المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرخصة فى الاستطابة بحجرين - بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن - جـ ١

[أبو إسحق الحويني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌باب تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)

- ‌باب السِّوَاكِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌كَيف يَسْتَاكُ

- ‌باب هَلْ يَسْتَاكُ الإِمَامُ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ

- ‌باب التَّرْغِيبِ فِى السِّوَاكِ

- ‌باب الإِكْثَارِ فِى السِّوَاكِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى السِّوَاكِ بِالْعَشِىِّ لِلصَّائِمِ

- ‌باب السِّوَاكِ فِى كُلِّ حِينٍ

- ‌باب ذِكْرِ الْفِطْرَةِ

- ‌أ - الاِخْتِتَانُ

- ‌ب: "تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ

- ‌ نتْفُ الإبطِ

- ‌ حَلْقُ العَانَةِ

- ‌ قَصُّ الشَّارِبِ

- ‌التَّوْقِيتُ فِى ذَلِكَ

- ‌إِحْفَاءُ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحَى

- ‌الإِبْعَادُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَاجَةِ

- ‌الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ

- ‌الْقَوْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ فِى الْبُيُوتِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى الْبَوْلِ فِى الصَّحْرَاءِ قَائِمًا

- ‌باب الْبَوْلِ فِى الْبَيْتِ جَالِسًا

- ‌الْبَوْلُ إِلَى السُّتْرَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا

- ‌التَّنَزُّهُ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌باب الْبَوْلِ فِى الإِنَاءِ

- ‌الْبَوْلُ فِى الطَّسْتِ

- ‌كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْجُحْرِ

- ‌النَّهْيُ عَنِ الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْمُسْتَحَمِّ

- ‌السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَبُولُ

- ‌رَدُّ السَّلَامِ بَعْدَ الْوُضُوءِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالْعَظْمِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالرَّوْثِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِكْتِفَاءِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ

- ‌الرُّخْصَةُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرَيْنِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ

- ‌الاِجْتِزَاءُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِالْحِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا

- ‌الاِسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ

- ‌باب دَلْكِ الْيَدِ بِالأَرْضِ بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ

الفصل: ‌الرخصة فى الاستطابة بحجرين

‌الرُّخْصَةُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرَيْنِ

42 -

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ أَتَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ وَأَمَرَنِى أَنْ آتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُ بِهِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ «هَذِهِ رِكْسٌ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرِّكْسُ طَعَامُ الْجِنِّ.

ــ

42 -

إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ.

* أحمدُ بنُ سليمان، هو أبو الحسين الرهاويُّ الجزريُّ.

لم يرو له أحدٌ من الجماعة سوى المصنف.

قال في "التهذيب"(1/ 321):

"روى عنه النسائيُّ، فأكثر".

* قُلْتُ: روى عنه (108) حديثًا، وقال عنه:

"ثقةٌ مأمونٌ، صاحبُ حديثٍ".

وقال ابنُ أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل"(1/ 1/ 53):

"أدركتُهُ ولم أكتب عنه، وكتب إليَّ ببعض حديثه، وهو صدوقٌ ثقةٌ" وذكره ابنُ حبان في "الثقات"(8/ 35) وقال:

"كان صاحب حديثٍ، يحفظُ". =

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= * أبو نُعيم، هو الملائيُّ الكوفيُّ، الفضلُ بنُ دُكين.

أخرج له الجماعةُ، وهو إمامٌ حافظٌ، جليلُ القدر جدًّا.

قال أبو عبيد الآجريُّ:

"قلتُ لأبي داود: كان أبو نُعيمٍ حافظًا؟ قال: جدًّا".

وقال أحمدُ:

"أو نُعيم أثبتُ من وكيعٍ".

وقال ابنُ معين:

"ما رأيتُ أحدًا أثبت من رجلين: أبي نُعيم، وعفان".

وقال يعقوب الفسويُّ:

"أجمع أصحابُنا أنَّ أبا نعيمٍ كان غايةً في الإِتقان".

وممَّا يدلُّ على تمام حفظه رحمه الله ما أخرجه ابنُ حبان في كتابه "المجروحين"(1/ 33) عن أحمد بن منصور الرمادى قال: "كنا عند أبي نعيم نسمعُ من أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين. قال: فجاءنا يومًا يحيى ومعه ورقة قد كتب فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم، وأدخل في خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بخضرتنا حتى يقرأ. وكان أبو نُعيم إذا قعد للتحديث في تيك الأيام كان أحمدُ على يمينه، ويحيى على يساره. فلمَّا خفَّ المجلسُ ناولته الورقة، فنظر فيها كلها ثمَّ تأملنى، ونظر إليها ثمَّ قال وأشار إلي أحمد بن حنبل: أمَّا هذا فآدب من أن يفعل هذا، وأمَّا أنت فلا تفعلن!، وليس هذا إلا من عمل هذا!!، ثمَّ رفس يحيى رفسةً رماه إلى أسفل السرير! وقال: عليَّ تعمل؟! فقام إليه يحيى وقبله، وقال: جزاك الله عن الإِسلام خيرًا، مثلكُ يحدّثُ، إنما أردتُ أن أُجربك".

وساق الخطيبُ في "تاريخه"(12/ 354) هذه القصة عن الرماديّ =

ص: 354

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= بنحو ما هنا، وفيها:" ....... فرفس يحيى بن معين، فرمى به من الدُّكان، وقام فدخل داره. فقال أحمدُ ليحيى: ألم أمنعك من الرجل وأقُلْ لك إنه ثبتٌ؟! قال -يعني يحيى-: والله لرفستُهُ أحبُّ إليَّ من سفرى!! ".

* قُلْتُ: هكذا فليكن الإِتقانُ!، رحمه الله تعالى.

* زهيرُ، هو ابنُ معاوية بن حُدَيْجٍ، أبو خيثمة الكوفيُّ.

أخرج له الجماعة.

قال المصنِّفُ:

"ثقةٌ ثبتٌ".

ووثقه ابنُ معين، وأبو حاتمٍ وزاد:"متقنٌ" والعجليُّ وزاد: "مأمون".

وقال أحمد بنُ حنبلٍ:

"زهيرُ فيما روى عن المشايخ ثبتٌ. بَخٍ بَخٍ. وفي حديثه عن أبي إسحق لينٌ، سمع منه بأخرةٍ".

وكذا قال أبو زرعة وأبو حاتمٍ، ولكنَّ زهيرًا لم يتفرد به، بل توبع كما يأتي قريبًا -إنْ شاء الله تعالى.

* عبد الرحمن بنُ الأسود، هو ابنُ يزيد النخعيُّ.

أخرج له الجماعةُ، وهو ثقةٌ جليلٌ.

وثقهُ ابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ خراشٍ، والعجليُّ، في آخرين.

قال الحافظُ:

"وقع في "شرح البخاريّ" لابن التين تبعًا للداودى أنَّ عبد الرحمن ابن الأسود الذي أخرج البخاريُّ حديثه "لا يستنجى بروثٍ" عن =

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أبيه عن ابن مسعود في الاستجمار هو عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث! وهو وهمٌ، فإنَّ هذا روى عن أبيه، وهو الأسود بن يزيد التابعيُّ المشهورُ، وأمَّا الأسود بن عبد يغوث فمات كافرًا بمكة إما قبل الهجرة وإمَّا بعدها" اهـ.

والحديثُ أخرجه البخاريُّ (1/ 256 - فتح)، وابنُ ماجة (314)، وأحمدُ (1/ 418)، وأبو يعلى في "مسنده"(ج 9 / رقم 5127، 5336)، وابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 296) والبزار في "المسند"(ج 1/ق 137/ 2)، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج 10/ رقم 9953)، والبيهقيُّ (2/ 413) من طرقٍ عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن ابنُ الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود به.

وقد رواه عن زهيرٍ جماعةٌ منهم:

"يحيى القطان، وأحمد بنُ يونس، ويحيى بن آدم، والحسن بن موسى، وأبو نُعيم، وعمرو بن مرزوق، وعمرو بن خالد الحرانى، وأحمد بن عبد الملك بن واقد الحرانىُّ".

وخالفهم أبو داود الطيالسىُّ، فرواه في "مسنده" (287) قال: حدثنا زهيرٌ، عن أبي إسحق قال: ليس أبو عبيدة حدثني، ولكنه عبد الرحمن بن الأسود، عن عبد الله بن مسعود.

فسقط ذكر الأسود بن يزيد.

ولعلَّ هذا الوهم من الطيالسيِّ، فقد قال أبو بشر يونسُ بنُ حبيب راوى السند: "أظنُّ غير أبي داود يقول: عن عبد الرحمن بن =

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= الأسود عن أبيه".

ثم رأيتُ أن الطيالسيَّ رواه كما رواه الجماعة.

فأخرجه أحمدُ (1/ 450) عنه، حدثنا زهيرُ، حدثنا أبو إسحق، قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبدُ الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن عبد الله به.

فإن قُلْتَ: فيكونُ الوهمُ من يونس بن حبيب، وأحمد بنُ حنبل أثبتُ منه وقد رواه عن الطيالسيِّ كما رواه الجماعة.

فيقالُ: أمَّا أن أحمد بن حنبل أثبت من يونس بن حبيب، فنعم، ولكن ما عقب به يونس بعد رواية الحديث يُبين لنا أنه تلقاه هكذا من الطيالسيِّ. وهذا واضحٌ جليٌّ. فلعلَّ هذا الاختلاف يكون من الطيالسيِّ نفسه، وهو مع كونه ثقة، إلا أنه كان يغلط أحيانًا. والله أعلمُ.

وقد خولف زهيرٌ فيه.

خالفه إسرائيل بن يونس، فرواه عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود به.

أخرجه الترمذيُّ (17)، وأحمدُ (1/ 388، 465) وابنُ الجوزىّ في "التحقيق"(117)، والطبرانيُّ (9952) فتكلَّم بعضُ أهل العلم في هذا الاختلاف.

قال الترمذيُّ عقب حديث إسرائيل لهذا:

"وهكذا روى قيسُ بنُ الربيع هذا الحديث، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، نحو حديث إسرائيل.

وروى مَعْمَرُ، وعمار بن رُزيق عن أبي إسحق، عن علقمة، عن =

ص: 357

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= عبد الله، وروى زهيرُ، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه الأسود بن يزيد، عن عبد الله. وروى زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله. وهذا حديثٌ فيه اضطراب

قال: سألتُ عبد الله بن عبد الرحمن -يعني الدارميّ-: أيُّ الروايات في هذا الحديث عن أبي إسحق أصحُّ؟ فلم يقض فيه بشىءٍ. وسألتُ محمدًا -يعني البخاريَّ- عن هذا فلم يقض فيه بشىءٍ، وكأنه رأى حديث زهير، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله أشبه، ووضعه في كتابه "الجامع". قال: وأصحُّ شيءٍ في هذا عندي حديثُ إسرائيل وقيس عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، لأنَّ إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحق من هؤلاء، وتابعه على ذلك قيسُ بنُ الربيع. قال: وزهيرُ في أبي إسحق ليس بذاك؛ لأنَّ سماعه منه بآخرةٍ" اهـ.

وقال ابنُ أبي حاتم في "العلل"(ج1/ رقم 90):

"سمعتُ أبا زرعة يقولُ في حديث إسرائيل، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم استنجى بحجرين، وألقى الروثة. فقال أبو زرعة: اختلفوا في هذا الإِسناد فمنهم من يقولُ: عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عبد الله. ومنهم من يقولُ: عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله.

ومنهم من يقولُ عن أبي إسحق، عن علقمة، عن عبد الله. والصحيح عندي حديث أبي عبيدة، والله أعلمُ، وكذا يروى إسرائيلُ -يعني عن أبي إسحق-، عن أبي عبيدة. وإسرائيل أحفظُهُمْ" اهـ. =

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وقد ذكر الدَّارقطنيُّ الحديث في "كتاب التتبُّع"(ص 330 - 334) فقال: "وأخرج البخاريُّ عن أبي نُعيم، عن زهيرٍ، عن أبي إسحق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحجرين وروثة ..... الحديث.

قال: وقال إبراهيم بنُ يوسف عن أبيه، عن أبي إسحق حدثني عبد الرحمن بنُ الأسود، عن أبيه بهذا. قال: تابعهما أبو حماد الحنفيُّ وأبو مريم، عن أبي إسحق. وكذلك قال الحمانيُّ، عن شريك. وقيل: عن منجاب، عن يحيى بن أبي زائدة، عن أبيه عن أبي إسحق كذلك.

وقال يزيد بن عطاء، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، وعلقمة. وقال عليُّ بنُ صالحٍ، ومالك بنُ مغولٍ، وابنُ جريجٍ، وزكريا من رواية سلمة بن رجاءٍ عنه، ويوسف بنُ أبي إسحق من رواية أبي جنادة عنه، وشريك من رواية منجاب عنه عن أبي إسحق، عن الأسود، عن عبد الله. وقال الثوريُّ، وإسرائيل، عن أبي إسحق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. وقال حسنُ بنُ قتيبة، عن يونس بن أبي إسحق، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص. وقال زكريا بنُ أبي زائدة من رواية أبي كريبٍ عن عبد الرحيم وإسحق الأزرق، وإسماعيل بن أبان عنه، ومن رواية سهل بن عثمان عن أبيه يحيى، عنه، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله. وقيل: عن ابن عيينة، عن أبي إسحق كذلك.

وقال أبو سنان: عن أبي إسحق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله.

وقال مَعْمرُ، وشعبةُ، وورقاء، وسليمان بنُ قرم، وعمار بن =

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= رزيق، وإبراهيمُ بنُ الصائغ، وعبدُ الرحمن بنُ دينارٍ، وأبو شيبة، ومحمد بنُ جابرٍ، وصباحُ بنُ يحيى المزني، وروحُ بنُ مسافر، وشريك من رواية إسحق الأزرق عنه، وإسرائيل من رواية عباد بن ثابتٍ وخالدٍ العبديّ عنه، عن أبي إسحق، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله.

عشرة أقاويل عن أبي إسحق.

أحسنها إسنادًا الأوّلُ: الذي أخرجه البخاري، وفي النفس منه شىءٌ، لكثرة الاختلاف عن أبي إسحق. والله أعلمُ".

وقال الحاكم في "علوم الحديث"(ص- 109):

"قال عليُّ بنُ المدينى: وكان زهيرُ وإسرائيل يقولان: عن أبي إسحق أنه كان يقولُ: ليس أبو عبيدة حدثنا ،ولكن عبدُ الرَّحْمن بنُ الأسود، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الاستنجاء بالأحجار الثلاثة. قال ابنُ الشاذكونى: ما سمعتُ بتدليسٍ قط أعجب من هذا ولا أخفى! قال: أبو عبيدة لم يحدثنى ولكن عبدُ الرحمن عن فلانٍ وفلانٍ ولم يقل حدثني، فجاز الحديثُ وسار" اهـ.

* قُلْتُ: فالحديثُ متكلَّمٌ فيه من ثلاثة أوجهٍ:

* الأولُ: الاختلاف على أبي إسحق السبيعى فيه.

* الثاني: الاضطراب.

* الثالث: التدليسُ.

والجوابُ من وجوهٍ:

أولًا: أمَّا الاختلاف على أبي إسحق في إسناده، فهو واقعٌ.

وقد مرّ وجهان لذلك، وهما حديث زهير، وحديث إسرائيل.

الثالث: أن مَعْمر بن راشد يرويه عن أبي إسحق، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ بنحو حديث الباب. =

ص: 360

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أخرجه أحمدُ (1/ 450)، والبزار في "مسنده"(ج 1/ق 135/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج10/ رقم 9951)، وابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 312)، والدارقطنيُّ (1/ 55) من طريق عبد الرزاق، عن معمر.

قال البزارُ:

"كذا قال معمر، عن أبي إسحق، عن علقمة في هذا الحديث".

ولكن لم يتفرد به معمر.

فتابعه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، عن أبي إسحق به أخرجه الدَّارقطنيُّ (1/ 55) ولكنها متابعةٌ لا يُفرح بها؛ لأن إبراهيم هذا متروكٌ.

ثمَّ إن أبا إسحق لم يسمع من علقمة شيئًا.

صرَّح بذلك العجليُّ.

وقد روى البيهقيُّ في "سننه"(8/ 76) أن رجلًا قال لأبي إسحق: "إنَّ شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة؟ قال: صدق".

ولكن روى حفص بنُ غياث، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشعبيِّ، عن علقمة، عن ابن مسعود، مرفوعًا:"لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجنِّ".

وهذا يقوى رواية أبي إسحق.

أخرجه النسائيّ في "السنن الكبرى"(ج1/ق 4/ 2)، والترمذيُّ (18)، وأبو عوانة (1/ 218 - 219)، والحكيمُ الترمذيّ في "المنهيات"(ص 14 - 15)، والبغويُّ في "شرح السُّنَّة" (1/ 363 - 364) ولكن قال الترمذيُّ:

"وقد روى هذا الحديث إسماعيلُ بنُ إبراهيم وغيرُهُ، عن داود بن =

ص: 361

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أبي هندٍ، عن الشعبى، عن علقمة، عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنِّ ....... الحديث بطوله. فقال الشعبيُّ: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زادُ إخوانكم من الجنِّ". وكأن رواية إسماعيل أصحُّ من رواية حفص بن غياث" اهـ.

وقد رجح الدارقطنيُّ ذلك، فقال في "العلل" (ج 1/ق 162/ 2):

"يرويه داود بنُ أبي هندٍ، عن الشعبى، عن علقمة، عن عبد الله. ورواهُ عنه جماعةٌ من الكوفين والبصريين. أمَّا البصريون فجعلوا قوله: "وسألوه الزاد

إلى آخر الحديث" من قول الشعبى مرسلًا. وأما يحيى بنُ أبي زائدة وغيرُهُ من الكوفين، فأدرجوه في حديث ابن مسعود، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم. والصحيحُ قولُ من فصله، فإنَّه من كلام الشعبيِّ مرسلًا". اهـ.

* قُلْتُ: والذي يترجح لديَّ خلاف ما ذهبا إليه. وبيانُه:

أنَّ إسماعيل بن عُليَّة روى هذا الحديث عن داود بن أبي هندٍ، عن الشعبيِّ، عن علقمة، قال: قلتُ لابن مسعود رضي الله عنه: هل صحب النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنِّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منا أحدٌ، ولكن قد افتقدناه ذات ليلة بمكة، فقلنا: اغتيل أو استُطير، ما فُعل به؟! فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ، حتى إذا أصبحنا، أو كان في وجه الصبح، إذا نحن به يجيىءُ من قبل حراء، قال: فذكروا له الذي كانوا فيه، فقال: أتانى داعى الجنِّ، فأتيتُهم، فقرأتُ عليهم. فانطلق فأرانا أثرهم، وأثر نيرانهم. =

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= قال الشعبيُّ: وسألوه الزاد، وكانوا من جنِّ الجزيرة. فقال: كُلُّ عظمٍ يُذكر اسمُ الله عليه يقعُ في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكُلُّ بعرةٍ، أو روثةٍ علفٌ لدوابكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"فلا تستنجوا بهما، فإنهما زادُ إخوانكم من الجنِّ".

أخرجه مسلمٌ (450/ 150)، والترمذيُّ (3258) والسياقُ له، وأحمدُ (4149).

وتابع ابن عُليَّة عليه، يزيد بنُ زريع، عن داود به.

أخرجه أبو عوانة (1/ 219).

وتابعه أيضًا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة في رواية أحمد عنه في "مسنده"(4149).

ولكن لم ينفرد حفص بن غياث بوصل هذا الكلام وجعله من كلام ابن مسعود. فقد تابعه عبدُ الأعلي بنُ عبد الأعلى، عن داود به أخرجه مسلمٌ، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 82)، والبيهقيُّ (1/ 108 - 109) وتابعه أيضًا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، في رواية زياد بن أيوب عنه في "صحيح ابن خزيمة".

وهم قد وصلوا الحديث، فهو زيادةٌ منهم، لا سيما وهم من الحفاظ الأثبات، وكأنَّ مسلمً لم يعبأ بهذا الإِعلال فأودع رواية عبد الأعلى في "صحيحه"، وهو تصرفٌ مستقيمٌ.

الرابع.

أنَّ أبا سنان، سعيد بن سنان يرويه عن أبي إسحق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله بن مسعودٍ به.

أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(ج10/ رقم 9957) من طريق =

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= طريق الصباح بن محارب، عن أبي سنان.

والصباحُ صدوقٌ ربما خالف. وسعيد بنُ سنان وإن كان ثقةً، لكن قال ابنُ عديٍّ:"ولعله إنما يهم في الشىء بعد الشىء".

وهناك وجوهٌ أخرى من الاختلاف ذكرها الدَّارقطنيُّ رحمه الله كما مرّ في كلامه السابق.

وهذا الاختلاف هو الذي جعل الترمذيّ يعل الحديث بالاضطراب، وهو:

الوجه الثاني:

فيقال: قد اضطرب الرواة في تعيين شيخ "أبي إسحق" في هذا الحديث.

فمرة يجعلونه: "عبد الرحمن بن الأسود"، ومرة:"علقمة"، ومرةً:"أبو عبيدة"، ومرةً:"عبد الرحمن بن يزيد"، ومرةً:"هبيرة بن يريم". قالوا: فهذا الاضطراب يُشعر بخفة ضبط الرواة، وهو موجبٌ للضعف.

فيقالُ: الاضطرابُ هو: أن يروى الحديث على أوجُهٍ مختلفةٍ متقاربةٍ.

ثمَّ إن الاختلاف قد يكون من راوٍ واحدٍ، بأنْ رواهُ مرةً على وجه، ومرةً على وجهٍ آخر مخالف له، أو يكونُ أزْيَدَ من واحدٍ بأنْ رواهُ كلُّ جماعةٍ على وجهٍ مخالفٍ للآخر. والاضطرابُ موجبٌ لضعف الحديث لأنه يُشعر بعدم ضبط رواته، ويقع في الإِسناد والمتن كليهما.

ثمَّ إنْ رُجِّحتْ إحدى الروايتين على الأخرى بحفظ راويها، أو كثرة صحبته، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالحكمُ للراجحة، ولا يكونُ الحديث مضطربًا. =

ص: 364

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= والناظر إلى الطرق السابقة، يجزم بترجيح حديث زهر، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعودٍ، والتي اختارها المصنِّفُ رحمه الله وأودعها البخاريُّ في "صحيحه" وقد قال الدارقطنيُّ فيما تقدم:

"وأحسنُها إسنادًا الأوَّلُ الذي أخرجه البخاريُّ، وفي النفس منه شىءٌ، لكثرة الاختلاف عن أبي إسحق".

* قُلْتُ: وما في النفس يزول -إنْ شاء الله- بما يأتي من البراهين.

ويترجحُ حديثُ زهر بن معاوية على حديث إسرائيل بن يونس بثلاثة أمورٍ:

الأول: أنَّ حديث زهيرٍ متصلٌ، وحديث إسرائيل منقطعٌ، وذلك أنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه على رأى العلماء المحققين كأبي حاتمٍ الرازى، والنسائي، والترمذيّ، وابن سعدٍ، وابن حبان، والبيهقيِّ في آخرين، خلافًا للبدر العينى رحمه الله، فإنه زعم في "عمدة القارئ"(2/ 302) أن أبا عبيدة سمع من أبيه، وذكر في ذلك أشياء فيها نظرٌ لا يخفى على المتأمل. وقد ناقشته طويلًا في "النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة"(رقم 6) فلا داعى لإعادة القول. ولا يشكُّ أحدٌ في تقديم المتصل على المنقطع.

الثانى: أن ظاهر سياق زهير، يشعرُ أن أبا إسحق كان يرويه أولًا عن أبي عبيدة عن أبيه، ثمَّ رجع عن ذلك وصيرهُ عن عبد الرحمن ابن الأسود، عن أبيه. فهذا صريحٌ في أن أبا إسحق كان مستحضرًا للسندين جميعًا عند إرادة التحديث، ثمَّ اختار طريق عبد الرحمن =

ص: 365

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وأضرب عن طريق أبي عبيدة، فإمَّا أن يكون تذكر أنه لم يسمعه من أبي عبيدة، أو كان سمعه منه، وحدَّث به عنه، ثمَّ عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فيكونُ الإِسنادُ منقطعًا، فأعلمهم أنَّ عنده فيه إسنادًا متصلًا، أو كان حدث به عن أبي عبيدة مدلسًا له، ولم يكن سمعه منه. قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 349): فعدول أبي إسحق عن التحديث بحديث أبي عبيدة ترجيحٌ لحديث عبد الرحمن بن الأسود الذي رواه زهيرُ بنُ معاوية.

الثالث: أن زهيرًا قد توبع. تابعه جماعةٌ منهم:

1 -

يوسف بن أبي إسحق، عن أبيه أبي إسحق به.

أخرجه البخاري مُعلَّقًا (1/ 256 فتح) عن إبراهيم بن يوسف، أبيه.

وإبراهيمُ هذا لينه النسائيُ وغيرُهُ.

وقال أبو حاتمٍ: "حسنُ الحديث، يُكتبُ حديثُهُ".

وقال ابنُ عديٍّ:

"له أحاديثُ صالحةٌ، وليس بمنكر الحديث، يُكتب حديثُهُ" ووثقه ابن حبان (8/ 61).

فمثله يُحسَّنُ حديثه كما هنا -في المتابعات-.

2 -

شريك بن عبد الله النخعيِّ، عن أبي إسحق به.

أخرجه الطبرانيُّ في "الكبير"(ج10/ رقم 9954) من طريق يحيى الحمانى عنه عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود.

وهذا إسنادٌ حسنٌ في المتابعات. =

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= 3، 4 أبو حمادٍ الحنفى، وأبو مريم، كلاهما عن أبي إسحق به ذكره الدارقطنيُّ فيما تقدم من كلامه.

5 -

زكريا بنُ أبي زائدة، عن أبي إسحق.

أخرجه الطبرانيُّ (ج10/ رقم 9955) من طريق يحيى بن زكريا، عن أبيه، عن أبي إسحق به.

وسندُهُ صحيحٌ، ولكن خولف فيه يحيى بنُ زكريا.

خالفه عبدُ الرحيم بنُ سليمان، فرواه عن زكريا، عن أبي إسحق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعودٍ.

فجعل شيخ أبي إسحق هو: "عبد الرحمن بن يزيد".

أخرجه الطبرانيُّ أيضًا (9956).

ويحيى بن زكريا أثبت من عبد الرحيم بن سليمان وأتقن، لا سيما في حديث أبيه. والله أعلمُ.

ويضافُ إلى ما تقدم أن ليث بن أبي سليم، تابع أبا إسحق على روايته عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود.

أخرجه أحمدُ (4053)، وأبو يعلى (ج 9 / رقم 5184) والبزَّارُ في "مسنده"(ج 1/ق 137/ 1 - 2)، والطبرانيُّ (ج10/ رقم 9959) من طرق عن ليثٍ به.

وقد رواه عن ليثٍ: "محمد بنُ فُضيل، وجرير، وجعفر بنُ الحارث".

وتابعهم زائدةُ بنُ قدامة، عن ليثٍ به.

أخرجه الطبرانيُّ (ج10/ رقم 9958، 9959)، وابنُ المنذر في "الأوسط" (1/ 355) ورواه عن زائدة: "يحيى بن أبي بكير =

ص: 367

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ومعاوية بن عمرو".

وخالفهما حسين بنُ عليٍّ، فرواه عن زائدة، عن ليثٍ، عن محمد ابن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن بن مسعودٍ.

أخرجه أبو يعلى (ج 9 / رقم 5275).

وحسين بنُ عليٍّ كان ثقةً ثبتًا، وكان من أروى الناس عن زائدة، فيظهرُ لي أن هذا الاختلاف هو من ليث بن أبي سليم لضعف حفظه، وذلك لثقة من روى عنه الوجهين، وإنْ كُنَّا نرجح الوجه الأول لاتفات الجماعة عليه، عن ليثٍ.

قال الحافظُ في "هدى السارى"(349):

"وليث، وإنْ كان ضعيف الحفظ، فإنه يُعتبرُ به ويُستشهدُ، فيُعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه أصلًا". اهـ

* قُلْتُ: فقد اتفق أبو إسحق، وليث على جعل الحديث عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود.

وخالفهما فراتٌ القزازُ، فرواه عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن ابن مسعودٍ.

فجعل شيخ عبد الرحمن هو "علقمة" بدل "الأسود بن يزيد".

أخرجه الطبرانيُّ (9960)، والبزَّارُ (ج 1/ق 135/ 2) من طريق زياد بن الحسن بن فرات، عن أبيه، عن جدِّه فرات.

والحسنُ بنُ زيادٍ، قال أبو حاتم:"منكرُ الحديث".

وقال الدَّارقطنيُّ:

"لا بأس به، ولا يُحتجُّ به".

وأبوه، وإن تكلم فيه أبو حاتم أيضًا، فهو خيرٌ من ولده، فقد =

ص: 368

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وثقه ابنُ معين، وذكره ابنُ حبان في "الثقات".

فلا يُعتدُّ بهذا الوجه في المخالفة. والصواب ما رواه أبو إسحق وليث بن أبي سليم. والله تعالى الموفق.

ثمَّ أمرٌ رابعٌ. وهو اختيار البخاريّ رحمه الله حديث زهير، وإعراضه عن حديث إسرائيل. والبخاريُّ إمامُ الصنعة، وحامل لوائها.

هذا: وقد رجح الترمذيُّ حديث إسرائيل بعدة مرجحاتٍ ننظرُ فيها ثمَّ نعقب عليها. ويمكن إجمالُها فيما يأتي:

ا- أنَّ إسرائيل بن يونس أحفظ لحديث إسرائيل من زهيرٍ وغيره.

ب- أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته.

جـ- أن سماع إسرائيل من أبي إسحق كان قديمًا قبل الاختلاط، أما سماعُ زهيرٍ فبعد الاختلاط.

* قُلْتُ: والجواب من وجوهٍ.

* الأوَّلُ: أن إسرائيل كان أحفظ لحديث جدِّه، فهذا صحيحٌ فقد كان "عكاز جدِّه" -كما قال الذهبي في "السير"(7/ 359) - بيد أنَّ المتابعات ترجح حديث زهير، بالإضافة إلى ما تقدم ذكرُهُ.

* الثاني: أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته.

فيقال: أمَّا قيسُ، فأعدلُ قولٍ فيه، هو قول أبي حاتم:

"محلُّهُ الصدقُ، وليس بقوىٍّ، يُكتب حديثُهُ ولا يُحتجّ به".

وشريك النخعيُّ أقوى منه مع الكلام الذي فيه. وشريك قد تابع زهيرًا كما مرّ، مع بقية المتابعات، فأين قيسٌ منهم؟!

* أمَّا قول الترمذيّ رحمه الله أن سماع إسرائيل من جدِّه =

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= قديمٌ، فلا يُسلَّمُ له.

فقد قال أحمدُ:

"إسرائيلُ، عن أبي إسحق فيه لِيْنٌ، سمع منه بأخرةٍ".

وقال أيضًا:

"إذا اختلف زكريا وإسرائيلُ، فإن زكريا أحبّ إلى في أبي إسحق، ثمَّ قال: ما أقربهما، وحديثُهُما في أبي إسحق لينٌ، سمعا منه بأخرةٍ".

وقال ابنُ معين:

"زكريا، وزهير، وإسرائيلُ حديثهم في أبي إسحق قريبٌ من السواء".

فثبت بذلك أن إسرائيل سمع من أبي إسحق بعد اختلاطه، فلا وجه لترجيحه على زهيرٍ. وهذا واضحٌ جدًّا.

* قُلْتُ: فنخلصُ مما سبق إلى القول بأنَّ حديث زهيرٍ أرجح، فنقدمه على حديث إسرائيل، فينتفى الاضطرابُ بالترجيح -كما أسلفنا، لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجبُ أن يكون مضطربًا إلَّا بشرطين- كما يقولُ الحافظُ:

أحدهما: استواءُ وجوه الاختلاف، فمتى رُجح أحد الأقوال قُدِّمَ، ولا يُعلُّ الصحيحُ بالمرجوح.

ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمعُ على قواعد المحدثين، ويغلبُ على الظنِّ أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يُحكمُ على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك. وهنا يظهرُ عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحق فيه؛ لأنَّ الروايات المختلفة عنه، لا يخلو إسنادٌ منها من مقالٍ غير=

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير، وعن إسرائيل، مع أنه يمكنُ رد أكثر الطرق إلى رواية زهيرٍ". اهـ.

ثمَّ اعلم أنَّ ترجيح أبي زرعة لحديث إسرائيل، فهو بالنسبة لما ساقه من طرق، وليس فيها طريق زهير. وهذا يظهرُ بأدنى تأمُّلٍ.

أمَّا الوجه الثالث: فزعمُ الشاذكوني أن أبا إسحق دلَّس هذا الحديث. فالجوابُ عنه من وجوهٍ:

الأول: أنَّ الشاذكونى -واسمه سليمان بن داود- كان ضعيفًا مطروحًا حتى قال فيه البخاريُّ: "هو أضعف عندي من كلِّ ضعيفٍ"، فلا يُقبل قولُهُ. وليس له بينة على ما يقول إلا مجرد لفظٍ يحتمل أكثر من وجهٍ.

الثانى: أن البخاريَّ عقب بعد الحديث برواية يوسف بن أبي إسحق، عن أبيه، قال: حدثني عبد الرحمن بنُ الأسود. فزالت ريبة التدليس.

ولكن يمكن للمعترض أن يقول: ما أورده البخاريُّ إنما يفيد في المتابعات، أمَّا في إثبات سماع راوٍ من آخر ففيه نظر، لا سيما وإبراهيم ابن يوسف متكلمٌ في حفظه، فمثله قد يخطىء فيجعل العنعنة تصريحًا بالسماع. فلا يعولُ عليه في هذا البحث.

فالجوابُ من وجهين:

أ- قال ابنُ دقيق العيد رحمه الله كما في "نصب الراية"(1/ 216 - 217): "وذكرُ البخاريِّ لرواية إبراهيم بن يوسف لعضد رفع التدليس، مما يقتضي أنَّه في حيز من ترجح به. ويؤيِّدُ =

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ذلك أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ قال: سمعتُ أبي يقولُ: يُكتبُ حديثهُ، وهو حسنُ الحديثِ".

ب- وما قاله الإِسماعيليُّ في "مستخرجه" بعد أن روى الحديث من طريق يحيى القطَّان عن زهير، من أنَّ هذا مما لم يدلسه أبو إسحق قال:"لأن يحيى القطان لا يرضى أن يأخذ عن زهيرٍ، ما ليس بسماعٍ لشيخه".

قال الحافظُ:

"وكأنَّهُ عرف هذا بالاستقراء من حال يحيى، والله أعلمُ".

(تنبيه) قال الحافظ في "الفتح"(1/ 258):

"قوله: "هذا ركس" كذا وقع هنا بكسر الراء وإسكان الكاف، فقيل: هى لغةٌ في "رجس" بالجيم. ويدلُّ عليه روايةُ ابن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث، فإنها عندهما بالجيم. وقيل الركسُ الرجيعُ. ردٌّ من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة. قاله الخطابيُّ وغيرُهُ والأولى أنْ يقال: ردٌّ من حالة الطعام إلى حالة الروث. وقال ابنُ بطَّال: لم أر هذا الحرف في الُّلغة، يعني: "الركس" بالكاف.

وتعقبه أبو عبد الملك بأن معناهُ: الردُّ، كما قال تعالى:{أرْكِسُوا فيها} أي رُدُّوا، فكأنَّهُ قال: هذا ردٌّ عليك. انتهى، ولو ثبت ما قال لكان بفتح الراء، يُقال: رَكَسَهُ رَكْسًا، إذا ردَّهُ. وفي رواية الترمذيّ: هذا ركسٌ، يعني نجسًا. وهذا يؤيِّدُ الأول. وأغرب النسائيُّ فقال عقب هذا الحديث: الركسُ طعام الجنِّ، وهذا إن ثبت في اللَّغة فهو مريحٌ من الإِشكال". اهـ. =

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= * قُلْتُ: الذي يظهرُك أنَّ النسائيَّ لم يرد المعنى اللُّغويّ، وإنما أراد معنى ما ورد في بعض الأحاديث التي تقدم ذكرها أن الروث طعامُ الجنِّ. فهذا مرادُهُ. والله أعلمُ.

***

ص: 373