الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة
(1)
لحذف العامل في "بسم الله" فوائد عديدة
.
منها: أنَّه موطن لا ينبغي أن يتقدم فيه سوى ذكر الله
(2)
، فلو ذكرت الفعل، وهو لا يستغني عن فاعله؛ كان ذلك مناقضًا للمقصود، وكان في حذفه مشاكلة اللفظ للمعني، ليكون المبدوع به اسم الله، كما تقول في الصلاة:"الله أكبر"، ومعناه: من كل شيءٍ، ولكن لا تقول هذا المقَدَّر، ليكون اللفظ في اللسان
(3)
مطابقًا لمقصود الجنان، وهو: أن لا يكون في القلب ذِكْر إلا الله وحده، فكما تجرَّد ذكره في قلب المصلِّي، تجرَّدَ ذكره في لسانه.
ومنها: أن الفعل إذا حُذف صح الابتداء بالتسمية
(4)
في كل عمل وقول وحركة، وليس فِعْل أولى بها من فِعْل؛ فكان الحذف أعم من الذِّكر، فإنّ أي فعل ذكرته؛ كان المحذوف أعم منه.
ومنها: أنَّ الحذف أبلغ؛ لأنَّ المتكلم بهذه الكلمة كأنه يدّعي الاستغناء بالمشاهدة عن النطق بالفعل، فكأنه لا حاجة إلى النطق به، لأنّ المشاهدة والحال دالة على أن هذا الفعل وكُلُّ فعل فإنّما هو باسمه تبارك وتعالى، والحَوَالة على شاهد الحال أبلغ من الحَوَالة على شاهد النطق، كما قيل:
ومن عَجِبٍ قول العَوَاذِل مَنْ بِهِ
…
وهَلْ غيرْ مَنْ أهْوي يُحبُّ ويُعْشَقُ
(1)
انظر: "نتائج الفكر": (ص/ 55).
(2)
(ق): "اسم الله".
(3)
"في اللسان" من (ق) وحدها.
(4)
سقطت من (ق).
فائدة
(1)
استشكل طائفةٌ قول المصنفين: "بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله"، وقالوا: الفعل بعد الواو دعاء بالصلاة، والتسمية قبله خبر، والدعاء لا يحسن عطفه على الخبر، لو قلت:"مررت بزيد، وغفر الله لك"؛ لكان غثًا من الكلام، والتسمية في معنى الخبر؛ لأنَّ المعنى: أفعل كذا باسم الله.
وحجة من أثبتها: الاقتداء بالسلف، والجواب عما قاله هؤلاء: أنّ الواو لم تَعْطِف دعاءً على خبر؛ وإنّما عطفت الجملة على كلامٍ مَحْكِيٍّ، كأنك تقول: قلت
(2)
: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد"، أو "أقول هذا وهذا"، أو "أكتب هذا وهذا".
فائدة
(3)
قولهم: "الصلاة من الله بمعنى الرحمة"، باطل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الله تعالى غايَرَ بينهما في قوله: {عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157].
الثاني: أن سؤال الرحمة يُشْرع لكلِّ مسلم، والصلاة تختص النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآله
(4)
، وهي حق له ولآله، ولهذا منع كثير من العلماء من الصلاة على مُعَيَّنٍ غيره، ولم يمنع أحد من الترحُّم على مُعيِّن.
(1)
انظر: "نتائج الفكر": (ص/ 56).
(2)
"قلت" من (ق).
(3)
انظر: "نتائج الفكر": (ص/ 57 - فما بعدها).
(4)
سقطت من (ظ).
الثالث: أنّ رحمة الله عامة وسِعَت كلَّ شيء، وصلاته خاصة بخواص عباده.
وقولهم: "الصلاةُ من العباد بمعنى الدعاء"، مُشْكِل من وجوه:
أحدها: أنّ الدعاء يكون بالخير والشر، والصلاة لا تكون إلَّا في الخير.
الثاني: أنّ "دعوت" تعدّى باللام، و"صلّيت" لا تعدّي إِلَّا بعلي، و"دعاء" المعدّى بعلى ليس بمعنى صلّى، وهذا يدل على أنّ الصلاة ليست بمعني الدعاء.
الثالث: أنّ فِعْل
(1)
الدعاء يقتضى مدعوا ومدعوًّا له، تقول: دعوت الله لك بخير، وفِعْل الصلاة لا يقتضي ذلك، لا تقول: صليت الله عليك، ولا لك، فدل على أنَّه ليس بمعناه، فأيُّ تباين أظهر من هذا، ولكن التقليد يُعْمي عن إدراك الحقائق، فإياك والإخلاد إلى أرضه.
ورأيت لأبي القاسم السهيلي كلامًا حسنًا في اشتقاق الصلاة، وهذا لفظه، قال: "معنى
(2)
اللفظة حيث تصرَّفت ترجع إلى الحُنُو والعَطْف، إلا أنّ
(3)
الحنو والعطف يكون محسوسًا ومعقولًا، فيُضاف إلى الله منه ما يليق بجلاله، ويُنفى عنه ما يتقدَّس عنه، كما أن العلو محسوس ومعقول، فالمحسوس منه صفات الأجسام، والمعقول منه صفة ذي الجلال والإكرام وهذا المعنى كثير موجود في الصفات،
(1)
سقطت من (ق).
(2)
(ظ ود): "معني الصلاة
…
".
(3)
(ق): "لا لأنَّ".
و"الكبير"
(1)
يكون صفة للمحسوسات، وصفة للمعقولات، وهو من أسماء الرب -تعالى-، وقد تقدس عن مشابهة الأجسام، ومضاهاة الأنام، فالمضاف
(2)
إليه من هذه المعاني معقولة غير محسوسة.
وإذا ثبت هذا فالصلاة -كما قلناه-، حنوّ وعطف، من قولك:"صليت" أي: حنيت [صَلَاك]
(3)
: وعطفته، فأخلِق بأن تكون الرحمة صلاة، كما
(4)
تُسمَّى عطفًا وحنوًّا، تقول:"اللهم اعطف علينا"، أي: ارحمنا، قال الشاعر
(5)
:
وَمَا زِلْتُ في لِيْني لَهُ وَتَعَطُّفي
…
عَلَيه كما تَحْنُو على الوَلَدِ الأُمُّ
ورحمة العباد: رقة في القلب، إذا وجدها الراحم من نفسه انعطفَ على المرحوم وانثنى عليه، ورحمة الله للعباد جود وفضل، فإذا صلى عليه فقد أفْضَل عليه وأنعَم.
وهذه الأفعال إذا كانت من الله، أو من العبد؛ فهي متعدية بعلى، مخصوصة بالخير، لا تخرج عنه إلى غيره، فقد رجعت كلها إلى معنى واحد، إلّا أنها في معنى الدعاء والرحمة صلاة معقولة، أي: انحناء معقول غير محسوس، ثمرته من العبد الدعاء؛ لأنَّه لا يقدر على أكثر منه، وثمرته من الله الإحسان والإنعام، فلم تختلف الصلاة
(1)
في الأصول: "الكثير"، والمثبت من "النتائج".
(2)
(ق ود): "فما يضاف"، وما ذكره السهيلي هنا فيه نظر؛ لأنَّ كون الصفة محسوسة أو غير محسوسة من الألفاظ المجملة التي لم ترد عن السلف، مثل لفظ (الجسم والحيز والجهة) فلابد من التفصيل فيها، فإن أُريد به المعنى الصحيح قُبِل وإن أُريد به المعني الباطل رُدَّ، انظر "منهاج السنة"(2/ 34 - 35).
(3)
(ق): "صلاتك" وهو خطأ، والمثبت من "النتائج".
(4)
من قوله: "قلناه حنو وعطف .... " إلى هنا سقط من (ظ ود) وهو انتقال نظر، والاستدراك من (ق) و"النتائج".
(5)
البيت لمعن بن أوس من قصيدة له، انظر:"زهر الآداب": (3/ 246) للحُصْري.