الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مسائل في المثنى والجمع]
(1)
الواو والألف في "يفعلون ويفعلان" أصل للواو والألف في "الزيدون والزيدان"، فإنما جعلنا ما هو في
(2)
الأفعال أصلاً لما هو في الأسماء؛ لأنها إذا كانت في الأفعال كانت اسماً وعلامة جمع، وإذا كانت في الأسماء كانت علامة محضة لا أسماء
(3)
، وما يكون اسماً وعلامة في حال هو الأصل لما يكون حرفاً في موضع آخر، إذا كان اللفظ واحداً، نحو كاف الضمير وكاف المخاطبة في ذلك، وهذا أولى بِنَا من أن نجعل الحرف أصلاً والاسم فرعاً له، يدلُّك على هذا: أَنهم لم يجمعوا بالواو والنون من الأسماء إلا ما كان فيه معنى الفعل كـ "المسلمون" و"الصالحون"، دون "رجلون" و"خيلون".
فإن قيل: فالأعلام ليس فيها معنى الفعل، وقد جمعوها كذلك؟.
قيل: الأسماء الأعلام لا تجمع هذا الجمع إلا وفيها الألف واللام، فلا يقال: جاءني زيدون و
(4)
عمرون، فدلَّ على أنهم أرادوا معنى الفعل، أي: الملقبون بهذا الاسم، والمعرفون بهذه العلامة، فعاد الأمر إلى ما ذكرنا.
وأما التثنية؛ فمن حيث قالوا في الفعل: "فَعَلا" و"صَنَعا" لمن
(1)
انظر "نتائج الفكر": (ص/107 - 111).
(2)
(ظ ود): "من".
(3)
"النتائج": "كانت حرفاً علامة جمع".
(4)
(ق): "ولا".
يعقل وغيره، ولم يقولوا "صنعوا" إلا لمن يعقل، لم يجعلوا الواو علامةً للجمع في الأسماء إلا فيما يعقل؛ إذ كان فيه معنى الفعل، ومن حيث اتفق معنى التثنية ولم يختلف، اتفقَ لفظُها كذلك في جميع أحوالها ولم يختلف، واستوى فيها العاقل وغيره.
ومن حيث اختلفت
(1)
معاني الجموع بالكثرة والقلة اختلفت ألفاظها، ولما كان الإخبار عن جمع مالاً يعقل يجري مجرى [الجُمَّة]
(2)
والأمة والثُّلة، لا يقصد به في الغالب إلا الأعيان المجتمعة على التخصيص، لا كل منهما على التعيين، كان الإخبار عنها بالفعل كالإخبار عن الأسماء المؤنثة؛ إذ الجُمَّة والأمة وما هو في ذلك المعنى أسماء مؤنثة. ولذلك قالوا:"الجِمال ذَهَبت" و"الثياب بِيْعَت"؛ إذ لا يتعين في قصد الضمير كلّ واحد منها
(3)
في غالب الكلام والتفاهم بين الأنام.
ولما كان الإخبار عن جمع ما يعقل
(4)
بخلاف ذلك، وكان كلُّ واحد من الجمع يتعين غالباً في القصد إليه والإشارة، وكان اجتماعهم في الغالب عن مَلإٍ منهم
(5)
وتدبير وأغراض (ظ/23 ب) عقلية، جُعِلَت لهم علامة تختص بهم تنبئ عن الجمع المعنوي، كما هي في " (ق/32 أ) ذاتها جمع لفظي، وهي "الواو"؛ لأنها ضامَّة بين الشفتين
(1)
في الأصول: "اختلف" والمثبت من "النتائج"، والموضع الآخر كذلك في (ظ ود).
(2)
في الأصول ومخطوطات النتائج: "الجملة" والصواب ما هو مثبت، نبّه عليه د/ البنا محقق "النتائج". والجُمَّة هي: الجماعة. وهذا التصويب يجري على الموضع الذي بعد هذا أيضاً.
(3)
(ظ ود): "منهما".
(4)
(ق): "ما لا يعقل"، وهو خطأ.
(5)
(ظ ود): "ملازمتهم"!.
وجامعة لهما، وكل محسوس يعبر [به] عن معقول، فينبغي أن يكون مُشاكِلاً له، فما خلق الله الأجساد في صفاتها المحسوسة إلا مطابقةً للأرواح في صفاتها المعقولة، ولا وضع الألفاظ في لسان آدم وذُرِّيته إلا موازنةً للمعاني التي هي أرواحها، وعلى نحو ذلك خُصَّت "الواو" بالعطف؛ لأنه جمع في معناه، وبالقَسَم؛ لأنَّ واوه في معنى واو العطف.
وأما اختصاص "الألف" بالتثنية، فلقرب التثنية
(1)
من الواحد في المعنى، فوجب أن يَقْرُب لفظُها من لفظِه. وكذلك لا يتغيَّر بناء الواحد فيها كما لا يتغير في أكثر الجموع، وفعلُ الواحد مبني على الفتح، فوجبَ أن يكون فعل الاثنين كذلك، وذلك لا يمكن مع غير "الألف". فلما ثبت أن الألف بهذه العلة ضمير الاثنين كانت علامةً للاثنين في الأسماء، كما فعلوا في "الواو" حين كانت ضمير الجماعة في الفعل جُعِلَت علامةً للجمع في الأسماء.
وأما إلحاق "النون" بعد حرف المد في هذه الأفعال الخمسة، فحُمِلت على الأسماء التي في معناها المجموعة جمع السلامة والمثنَّاة، نحو "مسلمون" ومسلمان
(2)
، وهي في تثنية الأسماء وجمعها عِوَض مِن التنوين كما ذكروا، ثمَّ شبَّهوا بها هذه الأمثلة الخمسة وألحقوا النون فيها في حال الرفع؛ لأنّها إذا كانت مرفوعةً كانت واقعةً موقعَ الاسم، فاجتمعَ فيها وقوعُها موقعَ الاسم
(3)
ومضارعتُها له في اللفظ؛ لأن آخرها حرف مدٍّ ولِين، ومشاركتها له
(1)
"فلقرب التثنية" سقطت من (ق).
(2)
(ظ ود): "مسلمات"!.
(3)
"فاجتمع
…
" سقط من (ق).
في المعنى، فألحق فيها النون عِوَضاً مِن حركة الإعراب حَمْلاً على الأسماء، كما حُمِلت الأسماءُ عليها، فجُمِعت بالواو والياء.
فالنون في تثنية الأسماء وجمعها أصل للنون في تثنية الأفعال وجمعها -أعني علامة الإعراب
(1)
- هي أصلٌ لحروفِ المدِّ
(2)
في تثنية الأسماء وجمعها، التي هى علامات إعراب، وحروف إعراب كما تقدم.
فإن قيل: فهلا أثبتوا هذه النون في حال النصب والجزم من الأمثلة الخمسة؟.
قلنا
(3)
: لعدم العلة المتقدمة، وهي وقوعها موقع الاسم، وأنت إذا أدخلت النواصب والجوازم لم تقع موقع الأسماء؛ لأنَّ الأسماء لا تكون بعد عوامل الأفعال، فبعدت عن الأسماء، ولم يبق فيها إلا مضارعتها لها في اتصال حروف المدِّ بها، مع الاشتراك في معنى الفعل.
فإن قيل: فأين الإعراب فيها في حال النصب والجزم؟.
قلنا: مقدَّر، كما هو في كل اسم وفعل آخره حرف مدّ ولِيْن، سواءٌ
(4)
كان حرف المد زائداً أو أصلياً، ضميراً أو حرفاً، كـ: يرمي والقاضي، وعصا ورَحَى وسَكْرى وغُلامي، إلا أنَّه مع هذه الياء مقدَّر قبلها -أعني الإعراب-، وهو في: يرمي ويخشى ونحوه مقدَّر في
(1)
في إحدى نسخ "النتائج": "الإضمار".
(2)
(ظ ود): "الحروف والمد".
(3)
سقطت من (ظ).
(4)
(ظ ود): "سواء. وسواءٌ".
نفس الحرف لا قبله؛ لأنه لا يتقدَّر إعراب اسم في غيره.
وإذا ثبت ذلك فقولك: "لن تفعلوا" و"لن تفعلي"، إعرابه مقدر قبل الضمير في لام الفعل، كما هو كذلك في غلامي، وليس زوال النون وحذفها هو الإعراب، لأنه يستحيل
(1)
أن يَحُوْل (ق/ 32 ب) بين حرف الإعراب وبين إعرابه اسمٌ فاعلٌ أو غيرُ فاعلٍ، مع أن العدم ليس بشيءٍ، فيكون إعراباً وعلامة لشيءٍ في أصل الكلام ومعقوله
(2)
.
وأما فِعْل جماعة النساء؛ فكذلك -أيضاً- إعرابه مقدَّر قبل علامة الإضمار، كما هو مقدَّر قبل الياء من غلامي، فعلامة الإضمار
(3)
منعت من ظهوره لاتصالها بالفعل، وأنها كبعض حروفه، فلا يمكن تعاقب الحركات على لام الفعل معها، كما لم يُمكن ذلك مع ضمائر الفاعلين المذكورين، ولا مع الياء في
(4)
غلامي.
ولا يمكن أيضاً أن يكون
(5)
الإعراب في نفس النون؛ لأنها ضمير الفاعل فهي غير الفعل، ولا يكون إعرابُ شيءٍ في غيره، ولا يمكن -؟ أيضاً- أن يكون بعدها؛ فإِنه مستحيل في الحركات، وبعيد كلَّ البعد في غير الحركات أن يكون إعراباً، وبينه وبين حرف الإعراب اسم أو
(6)
فعل، فثبت أنَّه مقدَّر كما هو في جميع الأسماء والأفعال المعربة التي لا يقدر على ظهور الإعراب فيها لمانع كما تقدم.
(1)
(ق): "لا يستحيل".
(2)
(ظ ود): "ومفعوله".
(3)
(ق): "الإعراب".
(4)
(ظ ود): "مع".
(5)
(ق): "أن يكون بعدها
…
".
(6)
(ق): "و".
فإن قيل: فقد أثبتم أن فعل جماعة المؤنث معرب، وهذا خلاف لسيبويه ومن وافقه من النحويين، فإنهم زعموا أنَّه مبني، وإن اختلفوا في علة بنائه؟
قلنا: بل هو وِفاق لهم؛ لأنهم علَّمونا وأصَّلوا لنا أصلاً صحيحاً، فلا ينبغي لنا أن ننقضه ونكسره عليهم، وهو وجود (ظ/24 أ) المضارَعَة الموجبةِ للإعراب، وهي موجودة في "يَفْعَلْنَ" و"تَفْعَلْنَ"، فمتى وُجِدت الزوائدُ الأربع وُجِدت المضارعة، وإذا وُجدت المضارعة وُجد الإعراب.
فإن قيل: فهلَّا عوَّضوا من حركة الإعراب في حال رفعه نوناً
(1)
كما فعلوا في "يفعلون"؛ لأنه -أيضاً- واقع موقع الاسم؟.
قلنا: قد تقدم ما في "يفعلون" و"يفعلان" من وجوه الشَّبه بينه وبين جمع السلامة في الأسماء، فمنها: الوقوع موقع الاسم، ومنها: المضارَعَة في اللفظ من جهة حروف المدِّ واللِّين، وهذا الشبه معدوم في "يَفْعَلْنَ" من جهة اللفظ؛ لأنه ليس مثل لفظ "فاعلين" ولا "فاعلات"، وإن كان واقعاً موقعه في حال الرفع.
فائدة
(2)
لما كانت الأيام متماثلة لا يتميز يوم من يوم بصفة نفسية ولا معنوية؛ لم يبقَ تمييزها إلا بالأعداد، ولذلك جعلوا أسماء أيام الأسبوع مأخوذة من العدد، نحو: الاثنين والثلاثاء والأربعاء، أو بالأحداث الواقعة فيها؛ كيوم بُعَاث ويوم بدر ويوم الفتح، ومنه: يوم الجمعة، وفيه قولان:
(1)
سقطت من (ظ ود).
(2)
بنحوه في "نتائج الفِكْر": (ص/113).
أحدهما: لاجتماع الناس فيه للصلاة.
والثاني: -وهو الصحيح- لأنَّه اليوم الذي جمع فيه الخلق وكمل، وهو اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء.
وأما يوم السبت: فمن القطع كما تُشْعِر به هذه المادة، ومنه
(1)
السُّبَات لانقطاع الحيوان فيه عن التحرُّك والمعاش. والنِّعال السبتية التي قُطِع عنها الشعر، وعِلَّة السُّبات التي تقطع العليل عن الحركة والنطق، ولم يكن يوماً من أيام تخليق العالم، بل ابتداء أيام التخليق (ق/ 33 أ) الأحد، وخاتمتها الجمعة، وهذا أصحّ القولين، وعليه يدل القرآن وإجماعُ الأمةِ على أن أيامَ تخليقِ العالم
(2)
ستة، فلو كان أولها السبت لكانت سبعة.
وأما حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في "صحيحه"
(3)
: "خَلَقَ اللهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ"؛ فقد ذكرَ البخاريُّ في "تاريخه"
(4)
: أنَّه حديث مَعْلول، وأن الصحيح أنَّه قول كعب، وهو كما ذكر؛ لأنه يتضمَّن أن أيام التخليق سبعة، والقرآن يرده
(5)
.
واعلم أنّ معرفة أيام الأسبوع لا يعرف بحسٍّ ولا عقل ولا وضع يتميز به الأسبوع عن غيره، وإنما يُعلم بالشرع، ولهذا لا يَعْرف أيامَ الأسبوع إلا أهل الشرائع، ومن تلقَّى ذلك عنهم وجاورهم، وأما
(1)
(ق): "ومن اليوم
…
".
(2)
من قوله: "بل ابتداء
…
" إلى هنا ساقط من (د).
(3)
رقم (2789).
(4)
"التاريخ الكبير": (1/ 413 - 414) وكعب هو: كعب الأحبار.
(5)
وانظر في الكلام على الحديث: "منهاج السنة": (7/ 215)، و"الأنوار الكاشفة":(ص/ 188 - 193) للمعلمي، و"السلسلة الصحيحة" رقم (1833).