الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في معناها، إنّما اختلفت ثمرتها الصادرة عنها.
والصلاة التي هي الركوع والسجود انحناءٌ محسوس، فلم يختلف المعنى فيها إلّا من جهة المعقول والمحسوس، وليس ذلك باختلاف في الحقيقة، ولذلك تعدَّت كلُّها بعلى، واتفقت في اللفظ المشتق من الصلاة، ولم يَجُز "صلَّيتُ على العدوّ"، أي: دعوت عليه؛ فقد صار معنى الصلاة أرق
(1)
وأبلغ من معنى الرحمة، وإن كان راجعًا إليه، إذ ليس كل راحم ينحني على المرحوم، ولا ينعطف عليه من شدة الرحمة
(2)
.
فائدة
(3)
رأيت للسهيلي فصلًا حسنًا في اشتقاق الفعل من المصدر هذا لفظه، قال: "
فائدة اشتقاقِ الفعل من المصدر
؛ أنّ المصدر أسم كسائر الأسماء، يخبر عنه كما يخبر عتها، كقولك:"أعجبني خروج زيد"، فإذا ذكر المصدر وأخبر عنه كان الاسم الذي هو فاعل
(4)
له مجرورًا بالإضافة، والمضاف إليه تابع للمضاف.
فإذا أرادوا أن يخبروا عن الاسم الفاعل للمصدر، لم يكن الإخبار عنه وهو مخفوض تابع في اللفظ لغيره، وحق المخْبَر عنه أن يكون مرفوعًا مبدوءًا به، فلم يبق إلا أن يدخلوا عليه حرفًا يدل على أنَّه مُخبر عنه، كما تدل الحروف على معانٍ في الأسماء، وهذا لو فعلوه
(1)
(ق): "أدق".
(2)
"من شدة الرحمة" من (ق) و"النتائج".
(3)
"نتائج الفكر": (ص/ 67).
(4)
(ظ ود): "الفاعل". و (ق): "الَّذي فاعل" والمثبت من "النتائج".
لكان الحرف حاجرًا بينه وبين الحديث في اللفظ، والحَدّث يستحيل انفصاله عن فاعله، كما يستحيل انفصال الحركة عن محلها، فوجب أن يكون اللفظ غير منفصل؛ لأنَّه تابع للمعنى، فلم يبق إلا أن يُشتقَّ من لفظ الحديث لفظ يكون كالحرف في النيابة عنه، دالًّا على معنًى في غيره، ويكون متصلًا اتصال المضاف بالمضاف إليه، وهو الفعل المشتق من لفظ الحَدَث، فإنه يدل على الحديث بالتضمُّن، ويدل على [أنَّ]
(1)
الاسم مُخْبَر عنه لا مضاف إليه، إذ يستحيل إضافة لفظ الفعل إلى الاسم، كاستحالة إضافة الحرف؛ لأنّ المضاف هو الشيء بعينه، والفعل ليس هو الشيء بعينه، ولا يدل على معنًى في نفسه، وإنّما يدل على معنًى في الفاعل، وهو كونه مخبرًا عنه.
فإن قلت: كيف لا يدل
(2)
على معنى في نفسه، وهو يدل على الحدث؟.
قلنا: إنّما يدل على الحديث بالتضمُّن، والدال عليه بالمطابقة هو "الضَّرْب" و"القَتْل"، لا "ضَرَبَ" و"قَتَلَ"، ومن ثمَّ وجب أن لا يضاف، ولا يعرَّف بشيء من آلات التعريف؛ إذ التعريف يتعلق بالشيء بعينه، لا بلفظ يدل على معنى في غيره، ومن ثَمَّ وجب أن لا يثنَّى ولا يُجمع كالحرف، ومن ثَمَّ وجب أن يُبنى كالحرف، ومن ثَمَّ وجب أن يكون عاملًا في الاسم كالحرف، كما أنّ الحرف لما دل على معنًى في غيره؛ وجب أن يكون له آثر في لفظ ذلك الغير، كماله آثر في معناه، وإنّما أعرب المستقبل ذو الزوائد؛ لأنَّه تضمن معنى الاسم إذ "الهمزة" تدل على المتكلم، و"التاء" على المخاطب، و"الياء"
(1)
زيادة من "النتائج".
(2)
(ق): "كيف لا يكون دالًّا".
على الغائب، فلما تضمن بها معنى الاسم، ضارعه فأُعْرِب، كما أن الاسم إذا تضمَّن معنى الحرف بُني.
"وأما الماضى والأمر" فإنهما -وإن تضمنا معنى الحديث وهو اسم- فما شاركا فيه الحرف من الدلالة على معنى في غيره، وهي حقيقة الحرف، أوجب بناءهما، حتَّى إذا ضارع الفعل الاسم من وجه آخر، غير التضمن للحدث، خرج عن مضارعة الحرف، وكان أقرب شبهًا بالأسماء كما تقدم.
ولما قدمناه من دلالة الفعل على معنًى في الاسم -وهو كون الاسم مخبرًا عنه- وجب أن لا يخلو عن ذلك الاسم مضمرًّا أو مظهرًا بخلاف الحديث. فإنّك تذكره ولا تذكر الفاعل مضمرًا ولا مظهرًا نحو قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} [البلد: 14، 15] وقوله: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ} [الأنبياء: 73] والفعل لابد من ذكر الفاعل بعده، كما لابد بعد الحرف من الاسم.
فإذا ثبت المعنى في اشتقاق الفعل من المصدر، وهو كونه دالًّا على معنى في الاسم؛ فلا يحتاج من الأفعال الثلاثة إلا إلى صيغة واحدة، وتلك الصيغة هي لفظ الماضي؛ لأنَّه أخف وأشبه بلفظ الحديث، إلا أن تقوم الدلالة على اختلاف أحوال المحدث
(1)
، فتختلف صيغة الفعل.
ألا ترى كيف لم
(2)
تختلف صيغته بعد "ما" الظرفية من قولهم: "لا أفعله ما لاح برق، وما طار طائر"؛ لأنهم يريدون الحديث مخبرًا
(1)
في "النتائج": (ص / 69): "الحدث".
(2)
سقطت من (ظ ود).
عنه
(1)
على الإطلاق، من غير تعرُّضٍ لزمن ولا حال من أحوال الحديث، فاقتصروا على صيغة واحدة، وهي أخف أبنية الفعل.
وكذلك فعلوا بعد التسوية نحو قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرَهُمْ} [البقرة: 6] وقوله: {أَدْعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)} [الأعراف: 193]؛ لأنَّه أراد التسوية بين الدعاء والصمت على الإطلاق، من غير تقييد بوقت ولا حال، فلذلك لم يحتج إلّا إلى صيغة واحدة وهي صيغة الماضي، كما سبق.
فالحَدّث إذا على ثلاثة أَضْرُب:
* ضرب يحتاج إلى الإخبار
(2)
عن فاعله، وإلى اختلاف أحوال الحديث، فَيُشْتَقُّ منه الفعل، دلالةً على كون الفاعل مخبرًا عنه، وتختلف أبنية دلالته
(3)
على اختلاف أحوال الحدث.
* وضرب يحتاج إلى
(4)
الإخبار عن فاعله على الإطلاق، من غير تقييد بوقت ولا حال، فَيُشْتَقُّ منه الفعل، ولا تختلف أبنيته نحو ما ذكرناه من الفعل الواقع بعد التسوية، وبعد "ما" الظرفية.
* وضرب لا يحتاج إلى الإخبار عن فاعله، بل يحتاج إلى ذكره خاصة على الإطلاق، مضافًا إلى ما بعده، نحو:"سبحان الله".
و"سبحان"
(5)
اسمٌ ينبئ عن العظمة والتنزيه، فوقع القصد إلى ذكره مجردًا من التقييدات بالزمان، أو بالأحوال، ولذلك وجب
(1)
في "النتائج: "به".
(2)
(ق): "الخبر".
(3)
(د): "استدلالته"!.
(4)
(ق): "وضرب ما يحتاج إلا
…
".
(5)
(ق): "فإن سبحان الله"، و"النتائج":"فإن سبحان".
نصبه كما يجب نصب كلّ مقصودٍ إليه بالذكر، نحو: إياك، وويلَه
(1)
، وويحَه، وهما مصدران لم يُشتق منهما فعل، حيث لم يحتج إلى الإخبار عن فاعلهما، ولا احتيج إلى تخصيصهما بزمن، فحكمهما حكم "سبحان"، ونصبهما كنصبه؛ لأنَّه مقصود إليه.
ومما انتصب لأنَّه مقصودٌ إليه بالذكر: "زيدًا ضربته"، في قول شيخنا أبي [الحسين]
(2)
وغيره من النحويين، وكذلك "زيدًا ضربہت"، بلا ضمير، لا نجعله مفعولًا مقدَّمًا؛ لأنَّ المعمول لا يتقدم على عامله، وهو مذهب قوي. ولكن لا يبعد عندي قول النحويين: إنه مفعول مقدّم، وإن كان المعمول لا يتقدَّم على العامل، والفعل كالحرف؛ لأنَّه عامل في الاسم، ودالٌّ
(3)
على معنى فيه، فلا ينبغي للاسم أن يتقدَّم على الفعل، كما لا يتقدم على الحرف، ولكن الفعل في قولك:"زيدًا ضربت" قد أخذ معمولَه، وهو الفاعل، فمعتمده عليه ومن أجله صِيْغ، وأما المفعول؛ فلم يبالوا به، إذ ليس اعتماد الفعل عليه كاعتماده على الفاعل، ألا ترى أنَّه يُحْذف والفاعل لا يُحذف؟ فليس تقديمه على الفعل العامل فيه بأبعد من حذفه، وأما "زيدًا ضربته"؛ فينتصب بالقصد إليه كما قال الشيخ.
وهذا الفصل مران أعجب كلامه، ولم أعرف أحدًا من النحويين سبقه إليه.
(1)
سقطت من (د).
(2)
في الأصول: الحسن"! والتصويب من "النتائج" ومصادر الترجمة.
وهو: أبو الحسين سليمان بن محمد بن عبد الله المعروف بابن الطراوة. ت (528)، وكان من النحاة المعدودين.
انظر: "إنباه الرواة": (4/ 107)، و"إشارة التعيين":(ص/ 135).
(3)
(ظ ود): "وذاك"!.
فائدة
(1)
قولهم للضرب ونجوه: مصدر؛ إن أريد بحروف (مصدر)، مصدر: صَدَر يَصْدر مَصَدرًا
(2)
؛ فهو يقوِّي قول الكوفيين: إن المصدر صادر عن الفعل مشتقٌّ منه، والفعل أصله، وأصله على هذا:"صادر"، ولكن توسَّعوا فيه كـ "صوم وزَوْر" وعلل في صائم وبابه.
وقال السُّهيلي: هو علي جهة المكان استعارة، كأنه الموضع الَّذي صدرت عنه الأفعال، والأصل الَّذي نشأت منه
(3)
.
قلتُ: وكأنه يعني مصدور
(4)
عنه لا صادر عن غيره.
قال: ولابد من المجاز على القولين؛ فالكوفي يحتاج أن يقول: الأصل صادر، فإذا قيل:"مصدر" قدر فيه حذف، أي ذو مصدر كما يقدر في "صوم" وبابه، ونحن نسميه مصدرًا استعارة من المصدر الَّذي هو المكان.
فائدة
(5)
أصل الحروف أن تكون عاملة؛ لأنَّها ليس لها معانٍ في أنفسها، وإنّما معانيها في غيرها، وأما الَّذي معناه في نفسه
(6)
، وهو الاسم، فأصله أن لا يعمل في غيره، وإنّما وجب أن يعمل الحرف في كلِّ
(1)
انظر: "نتائج الفكر": (ص / 72 - 73).
(2)
(ق): "مصدر يصدر صدرًا"!.
(3)
"النتائج": (عنه).
(4)
(د): "مصدر"، (ق):"مصدرًا عنه لا صادرًا".
(5)
"نتائج الفكر": (ص / 74).
(6)
(ظ ود): "غيره" وهو خطأ، ثم صوَّبت في (د).
ما دل على معنى فيه؛ لأنَّه اقتضاه معنى، فيقتضيه عملًا؛ لأنَّ الألفاظ تابعة للمعاني، فكما تشبَّث الحرف بما
(1)
داخلي عليه معنًي وجب أن يتشبث به لفظًا، وذلك هو العمل.
فأصل الحرف أن يكون عاملًا، فنسأل عن غير العامل، فنذكر الحروف التي لم تعمل، وسبب سلبها العمل.
فمنها: "هل"، فإنها تدخل على جملة قد عمل بعضها في بعض، وسبق إليها عمل الابتداء أو الفاعلية، فدخلت المعنى في الجملة، لا لمعنى في اسم مفرد، فاكتفى بالعامل
(2)
السابق قبل هذا الحرف، وهو الابتداءُ ونحوه.
وكذلك "الهمزة" نحو: "أعمرو خارج" فإن الحرف دخل لمعنًى في الجملة، ولا يمكن الوقوف عليه، ولا يتوهم انقطاع الجملة عنه؛ لأنَّه حرف مفرد لا يوقَفُ عليه، ولو تُوُهِّم ذلك فيه، لعمل في الجملة، ليؤكدوا بظهور أثرِه فيها تعلُّقَه بها ودخوله عليها واقتضاءَه لها، كما فعلوا في "إنّ" وأخواتها، حيث كانت كلمات من ثلاثة أحرف فصاعدًا، يجوز الوقف عليها، كـ "إنه وليته ولعله"، فأعملوها في الجملة إظهارًا لارتباطها وشدة تعلقها بالحديث الواقع بعدها، وربما أرادوا توكيد تعلق الحرف بالجملة، إذا
(3)
كان مؤلَّفًا من حرفين، نحو:"هل"، فربما توهم
(4)
الوقف عليه، أو خيف ذهول السامع عنه، فأُدْخل في الجملة حرفٌ زائد ينبه السامع عليه، وقام ذلك الحرف
(1)
(ظ ود): "عما"، والمثبت من (ق).
(2)
(ظ ود): "بالعمل" والمثبت من (ق) و"النتائج".
(3)
(ظ ود): "إذ".
(4)
(ق): "وهم".
مقام العمل، نحو:"هل زيد بذاهب"، و"ما زيد بقائم"، فإذا سمع المخاطب "الباء" وهي لا تدخل في الثبوت، تأكد عنده ذكر النفي والاستفهام، وأنَّ الجملة غير منفصلة [عنه]
(1)
، ولذلك أعمل أهل الحجاز "ما" النافية [لتشبُّثِها]
(2)
بالجملة.
ومن العرب من اكتفى في ذلك التعلق وتأكيده بإدخال "الباء" في الخبر؛ ورآها نائبة
(3)
في التأثير عن العمل، الذي هو النصب.
وإنما اختلفوا في "ما"، ولم يختلفوا في "هل"؛ لمشاركة "ما" لـ "ليس" في النفي، فحين أرادوا أن يكون لها أثر في الجملة، يؤكَد [تشبئها]
(4)
بها، جعلوا ذلك الأثر كأثر "ليس"، وهو النصب، والعمل في باب "ليس" أقوى؛ لأنها كلمة، كـ "ليت" و"لعل" و"كأنّ"، والوهم إلى انفصال الجملة عنها أسرع منه إلى توهُّم انفصال الجملة عن "ما" و"هل". فلم يكن بدّ من إعمال "ليس" وإبطال معنى الابتداء السابق. ولذلك إذا قلت:"ما أريد إلا قائم"، لم يعملها أحد منهم؛ لأنه لا يتوهم انقطاع "زيد" على "ما"؛ لأن "إلا" لا تكون إيجابًا إلا بعد نفي، فلم يتوهم انفصال الجملة عن "ما"، ولذلك لم يُعْمِلوها عند تقديم الخبر، نحو:"ما قائم زيد"، إذ ليس من رقبة النكرة أن يكون مبدوءًا بها مخبرًا عنها إلا مع الاعتماد على ما قبلها، فلم يتوهم المخاطب انقطاع الجملة عن "ما" قبلها، لهذا السبب فلم يحتج إلى إعمالها وإظهارها، وبقي الحديث كما كان قبل دخولها، مستغنيًا عن تأثيرها فيه.
(1)
في الأصول: "عنده"، والتصويب من "النتائج".
(2)
في الأصول: "لشبهها" والتصويب من "النتائج".
(3)
(ظ ود): "ثابتة" و (ق) محتملة، والمثبت من "النتائج".
(4)
تحرفت في (ق وظ): والمثبت من (د) و"النتائج".
وأما حرف "لا"؛ فإن كان عاطفًا فحكمه حكم حروف العطف، ولا شيء منها عامل، وإن لم تكن عاطفة نحو:"لا زيد قائم ولا عَمرو"، فلا حاجة إلى إعمالها في الجملة؛ لأنه لا يتوهم انفصال الجملة بقوله:"ولا عمرو"؛ لأن الواو مع "لا" الثانية تشعر بالأولى لا محالة، وتربط الكلام بها؛ فلم يحتج إلى إعمالها، وبقيت الجملة عاملًا فيها الابتداء، كما كانت قبل دخول "لا".
فإن (ق 12/ ب)، قلت: فلو لم تعطف، وقلتَ:"لا زيد قائم"؟.
قلتُ: هذا لا يجوز؛ لأن "لا" يُنفى بها في أكثر الكلام ما قبلها، تقول:"هل قام زيد"؟ فيقال: لا. وقال سبحانه: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} [القيامة: 1] وليست نفيًا لما بعدها هنا، بخلاف ما
(1)
لو قيل: "ما أقسم" فإنّ "ما" لا
(2)
تكون أبدًا إن نفيًا لما بعدها، فلذلك قالوا:"ما زيد قائم"، ولم يخشوا
(3)
توهم انقطاع الجملة عنها، ولو قالوا؟ "لا زيد قائم"، لخيف أن يتوهم أن الجملة موجبة، وأن "لا" كـ "هي" أني (لا أقسم)؛ إلا أن تعطف فتقول:"لا زيد في الدار ولا عَمرو" وكذلك] في النكرات، نحو:{لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] إن أنهم في النكرات قد أدخلوها على المبتدإ والخبر تشبيها لها بـ "ليس"؛ لأنّ النكرة أبعد في باب
(4)
الابتداء من المعرفة، والمعرفة أشد استبدادًا بأول الكلام.
وأما التي للتبرِئَة؛ فللنحويين فيها اختلاف، أهي عاملة أم لا؟ فإن كانت عاملة فكما أعملوا "إِن" حرصًا على إظهار تشبُّثها بالحديث.
(1)
سقطت من (ق).
(2)
سقطت من (ق).
(3)
(ق): "يجتنبوا".
(4)
من (ق) وما بين المعكوفات قبلها من "النتائج".
وإن كانت غير عاملة -كما ذهب إليه سيبويه
(1)
-، والاسم بعدها مركب معها مبني على الفتح، فليس الكلام فيه.
وأما حرف النداء؛ فعامل في المنادى عند بعضهم، قال
(2)
: "والذي يظهر لي الآن أن النداء
(3)
تصويت بالمنادى نحو "ها" ونحو "يا"
(4)
، وأن المنادى منصوب بالقصد إليه وإلى ذكره، كما تقدم من قولنا في كل مقصود إلى ذكره مجردًا عن الإخبار عنه: إنه منصوب. ويدلك على أن حرف النداء ليس بعامل وجود العمل في الاسم دونه، نحو:"صاحب زيد أقبل"، و {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف: 29] وإن كان مبنيًّا عندهم فإنه بناء كالعمل. ألا تراه ينعت على اللفظ كما ينعت المعرب؟ ولو كان حرف النداء عاملًا لما جاز حذفه وإبقاء عمله.
فإن قلت: فلِمَ عملت النواصب والجوازم في المضارع؟ والفعلُ بعدها جملة قد عمل بعضه في بعض، ثم إن المضارع قبل دخول العامل عليه كان مرفوعًا، ورفعه بعامِل، وهو وقوعه موقع الاسم، فهلَاّ مَنع هذا العامل هذه الحروف من العمل، كما منع الابتداء الحروف الداخلةَ على الجملة من العمل؛ إِلَّا أن يُخشى انقطاع الجملة، كما خِيف في "إِن" وأخواتها.
فالجواب من وجهين:
أحدهما: أَن العامل في المبتدأ
(5)
-وإن كان معنويًا-
(1)
انظر: "الكتاب"(1/ 145). والكلام في مختلف عما هنا، فإن "لا" تعمل عنْدَه.
(2)
القائل هو: السُّهيلي فيِ "نتائج الفكر": (ص/ 77).
(3)
في "النتائج": "أن يا".
(4)
(د): "ونحوها".
(5)
(ق): "الابتداء".
كما أَنَّ الرَّافع للفعل المضارع معنوي، ولكنه أقوى منه؛ لأنَّ حقَّ كلِّ مُخبر عنه أن يكون مرفوعًا لفظًا وحسًّا، كما أنه مرفوع معنى وعقلًا، ولذلك استحق الفاعلُ الرفعَ دون المفعول؛ لأنّه المحْدَث عنه الفعل
(1)
، فهو أرفع رتبة في المعنى، فوجب أن يكون [في]
(2)
اللفظ كذلك، لأنه تابع للمعنى. وأما رفع الفعل المضارع فلوقوعه موقع الاسم المخبر عنه
(3)
والاسم التابع له، فلم يَقْوَ قوَّته في استحقاق الرفع، فلم يمنع شيئًا من الحروف اللفظية عن العمل؛ إذ اللفظي أقوى من المعنوي، وامتنع ذلك في بعض الأسماء المبتدأة لضعف الحروف وقوة
(4)
العامل السابق للمبتدأ.
الجواب الثاني: أن هذه الحروف لم تدخل لمعنى في الجملة، إنّما دخلت لمعنى
(5)
في الفعل المتضمِّن للحديث من نفى أو إمكان
(6)
أو نهي أو جزاءٍ أو غيره، وذلك كله يتعلق بالفعل خاصة لا بالجملة، فوجب عملها فيها كما وجب عمل حروف الجر في الأسماء، من حيث دلت على معنى فيها، ولم تكن داخلة على جملة قد سبق إليها عامل معنوي ولا لفظي.
ومما ينبغي أن يُعْلَمْ أن النواصب والجوازم لا تدخل على الفعل الواقع موقع الاسم، لحصوله في موضع الأسماء، فلا سبيل
(1)
في الأصول: "بالفعل"، والتصويب من "النتائج".
(2)
زيادة من "النتائج".
(3)
كذا في الأصول و"النتائج"! والصواب: "به".
(4)
(ظ ود): "وقلّة"!.
(5)
"الجملة، إنما دخلت لمعنى في" سقطت من (د).
(6)
(ظ ود): "إنكار".
لنواصب الأفعال وجوازمها أن تدخل على الأسماء ولا على
(1)
ما هو واقع موقعها. فهي إذا دخلت على الفعل؛ خلَّصته للاستقبال، ونفت عنه معني الحال، وهذ: معنًى يختصُّ بالفعل لا بالجملة.
وأما "إلا" في الاستثناء؛ فقد زعم بعضهم أنها عاملة، ونقض ذلك عليه
(2)
بقولهم: "ما قام أحد إلا زيد"، و"ما جاءني إلا عَمرو"، والصحيح أنها موصلة الفعل إلى العمل في الاسم بعدها، كتوصيل واو المفعول معه الفعلَ إلى العمل فيما بعدها، وليس هذا يكسر الأصلَ الذي قدمناه، وهو: استحقاق جميع الحروف العمل فيما دخلت عليه من الأسماء المفردة والأفعال! لأنها إذَا كانت موصلة للفعل، والفعل عامل، فكأنها هي العاملة. فإذا قلت:"ما قام إلا زيد"، وقد أعملت الفعل على معنى الإيجاب، كما لو قلت:"قام زيد لا عَمرو"، وقامت "لا" مقام نفي الفعل عن عَمرو، فكذلك
(3)
قامت "إلا" مقام إيجاب الفعل لزيد، إذا قلت:"ما جاءني إلا زيد"، فكأنها هي العاملة، فاستغنوا عن إعمالها عملًا آخر.
وكذلك حروف العطف، وإن لم تكن عوامل، فإنما جاءت "الواو" الجامعة منها لتجمع بين الاسمين في الإخبار عنهما بالفعل. فقد أوصلت الفعل إلى العمل في الثاني، وسائر حروف العطف يتقدَّرْ بعدها العامل، فتكون: في حكم الحروف الداخلةَ على الجمل. وإذا قلت: "قام زيد وعَمرو"، فكأنك قلت: "قام زيد
(4)
وقام عَمرو"،
(1)
من (ق).
(2)
من (ق).
(3)
(ظ ود): "فلذلك ".
(4)
"وعمرو، فكأنك قلت: قام زيد" سقطت من (ق).
فصارت هذه الحروف كالداخلة على الجمل، فقد تقدَّم في الحروف الداخلة على الجمل، أنها لا تستحق من العمل فيها ما تستحق الحروف الداخلة على الأسماء المفردة والأفعال.
ونقيس على ما تقدم "لامَ" التوكيد وتركَهم إعمالَها في الجملة، مع أنها لا تدخل لمعنى في الجملة فقط، بل لتربط ما قبلها من القَسَم بما بعدها. هذا هو الأصل فيها، حتى إنهم ليذكرونها دون القسم، فتشعر عند المخاطب باليمين
(1)
كقوله:
إني لأمْنحُكِ الصدودَ وإنني
…
قَسَمًا إليكِ مع الصُّدودِ لأمْيَلُ
(2)
لأنه حين قال: "لأمنحك"، علم أنه قد أَقسم، فلذلك قال:"قسمًا".
وهذا الأصل محيط بجميع أصول إعمال الحروف وغيرها من العوامل، وكاشف عن أسرار العمل للأفعال وغيرها من الحروف في الأسماء، ومَنْبَهَةٌ على سر امتناع الأسماء، أن تكون عاملة في غيرها" هذا لفظ السهيلي، والله أعلم.
فائدة
(3)
اختص الإعراب بالأواخر؛ لأنه دليل على المعاني اللاحقة للمعْرَب، وتلك المعاني لا تلحقه إلا بعد تحصيله وحصول العلم بحقيقته، فوجب أن يترتَّب (ق/ 13 ب) الإعراب بعده كما ترتب مدلوله
(1)
(ظ ود): "بالنهي" وهو خطأ.
(2)
وقع في النسخ بعض التحريف في البيت.
وهو للأحوص بن محمَّد الأنصاري من قصيدة له، وهو من شواهد في "الكتاب" (1/ 190) وانظر "الخزانة":(2/ 48).
(3)
"نتائج الفِكْر": (ص/ 82).
الذي هو الوصف في المعْرَب.
فائدة
(1)
قولهم: "حرف متحرك" و"تحركت الواو"، ونحو ذلك؛ تساهل منهم، فإن الحركة عبارة عن انتقال الجسم من حيِّز إلى حيِّز، والحرف جزء من الصوت، ومحالٌ أن تقوم الحركة بالحرف؛ لأنه عَرض، والحركة لا (ظ/ 11 أ)، تقوم بالعرض، وإنما المتحرك في الحقيقة هو العضو من الشفتين، أو اللسان، أو الحَنك الذي يخرج منه الحرف.
فالضمة عبارة عن: تحريك الشفتين بالضمِّ عند النطق. فيحدث مع ذلك صُوَيت خفيّ مقارن للحرف، إن امتد كان "واوًا"، وإن قصر كان "ضمة".
وكذلك الفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف، وحدوث الصوت الخفي، الذي يسمى: فتحة أو نصبة، وإن مدت كانت ألفًا، وإن قصرت: فهي فتحة، وكذلك القول في الكسرة.
والسكون عبارة عن: خلوِّ العضو من الحركات عند النطق بالحرف، فلا يحدث بعد الحرف صوت فيجزم عند ذلك، أي: ينقطع، فلذلك سُمي: جزمًا؛ اعتبارًا بانجزام الصوت، وهو انقطاعه. وسكونًا؛ اعتبارًا بالعضو الساكن.
فقولهم: "فتح، وضم، وكسر"، هو من صفة العضو، وإذا سميت ذلك:"رفعًا ونصبًا وجزمًا وجرًا" فهي من صفة الصوت؛ لأنه يرتفع عند ضمّ الشفتين، وينتصب عند فتحهما، وينخفض عند كسرهما،
(1)
المصدر نفسه: (ص/ 83).
وينجزم عند سكونهما.
ولهذا عبروا عنه: بـ "الرفع والنصب والجر" عن حركات الإعراب، إذ الإعراب
(1)
لا يكون إلا بعامل وسبب، كما أن هذه الصفات التي تضاف إلى الصوت، مِنْ رفع ونصب وخفض إنما تكون بسبب، وهو حركة العضو، واقتضت الحكمة [اللطيفة]
(2)
أن يُعبّر بما يكون عن سبب عما يكون [لسبب]
(3)
، وهو الإعراب، وأن يعبر:"بالفتح والضم والكسر والسكون" عن أحوال البناء، فإن البناء لا يكون بسبب، وأعني بالسبب: العامل. فاقتضت الحكمة أن يعبَّر عن تلك الأحوال بما يكون وجوده بغير آلة
(4)
؛ إذ الحركات الموجودة في العضو لا تكون إلا
(5)
بآلة، كما تكون الصفات المضافة إلى الصوت
(6)
.
وعندي
(7)
أن هذا ليس باستدراك على النحاة، فإن الحرفَ وإن كان عَرضًا فقد يوصف بالحركة، تبعًا لحركة محلِّه، فإن الأعراض وإن لم تتحرك بأنفسها؛ فهي تتحرك بحركة محالّها، وعلى هذا فقد اندفع الإشكال جملة.
(1)
"إذ الإعراب" سقطت من (د).
(2)
في الأصول: "اللفظة"، والمثبت من "النتائج".
(3)
في الأصول: "عن سبب" والمثبت من "النتائج".
(4)
(ظ): "بما كون وجوده لغير آلة".
(5)
كذا في جميع النسخ و"النتائج". واستظهر محققه أن المعنى لا يستقيم إلا بحذف "إلا".
(6)
(ظ ود): "الموصوف"!.
(7)
الكلام لابن القُيم رحمه الله.
وأما المناسبة التي ذكرها في اختصاص الألقاب؛ فحَسَنة، غير أن كثيرًا من النحاة يطلقون كلًّا منها على الآخر، ولهذا يقولون في "قام زيد": مرفوع علامة رفعه ضمة آخره، ولا يقولون: رفعة آخره، فدل على إطلاق كل منهما على الآخر.
فائدة
(1)
تقول: "نوَّنت الكلمة" ألحقتُ بها نونًا، و"سيَّنْتُها" ألحقت بها سينًا، و"كَوَّفتها" ألحقت بها كافًا، فإن ألحقت بها زايًا قلت:"زوَّيْتُها"؛ لأنَّ ألف الزاي منقلبة عن واو؛ لأن باب "طويت" أكثر من
(2)
باب "حوة وقوة". وقال بعضهم: "زيَّيتها" وليس بشيء.
فائدة
(3)
التنوين فائدته التفرقة بين فصل الكلمة ووصلها، فلا يدخل في الاسم إلا علامة على انفصاله (ق/ 14 أ)، عما بعده. ولهذا كَثُر في النكرات؛ لِفَرْط احتياجها إلى التخصيص بالإضافة، فإذا لم تضَف احتاجت إلى التنوين تنبيهًا على أنها غير مضافة، ولا تكاد المعارف تحتاج إلى ذلك، إلا فيما قلّ من الكلام؛ لاستغنائها في الأكثر عن زيادة تخصيصها. وما لا يتصوّر فيه الإضافة بحال، كالمضمر والمبهم لا ينون بحال، وكذلك المعرف باللام، وهذه علة عدم التنوين وقفًا، إن الموقوف عليه لا يضاف.
واختصت النون الساكنة بالدلالة على هذا المعنى؛ لأنَّ الأصل
(1)
"نتائج الفكر": (ص/ 86). وانظر "الخصائص": (3/ 278).
(2)
(د): "و"!.
(3)
"نتائج الفكر". (ص/ 87).
في الدلالة على المعاني الطارئة على الأسماء أن تكون بحروف المد واللين وأبعاضها، وهي الحركات الثلاث، فمتى قدر عليها؛ فهي الأصل، فإن تعذرت
(1)
فأقرب شبهًا بها، وآخر الأسماء المعربة قد لحقتها حركات الإعراب، فلم يبقَ لدخول حركة أخرى عليها سبيل، ولا لحروف المدّ واللِّين؛ لأنّها مُشْبَعة
(2)
من تلك الحركات؛ ولأنها عرضة الإعلال
(3)
والتغير. فأشبه شيء بها: النون الساكنة؛ لخفائها وسكونها، وأنها من حروف الزيادة، وأنها من علامات الإعراب. ولهذه العلة لا يُنوّن الفعل؛ لاتصاله بفاعله، واحتياجه إلى ما بعده.
فائدة
(4)
جُعِلت علامة التصغير: ضم أوله وفتح ثانيه وياء ثالثة
(5)
.
وحكمةُ ذلك -والله أعلم- ما أشار إليه السُّهيلي: فقال: "التصغير: تقليل أجزاء المصغَّر، والجمع: مقابله، وقد زِيْد في الجمع ألفٌ ثالثة كـ "فعالل"، فزيد في مقابلته ياء ثالثة، ولم تكن آخرًا كعلامة التأنيث، لأن الزيادة في اللفظ على حسب الزيادة في المعنى، والصفة التي هي صغر الجسم لا تختص بجزء (ظ/ 11 ب) منه دون جزء، بخلاف صفة التأنيث؛ فإنها مختصة في جميع الحيوانات بطرف يقع به الفرق بين الذكر والأنثى، فكانت العلامة في اللفظ المنبئة عن معنى المناسبة طرفًا في اللفظ، بخلاف الياء في التصغير، فإنها منبئة عن صفة واقعة
(1)
(ظ ود): "تعددت"!.
(2)
(ق): "مشتقة"!.
(3)
(ق): "الإعمال"!.
(4)
"نتائج الفكر": (ص/ 89).
(5)
"وياء ثالثة" ليست في (ظ ود).
على جملة المصغر، وكانت "ياء" لا "ألفًا"؛ لأن الألف قد اختصت بجمع [التكثير]
(1)
، وكانت به أولى، كما كانت الفتحة التي هي أُختها بذلك أولى؛ لأن الفتح يُنبئ عن الكثرة، ويُشار به إلى السَّعَة، كما تجد الأخرس والأعجم -بطبعه- إذا أخبر عن شيءٍ كثير، فتح شفتيه، وباعَدَ ما بين يديه، وإذا كان الفتح يُنبئ عن الكثرة والسعة
(2)
، والضم الذي هو ضده
(3)
يُنبئ عن القلة والحقارة، كما تجد المقلِّل للشيء يُشير إليه بضم فم أو يد، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر ساعةَ الجمعة، وأشار بيده يقللها
(4)
، فإنه جمع أصابِعَه وضمَّها ولم يفتحها
(5)
.
وأما الواو، فلا معنى لها في التصغير لوجهين:
أحدهما: دخولها في ضَرْبٍ من الجموع، نحو "الفعول"
(6)
، فلم يكونوا يجعلونها علامة في التصغير، فيلتبس التقليل بالتكثير.
والثاني: أنّه لابد من كسر ما بعد علامة التصغير، إذا لم يكن حرف إعراب كما كسر ما بعد علامة [التكثير]
(7)
في "مَفَاعِل"، ليتقابل اللفظان، (ق/ 14 ب) وإن تضادَّا، كما قابلوا "عَلِم" بـ "جَهِل"، أو "رَوِي" بـ "عَطِش"، و"وَضيع": فهو "وضيع" بـ "شَرُف" فهو "شريف"، فلم
(1)
في الأصول: "التذكير" والمثبت من "النتائج".
(2)
(ظ ود): "على السعة".
(3)
(ظ ود): "صدره"!.
(4)
أخرجه البخاري رقم (935) ومسلم رقم (852) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
جاءت صفة التقليل في "البخاري" رقم (5294) من طريق سلمة بن علقمة، وفيه:"وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخِنصر. قلنا: يُزَهِّدها" اهـ.
(6)
(ظ ود): "المجموع نحو المفعول".
(7)
في الأصول: "التكسير" والمثبت من "النتائج".
يمكن إدخال الواو لئلا يخرجوا منها إلى كسره، وامتنعت
(1)
"الألف" لأجل أصل الجمع لها، تعيّنت الياء وفتح ما قبلها لأجل ضم أول الكلمة، لئلّا يخرج من ضمٍّ إلى كسر.
فائدة
(2)
الأفعال: واجب وممكن ومنتف أو في حكمه، فالرفع للواجب، والنصب للممكن، والجزم -الذي هو عدم الحركة- للمنفي، أو ما في حكمه، هذا هو الأصل. وقد يخالف، وإن شئت قلت: الأفعال ثلاثة أقسام: وأقع موقع الاسم؛ فله الرفع نحو: "هل تضرب"، واقعٌ موقع "ضارب". وفعل في تأويل الاسم، فله النصب نحو:"أريد أن تقوم"، أي:"قيامك". وفعلٌ لا واقع موقع اسم ولا في تأويله، فله الجزم، نحو:"لم يقم".
فائدة
(3)
إنما أضيفت ظروف الزمان، إلى الأحداث الواقعة فيها، نحو "يوم يقوم زيد"؛ لأنها أوقات لها وواقعة فيها، فهي لاختصاصها بها أُضيفت
(4)
إليها، وهذا بخلاف ظروف المكان؛ لأنها لا تختص بتلك الأحداث. فإن اختصت غالبًا حَسُنَت الإضافة، نحو:"هذا مكان يجلس القاضي"، ويكون بمنزلة:"يوم يجلس القاضي" سواء. وربما أضيفت (أسماء الزمان) إلى أحداثٍ لا تقع فيها لاتصالها بها، كقوله
(1)
تحرفت في (ظ ود).
(2)
"نتائج الفكر": (ص/ 91).
(3)
"المصدر نفسه" ت (ص/ 93 - 97).
(4)
(ظ ود): "أضيف".
تعالى: {لَيْلَةَ الصِّيَامِ} [البقرة: 187] فالليلة من ظروف الزمان، وقد أضيفت إلى الصيام، وليس بواقع فيها، فلما جاز في بعض الكلام أن يضاف الظرف إلى الاسم الذي هو الحدث -وإن لم يكن واقعًا فيه- أضافوه إلى الفعل لفظًا، وهو مضاف إلى الحدث معنًى، وأقحم لفظ الفعل إحرازًا
(1)
للمعنى، وتخصيصًا
(2)
للغرض، ورفعًا لشوائب الاحتمال، حتى إذا سمع المخاطب قولك:"يوم قام زيد"، علم أنك تريد: اليوم الذي قام فيه زيد، ولو قلت مكان قولك:"ليلةَ الصيام": "ليلةَ صيام زيد" ما كان له معنًى إلاّ وقوع الصيام في الليل، فهذا
(3)
الذي حملهم على إقحام لفظ الفعل عند إرادتهم إضافة الظروف إلى الأحداث، وقِسْ على ذلك المبتدأ والخبر.
وأما "ريث" فبمنزلة الظرف وقد صارت في معناه، وكذلك:"حيث" و"ذي تَسْلم" لأن
(4)
المعنى في قول بعضهم: "اذهب بوقت ذي تَسْلم"
(5)
، أي: سلامتك، فلمَّا حذفت المنعوتَ، وأقمت النعت مقامه، أضفته أبي ما كنت تضيف إليه المنعوت وهو الوقت.
قال السُّهيلي: وهو عندي على الحكاية حكوا قول الداعي "تسلم"
(6)
كما تقول
(7)
: "تعيش وتبقى"، فقولهم: "اذهب بذي
(1)
(ظ ود): "إقرارًا".!
(2)
كذا في الأصول، وفي:"النتائج": "وتحصينًا".
(3)
(ظ ود): "فهو"!.
(4)
(ظ ف د): "أن"!.
(5)
(ق): "اذهب بذي تَسْلم" و (ظ ود): "اذهب لوقت
…
".
(6)
تكررت في (د) وهو: متَّجِه.
(7)
من (ق) و"النتائج".
تسلم"، أي: اذهب بهذا القول مني، ولم يقولوا: اذهب بتسلم؛ لئلا يكون اقتصارًا على دعوة واحدة، ولكن قالوا: بذي تسلم، أي: يقول يقال فيه: "تسلم"، يريدون هذا المعنى، وحذفوا القول المنعوت بذي؛ اكتفاءً بدلالة الحال عليه.
وأما قوله:
* بآيةِ ما يحبُّون الطَّعَاما
(1)
*
فالآية هي: العلامة، وهي ها هنا بمعنى الوقت؛ لأن الوقت علامة للمؤقت.
والذي يجوز إضافته من ظروف الزَّمان إلى الفعل؛ ما كان منها منفردًا متمكِّنًا، جاز إضافته إليها، وما كان مثنى كـ "يومين" ونحوه لم يضف إليها؛ لأنَّ الحدث إنَّما يقع مضافًا لظرفه الذي هو وقت له؛ فلا معنى لِذكر وقتٍ آخر.
وأيضًا: فالجملة المضاف إليها نعت للظرف في المعنى، فقولك "يوم قام زيد"، كقولك:"يوم قام زيدٌ فيه" في المعنى، والفعل لا يدخله التثنية؛ فلا يصح أن يضاف إليه الاثنان، كما لا يصح أن يُنعت الاثنان بالواحد.
ووجه ثالث: وهو أن قولك: "قام زيدٌ يومَ قام عَمْرو"
(2)
، لم
(1)
عجز بيت ليزيد بن عَمرو الكِلابي، وصدره:
* ألا من مُبْلغ عني تميمًا *
انظر "الكتاب": (1/ 460)، و"الخزانة":(6/ 518).
(2)
بالأصول: "
…
يومًا
…
" واختلفت نسخ "النتائج" في العبارة، واستظهر المحقق ما هو مثبت.
يصح، إلا أن يكون جوابًا. لـ "متى"، واليومان جواب لـ "كم"، وما هو جواب لـ "كم" لا يكون جوابًا لـ "متى" أصلًا، فإن أضفتَ اليومين إلى الفعل، صرتَ مناقضًا لجمعك بين الكمية وبين ما لا يكون إلا لـ "متى".
وأما "الأيام"، فربما جاء
(1)
إضافتها مجموعة إلى الفعل؛ لأنها قد يُراد بها معنى الفرد
(2)
كالشهر، والأسبوع، والحول، وغيره، وكذلك غير المتمكن، كـ "قبل وبعد"، لا يضاف إلى الفعل، لأنك لو أضفتها إليه لاقتضت إضافتها إليه ما يقتضيه قولك:"يوم قام زيد"؛ أي: اليوم الذي قام فيه، وذلك محال في "قبل وبعدُ"؛ لأنه يؤول
(3)
إلى إبطال معنى القبليَّة والبعدية.
وأما "سحر" يوم بعينه فَيَمنع
(4)
إضافته إلى الفعل ما فيه من معنى اللام، فقِس على هذا.
[فائدة]
وقال السُّهيلي
(5)
: قياس الأسماء الخمسة أن تكون مقصورة؛ لأن أصلها: "أبو أخو"، والواو إذا تحرَّكت وانفتح ما قبلها تُقْلَب ألفًا، فتكون مقصورة -كما هو إحدى لغاتها- ولكن هذه الأسماء حُذفت أواخرها في حال الإفراد والانفصال عن الإضافة.
وقال لي بعض أشياخنا في تعليل الحذف
(6)
: إن التنوين لما أوجب حذف الألف المنقلبة لالتقاء الساكنين؛ حذفوها رأسًا، كما قيل:
(1)
في "النتائج": "جاز".
(2)
في "النتائج": "المفرد".
(3)
(د): "يؤدي".
(4)
(ظ ود): "فيمتنع".
(5)
في "نتائج الفكر": (ص/ 98 - 106).
(6)
(ظ): "في بعلبك"، وعليه عامة الطبعات، وهو تحريف غريب!.
رأى الأمرَ يُفْضي إلى آخِرٍ
…
فصَيَّرَ آخرَ أوَّلا
(1)
فإذا أضفت وزالت [عِلَّة]
(2)
التنوين، رجعت الحروف المحذوفة، وكان الإعراب فيها مقدَّرًا كما هو مقدر في الأسماء المقصورة، وقال بهذا بعض النحاة.
قال: والأمر فيها عندي أنها علامات إعراب، وليست حروف إعراب، والمحذوف منها لا يعود إليها في الإضافة، كما
(3)
لا يعود المحذوف من "يد" و"دم". وبُرهان ذلك أنك تقول: أخي وأبي، إذَا أضفت إلى نفسك، كما تقول: يدي ودمي؛ لأنَّ حركات الإعراب لا تجتمع مع ياء المتكلم، كما تجتمع
(4)
معها واو الجمع، فلو كانت الواو في "أخوك" حرف إعراب لقلت في الإضافة إلى نفسك: هذا أخيَّ، كما تقول: هؤلاء مسلميّ، فتدغم الواو في "الياء" لأنها حرف إعراب عند سيبويه
(5)
، وهي عند غيره علامات إعراب
(6)
، فإذا كانت واو الجمع تَثبتُ مع ياء المتكلم، وهي
(7)
زائدة، وهي عند غيره علامة إعراب، فكيف يحذف "لام" الفعل وهي
(8)
أحقّ بالثبات منها!؟ فقد وضح لك أنها ليست الحروف المحذوفة الأصلية.
(1)
البيت غير منسوب في "الخزانة": (8/ 109)، و"العقد الفريد":(2/ 253).
(2)
(ظ ود): "وزالت عند"، و (ق):"وزال عنه"، والمثبت من "النتائج".
(3)
ليست في (ظ ود).
(4)
في (ق، وبعض نسخ "النتائج"): "كما لا تجتمع".
(5)
انظر "الكتاب": (1/ 4).
(6)
وهم الكوفيون، انظر "الإنصاف":(1/ 258) للأنباري.
(7)
(ظ ود): "وهي غير".
(8)
من (ق).
فإن قيل: فلِمَ أعرْبت بالحروف؟ ولِمَ أُعِلَّت بالحذف دون القلب، خلافًا لنظائرها مما علّته كعلَّتها، وهي الأسماء المقصورة؟.
قلنا: في ذلك جوانب لطيف، وهو: أن اللفظ جَسَد، والمعنى رُوح، فهو تَبَع له في صحته واعتلاله، والزيادة فيه والنقصان منه، كما أن الجسد مع الروح كذلك؛ فجميع ما يعتري اللفظ من زيادة أو حذف، فإنما يكون
(1)
بحسب ما يكون في المعنى، اللهم إلا أن يكثر استعمال كلمة، فيحذف منها تخفيفًا على اللسان، لكثرة دورها فيه، ولعلم المخاطب بمعناها، كقولهم:"أَيْشٍ" في "أي شيء"، و"لم أُبَلْ"
(2)
.
وهذه الأسماء الخمسة مضافة في
(3)
المعنى، فإذا قُطِعَتْ عن الإضافة وأُفْرِدت نقص المعنى، فنقصى اللفظ تبعًا له، مع أنّ أواخرها حروف علّة، فلابدّ من تغييرها إما بقلب وإما بحذف، وكان الحذفُ فيها أولى، كما قدمنا وكان ينبغي على هذا أن يتمَّ لفظها في حال الإضافة كما تمَّ معناها، إلا أَنهم كرهوا أن يُخلوا "الخاء" من أخ، و"الباء" من أب من الإعراب الحاصل فيها؛ إذ ليس في الكلام ما يكون حرف إعراب في حال الإفراد دون الإضافة؛ فجمعوا بين الغرضين، ولم يبطلوا أحدَ القياسين، فمكنوا الحركات التي هي علامات الإعراب في الإفراد؛ فصارت حروف مدٍّ ولينٍ في الإضافة، وقد تقدَّم أن الحركة بعض الحرف، فالضمَّة: التي في قولك: "أخٌ"، هي بعينها علامة الرفع
(4)
(1)
في "النتائج": "هو".
(2)
(د). "لم أبالِ".
(3)
(ظ ود): "إلى".
(4)
سقطت من (ق).
في "أخوك" إلا أن الصوت
(1)
بها يمد، ليتمِّموا اللفظ كما تَمموا المعنى بالإضافة إلى ما بعد الاسم، ولم يحتاجوا مع تطويل حركات الإعراب إلى إعادة ما حُذِف من الكلمة رأسًا؛ كما لا يُعَاد محذوف "يد ودم".
وأما التثنية؛ فإنهم صحَّحوا اللفظ فيها بإعادة المحلوف تنبيهًا على الأصل، وهو الانقلاب إلى ألف، فقالوا:"أخوان" و"أَبوان"، كما قالوا: عصوان [ورجَوَان]
(2)
؛ لأن قياسه في الأصل كقياسه بخلاف "يد" و"دم "، فإن أصلهما:"يَدْيٌ ودَمْيٌ"
(3)
، فلم يكن بابها كباب "عَصَى" و"رجا"، فاستمر الحذف فيهما في التثنية والإفراد.
فإن قيل: فلم لا يعود المحذوف
(4)
في "ابن" في تثنيةٍ ولا إضافة؟.
قيل: لأنهم عوَّضوا من المحذوف ألف الوصل في "ابن واسم"، فَلَمْ يجمعوا بين العِوَض والمعوَّض، بخلاف "أخ وأب"، ومَنَعهم أن يعوضوا من المحذوف في "أخ وأب" الهمزة التي في أولهما فِرارًا
(5)
من اجتماع همزتين.
وأما "حم" فأصله حَمَأٌ بالهمزة، فلم يكونوا ليعوضوا من الهمزة همزة أخرى، فجعلوه كأخٍ وأبٍ.
(1)
(ظ ود): "المصوّت".
(2)
(ظ ود): "عضوان وبطوان" و (ق): "ومطوان" ولعل الصواب ما أثبت بدليل ما بعدها، والرجوان مثنى: رجا، وهو ناحية البئر.
(3)
أجمعوا على سكون الدال من "يَدْي" واختلفوا في الميم بن (دَمَْي)، فقيل: بالفتح وقيل: بالسكون.
(4)
سقطت من (ظ ود).
(5)
(ظ ود): "أولها فروا".
فإن قيل: (ق/ 16 أ): فلم قالوا في جمْعِه: "بنون" دون "ابْنون"؟.
قيل: الجمع قد يلحقه التغيير بالكسر وغيره، بخلاف التثنية فإنها لا يتغير فيها لفظ الواحد بحال، مع إنهم رأوا أن جمع السَّلامة لا بد فيه من "واو" في الرفع، و"ياء" مكسور ما قبلها في النصب والخفض، فأشبهت حالُه حالَ ما لم يحذف منه شيء
(1)
.
وليست هذه العلة في التثنية، ولم يقولوا:"ابنات" كما قالوا: "ابنتان"، فإنهم حملوا جمع المؤنث على جمع المذكر؛ لئلا يختلف.
وأما "أخت" و"بنت"؛ فتاء "أخت" مبدلة من "واو"، كـ "تاء""تراث" و"تُخَمَة"، وإنما حملهم على ذلك ها هنا أنهم رأوا المذكر قد حذفت لامه في الإفراد، فقالوا:"أخ" وكان القياس أن يقولوا في المؤنث: "أخَةٌ" كـ "سَنَة" ، ولو فعلوا ذلك لكانت تلك التاء حرف إعراب في الإضافة والإفراد، ولم يمكنهم أن يعيدوا المحذوف في الإضافة إلى اللفظ، فيخالف لفظه لفظ المذكر، ولا أمكنهم من تطويل الصوت بالحركات ما أمكنهم في التذكير، لأن ما قبل تاء التأنيث ليس بحرف إعراب، ولا أمكنهم نقصان اللفظ في الموطن الذي تم فيه المعنى؛ فجمعوا بين الأغراض بإبدالها تاء، لتكون في حال الإفراد علمًا للتأنيث، وفي حال الإضافة من تمام الاسم كالحرف الأصلي، إذ هو موطن تتميم، كما تقدم، وسكَّنوا ما قبلها، لتكون بمنزلة الحرف الأصلي، وضمُّوا أول الكلمة إشعارًا بالواو، وكسروها في "بِنْت" إشعارًا بالياء؛ لأنها من "بَنيْتُ".
(1)
بعده في "النتائج": "إذ المحذوف منه "ياء" أو "واو" ففتحوا أوله كما كانوا يفعلون لو لم يُحذف منه شيءٌ
…
".
وقالوا في تأنيث "ابن": "ابنة وبنت"، ولم يقولوا في تأنيث:"أخ" إلا "أخت"، والعلَّة في ذلك مُستقرَأَة مما تقدَّم.
وأما قولهم: "فوك" و"فاك" و"فيك"؛ فحروف المسند فيها حروف إعراب بخلاف ما تقدم في "أخيك" و"أبيك" و"حميك"، والفرق: أن الفاء لم تكن قط حرف إعراب
(1)
؛ لانفرادها، فلم يلزم فيها ما لزم في "الخاء" و"الباء"، ألا تراهم يقولون:"هذا فيَّ"، و"جعلته في فيَّ"، كما يقولون؛ "مسلمي"، فيثبتونها مع ياء المتكلم.
وهذا يدلك على أنها حرف إعراب، بخلاف أخواتها، ألا تراهم في حال الإفراد كيف أبدلوا من الواو ميمًا ليتعاقب عليها حركات الإعراب، ويدخلها التنوين، إذ لو لم يبدلوها ميمًا لأذهبها التنوين في الإفراد، وبقيت الكلمة على حرف واحد، فإذا أضيفت زالت العلة، حيث [أمِنوا]
(2)
التنوين، فلم يحتاجوا إلى قلبها ميمًا.
فإن قلت: أين علامات الإعراب في حال الإضافة
(3)
؟.
قلت: مقدر فيها، وإن شئتَ قلتَ: تغَيُّر صيغِها في الأحوال الثلاثة هو الإعراب، والمتغير هو حرف الإعراب.
فإن قلت: فلِمَ لم تثبُت الألف في حال النصب إذَا أضيفت إلى ضمير المتكلِّم، فتقول:"فأي" كـ "عصاي"؟.
قلتُ: الفرق: أن ألف "عصا" ثابتة في جميع الأحوال، وهذه لا
(1)
من قوله: "بخلاف ما تقدم
…
" إلى هنا ساقط من (ظ ود) ، والاستدراك من (ق والنتائج).
(2)
في النسخ: "أثبتوا"، والتصويب من "النتائج".
(3)
(ظ): "الأصالة"!.
تكون إلا في حال النصب، وقد قُلِبت تلك "ياء" في لغة طَيء، فهذه أحرى بالقلب.
وأما "ذو مال"؛ فكان الأظهر فيه أن يكون حرف العلة حرف إعراب، وأن يكون الاسم على حرفين، كما هو في بعض الأسماء المبهمة كذلك، يدلُّك على ذلك قولهم في الجمع "ذوو مال" و"ذوات مال"، إلا أنه قد جاء في القرآن:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)} [الرحمن: 48] و: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} [سبأ: 16] وهذا ينبئ أن الاسم ثلاثي ولامه "ياء" انقلبت ألفًا في تثنية المؤنث خاصة.
وقولهم في التثنية: "ذواتَي"، وفي الجمع:"ذوات"، والجمع كان أحق بالرد من التثنية؛ لأن التثنية أقرب إلى لفظ الواحد، ولأنها أقرب إلى معناه، ألا تراهم يقولون:"أخت وأختان وأخوات"، و"ابنة وابنتان"، ولا يقولون
(1)
في الجمع: ابنات
(2)
، فلذلك كان القياس
(3)
-حين قالوا: "ذوات" فلم يردّوا لام الكلمة [ألا يردُّوا في التثنية].
والعلة فيه أن "ألف ذات"(ظ/ 13 أ) وإن كانت منقلبة عن واو، فإن انقلابها ليس بلازم، وإنما هو عارض بدخول التأنيث، ولولا التأنيث لكانت "واوًا" في حال الرفع غير منقلبة، و"ياء" في حال الخفض، والتثنية أقرب إلى الواحد لفظًا ومعنى، فلذلك حين ثنوها
(4)
.جعلوها "واوًا"، كما هي في الواحد، إذا كان مرفوعًا ومثنى ومجموعًا، وكان حكم "الواو" أغلب عليها من حكم "الياء" و"الألف"، ثم ردوا لامَ
(1)
(ظ ود): "تقول".
(2)
الأصول: "ابنتات" والمثبت من "النتائج".
(3)
(ق): "القياس في الجمع".
(4)
(ظ ود): "ثبوتها"!.
الفعل؛ لأنهم لو لم يردوها، لقالوا:"ذَوَتا مال" في حال الرفع، فيلتبس بالفعل، نحو:"رمَتا" و"قَضَتا"، إذا أخبرت عن امرأتين، و"ذوتا" من "الذوِي"؛ فكان في ردّ اللام رفع لهذا اللبس.
وفَرق بين ما يصح عينه في المذكر نحو: "ذات"
(1)
و"ذو"، وبين ما لا يصح عينه في مذكر، ولا في جمع، نحو:"شاة"؛ فإنك تقول في تثنيته: "شاتان"، كقياس "ذات"، وليس في جمع "ذات" ما يوجب ردّ لامها كما في تثنيتها، كما تقدم.
وأما "سنتان" أو "شفتان"؛ فلا يلزم فيهما من الالتباس بالفعل ما لزم في "ذوتا"، لو قيل؛ لأن "نون" الاثنين لا تحذف منهما حذفًا لازمًا؛ لأنهما غير مضافين في أكثر الكلام، بخلاف "ذواتا"، فإن "النون" لا توجد فيها ألبتة؛ للزومها الإضافة.
* * *
(1)
(ق). "ذوات".