المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنزه من البول - بذل الإحسان بتقريب سنن النسائي أبي عبد الرحمن - جـ ١

[أبو إسحق الحويني]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌باب تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)

- ‌باب السِّوَاكِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌كَيف يَسْتَاكُ

- ‌باب هَلْ يَسْتَاكُ الإِمَامُ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِهِ

- ‌باب التَّرْغِيبِ فِى السِّوَاكِ

- ‌باب الإِكْثَارِ فِى السِّوَاكِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى السِّوَاكِ بِالْعَشِىِّ لِلصَّائِمِ

- ‌باب السِّوَاكِ فِى كُلِّ حِينٍ

- ‌باب ذِكْرِ الْفِطْرَةِ

- ‌أ - الاِخْتِتَانُ

- ‌ب: "تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ

- ‌ نتْفُ الإبطِ

- ‌ حَلْقُ العَانَةِ

- ‌ قَصُّ الشَّارِبِ

- ‌التَّوْقِيتُ فِى ذَلِكَ

- ‌إِحْفَاءُ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحَى

- ‌الإِبْعَادُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْحَاجَةِ

- ‌الرُّخْصَةُ فِي تَرْكِ ذَلِكَ

- ‌الْقَوْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنِ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى ذَلِكَ فِى الْبُيُوتِ

- ‌باب النَّهْىِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْحَاجَةِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى الْبَوْلِ فِى الصَّحْرَاءِ قَائِمًا

- ‌باب الْبَوْلِ فِى الْبَيْتِ جَالِسًا

- ‌الْبَوْلُ إِلَى السُّتْرَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا

- ‌التَّنَزُّهُ مِنَ الْبَوْلِ

- ‌باب الْبَوْلِ فِى الإِنَاءِ

- ‌الْبَوْلُ فِى الطَّسْتِ

- ‌كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْجُحْرِ

- ‌النَّهْيُ عَنِ الْبَوْلِ فِى الْمَاءِ الرَّاكِدِ

- ‌كَرَاهِيَةُ الْبَوْلِ فِى الْمُسْتَحَمِّ

- ‌السَّلَامُ عَلَى مَنْ يَبُولُ

- ‌رَدُّ السَّلَامِ بَعْدَ الْوُضُوءِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالْعَظْمِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِطَابَةِ بِالرَّوْثِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِكْتِفَاءِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ

- ‌الرُّخْصَةُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرَيْنِ

- ‌باب الرُّخْصَةِ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ

- ‌الاِجْتِزَاءُ فِى الاِسْتِطَابَةِ بِالْحِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا

- ‌الاِسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ

- ‌النَّهْيُ عَنْ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ

- ‌باب دَلْكِ الْيَدِ بِالأَرْضِ بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ

الفصل: ‌التنزه من البول

‌التَّنَزُّهُ مِنَ الْبَوْلِ

31 -

أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ «إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» . خَالَفَهُ مَنْصُورٌ رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ طَاوُسًا.

ــ

31 -

إِسنادُهُ صَحِيْحٌ.

* مجاهد، هو ابنُ جبرٍ المكى، أبو الحجاج المخزومى.

أخرج له الجماعةُ. وهو ثقة ثبتٌ جبل.

قال قتادة:

"أعلمُ من بقى بالتفسير مجاهدٌ".

وقال مجاهدٌ:

"عرضتُ القرآن على ابن عباس ثلاثين مرةً".

* طاوس، هو ابنُ كيسانٍ، أبو عبد الرحمن الحميريُّ.

أخرج له الجماعة، وهو ثقةٌ، فحلٌ.

وحسبُهُ قولُ ابن عباسٍ فيه:

"إنى لأظنُّ طاوسًا من أهل الجنة". =

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= والحديث أخرجه البخاريُّ.

(1/ 322 و 3/ 222 - 223، 242 و 10/ 469 فتح)، ومسلم (3/ 200 - 201 نووى)، وأبو عوانة (1/ 196) والمصنِّفُ (4/ 106) ويأتى في "كتاب الجنائز" -إن شاء الله-، وأبو داود (20)، والترمذيُّ (70)، وابنُ ماجة (347)، والدارميُّ (1/ 154)، وأحمد (1/ 225)، ووكيع (444)، وهنَّادُ (360، 1312) كلاهما في "الزهد"، وكذا ابنُ أبي شيبة (1/ 122 و 3/ 375،376 - 377)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب"(620)، ويعقوبُ بنُ سفيان في "المعرفة"(3/ 149)، والمروزيُّ في "زوائد الزهد"(1220، 1221)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 56)، وابنُ حبان (ج5 / رقم 3118)، وابنُ الجارود في "المنتقى"(130)، وابنُ جريرٍ في "تهذيب الآثار"(899،898 - مسند عمر)، والآجريُّ في "الشريعة"(362)، وأبو الشيخ في "التوبيخ"(202)، والبيهقيُّ في "السنن"(1/ 104 و 2/ 412)، وفي "عذاب القبر"(رقم 130، 131، 132)، والجوزقانيُّ في "الأباطيل"(347)، وأبو نُعيم في "المستخرج" -كما في "الفتح"(1/ 322) -، والبغويُّ في "شرح السُّنة"(1/ 370) من طرقٍ عن الأعمش، قال: سمعتُ مجاهدًا، عن طاوس، عن ابن عباسٍ فذكره.

ورواه عن الأعمش جماعة، منهم:

"وكيع، وأبو معاوية، وعبد الواحد بن زياد، وجرير بن عبد الحميد".

وقد خولف الأعمش في إسناده.

خالفه منصور بْنُ المعتمر، فرواه عن مجاهد، عن ابن عباسٍ به =

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= فسقط ذكرُ "طاوس" من السند.

أخرجه البخاريُّ (1/ 317 و 10/ 472 - فتح)، والمصنِّفُ (4/ 106) في "كتاب الجنائز"، وأحمد (1/ 225)، وابنُ خزيمة (ج1/ رقم 55)، وابنُ جرير (901)، والآجرىُّ (361)، والخرائطيُّ في "مساوئ الأخلاق"(ج1 /ق 20/ 2).

قال الترمذيُّ:

"هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .... وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد، عن ابن عباسٍ، ولم يذكر فيه: "طاوس". ورواية الأعمش أصحُّ".

* قُلْتُ: وكأنَّ الترمذيَّ تلقى هذا من البخاري.

فقال في "العلل":

"سألتُ محمدًا أيهما أصحُّ؟ فقال: رواية الأعمش أصحُّ".

وترجيحُ البخاري رواية الأعمش، لا يقتضي أن رواية منصور مرجوحة، بدليل أنه أخرج الروايتين في "صحيحه".

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 317):

"وإخراجُه -يعني البخاريّ- له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيُحمل على أنَّ مُجاهدًا سمعه من طاوس، عن ابن عباس، ثمَّ سمعه من ابن عباسٍ بلا واسطةٍ، أو العكس، ويؤيدُهُ أنَّ في سياقه عن طاوس زيادة على ما في روايته عن ابن عباسٍ". اهـ

وقد سبقه إلى مثل هذا الجمع بعضُ العلماء، وهذا يقضى أنَّهُ أولى من الترجيح. وهو الصوابُ.

قال ابنُ حبان في "صحيحه"(5/ 52):

"سمع هذا الخبر مجاهد، عن ابن عباس، وسمعه من طاوس، عن =

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ابن عباسٍ، فالطريقان جميعًا محفوظان" اهـ.

وقال ابنُ حزمٍ في "المحلى"(1/ 179):

"وأمَّا روايةُ هذا الخبر مرة عن مجاهد، عن ابن عباسٍ، ومرةً عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباسٍ، فهذا قوةٌ للحديث، ولا يتعلل بهذا إلَّا جاهلٌ أو مكابرٌ للحقائق؛ لأنَّ كليهما إمامٌ، وكلاهما صحب ابن عباس الصحبة الطويلة. فسمعه مجاهد من ابن عباسٍ، وسمعهُ أيضًا من طاوس، عن ابن عباسٍ، فرواه كذلك، وإلَّا فأيُّ شيءٍ مما يقدحُ في الرواية؟! وددنا أن تبينوا لنا ذلك، ولا سبيل إلى ذلك إلا بدعوى فاسدة لهج بها قومٌ من أصحاب الحديث، وهم فيها مخطئون عين الخطأ، ومن قلَّدهم أسوأ حالًا منهم .... " اهـ.

وهذا كلام نفيس، لولا حرارةُ الأنفاس!!

وقال بمثل ما تقدم البدر العينى في "عمدة القارئ"(3/ 115)، والمباركفورى في "تحفة الأحوذى"(1/ 234 - 235)، وأحمد شاكر في "شرح الترمذي"(1/ 104) وغيرهم.

ومما يدلّ على صحة هذا الجمع أن الأعمش رواه أيضًا عن مجاهد، عن ابن عباس، مثلما رواه عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباسٍ.

أخرجه الطيالسيُّ (2646)، وابنُ جرير في "التهذيب".

(900 - مسند عمر)، وابنُ حبان (ج 5 / رقم 3119)، والآجريُّ في "الشريعة"(362) من طرق عن شعبة، عن الأعمش به.

قال الترمذيُّ:

"وفي الباب عن أبي هريرة، وأبي موسى، وأبى بكرة، وعبد الرحمن بن حسنة، وزيد بن ثابتٍ". =

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=

1 -

حديثُ أبي هريرة، رضي الله عنه.

وله عنه طرقٌ:

1 -

أبو حازم، عنه.

أخرجه أحمد (2/ 441)، وابنُ أبي شيبة (3/ 276) والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(136) من طريق محمد بن عبيد، ثنا يزيدُ بْنٌ كيسان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قبرٍ فوقف، فقال:"ايتونى بجريدتين". فجعل إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه. فقلنا: يا رسول الله! أينفعه ذلك؟!

قال: "لن يزال يخففُ عنه بعضُ عذاب القبر، ما دام فيهما ندو" وتابعه الوليد بنُ القاسم -وفيه مقالٌ- عن يزيد به.

أخرجه ابنُ جرير في "التهذيب"(903 - مسند عمر).

* قُلْتُ: وسندُهُ حسنٌ لأجل يزيد.

قال الهيثميُّ في "المجمع"(3/ 57):

"رجاله رجالُ الصحيح".

يعني "صحيح مسلم".

2 -

عبد الله بن الحارث، عنه.

أخرجه ابن حبان (140) من طريق المنهال بن عمرو، عن عبد الله ابن الحارث، عن أبي هريرة قال: كنا نمشى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعد كُمُّ قميصه! فقلنا: ما لك يا نبيَّ الله؟ قال: تسمعون ما أسمعُ؟ قلنا: وما ذاك يا نبيَّ الله؟ قال: "هذان رجلان يُعذبان =

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنبٍ هينٍ قُلْنا: فيم ذاك؟! قال: "أحدُهُما لا يستنزه من بوله، وكان الآخر يؤذى الناس بلسانه، ويمشى بينهم بالنميمة". فدعا بجريدتين من جرائد النخل، فجعل في كلِّ قبرٍ واحدةً. قُلْنا: وهل ينفعُهم ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، يُخفف عنهما مادامتا رطبتين".

* قُلْتُ: وسندُهُ جيدٌ.

وعبدُ الله بْنُ الحارث الأنصاريّ وثقه أبو زرعة، والنسائي، وابنُ حبان. وقال أبو هاشمٍ:"يُكتب حديثُهُ".

3 -

أبو الخنساء، عنه.

أخرجه البيهقيُّ في "عذاب القبر"(135) من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد العزيز بن صالح، أن أبا الخنساء حدثه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه مرَّ بقبرين فأخذ سعفةً -أو جريدةً- فشقها، فجعل أحدهما على أحد القبرين والشقة الأخرى على القبر الآخر.

قال ابن وهبٍ:

أرى أنه سُئل عن فعلته، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"رجلٌ كان لا يتقى من البول، وامرأةٌ كانت تمشي بين الناس بالنميمة، فانتظر بهما العذابُ إلى يوم القيامة".

* قُلْتُ: وهذا سندٌ ضعيفٌ.

وأبو الخنساء مجهولٌ.

قال أبو زرعة الرازيُّ: =

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= "لا أعرفُ أبا الخنساء إلا في هذا الحديث، ولا أعرف اسمه".

نقله عنه ابن أبي حاتمٍ في "الجرح والتعديل"(4/ 2 / 367).

ولأبى هريرة في الباب حديث آخر مرفوعًا:

"أكثر عذاب القبر من البول".

أخرجه ابنُ ماجة (348)، وأحمد (2/ 388،326، 389)، وابنُ أبي شيبة (1/ 121) وابنُ خزيمة -كما في "الفتح"(1/ 318) -، وابنُ المقرى في "معجمه"(ق 127/ 1)، والحاكم (1/ 183)، والدَّارقطنُّى (1/ 128)، والآجرى في "الشريعة"(363،362)، والبيهقيُّ (2/ 412) وفي "عذاب القبر"(133)، وأبو نُعيم في "أخبار أصبهان"(2/ 14)، والجوزقانى في "الأباطيل"(348) من طريق أبي عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا به.

قال الدَّارقطنيُّ:

"صحيحٌ".

وقال الحاكم:

"صحيحٌ على شرط الشيخين، ولا أعرفُ له علَّةً" ووافقه الذهبيُّ وقال الجوزقانى:

"هذا حديثٌ حسنٌ مشهورٌ".

وقال البوصيرى في "مصباح الزجاجة"(146/ 1):

"هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُه عن آخرهم محتجٌ بهم في الصحيحين" اهـ وقال المنذريُّ في "الترغيب"(1/ 139) بعد ذكر تصحيح الحاكم:

"وهو كما قال" =

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وفي "فيض القدير" للمناوى (2/ 80):

"وقال الضياء المقدسيُّ: سندُهُ حسنٌ. قال مغُلْطاى: وما علم أن الترمذيَّ سأل عنه البخاريّ، فقال: حديثٌ صحيحٌ".

* قُلْتُ: وهو صحيحٌ كما تقدم.

لكن قال أبو حاتمٍ:

"هذا حديث باطلٌ" يعني مرفوعًا.

ذكره عنه ولدُهُ في "العلل"(ج 1/ رقم 1081).

وقال الدارقطنيُّ في "العلل"(ج 3 / ق 45/ 1):

"والحديث يرويه الأعمش، واختلف عنه. فأسنده أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وخالفه ابنُ فُضيلٍ فوقفه. ويُشبه أنْ يكون الموقوفُ أصحَّ". اهـ.

وترجيح أبي حاتم والدارقطنى (1) للموقوف فيه نظرٌ عندي؛ لأن أبا عوانة أوثق من محمد بن فضيل بلا شك، فلو سلكنا مسلك الترجيح لوجب تقديم روايته على رواية محمد بن فضيل. وكأنه لذلك لم يعبأ بهذا الإِعلال أحدٌ ممن حكم على الحديث بالصحة.

وله طريقٌ آخر عن أبي هريرة مرفوعًا:

"استنزهوا من البول، فإنَّ عامة عذاب القبر منه".

أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 128) من طريق محمد بن الصباح السمان، أنا أزهرُ بْنُ سعد السمان، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به. =

(1) وقد حكم الدارقطني بصحة المرفوع كما تقدّم.

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= قال الدَّارقطنيّ:

"الصواب مرسلٌ".

* قُلْتُ: ومحمد بن الصباح قال فيه الذهبيُّ:

"بصريٌّ، لا يُعرف، وخبرُهُ منكرٌ".

2 -

حديثُ أبي موسى الأشعَرىّ، رضي الله عنه.

* قُلْتُ: مرَّ تخريجه في الحديث السابق.

3 -

حديث عبد الرحمن بن حسنة، رضي الله عنه.

مرَّ برقم (30).

4 -

حديث أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه.

أخرجه ابنُ ماجة (349) وابنُ أبي شيبة (1/ 122، 3/ 376)، وأحمد (5/ 39)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(137) من طريقين عن الأسود بن شيبان، عن بكر بن مرار، عن جدِّه أبي بكرة قال: بينما أنا أمشى مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم ومعى رجل، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمشي بيننا إذ أتى على قبرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:"إنَّ صاحبى هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما، فأيُّكُمْ يأتينى من هذا النخل بعسيب؟ ". فاستبقتُ أنا وصاحبى، فسبقتُهُ، وكسرتُ من النخل عسيبا فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فشقه نصفين من أعلاهُ. فوضع على أحدهما نصفًا، وعلى الآخر نِصْفًا، وقال: "إنه يهون عليهما ما دام فيما من بلوتهما لشىءٌ، إنهما ليعذبان في الغيبة =

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= والبول".

والسياق للبيهقيّ.

ورواه عن الأسود بن شيبان وكيع، وأبو داود الطيالسيّ (1) وخالفهما جماعة، فرووه عن الأسود بن شيبان، عن بحر بن مرار، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه فذكره بنحوه.

من هؤلاء: "أبو سعيد مولى بني هاشم، ومسلم بن إبراهيم، وعبد الله ابن أبي بكر العتكى، والطيالسيّ أيضًا، وسليمانُ بن حرب، وعبد الصمد بن عبد الوارث".

أخرجه أحمد (5/ 35 - 36) والبخاريّ في "الكبير"(1/ 2 /127)، والطيالسيُّ (867)، والحربيُّ في "الغريب"(2/ 610)، وابنُ عديٍّ في "الكامل"(2/ 487)، والعقيليُّ في "الضعفاء"(1/ 154)، والبيهقيُّ (138).

* قُلْتُ: وهذا الوجه أصحُّ من الأول؛ لأن بحر بن مرار لم يسمع من أبي بكرة الثقفى.

ونقل البوصيريُّ في "الزوائد"(1/ 147) أن المزيَّ قال في "الأطراف": وهو الصواب" اهـ.

ولم أجد هذا الترجيح من المزيّ في "التحفة"(9/ 38)، فلا أدرى هل سقط، أم هو وهمٌ من البوصيريّ. وهو ترجيحٌ صحيحٌ على كل حالٍ. =

(1) ورواه من جهة الطيالسي هكذا البيهقيٌّ. وكذلك وقع في "علل الحديث" لابن أبي حاتم ولم أجد هذه الرواية في "مسند الطيالسي" إنما وجدت الرواية الموصولة، فلعلها فقدت في جملة ما فقد من هذا المسند العظيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ثمَّ وجدتُ في "علل الحديث"(ج 1/ رقم 1099) لابن أبي حاتمٍ أنه سأل أباه عن هذا الحديث فقال: "هذا -يعني رواية مسلم بن إبراهيم وغيرُهُ ممن ذكرتهُ قبلُ- أصحُّ من حديث وكيع". اهـ.

ولكن قال العقيليُّ:

"ليس بمحفوظٍ من حديث أبي بكرة إلا عن بحر بن مرار هذا، وقد صحَّ من غير هذا الوجه".

أما البدر العينى فقال في "العمدة"(3/ 117): "سندُهُ جيدٌ" وقال الحافظ في "الفتح"(1/ 321): "إسناده صحيح"!.

* قُلْتُ: وبحر بن مرار وثقه ابن معين. وقال النسائيُّ:

"لا بأس به".

ولكنه قال في "الضعفاء"(ص- 25):

"نكرة، تغير" فتغيَّر رأيهُ فيه.

وكذلك تغير فيه رأى يحيى القطان.

وضعَّفه أبو أحمد الحاكم، وأبو العرب القيروانى، وابنُ حبان، والعقيليُّ. ووثقه ابنُ شاهين، وابن خلفون.

وقال الذهبيُّ في "الكاشف"(545):

"صدوق"!

وهو تساهلٌ، وإلَّا فأين جرحُ الجارحين، لا سيما وهو مفسرٌ من يحيى القطان، فقد قال:"رأيتُهُ قد خلّط". والله أعلم.

5 -

حديثُ زيد بن ثابتٍ، رضي الله عنه.

قال المباركفورى في "التحفة"(1/ 234): =

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= "لم أقف عليه".

* قُلْتُ: وقفتُ على حديثٍ لزيد بن ثابتٍ رضي الله عنه فيه عذاب القبر، ولكن لم يذكر فيه علة حديث الكتاب، فلا أدرى هل يقصده الترمذيُّ أم لا؟ مع أنه يصلح أن يُكتب في الباب على أحد معانى الحديث على ما هو معروف عن الترمذيّ رحمه الله.

وهذا الحديث:

أخرجه مسلمٌ (2867)، وأحمد (5/ 190)، وابنُ أبي شيبة (3/ 373)، وعبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب"(254)، وابنُ أبي عاصم في "السُّنة"(868)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(102) والبغويُّ في "شرح السُّنة"(5/ 161 - 162) من طريق الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم في حائطٍ من حيطان المدينة فيه أقبُرٌ، وهو على بغلته، فحادت به، وكادت أن تُلْقيه! فقال:"من يعرف أصحاب هذه الأقبُر؟ ". فقال رجلٌ: يا رسول الله! قومٌ هلكوا في الجاهلية. فقال: "لولا أنا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم عذاب القبر ....... " وساق حديثًا فيه طولٌ.

وقد رواه عن الجريريّ: "ابنُ علية، ويزيد بنُ هارون".

وخالفهما خالد بنُ عبد الله، فرواه عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ فذكره.

فجعله من "مسند أبي سعيد الخدرى".

أخرجه عبد الله بنُ أحمد في "السُّنة"(1354)، وابن حبان (785) وخالد بنُ عبد الله الواسطيّ ثقةٌ ثبتٌ.

وقد توبع.

تابعه داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ بنحوه. =

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أخرجه أحمدُ في "المسند"(3/ 3 - 4)، وابنُهُ عبد الله في "السُّنة"(1383)، والبزَّار (872)، وابنُ أبي عاصم في "السُّنة"(865) من طريق عبَّاد بن راشد، عن داود بن أبي هندٍ.

قال البزَّارُ:

"لا نعلمه عن أبي سعيدٍ إلا بهذا الإِسناد".

وقال الحافظ ابنُ كثيرٍ في "تفسيره"(4/ 417):

"وهذا أيضًا إسنادٌ لا بأس به، فإنَّ عباد بن راشد التميميَّ روى له البخاريُّ مقرونًا، ولكن ضعَّفه بعضُهُمْ" اهـ.

أما الحافظُ الهيثميُّ فقال في "المجمع"(3/ 48): "رجالُهُ رجالُ الصحيح"!!

كذا قال: وعبَّاد ليس من رجال البخاريّ، وإنما روى له مقرونًا كما قال ابنُ كثير، ومع ذلك فقد تكلموا فيه بكلام خلاصته أنه صدوقٌ له أوهامٌ، كما قال الحافظ في "التقريب".

وقد خالفه مسلمةُ بنُ علقمة، فرواه عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ موقوفًا ولم يرفعه.

أخرجه عبد الله بنُ أحمد في "السُّنة"(1387) قال: حدثني أحمد بن أيوب بن راشد البصريّ، حدثنا مسلمة بن علقمة به.

* قُلْتُ: أما أحمد بن أيوب، فقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 19) وقال:"ربما أغرب". ومسلمة بن علقمة حاله قريبةٌ من حال عباد بن راشد، والمرفوعُ أشبهُ. والله أعلمُ.

فيتحصل مما سبق أن رواية ابن علية أرجح لأنه سمع من الجريرى قبل أن يختلط بثمان سنين، بخلاف خالد بن عبد الله الواسطى. فيظهر أن هذا الاختلاف من الجريرى نفسه، واسمه سعيد بن إياس. والله أعلمُ. =

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=* قُلْتُ: ومما لم يذكره الترمذيُّ رحمه الله:

6 -

حديثُ جابر بن عبد الله الأنصارى، رضي الله عنهما.

أخرجه البخاريُّ في "الأدب المفرد"(735)، وأبو يعلى في "مسنده"(ج 4 / رقم 2055،2050 ،2066) من طريق أبي العوام عبد العزيز ابن ربيع الباهلي، قال: حدثنا أبو الزبير محمد، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأتى على قبرين يُعذب صاحبهما، فقال:

"إنهما لا يُعذَّبان في كبير، وبلى. أمَّا أحدهما فكان يغتابُ الناس، وأما الآخر فكان لا يتأذى من البول" فدعا بجريدةٍ رطبةٍ -أو بجريدتين-، فكسرهما، ثمَّ أمر بكل كسرةٍ فغرست على قبرٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم:"أما إنه سيُهوَّنُ من عذابهما، ما كانتا رطبتين، أو لم تيبسا".

* قُلْتُ: وسندُهُ صحيحٌ، لولا تدليس أبي الزُّبير.

ولكن له طريقٌ آخرٌ.

أخرجه بحشل في "تاريخ واسط"(250) قال:

حدثنا موسى بن شبيب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابرٍ، قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم حائطًا لأمِّ مبشر، فإذا بقبرين، فدعا بجريدة رطبةٍ فشقها، ثمَّ وضع واحدةً على أحد القبرين، والأخرى على القبر الآخر، ثمَّ قال:"ترفه عنهما حتى تجفَّا". قيل: يا رسول الله! في أيِّ شىء يُعذَّبان؟! قال: "أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يتنزهُ من البول". =

ص: 282

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=* قُلْتُ: ورجاله رجال الصحيح، غير موسى بن شبيب، فلم أعرفهُ. والله أعلمُ.

7 -

حديثُ أبي أمامة، رضي الله عنه.

أخرجه أحمد (5/ 266)، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج 8 / رقم 7869) من طريق أبي المغيرة، ثنا معان بنُ رفاعة، حدثني علي بن يزيد، قال: سمعتُ القاسم أبا عبد الرحمن، يحدِّثُ عن أبي أمامة قال: مرّ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في يومٍ شديد الحرِّ نحو بقيع الغرقد، قال: فكان الناس يمشون خلفه. قال: فلمَّا سمع صوت النعال وقر ذلك في نفسه، فجلس حتى قدمهم أمامه لئلا يقع في نفسه من الكِبْرِ، فلمَّا مرَّ ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين. قال: فوقف النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم فقال: "مَنْ دفنتم هاهنا اليوم؟ " قالوا: يا نبيَّ الله! فلان وفلان. قال: "إنَّهُما ليعذبان الآن ويُفتنان في قبريهما" قالوا: يا رسول الله! فيم ذاك؟ قال: "أمَّا أحدهما فكان لا يتنزهُ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة". وأخذ جريدةً رطبةً فشقَّها، ثم جعل على القبرين. قالوا: يا رسول الله! ولم فعلْتَ؟ قال: "ليُخفَّفَنَّ عنهما" قالوا: يا نبيَّ الله! وحتى متى يعذبهُما الله؟ قال: "غيبٌ لا يعلمه إلا الله" قال: "ولولا تمريغ قلوبكم أو تزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع".

قال الهيثميُّ في "المجمع"(3/ 56):

"فيه عليُّ بنُ يزيد، وفيه كلام"!

وله طريقٌ آخر عن أبي أمامة، بلفظٍ آخر وهو: =

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= "اتقوا البول، فإنه أوَّلُ ما يحاسبُ به العبدُ في القبر".

أخرجه ابنُ أبي عاصم في "الأوائل"(93)، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج 8 / رقم 7605) من طريق الهيثم بن حميد، عن رجُلٍ، عن مكحولٍ، عن أبي أمامة مرفوعًا .... فذكره.

وتابعه إسماعيل بن إبراهيم الترجمانى، ثنا أيوب، عن مكحول، عن أبي أمامة. أخرجه الطبرانيُّ (7607).

فسمَّى الرجل المبهم "أيوب".

قال المنذريُّ في "الترغيب"(1/ 142):

"إسنادُهُ لا بأس به".

وقال الهيثميُّ في "المجمع"(1/ 209):

"رجاله موثقون"!

وحسنه السيوطي في "الجامع الصغير"(131).

فتعقَّبه المناويُّ في "فيض القدير"(1/ 131) بقوله:

"رمز المصنِّفُ لحُسْنه، وهو أعلى من ذلك"!

ثمَّ نقل تقوية المنذريّ، والهيثميّ.

* قلْتُ: كذا قالوا! وهو وهمٌ منهم جميعًا لأنَّ أيوب هو ابن مدرك، وهو متروكٌ. وقد صرَّح الهيثميُّ نفسُهُ في "المجمع"(2/ 126) بأنه "كذابٌ"، وقال في موضعٍ آخر منه (2/ 64):"منسوبٌ إلى الكذب".

ومن الأدلة على كذبه، قولُ ابن حبان في "المجروحين" (1/ 168):

"روى عن مكحولٍ نسخةً موضوعةً، ولم يرهُ". =

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= 8 - حديث أنسٍ، رضي الله عنه.

أخرجه الطبرانيُّ في "الأوسط"(ج 2 / رقم 1058)، وابنُ عديٍّ في "الكامل"(3/ 918)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(142) من طريق خليد بن دَعْلج، عن قتادة، عن أنسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم مرَّ برجُلٍ يُعذَّبُ في قبره من النميمة، ومرَّ برجُلٍ يُعذب في قبره من البول".

واقتصر البيهقيُّ على الفقرة الأولى منه.

قال الهيثميُّ في "المجمع"(1/ 207):

"فيه خليد بن دعلج، ضعَّفوه، إلا أبا حاتمٍ قال: صالحٌ وليس بالمتين، وقال ابنُ عديٍّ: عامة ما رواه تابعه عليه غيرُهُ".

في حين أنه قال في موضعٍ آخر من "المجمع"(7/ 37): "متروكٌ"!!

ولكنه توبع.

تابعه أبو جعفر الرازى، فرواه عن قتادة، عن أنسٍ مرفوعًا، ولكنه خالفه في متنه (1)، فرواه بلفظِ:

"تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه".

أخرجه الدارقطنيُّ (1/ 127)، وقال:

"المحفوظ: مرسلٌ".

وقد صرَّح بذلك في "العلل"(ج 2 / ق 11/ 1) فقال:

"وقيل عن أبي جعفر، عن قتادة، عن أنسٍ، ولا يصحُّ عنه، والمرسلُ هو الصوابُ" اهـ.

(1) وخالفه في سنده أيضًا. فرواه عن قتادة مرسلًا.

ذكره الدارقطنيُّ في "العلل"(ج 12 ق 11/ 1).

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= * قُلْتُ: وأبو جعفر الرازى، كان سيىء الحفظ.

ولكن له طريق خيرٌ من هذا.

أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل"(ج1/ رقم 42) قال: قال أبي: حدثنا أبو سلمة، عن حمادٍ، عن ثمامة، عن النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال:"استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر من البول".

قال أبو حاتمٍ:

"مرسل، وهذا عندي أشبهُ".

وأبو سلمة هو التبوذكيُّ، واسمه موسى بن إسماعيل وهو ثقةٌ حافظٌ.

ولكنه خولف في سنده. خالفه حبانُ بن هلال، وهو ثقةٌ ثبتٌ، وحرميُّ بن حفصٍ، وهو ثقةٌ، وإبراهيم بن الحجاج الساميُّ وهو ثقةٌ، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة، عن ثمامة بن عبد الله بن أنسٍ، عن أنسٍ مرفوعًا به.

ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في "العلل" وقال:

"قال أبو زُرْعة: المحفوظ عن حماد، عن ثمامة، عن أنسٍ، وقصَّر أبو سلمة" اهـ.

ورأىُ أبي زرعة هو ما نميلُ إليه لثقة من رواه عن حماد، وهُمْ جماعة فالسندُ قويٌّ. والله أعلمُ.

وللحديث طريقٌ آخر عن أنس.

أخرجه البيهقيُّ في "عذاب القبر"(141) من طريق أبي أسامة الكلبي، ثنا عبيد بنُ الصباح، ثنا عيسى بن طهمان، عن أنس بن مالكٍ، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين لبنى النجار، وهما يُعذبان بالنميمة والبول. فأخذ سعفةً فشقها باثنين. فوضع على هذا القبر شقةً، وعلى هذا القبر شقةً، وقال: "يُخفف =

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= عنهما ما زالتا رطبتين".

* قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ.

وعبيدُ بنُ الصباح، ضعَّفه أبو حاتمٍ (1).

ذكره عنه ولدُهُ في "الجرح والتعديل"(2/ 2 / 408).

وعزاهُ الهيثميُّ (1/ 208) لأحمد والطبراني في "الأوسط"، وقال:"فيه عبيد بن عبد الرحمن، وهو ضعيفٌ".

وعبيد بن عبد الرحمن هذا، ترجمه ابنُ أبي حاتمٍ (2/ 2 /410) وقال:"روى عن عيسى بن طهمان، روى عنه أبو أسامة الكلبي .... سألتُ أبي عنه فقال: لا أعرفُهُ، والحديثُ الذي رواه كذبٌ". اهـ

ففرق أبو حاتمٍ والذهبى بين عبيد بن الصباح وعبيد بن عبد الرحمن، وقد صرحت روايةُ البيهقيّ أن عبيد بن الصباح يروى عن عيسى بن طهمان، وعنه أبو أسامة الكلبي، فلعلهما واحدٌ. والله أعلمُ.

9 -

حديثُ يعلى بن سيابة، رضى الله عنه.

أخرجه أحمد (4/ 172) واللَّفْظُ له، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج 22 / رقم 705) من طرق بن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن حبيب بن أبي جبيرة، عن يعلى بن سيابة قال: كنتُ مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، في مسيرٍ له، فأراد أن يقضى حاجةً، فأمر وديتين، فانضمت إحداهما إلى الأخرى، ثمَّ أمرهما فرجعتا إلى منابتهما، وجاء بعيرٌ فضرب بجرانه إلى الأرض، ثم جرجر حتى ابتل ما حوله. فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "أتدرون =

(1) ووثقه البزار -كما في "المجمع"(4/ 320) -، والبزار نَفَسُهُ رخوٌ في التوثيق.

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ما يقولُ البعير؟ إنه يزعُمُ أنَّ صاحبه يريد نحرهُ! " فبعث إليه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "أواهبُه أنت لي؟ " فقال: يا رسول الله! ما لي مالٌ أحبُّ إليَّ منه. فقال: "استوص به معروفًا" فقال: لا جرم، لا أكرمُ مالًا لي كرامته يا رسول الله. وأتى على قبر يُعذَّبُ صاحبُهُ، فقال: "إنه يُعذَّبُ في غير كبيرٍ. فأمر بجريدةٍ فوضعت على قبره، فقال:"لعلَّهُ أنْ يُخفف عنه ما دامت رطبة".

وفي رواية الطبرانيّ:

"ثمَّ أتى على قبرين يعذبُ صاحباهما، فقال: "إنهما ليعذبان بأمرٍ غير كبير" وأخذ بجريدتين رطبتين فوضعهما على قبرهما، ثم قال: "عسى أن يُخفف عنهما ما كانتا رطبتين".

وأخرجه عبدُ بنُ حميدٍ في "المنتخب"(404)، وأحمد (4/ 172)، وكذا ابنُ أبي شيبة (3/ 376)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(139) من طريق حمادٍ به مختصرًا على محلِّ الشاهد فقط، بمثل حديث أحمدٍ وقد رواه عن حمادٍ جماعة منهم:

"سليمانُ بنُ حربٍ، وأبو سلمة الخزاعيّ، وعفان بن مسلم، وحجاج بن منهال، وأبو عمر الضرير".

* قُلْتُ: وسندُهُ ضعيف لجهالة حبيب بن أبي جبيرة.

وقد اختُلف في اسمه، وانظر "التعجيل"(173).

ويعلى بن سيابة.

قال الحافظ في "التعجيل"(173):

"ويعلى بن مرة، وهو الذي يقال: "ابن سيابة" بكسر

=

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= المهملة وتخفيف المثناة من تحت، وبعد الألف موحدة، وهي أُمُّهُ".

وكذا في "الإِصابة"(6/ 353).

وظاهر صنيع أحمد كذلك بدليل أنه جعل حديثه ضمن مسند "يعلى بن مرة".

وكذا قال ابنُ عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 615).

ولكن فرَّق بينهما أبو حاتمٍ، وابنُ قانعٍ، والطبرانّى.

وقال ابنُ حبان في "الثقات"(3/ 440):

"يعلى بن مرة .... ومن قال إنه يعلى بن سيابة، فقد وهم" ثمَّ قال في ترجمة يعلى بن سيابة:

"يقال: إن له صحبةً".

10 -

حديثُ يعلى بن مرة، رضي الله عنه.

أخرجه البيهقيُّ في "دلائل النبوة"(7/ 42) من طريق الصباح بن محارب، عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه، قال: مررنا مع رسول الله على مقابر، فسمعتُ ضغطةً في قبرٍ! فقلتُ يا رسول الله! سمعتُ ضغطةً في قبرٍ. قال: وسمعت يا يعلى؟! قلتُ: نعم. قال: "فإنَّهُ يُعذَّبُ في يسيرٍ من الأمر". قلت: وما هو -جعلني الله فداك-؟ قال: "كان رجلًا فتانًا يمشي بين الناس بالنميمة، وكان لا يتنزه عن البول. قم يا يعلى إلى هذه النخلة، فائتنى منها بجريدةٍ". فجئتُهُ بها فشقها باثنين، فقال:"اغرس إحداهما عند رأسه، والأخرى عند رجليه، فلعلَّهُ أن يُرفَّه -أو يُخفف- عنه ما لم ييبس هاتان".

* قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ، وفي متنه نكارة وعمر بن عبد الله =

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= منكرُ الحديث كما قال أحمد وابن معين وأبو حاتمٍ والنسائيُّ. وقد تركه أبو حاتمٍ في رواية، والدَّارقطنيُّ.

11 -

حديثُ عبادة بن الصامت، رضي الله عنه.

أخرجه البزار (ج1/ رقم 246) قال: حدثنا خالد بن يوسف بن خالد، ثنا أبي، عن عمر بن إسحق، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن أبيه، عن جدِّه، قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البول؟

فقال: "إذا مسَّكُمْ شىءٌ فاغسلوهُ، فإنى أظنُّ أن منه عذاب القبر".

قال البزَّارُ:

"لا نعلمه عن عبادة إلَّا من هذا الوجه".

قال الهيثميُّ في "المجمع"(1/ 208):

"فيه يوسف بن خالد السمتى، ونُسب إلى الكذب" اهـ.

وابنُهُ خالد ضعَّفه الذهبيُّ، والهيثميُّ في "المجمع"(9/ 218) وذكره ابنُ عديٍّ في "الكامل"(3/ 915).

فالسندُ ضعيفٌ جدًّا.

12 -

حديثُ عائشة، رضي الله عنها.

* قُلْتُ: ويأتي تخريجه برقم (1345) إنْ شاء الله تعالى.

13 -

حديثُ أبي برزة الأسلميِّ، رضي الله عنه.

أخرجه الخطيبُ في "التاريخ"(1/ 182 - 183)، ومن طريقه =

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= الحافظُ في "التغليق"(2/ 492) من طريق أحمد بن سيار، ثنا الشاه ابن عمار، قال: حدثني أبو صالح سليمانُ بْنُ صالح الليثيُّ قال: نبأنا النضر بنُ المنذر بن ثعلبة العبديُّ، عن حماد بن سلمة، عن قتادة أن أبا برزة الأسلميَّ كان يحدثُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرَّ على قبرٍ وصاحبُهُ يُعذَّبُ، فأخذ جريدة فغرسها إلى القبر، وقال:"عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبةً". فكان أبو برزة يوصى إذا أنا متُّ فضعوا في قبرى معى جريدتين. قال: فمات في مفازةٍ بين كرمان وقومس، فقالوا: كان يوصينا أن نضع في قبره جريدتين، وهذا موضعٌ لا نُصيبُهما فيه. فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركبٌ من قبل سجستان فأصابوا معهم سعفًا فأخذوا منه جريدتين، فوضعوهما معه في قبره.

* قُلْتُ: وسندُهُ ضعيفٌ.

وقتادة لم يسمع من أبي برزة.

قال أبو حاتم -كما في "المراسيل"(ص - 175) -:

"لم يلق قتادة من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلَّا أنسًا، وعبد الله بن سرجس".

وكذلك قال أحمد بن حنبل، ولكن قيل له:

"فابنُ سرجس؟! فكأنه لم يره سماعًا".

والنضر بنُ المنذر لم أقف له على ترجمة.

14 -

بريدة بن الحصيب، رضي الله عنه.

أخرجه البخاريُّ (3/ 222) معلقًا، ووصله ابنُ سعدٍ (7/ 8) قال: أخبرنا عفانُ بنُ مسلم، قال: حدثنا حمادُ بنُ سلمة، قال: =

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أخبرنا عاصم الأحول، قال: قال مورق: أوصى بريدةُ الأسلمى أن توضع في قبره جريدتان. فكان مات بأدنى خراسان، فلم توجد إلَّا في جوالق حمّار".

ورجاله ثقات، وهو متصلٌ.

15 -

حديثُ شفيّ بن ماتع الأَصبحيّ، رحمه الله.

أخرجه ابنُ المبارك في "الزهد"(328 - زوائد نُعيم)، وابنُ أبي الدُّنيا في "الصمت"(ج 1/ ق 21/ 2)، وفي "ذم الغيبة"(ق 6/ 1)، والطبرانيُّ في "الكبير"(ج 7 رقم 7226)، وأبو نُعيم في "الحلية"(5/ 167 - 168)، وابنُ الأثير في "أُسْد الغابة"(2/ 399 - 400)، وبقىُّ بن مخلدٍ في "مسنده"، وابنُ شاهين -كما في "الإِصابة"(3/ 399) -، من طريق إسماعيل بن عياشٍ، حدثني ثعلبة بن مسلم الخثعمى، عن أيوب بن بشير، عن شفى بن ماتع الأصبحى مرفوعًا: "أربعةٌ يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى، يسعون بين الحميم والجحيم، يدعون بالويل والثبور. يقولُ أهلُ النار بعضهم لبعضٍ: ما بالُ هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى؟! قال: فرجُلٌ مغلقٌ عليه تابوتٌ من جمرٍ، ورجلٌ يجرُّ أمعاءَهُ، ورجلٌ يسيلُ فوهُ قيحًا ودمًا، ورجلٌ يأكل لحمهُ. قال: فيُقال لصاحب التابوت ما بالُ الأبْعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟! قال: فيقول: إن الأبعد مات في عنقه أموالٌ إلى الناس ما نجدُ لها قضاءً أو وفاءً. ثم يقالُ للذى يجرُّ أمعاءَهُ: ما بالُ الأبعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى؟! فيقال: إنَّ الأبعَدَ كان لا يبالى إن أصاب البول منه لا يغسلُهُ. ثمَّ يقال للذى يسيلُ فوه =

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= قيحًا ودمًا ما بالُ الأبْعَدِ قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إنَّ الأبْعَدَ كان يأكلُ لحومَ الناس".

زاد ابنُ أبي الدُّنيا: "بالغيبة ويمشى بالنميمة".

قال المنذريُّ في "الترغيب"(1/ 142، 2/ 606، 3/ 508):

"إسنادُهُ ليِّنٌ".

* قُلْتُ: وشفيُّ بن ماتعٍ مختلفٌ في صحبته كما قال الطبرانيُّ وابْنُ الأثير ويظهر أن أبا نعيمٍ اعتمد صحبته، ولكن جزم البخاريُّ، وكذا أبو حاتمٍ، وابنُ حبان بأنه تابعيٌّ. فالحديث ضعيفٌ لإرساله.

ثمَّ أيوب بن بشير العجلي ترجمه ابنُ أبي حاتم (1/ 1/ 242) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مجهولُ الحال. وقد صرَّح الذهبيُّ بأنه مجهولٌ في "الميزان"(1/ 284) وفي "الضعفاء" وهو الصوابُ وإن ذكره ابنُ حبان في "الثقات"(6/ 58).

والغريب أن يقول الحافظ في "التقريب": "صدوق"!

وقال الهيثميُّ في "المجمع"(1/ 209):

"رجاله موثقون".

فلعله يشير بهذا القول إلى ضعف التوثيق في أيوب، وإلا فالهيثميُّ يعتدُّ بتوثيق ابن حبان، بخلاف المعروف عند المحققين.

16 -

حديثُ أبي رافعٍ، رضي الله عنه.

قال الحافظ في "الفتح"(1/ 319):

"وروى النسائىُّ (1) من حديث أبي رافعٍ بسندٍ ضعيف أن الذي =

(1) ولم أقف عليه في "المجتبى".

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= أتاه بالجريدة بلالُ، ولفظُهُ:"كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جنازةٍ إذ سمع شيئًا في قبرٍ، فقال لبلالٍ: ائتنى بجريدةٍ خضراء ........ الحديث" وعزاه البدر العينى في "العمدة"(3/ 117) لأبى موسى المدينى في "الترغيب والترهيب".

قال البدر العينى:

"ومنها حديث ميمونة، ذكره ابنُ مندة في "كتاب الطهارة" ومنها حديثُ عثمان رضي الله تعالى عنه عند اللَّالكائى".

(تنبيهات)

* الأوَّلُ: ذهب بعض العلماء إلى أن وضع الجريدة على القبر من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. منهم أبو سليمان الخطابى رحمه الله فقال في "معالم السنن"(1/ 19 - 20):

"وأمَّا قولُه: "لعله يُخفف عنهما ما لم ييبسا" فإنه من ناحية التبرك بأثر النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدًّا لما وقعت به المسألةُ من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس. والعامةُ في كثيرٍ من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم، وأراهُمْ ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجهٌ، والله أعلمُ" اهـ.

وقال الشيخُ أبو الأشبال رحمه الله في "شرح الترمذيّ"(1/ 103):

"وصدق الخطابيُّ، وقد ازداد العامةُ إصرارًا على هذا العمل الذي =

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= لا أصل له، وغلوا فيه، وخصوصًا في بلاد مصر تقليدًا للنصارى، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحيةً لهم، ومجاملة للأحياء، وحتى صارت عادة شبيهةً بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدةً من بلاد أوروبا ذهبوا إلى قبور عظمائها، أو إلى قبر من يسمونه بـ "الجندى المجهول" ووضعوا عليها الزهور، وبعضُهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها، تقليدًا للإِفرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكرُ عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يصنعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمتُ أنَّ أكثر الأوقاف التي تسمى أوقافًا خيرية موقوفٌ ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور، وكل هذه بدعٌ ومنكراتٌ لا أصل لها في الدين، لا مستند لها من الكتاب والسنة، ويجبُ على أهل العلم أن ينكروها، وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا" اهـ.

* قُلْتُ: وممن ذهب إلى الخصوصية شيخنا الألباني حفظه الله تعالى، فقال في كتابه البديع "أحكام الجنائز" (ص /201 - 202): "ويؤيدُ كون وضع الجريد خاصًّا به صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمورٌ:

1 -

حديث جابر رضي الله عنه، الطويل في "صحيح مسلم" (1) وفيه قال صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم: "إنى مررت بقبرين =

(1)(18/ 144 - 145 نووى)، وأخرجه أبو يعلى (4/ 43، 53).

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= يعذبان، فأحببتُ بشفاعتى أن يُردَّ عنهما ما دام الغصنان رطبين".

فهذا صريحٌ في أنَّ رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ودعائه، لا بسبب النداوة. وسواءٌ كانت قصة جابر هذه هى عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العينى وغيرُهُ، أو غيرها كما رجحه الحافظُ في "الفتح". أما على الاحتمال الأول، فظاهرٌ. وأمَّا على الاحتمال الآخر فلأن النظر الصحيح يقتضي أنْ تكون العلةُ واحدةً في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يُعرف شرعًا ولا عقلًا، ولو كان الأمر كذلك لكان أخف الناس عذابًا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات، والأشجار التي تظلُّ مخضرةً صيفًا وشتاءً! يُضاف إلى ما سبق أنَّ بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبِّحُ الله تعالى، فإذا ذهبت من العود ويبُس انقطع تسبيحه! فإنَّ هذا التعليل مخالفٌ لعموم قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} .

ب - في حديث ابن عباس نفسه ما يشيرُ إلى أنَّ السرَّ ليس في النداوة، أو بالأحرى ليست هى السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله:"ثمَّ دعا بعسيب فشقه اثنين" يعني طولًا. فإنَّ من المعلوم أن شقَّهُ سببٌ لذهاب النداوة من الشقِّ ويُبسه بسرعةٍ، فتكون مدةُ التخفيف أقل مما لو لم يشق، فلو كانت هى العلةُ لأبقاهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون شقٍّ، ولوضع على كل قبرٍ عسيبًا أو نصفه على الأقلِّ، فإذ لم يفعل دلَّ على أن النداوة ليست هى السبب، وتعيَّن على أنها علامةٌ على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابةً لشفاعة نبيه =

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو مصَرحٌ به في حديث جابرٍ، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها. فتأمل هذا فإنه شىءٌ انقدح في النفس، ولم أجد من نصَّ عليه أو أشار إليه من العلماء. فإنْ كان صوابًا فمن الله تعالى، وإن كان خطأ فهو مني، وأستغفره من كل ما لا يرضيه.

جـ - لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلفُ الصالح ولعلموا بمقتضاهُ، ولوضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فعلوا لاشتهر ذلك عنهم، ثمَّ نقله الثقاتُ إلينا، لأنه من التي تلفتُ النظر، وتستدعى الدواعى نقله، فإذ لم يُنْقل دلَّ على أنه لم يقع، وأنَّ التقرُّب به إلى الله بدعةٌ، فثبت المرادُ. وإذا تبين هذا، سهل حينئذٍ فهم بطلان ذلك القياسِ الهزيلِ الذي نقله السيوطي في "شرح الصدور" عمن لم يسمه: "فإذا خُفِّف عنهما بتسبيح الجريدة، فكيف بقراءة المؤمن القرآن؟! قال: وهذا الحديث أصلٌ في غرس الأشجار عند القبور.

قلت: فيقالُ له: "ثبت العرش ثمَّ انقش"، "وهل يستقيمُ الظلُّ والعودُ أعوجُ؟ " ولو كان هذا القياس صحيحًا لبادر إليه السلفُ، لأنهم أحرص على الخير منا. فدلَّ ما تقدَّم على أن وضع الجريد على القبر خاصٌ به صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، وأنَّ السرَّ في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ودعائه لهما. وهذا مما لا يمكنُ وقوعُهُ مرةً أخرى بعد انتقاله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم إلى الرفيق الأعلى، ولا لغيره من بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم، لأنَّ الاطلاع على عذاب القبر من =

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= خصوصياته عليه الصلاة والسلام" اهـ.

ثمَّ أجاب عن وصية بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بوضع جريدتين في قبره بقوله: "قال الحافظُ في "شرحه": وكأنَّ بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصًّا بذينك الرجلين. قال ابنُ رشيدٍ: ويظهر من تصرُّف البخاريِّ أن ذلك خاصٌ بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر: إنما يُظلُّهُ عملُهُ.

* قُلْتُ: لا شك أنَّ ما ذهب إليه البخارىُّ هو الصوابُ لما سبق بيانُهُ ورأىُ بريدة لا حجة فيه، لأنَّهُ رأىٌ، والحديث لا يدلُّ عليه حتى لو كان عامًّا، فإن النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يضع الجريدة في القبر، بل عليه كما سبق، وخيرُ الهدى هديُ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم" اهـ.

الثانى: قد اختلف العلماءُ، هل الرجلان المذكوران في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما كانا مسلمين أو كافرين؟!

قال الحافظُ في "الفتح"(1/ 321):

"قيل: كانا كافرين، وبه جزم أبو موسى المدينى واحتج بما رواه من حديث جابرٍ بسندٍ فيه ابن لهيعة: "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرَّ على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يُعذبان في البول والنميمة ..... " قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقويٍّ، فمعناه صحيحٌ، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى تيبُّس الجريدة معنى، ولكنه لما رآهما يُعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة" اهـ.

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= ثمَّ قال الحافظُ:

"لكن الحديث الذي احتجَّ به أبو موسى ضعيفٌ كما اعترف به، وقد رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ على شرط مسلمٍ وليس فيه سببُ التعذيب، فهو من تخليط ابن لهيعة" اهـ.

فردَّ عليه البدر العينى رحمه الله في "عمدة القارى"(3/ 121) بقوله:

"قلتُ: هذا من تخليط هذا القائل! لأن أبا موسى لم يُصرح بأنه ضعيفٌ، بل قال: هذا حديثٌ حسنٌ وإنْ كان إسنادُهُ ليس بقويٍّ. ولم يعلم هذا القائلُ الفرق بين الحسن والضعيف، لأن بعضهم عدَّ الحسن من الصحيح لا قسيمه، ولذلك يُقال للحديث الواحد أنهُ: "حسنٌ صحيحٌ"، وقال الترمذيُّ: الحسنُ ما ليس في إسناده من يُتهم بالكذب. وعبد الله بن لهيعة المصريُّ لا يُتَّهمُ بالكذب، على أن طائفة منهم قد صححوا حديثه ووثقوهُ، منهم: أحمدُ رضي الله عنه" اهـ.

* قُلْتُ: قد تكلَّف العينى رحمه الله غاية التكلُّف في ردِّه على الحافظ رحمه الله حتى أداه القول بأن يصف الحافظ -حامل رواية الحديث- أنه لم يعلم الفرق بين الحسن والضعيف! وقد أجبتُ عن اعتراضه بتوسُّعٍ في "صفو الكدر في المحاكمة بين العينى وابن حجر" وبرأتُ ساحة الحافظ. ولكنى أذكر هنا ما يتعلق بالمقام فقط. والله المستعان.

فأقولُ: ما استظهرهُ الحافظ من تخليط ابن لهيعة حقٌّ لا غبار عليه، فقد روى هذا الحديث ثلاثةٌ ممن وقفتُ عليهم لم يذكر واحدٌ منهم "البول والنميمة" كما ذكر ابنُ لهيعة رحمه الله. منهم: =

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

=

1 -

سفيان الثورى.

أخرجه ابنُ أبي داود في "البعث"(13 - بتحقيقنا)، والبيهقيُّ في "عذاب القبر"(225) من طريقين عن سفيان الثوريّ، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرثًا لبنى النجار، فسمع أصواتهم يعذبون في قبورهم، فخرج مذعورًا، فقال:"استعيذوا بالله من عذاب القبر". وإسنادُهُ صحيحٌ.

2 -

ابنُ جريجٍ.

أخرجه أحمدُ (3/ 296)، وعنه ابنُهُ في "السُّنة"(1360) حدثنا عبدُ الرزاق، وهذا في "مصنفه"(3/ 584/ 6742) أنا ابنُ جريجٍ، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه جابر بن عبد الله، يقولُ: دخل النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يومًا نخلًا لبنى النجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم. فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعًا، فأمر أصحابه أنْ تعوَّذوا من عذاب القبر". وسندُهُ على شرط مسلمٍ.

3 -

موسى بنُ عقبة.

أخرجه البزَّار (ج 1/ رقم 871) من طريق ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، عن جابرٍ، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نخلًا لبنى النجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فزعًا، فلم يزل يتعوذ من عذاب القبر.

وسندُهُ حسن.

فهؤلاء ثلاثةٌ من الأثبات ذكروا الحديث ولم يذكروا سبب التعذيب =

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وأنه من النميمة والبول كما ذكر ابنُ لهيعة، وأعظمُ ما يعذبُ به هذا الكافر هو كفرُهُ بالله العظيم، فهل يستقيم أن يترك التنبيه على هذا وأنه سبب عذابه، ثم يقال: إنه يعذب من النميمة والبول؟! هذا محالٌ أمَّا قول العينى رحمه الله: "قال الترمذيُّ: الحسن ما ليس في إسناده ..... إلخ".

فالجوابُ: أنَّ مثل هذا لا يخفى على من هو أدنى من الحافظ علمًا، فضلًا عنه وهو العلم المفرد في هذا الفن، مع أن قول أبي موسى المدينى:"هو حديثٌ حسنٌ وإنْ كان إسنادُهُ ليس بقويٍّ" يحتمل أكثر من توجيه. فيقال: لعله يقصد بقوله: "حديثٌ حسنٌ" الحسن اللُّغوى لا الاصطلاحى، ويؤيدُهُ نقلُ الحافظ عنه:"هذا وإن كان ليس بقويٍّ، لكن معناه صحيح". وإن اعترض على ذلك بأن الأصل في الإِطلاق هو إرادةُ المعنى الاصطلاحى، فيحتمل أنه أراد أصل الحديث، ولم يُرد هذه الجملة التي انفرد بها ابنُ لهيعة، وهذا ظاهرٌ جدًّا -إنْ شاء الله تعالى-، ولم يذكر العينى متابعات لابن لهيعة تؤيد دعواه، مع حرصه على تعقب الحافظ وبيان خطئه عنده، فدلَّ ذلك على أنها مجرد دعوى، وهي لا تقبل في محلِّ النزاع.

أما تقوية البدر العينى لابن لهيعة وترجيح توثيقه بغضِّ النظر عما قيل فيه فهذا كما يقول القائلُ: "تخديشٌ في الرُّخام"!! وقد اضطرب رأىُ العينى في ابن لهيعة وانظر هذه المواضع من "عمدة القارى"(6/ 234، 235 و 9/ 211، 214 و 10/ 107، 239 و 11/ 234 و 25/ 44) وانظر تمام البحث في "صفو الكدر" وهو على وشك التمام والحمد لله. =

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= وجزم ابنُ العطار في "شرح العمدة" بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوزُ أنْ يقال إنهما كانا كافرين، لأنهما لو كانا كافرين لم يدعُ لهما بتخفيف العذاب ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبينُه يعني كما في قصة أبي طالبٍ" اهـ.

* قُلْتُ: وهذا هو الحقُّ الذي لا محيد عنه - إنْ شاء الله تعالى -.

ورجحه الحافظ بقوله: "هو الجوابُ".

ويدلُّ على أنهما كانا مسلمين عدَّةُ أمورٍ:

* الأول: أنهما مدفونان في البقيع.

يدل عليه حديث أبي أمامة المتقدم، وفيه:"فلمَّا مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببقيع الغرقد إذا بقبرين قد دفنوا فيهما رجلين ...... الحديث" ومعلومٌ أن البقيع مقبرةٌ لأموات المسلمين.

* الثانى: أنهما قد دُفنا حديثًا في زمان النبوة، وليس في عهد الجاهلية.

يدلُّ عليه حديث ابن عباس المتقدم، وفيه "مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين جديدين ....... " وفي حديث أبي أمامة المتقدم ما يدلُّ على ذلك، وهو قولهُ عليه الصلاة والسلام:"من دفنتم ههنا اليوم؟ ".

* الثالث: يقوى كونهما كانا مسلمين ما جاء في حديث أبي بكرة المتقدم وفيه: "

يعذبان، وما يعذبان في كبير

" و"بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" قال الحافظُ: "فهذا الحصر ينفى كونهما كانا كافرين، لأنَّ الكافر وإنْ عُذب على ترك أحكام الإِسلام فإنه يُعذب مع ذلك على الكفر بلا خلافٍ". =

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= التنبيه الثالثُ: قولُهُ: "وما يعذبان في كبير" ليس معناه أنهما يعذبان في أمرٍ صغيرٍ.

قال البغويُّ في "شرح السُّنة"(1/ 371):

"معناه: أنهما لم يُعذبا في أمرٍ كان يكبُر ويشُقُّ عليهما الاحتراز عنه، لأنه لم يكن يشُقُ عليهما الاستتار من البول، وترك النميمة، ولم يُرد أن الأمر فيهما هيَّنٌ غير كبيرٍ من الدين، بدليل قوله: "وإنه لكبير" اهـ وقد عدَّ المصنفون في "الكبائر" كالذهبى وابن حجر الهيثمي الفقيه هذين الفعلين منهما. فقنا اللَّهم عذاب القبر إنك جوادٌ كريمٌ.

***

ص: 303