المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها - بغية المتطوع في صلاة التطوع

[محمد بن عمر بازمول]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌صلوات التطوعتعريفها، وأنواعها، وفضلها

- ‌ تعريف صلوات التطوع

- ‌ أنواع صلوات التطوع

- ‌ فضل صلوات التطوع

- ‌السنن الرواتبفضلها، ووصفها، وأحكامها

- ‌ فضل السنن الرواتب

- ‌ وصف السنن الراتبة وأحكامها

- ‌ راتبة صلاة الفجر:

- ‌ راتبة صلاة الظهر:

- ‌ راتبة صلاة العصر:

- ‌ راتبة صلاة المغرب:

- ‌ راتبة العشاء:

- ‌صلاة الليل والوتر

- ‌ فضلهما

- ‌ حكم صلاة الليل والوتر

- ‌ أول وقت صلاة الليل والوتر وآخره

- ‌ عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها

- ‌ ما يقرأ في الوتر

- ‌ القنوت في الوتر

- ‌ من نام عن وتره أو نسيه

- ‌ لا وتران في ليلة

- ‌صلوات متفرقة

- ‌ صلاة الإشراق

- ‌ صلاة الضحى

- ‌ صلاة الزوال

- ‌ صلاة الدخول والخروج من المنزل

- ‌ صلاة ركعتين بعد الوضوء

- ‌ صلاة تحية المسجد

- ‌ الصلاة بين الأذان والإقامة

- ‌ صلاة التوبة

- ‌ صلاة سنة الجمعة

- ‌ صلاة التسبيح

- ‌ صلاة القادم من السفر

- ‌ صلاة الاستخارة

- ‌ صلاة الكسوف والخسوف

- ‌ صلاة العيدين

- ‌ صلاة الاستسقاء

- ‌ صلاة الجنازة

- ‌ صلاة ركعتي الطواف

- ‌ الصلاة في مسجد قباء

- ‌مسائل وأحكامتتعلق بصلاة التطوع

- ‌ التطوع في البيت أفضل

- ‌ المداومة على التطوع أفضل وإن قل

- ‌ صلاة التطوع عن قعود

- ‌ صلاة التطوع في السفر

- ‌ وصل صلاة التطوع بالفرض

- ‌ صلاة التطوع على الراحلة

- ‌ الجماعة في صلاة التطوع

- ‌ قضاء الراتبة مع الفائتة

- ‌ أفضل الصلاة طول القراءة

- ‌ملحقبدع صلوات التطوع

- ‌فهرست المصادر والمراجع

الفصل: ‌ عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها

طلوع الفجر وقت للوتر، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالوتر قبل طلوع الفجر". اهـ. (1)

قلت: والأفضل في حق من خشي أن لا يقوم آخر الليل الصلاة في أوله، ومن وثق من نفسه؛ فالأفضل له تأخيره إلى آخر الليل؛ لما ثبت عن جابر؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل؛ فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره؛ فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل". أخرجه مسلم. (2)

(4-3)

‌ عدد ركعات صلاة الليل والوتر وصفتها

صلاة الليل والوتر إحدى عشرة ركعة، ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وقد وردت عنه عليه الصلاة والسلام بأوصاف متنوعة، إذا صلى المسلم بأي صفة منها؛ أجزأته وهذه الأوصاف هي التالية:

- (1-4-3) صلاة الليل مثنى مثنى والوتر بواحدة:

عن عبد الله بن عمر؛ أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشى أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". وفي رواية: " قام رجل فقال: يا رسول الله! كيف صلاة الليل؟ ". أخرجه الشيخان. (3)

(1)"مختصر قيام الليل "(ص119)

(2)

حديث صحيح. أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، حديث رقم 755) .

(3)

حديث صحيح.

أخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، حديث رقم 990) واللفظ له، والرواية المشار إليها أخرجها في (كتاب الصلاة، باب الحلق في المسجد، حديث رقم 473)

ص54

بنحوه، ولفظها لمسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 749) .

ص: 53

قلت: والحديث يدل على أن صلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين.

وأن الوتر يشرع كونه آخر صلاة الليل.

وأن الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها مشروع.

وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على تعين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل؛ لأن هذا ظاهر السياق؛ لحصر المبتدأ في الخبر.

وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل للمصلي؛ لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه؛ كما سيأتي إن شاء الله.

وليس في الحديث ما يعين أن جوابه صلى الله عليه وسلم بقوله: "صلاة الليل مثنى مثنى"؛ أن هذا هو الأفضل، بل يحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف؛ إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوقها؛ لما فيه من الراحة غالباً، وقضاء ما يعرض من أمر مهم، ولو كان الوصل لبيان الجواز فقط؛ لما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ادعى اختصاصه به؛ فعليه البيان، وقد صح عنه الفصل كما صح عنه الوصل. (1)

وقد استدل بعضهم بالحديث على أن صلاة الليل لا حد لأكثرها، وفيه نظر من وجوه؛ منها:

الوجه الأول: أن الثابت من فعله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل والوتر أنه لم يزد فيها عن إحدى عشرة ركعة.

الوجه الثاني: وردت رواية لهذا الحديث تفسره، وهي الرواية المشار إليها سابقاً، وقد أخرجها البخاري بلفظ: " أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب،

(1)"فتح الباري"(2/479) .

ص: 54

فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال: مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتر بواحدة؛ توتر لك ما قد صليت" (1) ، وهذه الرواية فيها بيان أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "مثنى مثنى" بيان كيفية الصلاة لا كمية الصلاة، فلا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ذاك بيان العدد، وإنما الفصل والوصل؛ فصلاة الليل تصلى ركعتين ركعتين، وأولى ما فسر به الحديث من الحديث. (2)

الوجه الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم: " مثنى مثنى": يفيد إرادة الصفة، لا إرادة العدد، إذ العدد المعدول (مثنى مثنى) إنما يعني: صلي صلاة الليل ركعتين ركعتين؛ دون أن يراد بيان العدد؛ فافهم. وهذا كما في قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء:3] . (3)

- (2-4-3) الوتر بركعة واحدة: يشرع الوتر بركعة واحدة، ومما يدل عليه ما يلي:

أ) ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح؛ فأوتر بركعة ".

ب) ما سبق من حديث أبي أيوب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الوتر حق على كل مسلم، فمن شاء؛ أوتر بسبع، ومن شاء؛ أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء؛ أوتر بواحدة، فمن غلب؛ فليومئ إيماء".

ج) عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" الوتر ركعة من آخر الليل ". أخرجه مسلم. (4)

(1) أخرجها: البخاري في (كتاب الصلاة، باب الحلق في المسجد، حديث رقم 473) .

(2)

"فتح الباري"(2/478-479) .

(3)

انظر: "تفسير الزجاج"(2/10) ، "تفسير القرطبي"(5/18) ، و "شرح قطر الندى"(ص316) ، في موانع الصرف – العلة الخامسة.

(4)

حديث صحيح.

ص56

أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 752) .

ص: 55

- (3-4-3) الوتر بثلاث ركعات:

ويشرع الوتر بثلاث ركعات فقط، ولك أن تصليها على صفتين، ما تيسر لك منها يجزئ عنك، وهي التالية:

الأولى: أن تصلي هذه الركعات الثلاث: ركعتين ثم تسلم، ثم تصلي ركعة واحدة.

الثانية: أن تصليها ثلاث ركعات متصلة، لا تقعد إلا في آخرهن:

لما ثبت عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب، ولكن أوتروا بخمس، أو بسبع، أو بتسع، أو بإحدى عشرة". أخرجه الحاكم. (1)

وقد ثبت أداء الثلاث موصولات دون قعود إلا في آخرهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء عن أبي بن كعب؛ قال: " كان رسول الله يقرأ من الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ، وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} ، وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحد} ، ولا يسلم إلا في آخرهن". أخرجه النسائي. (2)

وعن عائشة؛ قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث، لا يسلم إلا في

(1) حديث صحيح.

أخرجه الحاكم في "المستدرك"(1/314) وصححه على شرطهما، والطحاوي في "شرح معانى الآثار"(1/292) ، وصححه الألباني في "صلاة التراويح"(ص85) .

(2)

حديث صحيح.

أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر، 3/235-236) ، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي"(1/372) .

ص: 56

آخرهن ". أخرجه الحاكم. (1) وعن بعض الصحابة رضوان الله عليهم. (2)

ومن الأدلة على مشروعية الوتر بثلاث ركعات ما تقدم في حديث أبي أيوب: "ومن أحب أن يوتر بثلاث؛ فليفعل".

- (4-4-3) الوتر بخمس ركعات:

يشرع الوتر بخمس ركعات، ولك أن تصليها على صفتين:

الأولى: أن تصلي ركعتين، ثم تصلي ركعتين، ثم تصلي ركعة.

الثانية: أن تصليها خمس ركعات موصولات، لا تجلس إلا في آخرهن.

والدليل على ذلك جميعه ما يلي:

أ) ما سبق في حديث أبي أيوب المتقدم: "من أحب أن يوتر بخمس؛ فليفعل".

(1)"مستدرك الحاكم"(1/304)، وانظر:"فتح الباري"(2/481) .

(2)

انظر: " المستدرك " للحاكم (1/304) ، " مختصر قيام الليل لابن نصر" للمقريزي (ص126) .

فائدة: قال العلامة الألباني: " إن الإيتار بثلاث بتشهدين كصلاة المغرب لم يأت فيه حديث صحيح صريح، بل هو لا يخلو من كراهة، ولذلك نختار أن لا يقعد بين الشفع والوتر، وإذا قعد؛ سلم، وهذا هو الأفضل؛ لما تقدم، والله الموفق، لا رب سواه". اهـ. "صلاة التراويح"(ص98) .

قلت: وذهب الشوكاني في "نيل الأوطار"(3/44) إلى أن الأحوط ترك الإيتار بثلاث متصلة مطلقاً.

وعندي: لا معنى لهذا الاحتياط مع ثبوت إيتار الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة بثلاث بتشهد واحد في آخرها، والأمر عندي كما قال الألباني. والله أعلم.

ص: 57

ب) ما سبق في حديث ابن عمر: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الفجر؛ أوتر بركعة".

ج) عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة؛ يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس إلا في آخرها". وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر ". أخرجه مسلم. (1)

د) وعنها؛ قالت: " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في الآخرة منهن". أخرجه أبو عوانة. (2)

- (5-4-3) الوتر بسبع ركعات:

يشرع الوتر بسبع ركعات، ويؤدى على صفتين:

الأولى: أن يصلي ست ركعات مثنى مثنى، ثم يوتر بواحدة.

الثانية: أن يصلي سبع ركعات موصولات، لا يقعد إلا في السادسة، فيتشهد، ثم يقوم ولا يسلم، ويأتي بالسابعة ثم يسلم.

ومما يدل على ذلك ما يلي:

حديث أبي أيوب، وفيه:" الوتر حق، فمن شاء؛ أوتر بسبع".

عن أم سلمة: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة ركعة، فلما كبر

(1) حديث صحيح.

أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 737) ، والرواية الأخرى له أيضاً.

(2)

حديث صحيح.

أخرجه أبو عوانة (2/325)

ص: 58

وضعف أوتر بسبع". أخرجه الترمذي والنسائي. (1)

ج) حديث ابن عمر المتقدم: " صلاة الليل مثنى مثنى

".

د) عن عائشة؛ قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوتر بتسع ركعات؛ لم يقعد إلا في الثامنة، فيحمد الله، ويذكره، ويدعو، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، فيجلس، فيذكر الله عز وجل، ويدعو، ثم يسلم تسليمة يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فلما كبر وضعف؛ أوتر بسبع ركعات، لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم، فيصلي السابعة، ثم يسلم تسليمة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس". أخرجه مسلم والنسائي. (2)

- (6-4-3) الوتر بتسع ركعات:

ويشرع للمسلم أن يوتر بتسع ركعات، وله فيها صفتان، وهي التالية:

الأولى: أن يصلي مثنى مثنى ثمان ركعات ثم يوتر بواحدة.

الثانية: أن يصلي تسع ركعات موصولات، لا يقعد إلا في الثامنة للتشهد، ثم يصلي التاسعة، ويقعد فيها للتشهد الثاني، ثم يسلم.

(1) حديث صحيح.

أخرجه النسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب ذكر الاختلاف على حبيب بين أبي ثابت في حديث ابن عباس في الوتر، 3/237)، ووقع عنده:"بتسع"؛ مكان: "بسبع" ونبه النسائي إلى شذوذها، وأخرجه الترمذي في (كتاب الصلاة، باب ما جاء في الوتر بسبع، حديث رقم 457) واللفظ له، وقال:"حديث أم سلمة حديث حسن"، وأخرجه الحاكم (1/306) وصححه على شرط الشيخين، وصححه الشيخ أحمد شاكر في "تحقيقه للترمذي"(2/320) .

(2)

حديث صحيح.

أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم 746) ، والنسائي في (كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب كيف الوتر بسبع، 3/240) واللفظ له.

ص: 59

ومما يدل على ذلك ما يلي:

أ) ما سبق من قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى؛ فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ".

ب) عن سعد بن هشام؛ قال: " قلت: يا أم المؤمنين (يعني: عائشة رضي الله عنها ! أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. قال: فهممت أن أقوم ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله؟ فقالت: ألست تقرأ: {يا أيها المزمل} ؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله من آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء الله أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات؛ لا يجلس إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم، فيصلي التاسعة، ثم يقعد، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد؛ فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما سن نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم؛ أوتر بسبع؛ وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول؛ فتلك تسع يا بني

" أخرجه مسلم. (1)

- (7-4-3) الوتر بإحدى عشرة ركعة:

يشرع للمسلم أن يوتر بإحدى عشرة ركعة، ويصليها على صفتين:

(1) حديث صحيح.

أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، حديث رقم 746) .

ص: 60

الأولى: أن يصلي مثنى مثنى عشر ركعات ثم يوتر بواحدة.

الثاني: أن يصلي أربعاً أربعاً ثم يصلي ثلاثاً. (1)

ويدل على ذلك ما يلي:

أ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً،؛ فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: " يا عائشة! إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ".

وفي رواية: " كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس؛ فإذا أراد أن يركع؛ قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من الصبح ". أخرجه الشيخان. (2)

ب) وعنها؛ قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة؛ يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها؛ اضطجع على شقه الأيمن، حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين ".

وفي رواية: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء (وهي التي يدعو الناس العتمة) إلى الفجر إحدى عشرة ركعة؛ يسلم بين كل

(1) ولك أن تصلي هذه الثلاث على ما سبق في الوتر بثلاث.

(2)

حديث صحيح.

أخرجه البخاري في (كتاب التهجد، باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، حديث رقم 1147) واللفظ له، وطرفاه تحت (رقم 2013، 3569) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 738) والرواية له.

ص: 61

ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر، وتبين له الفجر، وجاءه المؤذن؛ قام، فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة". أخرجه مسلم. (1)

قلت: وانتهت صلاة الليل والوتر إلى الإحدى عشرة ركعة. (2)

(1) حديث صحيح.

أخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة، حديث رقم 736) .

(2)

فإن قيل: ورد في بعض الأحاديث السابقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة"؛ فكيف يصح أن صلاة الليل والوتر إحدى عشرة ركعة فقط؟!

فالجواب: لا تعارض بين الروايات في ذلك، والذي يظهر أن عائشة رضي الله عنها عدت مرة مع الإحدى عشرة ركعة ركعتي الفجر، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل، ومرة عدت معها الركعتين الخفيفتين بعد الوتر؛ وبيان ذلك كما يلي:

أما ما يدل على أنها عدت مرة في الثلاث عشرة ركعة ركعتي الفجر؛ فهو قوله: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر ". أخرجه البخاري (1140) ، ومسلم (736-738) .

أما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يفتح بهما صلاة الليل؛ فهو قولها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين". أخرجه البخاري (1170)، مع قولها:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي؛ افتتح صلاته بركعتين خفيفتين ". أخرجه مسلم (767) .

ورجح هذا الجمع العلامة الألباني، وأيده برواية لهذا الحديث تفصل مجمله؛ فانظرها في:"صلاة التراويح"(ص90)، وانظر:" تمام المنة"(ص 249- 252) .

وأما ما يدل على أنها عدت مرة الركعتين الخفيفتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر؛ فهو ما سبق في (6-4-3) من حديث سعد بن هشام عن عائشة؛ فانظره.

وكذا ما ورد عن ابن عباس من قوله: " كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة"؛ يعني: بالليل. أخرجه البخاري (1138) . فهذه رواية مجملة تبينها رواية أخرى للحديث نفسه؛ انظره في: "البخاري" تحت (رقم992) ؛ فقد ذكر أنه عليه الصلاة والسلام " صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر"؛ فالظاهر أنه عد الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلى الله عليه وسلم صلاة الليل، وقيل: منها

ص63

سنة الفجر، وانظر:" فتح الباري"(2/483-484) ؛ فقد أشار إلى اختلاف الروايات، وما قدمته هو الراجح عندي. والله أعلم.

وكذا ما سبق في (5-4-3) عن أم سلمة رضي الله عنها من أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة؛ فالظاهر أنها عدت الركعتين الخفيفتين قبل صلاة الليل والوتر.

فإن قيل: قوله صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح؛ صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ": ألا يدل على أن صلاة الليل لا حد لها من جهة العدد؛ لأنه جعل الليل بطوله وقتاً لها، فقال: " فإذا خشي أحدكم الصبح

".

فالجواب: سبق في (1-4-3) ذكر الأدلة على أن الحديث لا دلالة فيه على أن صلاة الليل لا عدد لها، وأزيد هنا:

قوله: " فإذا خشي أحدكم الصبح

": غايته أن يدل على أن الوتر هو آخر صلاة الليل، وأن وقت الوتر يخرج بطلوع الفجر، وأن على من يصلي في الليل أن لا يترك الوتر.

ويؤكد هذا أن الحديث أخرجه النسائي (3/233) ، وابن ماجه (6/353-354) ، رقم 2624- الإحسان) ، وفي "المعجم الكبير"(12/274، رقم 13096) ؛ بلفظ: " صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف؛ فاركع واحدة توتر لك ما صليت"، وأولى ما فسر به الحديث بالحديث، وبالله التوفيق.

ص: 62

مسألة: ما حكم الركعتين اللتين كان يصليهما الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالساً؟

وللجواب عن هذه المسألة أقول:

قال صلى الله عليه وسلم: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً " متفق عليه. (1)

وسبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد الوتر أحياناً وهو جالس.

(1) حديث صحيح.

واخرجه البخاري في (كتاب الوتر، باب ليجعل آخر صلاته وتراً، حديث رقم 998) ، وأخرجه مسلم في (كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى، والوتر ركعة من آخر الليل، حديث رقم 751) .

ص: 63