المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ - بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌فائدة(2)الفرق بين الشهادة: والرواية:

- ‌فائدة(4)"شهد" في لسانهم لها معانٍ:

- ‌فائدةالمجاز والتأويل لا يدخل في المنصوص

- ‌فائدة(1)لحذف العامل في "بسم الله" فوائد عديدة

- ‌فائدة اشتقاقِ الفعل من المصدر

- ‌فوائدُ تتعلق بالحروف الرَّوابط بين الجملتين، وأحكام الشروط

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌المسألة الثامنة

- ‌المسألة التاسعة

- ‌[مسائل في المثنى والجمع]

- ‌فائدة(1)في "اليوم" و"أمس" و"غد"، وسبب اختصاص كل لفظ بمعناه

- ‌فائدة(3)فعل الحال لا يكون مستقبلًا

- ‌فائدة بديعة(3)" لام" الأمر، و"لا" في النهي، وحروف المجازاة: داخلة على المستقبل

- ‌فائدة بديعة(1)لحاق علامة التثنية(2)والجمع للفعل مُقَدمًا، جاء في لغة قومٍ من العرب

- ‌ تمامَ الكلامِ على أقسام "ما" ومواقعها

- ‌فائدة(7)السرُّ في حذف الألف من "ما" الاستفهامية عند حرف الجر:

- ‌فائدة: فصلٌ في تحقيق معنى "أَي

- ‌فائدة(1)المعنى المفرد لا يكون نعتًا

- ‌فائدة بديعة(1)إذا نُعِتَ الاسم بصفة هي لسببه(2)، ففيه ثلاثة أوجه:

- ‌فائدة بديعة(4)حق النكرة إذا جاءت بعدها الصفةُ أن تكون جاريةً عليها

- ‌فائدة بديعة(1)لا يجوز إضمار حرف العطف

الفصل: ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ

ومن هذا الباب قوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)} [يوسف: 26، 27]، وتقول: إن كانت البيِّنة شهدت بكذا وكذا فقد صدقت، وهذه دقيقة خَلَت عنها كتب النحاة والفضلاء، وهي كما ترى وضوحًا وبرهانًا ولله الحمد.

‌المسألة الثالثة

(1)

: المشهور عند النحاة والأصوليين والفقهاء أن أداة "إن" لا يعلَّق عليها إلا محتمل الوجود والعدم، كقولك:"إن تأتني أكْرِمْك"، ولا يعلق عليها محقَّق الوجود، فلا تقول:"إن طلعت الشمس أتيتك"، بل تقول:"إذا طلعت الشمس أتيتك"، و"إذا" يعلق عليها النوعان.

واستشكل هذا بعض الأصوليين، فقال: قد وردت "إن" في القرآن في معلوم الوقوع قطعًا كقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] وهو سبحانه يعلم أن الكفار في ريب منه. وقوله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ} [البقرة: 24] ومعلوم قطعًا انتفاء فعلهم.

وأجاب عن هذا بأن قال: إن الخصائص الإلهية لا تدخل في الأوضاع العربية، بل الأوضاع العربية

(2)

مبنية على خصائص الخلق، والله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب، وعلى منوالهم، فكل ما كان في عادة العرب حَسَنًا؛ أنزل القرآن على ذلك الوجه، أو قبيحًا لم ينزل

(1)

انظر: "الفروق": (1/ 92 - 93) للقرافي، وهو الذي أشار إليه المصنف بإيراد الإشكال وجوابه.

(2)

"بل الأوضاع العربية" ساقط من (د).

ص: 81

في القرآن، فكل ما كان شأنه أن يكون في العادة مشكوكًا فيه بين

(1)

الناس حَسُنَ تعليقُه بـ "إن" من قبل الله ومن قبل غيره، سواء كان معلومًا للمتكلم أو للسامع أم لا.

ولذلك يحسن في الواحد منا أن يقول: "إن كان زيد في الدار فأكرمه"، مع علمه بأنه في الدار؛ لأنَّ حصول زيد في الدار شأنه أن يكون في العادة مشكوكًا فيه، فهذا هو الضابط لما يعلق على "إن"، فاندفع الإشكال.

قلتُ: هذا السؤال لا يرد، فإن الذي قاله القوم: إن الواقع ولابد بد لا يعلّق بـ "إن"، وأما ما يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع؛ فهو الذي يعلق بها، وإن كان بعد وقوعه متعين الوقوع، وإذا عرفت هذا فتدبر قوله تعالى:{وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)} [الشورى: 48] كيف أتى في تعليق الرحمة المحققة إصابتها من الله تعالى بـ "إذا"، وأتى في إصابة السيئة بـ "إن"، فإن ما يعفو الله عنه أكثر، وأتى في الرحمة بالفعل الماضي الدال على تحقيق الوقوع، وفي حصول السيئة بالمستقبل الدال على أنه غير محقق ولابدّ، وكيف أتى في وصول الرحمة بفعل الإذاقة الدال على مباشرة الرَّحمة لهم، وأنها

(2)

مذوقة لهم، والذوق هو أخصّ أنواع

(3)

الملابسة وأشدها، وكيف أتى في وصول السيئة بمطلق الإصابة دون الذوق، وكيف أتى في

(4)

الرحمة بحرف ابتداء

(1)

(ظ): "من".

(2)

(ق): "وإنهم".

(3)

من (ظ).

(4)

من قوله: "وصول السيئة

" إلى هنا ساقط من (ظ ود).

ص: 82

الغابة مضافة إليه، فقال:{مِنَّا رَحْمَةً} ، وأتى في السيئة بباء السببية مضافة إلى كسب أيديهم، وكيف أكَّد الجملة الأولى التي تضمنت إذاقة الرحمة بحرف "إن" دون الجملة الثانية؛ وأسرار القرآن أكثر وأعظم من أن يحيط بها عقول البشر.

وتأمل قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] كيف أتى بـ "إذَا" ها هنا لما كان مسّ الضر لهم في البحر محقّقًا، بخلاف قوله:{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)}

(1)

[فصلت: 49] فإنه لم يقيد مَسّ الشر هنا، بل أطلقه، ولما قيده بالبحر الذي هو

(2)

يتحقَّق فيه ذلك أتى بأداة "إذا".

وتأمل قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)} [الإسراء: 83] كيف أتى هنا بـ "إذا" المشعرة بتحقيق الوقوع المستلزم لليأس، فإن اليأس إنما حصل عند تحقق مس الشر له، فكان الإتيان بـ "إذا" كانا أدلَّ على المعنى المقصود من "إن"، بخلاف قوله:{وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)} [فصلت: 51] فإنه لقلة صبره وضَعْف احتماله، متى توقع الشر أعرض وأطال في الدعاء. فإذا تحقق وقوعه كان يؤوسًا. ومثل هذه الأسرار في القرآن لا يرقى إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبدًا في كتابه.

فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ

ص: 83

أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] والهلاك محقق.

قلتُ: التعليق ليس على مطلق الهلاك، بل على هلاك مخصوص، وهو هلاك لا عن ولد.

فإن قلت: فما تصنع بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172] وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} [الأنعام: 118] وتقول العرب: إن كنت ابني فأطعني. وفي الحديث في السلام على الموتى: "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بكُمْ لَاحِقُوْن"

(1)

واللّحاق محقَّق، وفي قول الموصِي: إن متُّ فثلث مالي صدقة؟.

قلت: أما قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} ؛ الذي حسَّن مجيء "إن" ها هنا الاحتجاج والإلزام. فإن المعنى: إنَّ عبادتكم لله تستلزم شكركم له، بل هي الشكر نفسه، فإن كنتم ملتزمين

(2)

لعبادته داخلين في جملتها؛ فكلوا من رزقه واشكروه على نعمه، وهذا كثيرا ما يُوْرَد في الحِجَاج كما تقول للرجل: إِن كان الله ربك وخالقك فلا تعصه، وإن كان لقاء الله حقًا فتأهَّب له، وإن كانت الجنة حقًّا فتزوَّد لها، وهذا أحسن من جواب من أجاب: بأنَّ "إن" هنا قامت مقام "إذا"، وكذا قوله:{إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)} ، وكذا قولهم:"إن كنت ابني فأطعني"، ونظائر ذلك.

وأما قوله: "وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاحِقُوْنَ"؛ فالتعليق

(1)

أخرجه مسلم رقم (974، 975) من حديث عائشة وبريدة بن الحصيب رضي الله عنهما.

(2)

(د): "مستلزمين".

ص: 84