الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذكور يعود عليه، وليس كذلك فعل المتكلم والمخاطب والمخبرين عن أنفسهم، فإنه لا يخلو أبدًا عن ضمير؛ ولا يجيء بعده اسم ظاهر يكون فاعلًا به
(1)
ولا مضمرًا أيضًا، إلا أن يكون توكيدًا للمضمر المنطوي عليه الفعل.
ومن هاهنا (ظ/25 أ) ضارعت الأسماء حتى أُعْرِبت؛ وَجَرت مجراها فى دخول
(2)
لام التوكيد وغير ذلك؛ لأنها ضُمِّنت معنى الأسماء بالحروف التى في أوائلها، فهي من حيث دلَّت على الحدث والزمان فعلٌ محض، ومن حيثُ دلَّت بأوائلها على المتكلم والمخاطب وغير ذلك متضمِّنة معنى الاسم، فاستحقت الإعراب الذي هو من خواصِّ الاسم، كما استحق الاسم المتضمِّن معنى الحرفِ البناءَ.
فائدة
(3)
فعل الحال لا يكون مستقبلًا
وإن حَسُن فيه "غَدٌ" كما لا يكون المستقبل حالًا أبدًا ولا الحال ماضيًا، وأما "جاءني زيد يسافر غدًا"، فعلى تقدير الحكاية له إذا وقع، وهي حال مقدرة. ومنه قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا} [الأنعام: 30]، والوقوف مستقبل لا محالة، ولكن جاء بلفظ الماضي حكاية لحال يوم الحساب فيه؛ لأنه
(4)
يترتب على وقوف قد ثبت، وكذلك
(5)
: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [القصص: 63]{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ} [غافر: 49] وهو كثير، الوقت مستقبل والفعل
(1)
(ظ ود): "علامة".
(2)
سقطت من (ق).
(3)
"نتائج الفِكْر": (ص / 120).
(4)
(ظ ود): "لا".
(5)
(ق): "ولذلك قال تعالى".
بلفظ الماضي، ونحوه:{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} [القصص: 15] وهذا
(1)
حكاية للحال: فكذلك: "يقوم زيد غدًا"، هو على التقدير والتصوير لهيئته إذا ووقع، وهذا لأنَّ الأصل أن لا يُحكم للفظين متغايرَيْن بمعنى واحد إلا بدليل، ولا للفظ واحد بمعنيين إلا بدليل.
فائدة
(2)
حروف المضارعة -وإن كانت زوائد- فقد صارت كأنها من أنفس الكلم، وليست كذلك "السين" و"سوف"، وإن كانوا قد شبهوهما بحروف المضارعة والحروف (ق/ 34 ب) الملحقة بالأصول، ولذلك تقول:"غدا يقوم زيد"، فتقدم الظرف على الفعل، كما تفعل ذلك في الماضي الذي لا زيادة فيه، نحو:"أمس قام زيد"، ولا يستقيم هذا في المقرون بـ "السين"، و"سوف"، لا تقول: "غدًا سيقوم
(3)
زيد"؛ لوجوه:
منها: أن "السين": تُنْبِئ عن معنى الاستئناف والاستقبال للفعل، وإنما يكون مستقبلًا بالإضافة إلى ما قبله، فإن كان
(4)
قبله ظرف أخرجته "السين" عن الوقوع في الظرف، فبقي الظرف لا عامل فيه، فبطل الكلام. فإذا قلتَ:"سيقوم غدًا"، دلَّت السينُ على أن الفعل مستقبل بالإضافة إلى ما قبله، وليس قبله إلا حالة المتكلم، ودلّ لفظ "غدًا" على استقبال اليوم فتطابقا، وصارًا ظرفًا له.
(1)
ليست في (ظ ود).
(2)
"نتائج الفكر": (ص / 121).
(3)
(ق): "سيقدم".
(4)
سقطت من (ظ ود).
الثاني: أن "السين" و"سوف" من حروف المعاني الداخلة على الجمل، ومعناها في نفس المتكلم وإليه يسند لا إلى الاسم المخبَرِ عنه، فوجب أن يكود له صدر الكلام، كحروف الاستفهام والنفي والنهي
(1)
وغير ذلك، ولذلك قَبُح:"زيدًا سأضرب" و"ريدٌ سيقوم"، مع أنَّ الخبرَ عن زيد إنما هو بالفعل لا بالمعنى الذي دلت عليه "السين"؛ فإن ذلك
(2)
المعنى مستند إلى المتكلم لا إلى زيد؛ فلا يجور أن يخلط بالخبر عن زيد، فتقول: زيد سيفعل.
فإن أدخلت
(3)
"إن" على الاسم المبتدأ جاز دخول "السين" في الخبر لاعتماد الاسم على "إن" ومضارعتها للفعل، فصارت في اللفظ مع اسمها كالجملة التامة، فصلح دخول "السين" فيما بعدها، وأما مع عدم "إن" فيقْبُح ذلك، وهذا مذهب أبي [الحسين]
(4)
شيخ السهيلي.
قال السهيلي
(5)
: فقلتُ له: أليس قد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} [النساء: 57 و 122] فقال لي: اقوأ ما قبل الآية، فقرأت:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية، فضحكَ وقال: قد كنت أفزعتني، أليست هذه "إن" في الجملة المتقدمة، وهذه الأخرى معطوفة بالواو عليها، والواو تنوب مناب تكرار
(6)
العامل
(1)
"النتائج": "والتمنى".
(2)
(ق): "فإن كان ذلك".
(3)
(ظ ود): "فإذا دخلت".
(4)
في الأصول: "أبي الحسن" والتصويب من "النتائج" ومصادر الترجمة، وقد تقدمت ترجمته ص/ 51.
(5)
"نتائج الفكر": (ص/ 122).
(6)
(ظ ود): "نياب تكرار" و (ق): "تكرير".
فسلَّمتُ له وسكتُّ
(1)
.
قال: ونظير هذه المسألة مسألة "اللام" في "إن"، تقول:"إِن زيدًا لقائم"، ولا تقول:"زيد لقائم"، والمصحِّح لتقديم الظرف على الفعل الماضي: أن معنى المُضِيِّ مستفاد من لفظه، لا من حرف زائدٍ على الجملة منفصل عن الفعل كـ "السين"، و"قد"، وأما فِعْل الحال فزوائده ملحقة بالأصل، فإن أدخلت
(2)
على الماضي "قد" التي للتوقع؛ كانت بمنزلة "السين" التي للاستئناف، وقَبُحَ حِينئذ:"أمس قد قام زيد"، كما قَبُح: "غدًا [سيقوم]
(3)
زيد"، والعلة كالعِلَّة حَذْو النعل بالنعل
(4)
.
فائدة
(5)
.
"السين" تشبه حروف المضارعة ونقرِّر قيل ذلك مقدمة، وهي لمَ لَمْ تعمل في الفعل وقد اختصَّت به؟.
والجواب؛ أنها فاضِلَة لهذا الفعل عن فعل الحال، كما فَصَلت الزوائد الأربع فعلَ الخال عن الماضي فاشبهتها، (ق/35 أ) وإن لم تكن مثلها في اتصالها ولحوقها بالأصل، كما أشبهت لام التعريف العَلَمية في اتصالها وتعرُّف الاسم بها، وإن لم تكن مُلْحقة بحروف
(1)
انظر كتاب: "دراسات لأساليب القرآن": (2/ 191 - 192) لعبد الخالق عضيمة، فقد تعقَّب هذا الموضع بأن اقتران جملة الخبر بعلامة الاستقبال دود أن تسبقها إن وقع كثيرًا في القرآن.
(2)
(ظ): "فإذا دخلت".
(3)
في الأصول: "يقوم"، وكذا في مخطوطات "النتائج"، وصوَّبها المحقق؛ لأنه قد تقدم جواز "غدًا يقوم زيد".
(4)
تحرفت العبارة في (ظ ود).
(5)
"نتائج الفكر": (ص/ 123).
الأصل، فلمَّا لم تعمل تلك (ظ/25 ب) اللام في الأسماء مع اختصاصها بها، لم تعمل هذه في الأفعال مع استبدادها بها، هذا تعليل الفارسي
(1)
في بعض كتبه، وابن السرَّاج والسُّهيلي، وهو يحتاج إلى بيان وإيضاح.
وتقريرُه: أن الحرف إذا نُزِّل منزلةَ الجزء من الكلمة لم يعمل فيها؛ لأن أجزاء الكلمة لا يعمل بعضُها في بعضٍ، ولام التعريف مع المعرفة بمنزلة اسم علم فنزِّلت منزلة جُزئِه.
و"قد" مع الماضي بمنزلة فعل الحال؛ فنزِّلت منزلة جزْئِه، وأما الزوائد الأربع؛ فهي فاصلة لفعل الحال عن الماضي، فصارت مع الفعل بمنزلة كلمة واحدة دالة على فعل الحال.
وكذلك "السين" مع الفعل فاصلة للمستقبل عن الحال، فصارت مع الفعل بمنزلة كلمة واحدة
(2)
، دالة على
(3)
فعل الاستقبال، وهذا المعنى موجود في "سوف" أيضًا، فاختصاص الحرف شرط عمله، ونزوله منزلةَ الجزءِ مانعٌ من العمل.
فإن قيل: فهذا ينتقض عليكم بـ "أن" المصدرية فإنها مُنَزَّلة منزلة الجزء
(4)
من الكلمة، ولهذا يصيرُ الفعلُ بها في تأويل كلمةٍ مفردة، ومع هذا فهي عاملة.
قيل: هذا لا ينقض ما أصَّلناه؛ لأن هذا الحرف لم يُنزَّل منزلةَ
(1)
هو: أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان النحوي ت (377).
انظر: "إنباه الرواة": (1/ 308)، و"بغية الوعاة":(1/ 496).
(2)
ليست فى (ق).
(3)
من قوله: "الحال. وكذلك
…
" ساقط من (د).
(4)
من قوله: "مانع من العمل
…
" ساقط من (ق).
الجزء من الفعل، وإنما صار به الفعل في تأويل الاسم، فلم ينتقض ما ذكرناه.
وعلَّل السهيلي
(1)
بطلان عمل "سوف" بعلة أخرى، فقال: وإما "سوف" فحرف، ولكنه على لفظ السَّوف الذي هو الشَّمُّ لرائحة ما ليس بحاضر، وقد وُجِدت رائحته، كما أن "سوف" هذه تدلُّ على أن ما بعدها ليس بحَاضر، وقد علم وقوعه وانْتُظِر [إِبَّانُه]
(2)
، ولا غَرْو أن يتقارب معنى الحرف من معني الاسم المشتق المتمكن في الكلام.
فهذه "ثم" حرف عطف، ولفظها كلفظ "الثم" وهو: رمُّ الشيء بعضه إلى بعض، كما قال:"كنا أهل ثُمِّه ورُمِّه"
(3)
، وأصله من: ثممتُ البيتَ إذا كانت فيه فرج فسُدد بالثُّمام، والمعنى الذي في "ثم" العاطفة قريب من هذا؛ لأنه ضمُّ شيء إلى شيء بينهما مهلة، كما أن ثَمَّ البيت: ضمٌّ بين شيئين بينهما
(4)
فرجة، ومن تأمل هذا المعنى فى الحروف والأسماء المضارعة لها، ألفاه كثيرًا.
فائدة بديعة
(5)
في دخول "أن" على الفعل دون الاكتفاء بالمصدر ثلاث فوائد:
أحدها: أن المصدر قد يكون فيما مضى، وفيما هو آتٍ، وليس
(1)
في "نتائج الفكر": (ص/ 124).
(2)
في الأصول: "إيابه"، والتصويب من "النتائج".
(3)
هو من قول أخوال أُحَيْحة بن الجُلاح فيه
…
في حديث عروة، أخرجه مالك في "الموطأ":(2/ 868) في، وانظر "النهاية":(1/ 223)، وأهل الحديث يروونها بالضم، وصحح أبو عبيد الفتح "ثَمِّه ورَمِّه".
(4)
من قوله: "مهله، كما
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(5)
"نتائج" الفكر": (ص/ 126).
في صيغته ما يدل عليه، فجاءوا يلفظ الفعل المشتق منه مع "أن" ليجتمع لهم الإخبار عن الحدث مع الدلالة على الزمان.
الثانية: أنَّ "أَنْ" تدلُّ على إمكان الفعل، دون الوجوب والاستحالة.
الثالثة: أنها تدل على مجرَّد معنى الحدث، دون احتمال معنىً زائد عليه، ففيها تحصين للمعنى
(1)
(ق/35 ب) من الإشكال، وتخليص له من شوائب الاحتمال
(2)
.
بيانُه: أنك إذا قلت: "كرهتُ خروجك" أو "أعجبني قدومك"، احتمل الكلام معاني:
منها: أن يكون نفس القدوم هو المعجب لك، دون صفة من صفاته وهيآته، وإن كان لا يوصف في الحقيقة بصفات، ولكنها عبارة عن الكيفيات.
واحتمل -أيضًا- أنك تريد أنه أعجبك سرعته أو بطؤه أو حالة من حالاته، فإذا قلتَ؛ "أعجبني أن قدمت"، كانت "أن" على الفعل بمنزلة الطابع والعنوان
(3)
من عوارض الاحتمالات المتصورة في الأذهان، ولذلك
(4)
زادوا "أن" بعد "لما" في قولهم: "لما أن جاء زيد أكرمتك"، ولم يزيدوها بعد
(5)
ظرف سوى "لما"، وذلك أن "لما" ليست في الحقيقة ظرف زمان، ولكنه حرف يدل على ارتباط
(1)
"للمعنى" سقطت من (ظ ود).
(2)
(ظ ود): "الإجمال" والموضع بعده: "الإجمالات".
(3)
(ظ ود): "الطبائع والصواب"!.
(4)
(ظ ود): "وكذلك".
(5)
(ظ ود): "بغير".
الفعل الثاني بالأول، في أن أحدهما كالعلة للآخر، بخلاف الظرف إذا قلت:"حين قام زيد قام عَمْرو"، فجعلت أحدهما وقتًا للآخر على اتفاقٍ لا على ارتباط، فلذلك زادوا "أنْ" بعدها صيانةً لهذا المعنى، وتخليصًا له من الاحتمال العارض في الظرف؛ إذ ليس الظرف من الزمان بحرف، فيكون قد جاء لمعنى كما جاءت "لما".
وقد زعم الفارسي أنها مركبة من "لم" و"ما". قال السُّهيلي
(1)
: ولا أدري ما وجه قوله، وهي عندي من الحروف التي في لفظها شَبَه من الاشتقاق، وإشارة إلى مادة هي مأخوذة منها، نحو ما تقدم في "سوف" و"ثم"؛ لأنكْ تقول: "لممتُ الشيءَ لمًّا
(2)
". إذا ضممتَ بعضَه إلى بعض، وهذا نحوٌ من هذا المعنى الذي سيقت إليه؛ لأنه ربط فعل بفعل على جهة التسبيب أو التعقيب، فإذا كان التسبيب حَسُن إدخال "أن" بعدها زائدة (ظ/26 أ) إشعارًا بمعنى المفعول من أجلة، وإن لم يكن مفعولًا من أجله، نحو قوله:{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: 33]، و {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} [يوسف: 96] ونحوه.
وإذا كاد التعقيب مجردًا من التسبيب، لم يحسن زيادة "أن" بعد "لما"
(3)
وتأمَّلْه في القرآن.
وأما "أن" التي للتفسير؛ فليست مع ما بعدها بتأويل المصدر، ولكنها تشارك "أن" التي: تقدَّم ذكرُها بعض معانيها؛ لأنها تحصينٌ
(4)
لما بعدها من الاحتمالات، وتفسير لما قبلها من الصادر المجْمَلات،
(1)
"نتائج الفكر": (ص/ 127).
(2)
سقطت من (ق).
(3)
(ظ ود): "بعدها".
(4)
سقطت من (ق).
التي في معنى المقالات والإشارات، فلا يكون تفسيرًا إلا لفعل في معنى التراجم الخمس الكاشفة عن كلام النفس؛ لأنَّ الكلام القائم في النفس والغائب عن الحواس في الأفئدة يكشفه للمخاطبين خمسةُ أشياء: اللفظ، والخط، والإشارة، والعقد
(1)
، والنصبة
(2)
، وهي لسان الحال، وهي أصدق من لسان المقال، فلا تكون "أن" المفسرة إلا تفسيرًا لما أُجمل من هده الأشياء، كقولك:"كتبت إليه أن اخرج"، و"أشرت إليه أن اذهب" و {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} [النمل: 8] و "أوصيته أن اشكر". و"عقدتُ في يدي أن قد أخذت خمسين". و"زربت
(3)
على حائطي أن لا يدخلوه"، ومنه قول الله عز وجل (ق/ 36 أ):{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)} [الرحمن: 7، 8] هي هاهنا لتفسير النصبة التي هي لسان الحال.
وإذا كان الأمر فيها كذلك، فهي بعينها التي تقدم ذكرها؛ لأنها إذا كانت تفسيرًا فإنما تفسر
(4)
الكلام، والكلام مصدر، فهي إذًا في تأويل مصدر، إلا أنك أوقعت بعدها الفعل بلفظ الأمر والنهي، وذلك مزيد فائدة، ومزيد الفائدة لا تُخْرج الفعلَ عن كونه فعلًا، فلذلك لا تخرج عن كونها مصدرية، كما لا
(5)
يخرجها عن ذلك صيغة المُضِيّ والاستقبال بعدها، إذا قلت:"يعجبني أن تقوم" و"أن قمت"، فكأنهم إنما قصدوا إلى ماهية الحدث مُخْبَرًا [به] عن الفاعل لا
(1)
هو: الحِساب بعقد الأصابع.
(2)
في "النتائج": "النصب"، والنصب هو العَلَم.
(3)
الزرب: البناء.
(4)
(ق): "فإنها تفسير".
(5)
سقطت من (ق).
الحدث مطلقًا، ولذلك ألا تكون مبتدأة وخبرها في
(1)
ظرف أو مجرور؛ لأن المجرور لا يتعلق بالمعنى الذي تدل عليه "أن"، ولا الذي من أجله صِيْغ الفعل واشْتُق من المصدر، وإنما يتعلق المجرور بالمصدر نفسه مجردًا من هذا المعنى، كما تقدَّم، فلا يكون خبرًا عن "أن" المتقدمة، وإن كانت في تأويل اسم، وكذلك -أيضًا- لا يخبر عنها بشيءٍ مما هو صفة للمصدر، كقولك: " [قيامك]
(2)
سريع أو بطيء" ونحوه، لا يكون مثل هذا خبرًا عن المصدر.
فإن قلت: "حَسَن أن تقوم" و"قبيحٌ أن تفعل"، جاز ذلك؛ لأنك تريد بها معنى المفعول، كأنك تقول:"أستحسن هذا أو أستقبحه"، وكذلك إذا قلت:"لأن تقوم خير من أن تقعد"، جاز؛ لأنه ترجيح وتفضيل، فكأنك تأمره بأن يفعل ولست بمخبر عن الحدث، بدليل امتناع ذلك في المضيِّ، فإنك لا تقول فيه
(3)
: "أن قمتَ خير من أن قعدت"، ولا:"أَن قام زيدٌ خير من أن قعد"، وامتناع هذا دليل على ما قدمناه من أن الحدث هو الذي يخبر عنه.
وأما "أن" وما بعدها فإنها -وإن كانت في تأويل المصدر- فإن لها معنىً زائدًا لا يجوز الإخبار عنه، ولكنه يراد ويلزم
(4)
ويُؤمر به، فإن وجدتها مبتدأة ولها خبر، فليس الكلام على ظاهره، لما تقدم.
(1)
كذا بالأصول والنتائج، والأولى حذف "في".
(2)
تحرّفت في الأصول، والمثبت من "النتائج".
(3)
من (ق).
(4)
(ق): "ويكره".
وأما "لن"
(1)
فهي عند الخليل مركبة من "لا" و"أن"
(2)
، ولا يلزم ما اعترض عليه سيبويه من تقديم المفعول عليها، لأنه يجوز في المركبات مالا يجوز في البسائط. واحتج الخليلُ بقول جابر [الطائي]
(3)
، وهو من شعراء الجاهلية:
فإن أُمْسِك فإنَّ العيشَ حُلْوٌ
…
إليَّ كأنَّه عَسَلٌ مَشُوْبُ
يُرجِّي المرءُ ما لا أن يُلاقي
…
وتعرضُ دونَ أَبعدِهِ خُطُوبُ
(4)
فإذا ثبت ذلك فمعناها نفي الإمكان بـ "أن" كما تقدم.
وكان ينبغي أن تكون جازمة كـ "لم"؛ لأنها حرف نفي مختص بالفعل، فوجب أن يكون عمله الجزم الذي هو نفي الحركة وانقطاع الصوت ليتطابق اللفظ والمعنى، وقد فعل ذلك بعض العرب، فجزم بها حين لحَظَ هذا الأسلوب، ولكن أكثرهم ينصب (ق/36 ب)، بها مراعاة لـ "أن" المركبة فيها مع "لا"؛ إذ هي من جهة الفعل وأقرب إلى لفظه، فهي أحق بالمراعاة من معنى النفي، فرب نفي لا يجزم الأفعال، وذلك إذا لم يختص بها دون الأسماء، والنفي في هذا الحرف إنما جاءه من قبل "لا"، وهي (ظ/26 ب) غير عاملة لعدم اختصاصها، فلذلك كان النصب بها أولى من الجزم. على أنها قد ضارعت "لم" لتقارب المعنى واللفظ، حتى قُدِّم عليها معمول فعلها،
(1)
(ظ): "أن".
(2)
(ق): "لن".
(3)
في الأصول: "الأنصاري"، والتصويب من المصادر.
(4)
وقع في البيتين تحريف ونقص في الأصول، والتصويب من المصادر، وهما لجابر بن رألان الطائي، وفي رواية الثاني منهما اختلاف. انظر "النوادر":(ص / 264 - الشروق)، لأبي زيد، و"خزانة الأدب":(8/ 440) للبغدادي.
فقالوا: "زيدًا لن أضرب"، كما قالوا:"زيدًا لم أضرب".
ومن خواصِّها تخليصها الفعل للاستقبال، بعد أن كان محتملًا للحال، فأغنت عن "السين" و"سوف"، وجُلُّ هذه النواصب تخلِّص الفعل للاستقبال
(1)
.
ومن خواصِّها: أنها تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف "لا" إذا قلت: "لا يقوم زيد أبدًا"، وقد قدمنا أن الألفاظ مشاكلة
(2)
للمعاني التي هي
(3)
أرواحها، يتفرَّس الفطن فيها حقيقة المعنى، بطبعه وحسه، كما يتعرَّف الصادق الفراسةِ صفاتَ الأرواح في الأجساد من قوالبها بفطنته.
وقلت يومًا لشيخنا أبي العباس ابن تيمية -قدس الله روحه-: قال ابن جنِّي
(4)
: مكثت بُرْهةً إذا ورد علىَّ لفظ آخذ معناه من نفس حروفه وصفاتها وجَرْسه وكيفية تركيبه، ثم أكشفه، فإذا هو كما ظننته أو قريبًا منه، فقال لي رحمه الله:"وهذا كثيرًا ما يقع لي".
وتأمل حرف "لا" كيف تجدها: لامًا بعدها ألف، يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه ضيق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، و"لن" بعكس ذلك، فتأمله، فإنه معنىً بديع.
(1)
من قوله "بعد أن كان
…
" إلى هنا ساقط من (ق).
(2)
(ق): "مشاركة". وانظر (ص/ 70) فيما تقدم.
(3)
سقطت من (ظ ود).
(4)
هو: أبو الفتح عثمان بن جِنِّي الموصلي النحوي، من أئمة العربية خاصة التصريف ت (392). انظر:"إنباه الرواة": (2/ 335)، و"وفيات الأعيان":(3/ 246). وقد ذكر المؤلف نحو هذا عن شيخه في "جلاء الأفهام"(ص/ 147).
وانظر كيف جاء في أفصح الكلام كلام الله: {وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} [الجمعة: 7] بحرف "لا" في الموضع الذي اقترن به حرف الشرط بالفعل، فصار من صيغ العموم، فانسحب
(1)
على جميع الأزمنة، وهو قوله عز وجل:{إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} [الجمعة: 6] كأنه يقول: متى زعموا ذلك لوقتٍ من الأوقات أو زمنٍ من الأزمان، وقيل لهم:"تمنوا الموت"، فلا يتمنونه أبدًا. وحرف الشرط دلَّ على هذا المعنى، وحرف "لا" في الجواب بإزاء صيغة العموم، لاتِّساع معنى النفي فيها.
وقال في سورة البقرة: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ} فقصَّر
(2)
من سَعَة النفي وقرَّب، لأن قبله:{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ} ؛ لأن "إن" و"كان" هنا ليست من صِيَغ العموم؛ لأن "كان" ليست بدالَّةٍ على حدث، وإنما هي داخلة على المبتدأ، والخبر عبارة عن مُضِيِّ الزمان الذي كان فيه ذلك الحدث، فكأنه يقول عز وجل: إن كان قد وجبت لكم الدار الآخرة، وثبتت لكم في علم الله؛ فتمنوا الموت الآن، ثم قال في الجواب:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ} (ق/ 13 أ)، فانتظم معنى الجواب بمعنى الخطاب في الآيتين جميعًا.
وليس في قوله: {أَبَدَا} ما يناقض ما قلناه، فقد تكون "أبدًا" بعد فعل الحال؛ تقول:"زيد يقوم أبدًا".
ومن أجلِ ما تقدم من قصور معنى النفي في "لن"، وطوله في "لا" يعلمُ الموفقُ قصور المعتزلة في فهم كلام الله حيث جعلوا "لن"
(1)
(ق): "ما انسحب".
(2)
(ق): "فقضى".
تدل على النفي على الدوام. واحتجوا بقوله: {لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] وعلمت بهذا أن بدعتهم الخبيثة حالت بينهم وبين فهم كلام الله كما ينبغي، وهكذا كلُّ صاحب بدعة تجده محجوبًا عن فهم القرآن!.
وتأمل قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] كيف نفى فعل الإدراك بـ "لا" الدالة على طول النفي ودوامه، فإنه لا يُدْرَكْ أبدًا، وإن رآه المؤمنون فأبصارُهم
(1)
لا تدركه، تعالى عن أن يحيط به مخلوق؛ وكيف نفي الرؤية بـ "لن" فقال:{لَن تَرَانِي} ، لأن النفي بها لا يتأبَّد. وقد أكذبهم الله في قولهم بتأبيد النفي بـ "لن" صريحًا بقوله:{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فهذا تمنٍّ للموت، فلو اقتضت "لن" دوام: النفي تناقض الكلام كيف وهي مقرونةٌ بالتأبيد بقوله: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95]، ولكن ذلك لا ينافي تمنيه في النار؛ لأن التأبيد قد يُرَاد به التأبيد المقيد والتأبيد المطلق، فالمقيد كالتأبيد بمدة الحياة
(2)
، كقولك:"والله لا أكلمه أبدًا"، والمطلق كقولك:"والله لا أكفر بربي أبدًا". وإذا كان كذلك فالآية إنما اقتضت نفي تمنِّي الموت أبدَ الحياة الدنيا، ولم يتعرض للآخرةِ أصلًا، وذلك لأنهم لحبهم الحياة وكراهتهم للجزاء لا يتمنون الموت، وهذا منتفٍ في الآخرة.
فهكذا ينبغي أن يُفهَم كلام الله لا كفَهْمِ المحرِّفين له عن مواضعه.
قال أبو القاسم السُّهيلي
(3)
: على أني أقول: إن العرب إنما تنفي بـ "لن" ما كان مُمكنًا عند المخاطب مظنونًا أنْ سيكون؛ فتقول له:
(1)
(ق): "بأبصارهم".
(2)
(ق) زيادة: "مقيد".
(3)
في "نتائج الفكر": (ص/133).
"لن
(1)
يكون"، لما (ظ/27 أ) ظُنَّ أن يكون؛ لأن "لن" فيها معنى "أن"
(2)
، وإذا كان الأمن عندهم على الشك لا على الظن، كأنه يقول: أيكون أم لا؟ قلت في النفي: [لا]
(3)
يكون، وهذا كله مقوٍّ لتركيبها من "لا" و"أن"، وتبييَّن لك وجه اختصاصها في القرآن بالمواضعِ إلى وقعت فيها دون "لا".
فائدة
(4)
قولهم: "إذن أُكرمك"، قال السهيلي: هي عندي "إذا" الظرفية الشرطية، خُلِع منها معنى الاسمية كما فعلوا ذلك بـ "إذْ"، وبـ "كاف" الخطاب وبالضمائر المنفصلة، وكذلك فعلوا بـ "إذا" إلا أنهم زادوا فيها التنوين، فذهبت الألف، والقياس إذا وقفتَ عليها أن ترجع الألف لزوال العلَّة، وإنما نوَّنوها لما فصلوها عن الإضافة؛ إذ التنوين علامةُ الانفصال، كما فعلوا بـ "إذ" حين
(5)
فصلوها عن الإضافة إلى الجملة فقالوا: يومئذٍ
(6)
، فصار التنوين مُعَاقبًا للجملة. إلا أن "إذ" في ذلك الموضع لم تخرج عن الاسمية [بدليل إضافة "يوم" و"حين" إليها، وإنما أخرجوها عن الاسميَّة]
(7)
في نحو قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)} [الزخرف: 39] جعلها سيبويه هاهنا حرفًا بمنزلة "أن".
(1)
في الأصول: "أن لن" والمثبت من "النتائج".
(2)
سقطت من (ق).
(3)
في الأصول: "لن"، والتصويب من "النتائج".
(4)
"نتائج الفِكْر": (ص/134).
(5)
"فعلوا بـ "إذ" حين" بياض في (ظ) وساقطة من (د).
(6)
كان "فقالوا: يومئذٍ" في (ظ ود): "فيه".
(7)
ما بين المعكوفين مستدرك من "النتائج" ساقط من الأصول.
فإن قيل: ليس شيءٌ عن هذه الأشياء التي صُيِّرت حروفًا بعد أن كانت أسماء إلَّا وقد بقي فيها معنىً عن (ق/37 ب) معانيها، كما بقي في "كاف" الخطاب معنى الخطاب، وفي "على" معني الاستعلاء فما بقي في "إذ" و"إذن" من معانيهما
(1)
في حال الاسمية؟.
فالجواب: أنك إذا قلتَ: "سأفعل كدا إذا خرج زيد"، ففعلك مرتبط بالخروج مشروط به، وكذلك إذا قال لك القائل:"قد أكرمتُك" فقلت: "إذن أُحْسِن إليك"، ربطتَ إحسانَكَ بإكرامه وجعلتَه جزاءً له؛ فقد بقي فيها طرفٌ عن معنى الجزاء و
(2)
هي حرف، كما كان فيها معنى الجزاء وهي
(3)
اسم.
وأما "إذ" من قوله تعالى: {إِذْ ظَلَمْتُمْ} ففيها معنى الاقتران بين الفعلين، كما كان فيها ذلك في حال الظرفية؛ تقول:"لأضربن زيدًا إذ شتمني"، فهي -وإن لم تكن ظرفًا- ففيها معنى الظرف، كأنك تُنَبِّهُهُ على أنك تجازيه على ما كان منه وقت الشتم، فإن لم يكن الضرب واقعًا في حاك الشتم، فله ردّ إليه وتنبيه عليه، فقد لاحَ لكَ قربُ ما بينها وبين "أنْ" التي هي للمفعول من أجله، ولذلك شبهها سيبويه بها في سَوَادِ كتابه
(4)
.
وعجبًا للفارسي حيث
(5)
كاب ذلك عنه وجعلها ظرفًا! ثم تحيَّل
(1)
العبارة في الأصول: "في إذا إذًا من معانيها" والمثبت من "النتائج".
(2)
(ق): "أو".
(3)
(ظ ود): "وهو".
(4)
ذكر محقق "النتائج" إنه لم يعثر على هذا القول في "كتاب سيبويه". وقد نسبه السهيليُّ لسيبويه -أيضًا- في كتابه "الروض الأُنف": (1/ 286).
(5)
(ق): "كيف".
في إيقاع الفعل الذي هو النفع فيها وسوف إليها.
وأما "إذ"؛ فإذا كانت منوَّنة فإنها لا تكون إلا مضافًا إليها ما قبلها، لتعتمد على الظرف المضاف إليها، فلا يزول عنها معنى الظرفية، كما زال عن أختها حين نوَّنوها وفصلوها عن الفعل الذي كانت تضاف إليه.
والأصل في هذا: أن "إذ" و"إذا" في غاية من الإبهام والبعد عن شبه الأسماء، والقرب من الحروف؛ لعدم الاشتقاق، وقِلَّة حروف اللفظ، وعدم التمكن؛ وغير ذلك، فلولا إضافتهما
(1)
إلى الفعل الذي يبنى للزمان ويفتقر إلى الظروف، لما عُرِف فيهما معنى الاسم أبدًا؛ إذ لا تدلُّ واحدةٌ منهما على معنًى في نفسها، إنما جاءت لمعنى في غيرها، فإذا قطعت عن ذلك المعنى تمحَّض معنى الحرف فيها، إلا أن "إذ"
(2)
لما ذكرنا من إضافة ما قبلها من الظرف إليها، لم يفارقها معنى الاسم، وليست الإضافة إليها في الحقيقة، ولكن إلى الجملة التي عاقبها التنوين.
وأما "إذن" فلما لم يكن فيها بعد فصلها عن الإضافة ما يعضد معنى الاسمية فيها؛ صارت حرفًا لقربها من حروف الشرط في المعنى، ولما صارت حرفًا مختصًّا بالفعل مخلصًا له للاستقبال كسائر النواصب للأفعال، نَصَبُوا الفعل بعده؛ إذ ليس واقعًا موقع الاسم فيستحق الرفع، ولا هو
(3)
غير واجب فيستحق الجزم، فلم يبق إلا النصب، ولما لم يكن العمل فيها أصليًّا لم تقوَ قوَّةَ أخواتها، فأُلغيت تارةً وأُعْمِلَت أخرى، وضَعُفَت عن عوامل الأفعال.
(1)
(ق): "إضافتها".
(2)
(ق): "إذا" وهو خطأ.
(3)
سقطت من (ظ ود).
فإن قيل: فهلا فعلوا بها ما فعلوا بـ "إذ"
(1)
حين نوَّنوها، وحذفوا الجملة بعدها، فيضيفوا إليها ظروف الزمان كما يضيفونها إلى "إذ" في نحو:"يومئذٍ" لأن الإضافة في المعنى إلى الجملة التي عاقبها التنوين؟.
فالجواب: أن "إذ" قد اسْتُعمِلت مضافةً إلى الفعل [المستقبل]
(2)
في المعنى على وجهِ الحكاية للحال، كما قال (ق/ 38 أ) تعالى:{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [البقرة: 165] ولم يستعملوا "إذا" مضافة إلى الماضي بوجهٍ ولا على حال، فلذلك استغنوا بإضافة الظروف إلى "إذ" وهم يريدون الجملة بعدها عن إضافتها إلى "إذا"، مع أن "إذ" في الأصل حرفان، و"إذا" ثلاثة أحرف، فكان ما هو أقل حروفًا في اللفظ أولى بالزيادة فيه، وإضافة الأوقات إليه زيادة فيه؛ لأن المضاف والمضاف إليه بمنزلة اسم واحد. وأقوى من هذا أن "إذن" فيها معنى الجزاء، وليس في "إذ" منه رائحة، فامتنع إضافة ظرف الزمان إلى "إذن"؛ لأن ذلك يُبْطِل ما فيها من معنى الجزاء؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد، فلو أُضِيْفَ "اليوم"
(3)
و"الحين" إليها لغلب عليهما حكمه لضعفها
(4)
عن درجة حرف الجزاء، فتأمله.
فائدة بديعة
(5)
" لام كي والجحود" حرفان ناصِبان بإضمار "أن"، إلا أن "لام
(1)
(ق): "إن".
(2)
من "النتائج".
(3)
(ظ ود): "إليه".
(4)
في الأصول بضمير المثنَّى في الجميع، والتصحيح من النتائج".
(5)
"نتائج الفِكْر": (ص/ 138).
كي" هي لام العلة، فلا يقع قبلها
(1)
إلا فعل يكون علة لما بعدها، فإن كان ذلك الفعل منفيًّا لم يخرجها عن أن تكون "لام كي"، كما ذهب إليه الصَّيْمَرِي
(2)
؛ لأن معنى العلة فيها باقٍ، وإنما الفرق بين "لام الجحود" و"لام كي" وذلك من ستة أوجه:
أحدها: أن لام الجحود يكون قبلها كَوْنٌ منفيٌّ بشرط المضي؛ إما "ما كان" أو "لم يكن"، لا مستقبلًا، فلا تقول:"ما أكون لأزورك"
(3)
، وتكون زمانية ناقصة لا تامة، ولا يقع بعد اسمها ظرف ولا مجرور، لا تقول:"ما كان زيد عندك ليذهب" ولا: "
…
أمس ليخرج". فهذه أربعة فروق.
والذي يكشف لك قناع المعنى ويهجم بك على الغرض: أن "كان" الزمانية عبارة عن زمانٍ ماضٍ، فلا تكون عِلّةً لحادث
(4)
، ولا تتعدَّى إلى المفعول من أجله، ولا إلى الحال وظروف المكان، وفي تعدِّيها إلى ظروف الزمان نظرًا فهدا الذي منعها أن تقع قبلها لام العلة، أو يقع بعدها المجرور أو الظرف.
وأما الفرق الخامس بين اللامين فهو: أنَّ الفعل بعد "لام الجحود" لا يكون فاعله إلا عائدًا على اسم "كان"؛ لأن الفعل بعدها في موضع الخبر، فلا تقول:"ما كان زيدٌ ليذهب عَمْرو"، كما
(1)
(ظ ود): "فيها".
(2)
هو: عبد الله بن علي بن إسحاق الضَّيْمري النحوي، له كتاب "التبصرة" اعتنى به أهل المغرب، وترجمته في المصادر مقتضبة جدًّا، ولم يعرف له تاريخ وفاة.
انظر: "إنباه الرواة": (2/ 123)، و"إشارة التعيين":(ص / 168).
(3)
(ق): "لأزيدك".
(4)
(ق): "لما حدث".
تقول: "يا"
(1)
زيد ليذهب عَمْرو أو لتذهب أنت"، ولكن تقول: "ما كان ليذهب" و"ما كنت لأفعل".
والفرق السادس: جواز إظهار "أن" بعد "لام كي"، ولا يجوز إظهارها بعد لام الجحود؛ لأنها جَرَت في كلامهم نفيًا للفعل المستقبل بـ "السين" أو "سوف"، فصارت لام الجحود بإزائهما: فلم يظهر بعدها ما لا يكون بعدهما
(2)
.
وفي هذه النكتة مَطْلع على فوائد من كتاب الله، ومرقاة إلى تدبُّره، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] فجاء بلام الجحد حيث كان نفيًا لأمر متوقع، وسبب مخوف في المستقبل، ثم قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: 33] فجاء باسم الفاعل الذي لا يختص بزمان حيث أراد نفي وقوع العذاب بالمستغفرين على العموم في الأحوال
(3)
لا يخص مُضِيًّا من استقبال. (ق/ 38 ب) ومثله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى} [هود: 117] ثم قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى} [القصص: 59] فالحظ هذه الآية من مطلع الأخرى تجدها كذلك.
وأما "لام العاقبة" ويسمونها: "لام الصيرورة" في نحو: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} [القصص: 8]، فهي في الحقيقة "لام كي"، ولكنها لم تتعلق بالخبر لقصد المخبر عنه وإرادته، ولكنها تعلقت بإرادة فاعل الفعل على الحقيقة، وهو الله سبحانه، أي: فعل الله ذلك ليكون كذا
(1)
كذا فى الأصول، وفي "النتائج":"جاء".
(2)
في الأصول بضمير المفرد، والمثبت من "النتائج".
(3)
(ظ ود): "الأقوال".
وكذا. وكذلك قولهم: "أَعْنق ليموت"
(1)
، لم يُعْنق لقصد الموت، ولم يتعلق اللام بالفعل، وإنما المعنى: قَدَّر اللهُ أنه يُعْنق ليموت، فهي متعلقة بالقدر
(2)
وفِعْل الله. ونظيره: "إنِّي أَنْسَى لأَسُنَّ"
(3)
، ومن رواه:"أُنَسَّى" بالتشديد فقد كشف قناع المعنى.
وسمعتُ شيخَنا أبا العباس ابن تيمية يقول: يستحيل دخول "لام العاقبة" في فعل الله، فإنها حيث وردت في الكلام؛ فهي لجهل الفاعل بعاقبة فعله، كالتقاط آلِ فى عود لموسى، فإنهم لم يعلموا عاقبته، أو لعجز الفاعل عن دفع العاقبة (ظ/ 28 أ) نحو:"لِدُوا للمَوتِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ"
(4)
.
فأمَّا في فعل من لا يَعْزُبُ عنه مثقال ذرة، ومن هو على كل شيءٍ قدير؛ فلا يكون قط إلا "لام كي" وهى لام التعليل.
ولمثل هذه الفوائدِ التي لا تكادُ توجدُ في الكتب يُحْتَاج إلى مجالسةِ الشيوخ والعلماء!!.
(1)
قاله النبي صلى الله عليه وسلم للمنذر بن عمرو، كما في "طبقات ابن سعد": 3/ 567، و "الإصابة": 6/ 217.
(2)
(ظ ود): "بالمقدور".
(3)
رواه مالك في "الموطأ": (1/ 100) بلاغًا.
(4)
قطعة من حديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، من حديث مؤمّل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن أبي عَمْرة، عن أبي هريرة، رَفَعَه .. الحديث، وفيه:"وإن مَلَكًا ببابٍ آخر ينادي: يا بني آدم لِدُوا للصوت وابنوا للخرابِ".
قال السخاوى في "المقاصد الحسنة": (ص / 332): "وهو عند أحمد والنسائي في "الكبري" بدون الشاهد منه، وصححه ابنُ حِبان، ثم شيخُنا" اهـ.
ثم ذكر له شواهد ضِعَافًا، وأخذه الشعراء فنظموا منه أبياتًا، ولأبي العتاهية قصيدة في "ديوانه":(ص/ 42 - 43) مطلعها:
لِدوا للموتِ وابنوا للخرابِ
…
فكُلُّكمُ يصِيْرُ إلى ذَهابِ
فائدة
(1)
كما أن "لن" لنفي المستقبل كان الأصل أن يكون "لا" لنفي الماضي، وقد اسْتعْمِلت فيه نحو:{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)} [البلد: 11] ونحوه:
وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا
(2)
.
ولكن عدلوا في الأكثر إلى نفي الماضي بـ "لم" لوجوه:
منها: أنهم قد خصُّوا المستقبل بلن
(3)
، فأرادوا أن يخصوا الماضي بحرف، و"لا" لا تخص ماضيًا من مستقبل، ولا فعلًا: من اسم؛ فخصُّوا نفيَ الماضي بـ "لم".
ومنها: أن "لا" يتوهم انفصالها مما بعدها، إذ قد تكون نافية لما قبلها، ويكون ما بعدها في حكم الوجوب، مثل:{لَا أُقْسِمُ} [البلد: 1]، حتى لقد قيل في قول عمر:(لا، نقضي ما تجانفنا لإثم)
(4)
. إن "لا":
(1)
"نَتائج الفكر": (ص/ 141).
(2)
اختلف في قائله؛ فقيل: لأبى حِراش الهذلي، وقيل: لأمية بن أبى الصلت، وتمامه:
إنْ تعْفرِ اللهمَّ تَغْفِرْ جمًّا
…
وأيُّ عبدٍ لكَ لا ألمَّاِ
انظر: "المغني" شاهد رقم (403)، و"اللسان":(12/ 553).
(3)
(ق): "بأن".
(4)
أخرجه عبد الرزاق فى "المصنّف": (4/ 179)، وابن أبي شيبة:(2/ 287)، والبيهقي فى "الكبري":(4/ 217).
كلهم من طرقٍ عن الأعمش، عن زيد بن وهب
…
فى قصةٍ وفيها قول عمر: "والله لا نقضيه، وما تجانفنا لإثمٍ".
وأشار البيهقي إلي أن هذه الرواية مما نُقِم على زيد بن وهب، وأنه قد أخطأ فيها، وأن المحفوظ من قول عمر هو القضاء. =
ردعٌ لما قبلها، و"نقضي" واجب لا منفي.
وقال بعض الناس في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا، تَرَآي نَارَاهما"
(1)
: إن "لا" ردعٌ وما بعدها واجب، وهذا خطأ في الأمرين وتلبيس لا يجور حمل النصوص عليه. وكذلك {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1] أيضًا، بل القولُ فيها أحد قولين: إما أن يقال: نفي للقسم وهو ضعيف، وإما أن يقال: أُقْحِمت أول القسم إيذانًا بنفي المقسم عليه وتوكيدًا لنفيه، كقول الصِّدِّيق رضي الله عنه:"لاهَا اللهِ، لا يَعْمِدُ إلى أَسَدٍ مِن أُسْدِ اللهِ"
(2)
الحديث.
ومما يدل على حرصهم على إيصال حرف النفي بما بعده؛ قطعًا لهذا التوهُّم: أنهم قلبوا لفظ الفعل الماضي بعد "لم" إلى لفظ المضارع؛ حِرْصًا على الاتصال
(3)
، وصرفًا للوهم عن ملاحظة الانفصال.
فإن قيل: وأي شيءٍ في لفظ (ق/39 أ) المضارع مما يؤكد هذا
= وقوّى شيخ الإسلام في "الفتاوى": (20/ 572)، ثبوت قول عمر، ورجَّحه على الأمر بالقضاء. والتأويل المذكور فيه بُعد، ولم أجد في مصادر الأثر اللفظ المذكور.
(1)
أخرجه أبو داود رقم (2645)، والترمذي رقم (1604) وغيرهم من طريق أبي معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعًا.
وأخرجه النسائي: (8/ 36) وغيره عن خالد الواسطي ومَعْمر وهُشَيم، عن إسماعيل، عن قيسٍ مرسلًا لم يذكر جريرًا.
وصحح الطريقَ المرسلةَ البخارىُّ -فيما نقله عنه الترمذي- وأبو حاتم -كما في "العلل" 1/ 315 - والترمذيُّ.
(2)
أخرجه البخاري رقم (4321)، ومسلم رقم (1751)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه في قصة غزوة حُنين.
(3)
(ق) زيادة: "وحرصًا على النهي" وليست في (ظ ود والنتائج).
المعني؟ أَوَ ليسا سواء هو والماضي؟.
قلنا: لا سواء، فاعلم أن الأفعالَ مضارعة للحروف، من حيثُ كانت عوامل في الأسماء كـ "هي"، ومن هناك استحقت البناء، وحقُّ العامل أن لا يكون مُهَيئًا لدخول عامل آخر عليه، قطعًا للتسلسل الباطل
(1)
، والفعل الماضي بهذه الصورة وهو على أصله من البناء ومضارعة الحروف العوامل في الأسماء، فليس يذهب الوهمُ عند النطقِ به، إلا إلى انقطاعه عما قبله، إلا بدليل يربطه، وقرينة تجمعه إليه، ولا يكون في موضع الحال ألبتَّةَ إلا مصاحبًا لقيد، ليجعلَ هذا الفعل فى موضع
(2)
الحال.
فإن قلت: فقد يكون في موضع الصفة من
(3)
النكرة نحو: "مررت برجل ذهبَ"؟.
قيل: افتقارُ النكرة إلى الوصف، وفَرط احتياجها إلى التخصيص تكملة لفائدة الخبر، هو الرابط بين الفعل وبينها، بخلاف الحال فإنها تجيء بعد استغناء الكلام وتمامه. وأما كونه خبرًا للمبتدأ؛ فلشدة احتياج المبتدأ إلى خبره، جاز ذلك، حتى إنك إذا أدخلت "إن" على المبتدأ بطل أن يكون الماضي في موضع الخبر، إذا
(4)
كان في خبرها اللام، لما في اللام من معنى الابتداء والاستئناف لما بعدها
(5)
،
(1)
(ظ ود) ت: "الباطن"! وفي "النتائج": "التسلسل المستحيل عقلًا وأصلًا". وهو بمعنى الباطل.
(2)
(ق): "بمنزلة".
(3)
(ظ ود): "الصفتين".
(4)
(ظ ود): "إذ قد كان"، و"ق":"إذ" والمثبت من "النتائج".
(5)
(ق): "قبلها".