الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأكرمته"، فهي في الشرط نظير "إن" في الرَّبط بين الجملتين، لا في العمل، ولا في الاستقبال، وكان بعض فضلاء المتأخرين، وهو: تاج الدين الكِنْدي
(1)
، يُنكر أن تكون "لو" حرف شرط، وغلَّط الزَّمخشريَّ
(2)
في عَدِّها في أدوات الشرط
(3)
، قال الأندلسي في "شرح المفصل
(4)
: فحكيت ذلك لشيخنا أبي البقاء
(5)
فقال: غَلِط تاج الدين في هذا التغليط، فإن "لو" تربط شيئًا بشيء، كما تفعل "إن".
قلت: ولعلَّ النزاع لفظيّ؛ فإن أُريد بالشرط: الربط المعنوي الحُكمي، فالصواب ما قاله أبو البقاء، والزمخشري، وإن أريد بالشرط: ما يعمل في الجزأين، فليست من أدوات الشرط.
المسألة الثامنة
(6)
: المشهور أن "لو" إذا دخلت على ثبوتين نَفَتْهما، أو نفيين أثبتتهما، أو نفي وثبوت؛ أثبتت المنفيّ، ونفت المثبت،
(1)
هو: زيد بن الحسن بن زيد أبو اليُمن تاج الدين الكندي، العلامة ذو الفنون ت (613).
انظر "معجم الأدباء": (11/ 171) و"السير": (22/ 34).
(2)
هو: محمود بن عمر بن محمد أبو القاسم جار الله الزمخشري الحنفي المعتزلي، صاحب التصانيف، ت (538).
انظر: "إنباه الرواة": (3/ 265) و"السير"(20/ 151).
(3)
انظر "شرح المفصَّل": (8/ 155) لابن يعيش.
(4)
هو: القاسم بن أحمد بن الموفّق اللورقي الأندلسيّ، علم الدين النحوي ت (661)، له شرح كبير على "المفصل". قال القِفطي:"استوفى فيه القول، لا يقصر أن يكون في مقدار كتاب أبي سعيد السيرافي في شرح سيبويه" اهـ.
انظر: "معجم الأدباء": (16/ 234)، و"إنباه الرواة":(4/ 167) ، وانظر أيضًا ص/154 من هذا الجزء.
(5)
هو أبو البقاء العكبري النحوي الحنبلي (ت 616)."ذيل الطبقات": 2/ 115.
(6)
انظر: "الفروق": (1/ 89 - 92).
وذلك لأنها تدلُّ على امتناع الشيء لامتناع غيره. وإذا امتنع النفي صار إثباتًا، فجاءت الأقسام الأربعة، وأُوْرِدَ على هذا أمور:
أحدها: قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] ومقتضى ما ذكرتم أن تكون كلمات الله تعالى قد نفدَت، وهو محال؛ لأنَّ الأول ثبوت، وهو كون أشجار الأرض أقلامًا والبحار مدادًا لكلماته، وهذا منتفٍ. والثاني وهو قوله:{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} ، فيلزم أن يكون ثبوتًا.
الثاني: قول عمر: "نعمَ العبد صهيبٌ لو لم يَخَف الله لَمْ يَعْصِه"
(1)
. فعلى ما ذكرتم يكون لخوف ثابتًا لأنّه منفيّ، والمعصية كذلك، لأنَّها منفية أيضًا، وقد اختلفت أجوبةُ الناس عن ذلك.
فقال أبو الحسن بن عُصْفور
(2)
: "لو" في الحديث بمعنى "إن" لمطلق الربط فلا يكون أنفيها إثباتًا ولا إثباتها نفيًا، فاندفع الإشكال.
وفي هذا الجواب ضَعْف بيِّن، فإنه لم يقصد في الحديث مطلق الربط كما قال، وإنما قصد ارتباط مُتَضمِّن لنفي الجزاء ولا سيق
(1)
اشتهر هذا الأثر على ألسنة الأصوليين وأهل العربية عن عمر رضي الله عنه، ولم يوقف له على إسنادٍ بعد الفحص والتتبع.
انظر: "المقاصد الحسنة": (ص/ 449)، و"كشف الخفاء":(2/ 428).
ولشيخ الإِسلام ابن تيمية رسالة في شرح هذا الأثر، ساقها السيوطي برمتها في "الأشباه والنظائر النحوية":(4/ 65).
(2)
هو: علي بن مؤمن بن محمد أبو الحسن بن عصفور الحضرمي الإشبيلي النحوي ت (663) وقِيل غير ذلك.
انظر: "إشارة التعيين": (ص/ 236) و"بغية الوعاة": (2/ 210).
الكلام إلا لهذا، ففي هذا
(1)
الجواب إبطال خاصية "لو" التي فارقت بها سائر أدوات الشرط.
وقال غيره: "لو" في أصل
(2)
اللغة لمطلق الربط، وإنما اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس، والحديث إنما ورد بمعنى اللفظ في اللغة.
حَكَى هذا الجواب القَرَافي
(3)
عن الخُسْرُوشَاهِي
(4)
، وهو أفسد من الذي قبله بكثير!! فإن اقتضاء "لو" لنفي الثابت بعدها وإثبات المنفي، متلقى من أصلِ وَضْعها لا من العرْف
(5)
الحادِث، كما أن معاني
(6)
سائر الحروف؛ من نفي أو تأكيد أو تخصيص، أو بيان أو ابتداءٍ أو انتهاء؛ إنما هو متلقًى من الوضع لا من العرف، فما قاله ظاهر البُطْلان.
الجواب الثالث: جواب الشيخ أبي محمَّد ابن عبد السلام
(7)
وغيره، وهو: أنَّ الشيء الواحد قد يكون له سبب واحد، فينتفي عند انتفائه، وقد يكون له سببان، فلا يلزم من عدم أحدهما عدمه؛ لأنَّ
(1)
من (ق).
(2)
من (ق).
(3)
هو: أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن أبو العباس القرافي المالكي الأصولي الفقيه ت (684) ، صاحب التصانيف، ومنها:"الفروق" الذي ينقل منه المؤلف.
انظر: "الديباج المذهب": (ص/ 62)، و"شجرة النور":(ص/ 188).
(4)
هو: عبد الحميد بن عيسى بن عمويه بن يونس أبو محمد الخُسْرُوشاهي ت (652).
انظر: "شذرات الذهب": (5/ 255)، و"الأعلام":(3/ 288).
(5)
(ظ ود): "الحرف"!.
(6)
سقطت من (ق).
(7)
هو: عبد العزيز بن عبد السلام، سلطان العلماء، ت (660).
السبب الثاني يَخْلُف السبب الأول، كقولنا في زوج هو ابن عم:"لو لم يكن زوجًا لوَرِث"، أي بالتعصيب، فإنهما سببان لا يلزم من عدم أحدهما عدم الآخر، وكذلك الناس ها هنا في الغالب، إنما لم يعصوا لأجل الخوف، فإذا ذهب الخوف عنهم عصوا، لاتحاد السبب في حقهم، فأخبر عمرُ أن صهيبًا اجتمع له سببان يمنعانه المعصية: الخوف والإجلال، فلو انتفى الخوف في حقه، لانتفى العصيان للسبب الآخر وهو الإجلال، وهذا مدح عظيم له.
قلت: وبهذا الجواب بعينه يجاب عن قوله صلى الله عليه وسلم في ابنة حمزة
(1)
، "إِنَّها لَوْ لَم تكنْ رَبيْبتِي في حَجْرِي لَما حَلَّتْ لي إنَّها ابْنَةُ أخِى مِنَ الرَّضَاعَةِ" أي: فيها سببان يقتضيان التحريم، فلو قُدِّر انتفاء أحدهما لم ينتف التحريم للسبب الثاني.
وهذا جوابٌ حَسَنٌ جدًّا.
الجواب الرَّابع: ذكره بعضهم بأن قال: جواب "لو" محذوف وتقديره: "لو لم يخف الله لعصمه فلم يعصه بإجلاله له
(2)
ومحبته إِيَّاه"، فإن الله يعصم: عبدَه بالخوف تارة، و [المحبة]
(3)
والإجلال
(1)
كذا في الأصول، وهو وهم، فإن الذي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك هي: بنت أبي سلمة؛ لأن أباها أبو سلمة أخو النبي من الرضاعة، وأمها أم سلمة زوج النبي، فهي ربيبته.
والحديث أخرجه البخاري رقم (5101) ومسلم رقم (1449) من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما أما حديث بنت حمزة، فقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم:"إنها ابنة أخي من الرضاعة" أخرجه البخاري رقم (2645) ، ومسلم رقم (1447).
(2)
من (ق).
(3)
في الأصول: "والخوف"، والمثبت هو الصواب، بدليل ما بعده.
تارة، وعِصْمة الإجلال والمحبة أعظم من عِصمة الخوف، لأنَّ الخوف يتعلَّق بعقابه، والمحبة
(1)
والإجلال يتعلَّقان بذاته وما يستحقه تبارك وتعالى، فأين أحدهما من الآخر؟! ولهذا كان دين الحبِّ أثبت وأرسخ من دين الخوف وأَمكن وأعظم تأثيرًا، وشاهده ما نراه من طاعة المحب لمحبوبه وطاعة الخائف لمن يخافه، كما قال بعض الصحابة:"إنه ليستخرج حبه منِّي من الطاعة ما لا يستخرجه الخوف"، وليس هذا موضع بسط هذا الشأن العظيم القدر، وقد بسطته في:"كتاب الفتوحات القدسية"
(2)
.
الجواب الخامس
(3)
: أن "لو" أصلها أن تستعمل للرَّبط بين شيئين كما تقدَّم، ثم إنها قد تستعمل لقطع الرَّبط، فتكون جوابًا لسؤالٍ محقَّق أو متوهَّم وقع فيه ربط، فتقطعه أنت لاعتقادك بطلان ذلك الربط، كما لو قال القائل:"إن لم يكن زيدٌ زوجًا لم يرث"، فتقول أنت:"لو لم يكن زوجًا لورث"، تريد
(4)
: أنَّ ما ذكره من الربط بين عدم الزوجية وعدم الإرث ليس بحق، فمقصودك قطع ربط كلامه لا ربطه، وتقول:"لو لم يكن زيد عالمًا لأُكرِم"، أي: لشجاعته، جوابًا لسؤال سائل يتوهَّم أنه لو لم يكن عالمًا لما أُكرِم، فيربط بين عدم العلم والإكرام، فتقطع أنت ذلك الربط، وليس مقصودك أن تربط بين عدم العلم والإكرام؛ لأنَّ ذلك ليس بمناسِب ولا من أغراض العقلاء، ولا يتجه كلامك إلا على عدم الرَّبط.
(1)
من قوله: "والإجلال تارة
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(2)
لم يُعثر على شيءٍ من نسخه الخطية، انظر:"ابن القيم حياته وآثاره": (ص / 278).
(3)
هذا الجواب للقرافي في كتابه "الفروق" ت (1/ 90).
(4)
ليست في (ظ).
كذلك الحديث، لما كان الغالب على النَّاس أن يرتبط عصيانُهم بعدمِ خوفهم، وأَنَّ ذلك في الأوهام؛ قَطَعَ عُمَرُ هذا الربط، وقال:"لو لم يخف الله لم يعصه".
وكذلك لما كان الغالبُ على الأوهام أَنَّ الأشجار كلَّها إذا صارت
(1)
أقلامًا، والبحار المذكورة كلها تُكْتَب بها الكلمات الإلهية، فلعلَّ الوهم يقول: ما يُكتب بهذا شيء إلا نفِدَ كائنًا ما كان، فقطع الله تعالى هذا الربط، ونفى هذا الوهم، وقال:{مَا نَفِدَتْ}
(2)
.
قلت: ونظير هذا: في الحديث: أن زوجته لما توهَّمتْ أن ابنة عمه حمزة
(3)
تحلّ له؛ لكونها بنت عمه، فقطع هذا الربط بقوله:"إنها لا تحل"، وذكر للتحريم سببين: الرَّضَاعة، وكونها ربيبة له، وهذا جواب القَرَافي، قال:"وهو أصْلح من الأجوبة المتقدِّمة من وجهين؛ أَحدهما: شموله للحديث والآية، وبعض الأجوبة لا تنطبق على الآية. والثاني: أَنَّ ورود "لو" بمعنى "إن" خلاف الظاهر، وما ذكرته
(4)
لا يتضمن خلاف الظاهر".
قلت: وهذا الجواب فيه ما فيه، فإنه إِن ادَّعى أَنّ "لو" وُضِعت أو جيء بها لِقَطْع الرَّبط فغلط، فإنها حرف من حروف الشرط التي مضمونها ربط السبب بمسببه والملزوم بلازمه، ولم يُؤْتَ بها لقطع هذا الارتباط ولا وُضعت له أصلًا، فلا يفسر الحرف بضد موضوعه.
ونظير هذا قول من يقول: إن "إلا" قد تكون بمعنى "الواو"،
(1)
سقطت من (ق).
(2)
"وقال: ما نفدت" سقطت من (د).
(3)
(ق): "بنت حمزة"، وانظر ما تقدم (ص/94 حاشية 1) من التعليق والتصحيح.
(4)
(ظ ود): "ذكره".
وهذا فاسد، فإن "الواو" للتَّشْريك والجمع، و"إلا" للإِخراج وقطع التشريك، ونظائر ذلك.
وإن أراد: أَنَّ قَطْع الربط المتوهَّم مقصودٌ للمتكلم من أدلة؛ فهذا حق، ولكن لم ينشأ هذا من حرف "لو"، وإِنَّما جاء من خصوصية ما صحبها من الكلام المتضمِّن لنفي ما توهَّمه القائل أو ادَّعاه، ولم يأت من قِبَل "لو".
فهذا كلام هؤلاء الفضلاء في هذه المسألة، وإنما جاء الإشكال سؤالًا وجوابًا من عدم الإحاطة بمعنى هذا الحرف ومقتضاه وحقيقته، وأنا أذكر حقيقة هذا الحرف ليتبين سر المسألة بعون الله:
فاعلم أن "لو" حرف وُضِع للملازمة بين أمرين، يدل على أَنّ الجزء
(1)
الأول منهما ملزوم والثاني لازم، هذا وَضْعُ هذا الحرف وطبيعته، وموارده في هذه الملازمة أربعة؛ فإنه إِما أنْ يلازم بين ثبوتين أو نفيين، أو بين ملزوم مثبت ولازم منفي، أو عكسه، ونعتي بالثبوت والنفي هنا: الصوري اللفظي لا المعنوي
(2)
.
فمثال الأول: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100]، {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)} [النساء: 64] ، {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)} [النساء: 66] ونظائره. ومثال الثاني: "لَوْ لَمْ تكنْ رَبِيْبَتِي في حَجْرِي لَما حَلَّتْ لي"،
(1)
(ق): "الجزءين".
(2)
العبارة في (ق): "ونعني بالثبوت هنا وبالنفي الصوري اللفظي لا المعنوي"!.
و"لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ"
(1)
.
ومثال الثالث: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27].
وقال الرابع: "لَو لَمْ تُذْنِبوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ وَلَجاءَ بقَوْمٍ يُذنِبُونَ فَيَسْتغْفروْنَ فيَغفر لَهُمْ"
(2)
. فهذه صور ورودها على النفي وَالإثبات.
وأما حكم ذلك فأمران:
أحدهما: نفي الأول لنفي الثاني، لأنَّ الأول ملزوم والثاني لازم، والملزوم عدم عند عدم لازمه.
والثاني: تحقُق الثاني لتحقق الأول؛ لأنَّ تحقق الملزوم يستلزم تحقق لازمه.
فإذا عرفت هذا فليس في طبيعة "لو" ولا وضعها ما يؤذن بنفي واحد من الجزءين ولا إثباته، وإنما طبيعتها وحقيقتها الدَّلالة على التلازم المذكور؛ لكن إنما يُؤتى بها للتلازم المتضمن نفي اللازم أو الملزوم أو تحققهما، ومن هنا نشأَت الشُّبهة، فلم يؤتَ بها لمجرد التلازم مع قطع النظر عن ثبوت الجزءين أو نفيهما، فإذا دخلت على جزءين متلازمين قد انتفى اللازم منهما، اسْتُفيد نفي الملزوم من قضية اللزوم، لا من نفس الحرف.
وبيانُ ذلك: أنَّ قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] لم يستفد نفي الفساد من حرف "لو"، بل الحرف دخل
(1)
تقدما (ص/92، 94).
(2)
أخرجه مسلم رقم (2749) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء بنحوه من حديث أبي أيوب الأنصاري عند مسلم أيضًا.
على أمرين قد عُلِم انتفاء أحدهما حسًّا فلازمت لينه وليس ما
(1)
يريد نفيه من تعدد الآلهة، وقضية الملازمة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، فإذا كان اللازم منتفيًا قطعًا وحسًّا انتفى ملزومه لانتفائه، لا من حيث الحرف، فهنا أمران:
أحدهما: الملازمة التي فهمت من الحرف.
والثاني: انتفاء اللازم المعلوم بالحس. فعلى هذا الوجه ينبغي أن يفهم انتفاء اللازم والملزوم بـ "لو"، فمن هنا قالوا: إن دخلت على مثْبَتَين صارا منتفيين، بمعنى أن الثاني منهما قد عُلِم انتفاؤه من خارج، فينتفي الأول لانتفائه، وإذا دخلت على منفيين أثبتهما كذلك أيضًا؛ لأنها تدخل على ملزوم محقَّق الثبوت من خارج، فيتحقق ثبوت لازمه كما في قوله:"لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا" فهذا الملزوم وهو صدور الذنب متحقق
(2)
في الخارج من البشر، فتحقق لازِمُه وهو: بقاء النوع الإنساني وعدم الذهاب به؛ لأنَّ الملازمة وقعت بين عدم الذنب وعدم البقاء، لكن عدم الذنب منتف قطعًا فانتفى لازمه، وهو عدم الذهاب بنا فثبت الذنب وثبت البقاء. وكذلك بقية الأقسام الأربعة تُفْهَم على هذا الوجه.
وإذا عُرِف هذا؛ فاللازم الواحد قد يلزم ملزومات متعددة؛ كالحيوانية اللازمة للإنسان والفرس وغيرهما، فيقصد المتكلِّم إثبات الملازمة بين بعض تلك الملزومات واللازم على تقدير انتفاء البعض الآخر، فيكون مقصوده: أنَّ الملازمة حاصلة على تقدير انتفاء ذلك
(1)
من (ق).
(2)
(ق): "يتحقق".
الملزوم الآخر، فلا يتوهَّم المتوهِّم انتفاء اللازم عند نفي ملزوم معيَّن، فإن الملازمة حاصلة بدونه، وعلى هذا يُخرَّج:"لَوْ لَمْ يَخَفِ اللهَ لَمْ يَعْصِهِ"، وَ"لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبيْبتَي لَما حَلَّتْ لَي"، فإن عدم المعصية له ملزومات وهي
(1)
الخشية والمحبة والإجلال، فلو انتفى بعضها وهو الخوف مثلًا، لم يبطل اللازم؛ لأنَّ له ملزومات أُخر غيره، وكذلك لو انتفى كون البنت ربيبته لما انتفى التحريم، لحصول الملازمة بينه وبين وصف آخر، وهو الرَّضاع، وذلك الوصف ثابت، وهذا القسم
(2)
إنَّما يأتي في لازم له ملزومات متعددة، فيقصد المتكلم تحقق الملازمة على تقدير نفي ما نفاه منها.
وأما قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} [لقمان: 27] فإن الآية سِيْقت لبيان أن أشجار الأرض لو كانت أقلامًا، والبحار: مِدَادًا، فكتِبت بها كلماتُ الله؛ لنفدت البحارُ والأقلام، ولم تنفد كلمات الله، فالآية سِيْقت لبيان الملازمة بين عدم نفاد كلماته، وبين كون الأشجار أقلامًا، والبحار مدادًا يكتب بها، فإذا كانت الملازمة ثابتة على هذا التقدير الذي هو أبلغ تقديرٍ يكون في نفاد المكتوب؛ فثبوتها على غيره من التقادير أولى.
ونوضِّح هذا بضرب مثل يُرْتقى منه إلى فهم مقصود الآية: إذا قلت لرجل لا يعطي أَحدًا شيئًا: "لو أَنَّ لك الدنيا بأسرها ما أعطيت أحدًا منها شيئًا"، فإنك إنما
(3)
قصدت أن عدم إعطائه ثابت على أعظم التقادير التي تقتضي الإعطاء، فلازَمْتَ بين عدم إعطائه وبين
(1)
(ظ ود): "ملزومان وهي".
(2)
ليست في (ق).
(3)
(ظ ود): "إذا".