الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ
19 -
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» .
ــ
19 -
إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ.
* إسماعيلُ: هو ابنُ إبراهيم بن مقسم، المعروف بـ "ابن عُليَّة".
أخرج له الجماعةُ.
وهو متفقٌ على ثقته وإتقانه.
قال أحمدُ: "إليه المنتهى في التثبُّت بالبصرة".
وقال ابنُ معين:
"كان ثقةً، صدوقًا، مأمونًا، مسلمًا، ورعًا، تقيًّا".
وناهيك بهذا من ابْن معينٍ!
أمَّا ما حُكِيَ عن أحمد، أنه سُئل عن وهيبٍ، وابن عُليَّة، فقال:"وهيبٌ أحبُّ إليَّ، وابنُ عُليَّة ما زال وضيعًا في الكلام الذي تكلم به إلى أنْ مات! قلتُ: أليس قد رجع وتاب على رؤوس الناس؟! قال: بلى!. إلى أن قال: وكان لا ينصفُ بحديث الشفاعات".
وكان منصور بن سلمة الخُزاعيُّ يحدثُ مرةً، فسبقه لسانُه، فقال: ثنا إسماعيلُ بنُ عُليَّة، ثمَّ قال: لا، ولا كرامة! بل أردتُ زهيرًا، ثمَّ قال: ليس من قارف الذَّنْب كمن لم يقارف، وأنا والله استتبتُ ابن عُلية".=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= قال الذهبيُّ في "الميزان":
"وهذا من الجرح المردود، لأنَّه غلوٌ. وإمامةُ إسماعيل لا نزاع فيها. وقد بدتْ منه هفوةٌ وتاب منها، فكان ماذا؟! إني أخاف الله لا يكون ذكرنا له من الغيبة". اهـ.
ثمَّ إنَّ "عُليَّة" هي أمُّ إسماعيل على الراجح، خلافًا لعليّ بن حُجْر إذ زعم أنها جدَّتُه لأمِّه. وكان إسماعيلُ يكره أن بنسب إلى أمه، فكان يقول:"من قال ابن عُليَّة فقد اغتابنى".
ولكن المحدثين لم يروا أن هذا من الغيبة، وإنما نسبوه لأمه تمييزًا له عن غيره، لحفظه وشرفه. كما أنه لا يُعدُّ من الغيبة أن نقول:"الأعمش، والأعرج، والأحول ....... " ونحو ذلك.
وضابطُ ذلك، ما قاله ابنُ حبان في "المجروحين" (1/ 18):" ..... إن إخبار الرجل بما في الرجل على جنس الإبانة، ليس بغيبة، وإنما الغيبةُ ما يريدُ القائل القدح في المقول فيه".
وقد فصَّلْتُ هذا البحث في كتابي "قصد السبيل في الجرح والتعديل" وهو أحد أقسام "الإمعان مقدمة بذل الإحسان" يسر الله نشرها.
وقد علَّق الذهبيُّ في "السير"(9/ 108) على قول إسماعيل، فقال:"هذا سوءُ خُلُقٍ رحمه الله، شىءٌ قد غلب عليه فما الحيلة؟! قد دعا النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير واحدٍ من الصحابة بأسمائهم مضافًا إلى الأم. كالزبير بن صفيّة، وعمار بن سُميَّة" اهـ.
* عبد العزيز بن صُهيبٍ، هو البُناني أخرج له الجماعةُ.
وثقهُ أحمدُ ، وابنُ معين، وابنُ سعدٍ، والمصنِّفُ، والعجليُّ.
وقال أبو حاتمٍ:
"صالح"!!. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 242 و 11/ 129 - فتح)، وفي "الأدب المفرد"(692)، ومسلم (4/ 70 - نووى)، وأبو عوانة (1/ 216)، وأبو داود (4)، والمصنِّفُ في "اليوم والليلة"(74)، والترمذيُّ (5، 6)، وابنُ ماجة (296)، والدارميُّ (1/ 171)، وأحمدُ (3/ 99، 282،101)، وابنُ أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 1)، وعليُّ ابنُ الجعد، في "مسنده"(1473، 1474، 2560)، وأبو يعلى (ج 7 / رقم 3902)، وكذا ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1404) وتمام الرازي في "الفوائد"(147)، وابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 258)، وابنُ السُّنى في "عمل اليوم والليلة"(16)، والطبرانيُّ في "الدُّعاء"(ج 2 / رقم 359)، والبيهقيُّ (1/ 95)، والبغويُّ في "شرح السُّنة"(1/ 376)، وابنُ النجار في "ذيل تاريخ بغداد"(2/ 87)، وابنُ اللَّمش في "تاريخ دُنيسر"(ص 46،45)، والذهبيُّ في "السير"(11/ 467) من طرقٍ عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ به.
قال الترمذيُّ:
"هذا حديثٌ حسن صحيحٌ" وقد رواه عن عبد العزيز بن صهيبٍ جماعةٌ منهم:
"شعبةُ، وحماد بنُ سلمة، وعبد الوارث بنُ سعيدٍ، وابنُ عُليَّة، ومعمر بن راشد، وهشيم بن بشير، وحماد بن زيد، وزكريا بنُ يحيى بن عمارة، وحماد بنُ واقد، وسعيدُ بْنُ زيد" وتابعهم أيضًا عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صهيبٍ بلفظ:"إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخُبُث والخبائث".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أخرجه المعمريُّ في "اليوم والليلة".
قال الحافظ في "الفتح"(1/ 244):
"إسنادُهُ على شرط مسلمٍ، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية" اهـ.
وقال في "نتائجُ الأفكار"(1/ 196): "رواتُهُ موثقون".
* قُلْتُ: وقولُهُ: "على شرط مسلمٍ" كنتُ أظُنه على شرط الشيخين، لا سيما وعبد العزيز بن المختار من رجالهما. ثمَّ تبين لي أن قوله:"عبد العزيز" خطأ لا أدرى ممَّن؟ وصوابُه "عبد الله بن المختار" لأمرين:
الأول: أنه هو الذي يروى عن عبد العزيز بن صهيبٍ.
الثاني: أنه هو الذي تفرد به مسلم دون البخاريّ، فيوافق بذلك حكم الحافظ رحمه الله.
ثمَّ قول الحافظ:"ولم أرها في غير هذه الرواية" يعني من حديث أنسٍ متعقب بما: أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 1)، وابنُ أبي حاتمٍ في "العلل"(ج 1 / رقم 167)، والطبرانيُّ في "الدعاء"(ج 2 / رقم 358)، وابنُ عديٍّ في "الكامل"(7/ 2519) من طريق أبي معشر، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دخل الكنيف، قال:"بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث".
وسندُهُ ضعيفٌ، لأجل أبي معشر، واسمه نجيح السنديّ، وفي حفظه ضعفٌ.
ثمَّ وقفتُ -منذ أيامٍ- على كتاب "تمام المنة" لشيخنا الألباني =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= حفظه الله تعالى، وأمتع المسلمين بطول حياته، فرأيتُه يميل إلى أن زيادة "بسم الله" في حديث أنسٍ شاذَّةٌ.
قال الشيخُ (ص 57):
"وهي -يعني الزيادة- عندي شاذَّةٌ، لمخالفتها لكل طرق الحديث عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنسٍ في "الصحيحين" وغيرهما ممن سبقت الإِشارة إليهم" اهـ.
* قُلْتُ: والأقربُ عندي إلى القاعدة أن عبد الله بن المختار لم يخالف أصحاب عبد العزيز بن صهيبٍ بذكر "التسمية"، بل هو زاد عليهم ذلك. ثمَّ هو ثقة ولم يغمزه أَحدٌ، فزيادتُه مقبولةٌ. وقد قبل الشيخُ زيادة علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر مرفوعًا:"صلاة الليل والنهار مثنى مثنى".
وسائر أصحاب ابن عمر -وهم يقاربون العشرين- يروون الحديث بلفظ: "صلاة الليل مثنى مثنى" فلم يذكروا: "النهار" وضربُ الأمثلة على ذلك يطولُ. ولستُ ممن يرى قبول زيادة الثقة بإطلاق، بل يحكم لكل حديث بما يُناسب الحال. والله تعالى أعلى وأعلمُ.
وللحديث طرقٌ أخرى عن أنسٍ:
1 -
الزهريُّ، عنه.
أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط"(ج 2 / ق 119/ 1)، وفي "الصغير"(2/ 44)، وفي "الدُّعاء" (ج 2 / رقم 360) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن كيسان المصيصيُّ ثنا إبراهيم بن حميد الطويل، ثنا صالحُ بنُ أبي الأخضر، عن الزهري، عن أنسٍ مرفوعًا: "إنَّ هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخلها أحدكم فليقُل: اللهُمَّ إني أعوذ بك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= من الخُبُث والخبائث".
قال الطبراني:
"لم يرو هذا الحديث عن الزهريّ، إلا صالحُ بنُ أبي الأخضر، ولا عنه إلا إبراهيمُ بنُ حميدٍ، تفرَّد به محمد بن الحسن بن كيسان".
* قُلْتُ: أمَّا شيخُ الطبرانيّ، فلم أقف له على ترجمةٍ.
وإبراهيم بنُ حميد الطويل، وثقه أبو حاتم الرازيُّ -كما في "الجرح والتعديل"(1/ 1/ 94)، وابنُ حبان في "ثقاته" (8/ 68) وقال:"يخطيء". وأبو حاتمٍ أدرى به من ابن حبان، لا سيما وهو من شيوخ أبي حاتم الذين لقيهم، وكتب عنهم. فالله أعلمُ.
وصالحُ بن أبي الأخضر، يُضعف حديثه في الزهريّ.
فسند الحديث ضعيفٌ.
2 -
قتادةُ، عنه.
"أخرجه ابنُ السُّني في "اليوم والليلة" (20)، والطبرانيُّ في "الأوسط" (ج 3 / رقم 2824)، وفي "الدعاء" (ج 2 / رقم 356)، والعقيليُّ في "الضعفاء" (3/ 371) من طرقٍ عن قطن بن نُسير، ثنا عديُّ بن أبي عمارة، قال: سمعتُ قتادة يحدثُ عن أنسٍ مرفوعًا: "إنَّ هذه الحشوش محتضرةٌ، فإذا دخل أحدكم الخلاء، فليقُلْ: بسم الله، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الخُبث والخبائث.".
قال الطبرانيُّ:
"لم يرو هذا الحديث عن قتادة، عن أنسٍ، إلا عديُّ، تفرَّد به قطنُ".
* قُلْتُ: أما قطنُ بنُ نُسير، ففيه مقالٌ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان أبو حاتم وأبو زرعة يحملان عليه
…
وعديُّ بنُ أبي عمارة.
قال العقيليُّ:
"في حديثه اضطرابٌ".
ولذلك قال الحافظُ في "نتائج الأفكار"(1/ 95):
"هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه ..... وأخرجه الدَّارقطنيُّ في "الأفراد" من هذا الوجه، وقال: تفرد به عديٌّ عن قتادة".
3 -
عبد الله بن أبي طلحة، عنه.
وقد سبق تخريجه قبل قليلٍ.
ثمَّ إنه قد اختلف في إسناده فرواه هشيم، عن أبي معشر، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنسٍ كما مرّ ذكره.
وخالفه محمد بن بكار فقال: ثنا أبو معشر، عن حفص بن عمر بن أبي طلحة، عن أنسٍ به.
فصار شيخ أبي معشر هو "حفص بن عمر".
أخرجه الطبرانيُّ في "الدُّعاء"(ج 2/ رقم 357) وهذا الاضطراب من أبي معشر، لسوء حفظه.
…
قال الترمذيُّ:
وفي الباب عن عليٍّ، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعودٍ".
1 -
حديثُ عليٍّ، رضي الله عنه.
أخرجه الترمذيُّ (606)، وابنُ ماجة (297)، والبغويُّ في "شرح السُّنة"(1/ 378) من طريق محمد بن حميد الرازى، حدثنا الحكمُ بنُ بشيرٍ بن سليمان، حدثنا خلَّادٌ الصفَّارُ، عن الحكم بن عبد الله النصريّ، عن أبي إسحق، عن أبي جحيفة، عن عليّ بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أبي طالبٍ رضي الله عنه، مرفوعًا:"سترُ ما بين أعين الجنِّ، وعورات بني آدمٍ، إذا دخل أحدهمُ الخلاء، أنْ يقول: بسم الله"(1).
قال الترمذيُّ:
"هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وإسنادُهُ ليس بذاك القويّ" وأقرَّهُ البغويُّ.
* قُلْتُ: وهذا هو الصوابُ. وخالف في ذلك جماعة.
فقد رمز السيوطيُّ له بالحُسْنِ.
قال المُناوى في "الفيض"(4/ 96 - 97):
"رمز المصنف لصحته (كذا وهو خطأ، والصواب: لحُسْنه) وهو كما قال أو أعلى، فإن مُغُلْطاى مال إلى صحته، فإنه لما نقل عن الترمذيّ أنه غيرُ قويٍّ، قال: لا أدرى ما يوجبُ ذلك؛ لأنَّ جميع من في سنده غيرُ مطعونٍ عليهم بوجهٍ من الوجوه، بل لو قال قائلٌ: إسنادُهُ صحيحٌ، لكان مصيبًا" اهـ.
ونقل الشوكانيُّ هذا الكلام في" تحفة الذاكرين"(109) وأقرَّهُ!!.
وقال شيخُنا الألبانيّ في "تمام المنة"(ص- 20):
"لكن مال مُغُلْطاى إلى صحته كما قال المُناوى، وله شاهدٌ من حديث أنسٍ عند الطبراني من طريقين، فالحديث به حسنٌ على أقل الدرجات" اهـ.
* قُلْتُ: وتتابُعهم على هذا الخطأ يُعدُّ من الغرائب!!
فإن هذا الحديث ضعيفٌ، بل واهٍ. وله عللٌ: =
(1) وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" لأحمد، ولم أجده فيه. فالله أعلمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= * الأولى: محمدُ بْنُ حميدٍ، شيخُ الترمذيّ، وابن ماجة واهٍ.
قال البخاريُّ:
"في حديثه نظرٌ".
وقال النسائيُّ:
"ليس بثقةٍ".
وقال أبو نُعيم بنُ عديٍّ:
"سمعت أبا حاتمٍ الرازيّ في منزله، وعنده ابنُ خراشٍ، وحماعةٌ من مشايخ أهل الريِّ، وحُفَّاظهم، فذكروا ابن حميدٍ، فأجمعوا على أنه ضعيف الحديث جدًّا، وأنه يحدثُ بما لم يسمعه، وأنه يأخذُ أحاديث أهل البصرة والكوفة، فيحدث بها عن الرازيين" اهـ.
وقال ابنُ خراشٍ:
"ثنا محمدُ بنُ حميدٍ، وكان -والله- يكذبُ" وكذَّبهُ أبو زرعة الرازى، وصالح جزرة.
واتهمه غير واحدٍ بسرقة الحديث.
وقال فضلك الرازيُّ:
"عندي عن ابن حميدٍ خمسون ألف حديثٍ، ولا أحدثُ عنه بحرفٍ".
أمَّا الشيخُ أبو الأشبال - رحمه الله تعالى - فله شأنٌ آخر! فقال في "شرح الترمذيّ"(2/ 503 - 504):
"محمد بنُ حميدٍ، هو أحدُ الحفاظ، وثقه أحمدُ، وابنُ معينٍ، وغيرُهما. وتكلَّم فيه النسائيُّ وغير واحدٍ، حتى غلا بعضُهُمْ فرماه بالكذب. ونستخيرُ الله في أنه "ثقة"! ترجيحًا لقول من وثقه وصحَّح أحاديثه" اهـ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= * قُلْتُ: كذا قال الشيخ رحمه الله، وهذا من تساهله الذي عُرف به عند أهل العلم بالحديث.
أمَّا توثيق أحمد وابن معينٍ لمحمد بن حميدٍ، فحكايتُه ما ذكره أبو حاتم الرازيُّ، قال:"سألنى يحيى بنُ معينٍ عن ابن حميدٍ من قبل أن يظهر منه ماظهر، فقال: أيُّ شىءٍ ينقمون منه؟ قلتُ: يكون في كتابه شىءٌ، فيقول: ليس هذا هكذا، فيأخذ القلم فيغيرُهُ! فقال ابنُ معين: بئس هذه الخصلة، قدم علينا بغداد، فأخذنا منه كتاب يعقوب، ففرقنا الأوراق، ومعنا أحمدُ، فسمعناه، ولم نر إلَّا خيرًا" اهـ.
فظاهرٌ من الحكاية أنَّ توثيق أحمد وابن معين لمحمد بن حميد كان بعد هذا المجلس. وقد كان ابنُ معين وغيرُه يوثق الراوى بناءً على مجلسٍ واحدٍ يسمعه منه على الاستقامة.
وهذا التوثيق ضعيفٌ، لأن عامة أهل الريّ أجمعوا على أن محمد بن حميد ضعيفُ الحديث جدًّا، وهو رازيٌّ أيضًا، فهم أعلمُ به من أحمد وابن معين؛ لأن بلديَّ الرجل أعلمُ به وأخبر.
وقد قال الشيخُ أبو الأشبال في "شرح الترمذيّ"(1/ 266): " ..... وخصوصًا مع اختيار مالك حديثهما، وإخراجه في "موطئه"، وهو أعرفُ الناس بأهل المدينة، وأشدُّهم احتياطًا في الرواية عنهم" اهـ.
نقولُ: وكذلك أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان -وغيرُهما من أهل الريّ- أعلمُ من غيرهما بأهل البلد.
وقد قال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة:
"سألتُ أبا زرعة عن محمد بن حميدٍ، فأومأ بأصبعه إلى فمه! فقُلت له: كان يكذب؟! فقال برأسه: نعم. فقُلْتُ له: كان قد شاخ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= لعلَّهُ كان يُعمل عليه ويُدلَّسُ عليه؟! فقال: لا يا بُنى، كان يتعمد".
فهذا يدُلُّك على أن أبا زرعة -وهو من هو- قد سبر غور ابن حميد فنفى عنه أيَّ احتمال في تبرئته، وأثبت أنه كان يتعمد.
ولأبي حاتمٍ الرازى حكايةٌ تدلُّ على سقوطه، وهي مذكورةٌ في "التهذيب".
وقد قال أبو عليّ النيسابوريُّ لابن خزيمة:
"لو حدَّث الأستاذُ عن محمد بن حميدٍ، فإنَّ أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنَّه لم يعرفه كما عرفناهُ، ولو عرفه ما أثنى عليه أصلًا".
فهذا يؤكِّدُ ما ذكرتُه من أن توثيق أحمد وابن معين ضعيفٌ. وما ذكره الرازيون هو من الجرح المفسر، الذي يُقدَّمُ على التعديل، لا شك في ذلك والحمد لله.
فالعجبُ من مُغُلْطاى رحمه الله كيف زعم أنَّ: "جميع من في سنده غيرُ مطعونٍ عليهم بوجهٍ من الوجوه"!!
* العلة الثانية: أن الحكم بن عبد الله النضريّ، لم يوثقه إلَّا ابنُ حبان. وتوثيقه لينٌ إذا تفرد به، كانو مشتهرٌ عند أهل الحديث.
* العلة الثالثةُ: أنَّ أبا إسحق السبيعى، واسمه عمرو بن عبد الله، كان قد اختلط، والراوى عنه لم يسمع منه في حال الصحة، على ظاهر ما في ترجمته، ثمَّ هو مدْلسٌ، ولم أره صرَّح بتحديثٍ. واللهُ أعلمُ.
فالحديث ضعيفٌ جدًّا بهذا السند.
أمَّا قولُ الشيخ أبي الأشبال:
"ونحن نخالفُ الترمذيَّ في هذا، ونذهب إلى أنه حديثٌ حسنٌ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= إنْ لم يكن صحيحًا!!، وقد ترجمنا رواته، وبيَّنا أنهم ثقات"!! * قُلْتُ: لو قال الشيخُ إنه حديثٌ حسنٌ لغيره، لوافقناه على ذلك لوجود شواهد له. أمَّا أن يكون حسنًا لذاته أو صحيحًا فهذا مردودٌ بما سبق من التحقيق. والله أعلمُ.
…
2 -
حديثُ ابْنِ مسعودٍ، رضي الله عنه.
أخرجه الِإسماعيليُّ في "معجمه"(1)(ج1/ق101/ 1)، ومن طريقه الخطيبُ في "التاريخ" (4/ 262) قال: أخبرنى عبد الله بن محمد بن ياسين، أبو الحسن، ثبتٌ صاحبُ حديثٍ، قال: حدثني أحمدُ بْنُ عبد الجبار السكونيُّ، بغداديٌّ، قال: حدثنا أبو يوسف القاضى، عن أبي إسحق الشيبانى، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم، كان إذا دخل الغائط، قال:"أعوذ بالله من الخُبث والخبائث".
قال البدرُ العينى في "عمدة القارئ"(2/ 272): "إسنادُهُ جيدٌ"!
* قُلْتُ: كذا قال! وفيه نظرٌ.
لأن أحمد بن عبد الجبار السكونى، قد ذكر الخطيبُ أنه هو: أحمد ابن محمد بن عيسى، أبو جعفر السكونى. وترجمه أيضًا (5/ 59 - 60) وروى هذا الحديث في ترجمته، ثمَّ نقل عن الدارقطنيّ أنه قال:"بغداديٌّ متروك".
وقال الحافظ في "اللسان"(1/ 288 - 289): =
(1) وأنا على وشك الانتهاء من تحقيقه وتخريجه، يسر الله ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= "وهذا الشيخُ اختلفوا في نسبه. فقال محمد بن مخلد، ووكيع القاضى ..... في نسبه: "أحمد بن محمد بن عيسى السكونى" وروى عنه عبد الله بن محمد بن سعيد الحمَّال، ومحمد بن سليمان بن محبوبٍ، فقالا: "أحمد بن عيسى السكونى"، فإنهما نسباه إلى جدِّه. وروى عنه عبد الله بن محمد بن ياسين، فقال: "ثنا أحمد بن عبد الجبار السكونى" كذا قال! وهو هو. فإنَّ الحديث الذي رواه عنه هؤلاء كلُّهم، حديثٌ واحدٌ من روايته عن أبي يوسف، عن أبي إسحق الشيبانى، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ، في القول عند دخول الخلاء. وهو حديثٌ غريبٌ بهذا الإسناد، وقد ذكر الدَّارقطنُّى في "الأفراد" أن السكونيَّ تفردَّ به" اهـ.
…
3 -
حديثُ زيد بْنِ أرقم، رضي الله عنه.
أخرجه أبو داود (6) والمصنِّف في "اليوم والليلة "(رقم 75)، وابنُ ماجة (296)، وأحمدُ (4/ 369)، والطيالسيُّ (679)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 69)، وابنُ حبان (ج2 / رقم 1405)، والحاكم (1/ 187)، والبيهقيُّ (1/ 96) من طرقٍ عن شعبة، عن قتادة، قال: سمعتُ النضر بن أنسٍ، يحدث عن زيد بن أرقم مرفوعًا:"إنَّ هذه الحشوش محتضرةٌ، فإذا دخلها أحدُكُمْ، فليقُلْ: اللَّهُمَّ إنى أعوذُ بك من الخُبُثِ والخبائث".
وقد وقع تصريح قتادة عند الطيالسيّ، وابن حبان.
وقد رواه عن شعبة هكذا جماعةٌ من أصحابه، منهم:
"محمد بنُ جعفر، وعبدُ الرحمن بنُ مهديٍّ، وابنُ أبي عديٍّ، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= والطيالسيُّ، وخالد بن الحارث، وعمرو بن مرزوق".
وخالفهم عيسى بن يونس (1)، فرواه عن شعبة، عن القاسم الشيبانى، عن زيد بن أرقم به.
فجعل شيخ شعبة هو" القاسم" بدلًا من "النضر بن أنس".
أخرجه ابنُ حبان (ج2 / رقم 1403) من طريق علي بن خشرم، قال: حدثنا عيسى بن يونس به.
* قُلْتُ: ورواية عيسى شاذَّةٌ -عندي-، لمخالفتها لرواية الجماعة عن شعبة. ومما يدلُّ على ذلك أن يحيى القطان قيل له:"إن ابن أبي عروبة روى عن قتادة، عن القاسم بن عوف، عن زيد بن أرقم يعني حديث الحشوش. وشعبة يحدث به عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد. فقال يحيى: لو علم شعبةُ أنه عن القاسم لم يحمله، إنه رأى القاسم وتركه".
فالصواب في رواية شعبة ما رواه الجماعةُ عنه.
قال الترمذيُّ في "سننه"(1/ 11):
"وحديث زيد بن أرقم في حديثه اضطرابٌ. روى هشام الدستوائى وسعيد بنُ أبي عروبة، عن قتادة. فقال سعيدٌ: عن القاسم بن عوف الشيبانى، عن زيد بن أرقم. وقال هشام الدستوائى: عن قتادة، عن زيد بن أرقم. ورواه شعبة ومعمر، عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ. فقال شعبة: عن زيد بن أرقم. وقال معمر: عن النضر بن أنس، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم وسألتُ محمدًا عن هذا؟ فقال: يُحتمل أن يكون قتادةُ روى عنهما جميعًا" اهـ.=
(1) هذا كله مبنى على ثبوت هذه الرواية، وإلا فإنى متخوفٌ من وقوع التصحيف في سنده، فيكون "شعبة" تصحّف عن "سعيد" وهذا واردٌ جدًّا. فالله أعلمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= * قُلْتُ: فحاصل البحث أن الرواة قد اختلفوا على قتادة فيه على أربعة أوجهٍ، وقد مرّ وجه.
* الوجه الثانى: أنَّ معمر بن راشد رواه عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ، عن أبيه أنس بن مالكٍ مرفوعًا به فجعل الحديث من "مسند أنس".
أخرجه الطبرانيُّ في "الدُّعاء"(ج 2 / رقم 355) من طريق عبد الرزاق، عن معمر.
قال البيهقيُّ (1/ 96):
"قال الإِمام أحمد: هو وهمٌ".
وعلَّةُ ذلك أن قتادة بصريٌّ، ولما دخل معمر البصرة لزيارة أمِّه، لم يكن معه كتبه، فحدث من حفظه، فوقع للبصريين عنه أغاليط، كما يقول الذهبيُّ في "السير"(7/ 12).
فهذا الحديثُ من أوهام معمر رحمه الله.
* الوجه الثالث: أن هشام الدستوائى يرويه عن قتادة، عن زيد ابن أرقم. فأسقط الواسطة بين قتادة وزيد.
وقتادةُ لم يدرك أحدًا من الصحابة إدراك سماعٍ إلا أنسًا كما قال الحاكمُ في "علوم الحديث".
* الوجه الرابع: يرويه سعيد بنُ أبي عروبة، عن قتادة، عن القاسم الشيبانى، عن زيد بن أرقم مرفوعًا به.
أخرجه ابنُ ماجة (296/ 2) والمصنف في "اليوم والليلة"(رقم 77)، وأحمدُ (4/ 373)، والحاكمُ (1/ 187) وقد رواه عن سعيدٍ جماعة منهم:"عبد الأعلى بنُ عبد الأعلى، ويزيد بن زُريع، وأسباطُ بْنُ مُحمدٍ، وعبدُ الوهاب بنُ عطاء، وعبدة بنُ سليمان". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= وخالفهم إسماعيلُ بنُ عُليَّة، فرواه عن سعيدٍ، عن قتادة، عن النضر بن أنسٍ، عن زيد بن أرقم مرفوعًا به فجعل شيخ قتادة هو "النضر بن أنس" بدلًا من "القاسم". أخرجه المصنِّفُ في "اليوم والليلة" (رقم 76) قال: أخبرنا مؤمل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل به: ورواية الجماعة عن سعيدٍ أرجح.
* ثمَّ وجهٌ خامسٌ: فيرويه روح بن عبادة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ مرفوعًا به.
فصار الحديث من "مسند ابن عباس" وصار شيخ قتادة هو "سعيد بن جبير".
أخرجه ابنُ عديٍّ في "الكامل"(1/ 207) قال: ثنا أحمدُ بن العباس الهاشميُّ، ثنا يحيى بن حبيب بن عربى، ثنا روح بن عبادة به.
وآفة هذا الإِسناد، هى من شيخ ابن عديٍّ هذا.
قال ابنُ عديٍّ:
"كتبتُ عنه بالبصرة، حدَّث عنه يحيى بن حبيب بن عربى بأحاديث بإسنادٍ واحدٍ منكرٍ بذلك الإِسناد".
* قُلْتُ: والذي يترجح عندي من هذه الوجوه، هو الوجه الأولُ الذي يرويه شعبةُ لأمرين:
الأول: لسلامة رواته من الجرح.
الثانى: ثمَّ لوقوع تصريح قتادة بالتحديث من النضر بن أنسٍ. أما طريقُ سعيد بن أبي عروبة، ففيه القاسم بن عوف الشيباني وقد تكلموا فيه.
فقد تركه شعبة، وضعّفه النسائيُّ.
وقال أبن حاتم: "مضطربُ الحديث، ومحلُّه عندي الصدق". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= ووثقه ابن حبان. وقال ابنُ عديٍّ:
"هو ممّن يُكتب حديثُهُ".
وقال الحاكم عقب روايته لحديث شعبة وسعيد: "كلا الإِسنادين من شرط الصحيح" ووافقه الذهبيُّ.
* قُلْتُ: القاسم لم يرو له مسلمٌ إلا حديثًا واحدا في صلاة الأوابين، وقد قدمت الكلام فيه، فالتعويل على حديث شعبة والله تعالى أعلمُ.
…
4 -
حديث جابر، رضي الله عنه.
قال المباركفوريّ في "التحفة".
"لم أقف عليه".
***