المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فائدة بديعة(1)إذا نعت الاسم بصفة هي لسببه(2)، ففيه ثلاثة أوجه: - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدة(2)الفرق بين الشهادة: والرواية:

- ‌فائدة(4)"شهد" في لسانهم لها معانٍ:

- ‌فائدةالمجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص

- ‌فائدة(1)لحذف العامل في "بسم الله" فوائد عديدة

- ‌فائدة اشتقاقِ الفعل من المصدر

- ‌فوائدُ تتعلق بالحروف الرَّوابط بين الجملتين، وأحكام الشروط

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة

- ‌المسألة التاسعة

- ‌[مسائل في المثنى والجمع]

- ‌فائدة(1)في "اليوم" و"أمس" و"غد"، وسبب اختصاص كل لفظ بمعناه

- ‌فائدة(3)فعل الحال لا يكون مستقبلًا

- ‌فائدة بديعة(3)" لام" الأمر، و"لا" في النهي، وحروف المجازاة: داخلة على المستقبل

- ‌فائدة بديعة(1)لحاق علامة التثنية(2)والجمع للفعل مُقَدمًا، جاء في لغة قومٍ من العرب

- ‌ تمامَ الكلامِ على أقسام "ما" ومواقعها

- ‌فائدة(7)السرُّ في حذف الألف من "ما" الاستفهامية عند حرف الجر:

- ‌فائدة: فصلٌ في تحقيق معنى "أَي

- ‌فائدة(1)المعنى المفرد لا يكون نعتًا

- ‌فائدة بديعة(1)إذا نُعِتَ الاسم بصفة هي لسببه(2)، ففيه ثلاثة أوجه:

- ‌فائدة بديعة(4)حق النكرة إذا جاءت بعدها الصفةُ أن تكون جاريةً عليها

- ‌فائدة بديعة(1)لا يجوز إضمار حرف العطف

الفصل: ‌فائدة بديعة(1)إذا نعت الاسم بصفة هي لسببه(2)، ففيه ثلاثة أوجه:

منعوت، فَنَقِفُ عندما وقفوا، ونترك القياسَ إذا تركوا.

‌فائدة بديعة

(1)

إذا نُعِتَ الاسم بصفة هي لسببه

(2)

، ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها: -وهو الأصل- أن تقول: "مررتُ برجلِ حسنٌ أبوه" بالرفع

(3)

؛ لأن الحُسْن ليس صفة له فيجري عليه، وإنما ذُكِرَت الجملة ليُمَيَّز بها بين الرجل وبين من ليس عنده أبٌ كأبيه، فلما تميز بالجملة من غيره صارت في موضع النعت. وتدرَّجوا من ذلك إلى أن قالوا:"حسنٍ أبوه"، بالجر

(4)

، وأجْرَوه نعتًا على الأول، وإن كان للأب

(5)

، من حيثُ تميز به وتخصص كما يتخصص بصفة نفسه.

والوجه الثالث: "مررت برجل حسنِ الأب"، فيصير نعتًا للأول، ويضمر فيه ما يعود عليه، حتى كأن الحُسْنَ له، وإنما فعلوا ذلك مبالغة وتقريبًا للسبب، وحذفًا للمضاف وهو الأب، وإقامة المضاف إليه مُقامه وهو الهاء، فلما قام الضمير مَقامَ الاسم المرفوع صار ضميرًا مرفوعًا، فاستتر في الفعل، فقلت:"برجل حسن"، ثم أضفته إلى السبب (ظ/ 52 أ) الذي من أجله صار

(6)

حسنًا وهو الأب، ودخول الألف واللام على السبب إنما هي لبيان الجِنس.

(1)

"نتائج الفِكر": (ص/ 210).

(2)

(ق ود): "كسبية"، و (ظ):"كسببه" والتصويب من "النتائج".

(3)

ليست في (ق).

(4)

هذا الوجه الثاني.

(5)

(ق ود): "الأب".

(6)

(ظ ود): "كان".

ص: 305

وهذا الوجه لا يجوز إلا في الموضع الذي يجوز

(1)

فيه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وذلك غير مُطَّرد الجواز، وإنما يجوزُ حيث يقصدون المبالغة وتفخيم الأمر، وإن بَعُد السبب كان الجواز أبعدَ، كقولك: "نابح [كلب الجار]

(2)

، وصاهل فرس العبد".

وما امتنع في هذا الفصل، فإنه يجوز في الفصل الذي قبله، من حيث لم يقيموا فيه مضافًا مقام المضاف إليه

(3)

.

وإنما حكمنا باختلاف المعاني في هذه الوجوه الثلاثة، من حيثُ اختلفَ اللفظ فيها؛ لأن الأصل أن يختلف لفظان إلا لاختلاف معنًى، ولا يُحْكَم باتحادِ المعنى مع اختلاف اللفظ إلا بدليل. فمعنى الوجه الأول: تمييز الاسم من غيره بالجملة التي بعده. ومعنى الوجه الثاني: تمييز الاسم من غيره مع انجرار الوصف إليه بمدح أو ذم. ومعنى الوجه الثالث: نقل الصفة (ق/ 70 أ) كلِّها إلى الأول على حذف المضاف مع تبيين السبب الذي صيره كذلك.

وأكثر ما يكون هذا الوجه فيما قرب سببُه جدًّا، نحو:"عظيم القَدْر، وشريف الأب"؛ لأن شَرَف الأب شرفٌ له، وكذلك القَدْر والوجه، وهاهنا يَحْسُن حذفُ المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه.

فائدة

(4)

إن قيل: لِمَ اكتسبَ المضاف التعريفَ من المضاف إليه، ولم

(1)

(ق): "لا يجوز" تحريف.

(2)

في النسخ: "الكلب". والمثبت من "النتائج".

(3)

كذا في النسخ و"النتائج" وأصلحه محققه إلى: "

فيه مضافًا إليه مُقام المضاف".

(4)

"نتائج الفكر": (ص/ 216).

ص: 306

يكتسب المضافُ إليه التنكيرَ من المضاف؟ وهو مقدَّم عليه في اللفظ، لاسيما والتنكير أصل في الأسماء، والتعريف فرعٌ عليه؟.

قِيل: الجواب من وجهين:

أحدهما: أنهم قد غَلَّبوا حكم المعرفة على النكرة في غير هذا الموطن

(1)

، نحو:"هذا زيدٌ ورجلٌ ضاحِكَيْن"، على الحال. ولا يجوز: ضاحكان، على النعت، تغليبًا لحكم المعرفة؛ لأنهم رأوا الاسم المعرفة يدل على معنيين: الرجل وتعيينه، والشيء وتخصيصه من غيره، والنكرة لا تدل إلا على معنًى مفرد، فكان ما يدل على معنيين

(2)

أقوى مما يدل على معنًى واحد. وهذا أصل نافع

(3)

فَحَصِّلْهُ.

الثاني: أن المضاف إليه بمنزلة آلة التعريف، فصار كالألف واللام. ألا ترى أنك إذا قلتَ: غلام زيد، فهو بمنزلة قولك: الغلام، لمن تعرفه بذلك. وكذلك إذا قلتَ: كتاب سيبويه، فهو بمنزلة قولك: الكتاب، وكذلك إذا قلتَ: سلطان المسلمين، بمنزلة قولك: السلطان، فتعريفه باللام في أَوَّله، وتعريفه بالإضافة من آخره.

فإن قيل: فإذا اكتسب التعريفَ من المضاف إليه، فكان ينبغي أن يُعْطَى حكمه.

قيل: وإن استفاد منه التعريف، لم يستفد منه خصوصية تعريفه، وإنما اكتسب منه تحريفًا آخر كما اكتسب من لام التعريف. ألا ترى أنه إذا أُضِيْف إلى المُضْمَر لم يكتسب منه الإضمار، وإذا أُضِيْف إلى

(1)

(ظ ود): "الموضع".

(2)

من قوله: "الرجل وتعيينه

" إلى هنا ساقط من (ق).

(3)

(ق): "واحد"!.

ص: 307

المبهم لم يكتسب منه الإبهام، فلا الأولُ اقتبسَ من الثاني خصوصية تعريفه، ولا الثاني اقتبسَ من الأول تنكيْرَه، والمضاف إليه في ذلك كالآلة الدَّاخلة على الاسم.

فائدة

من كلام السهيلي

(1)

رحمه الله: "الكلام هو تعبير عما في نفس المتكلِّم من المعاني، فإذا أَضمر ذلك المعنى في نفسه -أي: أخفاه- ودل (ظ/52 ب) المخاطبَ عليه بلفظ خاص، سُمِّي ذلك اللفظ: ضميرًا، تسمية له باسم مدلوله. ولا يقال: فكان ينبغي أن يسمَّى كل لفظ ضميرًا على ما ذكرتم؛ لأن هنا مراتب ثلاثة:

أحدها: المعنى المضمر، وهو

(2)

حقيقة الرجل مثلاً.

والثاني: اللفظ المميز له عن غيره، وهو زيد وعَمْرو.

والثالث: اللفظ المعبِّر عن هذا الاسم الذي إذا أُطْلِق كان المراد به ذلك الاسم، بخلاف قولك: زيد وعَمْرو

(3)

، فإنه ليس ثَمَّ إلا لفظ ومعنى، فخصُّوا (ق/ 70 ب) اسم الضمير

(4)

بما ذكرناه. والمضمرات في كلامهم نحو ستين ضميرًا وأحوالها معلومة، لكن ننبه على أسرارها من أحكام المضمرات.

أعلم أن المتكلم لما استغنى عن اسمه الظاهر في حال الإخبار، لدلالة المشاهدة عليه، جعل مكانه لفظًا يومئ به إليه، وذلك اللفظ

(1)

في "نتائج الفكر": (ص/218).

(2)

سقطت من (ظ ود).

(3)

من قوله: "والثالث: .... " إلى هنا ساقط من (د).

(4)

(ظ ود): "المصدر".

ص: 308

مؤلف من "همزة ونون"؟ أما الهمزة؛ فلأن مخرجها من الصدر، وهو أقرب مواضع الصوت إلى المتكلِّم، إذ المتكلم في الحقيقة محله وراء حبل الوريد. قال الله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)}

(1)

[ق: 16]، ألا تراه يقول:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 18] يعني: ما يلفظ المتكلِّم، فدل على أن المتكلم أقرب شيءٍ إلى حبل الوريد، فإذا كان المتكلم على الحقيقة محله هناك، وأردت من الحروف ما يكون عبارة عنه، فأولاها بدلك ما كان مَخْرَجه من جهته، وأقرب المواضع إلى مَحَلِّه، وليس إلا "الهمزة أو الهاء"، والهمزة

(2)

أحق بالمتكلم لقوَّتها بالجهر والشدة وضعف الهاء بالخفاء، فكان ما هو أجهر وأَقْوى أَوْلى بالتعبير عن اسم المتكلِّم الذي الكلام صفة له، وهو أحقُّ بالاتصاف به.

وأما تآلفها مع النون؛ فلما كانت الهمزة بانفرادها لا تكون اسمًا منفصلاً، كان أولى ما وصلت به "النون" أو حروف المد واللين، إذ هي أمهات الزوائد، ولم تكن حروف المد مع "الهمزة" لذهابها عند التقاء الساكنين، نحو: أنا الرجل، فلو حُذِف الحرف الثاني لبقيت "الهمزة" في أكثر الكلام منفردة مع لام التعريف، فتلتبس بالألف التي هي أخت اللام، فيختل أكثرُ الكلام، فكان أولى ما قرن به "النون"؛ لقربها من حروف المد واللين، ثم بيَّنوا النون -لخفائها- بالألف في حال السكت، أو بـ "ها" في لغة من قال: إنه.

ثم لما كان المخاطب مشاركًا للمتكلم في معنى

(3)

الكلام؛ إذ

(1)

سقطت الآية من (ظ ود).

(2)

سقطت من (ظ ود).

(3)

(ظ ود): "حال معنى".

ص: 309

الكلام مبدؤه من المتكلم ومنتهاه عند المخاطَب، ولولا المخاطَب ما كان كلام المتكلم لفظًا مسموعًا، ولا احتاج إلى التعبير عنه، فلما اشتركا في المقصود بالكلام وفائدته، اشتركا في اللفظ الدالِّ على الاسم الظاهر، وهو الألف والنون، وفُرِّقَ بينهما بالتاء خاصة. وخُصَّت "التاء" بالمخاطب لثبوتها علامة لضميره في:"قمت"، إلا أنها هنا اسم، وفي "أنت" حرف.

فإن قلت: فهي علامةٌ لضمير المتكلم في "قمت"

(1)

، فلِمَ كان المخاطَب أَوْلى بها؟.

قلت: الأصل في التاء للمخاطب، وإنما المتكلم دخيل عليه، ولما كان دخيلاً عليه خَصُّوه

(2)

بالضم؛ لأن فيه من الجمع والإشارة (ق/ 71 أ) إلى نفسه ما ليس في الفتحة، وخَصُّوا المخاطَب بالفتح؛ لأن في الفتحة من الإشارة إليه ما ليس في الضمة، وهذا معلوم في الحسِّ.

وأما ضمير المتكلم المخفوض فإنما كان "ياءً"؛ لأن الاسم: الظاهر لما تُرِكَ لفظُه استغناءً، ولم يكن بُدٌّ من علامةٍ دالَّة عليه، كان أولى الحروف بذلك حرفًا من حروف الاسم المضمر

(3)

، وذلك: لا يمكن لاختلاف أسماءِ المتكلِّمين، وإنما أرادوا علامة تختص بكلِّ متكلِّم (ظ/53 أ) في حال الخفض، والأسماء مختلفة الألفاظ متفقة: في حال الإضافة إليها

(4)

في الكسرة التي هي علامة الخفض، إلا أن الكسرة لا تستقل بنفسها حتى تُمَكَّن فتكون "ياء"، فجعلوا "الياء".

(1)

من قوله: "إلا أنها

" إلى هنا ساقط من (ظ ود).

(2)

(ق): "خصوها" و (ظ): "خصوصًا"، والمثبت من (النتائج ود).

(3)

كذا في النسخ و"النتائج" واستظهر محققه أن صوابها: "المُظْهَر".

(4)

الأصول: "إلى الياء".

ص: 310

علامة لكل متكلِّم مخفوض، ثم شركوا النصب مع الخَفْض في علامة الإضمار، لاستوائهما في المعنى، إلا أنهم زادوا نونًا في ضمير المنصوب، وقاية للفعل من الكسر.

وأما ضمير المتكلم المتصل، فعلامتُه "التاء" المضمومة، وأما المتكلمون فعلامتهم "نا" في الأحوال كلِّها.

وسِرُّه: أنهم لما تركوا الاسم الظاهر وأرادوا من الحروف ما يكون علامة [للمخاطَب]

(1)

عليه أخذوا من الاسم الظاهر ما يشترك جميع المتكلمين فيه في حال الجمع والتثنية، وهي "النون" التي في آخر اللفظ، وهي موجودة في التثنية والجمع رفعًا ونصبًا وجرًّا، فجعلوها علامة للمتكلمين جمعًا كانوا أو اثنين، وزادوا بعدها ألفًا كيلا تشبه التنوين أو النون الخفيفة، ولحكمة أخرى وهي القرب من لفظ "أنا"؛ لأنها ضمير

(2)

المتكلمين، "وأنا" ضمير متكلمٍ، فلم يسقط

(3)

من لفظ "أنا" إلا الهمزة التي هي أصل في المتكلِّم الواحد، وأما جمع المتكلِّم وتثنيته ففرع طارئ على الأصل، فلم تمكن

(4)

فيه الهمزة التي تقدم اختصاصها بالمتكلم، حتى خُصَّت به في "أفعل"، وخص المخاطب بالتاء في "تفعل"، لما ذكرناه.

وأما ضمير المرفوع المتصل؛ فإنما خص بـ "التاء"؛ لأنهم حين

(1)

من "النتائج".

(2)

(ظ ود): "من ضمير".

(3)

"فلم يسقط" ليست في (ظ ود).

(4)

"النتائج ود": "تكن".

ص: 311

أرادوا حرفًا يكون علامة على الاسم الظاهر المستغنى عن ذكره، كان أولى الحروف بذلك: حرفًا من الاسم، وهو يختلف كما تقدم، فأخذوا من الاسم ما لا تختلف الأسماء فيه في حال الرفع، وهى الضمة، وهي لا تستقلُّ بنفسها ما لم تكن واوًا، ثم رأوا الواو لا يمكن تَعَاقُب الحركات عليها؛ لثقلها وهم يحتاجون إلى الحركات في هذا الضمير، فرقًا بين المتكلِّم، والمخاطَب المؤنث، والمخاطَب المذكر، فجعلوا "التاء" مكان "الواو"؛ لقربها من مخرجها، ولأنها قد تبدل منها في كثير من الكلام؛ كـ "تُرَاث وتُخَمة". فاشترك ضمير المتكلم والمخاطب في "التاء"، كما اشتركا فى "الألف والنون" من "أنا" و"أنت"؛ لأنهما شريكان في الكلام، لأن الكلام من حيث: كان للمخاطَب (ق/ 71 ب) كان لفظًا، ومن حيث كان للمتكلِّم كان معنًى. ثم وقع الفرق بين ضميريهما بالحركة دون الحروف، لما تقدم.

وأما ضمير المخاطَب نصبًا وجرًّا؛ فكان "كافًا" دون "الياء"؛ لأن الياء قد اختص بها المتكلِّم نصبًا وخفضًا، فلو أمكنت فيه الحركات أو وُجد ما يقوم مقامها في البدل كما كانت التاء مع الواو، لاشترك المخاطَب مع المتكلم في حال الخفض، كما اشترك معه في التاء في حال الرفع، فلما لم يكن ذلك ولم يكن بُدٌّ من حرف يكون علامةً إضمار كانت الكاف أحق بهذا الموطن؛ لأن المخاطبين وإن اختلفت أسماؤهم الظاهرة فكل واحدٍ منهم مُكَلَّم ومقصود بالكلام الذي هو اللفظ، ومن أجله احتيج إلى التعبير بالألفاظ عما في النفس، فجعلت الكاف

(1)

المبدوء بها في لفظ الكلام علامة إضمار المخاطب، ألا تراها لا تقع علامة إضمار له إلا بعد كلام كالفعل والفاعل، نحو:

(1)

(ظ ود): "فجعل الكلام".

ص: 312

أكرمتك؛ لأنها كلام، والفعل وحده ليس كلامًا، فلذلك لم تكن علامة المضمر "كافًا" إلا بعد كلام من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر.

فإن قيل: (ظ/53 ب) فالمتكلم أيضًا هو صاحب الكلام، فهو أحق بأن تكون الكاف المأخوذة من لفظ الكلام علامة لاسمه

(1)

؟.

قيل: "الكاف" لفظ فهي أحق بالمخاطب؛ لأن الكلام إنما لُفِظَ به من أَجْلِه.

وأما ضمير الغائب المنفصِل

(2)

فـ "هاء" بعدها "واو"؛ لأن الغائب لما كان مذكورًا بالقلب، واستغنى عن اسمه الظاهِر بتقدمه، كانت الهاء التي مخرَجُها من الصَّدْر قريبًا من مَحلِّ الذكر، أولى بأن تكون عبارةً على مذكور بالقلب

(3)

، ولم تكن "الهمزة"؛ لأنها مجهورة شديدة، فكانت أولى بالمتكلم الذي هو أظهر، والهاء -لخفائها- أولى بالغائب الذي هو أخْفَى وأبطن. ثم وُصِلَت بالواو؛ لأنه لفظ يُرْمَز به إلى المخاطَب، ليُعْلَم ما في النفس من مذكور، والرمز بالشفتين، والواو مخرجها من هناك، فخُصَّت بذلك.

ثم طردوا أصلهم في ضمير الغائب المنفرد فجعلوه في جميع أحواله "هاءً"؛ إلا في الرفع، وإنما فعلوا ذلك لأنهم رأوا الفرقَ بين الحالات واقعًا باختلاف حال الضمير؛ لأنه إذا دخل عليها حرف الجر كسرت "الهاء" وانقلبت واوه ياءً، وإذا لم يدخل عليه بقيَ مضمومًا على أصله، وإذا كان في حال الرفع لم يكن له علامة في

(1)

(ظ ود): "مأخوذة من اسمه".

(2)

(ظ ود): "المتصل".

(3)

من قوله: "واستغنى عن اسمه

" إلى هنا ساقط من (ظ ود).

ص: 313

اللفظ؛ لأن الاسم الظاهر قبل الفعل عَلَم ظاهر يغني المخاطَب عن علامة إضمار في الفعل، بخلاف المتكلم والمخاطب؛ لأنك تقول في الغائب: زيدٌ قائم، فتجد الاسم الذي يعود عليه الضمير موجودًا ظاهرًا في اللفظ، ولا تقول في المتكلم: زيدٌ قمتُ، ولا في المخاطب: زيد (ق/ 72 أ) قمتَ، فلما اختلفت أحوال الضمير الغائب لسقوط علامته في الرفع، وتغير الهاء بدخول حروف الخفض، قام ذلك عندهم مقامَ علامات الإعراب في الظاهر، أو ما هو بمنزلتها في المضمر، كالتاء المبدلة من الواو، والياء [المنْبِئَة عن]

(1)

الكسرة، والكاف المختصة بالمفعول والمجرور الواقعين بعد الكلام التام، ولا يقع بعد: الكلام إلا منصوب أو مجرور، فكانت الكاف المأخوذة من لفظ الكلام علامة على المنصوب والمجرور إذا كان مخاطبًا.

وأما "نحن" فضمير منفصل للمتكلمين تثنيةً وجمعًا، وخصَّت بذلك لما لم يمكنهم التثنية والجمع في المتكلم المضمر؛ لأن حقيقةً التثنية ضمُّ شيءٍ إلى مثله في اللفظ، والجمع ضم شيء إلى أكثر منه مما يماثله في اللفظ؛ فإذا قلت: زيدان، فمعناه. زيد وزيد، و"أنتم"، معناه: أنت وأنت وأنت، والمتكلم لا يمكنه أن يأتى باسم مثنى أو مجموع في معناه؛ لأنه لا يمكنه أن يقول: "أنا أنا

(2)

" فيضم إلى نفسه مثله في اللفظ، فلما عدم ذلك، ولم يكن بُدٌّ من لفظ يشير إلى ذلك المعنى، وإن لم يكنه في الحقيقة، جاءوا بكلمة تقع على الاثنين والجَمْع [لاشتراك التثنية والجمع] في هذا الموطن. ثم كانت.

(1)

(ق): "المثبتة و"! والمثبت من "النتائج".

(2)

"أنا" الثانية سقطت: من (ق)، والاستدراك من "النتائج" وكذا ما سيأتي بين المعقوفات في هذه الفقرة.

ص: 314

الكلمة آخرها نونًا وفي أولها، إشارةً إلى الأصل المتقدم الذي لم يمكنهم الإتيان به، وهو تثنية "أنا"، التي هى بمنزلة عطف اللفظ على مثله، فإذا لم يُمكنهم ذلك في

(1)

اللفظ مثنًّى، كانت النون المكررة تنبيهًا عليه وتلويحًا عليه. وخُصَّت النونُ بذلك دون الهمزة؛ لما تقدم من اختصاص ضمير [الجمع] بالنون، وضمير المتكلِّم بالهمزة، ثم جعلوا بين النونين "حاءً" ساكنة لقربها من مخرج الألف الموجودة في ضمير المتكلم قبل النون وبعدها، ثم بنوها على الضم -دون الفتح والكسر- إشارةً إلى أنه ضمير مرفوع.

وشاهِدُه ما قلناه في الباب

(2)

-من دلالة الحروف [لمقطعة]

(3)

على المعاني والرمز بها إليها- وقوعُ ذلك فى منثور كلامهم ومنظومه. فمنه:

* قلتُ لها: قِفِي قالت: قاف

(4)

*

ومنه: ألاتا؟ فيقول الآخر: ألافا. يعني: ألا ترتحل، فيقول: ألا فارتحل. ومنه:

بالخيرِ خيرات وإن شرًّا فا

ولا أريدُ الشرَّ إلا أن تا

(5)

(1)

ليست في "النتائج".

(2)

من قوله: "والرمز بالشفتين

" ص/313، إلى هنا ساقط من (ظ ود).

(3)

(ق): "اللفظية".

(4)

وتمامه: * لا تَحْسَبِينا قد نَسيْنا الإيجاف *.

وهو للوليد بن عقبة بن أَبي مُعيط، انظر "شرح شواهد الشافية":(4/ 271)، ومعنى قاف: أي: أقف.

(5)

الرجز للقيّم بن أوس، وهو من شواهد "الكتاب":(2/ 62) وانظر: "شرح شواهد الشافية": (4/ 264)، و "النوادر":(ص/ 126) لأبي زيد.

والمعنى: إن شرٌّ فشر، ولا أُريد الشرَّ إلا أن تشاء.

ص: 315

وكقولهم: "مَهْيَم" في: ما هذا يا امرؤ؟ و"أَيْشٍ" في: أيُّ شيءٍ؟ و"م الله" في: أيمن اللهْ.

ومن هذا الباب: خروف التهجِّي في أوائل السور.

وقد رأيتُ لابن فْوْرَك

(1)

نحوًا من هذا في اسم الله، قال: الحكمة في وجود الألف في أوله: أَنها من أقصى مخارج الصوت قريبًا من القلب الذي هو محل المعرفة إليه، ثم الهاء في آخره مخرجها من هناك أيضًا؛ لأن المبتدأ منه والمعاد إليه (ق / 72 ب)، والإعادة أهونُ من الابتداء، وكذلك لفظ الهاء أهون

(2)

من لفظ الهمزة. هذا معنى كلامه، فلم نقُل ما قلناه في المضمرات إلا اقتضابًا من أصول أئمة النحاة

(3)

واستنباطًا من قواعد اللغة.

فتأمَّل هذه الأسرار ولا يُزَهِّدَنَّك فيها نُبُوُّ

(4)

طباع أكثر الناس عنها، واشتغالهم

(5)

بظاهرٍ من الحياة الدنيا عن الفِكْرَ فيها والتنبيه عليها؛ فإني لم أفحص عن هذه الأسرارِ وخَفِيِّ التعليل في الظواهر والإضمار، إلا قصدًا للتفكُّر والاعتبار في حكمة من خَلَقْ الإنسانَ وعلَّمه البيان. فمتى لاحَ لكَ من هذه الأسرار سِرٌّ، وكَشَفَ لك عن

(1)

هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن فُوْرَك الأصبهاني المتكلِّم صاحب التصانيف ت (406).

انظر: "وفيات الأعيان": (4/ 272)، و"السير":(17/ 214).

(2)

تحرفت في (ظ ود): "وكذلك لفظًا أهون".

(3)

في "النتائج": "إلا اقتضابًا من أصول السلف" فحذفها المؤلف وأثبت ما ترى، وفيه لفتة لا تخفى.

(4)

سقطت من (ق).

(5)

(ظ): "واستغناؤهم".

ص: 316

مكنونها فِكْرٌ؛ فاشكر الواهبَ للنُّعْمَى، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]

فائدة بديعة

(1)

الاسم من "هذا" الذال وحدها دون الألف على أصح القولين، بدليل سقوط الألف في التثنية والمؤنث، وخُصَّت الذال بهذا الاسم؛ لأنها من طرف اللسان، والمبهم مشارٌ إليه، فالمتكلم يشير نحوه بلَفْظِه أو بيده، ويُشير مع ذلك بلسانه، فإن الجوارحَ خَدَمُ القلب، فإذا ذهبَ القلبُ

(2)

إلى شيءٍ ذهابًا معقولاً ذهبت الجوارحُ نحوه ذهابًا محسوسًا.

والعمدة في الإشارة في مواطن التخاطب على اللسان، ولا يمكن إشارته إلا بحرف يكون مخرجه من عَذَبَةِ اللسان

(3)

التي هي آلة الإشارة دون سائر أجزائه، فأما "الذال" أو "الثاء"؛ فالثاء مهموسة رخوة، فالجمهور أو الشديد من الحروف أولى منها للبيان، والذال مجهوره فخُصَّت بالإشارة إلى الذكور

(4)

، وخُصَّت التاء بالإشارة إلى المؤنث؛ لأجل الفرق، وكانت "التاء" به أولى لهمسها وضعف المؤنث؛ ولأنها قد ثَبَتَت

(5)

علامة التأنيث في غير هذا الباب، ثم بَيَّنُوا حركةَ الذَّالِ بالألف

(6)

، كما فعلوا فى النون من "أنا"، وربما

(1)

"نتائج الفِكْر": (ص/ 227).

(2)

(ظ ود): "الباب".

(3)

أي: طرفه.

(4)

(ظ ود): "النتائج": "المذكور"!.

(5)

(ق): "قلبت".

(6)

سقطت من (ق).

ص: 317

شَرَّكوا المؤنث مع المذكر في الذال فاكتفوا بالكسرة [والياء]

(1)

فرقًا بينهما، وربما اكتفوا بمجرَّد لفظ التاء في الفرق [بينهما]

(2)

، وربما جمعوا بين لفظ التاء والكسرة (ظ/ 54 أ)، حرصًا على البيان.

وأما في المؤنث الغائب؛ فلابد من لفظ التاء مع الكسرة؛ لأنه أحوج إلى البيان، لدلالة المشاهدة على الحاضر، فتقول:"تيك"، وربما زادوا اللام توكيدًا -كما زادوها في المذكر الغائب- إلا أنهم سكنوها في المؤنث لئلا تتوالى الكَسَرات مع التاء، وذلك ثقيل عليهم، وكانت اللام أولى بهذا الموطن حين أرادوا الإشارة إلى البعيد، فكثرت الحروف حين كثرت مسافة هذه الإشارة، وقلَّلوها حين قَلَّت؛ لأن اللام قد وُجِدَت في كلامهم (ق/ 73 أ) توكيدًا، وهذا الموطن موطن توكيد، وقد وُجدت بمعنى الإضافة للشيء، وهذا الموطن شبيه بها؛ لأنك إذا أومأتَ إلى الغائب بالاسم المبهم، فأنت مُشيرٌ إلى من تخاطب ومقبل عليه لينظر إلى: من تشير، إما

(3)

بالعين وإما بالقلب؛ ولذلك جئتَ بكاف الخطاب فكأنك تقول له: لك أقول، ولك أرمز بهذا الاسم. ففي اللام طَرَف من هذا المعنى، كما كان ذلك في الكاف، وكما لم تكن الكاف هاهنا اسمًا مضمرًا، لم تكن اللام حرفِ جرٍّ، وإنما في كلِّ منهما طَرَف من المعنى دون جميعه؛ فلذلك خَلَعوا من الكاف

(4)

معنى الاسمية وأبقوا فيها معنى الخطاب، واللام كذلك إنما اجْتلبَت لطرفٍ من معناها الذي وُضِعَتْ له في باب الإضافة.

(1)

من "النتائج".

(2)

محرفة في النسخ والمثبت من "المنيرية" وفى "النتائج": "فقالوا: هاتا هند".

(3)

(ق): "إليها"!.

(4)

(ظ ود): "المكان"!.

ص: 318

وأما دخول "ها" التنبيه؛ فلأن المخاطب يحتاج إلى تنبيهِهِ على الاسم الذي يُشير به إليه؛ لأن للإشارة قرائن حالٍ يحتاج إلى أن ينظر إليها، فالمتكلِّم كأنه آمر له بالالتفات إلى المشار إليه أو مُنَبِّهٌ له، فلذلك اختص هذا الموطن بالتنبيه، وقلما يتكلَّمون به في المبهم الغائب؛ لأن كاف الخطاب تُغني عنها، مع أن المخاطَب مأمورٌ بالالتفات بلحظِهِ إلى المبهم الحاضر، فكان التنبيه في أول الكلام أولى بهذا الموطن؛ لأنه بمنزلة الآمر الذي له صدر الكلام.

وعندي أن حرف التنبيه بمنزلة حرف النداء وسائر حروف المعاني، لا يجوز أن تعمل معانيها في الأحوال ولا في الظروف، كما لا يعمل معنى الاستفهام والنفي في "هل" و"ما" في ذلك، ولا نعلمُ حرفًا يعمل معناه في الحال والظرف إلا "كأنَّ" وحدَها علامة

(1)

على أَنه فعل، فدع عنك ما شَغَبُوا به في مسائل الحال في هذا الباب، من قولهم:"هذا قائمًا زيد، وقائمًا هذا زيد"؛ فإنه لا يصلح من ذلك إلا تأخير الحال عن الاسم الذي هو "ذا"؛ لأن العامل فيها معنى الإشارة دون معنى التنبيه، وكلاهما معنوي.

فإن قيل: لم جاز أن يعمل فيه معنى الإشارة دون معنى التنبيه وكلاهما معنوي

(2)

؟.

قيل: معنى الإشارة يدل عليه قرائن الأحوال؛ من الإيماء باللحظ واللفظ الخارج من طرف اللسان وهيئة المتكلِّم، فقامت تلك الدلالة مقام التصريح بلفظ الإشارة؛ لأن

(3)

الدال على المعنى؛ إما لفظ وإما

(1)

من (ق).

(2)

هذا السؤال ساقط من (ق).

(3)

سقطت من (ق).

ص: 319

إشارة وإما خَطٌّ، فقد جَرَت الإشارة مجرى اللفظ فلتعمل فيما عمل فيه اللفظ -وإن لم تقو قُوَّته- في جميع أحكام العمل.

وأصح من هذا أن يقال: معنى الإشارة ليس هو العامل؛ إذ الاسم الذي هو "هذا" ليس بمشتق من أشار يشير، ولو جاز أن تعمل أسماء الإشارة لجاز أن تعمل علامات الإضمار؛ لأنها -أيضًا

(1)

- إيماءٌ وإشارةٌ إلى مذكور، وإنما العامل فعلٌ مُضْمَر تقديره:"انظر"؛ [وأُضْمِرَ]

(2)

لدلالة الحال عليه من التوجُّه واللفظ، (ق/ 73 ب) وقد (ظ/54 ب) قالوا:"لمن الدارُ مفتوحًا بابُها"، فأَعْمَلوا في الحال معنى "انظر" و "ابصر"، ودلَّ عليه التوجُّه من المتكلِّم بوجهه نحوها، وكذلك:{وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] وهو قوي في الدلالة لاجتماع اللفظ مع التوجه. وإذا ثبتَ هذا؛ فلا سبيل لتقديم الحال؛ لأن العامل المعنوي [لا يعمل] حتى

(3)

يدل عليه الدليلُ اللفظيُّ، أو التوجُّه، أو ما شاكَلَه.

فائدة

(4)

العامل في النعت اهو العامل في المنعوت، وكأن سيبويه

(5)

إلى هذا ذهب حين مَنَع أن يجمع بين نعتي الاسمين إذا اتفق إعرابهما واختلف

(6)

عاملاهما، نحو:"جاء زيد وهذا عَمْرو العاقلان".

وذهب قوم إلى أن العاملَ في النعت معنوي، وهو كونه في معنى

(1)

"لأنها أيضًا" سقطت من (ظ ود).

(2)

في الأصول: "وأبصر"! والمثبت من "النتائج".

(3)

(ظ ود): "خفي"، وما بين المعكوفين من "النتائج".

(4)

"نتائج. الفكر": (ص/ 231).

(5)

في "الكتاب": (1/ 247).

(6)

(ق): "واتفق".

ص: 320

الاسم المنعوت، فإنما ارتفع أو انتصب من حيث كان هو الأول في المعنى، لا من حيثُ كان الفعل عاملاً فيه؛ وكيف يعمل فيه وهو لا يدل عليه، إنما يدلُّ على فاعل أو مفعول أو مصدر دلالةً واحدةً من جهة اللفظ.

وأما الظروف فمن دليل آخر. قال السُّهَيْلي: "وإلى هذا أذهب، وليس فيه نقض لما منعه سيبويه من الجمع بين نعتي الاسمين المتفقين في الإعراب إذا اختلف العامل فيهما؛ لأن العاملَ في النعت -وإن كان معنويًّا

(1)

- فلولا العامل في المنعوت لما صحَّ رفع النعت ولا نصبه، فكأنَّ الفعل هو العامل في النعت، فامتنع اشتراك عاملين في معمولٍ واحد، وإن لم يكونا عاملين فيه في الحقيقة ولكنهما عاملان فيما هو هو في المعنى.

وإنما قوي عندنا هذا القول الثاني لوجوه، منها: امتناع تقديم النعت على المنعوت، ولو كان الفعلُ عاملاً فيه لما امتنع أن يليه معموله، كما يليه المفعول تارة والفاعل أخرى، وكما يليه الحال والظرف، ولا يصح أن يليه ما عمل فيه غيره، لو قلت:"قام زيدًا ضارب"، تريدُ: ضارب زيدًا، أو:"ضربتُ عمرًا رجلاً ضاربًا"، تريد: ضربت رجلاً ضاربًا

(2)

عمرًا، لم يَجُز، فلا يلي العامل إلا ما عمل فيه، فلذلك لا يلي "كان" إلا ما عملت فيه، وكذلك نقول: خبر "إن" المرفوع ليس بمعمول لـ "إن"، وإنما هو على أصله في باب المبتدأ، ولولا ذلك لجاز أن يليها، وإنما وليها إذا كان مجرورًا؛ لأنها ممنوعة من العمل فيه بدخول حرف الجر، مع أن المجرور

(1)

سقطت من (ظ ود).

(2)

"تريد ضربت رجلاً ضاربًا" سقطت من (د).

ص: 321

رتبته التأخير، فلم يبالوا بتقديمه في اللفظ إذ كان موضعه التأخير؛ ولأنَّ المجرورَ ليس هو بخبر على الحقيقة، وإنما هو متعلق بالخبر، والخبر مَنْويٌّ في موضعه، أعني بعد الاسم المنصوب بـ "إن".

فإن قيل: ولعل

(1)

امتناع النعت من التقديم على المنعوت إنما هو من أجل الضمير الذي فيه، والضمير (ق/74 أ) حقه أن يترتَّب بعد الاسمِ الظاهر؟.

قلنا: هذا ليس بمانع؛ لأن خبر المبتدأ حاملٌ للضمير، ويجوز تقديمه، ورب مضمرٍ يجوز تقديمه على الظاهر إذا كان موضعه التأخير.

فإن قيل: ولعل امتناع تقديم النعت إنما وجبَ من أجلِ أنه تبيين للمنعوت وتكملة لفائدته، فصار كالصِّلة مع

(2)

الموصول.

قلنا: هذا باطل، لأنَّ الاسم المنعوت يستقل به الكلام، ولا يَفْتقر إلى النعت افتقار الموصول إلى الصِّلة

(3)

.

ومما يبين لك أن الفعل العامل في الاسم لا يعمل في نعته: أنَّ

(4)

النعت صفة للمنعوت لازمة له قبل وجود الفعل وبعده، فلا تأثير للفعل. فيه، ولا تسلُّطَ له عليه، وإنما التأثير فيه للاسم المنعوت؛ إذ بسببه يُرْفَع ويُنْصَب، وإن لم يَجُز أن تكون الأسماءُ عواملَ في الحقيقة. وهذا بخلاف الحال (ظ/ 55 أ)؛ لأنها وإن كانت صفةً كالنعت، وفيها ضمير يعود إلى الاسم، فإنها ليست بصفةٍ لازمة للاسم كالنعت،

(1)

(ق): "وأصل".

(2)

"النتائج": "من".

(3)

هذا الجواب ساقط من: (ظ ود).

(4)

(ق): "إذ".

ص: 322