) . جاء هذا التعبير في تسعة مواضع من الكتاب الكريم، أوّلها الأعراف 7: 64، وآخرها الشمس 91: 14
.
فَأَنْجَيْناهُ «1» وأشباه هذا في القرآن كثير «2» :
ومن العرب من يتمّ، لأنّ ذلك من الأصل، فيقول (فكذّبوهو)(فأنجيناهو) و (فألقى موسى عصاهو) و (لا ريب فيهو هدى للمتقين)، وهي قراءة أهل المدينة «3» وقد قرأ قوم إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات: 50] فألقوا الواو، وشبّهوا الساكن بالياء والواو والالف.
وهذا ليس بجيّد في العربية، وأجوده (منهو نذير) تلحق الواو وإن كانت لا تكتب. وكل هذا إذا سكت عليه، لم تزد على الهاء شيئا.
ولا تكسر هذه الهاء، إلّا أنّ تكون قبلها ياء ساكنة، أو حرف مكسور.
وإنّما يكسر بنو تميم. فأمّا أهل الحجاز فإنّهم يضمّون بعد الكسر، وبعد الياء أيضا، قال ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) . وأهل الحجاز، يقرءون (من بعد هو) فيثبتون الواو في كل موضع.
ومن العرب من يحذف الواو والياء في هذا النحو أيضا، وذلك قليل قبيح يقول:«مررت به قبل» «به قبل» يكسرون ويضمّون ولا يلحقون واوا ولا ياء، ويقولون «رأيته قبل» فلا يلحقون واوا. وقد سمعنا بعض ذلك من العرب الفصحاء.
وقد قرأ بعض القراء (فيه هدى) فأدغم الهاء الأولى في هاء هُدىً لأنّهما التقتا وهما مثلان «4» .
وزعموا أنّ من العرب من يؤنّث «الهدى» «5» . ومنهم من يسكّن هاء الإضمار للمذكّر قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد التاسع] .
فظلت لدى البيت العتيق أخيله
…
ومطواي مشتاقان له ارقان
(1) . جاء هذا التعبير في ستة مواضع من الكتاب الكريم أوّلها الأعراف 7: 64 وآخرها العنكبوت 29: 15
. (2) . يرجع في تفصيل القراآت في هذا إلى سبعة ابن مجاهد (129) وحجة الفارسي (120) و (130) والكشف 1:
42 والتيسير (29) والجامع 1: 160 والبحر (1: 33) و (1: 37)
. (3) . انظر الهامش السابق
. (4) . أوردها ابن خالويه في حجّته ولم ينسبها (39) ، وجوّز القرطبي الإدغام في جامعه، ولم ينسبه قراءة (1: 160) [.....]
. (5) . هي لغة بعض بني أسد (اللهجات العربية للجندي (511) وهم بنو أسد المذكر والمؤنث للقراء 87، وكتاب التذكير والتأنيث للسجستاني 16
.
وهذا في لغة أسد السراة، زعموا كثير «1» .
وقوله تعالى وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) فيه لغتان، منهم من يقوله بالوقف إذا وصل، ومنهم من يلحق فيها الواو. وكذلك هو في كل موضع من القرآن والكلام، إلّا أنّ يكون ما قبلها مكسورا أو ياء ساكنة، فإن كانت ياء ساكنة أو حرفا مكسورا نحو «عليهم» و «بهم» و «من بعدهم» ، فمن العرب من يقول:«عليهمي» فيلحق الياء، ويكسر الميم والهاء ومنهم من يقول:«عليهمو» فيلحق الواو، ويضم الميم والهاء ومنهم من يقول:«عليهم» و «عليهم» ، فيرفعون الهاء ويكسرونها، ويقفون الميم، ومنهم من يقول:«عليهمو» فيكسرون الهاء، ويضمّون الميم ويلحقون الواو ومنهم من يقول:«عليهمي» فيضمون الهاء، ويكسرون الميم، ويلحقون الياء.
وكلّ هذا إذا وقفت عليه، فاخره ساكن، والذي قبله مكسور، وهو بمنزلة ما قبله ياء. وهذا في القرآن كثير «2» .
ومنهم من يجعل «كم» في «عليكم» و «بكم» ، إذا كانت قبلها ياء ساكنة أو حرف مكسور، بمنزلة «هم» ، وذلك قبيح لا يكاد يعرف، وهي لغة لبكر وائل سمعناها من بعضهم يقولون «عليكمي» و «بكمي» ، وأنشد الأخفش «3» قال سمعته من بكر بن
(1) . وينسبها الكسائي لغة لأعراب بني عقيل وبني كلاب (البحر 8: 502) وانظر تفصيل ذلك في (اللهجات العربية للجندي (404) . وقد نقل رأي الأخفش وأفاد منه بيت الشعر ابن جني في المحتسب (1: 244) والجوهري في الصحاح (ها) وابن سيده في المحكم (هو و) . والشاعر هو يعلى الأحول الشكري من اسد السراة (انظر الجمهرة 3: 118) والخزانة 2: 401- 405) وقد ورد البيت في الجمهرة بلفظ «فبت لدى البيت الحرام» وجاء فيها «ومطو الرجل نظيره» أو صاحبه لغة سروية منسوبة إلى السراة. قال الشاعر يعلى الأحول الشكري (البيت) أراد «له» وهذه لغته «وجاء في اللسان بلفظ «الحرام» أيضا (مطا) . أمّا في الصحاح (مطا) والخصائص (1: 128) والخزانة فورد بلفظهما رواه الأخفش
. (2) . يراجع لهذه القراآت حجّة الفارسي 1: 42، والكشف 1: 35- 40، والبحر 1: 26- 43، إذ فصل القول فيها في هذه المراجع. وقد ذكر سيبويه أنّ كسر الهاء لغة، وتكلّم عليها في الكتاب (2: 293 و 294)
. (3) . هو أبو الخطّاب عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر، ترجمته في مراتب النحويّين 23، وطبقات الزبيدي 40، وإنباه الرواة 2: 157
.
وائل «1» [من الطويل وهو الشاهد العاشر] :
وإن قال مولاهم على جل حاجة
…
من الأمر ردّوا فضل أحلامكم ردّوا «2»
وكل هذا، إذا لقيه حرف ساكن، حرّكت الميم بالضم، إن كان بعدها واو، فان كان بعدها واو حذفت الواو، وان كان ياء حذفت الياء، وحرّكت الميم بالكسر.
وكذلك الهاء التي للواحد المذكّر، من نحو «مررت به اليوم» و «رأيته اليوم» .
وزعموا أنّ بعض العرب، يحرّك الميم، ولا يلحق ياء ولا واوا في الشعر، وذا لا يكاد يعرف. وقال الشاعر [من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر] :
تالله لولا شعبتي من الكرم
…
وشعبتي فيهم من خال وعمّ
فأمّا قوله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) فإنّما دخله حرف الاستفهام، وليس لذكره السواء، لأنّه إذا قال في الاستفهام:«أزيد عندك أم عمرو» وهو يسأل أيّهما عندك فهما مستويان عليه، وليس واحد منهما أحقّ بالاستفهام من الاخر. فلمّا جاءت التسوية في قوله أَأَنْذَرْتَهُمْ أشبه بذلك الاستفهام، إذ أشبهه في التسوية. ومثلها سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ [المنافقون: 6] ولكن أَسْتَغْفَرْتَ ليست بممدودة، لأنّ الألف التي فيها ألف وصل، لأنّها من «استغفر» «يستغفر» فالياء مفتوحة من «يفعل» واما أَأَنْذَرْتَهُمْ ففيها ألفان ألف «أنذرت» وهي مقطوعة، لأنّه يقول «ينذر» ، فالياء مضمومة، ثمّ جعلت معها ألف الاستفهام، فلذلك مدّدت وخفّفت الاخرة منهما، لأنّه لا تلتقي همزتان «3» . وقال أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف] .
وقال بعضهم: إنّه على قوله
(1) . انظر الكتاب (2: 294) حيث ذكر هذه اللغة، ووصفها بشدة الرداءة، واستشهد بهذا الشعر، واللهجات للجندي (52)، وشرح السيرافي (5: 463) (بدلالة المصدر السابق)
. (2) . البيت للحطيئة، انظر ديوانه 140 بلفظ «حادث من الدهر» وهو كذلك في الكتاب 2: 294 والكامل 1: 534.
(3)
. تخفيف إحدى الهمزتين لغة تميمية (الكتاب 2: 168) .
تعالى أَفَلا تُبْصِرُونَ وجعل قوله تعالى أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ بدلا من تُبْصِرُونَ. لان ذلك عنده بصر منهم، أن يكون عندهم هكذا، وهذه «أم» التي تكون في معنى «أيّهما» . وقد قال قوم «إنّها يمانيّة» ، وذلك أن أهل اليمن، يزيدون «أم» في جميع الكلام. وأمّا ما سمعنا من اليمن، فيجعلون «أم» مكان الألف واللام الزائدتين، يقولون «رأيت امرجل» و «قام امرجل» .
يريدون «الرجل «1» . ولا يشبه أن تكون أَمْ أَنَا خَيْرٌ على لغة أهل اليمن. وقد زعم أبو زيد «2» أنّه سمع أعرابيّا فصيحا، ينشدهم «3» [من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر] :
يا دهر أم كان مشيي رقصا
…
بل قد تكون مشيتي ترقّصا «4»
فسأله فقال: «معناه ما كان مشيي رقصا ف «أم» ها هنا زائدة. وهذا لا يعرف. وقال علقمة بن عبدة «5» [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر] :
وما القلب لها أم ما ذكره ربعيّة «6»
…
يخطّ لها من ثرمداء قليب
يريد «ما ذكره ربعيّة» يجعله بدلا من «القلب» ، وقال بعض الفقهاء:«إنّ معناه أنّه قال فرعون أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) [الزخرف] أم أنتم بصراء» . وقال الشاعر «7» [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] :
(1) . لغة اليمن هذه تكلم عليها ابن منظور في اللسان «أمم» ، وأوردتها كتب اللهجات، راجع لها «اللهجات للجندي 311» وفيه إشارة إلى مواضع أخرى لها في اللسان وغيره، وراجع مميّزات لغات العرب (12) .
(2)
. هو أبو زيد الأنصاري، ترجم له في أخبار النحويين 41، ومراتب النحويين 42، وبغية الوعاة 255.
(3)
. روى الجوهري البيت في الصحاح «أمم» ، ولم ينسبه، وكذلك فعل ابن منظور في اللسان «أمم» ولم ينسبه، ورواه البغدادي في الخزانة (4: 421) ، ولم يهتد إلى قائله.
(4)
. في الصحاح «يا هند» بدل يا دهر في اللسان «يا دهن» و «توقصا» وقال: «أراد يا دهنا» فرخم «وفي الخزانة «توقصا» أيضا.
(5)
. هو علقمة بن عبدة الفحل الشاعر التميمي، كان نديما للحارث الأصغر الغسّاني، والنعمان الثالث أبي قابوس اللّخمي، ترجمته في الأغاني (بولاق 21: 172 وطبقات الشعراء للجمعي 1: 139 ت 168، والشعر والشعراء لابن قتيبة 1: 218 ت 13
. (6) . البيت السابع من القطعة الاولى من ديوانه ص 35، بلفظ «وما أنت أم ما ذكرها ربعية» ، «وفي اللسان» «ثرمد» :
«ربعية» بالضم» . «أما ذكرها» .
(7)
. هو ذو الرّمّة غيلان بن عقبة العدوي المتوفي سنة 117 هـ. [.....]
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل
…
وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم «1»
يريد: «أأنت أحسن أم أمّ سالم» .
فأضمر أحسن. يريد: «أليس أنا خيرا من هذا الذي هو مهين» . ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام، كأنّك تميل الى أوله قال: لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ [يونس] . وهذا لم يكن قبله استفهام، وهذا قول العرب:«إنّها لإبل» ثم يقولون «أم شاء» (وقولهم)«لقد كان كذا وكذا أم حدّثت نفسي» ، ومثل قول الشاعر «2» [من الكامل وهو الشاهد الخامس عشر] :
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
…
غلس الظلام من الرّباب خيالا «3»
وليس قوله تعالى أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ لأنه شك، لكنه قال هذا ليقبّح صنيعهم، كما تقول:«ألست الفاعل كذا وكذا» ليس تستفهم، إنّما توبّخه.
ثم قال بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [السجدة: 3] . ومثل هذا في القرآن كثير، قال سبحانه فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) [الطور] ثمّ قال أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ [الطور:
30] (و) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ [الطور: 37] كل هذا، على استفهام الاستئناف.
وليس ل «أم» غير هذين الموضعين، لأنّه أراد أن ينبّه، ثمّ ذكر ما قالوا عليه، يعني النبي (ص) ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل «الخير أحبّ إليك أم الشرّ» ؟ وأنت تعلم أنه يقول «الخير» ولكن أردت أن تقبّح عنده ما صنع. وأمّا قوله تعالى وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: 24] فقد نهاه عن الإثم والكفور جميعا. وقد قال بعض الفقهاء «4» : «إنّ «أو» تكون بمنزلة الواو وقال [من المتقارب وهو الشاهد السادس عشر] :
يهينون من حقروا شأيه
…
وإن كان فيهم يفي أو يبرّ
(1) . ديوانه 2: 767 بلفظ أيا، وهو من شواهد الكتاب 2: 178، والصحاح واللسان «جلل» ، والكامل 2:770.
(2)
. الأخطل التغلبي غياث بن غوث.
(3)
. الديوان 41، والكتاب 1: 484، ومجاز أبي عبيدة 1:56.
(4)
. المغني (1: 62) هم الكوفيون، والإنصاف 2: 254 م 67.
يقول: «يفي ويبرّ» . وكذلك هي عندهم ها هنا، وإنّما هي بمنزلة «كل اللحم أو التمر» إذا رخّصت له في هذا النحو. فلو أكل كلّه أو واحدا منه لم يعص. فيقع النهي عن كل ذا في هذا المعنى، فيكون إن أكل الكل أو واحدا (قد) عصى. كما كان في الأمر إن صنع واحدا أطاع. وقال وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)[الصافات] ومعناه «ويزيدون» ، ومخرجها في العربية أنك تقول:«لا تجالس زيدا أو عمرا أو خالدا» فإن أتى واحدا منهم أو كلّهم، كان عاصيا. كما أنّك إذا قلت:
«اجلس الى فلان أو فلان أو فلان «فجلس الى واحد منهم أو كلّهم كان مطيعا. فهذا مخرجه من العربية. وأرى الذين قالوا: «إنّما» أو «بمنزلة الواو» إنّما قالوها رأوها في معناها. وأما وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فإنما يقول وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ عند الناس» ، ثم قال أَوْ يَزِيدُونَ «1» عند الناس» لأنّ الله تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ. وقد قال قوم إنّما «أو» ها هنا بمنزلة «بل» «2» وقد يقول الرجل:«لأذهبنّ إلى كذا وكذا» ثم يبدو له بعد، فيقول «أو أقعد» فقال ها هنا وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ عند الناس «ثم قال أَوْ يَزِيدُونَ عند الناس» أي أن الناس لا يشكّون أنهم قد زادوا. والوجه الاخر هكذا، أي «فكذا حال الناس فيهم» أي: أن الناس يشكون فيهم. وكذا حال «أم» المنقطعة، ان شئت جعلتها على «بل» ، فهو مذهب حسن. وقال متمّم بن نويرة «3» [من الوافر وهو الشاهد السابع عشر] :
فلو كان البكاء يردّ شيئا
…
بكيت على جبير أو عفاق «4»
على المرأين إذ هلكا جميعا
…
بشأنهما وحزن واشتياق «5»
(1) . نقله في الجامع 15: 132 وأشرك معه الزجّاج.
(2)
. هو رأي الكوفيين بلا شرط (المغني 1: 64)«أو» الإنصاف (2: 254 م 67) وسيبويه بشرط تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل المصدر الاول.
(3)
. ترجمته في الأغاني (بولاق 14: 66)، والشعر والشعراء 1: 254، ومعجم الشعراء 432، وخزانة الأدب 1:
234.
(4)
. رواية (مالك ومتمّم) ب «بجير» 124.
(5)
. رواية (مالك ومتمّم) ب «لشأنهما بشجو» 124.
وقال ابن أحمر «1» [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر] :
فقلت البثي شهرين أو نصف ثالث
…
إلى ذاك ما قد غيّبتني غيابيا «2»
وأمّا قوله تعالى أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)[الصافات] . فان هذه الواو واو عطف كأنّهم قالوا: أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) فقيل لهم: «نعم وآباؤكم الأوّلون» فقالوا أَوَآباؤُنَا، وقوله أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ [يس: 77] ، أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [السجدة: 26] وأشباه هذا في القرآن كثير. فالواو مثل الفاء في قوله تعالى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ [طه: 128] وقوله أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [المؤمنون: 68] وإن شئت جعلت هذه الفاآت زائدة. وإن شئت، جعلتها جوابا لشيء، كنحو ما يقولون «قد جاءني فلان» فيقول «أفلم أقض حاجته» ، فجعل هذه الفاء معلّقة بما قبلها.
وأما قوله خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [الآية 7] فإنّ الختم، ليس يقع على الأبصار.
إنّما قال خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ثم قال وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ مستأنفا. وقوله خَتَمَ اللَّهُ لأنّ ذلك، كان لعصيانهم الله، فجاز ذلك اللفظ، كما تقول:«أهلكته فلانة» إذا أعجب بها، وهي لا تفعل به شيئا، لأنه هلك في اتّباعها. أو يكون «ختم» حكم بها أنّها مختوم عليها.
وكذلك فَزادَهُمُ اللَّهُ [الآية 10] على ذا التفسير، والله اعلم.
ثم قال تعالى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ [الآية 8] فجعل اللفظ واحدا، ثم قال وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [الآية 8] فجعل اللفظ جميعا، وذلك أنّ «من» اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعا في المعنى، ويكون اثنين. فان لفظت بفعله على معناه، فهو صحيح. وإن جعلت فعله على لفظه واحدا، فهو صحيح وممّا جاء من ذلك قوله تعالى: بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ
(1) . هو عمرو بن أحمر الباهلي، انظر ترجمته في طبقات في الشعراء 1: 485، والشعر والشعراء 1: 356، وأمالي ابن الشّجري 1: 137، وخزانة الأدب 3:38.
(2)
. شعر عمرو بن أحمد الباهلي 171 بلفظ (ألا فالبثا) و (إلى ذا كما ما) الخصائص 2: 317 ب (ألا فالبثا) وفي الأصل «قلت» بلا فاء، و (إلى ذاكما ما غيبتني) وبلا عزو، والصاحبي 128 بلا عزو، ب «فذلكما شهرين» و «إلى ذاكما ما غيبتني» .
لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وقال:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ [يونس: 42] وقال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ [يونس: 43] وقال: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ [الأحزاب: 31] فقال يَقْنُتْ فجعله على اللفظ، لأنّ اللفظ في مَنْ مذكّر وجعل تَعْمَلْ ونُؤْتِها على المعنى. وقد قرأ بعضهم:(ويعمل)«1» فجعله على اللفظ لأنّ لفظ مَنْ مذكّر. وقد قرأ بعضهم: (ومن تقنت)«2» فجعله على المعنى لأنه يعني امرأة. وهي حجّة على من قال: «لا يكون اللفظ في «من» على المعنى إلّا ان تكون «من» في معنى «الذي» ، فأمّا في المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في «من» على المعنى» .
وقولهم هذا خطأ، لأنّ هذا الموضع الذي فيه (ومن تقنت) مجازاة. وقد قالت العرب «ما جاءت حاجتك» فأنّثوا «جاءت» لأنّها ل «ما» ، وإنّما أنّثوا، لان معنى «ما» هو الحاجة. وقد قالت العرب أو بعضهم «من كانت أمّك» فنصب وقال الشاعر «3» [من الطويل هو الشاهد التاسع عشر] :
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني
…
نكن مثل من، يا ذئب، يصطحبان «4»
ويروى (تعال فإن) . وقد جعل (من) بمنزلة رجل.
قال الشاعر «5» [من الرمل وهو الشاهد العشرون] :
(1) . معاني القرآن 2: 341 قراءة الأعمش وأبي عبد الرحمن السلميّ. تفسير الطبري 22: 1، 2 عامة قراء الكوفة.
السبعة 521 قراءة حمزة والكسائي. الحجة لابن خالويه 264 بلا نسبة. الكشف 2: 196 كالسبعة والتيسير 179 كذلك. البحر 7: 228 أضاف السلميّ وابن وثاب.
(2)
. الجامع 14: 176 قراءة يعقوب. والبحر 7: 228 قراءة الجحدي والاسواري ويعقوب في رواية، وابن عامر في رواية، ورواها أبو حاتم عن أبي جعفر وشيبة ونافع.
(3)
. هو الفرزذق همّام بن غالب. [.....]
(4)
. في الأصل كلمة مطموسة تكاد تقرأ «لعنتم» وفي الهامش «نسخة تعشّ فإن» . وهو في ديوانه 2: 870، بلفظ «تعش» و «واثقتني» وفي الكتاب 1: 404 بلفظ تعال، وفي الكامل 1: 32 برواية الأخفش والمجاز 2: 41 «بتعلل» والصاحبي 173 ب «تعال» .
(5)
. هو سويد بن أبي كامل بن حارثة اليشكري.
ربّ من أنضجت غيظا صدره
…
قد تمنّ لي شرّا لم يطع «1»
فلولا أنّها نكرة بمنزلة «رجل» ، لم تقع عليها «ربّ» .
وكذلك (ما) نكرة إلّا أنّها بمنزلة «شيء» . ويقال: إنّ قوله تعالى هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق: 23] على هذا. جعل (ما) بمنزلة «شيء» ولم يجعلها بمنزلة «الذي» فقال: «ذا شيء لديّ عتيد» .
وقال الشاعر «2» [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والعشرون] :
ربّ ما تكره النفوس من الأمر
…
له فرجة كحلّ العقال «3»
فلولا أنّها نكرة بمنزلة «من» لم تقع عليها «ربّ» . وقد يكون هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ على وجه آخر، أخبر عنهما خبرا واحدا كما تقول:«هذا أحمر أخضر» . وذلك أن قوما من العرب يقولون: «هذا عبد الله مقبل» . وفي قراءة ابن مسعود «4» (وهذا بعلي شيخ)«5» [هود: 72] كأنه أخبر عنهما خبرا واحدا، أو يكون كأنّه رفعه على التفسير، كأنه إذا قال: هذا ما لَدَيَّ، قيل:«ما هو» ؟ أو علم أنه يراد ذلك منه فقال عَتِيدٌ أي ما عندي عتيد.
وكذلك (وهذا بعلي شيخ) . وقال الراجز «6» [وهو الشاهد الثاني والعشرون] :
من يك ذا بتّ فهذا بتّي
…
مقيّظ مصيّف مشتّي «7»
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ [النساء: 58] ف «ما» ها هنا اسم ليست له
(1) . ديوانه 30 بلفظ «قلبه» و «موتا» .
(2)
. هو أميّة بن أبي الصّلت، وقيل غيره انظر ديوان أمية بن أبي الصلت 585، حيث تجد التخريجات.
(3)
. ديوانه 444، بلفظ «تجزع» بدل «تكره» .
(4)
. هو عبد الله بن مسعود الصحابي الكبير، وله قراءات تفرّد بها وتوفي سنة 32 هـ (طبقات ابن خياط 16 وطبقات ابن سعد 3: 150 والمعارف 249 وتقريب التهذيب 1: 450) .
(5)
. وانظر لهذه القراءة معاني القرآن 2: 23، والمصاحف 63، والبحر 5: 244، وأضيف في الجامع 9: 70 أبيّ، ونسبت في المحتسب 1: 324 إلى الأعمش.
(6)
. هو رؤبة بن العجاج، انظر ديوانه 189.
(7)
. في الكتاب 1: 258، ومجاز القرآن 2: 247، والصحاح «بتت» بلفظ «كان» بدل يك في (قيظ) كذلك وفي (صيف) و «شتا» ب «يك» وفيها جميعها بلا نسبة.
صلة لأنّك إن جعلت يَعِظُكُمْ بِهِ صلة ل (ما) صار كقولك: «إنّ الله نعم الشيء» أو «نعم شيئا» فهذا ليس بكلام. ولكن تجعل (ما) اسما وحدها، كما تقول:«غسلته غسلا نعمّا» تريد به: «نعم غسلا» . فإن قيل:
«هي بمنزلة» «يا أيّها الرّجل» لأنّ «أيّ» هاهنا اسم ولا يتكلم به وحده، وحتى يوصف فصار (ما) مثل الموصوف هاهنا. لأنك إذا قلت «غسلته غسلا نعمّا» فإنّما تريد المبالغة والجودة، فاستغني بهذا حتى تكلّم به وحده.
ومثل «ما أحسن زيدا» (ما) هاهنا وحدها اسم، وقوله «إني ممّا أن أصنع كذا وكذا» (ما) ها هنا وحدها اسم، كأنّه قال تعالى:«إنّي من الأمر» أو «من أمري صنيعي كذا وكذا» وممّا جاء على المعنى قوله سبحانه كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ [الآية 17] لان «الذي» يكون للجميع، كما قال عز وجل وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)[الزّمر] .
قال تعالى يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [الآية 9] ولا تكون المفاعلة إلّا من شيئين، فإنّه إنّما يقول:«يُخادِعُونَ اللَّهَ عند أنفسهم يمنّونها أن لا يعاقبوا وقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم» ذلك لحجّة الله الواقعة على خلقه بمعرفته.
وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [الآية 9] وقال بعضهم يَخْدَعُونَ «1» كأنّه يقول: «يخدعون أنفسهم بالمخادعة لها» وبها نقرأ.
وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة تقول: «باعدته مباعدة» و «جاوزته مجاوزة» في أشياء كثيرة.
وقد قال وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء: 142] فذا على الجواب. يقول الرجل لمن كان يخدعه، إذا ظفر به «أنّا الذي خدعتك» ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه. وكذلك وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ [آل عمران:
54] واللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [الآية 51] على الجواب. والله لا يكون منه المكر
(1) . الطبري 1: 277 بلا عزو، وحجّة ابن خالويه 44، وفي السبعة 139 قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وفي حجّة الفارسي 233 كذلك، وفي التيسير 72 إلى الحرميين وأبي عمرو وفي الجامع 1: 196 إلى نافع وابن كثير وأبي عمرو، وفي البحر إلى الجمهور، وفي الكشف 1: 224 إلى غير ابن عامر والكوفيّين.
والهزء. والمعنى: أنّ المكر حاق بهم، والهزء صار بهم.
وأمّا قوله سبحانه: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [الآية 10] فمن فخّم، نصب الزاي، فقال: فَزادَهُمُ «1» ومن أمال كسر الزّاي فقال: (زادهم)«2» لأنها من «زدت» أوّلها مكسور. فناس من العرب يميلون ما كان من هذا النحو، وهم بعض أهل الحجاز، ويقولون أيضا (ولمن خاف مقام ربّه) «3» و (فانكحوا ما طاب لكم من النّساء) «4» و (وقد خاب) «5» ولا يقولون (قال) ولا (زار) لأنّه يقول (قلت) و (زرت) فأوّله مضموم. فإنّما يفعلون هذا في ما كان أوّله من «فعلت» مكسورا إلّا أنّهم ينحون الكسرة كما ينحون الياء في قوله وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ [الإنسان: 21] . وقَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)[الشمس]«6» . ويقرأ جميع ذلك بالتفخيم وما كان من نحو هذا من بنات الواو، وكان ثالثا نحو وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2)[الشمس]«7» ونحو وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6)[الشمس]«8» فإنّ كثيرا من العرب يفخّمه، ولا يميله، لأنّها ليست بياء فتميل إليها، لأنّها من
(1) . نسبت في السبعة 140 إلى إسحاق وإلى عاصم في رواية، وفي 141 إلى الكسائي وأبي عمرو وابن كثير. وفي حجّة ابن خالويه 45 بلا نسبة. ونسبت في حجّة الفارسي 240 و 241 إلى ابن كثير وأبي عمرو، والكسائي وعاصم، وفي الكشف 1: 174 إلى القراء كلهم إلّا حمزة وابن ذكوان، وفي البحر 1: 59 نسب التفخيم للحجاز.
(2)
. نسبت في السبعة 139 إلى حمزة وابن عامر وبإشمام الإضجاع إلى نافع، وفي 140 بإشمام كسر قليل إلى إسحاق. وفي حجّة ابن خالويه 45 بلا نسبة، وفي حجّة الفارسي 239 إلى حمزة وابن عامر، وبإشمام الإضجاع إلى نافع وفي الكشف 1: 174 تفرّد بها حمزة، ووافقه ابن ذكوان، وفي البحر 1: 59 مثل ما في الكشف، ثم نسبت الإمالة لتميم.
(3)
. الرحمن 55: 46، ونسبت في السبعة إلى حمزة، وفي الكشف 1: 174 تفرّد حمزة بالإمالة، وكذلك في التيسير 50.
(4)
. النساء 4: 3 نسبت في السبعة إلى حمزة، وفي الكشف 1: 174 كذلك في البحر 3: 162 إلى ابن إسحاق والجحدري والأعمش، وحوّلها أبيّ في مصحفه إلى ياء، وفي التيسير 50 تفرّد حمزة بالإمالة. [.....]
(5)
. طه 20: 61 و 111، والشمس 91: 10 في الكشف 1: 174، والتيسير 50 تفرّد حمزة بالامالة.
(6)
. انظر الكشف 1: 181، و 2: 378 و 382، والتيسير 223.
(7)
. معاني القرآن 3: 266 وتفسير الطبري 30: 216 (البابي 2) والسبعة 688 و 689، وإعراب ثلاثين سورة 97، والكشف 1: 189 و 190، و 2: 378- 382، والتيسير 223.
(8)
. معاني القرآن وتفسير الطبري، وإعراب ثلاثين سورة، والكشف والتيسير وكلها كالسابق.
«طحوت» و «تلوت» . فإذا كانت رابعة فصاعدا أمالوا، وكانت الإمالة هي الوجه، لأنّها حينئذ قد انقلبت الى الياء. ألا ترى أنك تقول «غزوت» و «أغزيت» ومثل ذلك وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)[الشمس]«1» وقَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)[الأعلى]«2» ووَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2)[الليل]«3» أمالها لأنّها رابعة، و «تجلّى» فعلت منها بالواو، لأنها من «جلوت» و «زكا» من «زكوت يزكو» ووَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)[الشمس]«4» من «الغشاوة» .
وقد يميل ما كان منه بالواو نحو (تلاها) و (طحاها) ناس كثير «5» ، لأنّ الواو تنقلب الى الياء كثيرا، مثل قولهم في (حور)(حير) وفي «مشوب» «مشيب» وقالوا «أرض مسنيّة» إذا كان يسنوها المطر. فأمالوها الى الياء، لأنّها تنقلب إليها.
وأمالوا كلّ ما كان نحو «فعلى» و «فعلى» نحو «بشرى» و «مرضى» و «سكرى» ، لان هذا لو ثنّي كان بالياء فمالوا إليها.
وأمّا قوله تعالى بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [الآية 10] ، وبها نقرأ. فيعني «يكذبون على الله وعلى الرسل» . جعل السياق «ما» والفعل اسما للمصدر، كما جعل «أن» والفعل اسما للمصدر في قوله «أحبّ أن تأتيني» ، وأمّا المعنى فإنّما هو «بكذبهم» و «تكذيبهم» . وأدخلت «كان» ، لتخبر أنه كان فيما مضى، كما تقول:«ما أحسن ما كان عبد الله» فأنت تتعجّب من عبد الله لا من «كونه» . وإنّما وقع التعجّب في اللفظ على كونه وبعضهم «6» قرأ: (بما
(1) . الكشف 1: 181، و 2: 378 و 382، والتيسير كالسابق.
(2)
. حجة ابن خالويه 340، والتيسير 221.
(3)
. السبعة 688 و 689، والكشف كالسابق، والتيسير 224.
(4)
. الكشف 1: 181، و 2: 378 و 382، والتيسير 223.
(5)
. لم نجد ما يدلّ على القبائل التي تقولها، ولكن عزي إلى قريش ومن جاورها من كنانة، إيثار الياء في الفعل المبني للمجهول من الأجوف الواوي، البحر 1:61.
(6)
. الذي عليه رسم المصحف تخفيف الذال وهي القراءة المنسوبة في تفسير الطبري 1: 284 إلى أعظم قراء اهل الكوفة، وفي السبعة 141 إلى عاصم وحمزة والكسائي، وفي حجّة الفارسي 247، كذلك وفي الجامع 1: 198، كذلك وفي الكشف 1: 227، والتسير 72، أما في حجّة ابن خالويه 45، فبلا نسبة. أمّا «يكذبون» بالتضعيف فهي في تفسير الطبري 1: 284 قراءة أعظم قراء أهل المدينة والحجاز والبصرة وفي السبعة 141 قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، وفي حجّة الفارسي 247 كذلك، وفي البحر 1: 60 قراءة الحرميين والعربيين. وفي الكشف 1: 227 والتيسير 72 قراءة غير الكوفيين، وفي حجّة ابن خالويه 45 فبلا نسبة
كانوا يكذّبون) على معنى يجحدون، لأن الجحود كفر. وقال فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: 94] وليس هذا في معنى «فاصدع بالذي تؤمر به» . لو كان هذا المعنى لم يكن كلاما حتى تجيء ب «به» ولكن «اصدع بالأمر» جعل «ما تؤمر» اسما واحدا. وقال لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا [آل عمران: 188] يقول «بالإتيان» يجعل «ما» و «أتوا» اسما للمصدر. وإن شئت قلت: «أتوا» ها هنا «جاءوا» كأنه يقول: «بما جاءوا» يريد «جاءوه» كما تقول «يفرحون بما صنعوا» أي «بما صنعوه» ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره «بكونهم يكذبون» ف «يكذبون» «1» مفعول ل «كان» كما تقول: «سرني زيد بكونه يعقل» أي:
بكونه عاقلا.
وأما قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [الآية 11] فمنهم من يضمّ أوله، لأنّه في معنى «فعل» فيريد أن يترك أوله مضموما ليدل على معناه «2» ، ومنهم من يكسره، لأنّ الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم والكسر القياس «3» .
ومنهم من يقول في الكلام: «قد قول له» و «قد بوع المتاع» إذا أراد «قد بيع» و «قيل» . جعلها واوا حين ضمّ ما قبلها، لأنّ الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم. ومنهم من يروم الضمّ في «قيل» مثل رومهم الكسر في «ردّ» ، لغة لبعض العرب ان يقولوا «ردّ» فيكسرون الراء ويجعلون عليها حركة الدال التي في موضع العين. وبعضهم لا يكسر الراء ولكنه يشمّها الكسر، كما يروم في «قيل» الضم. وقال
(1) . عاد إلى الكلام على الآية العاشرة.
(2)
. نسبت قراءة الضم في السبعة 141 إلى الكسائي، و 142 إلى ابن عامر وهشام بن عمار، وفي حجّة الفارسي 255 أغفل ابن عامر، وفي الكشف 1: 119 والتيسير 72 والبحر 1: 61، كذلك أضاف البحر أنّها لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاور هم، وعامة بني أسد. وفي حجّة ابن خالويه 45 بلا نسبة.
(3)
. في السبعة 142، أنّها قراءة نافع وابن كثير وعاصم، ابن عمرو وحمزة، وفي حجّة الفارسي 255 و 256 بإضافة ابن عامر، وفي الكشف 1: 229 أنّها لغير هشام الكسائي وفي التيسير 72، والبحر 1: 61، وفي الأخير أنّها لغة قريش.
الفرزدق «1» [من الطويل وهو الشاهد الثالث والعشرون] :
وما حلّ من جهل حبا حلمائنا
…
ولا قائل المعروف فينا يعنّف «2»
سمعناه ممّن ينشده من العرب هكذا.
وأمّا قوله تعالى أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ [الآية 13] فقد قرأ هما قوم مهموزتين جميعا «3» ، قرءوا: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ «4» [الآية 6] وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]«5» وقرءوا أَإِذا «6» أَإِنَّا «7» كل هذا، يهمزون فيه همزتين وكل هذا، ليس كلام العرب، إلّا شاذا «8» . ولكن إذا اجتمعت همزتان شتّى ليس بينهما شيء فان إحداهما تخفّف في جميع كلام العرب إلّا في هذه اللغة الشاذة القليلة، وذلك أنّه إذا اجتمعت همزتان في كلمة
(1) . هو همّام بن غالب بن صعصعة، ترجمته في الأغاني (بولاق) 8: 186 و 19: 2، والشعر والشعراء 1: 471، وطبقات فحول الشعراء 2:299. [.....]
(2)
. في الديوان 2: 561 ب (حل) ، و (قائل بالعرف)، وفي الكتاب 2: 260 كرواية الأخفش، وفي اللسان «حبا» .
(3)
. في السبعة 137، أنّها قراءة نافع وفي 138 قراءة عاصم وحمزة والكسائي، والكشف 1: 76 الكوفيين وابن عامر، والبحر 1: 68 كذلك، والتيسير 34 لغير أبي عمرو والحرميين، وحجّة ابن خالويه 46، والجامع 1: 206 بلا نسبة.
(4)
. في السبعة 1: 135 قراءة عاصم، وحمزة والكسائي، إذا حقّق، وابن عامر وحجّة الفارسي 183، كذلك الجامع 1: 185، كذلك مع إهمال ابن عامر، وتحقيق الكسائي. وفي الكشف 1: 73 و 74 إلى اهل الكوفة وابن ذكوان، وفي التيسير 32 إلى غير الحرميين، ولا أبي عمرو أو ابن كثير أو قالون أو هشام 2، وفي حجة ابن خالويه 42 بلا نسبة.
(5)
. وفي الكشف 2: 212 إلى غير حمزة أو هشام.
(6)
. أ: الواقعة 56: 47، في السبعة 623 إلى ابن عامر، وفي 285 إلى الكسائي، وفي حجّة ابن خالويه 313 بلا نسبة، ب النازعات 79: 11 في السبعة 670 إلى الكسائي وعاصم وحمزة
. (7) . أ: الواقعة 56: 47 في السبعة 633 إلى ابن عامر وفي 285 إلى الكسائي ونافع وفي الحجة بلا نسبة. ب.
النازعات 79: 10 في السبعة 670 إلى الكسائي وعاصم وحمزة وفي الكشف 1: 75 إلى الكوفيين وابن عامر.
(8)
. في اللهجات والتراث 257، أنّ التحقيق لهجة غير الحجاز، وفي 258 هي لهجة قبائل شرق الجزيرة كتميم وغيرها، وفي 259 هي لهجة تميم، وتميم الرباب وغنى، وعكل، وأسد، وعقيل، وقيس، وبنو سلامة، من أسد.
واحدة، أبدلوا الاخرة منهما أبدا، فجعلوها، إن كان ما قبلها مفتوحا، ألفا ساكنة، نحو «آدم» و «آخر» و «آمن» وإن كان ما قبلها مضموما، جعلت واوا، نحو «أوزز» إذا أمرته ان يؤز، وإن كان ما قبلها مكسورا، جعلت ياء، نحو «ايت» وكذلك إن كانت الاخرة متحركة، بأي حركة كانت، والأولى مضمومة، او مكسورة، فالآخرة تتبع الأولى نحو «أن أفعل» من «أأب» فتقول «أووب» . ونحو «جاء» في الرفع والنصب والجر. فاما المفتوحة، فلا تتبعها الاخرة إذا كانت متحركة، لأنها لو تبعتها جعلت همزة مثلها. ولكن تكون على موضعها، فإن كانت مكسورة، جعلت ياء، وإن كانت مضمومة جعلت واوا، وان كانت مفتوحة جعلت أيضا واوا لأنّ الفتحة تشبه الألف. وأنت إذا احتجت إلى حركتها، جعلتها واوا، ما لم يكن لها أصل في الياء معروف، فهذه الفتحة ليس لها أصل في الياء فجعلت الغالب عليها الواو، نحو «آدم» و «أوادم» .
فلذلك جعلت الهمزتان إذا التقتا، وكانتا من كلمتين شتّى، مخففة إحداهما، ولم يبلغ من استثقالهما، ان تجعلا مثل المجتمعتين في كلمة واحدة. ولأن اللتين في كلمة واحدة، لا تفارق إحداهما صاحبتها، وهاتان تتغيران عن حالهما وتصير كلّ واحدة منها على حالها أثقل منهما كلمتين لأنّ ما في الكلمتين: كلّ واحدة على حالها، فتخفيف الاخرة أقيس كما أبدلوا الاخرة حين اجتمعتا في كلمة واحدة، وقد تخفف الاولى. فمن خفف الاخرة في قوله كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا قال (السفهاء ولا) فجعل الألف في (ألا) واوا «1» . ومن خفّف الأولى، جعل الألف التي في (السفهاء) كالواو، وهمز ألف (ألّا)«2» .
وأمّا أَأَنْذَرْتَهُمْ فإنّ الأولى لا تخفّف، لأنّها أوّل الكلام.
والهمزة، إذا كانت أوّل الكلام لم تخفّف، لأن المخفّفة ضعفت، حتى صارت كالساكن، فلا يبتدأ بها. وقد
(1) . الكشف 1: 78. وفي التيسير 34 قراءة الحرميين وأبي عمرو وفي الجامع 1: 206 قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وفي البحر 1: 68 قراءة الحرميين وأبي عمرو.
(2)
. في السبعة 138 بإسقاط الأولى إلى أبي عمرو، وفي الجامع 1:206. والبحر 1: 68 بلا نسبة.
قرأ بعض العرب: (ءاإذا)«1» و (ءاأنذرتهم)«2» «ءاأنا قلت لك كذا وكذا» ، فجعل ألف الاستفهام، إذا ضمت الى همزة، يفصل بينها وبينها بألف، لئلّا تجتمع الهمزتان. كل ذا قد قيل، وكل ذا قد قرأه الناس. وإذا كانت الهمزة ساكنة، فهي في لغة هؤلاء الذين يخفّفون، ان كان ما قبلها مكسورا ياء، نحو (أنبيهم بأسمائهم)«3» ونحو (نبّينا)«4» . وإن كان مضموما جعلوها واوا نحو «جونه» «5» ، وان كان ما قبلها مفتوحا جعلوه ألفا نحو «راس» و «فاس» . وإن كانت همزة متحرّكة بعد حرف ساكن، حرّكوا الساكن بحركة ما بعده، وأذهبوا الهمزة يقولون في «في الأرض» :(فلرض)«6» وفي ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ [الأعراف: 51] : «7» : (منلاه)«8» يحرّكون الساكن بالحركة التي كانت في الهمزة، أيّ حركة كانت، ويحذفون الهمزة.
وإذا اجتمعت همزتان من كلمتين شتّى، والأولى مكسورة، والاخرة مكسورة، فأردت ان تخفّف الاخرة، جعلتها بين الياء الساكنة وبين الهمزة، لأنّ الياء الساكنة تكون بعد المكسورة، نحو «هؤلاء يماء الله» ، تجعل الاخرة بين بين والأولى محققة. وان كانت الاخرة مفتوحة، نحو «هؤلاء أخواتك» ، أو مضمومة، نحو «هؤلاء أمّهاتك» لم تجعل بين بين، وجعلت
(1) . أ: الواقعة 56: 47. وفي الحجة 313، بلا نسبة ب. النازعات 79: 11 (انظر ما سبق) .
(2)
. البقرة 2: 6 في السبعة 134 إلى أبي عمرو، وفي 135 في رواية إلى نافع. وفي حجّة الفارسي 183 إلى ابن كثير ونافع وأبي عمرو وفي الكشف 1: 74 إلى أبي عمرو وقالون عن نافع وهشام عن ابن عامر، مع تخفيف الثانية. وفي التيسير 32 إلى قالون وهشام في رواية، وفي الجامع 1: 185 إلى ابن أبي إسحاق وفي البحر 1: 47 إلى ابن هشام، او ابن عباس وابن أبي إسحاق.
(3)
. البقرة 2: 33 وهي في السبعة 153 قراءة منسوبة إلى ابن عامر، وفي حجّة ابن خالويه 51 كذلك، وفي المحتسب 66 إلى الحسن، وفي شواذ ابن خالويه 4 إلى ابن أبي عبلة، وفي البحر 1: 149 بلا نسب، أمّا في المعاني 1: 26 فلم يعز قراءة.
(4)
. سورة يوسف 12: 36.
(5)
. في اللسان «جون» أنّ الفارسي، كان يفضّل ترك الهمز فيها. وفي المزهر 2: 276 أنّها لغة قريش. [.....]
(6)
. لم نجد من قرأ بهذا.
(7)
. ورد هذا التركيب في تسعة مواضع من القرآن الكريم، أوّلها الأعراف 7: 59، وآخرها المؤمنون 23:32.
(8)
. لم نجد من قرأ بهذا.
ياء خالصة، لانكسار ما قبلها، لأنّك إنّما تجعل المفتوح، بين الألف الساكنة وبين الهمزة، والمضموم بين الواو الساكنة وبين الهمزة، إذا أردت بين بين، وهذا لا يثبت بعد المكسور. وإن كان الأوّل مهموزا أو غير مهموز، فهو سواء إذا أردت تخفيف الاخرة، ومن ذلك قولهم «مئين» و «مئير» في قول من خفّف. وإن كان الحرف مفتوحا، بعد همزة مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، جعلت بين بين، لأن المفتوح تكون بعده الألف السّاكنة والياء الساكنة، نحو «البيع» ، والواو الساكنة نحو «القول» وهذا مثل يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ [النحل: 48] ووَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ [الحج: 65]«1» و (آاذا) و (آانا) إذا خففت الاخرة في كل هذا جعلتها بين بين. والذي نختاره تخفيف الاخرة إذا اجتمعت همزتان، إلّا أنّا نحقّقهما في التعليم كلتيهما، نريد بذلك الاستقصاء. وتخفيف الاخرة قراءة أهل المدينة، وتحقيقهما جميعا قراءة أهل الكوفة، وبعض أهل البصرة. ومن زعم أنّ الهمزة لا تتبع الكسرة إذا خففت وهي متحركة، وإنّما تجعل في موضعها، دخل عليه ان يقول «هذا قارو» و «هؤلاء قاروون» و (يستهزوون)«2» ، وليس هذا كلام من خفّف من العرب، وإنّما يقرءون (يستهزئون) و (قارئون) .
وإذا كان ما قبل الهمزة مضموما، وهي مضمومة، جعلتها بين بين. وان كانت مكسورة أو مفتوحة، لم تكن بين بين، وما قبلها مضموم، لأن المفتوحة بين الألف الساكنة والهمزة، والمكسورة بين الياء الساكنة والهمزة.
وهذا لا يكون بعد المضموم، ولكن تجعلها واوا بعد المضموم، إذا كانت مكسورة أو مفتوحة فتجعلها واوا خالصة لأنّهما يتبعان ما قبلهما نحو «مررت بأكمو» و «رأيت أكموا» و «هذا غلاموبيك» تجعلها واوا، إذا أردت التخفيف، إلّا أن تكون المكسورة مفصولة، فتكون على موضعها لأنها قد بعدت.
والواو قد تقلب الى الياء مع هذا،
(1) . في الكشف 1: 75 أنّ التخفيف في الثانية قراءة الكوفيين، وابن ذكوان، وورش، وابن كثير وأنّ قالون وأبا عمرو، خفضا عن نافع، وخفض هشام عن ابن عامر، مع وضع ألف بين الهمزتين.
(2)
. ورد هذا التعبير في 14 موضعا من القرآن الكريم، أوّلها في الأنعام 6: 5، وآخرها في الأحقاف 46:26.
وذلك نحو «هذا غلاميخوانك» و (لا يحيق المكر السيّئ يلّا)«1» .
وإذا كانتا في معنى «فعل» ، والهمزة في موضع العين، جعلت بين بين، لأنّ الياء الساكنة تكون بعد الضمة، ففي «قيل» يقولون «قيل» ، ومثل ذلك «سيل» و «ريس» ، فيجعلها بين بين إذا خففت، ويترك ما قبلها مضموما. وأمّا «روس» فليست «فعل» ، وإنّما هي «فعل» ، فصارت واوا، لأنها بعد ضمة معها في كلمة واحدة.
وقوله وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا [الآية 14] فأذهب الواو لأنه كان حرفا ساكنا لقي اللام وهي ساكنة، فذهبت لسكونه، ولم تحتج إلى حركته، لأنّ فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو ما قبلها مضموم تكون من هذا النحو. فإذا كان ما قبلها مفتوحا، لم يكن بد من حركة الواو، لأنك لو التقيتها لم تستدل على المعنى نحو اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ [الآية 16]«2» وحرّكت الواو بالضم لأنك لو قلت «اشتر الضلالة» فألقيت الواو لم تعرف أنّه جمع، وإنّما حركتها بالضم لأنّ الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم، فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم، وهي لغة لبعض العرب (اشتروا الضلالة)«3» لمّا وجدوا حرفا ساكنا، قد لقي ساكنا، كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع، وهي لغة شاذة.
وأمّا قوله وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ [الآية 14] فإنّك تقول «خلوت الى فلان في حاجة» «4» كما تقول: «خلوت بفلان» إلّا أنّ «خلوت بفلان» له معنيان: أحدهما هذا، والاخر سخرت به. وتكون «إلى» في موضع «مع» نحو مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: 52] «5»
(1) . فاطر 35: 43. ونسبت في الكشف 2: 212 إلى حمزة، وفي التيسير 183 نسب تحويل الهمزة الثانية إلى ياء في الوقف، إلى حمزة او أبي عمرو، وعبارته لا توحي بتحديد ولا وضوح فيها. وعبارة الأخفش لا واو فيها، تحّولت إلى ياء قط.
(2)
. وضم الواو القراءة التي عليها الجمهور من القراء. السبعة 143، وحجّة الفارسي 277، والكشف 1: 275 والمشكل 1: 20، والجامع 1: 210، والبحر 1:71.
(3)
. في الشواذ 2 إلى يحيى بن يعمر. وأضاف المحتسب 54 ابن أبي إسحاق وأبا السّمال، وأسقط الجامع 1: 210 أبا السّمال. وفي الكشف 1: 275، والمشكل 1: 20، والبحر 1: 71 بلا نسبة.
(4)
. في البحر 1: 68 قال الأخفش: «خلوت اليه» جعلته غاية حاجتي.
(5)
. وسورة الصف 61: 14 وفي اللسان (خلا) نقلت هذه الآراء كلها ونسبت إلى اللحياني.
كما كانت «من» في معنى (على) في قوله تعالى وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ [الأنبياء:
77] اي: على القوم، وكما كانت الباء في معنى «على» في قوله «مررت به» و «مررت عليه» . وفي كتاب الله عز وجل مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ [آل عمران:
75] يقول «على دينار» . وكما كانت «في» في معنى «على» نحو فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: 71] . ويقول «على جذوع النخل» . وزعم يونس «1» ان العرب تقول: «نزلت في أبيك» تريد «عليه» وتقول: «ظفرت عليه» أي «به» و «رضيت عليه» أي: «عنه» قال الشاعر «2» [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون] :
إذا رضيت عليّ بنو قشير
…
لعمر الله أعجبني رضاها
وأما قوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) فهو في معنى «ويمدّ لهم» كما قالت العرب: «الغلام يلعب الكعاب» تريد «يلعب» «3» بالكعاب» وذلك أنهم يقولون «قد مددت له» و «أمددته» في غير في هذا المعنى، وهو قوله جلّ ثناؤه وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ [الطور: 22] وقال وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)[الكهف] . وقرأ بعضهم (مدادا) و (مدّا) من «أمددناهم» وتقول «مدّ النهر فهو مادّتها» و «أمدّ الجرح فهو ممدّ» . وقال يونس: «ما كان من الشرّ فهو «مددت» وما كان من الخير فهو «أمددت» «4» . فتقول كما فسرت له، فإذا أردت أنّك تركته قلت:«مددت له» «5» وإذا أردت أنك أعطيته، قلت:
«أمددته» «6» .
(1) . هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبّي الإمام النحوي البصري، ولد سنة أربع وتسعين للهجرة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، انظر ترجمته في أخبار النحويّين 27، ومراتب النحويّين 21، وطبقات النحويين 51، وإنباه الرواة 4: 68، وبغية الوعاة 426.
(2)
. هو القحيف بن حمير بن سليم الندي العقلي. وانظر مجاز القرآن 2: 84 بلفظ «لعمر أبيك» ولا عزو، والكامل 2: 538 و 3: 824 معزوا إلى العامري، وأدب الكاتب 395 معزوّا إلى القحيف العقيلي، وشرح شواهد المغني 142 معزوّا إليه، كذلك وانظر شرح العيني 3: 282، والخزانة 4:247.
(3)
. يلعب الثانية مستدركة من الهامش.
(4)
. في التكملة «مدد» قال يونس: ما كان من الخير فإنّك تقول: «أمددته» ، وما كان من الشر فإنّك تقول «مددته» وفي اللسان «مدد» العبارة نفسها تقريبا. [.....]
(5)
. في الأصل «مددت» والزيادة من الجامع 1: 209.
(6)
. في الجامع 1: 209 حكي عن الأخفش: مددت له إذا تركته، وأمددته إذا أعطيته.
وقوله تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [الآية 16] فهذا على قول العرب: «خاب سعيك» وإنّما هو الذي خاب، وإنّما يريد «فما ربحوا في تجارتهم» ومثله بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «1» وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [الآية 177] إنّما هو «ولكنّ البرّ برّ من آمن بالله» «2» وقال الشاعر «3» [من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون] :
وكيف تواصل من أصبحت
…
خلالته كأبي مرحب «4»
وقال الشاعر «5» [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون] :
وشرّ المنايا ميّت وسط أهله
…
كهلك «6» الفتاة أسلم الحيّ حاضره «7»
إنما يريد «وشر المنايا منية ميّت وسط أهله» ، ومثله:«أكثر شربي الماء» و «أكثر أكلي الخبز» وليس أكلك بالخبز ولا شربك بالماء. ولكن تريد أكثر أكلي أكل الخبز وأكثر شربي شرب الماء. قال تعالى وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82] يريد: «أهل القرية» ، وَالْعِيرَ [يوسف: 82] أي: «واسأل اصحاب العير» . وقال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ [الآية 171] فكأنّه يريد- والله أعلم- «مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به» . فحذف هذا الكلام، ودلّ ما بقي على معناه. ومثل هذا في القرآن كثير. وقد قال بعضهم وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ يقول «مثلهم في دعائهم الالهة كمثل الذي ينعق بالغنم» لان- آلهتهم لا تسمع ولا تعقل، كما لا تسمع الغنم ولا تعقل.
وقوله تعالى
(1) . سبأ 34: 33. وفي إعراب القرآن 2: 880 والجامع 14: 302 عن الأخفش «هذا مكر الليل والنهار» .
(2)
. عبارة الكتاب 1: 108 نفسها.
(3)
. هو النابغة الجعدي أبو ليلى عبد الله بن قيس.
(4)
. شعر النابغة الجعدي 26، وفي الكتاب 1: 110 للمعنى نفسه، وفي مجالس ثعلب 77 ب «يصاحب» بدل «تواصل» ، وفي الأمالي 1: 192 ب «تصادق» وانظر اللسان «خلل» ، والصحاح «خلل» ، والإنصاف 1:44.
(5)
. هو الحطيئة جرول بن أوس العبسي.
(6)
. في ديوان الحطيئة 45 بلفظ «هالك» بدل «ميت» ، و «ايقظ» بدل «أسلم» ، وفي الكتاب 1: 109 بلفظ «الفتى قد» بدل «الفتاة» . وكذلك في الإنصاف 1: 44.
(7)
. عبارة تكاد تطابق عبارة الكتاب 1: 109.
كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [الآية 17] فهو في معنى «أو قد» ، مثل قوله «فلم يستجبه» أي «فلم يجبه» وقال الشاعر «1» [من الطويل وهو الشاهد السابع والعشرون] :
وداع دعا يا من يجيب الى النّدى
…
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
أي: «فلم يجبه» .
قال تعالى وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) فكان (الذي) بمعنى جميعا فقال وَتَرَكَهُمْ لأن «الذي» في معنى الجميع، كما يكون «الإنسان» في معنى «الناس» .
وقال تعالى وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (18) فرفع على تأويل: «هم صمّ بكم عمي» رفعه على الابتداء ولو كان على أوّل الكلام لكان النصب فيه حسنا.
وأما حَوْلَهُ [الآية 17] فانتصب على الظرف، وذلك أنّ الظرف منصوب.
والظرف هو ما يكون فيه الشيء، كما قال الشاعر «2» [من الكامل وهو الشاهد الثامن والعشرون] :
هذا النهار بدا لها من همّها
…
ما بالها بالليل زال زوالها
نصب «النهار» على الظرف وإن شاء رفعه وأضمر فيه. وأما «زوالها» فإنه كأنه قال: «أزال الله الليل زوالها» .
وأما يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ [الآية 20] فمنهم من قرأ (يخطف)«3» من «خطف» ، وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف «4» . وقد رواها يونس (يخطّف)«5» بكسر الخاء لاجتماع
(1) . هو سعد بن كعب الغنويّ. والبيت في الأصمعيّات 96، وفي المجاز 1: 67 و 112 و 245 و 326، والصّحاح «جوب» ، والعجز في أدب الكاتب 419.
(2)
. هو الأعشى ميمون، وهو في الصبح المنير 22 يضم زوالها، واللسان «زول» .
(3)
. في الشواذ 3 نسبت إلى ابن مالك ومجاهد. وفي المحتسب 62 إلى مجاهد والحسن. وفي الجامع 1: 222 إلى يونس وعلي بن الحسين ويحيى بن وثاب وفي البحر 1: 89 إلى مجاهد وعلي بن الحسين ويحيى بن زيد.
(4)
. في الصحاح «خطف» بعبارة مقاربة ونقلها الجامع 1: 222.
(5)
. في معاني القرآن 1: 17 بلا نسبة، وفي الشواذ 3، والمحتسب 59، كذلك وفي الجامع 1: 222 إلى الحسن، وقتادة، وعاصم الجحدري، وأبي رجاء العطاردي. [.....]
الساكنين. ومنهم من قرأ (يخطف)«1» على «خطف يخطف» وهي الجيدة «2» ، وهما لغتان. وقال بعضهم (يخطّف)«3» وهو قول يونس من «يختطف» ، فأدغم التاء في الطاء، لأنّ مخرجها قريب من مخرج الطاء. وقال بعضهم (يخطّف) فحوّل الفتحة على الذي كان قبلها «4» ، والذي كسر، كسر لاجتماع الساكنين، فقال (يخطّف)«5» ومنهم من قال (يخطّف)«6» كسر الخاء لاجتماع الساكنين ثم كسر الياء، أتبع الكسرة وهي قبلها وذلك في كلام العرب كثير، فهم يتبعون الكسرة في هذا الباب الكسرة، يقولون «قتلوا» و «فتحوا» يريدون:«اقتلوا» و «افتحوا» «7» . وقال ابو النجم «8» [من الرجز وهو الشاهد التاسع والعشرون] :
تدافع الشّيب ولم تقتّل «9»
وسمعناه من العرب مكسورا كلّه، فهذا مثل «يخطف» إذا كسرت ياؤها (لكسرة خائها) وهي بعدها فأتبع الاخر الاول.
وقوله تعالى وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ [الآية 20] فمنهم، من يدغم
(1) . في السبعة 146 هي اتفاق، وحجّة الفارسي 294 كذلك.
(2)
. في الصحاح «خطف» بعبارة مقاربة، وفي الجامع 1: 222 كذلك.
(3)
. في معاني القرآن 1: 18، والجامع 1: 222 بلا نسبة.
(4)
. في معاني القرآن 1: 18 بلا نسبة، وفي الشواذ 3 إلى الأعمش، وفي البحر 1: 90 إلى الحسن والجحدري وابن أبي إسحاق، وفي الجامع 1: 222 إلى الحسن وحده، وفي اللسان (خطف) اليه ايضا.
(5)
. وفي الشواذ 3 بلا نسبة، وفي الجامع 1: 222 إلى الحسن أيضا وقتادة وعاصم الجحدري وأبي رجاء العطاردي، وفي البحر 1: 90 كذلك.
(6)
. في معاني القرآن 1: 17 بلا نسبة، وفي الشواذ 3 إلى الأعمش، وفي المحتسب 59 بلا نسبة، وفي الجامع 1: 222 بلا نسبة، وفي البحر 1: 90 إلى الحسن والأعمش، وفي إعراب القرآن 1: 25 بلا نسبة. وفي اللسان «خطف» إلى الحسن.
(7)
. قياسا على الشاهد الشعري اللاحق يبدو أنّ هذه لغة عجلية أو نجديّة كما يوحي هامش 3/ هـ 820 من الكامل للمبرّد.
(8)
. هو أبو النجم الفضل بن قدامة العجلي. طبقات الشعراء 2: 737، الشعر والشعراء 603، ومعجم المرزباني 180، والكامل للمبرّد 3: 819، والأغاني (بولاق) 9:77.
(9)
. في اللسان (فلل) ب «تدافع الشيب ولم تقتل» وفي «فلن» تدافع الشّيب ولم تقتّل. وفي المقاصد النحوية 4: 228 بلا شكل. والخزانة 1: 401 كذلك.
ويسكن الباء الاولى لأنهما حرفان مثلان «1» . ومنهم، من يحرّك فيقول (لذهب بّسمعهم)«2» وجعل «السمع» في لفظ واحد، وهو جماعة، لأنّ «السمع» قد يكون جماعة و «قد يكون واحدا، ومثله قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ [الآية 7] ومثله قوله تعالى لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ [ابراهيم:
43] وقوله تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً [القمر: 45] ومثله وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [النساء: 4] .
وقوله فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [الآية 22] فقطع الألف، لأنه اسم تثبت الألف فيه في التصغير، فإذا صغّرت قلت:«أنيدادا» . وواحد «الأنداد» :
ندّ. و «الندّ» : المثل.
وقوله تعالى الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [الآية 24] ف «الوقود» :
الحطب. و «الوقود» الاتّقاد وهو الفعل. يقرأ الْوَقُودِ «3» و (الوقود)«4» ويكون أن يعني بها الحطب، ويكون أن يعني بها الفعل. ومثل ذلك «الوضوء» وهو: الماء، و «الوضوء» وهو الفعل، وزعموا أنهما لغتان في معنى واحد «5» .
وقوله تعالى: أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [الآية 25] فجرّ «جنات» وقد وقعت عليها «أنّ» ، لأنّ كلّ جماعة في آخرها تاء زائدة، تذهب في الواحد، وفي تصغيره، فنصبها جرّ، ألا ترى أنّك تقول:«جنّة» فتذهب التاء. وقال أيضا خَلْقِ السَّماواتِ [الأنعام: 1]«6» و «السماوات» جرّ،
(1) . في السبعة 116 أنّه مذهب أبي عمرو.
(2)
. في السبعة 113 أنّه مذهب نافع، و 115 مذهب ابن كثير، و 116 مذهب عاصم، و 122 مذهب حمزة، و 123 مذهب الكسائي وابن عامر.
(3)
. قراءة الفتح في الجامع 1: 236 بلا نسبة، وفي الإملاء 1: 25 إلى الجمهور، وفي البحر 1: 107 إلى الجمهور
. (4) . قراءة الضّمّ في الشواذ 4 إلى مجاهد وطلحة، وفي الجامع 1: 236 أضاف الحسن، وفي البحر 1: 107 زاد الحسن باختلاف، ثم أبا حياة، وعيسى بن عمر الهمداني.
(5)
. في إعراب القرآن 1: 30 نقل السراي، وأشار إلى اللغتين أيضا ولم يعز هما، وفي الصّحاح «ووضئ» نقل عبارة الأخفش بنصّها تقريبا، وذكره، ويقرب من ذلك ما في الجامع 1: 236، ولم نعثر على معاد كلّ من اللغتين، وإن كان ما في اللهجات العربية 191- 196 يشير إلى أنّ الضّمّ سمة من سمات لهجة البدو وتميم، وأن الفتح سمة لهجة الحضر وأهل الحجاز. [.....]
(6)
. ورد هذا التعبير في القرآن الكريم مرات كثيرة، أوّلها الانعام 6: 1 انظر المعجم المفهرس «الأرض» .
و «الأرض» نصب، لأنّ التاء زائدة. ألا ترى أنك تقول:«سماء» ، ووَ قالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا [الأحزاب:
67] «1» لان هذه، ليست تاء، إنّما هي هاء، صارت تاء بالاتصال، وإنّما تكون تلك في السكوت، ألا ترى أنّك تقول:«رأيت ساده» فلا يكون فيها تاء. ومن قرأ (أطعنا ساداتنا)«2» جرّ لأنّك إذا قلت: «ساده» ذهبت التاء.
وتكون في السكت فيها تاء، تقول:
«رأيت سادات» ، وإنّما جرّوا هذا في النصب، ليجعل جرّه ونصبه واحدا، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول:«مسلمين و «صالحين» نصبه وجره بالياء. وقوله تعالى بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النور: 27] ولا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ [الحجرات: 2] فإن التاء من اصل الكلمة تقول «صوت» و «صويت» فلا تذهب التاء، و «بيت» و «بويت» فلا تذهب التاء. وتقول:«رأيت بويتات العرب» فتجرّ، لأن التاء الاخرة زائدة، لأنّك تقول:«بيوت» ، فتسقط التاء الاخرة. وتقول:«رأيت ذوات مال» لأن التاء زائدة، وذلك لأنك لو سكتّ على الواحدة لقلت:«ذاه» ولكنها وصلت بالمال فصارت تاء لا يتكلّم بها إلا مع المضاف اليه.
وقوله تعالى هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [الآية 25] لأنه في معنى «جيئوا به» ، وليس في معنى «أعطوه» . فأمّا قوله: مُتَشابِهاً فليس أنّه أشبه بعضه بعضا، ولكنّه متشابه في الفضل.
أي: كل واحد له من الفضل في نحوه، مثل الذي للآخر في نحوه.
وقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ [الآية 26] ف «يستحيي» لغة أهل الحجاز «3» بياءين وبنو تميم يقولون
(1) . الأحزاب 33: 67 وفي الطبري 22: 50 إلى عامّة قرّاء الأمصار، وهي الراجحة وفي السّبعة 523 إلى غير ابن عامر، وفي حجّة ابن خالويه 265 بلا نسبة، وفي الكشف 2: 199 مثل السبعة، وكذلك في التيسير 179، وفي البحر 7: 252 إلى الجمهور، وفي الكشاف 3: 562 بلا نسبة.
(2)
. في معاني القرآن 2: 350 إلى الحسن، وكذلك في الطبري 22: 50، وهي المرجوحة، وفي السبعة 523 إلى ابن عامر وحده، وفي حجة ابن خالويه 265 بلا نسبة، وفي الكشف 2: 199 إلى ابن عامر، وكذلك في التيسير 179، وفي الجامع 14: 249 إلى الحسن، وفي الكشّاف 3: 562 بلا نسبة، وفي البحر 7: 252 إلى الحسن وأبي رجاء وقتادة والسلمي وابن عامر، والعامة في الجامع في البصرة.
(3)
. البحر 1: 120 لغة الحجاز وهي قراءة الجمهور. وانظر اللهجات العربية 151 و 545، والقراآت واللهجات 37 ولهجة تميم 56.
«يستحي» بياء واحدة «1» ، والأولى هي الأصل، لأنّ ما كان من موضع لامه معتلا، لم يعلّوا عينه. ألا ترى أنّهم قالوا:«حييت» و «جويت» فلم تعلّ العين. ويقولون: «قلت» و «بعت» فيعلّون العين، لمّا لم تعتلّ اللام، وإنّما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة، كما قالوا «لم يك» و «لم يكن» و «لا أدر» و «لا أدري» .
وقال تعالى مَثَلًا ما بَعُوضَةً [الآية 26]«2» لأن «ما» زائدة في الكلام، وإنّما هو «إنّ الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا» . وناس من بني تميم يقولون (مثلا مّا بعوضة) «3» يجعلون (ما) بمنزلة «الذي» ويضمرون «هو» كأنهم قالوا:«لا يستحيي أن يضرب مثلا، الذي هو بعوضة» يقول: «لا يستحي أن يضرب الذي هو بعوضة، مثلا» .
وقوله تعالى فَما فَوْقَها [الآية 26] قال بعضهم: «أعظم منها» وقال بعضهم: كما تقول: «فلان صغير» فيقول: «وفوق ذلك» يريد: «أصغر من ذلك» .
وقوله تعالى ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا [الآية 26] فيكون «ذا» بمنزلة «الذي» . ويكون «ماذا» اسما واحدا، إن شئت بمنزلة «ما» ، كما قال تعالى:
ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً [النحل: 30] فلو كانت «ذا» بمنزلة «الذي» ، لقالوا «خير» ، ولكان الرفع وجه الكلام. وقد يجوز فيه النصب، لأنّه لو قال:«ما الذي قلت» ، فقلت «خيرا» أي:«قلت خيرا» ، لجاز. ولو قلت:«ما قلت» :
(1) . في الشواذ 4 قراءة ابن محيصن وابن كثير، بخلاف وفي الجامع 1: 242 أضاف أنّها لغة تميم وبكر بن وائل، ولم يذكر الخلاف. وفي البحر 1: 121 قراءة ابن كثير في رواية شبل وابن محيصن ويعقوب، وهي لغة بن تميم، وفي الكشاف 1: 114 اقتصر على قراءة ابن كثير في رواية شبل، وذكر اللغتين ولم ينسبهما. وفي الإملاء 1: 26 عدّها شذوذا ولم ينسبها. وانظر اللهجات العربية 151 و 545، والقراآت واللهجات 37، ولهجة تميم 56. وفي الصحاح «حيا» نقلت عبارة الأخفش بنصّها تقريبا.
(2)
. في معاني القرآن 1: 21 و 22 لم تنسب قراءة، وكذلك المشكل 24، وفي البحر 1: 22 قراءة الجمهور.
(3)
. في معاني القرآن 1: 22، علّل الرفع ولم ينسبه قراءة وفي المجاز 1: 35 أنّها قراءة رؤبة وأنّها لغة تميمية، وفي الشواذ 4 نسب الرفع قراءة إلى رؤبة بن العجاج، وفي المحتسب 1: 64 كذلك. وفي المشكل 24، لم ينسب قراءة، وفي الجامع 1: 243 نسب قراءة إلى الضّحّاك وابراهيم بن أبي عبلة ورؤبة، وقال إنها لغة تميم، وفي البحر 1: 123 أضيف قطرب أيضا. وفي الكشاف 1: 115 إلى رؤبة قراءة وفي الإملاء 1: 26 عدّت شذوذا بلا عزو.