الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الْبَوْلِ فِى الْبَيْتِ جَالِسًا
29 -
أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَاّ جَالِسًا.
ــ
29 -
إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ لِغيرِهِ.
* شريك، هو ابنُ عبد الله النخعي، صدوقٌ سيىءُ الحفظ، وقد رمى بالتدليس.
وقد ضعَّفه يحيى بنُ سعيد جدًّا.
وقال ابنُ المبارك:
"ليس حديثه بشىءٍ".
وقال الدَّارقطنيُّ:
"ليس بالقويّ".
وقال ابنُ معينٍ:
"ثقة صدوقٌ، إلا أنه يغلط، وإذا خالف فغيرُهُ أحبُّ إلينا منه".
وقأل ابنُ سعدٍ:
"كان ثقةً، مأمونًا، كثير الحديث، يغلط".
والكلامُ فيه طويلٌ، حاصله أنه سيىء الحفظ.
فما أعجب دول الشيخ أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله، إذ قال في "تخريج المسند" (8/ 176):
"وقد تكلم فيه بعضُهُمْ بغير حجَّةٍ، إلا أنه كان يخطئ في بعض =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= حديثه"!!
كذا قال! وهو من تساهله المعروف لدى المشتغلين بالحديث وأيُّ حجةٍ هى أعظمُ من الجرح المفسر الذي وقع في كلام كثيرٍ من الأئمة، حتى قال يعقوب بن شيبة:
"ثقةٌ صدوقٌ، سيىء الحفظ جدًّا".
وقال إبراهيمُ بنُ سعدٍ الجوهريُّ:
"أخطأ شريك في أربعمائة حديثٍ".
فكيف يُقال: ليس مع من تكلَّم فيه حجةٌ (1)؟! اللَّهُمَّ غفرًا!
* المقدامُ بْنُ شريح هو ابنُ هانىءٍ.
أخرج له الجماعةُ إلا البخاريَّ في "الأدب المفرد".
وثقهُ أحمدُ، وأبو حاتمٍ، والمصنِّفُ، ويعقوبُ بنُ سفيان، وابنُ حبان، في آخرين.
* وأبُوهُ: شريحُ بْنُ هانىءٍ.
أدرك النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يرو عنه.
وذكره ابنُ سعدٍ في الطبقة الأولى من تابعى أهل الكوفة.
وثقهُ أحمدُ، وابنُ معين، والمصنِّفُ، وابنُ خراشٍ، وقال:"صدوقٌ".
…
والحديثُ أخرجه الترمذيُّ (12)، وابنُ ماجة (307)، والطيالسيُّ (1515)، وابنُ أبي شيبة (1/ 123 - 124)، =
(1) وقد أقرَّ الشيخ في تعليقه على "المحلى"(4/ 148) أنه كان سيىء الحفظ! لكن تعليقه على المحلى قديمٌ فيما يبدو لي. ورأيه هو المزبور في "تخريج المسند". والله أعلمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= والطحاويُّ في "شرح المعاني"(4/ 276) من طرقٍ عن شريك النخعيّ، عن المقدام، عن أبيه، عن عائشة به.
وقد رواه عن شريك جماعةٌ، منهم:
"ابنُ أبي شيبة، والطيالسيُّ، وعليُّ بنُ حُجْرٍ، وسويدُ بنُ سعيد، وعبد الله بنُ صالحٍ، وإسماعيل بْنُ موسى السديُّ".
وقد توبع شريك. تابعه اثنان:
1 -
سفيان الثوريّ، عن المقدام.
أخرجه أحمد (6/ 136، 192،213)، وأبو عوانة (1/ 198)، والحاكمُ (1/ 181، 185)، والبيهقيُّ (1/ 101) من طرقٍ عنه.
2 -
إسرائيل بنُ يونس، عن المقدام، عن أبيه، قال: سمعت عائشة تُقسم بالله ما رأى أحدٌ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يبولُ قائمًا منذ أنزل عليه القرآن".
أخرجه الحاكم (1/ 185)، والبيهقيُّ (1/ 101 - 102) من طريق عبيد الله بن موسى، نا إسرائيل.
قال الحاكم:
"صحيحٌ على شرط الشيخين" ووافقه الذهبيُّ!
* قُلْتُ: بل هو على شرط مسلمٍ وحده، والمقدامُ بن شريح وأبوه لم يخرج لهما البخاريُّ شيئًا في "الصحيح".
قال السيوطيُّ في "زهر الرُّبى"(1/ 26): "قال الشيخ ولىُّ الدين: هذا الحديث فيه لينٌ، لأن فيه شريكًا القاضى، وهو متكلمٌ فيه بسوء الحفظ، وقول الترمذيّ أنه أحسن شىءٍ في هذا الباب =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= لا يدلُّ على صحته، ولذلك قال فيه ابن القطّان: إنه لا يُقال فيه صحيح، وتساهُلُ الحاكم في التصحيح معروفٌ، وكيف يكون على شرط الشيخين، مع أن البخاريَّ لم يخرج لشريك بالكلية، ومسلمٌ خَرَّج له استشهادًا، لا احتجاجًا .... " اهـ.
* قُلْتُ: وفي هذا النقل أمور منها:
* الأول: أنى لم أظفر بالحديث في "المستدرك" من طريق شريك البتة وقد فتشت قدر طاقتى، فلم أظفر به، فلا أدرى كيف وقع هذا؟.
* الثانى: قول الترمذيّ:
"حديث عائشة أحسنُ شىء في الباب وأصحُّ".
يحتمل أمرين:
أ- أن الترمذيّ يقصد أن حديث عائشة أصحّ شيءٍ في مسألة البول قائمًا وقاعدًا.
ب- أنه أصحُّ شىءٍ في "البول قاعدًا".
فأما الأوَّلُ، فلا وجه له لأن حديث عائشة لا ينافى حديث حذيفة، ونفيُها كان بحسب علمها، وهذا ما فهمه المصنِّفُ أيضًا، فبوّب عليه بقوله:"البول في البيت"، أما حديثُ حذيفة فكان في الصحراء (1).
وأما الثاني، وهو الأليق بمراد الترمذيّ فمعناه أن حديث عائشة =
(1) وفي "سنن ابن ماجة"(309) أن سفيان الثورى عقب على حديث عائشة بقوله: "الرجل أعلمُ بهذا منها".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أصحُّ ما ورد في البول قاعدًا، وهو متجه.
وقال النوويُّ في "المجموع"(2/ 84):
"إسنادُهُ جيدٌ، وهو حديثٌ حسنٌ".
…
قَال التِّرْمِذِيُّ:
"وفي الباب عن عمر، وبريدة، وعبد الرَّحمن بن حسنة".
* * *
1 -
حديث عمر، رضي الله عنه.
أخرجه ابنُ حبان (ج 2 / رقم 1420) من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر مرفوعًا:"لا تبل قائمًا" قال ابنُ حبان:
"أخاف أن ابن جريج لم يسمع من نافعٍ هذا الخبر".
* قُلْتُ: وقد صحَّ ظنُّه - كما قال البوصيرى.
فقد رواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي أمية، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عمر، قال:"رآنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أبولُ قائمًا، فقال: يا عمر! لا تبل قائمًا" فما بُلْت قائمًا بعدُ.
أخرجه الترمذيُّ (1/ 17) معلقًا، ووصله ابنُ ماجة (308)، وابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 284)، وتمام في "الفوائد"(148)، والحاكم (1/ 185)، والبيهقيُّ (1/ 102).
فظهر من هذا التخريج أن ابن جريج أسقط عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيفٌ، وتركه بعضُهُمْ. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= قال ابنُ المنذر: "هذا لا يثبُت".
ثُمَّ إن الحديث عند ابن حبان عن "ابن عمر"، والمعروف أنه عن "عمر" فلا أدرى، أهذا اختلافٌ في السند، أم وقع سقطٌ في كتاب ابن حبان. فالله أعلمُ.
والحديث ضعَّفه النووي في "المجموع"(2/ 84).
قال الترمذيُّ:
"وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم
…
وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث".
يشير بذلك إلى أن الصواب وقفه.
فأخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) وابن المنذر في "الأوسط"(1/ 338)، والبزار (ج 1/ رقم 244)، والطحاويُّ في "شرح الآثار"(4/ 268) من طُرُقٍ عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عمر قال:"ما بُلْتُ قائمًا، منذ أسلمتُ".
قال ابنُ المنذر: "ثبت عن عمر".
قال الهيثميُّ في "المجمع"(1/ 206):
"رجالُهُ ثقات".
* قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ.
ولكن أخرج ابنُ أبي شيبة (1/ 123)، والطحاويُّ (4/ 268) من طريقين عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ قال: رأيتُ عمر بال قائما.
زاد الطحاويُّ:
"فأنجح (1)، حتى كاد يُصرع". =
(1) يعني: "مال".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= وسندُهُ صحيحٌ، ولا يُعلُّ بتدليس الأعمش، لأن شعبة رواه عنه عند الطحاويّ. وقد ثبت عن شعبة قوله:
"كفيتكُمْ تدليس ثلاثة: الأعمش، وقتادة، وأبى إسحق السبيعى".
فظاهر الأثرين عن عمر التناقض.
وقد جمع بينهما بعضُ أهل العلم.
فقال ابنُ المنذر في "الأوسط"(1/ 338):
"فقد يجوز أن يكون عمر إلى الوقت الذي قال فيه هذا القول (1) لم يكن بال قائمًا، ثمَّ بال بعد ذلك، فرآه زيد بنُ وهبٍ، فلا يكون حديثاه متضادين".
وقال ذلك أيضًا الطحاويُّ.
* * *
2 -
حديث بريدة، رضي الله عنه.
أخرجه البخاريُّ في "الكبير"(2/ 1/ 496)، والطبرانيُّ في "الأوسط" -كما في "المجمع"(2/ 83) -، والبزَّارُ (ج 1 / رقم 547) من طريق سعد بن عبيد الله، ثنا ابن بريدة، عن أبيه مرفوعًا:"ثلاثٌ من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته، أو ينفخ في سجوده".
زاد البخاريُّ من رواية نصر بن علي عن سعيد: "أربع من الجفاء ...... وأن يسمع المنادى، ثمَّ لا يتشهد مثل ما يتشهد".
قال البزَّارُ: =
(1) يعني قوله: "ما بُلْتُ قائمًا منذ أسلمتُ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= "لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، إلَّا سعيد، ورواه عن سعيد عبدُ الله بنُ داود، وعبد الواحد بنُ واصل".
وقال الهيثميُّ في "المجمع"(2/ 83):
"رجال البزار رجالُ الصحيح"
وقال البدرُ العينى في "العمدة"(3/ 135):
"إسنادُهُ صحيحٌ، وقول الترمذيّ يُرد".
* قُلْتُ: وقول الترمذيّ أن حديث ابن بريدة: "غيرُ محفوظٍ" هو الصواب عندي، كما يأتي. أمَّا البدر العينى رحمه الله فجرى على ظاهر السند وغفل عن العلة الحقيقية.
قال المباركفوريّ في "التحفة"(1/ 68) يردُّ على العينى:
"الترمذيُّ من أئمة هذا الشأن، فقولُه: حديث بريدة في هذا غير محفوظٍ يعتمدُ عليه، وأما إخراج البزار حديثه بسندٍ ظاهره الصحة، فلا ينافى كونه غير محفوظ" اهـ.
وهذا كلامٌ نفيس. رحمه الله.
أمَّا علَّةُ الحديث فهي المخالفة.
فقد خولف سعيد بن عبيد الله فيه.
خالفه قتادةُ، فرواه عن ابن بريدة، عن ابن مسعودٍ أنه كان يقولُ:"أربعٌ من الجفاء: أن يبول الرجل قائمًا، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه، وليس بين يديه شىءٌ يستُرهُ، ومسحُ الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبه في قوله".
أخرجه ابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 281) بالفقرة الأولى فقط، والبيهقيُّ (2/ 285) وقال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= "وكذلك رواه الجريريُّ، عن ابن بريدة، عن ابن مسعود" اهـ.
وطريق الجريرى هذا أخرجه البخاريُّ في "الكبير" قال:
"وقال نصر: حدثنا عبد الأعلى عن الجريريّ، عن ابن بريدة، عن ابن مسعود نحوه".
ونقل البيهقيُّ عن البخاريّ أنه قال:
"هذا حديثٌ منكرٌ، يضطربون فيه".
* قُلْتُ: وقد مرّ وجهان لهذا الاضطراب:
الأول: أن سعيد بن عبيد الله رفعه.
الثانى: أن قتادة والجريرى خالفاه في موضعين:
أ- أنهما أوقفاه.
ب- أنهما نقلاه من "مسند بريدة" إلى "مسند ابن مسعود" وهما يترجحان على سعيد بن عبيد الله، لا سيما وقد قال فيه الدارقطنيُّ:"ليس بالقويّ، يُحدِّثُ بأحاديث يسندها ويوقفها غيرُهُ" وهذا الحديث مثالٌ لذلك.
وقد أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124)، وابنُ المنذر في "الأوسط"(ج 1/ رقم 280) من طريق عاصم بن أبي النجود، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود قال: من الجفاء أن يبول قائمًا.
ورجاله ثقات، غير أنه منقطع بين المسيب وابن مسعود، كما صرَّح بذلك أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان.
والوجه الثالث: أنَّ كهمس بن الحسن رواه عن ابن بريدة من قوله، ولم يذكر "ابن مسعودٍ". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
= أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدثنا وكيع، عن كهمس.
وسندُهُ صحيحٌ ..
فالصواب في الحديث الوقف، وأنه ليس بمرفوعٍ. والله أعلم.
* * *
3 -
حديثُ عبد الرحمن بن حسنة، رضي الله عنه
* قُلْتُ: يأتي في الحديث القادم إن شاء الله تعالى.
***